الثلاثاء، 14 مايو 2024

حكم الحلف بغير الله ؟!

 


#حكم_الحلف_بغير_الله ؟!
تضافر الحلف بغيره سبحانه في الكتاب العزيز والسنّة النبوية، أمّا الكتاب فقد حلف بأشياء كثيرة، وأمّا السنّة فقد حلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غير مورد بغير اسم اللّه.

فقد أخرج مسلم في صحيحه: أنّه جاء رجل إلى النبي، فقال: يا رسول اللّه أي الصدقة أعظم أجراً؟ فقال: أما ـ و أبيك ـ لتنبئنَّه أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء 1و أخرج مسلم أيضاً: جاء رجل إلى رسول اللّه ـ من نجد ـ يسأل عن الاِسلام، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: خمس صلوات في اليوم والليل.
فقال: هل عليَّ غيرهنّ؟
قال: "لا...إلاّ أن تطوع"، وصيام شهر رمضان".فقال: هلّ عليَّ غيره؟
قال: "لا... إلاّ تطوّع، وذكر له رسول اللّه الزكاة.
فقال الرجل: هل عليّ غيره؟
قال: "لا... إلاّ أن تطوّع".فأدبر الرجل وهو يقول: واللّه لا أزيد على هذا ولا أنقص منه.
فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: أفلح ـ وأبيه ـ إن صدق.
أو قال: دخل الجنة ـ و أبيه ـ إن صدق. 2

وقد حلف غير واحد من الصحابة بغيره سبحانه، فهذا أبو بكر بن أبي قحافة على ما يرويه مالك في موطّئه: أنّ رجلاً من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم فنزل على أبي بكر فشكا إليه أنّ عامل اليمن قد ظلمه، فكان يصلي من الليل، فيقول أبو بكر: وأبيك ما ليلك بليل سارق.3

وهذا علي بن أبي طالب عليه السلام قد حلف بغيره سبحانه في غير واحد من خطبه: فقال: ولعمري ما علي ّمن قتال من خالف الحق وخابط الغي من إدهان ولا إيهان 4ولعمري ما تقادمت بكم ولا بهم العهود.5

إلى غير ذلك من الاَقسام الواردة في كلامه عليه السلام وسائر أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

نعم ثمة أحاديث استدل بها على المنع عن الحلف بغير اللّه، غير أنّها ترمي إلى معنى آخر.

الحديث الاَوّل

إنّ رسول اللّه سمع عمر، وهو يقول:وأبي، فقال: إنّ اللّه ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفاً فليحلف باللّه أو يسكت.6

والجواب: انّ النهي عن الحلف بالآباء قد جاء لاَنّهم كانوا ـ في الغالب ـ مشركين وعبدة للاَوثان فلم يكن لهم حرمة ولا كرامة حتى يحلف أحد بهم، ولاَجل ذلك نرى أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل آباءَهم قرناء مع الطواغيت مرّة، وبالاَنداد ـ أي الاَصنام ـ ثانية، وقال: لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت.7

وقال أيضاً: لا تحلفوا بآبائكم ولا بأُمهاتكم ولا بالاَنداد.8

وهذان الحديثان يؤكدان على أنّ المنهي عنه هو الحلف بالآباء الكافرين الذين كانوا يعبدون الاَنداد والطواغيت، فأين هو من حلف المسلم بالكعبة والقرآن والاَنبياء والاَولياء في غير القضاء والخصومات؟.

الحديث الثاني

جاء ابنَ عمر رجل فقال: أحلف بالكعبة؟ قال له: لا، ولكن إحلف بربِّ الكعبة، فانّ عمر كان يحلف بأبيه، فقال رسول اللّه له: "لا تحلف بأبيك، فانّ من حلف بغير اللّه فقد أشرك. 9
إنّ الحديث يتألف من أمرين:

أ: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من حلف بغير اللّه فقد أشرك.

ب: اجتهاد عبد اللّه بن عمر، حيث عدّ الحلف بالكعبة من مصاديق حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أمّا الحديث فنحن نذعن بصحته، والقدر المتيقن من كلامه ما إذا كان المحلوف به شيئاً يعد الحلف به شركاً كالحلف بالاَنداد والطواغيت والآباء الكافرين. فهذا هو الذي قصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يعم الحلف بالمقدسات كالقرآن وغيره.

وأمّا اجتهاد ابن عمر حيث عدّالحلف بالكعبة من مصاديق الحديث، فهو اجتهاد منه وحجّة عليه دون غيره.

وأمّا انّ الرسول عدّحلف عمر بأبيه من أقسام الشرك فلاَجل أنّ أباه كان مشركاً، وقد قلنا إنّ الرواية ناظرة إلى هذا النوع من الحلف.

ومجمل القول: إنّ الكتاب العزيز هو الاَُسوة للمسلمين عبر القرون، فإذا ورد فيه الحلف من اللّه سبحانه بغير ذاته سبحانه من الجماد والنبات والاِنسان فيستكشف منه أنّه أمر سائغ لا يمت إلى الشرك بصلة، وتصوّر جوازه للّه سبحانه دون غيره أمر غير معقول، فانّه لو كان حقيقة الحلف بغير اللّه شركاً فالخالق والمخلوق أمامه سواء.

نعم الحلف بغير اللّه لا يصحّ في القضاء وفضّ الخصومات، بل لابدّمن الحلف باللّه جلّ جلاله أو بإحدى صفاته التي هي رمز ذاته، وقد ثبت هذا بالدليل ولا علاقة له بالبحث.
وأمّا المذاهب الفقهية فغير مجمعين على أمر واحد.

أمّا الحنفية، فقالوا: بأنّ الحلف بالاَب والحياة، كقول الرجل: وأبيك، أو: وحياتك وما شابه، مكروه.

وأمّا الشافعية، فقالوا: بأنّ الحلف بغير اللّه ـ لو لم يكن باعتقاد الشرك ـ فهو مكروه.

وأمّا المالكية، فقالوا: إنّ في القسم بالعظماء والمقدسات ـ كالنبي و الكعبة ـ فيه قولان: الحرمة والكراهة، والمشهور بينهم: الحرمة.

وأمّا الحنابلة، فقالوا: بأنّ الحلف بغير اللّه وبصفاته سبحانه حرام، حتى لو كان حلفاً بالنبي أو بأحد أولياء اللّه تعالى.

هذه فتاوى أئمّة المذاهب الاَربعة. 10

ولا يخفى انّ العرب كانت تعظم هذه الاَشياء وتقسم بها فنزل القرآن على ما يعرفون.

وانّ الاِقسام إنّما تكون بما يعظمه المقسم أو يُجلُّه وهو فوقه واللّه تعالى ليس شيء فوقه، فأقسم تارة بنفسه وتارة بمصنوعاته، لاَنّها تدل على بارئ وصانع وبما أنه بغير ذاته فالحلف بغيره تعالى جائز.11

1- صحيح مسلم:3|94، باب أفضل الصدقة من كتاب الزكاة.
2- صحيح مسلم:1|32، باب ما هو الاِسلام.
3- شرح الزرقاني على موطأ مالك: 4|159 برقم 580.
4- نهج البلاغة: الخطبة 23و85.
5- نهج البلاغة: الخطبة 23و85.
6- سنن ابن ماجة: 1|277.
7- سنن النسائي: 7|7؛ سنن ابن ماجة: 1|278.
8- سنن النسائي:7|9.
9- سنن النسائي: 7ج ص8
10- انظر الفقه على المذاهب الاَربعة:2|75، كتاب اليمين.
11- الأقسام في القرأن / الشيخ السبحاني ص40_45
--
عند الوهابية من حلف بغير الله فقد أشرك .
النبي عندهم يحلف بغير الله ، فهل هو عندكم مشرك
صحيح مسلم
1032 - وحدثنا : ‏ ‏أبوبكر بن أبي شيبة ‏ ‏وإبن نمير ‏ ‏قالا ، حدثنا : ‏ ‏إبن فضيل ‏ ‏، عن ‏ ‏عمارة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي زرعة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال : ‏ ‏جاء رجل إلى النبي ‏(ص)‏ ‏فقال : يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً فقال : 👈🏾أما وأبيك لتنبأنه ‏ ‏أن تصدق وأنت صحيح ‏ ‏شحيح ‏ ‏تخشى الفقر وتأمل البقاء ... الخ الحديث
صحيح مسلم :
2548 - حدثنا : ‏حدثنا : ‏ ‏أبوبكر بن أبي شيبة ‏ ، حدثنا : ‏ ‏شريك ‏ ‏، عن ‏ ‏عمارة ‏ ‏وإبن شبرمة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي زرعة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال : ‏ ‏جاء رجل إلى النبي ‏ ‏(ص) ‏ ‏فذكر ‏ ‏بمثل حديث ‏ ‏جرير ‏ ‏وزاد فقال : نعم 👈🏾وأبيك لتنبأن ‏ .
سنن إبن ماجه :
2706 - حدثنا : ‏أبوبكر بن أبي شيبة ‏ ، حدثنا : ‏ ‏شريك ‏ ‏، عن ‏ ‏عمارة بن القعقاع بن شبرمة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي زرعة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال : ‏ ‏جاء ‏ ‏رجل ‏ ‏إلى النبي ‏ ‏(ص) ‏فقال : يا رسول الله نبئني ما حق الناس مني بحسن الصحبة فقال : ‏ ‏نعم 👈🏾وأبيك لتنبأن أمك قال : ثم من قال : ثم أمك قال .. الخ الرواية
مسند أحمد :
7119 - حدثنا : ‏محمد بن فضيل ‏ ‏، عن ‏ ‏عمارة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي زرعة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال : ‏ ‏جاء رجل إلى رسول الله ‏ (ص)‏ ‏فقال : يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً قال : ‏ ‏أما 👈🏾وأبيك لتنبأنه أن تصدق وأنت صحيح شحيح ‏ ‏تخشى الفقر وتأمل البقاء
--
اتفق العلماء على أن الحالف بغير الله لا يكون كافرًا حتى يُعَظِّم ما يحلف به من دون الله تعالى؛ فالكُفْرُ حينئذٍ من جهة هذا التعظيم لا من جهة الحلف نفسه.
والحلف بما هو مُعَظَّم في الشرع؛ كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام والكعبة، لا حرج فيه شرعًا، ولا مشابهة فيه لحلف المشركين بوجهٍ من الوجوه؛ لأنه لا وجه فيه للمضاهاة، بل هو تعظيمٌ لما عظَّمه الله، ومن هنا أجازه كثيرٌ من العلماء؛ منهم الإمام أحمد بن حنبل، وعلَّل ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أحد ركني الشهادة التي لا تتم إلا به؛ فلا وجه فيه للمضاهاة بالله تعالى، بل تعظيمه بتعظيم الله تعالى له، والقائل بمنع الحلف بغير الله على جهة العموم من العلماء إنما مَنَعَه أخذًا بظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله، والقول بالعموم على هذا النحو فيه نظر؛ للإجماع على جواز الحلف بصفات الله تعالى؛ فهو "عمومٌ أُريدَ به الخصوص".
فالتعظيم بالله تعالى هو في حقيقته تعظيمٌ له سبحانه؛ كما قال جل جلاله: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ﴾ [الحج: 32]، ولذلك كان سجود الملائكة لآدم عليه السلام إيمانًا وتوحيدًا، وكان سجود المشركين للأصنام كفرًا وشركًا، مع كون المسجود له في الحالتين مخلوقًا، لكن لمّا كان سجود الملائكة لآدم عليه السلام تعظيمًا لما عظمه الله كما أمر الله كان وسيلة مشروعة يستحق فاعلها الثواب، ولما كان سجود المشركين للأصنام تعظيمًا كتعظيم الله كان شركًا مذمومًا يستحق فاعله العقاب.
قال العلامة ابن المنذر: [اختلف أهل العلم في معنى النهي عن الحلف بغير الله: فقالت طائفة: هو خاص بالأيمان التي كان أهل الجاهلية يحلفون بها تعظيمًا لغير الله تعالى؛ كاللات والعزى والآباء، فهذه يأثم الحالف بها ولا كفارة فيها. وأمَّا ما كان يؤول إلى تعظيم الله؛ كقوله: وحق النبي والإسلام والحج والعمرة والهدي والصدقة والعتق ونحوها مما يراد به تعظيم الله والقربة إليه، فليس داخلًا في النهي. وممن قال بذلك: أبو عبيد وطائفة ممن لقيناه، واحتجوا بما جاء عن الصحابة من إيجابهم على الحالف بالعتق والهدي والصدقة ما أوجبوه مع كونهم رأوا النهي المذكور، فدل على أن ذلك عندهم ليس على عمومه؛ إذ لو كان عامًّا لنَهَوْا عن ذلك ولم يوجبوا فيه شيئًا] اهـ نقلًا من "فتح الباري" لابن حجر العسقلاني (11/ 535).
هذا عن الحلف، أما الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بغيره مما لا يُقْصَد به حقيقةُ الحلف فغير داخل في النهي أصلًا، بل هو أمر جائزٌ لا حرج فيه؛ لوروده في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الصحابة وجريان عادة الناس عليه بما لا يخـالف الشـرع الشـريف، وليس حرامًا ولا شركًا كما يُقال، ولا ينبغي للمسلم أن يتقول على الله بغير علم، ولا يجوز له أن يتهم إخوانه بالكفر والشـرك فيدخـل بذلك في وعيد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» رواه مسلم.
والله سبحانه وتعالى أعلم

بيان عقيدة الأشاعرة ..

 * بيان عقيدة الأشاعرة ..


-------------------------------------
مذهب أهل السنة والجماعة - الأشاعرة والماتريدية - مذهب واضح في جميع أبواب علم التوحيد، ولكن أكثر ما ينكره من جهلوا حقيقة المذهب مسألة في الإيمان بالله، وهي تتعلق بـ «الإضافات إلى الله» أو ما يسمى بـ «الصفات الخبرية».
ونشأ هذا بسبب أن بعض الألفاظ الواردة في القرآن، والتي أضافها الله له في كتابه العزيز يريد بعضهم أن يثبتها على الحقيقة اللغوية مما يلزم منه تشبيه الخالق سبحانه وتعالى بخلقه، وأما أهل الحق فرأوا أن هذه الألفاظ لا نتعرض لمعناها لأنها من قبيل المتشابه.
فهم يرون أن هذه الإضافات أو الصفات الخبرية لم تثبت لله من جهة العقل، وإنما ثبتت بالخبر، فطريقهم فيها هو أن هذه الألفاظ المضافة لله، أو الصفات المخبر بها، يُسلم بها وتمر كما جاءت دون أن يعتقد حقيقة مدلولاتها اللغوية، فلا يقولون نثبتها على المعني اللغوي الحقيقي لها؛ إذ ظاهر الألفاظ يدل على حقائق معانيها معروفة في اللغة، وهذه الحقائق اللغوية تتنافى مع تنزيه الباري سبحانه وتعالى. وعلى هذا درج المتقدمون من أهل السنة والجماعة، والذين عرفوا فيما بعد الأشاعرة.
ومتأخروهم سلكوا مسلك التأويل، حين رأوا أن الإثبات على طريقة المشبهة، أفضى عند بعضهم إلى القول بالجسمية ولوازمها، والمتقدمون من أهل السنة والمتأخرون كلهم متفقون على الإمرار وعدم التعرض للفظة بالنفي، وكذلك عدم اعتقاد حقيقتها اللغوية التي من شأنها تشبيه الرب سبحانه وتعالى بخلقه، ولكن زاد المتأخرون بأن هذه الألفاظ لا يجوز أن يفهم منها إلا ما يليق بالله، فكأنهم يقولون للخصم إذا صممت أن تتكلم عن معنى لهذا الصفات فقل أي معنى إلا المعنى الذي ينقص من قدر الرب ويشبهه بخلقه، فقالوا : أيها الخصم قل : عين الله تعني رعايته وعنايته كما في قوله تعالى : {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}، ولكن إياك أن تقول : إنها جارحة؛ ولذا يصلح أن نقول إن مذهب السلف مذهب اعتقاد، ومذهب الخلف مذهب مناظرة.
فهذا مذهب أهل السنة في التعامل مع تلك الألفاظ التي إذا ما أُثبتت على الحقيقة اللغوية تلزم التشبيه قطعًا؛ ولذا قال الحافظ العراقي في معرض الكلام عن «الوجه» : «تكرر ذكر وجه الله تعالى في الكتاب والسنة وللناس في ذلك - كغيره من الصفات - مذهبان مشهوران؛ (أحدهما) : إمرارها كما جاءت من غير كيف فنؤمن بها ونكل علمها إلى عالمها مع الجزم بأن الله ليس كمثله شيء وأن صفاته لا تشبه صفات المخلوقين (وثانيهما) : تأويلها على ما يليق بذاته الكريمة فالمراد بالوجه الموجود »( طرح التثريب). ويقصد بالناس «أهل الحق».
وما أجمل ما قال ابن قدامة المقدسي في لمعة الاعتقاد عن تلك الألفاظ التي توهم التشبيه في حملها على الحقيقة اللغوية حيث قال : « وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل، والتشبيه، والتمثيل وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظًا، وترك التعرض لمعناه، ونرد علمه إلى قائله، ونجعل عهدته على ناقله اتباعًا لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين بقوله سبحانه وتعالى ‏‏: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله : {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ }،فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم ثم حجبهم عما أملوه وقطع أطماعهم عما قصدوه بقوله سبحانه وما يعلم تأويله إلا الله ‏.‏
قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول النبي ﷺ : "إن الله ينزل إلى سماء الدنيا، وإن الله يرى في القيامة". وما أشبه هذه الأحاديث نؤمن بها ونصدق بها لا كيف، ولا معنى، ولا نرد شيئا منه، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق، ولا نرد على رسول الله ﷺ ، ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ونقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه، لا نتعدى ذلك ولا يبلغه وصف الواصفين، نؤمن بالقرآن كله، محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت ولا نتعدى القرآن والحديث ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول ﷺ وتثبيت القرآن.‏ قال الإمام أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه آمنت بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله ‏.‏
وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله ‏»( لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد)
حقيقة انتساب الأشاعرة لأبي الحسن :
قد يقول بعضهم : إذا كان الأشاعرة على مذهب أهل السنة فلماذا لا يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة ؟ ولماذا ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري ولا ينتسبون في اعتقادهم إلى النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه ؟
وهذه الشبهة لا تطرأ على أهل العلم، وإنما تطرأ على ضعاف العقول وعوام الناس؛ لأن أهل العلم يعلمون أنه لا مشاحة في الاصطلاح، فالذي يحكم بين أن هذا مذهب حق أو باطل الأدلة وليس المسمى.
ونقول إن الأشاعرة انتسبوا إلى أبي الحسن الأشعري؛ لأن عندما اختلف الناس وظهر المبتدعة ممن أساءوا الأدب مع الله ورسوله وكلهم زعموا أن هذه هي عقيدة النبي ﷺ وأصحابه، فكان لازمًا على المعتقد بعد ظهور الفرق أن يحدد هو على عقيدة النبي ﷺ وأصحابه كما بينها أبو الحسن الأشعري، فأبو الحسن الأشعري لم يبدع مذهبًا في الاعتقاد، وإنما قرر مذهب أهل السنة والجماعة، وذلك ما صرحه به السبكي حيث قال : « واعلم أن أبا الحسن الأشعري لم يبدع رأياً ولم يُنشئ مذهبًا؛ وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله ﷺ فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقا وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه فصار المقتدي به في ذلك السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريًا»
ثم قال بعد ذلك ما يؤكد كلامه فقال : « قال المآيرقي المالكي: ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلسان أهل السنة؛ إنما جرى على سنن غيره، وعلى نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجة وبيانًا، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبا به، ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك، ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له مالكي، ومالك إنما جرى على سنن من كان قبله وكان كثير الاتباع لهم، إلا أنه لما زاد المذهب بيانا وبسطا عزي إليه، كذلك أبو الحسن الأشعري لا فرق، ليس له في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه وما ألفه في نصرته »( طبقات الشافعية).
ويقول التاج السبكي : «وهؤلاء الحنفية، والشافعية، والمالكية، وفضلاء الحنابلة في العقائد يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجـماعة يدينون لله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمه الله، ... ثم يقول بعد ذلك: « وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة »( معيد النعم ومبيد النقم).
وقال العلامة ابن عابدين : « (قوله : عن معتقدنا) أي عما نعتقد من غير المسائل الفرعية مما يجب اعتقاده على كل مكلف بلا تقليد لأحد، وهو ما عليه أهل السنة والجماعة وهم الأشاعرة والماتريدية، وهم متوافقون إلا في مسائل يسيرة أرجعها بعضهم إلى الخلاف اللفظي كما بين في محله»(«حاشية ابن عابدين»).
ولذلك كله إذا قلنا إن عقيدة النبي ﷺ وأصحابه هي عقيدة الأشاعرة سيكون ذلك تقريرًا للواقع، كما قيل عن النبي ﷺ كانت أغلب قراءته نافع، رغم أن نافع لم ير النبي ﷺ ونافع هو الذي يقرأ مثل النبي ﷺ وليس العكس، ولكن لما كان نافع جامعًا منقحًا لتلك القراءة نسبت إليه وقيل : «إن أغلب قراءة النبي ﷺ نافع» وعليه فيصح أن تقول: «إن عقيدة النبي ﷺ وأصحابه هي عقيدة الأشاعرة ».
تبين مما سبق أن اعتقاد السلف هو الإقرار والإمرار دون التعرض للمعنى اللغوي الذي يوهم التشبيه، كما صرح بذلك الإمام الشافعي والإمام أحمد وغيرهم، وهذه هي عقيدة الأشاعرة، والله تعالى أعلى وأعلم.
اللهم أبلغنا مقاصدنا وٱجعلنا من أهل الجنة يارب --
الأشاعرة هم من ينتسبون إلى الإمام أبي الحسن الأشعري في مذهبه الاعتقادي، وقبل أن نعرف ما هو المذهب الأشعري نتعرف أولا على أبي الحسن الأشعري.
الإمام أبو الحسن الأشعري وثناء العلماء على مذهبه :
هو الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بُردَةَ عامر ابن صاحب رسول الله ﷺ أبي موسى الأشعري.
ولد رضي الله عنه سنة ستين ومائتين (260 هـ) بالبصرة، وقيل: بل ولد سنة سبعين ومائتين (270 هـ)، وفي تاريخ وفاته اختلاف منها أنه توفي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة (333 هـ)، وقيل: سنة أربع وعشرين وثلاثمائة (324 هـ)، وقيل: سنة ثلاثين وثلاثمائة (330 هـ)، توفي رحمه الله ببغداد ودفن بين الكرخ وباب البصرة.
كان أبو الحسن الأشعري سنّيـا من بيت سنّة، ثم درس الاعتزال على أبي علي الجبَّائي وتبعه في الاعتزال، ثم تاب ورَقِيَ كرسيّا في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة، ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فإني أعرفه بنفسي، أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن، وأن الله لا تراه الأبصار، وأن أفعال الشر أنا أفعلها، وأنا تائب مقلع، معتقد للرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم ومعايبهم.
قال الفقيه أبو بكر الصَّيرَفي: «كانت المعتزلة قد رفعوا رءوسهم حتى نشأ الأشعري فحجزهم في أقماع السَّماسم».
قال عنه القاضي عياض المالكي : « وصنف لأهل السنة التصانيف، وأقام الحجج على إثبات السنة، وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى ورؤيته، وقدم كلامه، وقدرته، وأمور السمع الواردة. قال : تعلق بكتبه أهل السنة، وأخذوا عنه، ودرسوا عليه، وتفقهوا في طريقه، وكثر طلبته وأتباعه، لتعلم تلك الطرق في الذب عن السنة، وبسط الحجج والأدلة في نصر الملة، فسموا باسمه، وتلاهم أتباعهم وطلبتهم، فعرفوا بذلك - يعني الأشاعرة - وإنما كانوا يعرفون قبل ذلك بالمثبتة، سمة عرفتهم بها المعتزلة؛ إذ أثبتوا من السنة والشرع ما نفوه. قال : فأهل السنة من أهل المشرق والمغرب، بحججه يحتجون، وعلى منهاجه يذهبون، وقد أثنى عليه غير واحد منهم، وأثنوا على مذهبه وطريقه »( ترتيب المدارك).
وقال عنه التاج السبكي : « ذكر بيان أن طريقة الشيخ- يعني الأشعري- هي التي عليها المعتبرون من علماء الإسلام والمتميزون من المذاهب الأربعة في معرفة الحلال والحرام والقائمون بنصرة دين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام »( إيضاح البرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان).
قال عنه الإسنوي : « هو القائم بنصرة أهل السنة القامع للمعتزلة وغيرهم من المبتدعة بلسانه وقلمه، صاحب التصانيف الكثيرة، وشهرته تغني عن الإطالة بذكره »( الإدراك في الفنون).
وقال القاضي ابن فرحون المالكي عنه : «كان مالكيًا صنف لأهل السنة التصانيف وأقام الحجج على إثبات السنن وما نفاه أهل البدع...، ثم قال: «فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة العقلية، ودفع شبه المعتزلة ومن بعدهم من الملاحدة، وصنف في ذلك التصانيف المبسوطة التي نفع الله بها الأمة، وناظر المعتزلة وظهر عليهم، وكان أبو الحسن القابسي يثني عليه، وله رسالة في ذكره لمن سأله عن مذهبه فيه أثنى عليه وأنصف، وأثنى عليه أبو محمد بن أبي زيد وغيره من أئمة المسلمين »( الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب).