الأحد، 23 ديسمبر 2018

حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية ؟ وحكم تهنئة النصارى بأعيادهم ؟ وتأصيل شرعي لحكم الاحتفال بالأعياد الدنيوية؟






بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد..
فمن الموضوعات الجدلية التي تلقي بظلالها كل عام موضوع تهنئة النصارى بأعياد الميلاد، ويختلف الفقهاء المعاصرون في تكييف الحكم الفقهي لها من بين مؤيد لتهنئتهم، ومعارض لذلك، ويستند كل فريق من الفريقين إلى مجموعة من الأدلة.
وما أود قوله إن المسألة، وإن كان البعض يدخلها في خصوصيات العقيدة الإسلامية، إلا أن لها حكما فقهيا يستند إلى النظر الدقيق، والتفكر العميق في نصوص الشريعة الإسلامية.
وأحببت أن أنقل للقارئ الكريم وجهات النظر المختلفة في الموضوع من خلال الفتاوى الواردة على بعض مواقع الإنترنت، ثم أعلق على هذه الفتاوى بحول الله تعالى وقوته.

انقسم العلماء بين مؤيد ومعارض …

أولا : رأي المانعين لتهنئة النصارى بأعياد ميلادهم:

يرى ذلك فضيلة الشيخ ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى وتبعهما في الحكم والاستناد للأدلة كثير من علماء السلف المعاصرين كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله تعالى، وغيرهم كالشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل حيث له فتوى بعنوان أعياد الكفار وموقف المسلمين منها، نشرت على موقع إسلام اليوم، وتناقلتها كثير من المواقع.

فتهنئتهم في أعيادهم الدينية حرام؛ لأن هذه الأعياد من شعائرهم الدينية والله لا يرضى لعباده الكفر، كما أن تهنئتهم، فيه من التشبه بهم وهو حرام، ومن صور التشبه :

1 – مشاركتهم في تلك الأعياد.

2 – نقل احتفالاتهم إلى بلاد المسلمين.

وكذلك يرون وجوب اجتناب أعياد الكفار، واجتناب موافقتهم في أفعالهم، واجتناب المراكب التي يركبونها لحضور أعيادهم، وعدم الإهداء لهم أو إعانتهم على عيدهم ببيع أو شراء، و عدم إعانة المسلم المتشبه بهم في عيدهم على تشبهه، و عدم تهنئتهم بعيدهم، و اجتناب استعمال تسمياتهم ومصطلحاتهم التعبدية.

هذا مجمل ما يستندون إليه ونقلوا نصوصا مطولة من كلام الأئمة ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله تعالى في ذلك.

وممن منع ذلك أيضا فضيلة الشيخ جعفر الطلحاوي من علماء الأزهر الشريف وذكر أن التحجج بالتوسعة في ذلك اليوم أمامه العام كل ليوسع على أولاده ويمكنكم مطالعة ما قاله في الفتوى التالية: الاحتفال برأس السنة الميلادية

ثانيا: المجيزون لتهنئة النصارى بأعيادهم:

يرى جمهور من المعاصرين جواز تهنئة النصارى بأعيادهم ومن هؤلاء الدكتور الشيخ العلامة يوسف القرضاوي حيث يرى أن تغير الأوضاع العالمية، هو الذي جعلني أخالف شيخ الإسلام ابن تيمية في تحريمه تهنئة النصارى وغيرهم بأعيادهم، وأجيز ذلك إذا كانوا مسالمين للمسلمين، وخصوصا من كان بينه وبين المسلم صلة خاصة، كالأقارب والجيران في المسكن، والزملاء في الدراسة، والرفقاء في العمل ونحوها، وهو من البر الذي لم ينهنا الله عنه. بل يحبه كما يحب الإقساط إليهم “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” الممتحنة. ولا سيّما إذا كانوا هم يهنئون المسلمون بأعيادهم، والله تعالى يقول: “وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا” النساء86.

وكذلك أجاز التهنئة المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء خاصة إن كانوا غير محاربين، ولخصوصية وضع المسلمين كأقلية في الغرب، وبعد استعراض الأدلة خلص المجلس لما يلي:لا مانع إذن أن يهنئهم الفرد المسلم، أو المركز الإسلامي بهذه المناسبة، مشافهة أو بالبطاقات التي لا تشتمل على شعار أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام مثل ( الصليب ) فإن الإسلام ينفي فكرة الصليب ذاتها ((وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)) النساء : 156.

والكلمات المعتادة للتهنئة في مثل هذه المناسبات لا تشتمل على أي إقرار لهم على دينهم، أو رضا بذلك، إنما هي كلمات مجاملة تعارفها الناس.

ولا مانع من قبول الهدايا منهم، ومكافأتهم عليها، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا غير المسلمين مثل المقوقس عظيم القبط بمصر وغيره، بشرط ألا تكون هذه الهدايا مما يحرم على المسلم كالخمر ولحم الخنزير. ويمكنكم متابعة تفاصيل رأيهم في هذه الفتوى : تهنئة غير المسلمين بأعيادهم: الحكم والضوابط

ومن المجيزين أيضا وبكن مع وضع ضوابط شرعية كأن لا تحتوى التهنئة على مخالفات شرعية كتقديم الخمور هدية، فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد -أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر ويمكن مراجعة فتواه في الرابط التالي:ضوابط تهنئة النصارى بأعيادهم.

وأجاز التهنئة من باب حق الجوار الأستاذ الدكتور محمد السيد دسوقي -أستاذ الشريعة بجامعة قطر، وأجازها من قبيل المجاملة وحسن العشرة فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله فقال: إنّ تهنئةَ الشّخص المُسلِم لمعارِفه النّصارَى بعيدِ ميلاد المَسيح ـ عليه الصّلاة والسلام ـ هي في نظري من قَبيل المُجاملة لهم والمحاسَنة في معاشرتهم، ويمكن مراجعة ذلك في الفتوى التالية: تهنئة النصارى بعيد الميلاد وطباعة بطاقات التهنئة.

وأجاز الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله زيارة غير المسلم وتهنئته بالعيد واستشهد بأن النبي –صلى الله عليه وسلم- عاد غلاما يهوديا، ودعا للإسلام فأسلم، وأجاز الشيخ أحمد الشرباصي رحمه الله مشاركة النصارى في أعياد الميلاد بشرط ألا يكون على حساب دينه، وكذلك فضيلة الشيخ عبد الله بن بية نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أجاز ذلك، وطالب المسلمين بأن تتسع صدورهم في المسائل الخلافية.

الرأي الراجح :

أولا: التهنئة لا تعني الرضا بما هم عليه:

يجب توضيح مفهوم مهم جدا يتمثل في أن التهنئة ليس معناها اعتناق عقيدتهم أو الرضا بما يفعلون، أو الدخول في دينهم، وإنما هي نوع من البر ولم ينهنا الله تعالى عنه، يقول الله تعالى:” لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {8} إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {9}” الممتحنة. وهناك فرق كبير بين الود والبر، وبين اتخاذهم أولياء، ومجرد التعايش السلمي وفق أسس منضبطة ومعاهدات لم تظلم طرفا، وغرضها التعايش السلمي كما فعل النبي-صلى الله عليه وسلم مع اليهود.

ثانيا: التفرقة بين أعيادهم الدينية وغير الدينية:

يجب التفرقة بين أعياد دينية تمثل عقيدتهم، وبين أعياد قومية وهو ما نستشعره في فتوى أعياد الكفار وموقف المسلمين منها ففرق فيها بين ” ما هو ديني ـ من أساس دينهم أو ممـّـا أحدثوه فيه ـ وكثير من أعيادهم ما هو إلاّ من قبيل العادات والمناسبات التي أحدثوا الأعياد من أجلها، كالأعياد القومية ونحوها ، ويهمنا هنا عيد الميلاد وعيد رأس السنة” وفي فتوى المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء لا يرى بأسا من التهنئة والمشاركة في “الأعياد الوطنية والاجتماعية، مثل عيد الاستقلال، أو الوحدة، أو الطفولة والأمومة ونحو ذلك، فليس هناك أي حرج على المسلم أن يهنئ بها، بل يشارك فيها، باعتباره مواطناً أو مقيماً في هذه الديار على أن يجتنب المحرمات التي تقع في تلك المناسبات المجلس الأوربي”.

فكأن هناك اتفاق على أن ما كان أساسه دينيا فلا نشاركهم فيه، وما كان أساسه غير ديني فلا مانع من التهنئة، ولكن بالضوابط المشروعة فلا نأكل ولا نشرب مما حرم في ديننا ، ولا نختلط اختلاطا يرفضه شرعنا، ولا نفرط في ملابسنا التي تستر عواراتنا..

ثالثا: التفرقة بين الحكم الفقهي، والفتوى:

يجب أن نفرق بين الحكم الفقهي والفتوى، فالحكم الفقهي منه ما هو ثابت لا يقبل التغيير ولا التبديل، كالأحكام قطعية الثبوت والدلالة، ومنه ما يقبل التغيير وليس بثابت، وهذا يجوز الاجتهاد معه وليس ضده، في إطاره، وليس خارجا مصطدما معه، ومن هنا قالوا ما دام الحكم متغيرا وما دامت الشريعة مرنة تصلح لكل زمان ومكان، فلا مانع من تغير الفتوى.

ويجب دراسة ملابسات الفتوى التي أصدرها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم فقد كان عصره مليئا بالحروب، وأي تهاون يعني الرضا بالمحتل، ومن ثم لا بد من اختيار فقهي يحفظ للناس تماسكهم أمام هذا المغتصب.

وفي التشريع الإسلامي نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يختار رأيا فقهيا معينا لضرورة يراها ثم يرجح العكس لأن التربية اكتملت، والعقول فهمت، والنفوس ارتضت دين الله رب العالمين، ومن ذلك زيارة القبور فقد منع الناس منها ثم أجازها، وكثيرا ما نقرأ لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية..

فالفتوى متغيرة ونحن بصدد فتوى فقهية، قد تصلح لزماننا، ولا تصلح لغيره وهذا المدخل هو ما جعل العلامة القرضاوي يذهب لمخالفة ابن تيمية رحمه الله فقال:” يعد تَغيُّر الأوضاع الاجتماعية والسياسية أمر واقع تقتضيها سنَّة التطور، وكثير من الأشياء والأمور لا تبقى جامدة على حال واحدة، بل تتغير وتتغير نظرة الناس إليها..ومراعاة تغيّر الأوضاع العالمية، هو الذي جعلني أخالف شيخ الإسلام ابن تيمية في تحريمه تهنئة النصارى وغيرهم بأعيادهم، وأجيز ذلك إذا كانوا مسالمين للمسلمين، وخصوصا من كان بينه وبين المسلم صلة خاصة، كالأقارب والجيران في المسكن، والزملاء في الدراسة، والرفقاء في العمل ونحوها، وهو من البر الذي لم ينهنا الله عنه. بل يحبه كما يحب الإقساط إليهم”.

فالمسألة من باب الفتوى وهي تتغير كما هو معروف لدى كل علماء الفقه.

وإزاء ما سبق لا أجد حرجا في التهنئة، خاصة لزملاء العمل، أو الجيران أو من تربطهم علائق خاصة كالمصاهرة وغير ذلك، ولكن بشروط خاصة وهي عدم الاعتقاد مثلهم، أو الرضا بشيء من دينهم، أو شرائعهم المحرمة علينا كما في بعض الأطعمة والأشربة، ولا يصح الاختلاط المذموم، ولا الخلوة بين رجل وامرأة لا تحل له، فضلا عن مس شيء منها.

=
قال الإمام النووي(ت676هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:(ويجوز للمسلم أن يعزي الذمي بقريبه الذمي، فيقول أخلف الله عليك ولا نقص عددك)

=
هل يجوز مشاركة الجار المسيحي فرحه بزواج ابنه مثلا ؟ الجواب نعم فان الحديث بين ان الجار ثلاثة احدهم جار له حق واحد هو الجار الكافر له حق الجوار ومن حقه ان تشاركه فرحه بما لامانع منه شرعا والمسلم يتزوج الكتابية هذا مباح ويشاركها افراحها واحتفالاتها لكن لايشاركها دينها فان مشاركتها ما تفرح به مما يؤلف بينها وبين زوجها ويقوي العلاقة علما ان دار الافتاء المصرية اباحت حتى مشاركة المسيحيين احتفالهم بعيد الميلاد وليس فقط راس السنة



=
نشرت دار الإفتاء المصرية على صفحتها على "فيس بوك" فتوى "هل يجوز احتفال المسلمين مع المسيحيين وتهنئتهم فى رأس السنة الميلادية؟"، وأجابت: المسلمون يؤمنون بأنبياء الله تعالى ورسله كلهم، ولا يفرقون بين أحد منهم، ويفرحون بأيام ولادتهم، وهم حين يحتفلون بها يفعلون ذلك شكرا لله تعالى على نعمة إرسالهم هداية للبشرية ونورا ورحمة، فإنها من أكبر نعم الله تعالى على البشر، والأيام التى ولد فيها الأنبياء والرسل أيام سلام على العالمين، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك؛ فقال عن سيدنا يحيى: ﴿وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا﴾، وقال عن سيدنا عيسى:﴿والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا﴾، وقال تعالى: ﴿سلام على نوح فى العالمين﴾، وقال تعالى: ﴿سلام على إبراهيم﴾، ثم قال تعالى:﴿سلام على موسى وهارون﴾، إلى أن قال تعالى:﴿وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين﴾ . وتابعت: فإذا كان الأمر كذلك، فإظهار الفرح بهم، وشكر الله تعالى على إرسالهم، والاحتفال والاحتفاء بهم؛ كل ذلك مشروع، بل هو من أنواع القرب التى يظهر فيها معنى الفرح والشكر لله على نعمه، وقد احتفل النبى صلى الله عليه وآله وسلم بيوم نجاة سيدنا موسى من فرعون بالصيام؛ فروى البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما: أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوما - يعنى: عاشوراء -، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرا لله، فقال: «أنا أولى بموسى منهم» فصامه وأمر بصيامه. فلم يعد هذا الاشتراك فى الاحتفال بنجاة سيدنا موسى اشتراكا فى عقائد اليهود المخالفة لعقيدة الإسلام. وبناءً عليه: فاحتفال المسلمين بميلاد السيد المسيح من حيث هو: أمر مشروع لا حرمة فيه؛ لأنه تعبير عن الفرح به، كما أن فيه تأسيا بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم القائل فى حقه: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم فى الدنيا والآخرة، ليس بينى وبينه نبى». وأضافت: هذا عن احتفال المسلمين بهذه الذكرى، أما تهنئة غير المسلمين من المواطنين الذين يعايشهم المسلم بما يحتفلون به؛ سواء فى هذه المناسبة أو فى غيرها؛ فلا مانع منها شرعًا، خاصة إذا كان بينهم وبين المسلمين صلة رحم أو قرابة أو جوار أو زمالة أو غير ذلك من العلاقات الإنسانية، وخاصة إذا كانوا يبادلونهم التهنئة فى أعيادهم الإسلامية؛ حيث يقول الله تعالى: ﴿وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها﴾، وليس فى ذلك إقرار لهم على شىء من عقائدهم التى يخالفون فيها عقيدة الإسلام، بل هى من البر والإقساط الذى يحبه الله؛ قال تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾، فالآية تقرر مبدأ التعايش، وتبين أن صلة غير المسلمين، وبرهم، وصلتهم، وإهداءهم، وقبول الهدية منهم، والإحسان إليهم بوجه عام؛ كل هذا مستحب شرعًا؛ يقول الإمام القرطبى فى "أحكام القرآن" : قوله تعالى: ﴿أن تبروهم﴾ - أى لا ينهاكم الله عن أن تبروا الذين لم يقاتلوكم - ﴿وتقسطوا إليهم﴾ أى تعطوهم قسطًا من أموالكم على وجه الصلة.
= الحقيقة انني وجدت الصحابة مثل حذيفة بن اليمان وغيره رضي الله تعالى عنهم ينهون عن مشاركة غير المسلمين اعيادهم الدينية وهذا فعلا كلام صحيح لان العيد الديني عبادة ولا تصح العبادة او التعبد الا بعبادة الاسلام اما المناسبات غير الدينية فهي من العادات والعادات لا خطر فيها الا من باب التشبه بالكفار لكن ان صارت المناسبة عالمية لبداية تاريخ سنوي فلا ارى مشكلة فيها لان المناسبة لاتخص الكفار فقط ولذلك ارى الاحتفال براس السنة لا مانع منه لكن الاحتفال بعيد ميلاد المسيح عليه السلام فيه مشكلة لان عيد الميلاد عندهم عبادة لعيسى عليه السلام فوجب تجنبه والله تعالى اعلم

=


جاء في فتاوى المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء :
مما لا شك أن القضية قضية مهمة وحساسة خاصة للمسلمين المقيمين في بلاد الغرب، وقد ورد إلى المجلس أسئلة كثيرة من الإخوة والأخوات، الذين يعيشون في تلك الديار، ويعايشون أهلها من غير المسلمين، وتنعقد بينهم وبين كثير منهم روابط تفرضها الحياة، مثل الجوار في المنزل، والرفقة في العمل، والزمالة في الدراسة، وقد يشعر المسلم بفضل غير المسلم عليه في ظروف معينة، مثل المشرف الذي يساعد الطالب المسلم بإخلاص، والطبيب الذي يعالج المريض المسلم بإخلاص، وغيرهما. وكما قيل: إن الإنسان أسير الإحسان، وقال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم … فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ!
ما موقف المسلم من هؤلاء (غير المسلمين) المسالمين لهم، الذين لا يعادون المسلمين، ولا يقاتلونهم في دينهم، ولم يخرجوهم من ديارهم أو يظاهروا على إخراجهم؟
إن القرآن الكريم قد وضع دستور العلاقة بين المسلمين وغيرهم في آيتين من كتاب الله تعالى في سورة الممتحنة، وقد نزلت في شأن المشركين الوثنيين، فقال تعالى: (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم، أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون )) الممتحنة: 8-9.
ففرقت الآيتان بين المسالمين للمسلمين والمحاربين لهم:
فالأولون (المسالمون): شرعت الآية الكريمة برهم والإقساط إليهم، والقسط يعني: العدل، والبر يعني: الإحسان والفضل، وهو فوق العدل، فالعدل: أن تأخذ حقك، والبر: أن تتنازل عن بعض حقك. العدل أو القسط: أن تعطي الشخص حقه لا تنقص منه. والبر: أن تزيده على حقه فضلا وإحسانا.
وأما الآخرون الذين نهت الآية الأخرى عن موالاتهم: فهم الذين عادوا المسلمين وقاتلوهم، وأخرجوهم من أوطانهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله، كما فعلت قريش ومشركو مكة بالرسول – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه.
وقد اختار القرآن للتعامل مع المسالمين كلمة (البر) حين قال: (أن تبروهم) وهي الكلمة المستخدمة في أعظم حق على الإنسان بعد حق الله تعالى، وهو (بر الوالدين).
وقد روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنها – أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت علي وهي مشركة، وهي راغبة (أي في صلتها والإهداء إليها) أفأصلها؟ قال: “صلي أمك” ( متفق عليه).
هذا وهي مشركة، ومعلوم أن موقف الإسلام من أهل الكتاب أخف من موقفه من المشركين الوثنيين.
حتى إن القرآن أجاز مؤاكلتهم ومصاهرتهم، بمعنى: أن يأكل من ذبائحهم ويتزوج من نسائهم، كما قال تعالى في سورة المائدة: ((وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)) المائدة:5.
ومن لوازم هذا الزواج وثمراته: وجود المودة بين الزوجين، كما قال تعالى: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)) الروم: 21.
وكيف لا يود الرجل زوجته وربة بيته وشريكة عمره، وأم أولاده؟ وقد قال تعالى في بيان علاقة الأزواج بعضهم ببعض: ((هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)) البقرة: 187.
ومن لوازم هذا الزواج وثمراته: المصاهرة بين الأسرتين، وهي إحدى الرابطتين الطبيعيتين الأساسيتين بين البشر، كما أشار القرآن بقوله: ((وهو الذي خلق من الماء بشرا، فجعله نسباً وصهراً)) الفرقان:54.
ومن لوازم ذلك: وجود الأمومة وما لها من حقوق مؤكدة على ولدها في الإسلام، فهل من البر والمصاحبة بالمعروف أن تمر مناسبة مثل هذا العيد الكبير عندها ولا يهنئها به؟ وما موقفه من أقاربه من جهة أمه، مثل الجد والجدة، والخال والخالة، وأولاد الأخوال والخالات، وهؤلاء لهم حقوق الأرحام وذوي القربى، وقد قال تعالى: (( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله )) الأنفال: 76، وقال تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى )) النحل:91.
فإذا كان حق الأمومة والقرابة يفرض على المسلم والمسلمة صلة الأم والأقارب بما يبين حسن خلق المسلم، ورحابة صدره، ووفاءه لأرحامه، فإن الحقوق الأخرى توجب على المسلم أن يظهر بمظهر الإنسان ذي الخلق الحسن، وقد أوصى الرسول الكريم أبا ذر بقوله: “اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” ( قال الترمذي : حسن صحيح) هكذا قال: “خالق الناس” ولم يقل: خالق المسلمين بخلق حسن.
كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على (الرفق) في التعامل مع غير المسلمين، وحذر من (العنف) والخشونة في ذلك.
ولما دخل بعض اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم، ولووا ألسنتهم بالتحية، وقالوا: (السام) عليك يا محمد، ومعنى (السام): الهلاك والموت، وسمعتهم عائشة، فقالت: وعليكم السام واللعنة يا أعداء الله، فلامها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقالت: ألم تسمع ما قالوا يا رسول الله؟ فقال:” سمعت، وقلت: وعليكم”، (يعني: الموت يجري عليكم كما يجري علي) يا عائشة:” الله يحب الرفق في الأمر كله” (متفق عليه).
وتتأكد مشروعية تهنئة القوم بهذه المناسبة إذا كانوا –كما ذكر السائل- يبادرون بتهنئة المسلم بأعياده الإسلامية، فقد أمرنا أن نجازي الحسنة بالحسنة، وأن نرد التحية بأحسن منها، أو بمثلها على الأقل، كما قال تعالى: (( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها )) النساء:86.
ولا يحسن بالمسلم أن يكون أقل كرما، وأدنى حظا من حسن الخلق من غيره، والمفروض أن يكون المسلم هو الأوفر حظا، والأكمل خلقا، كما جاء في الحديث “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا” (حديث صحيح ، حسنه الترمذي ) وكما قال عليه الصلاة والسلام: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ( حديث صحيح ).
ويتأكد هذا إذا أردنا أن ندعوهم إلى الإسلام ونقربهم إليه، ونحبب إليهم المسلمين، وهذا واجب علينا فهذا لا يتأتى بالتجافي بيننا وبينهم بل بحسن التواصل.
وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – حسن الخلق، كريم العشرة، مع المشركين من قريش، طوال العهد المكي، مع إيذائهم له، وتكالبهم عليه، وعلى أصحابه. حتى إنهم –لثقتهم به عليه الصلاة والسلام- كانوا يودعون عنده ودائعهم التي يخافون عليها، حتى إنه صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة، ترك عليا رضي الله عنه، وأمره برد الودائع إلى أصحابها.
فلا مانع إذن أن يهنئهم الفرد المسلم، أو المركز الإسلامي بهذه المناسبة، مشافهة أو بالبطاقات التي لا تشتمل على شعار أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام مثل ( الصليب ) فإن الإسلام ينفي فكرة الصليب ذاتها ((وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)) النساء : 156.
والكلمات المعتادة للتهنئة في مثل هذه المناسبات لا تشتمل على أي إقرار لهم على دينهم، أو رضا بذلك، إنما هي كلمات مجاملة تعارفها الناس.
ولا مانع من قبول الهدايا منهم، ومكافأتهم عليها، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا غير المسلمين مثل المقوقس عظيم القبط بمصر وغيره، بشرط ألا تكون هذه الهدايا مما يحرم على المسلم كالخمر ولحم الخنزير.
ولا ننسى أن نذكر هنا أن بعض الفقهاء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم قد شددوا في مسألة أعياد المشركين وأهل الكتاب والمشاركة فيها، ونحن معهم في مقاومة احتفال المسلمين بأعياد المشركين وأهل الكتاب الدينية، كما نرى بعض المسلمين الغافلين يحتفلون بـ(الكريسماس) كما يحتفلون بعيد الفطر، وعيد الأضحى، وربما أكثر، وهذا ما لا يجوز، فنحن لنا أعيادنا، وهم لهم أعيادهم، ولكن لا نرى بأسا من تهنئة القوم بأعيادهم لمن كان بينه وبينهم صلة قرابة أو جوار أو زمالة، أو غير ذلك من العلاقات الاجتماعية، التي تقتضي حسن الصلة، ولطف المعاشرة التي يقرها العرف السليم .
أما الأعياد الوطنية والاجتماعية، مثل عيد الاستقلال، أو الوحدة، أو الطفولة والأمومة ونحو ذلك، فليس هناك أي حرج على المسلم أن يهنئ بها، بل يشارك فيها، باعتباره مواطناً أو مقيماً في هذه الديار على أن يجتنب المحرمات التي تقع في تلك المناسبات.( انتهى).
ملحوظة : خالف عضو المجلس الدكتور محمد فؤاد البرازي هذا القرار بقوله: “لا أوافق على تهنئتهم في أعيادهم الدينية، أو مهاداتهم فيها”.








ويقول فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد -أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر- :
الجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى نوع من التفصيل.
التهنئة لغير المسلم مطلقًا بدون مخالفة شرعية جائزة، وهي من باب حسن الأخلاق التي أمرنا بها ولون من ألوان الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة عملاً لا قولاً، أما إذا تضمنت التهنئة مخالفة دينية فهنا تكون ممنوعة من أجل هذه المخالفة، كأن يقول له مثلاً: “بارك الله لك في أهلك ومالك” مثلاً، فهذا دعاء بالبركة لغير المسلم وذلك لا يجوز، وإنما يقول له مثلا: “أعاد الله عليك التوفيق والهداية” أو ما إلى ذلك
وإذا تضمنت التهنئة تقديم هدية فهذا جائز أيضًا، بشرط أن تكون حلالاً، فلا يقدم له زجاجة من الخمر مثلاً أو صورًا عارية؛ بحجة أنه ليس مسلمًا.. فالمسلم لا ينبغي أن يشترك في تقديم شيء محرم في ديننا
وإذا ذهب إليه في بيته أو في كنيسته فلا يحل له أن يجلس تحت الأشياء المخالفة لديننا كالتماثيل أو الصلبان، أو الاختلاط بالنساء العاريات، وغير ذلك من ضروب المحرمات التي تقترن بمواضع وأماكن غير المسلمين
وننبه إلى أن التهاني لا ينبغي أن تكون باستعمال آيات قرآنية في بطاقة أو في غيرها؛ لأن غير المسلمين لا يدركون قداسة هذه النصوص، وبالتالي يضعونها في القمامة، يدوسونها بالأقدام بقصد أو بغير قصد؛ فينبغي على المسلم أن ينزِّه نصوص دينه عن كل امتهان.


=

العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي
،بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:أجازت الشريعة الإسلامية معاملة أهل الكتاب، فأباحت أكل ذبائحهم (الجائز أكلها في شريعتنا) وأجازت نكاح نسائهم، والبيع والشراء لهم ، وكذلك القسط والبر والإحسان إليهم ما داموا غير محاربين، ولذلك لا مانع من تهنئتهم بأعيادهم دون أن نشاركهم في الاحتفالات التي لا تقرها شريعتنا 
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :إذا أردنا أن نجمل تعليمات الإسلام في معاملة المخالفين له – في ضوء ما يحل وما يحرم- فحسبنا آيتان من كتاب الله، جديرتان أن تكونا دستورا جامعا في هذا الشأن. وهما قوله تعالى: “لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (الممتحنة
فالآية الأولى لم ترغب في العدل والإقساط فحسب إلى غير المسلمين الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين، ولم يخرجوهم من ديارهم -أي أولئك الذين لا حرب ولا عداوة بينهم وبين المسلمين- بل رغبت الآية في برهم والإحسان إليهم. والبر كلمة جامعة لمعاني الخير والتوسع فيه، فهو أمر فوق العدل. وهي الكلمة التي يعبر بها المسلمون عن أوجب الحقوق البشرية عليهم، وذلك هو (بر) الوالدين.
وإنما قلنا: إن الآية رغبت في ذلك لقوله تعالى: “إن الله يحب المقسطين” والمؤمن يسعى دائما إلى تحقيق ما يحبه الله. ولا ينفي معنى الترغيب والطلب في الآية أنها جاءت بلفظ “لا ينهاكم الله” فهذا التعبير قُصد به نفي ما كان عالقا بالأذهان -وما يزال- أن المخالف في الدين لا يستحق برا ولا قسطا، ولا مودة ولا حسن عشرة. فبين الله تعالى أنه لا ينْهَى المؤمنين عن ذلك مع كل المخالفين لهم، بل مع المحاربين لهم، العادين عليهم.
ويشبه هذا التعبير قوله تعالى في شأن الصفا والمروة -لما تحرج بعض الناس من الطواف بهما لبعض ملابسات كانت في الجاهلية-: “فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا” (البقرة: 158) فنفى الجناح لإزالة ذلك الوهم، وإن كان الطواف بهما واجبا، من شعائر الحج.
نظرة خاصة لأهل الكتاب
وإذا كان الإسلام لا ينهى عن البر والإقساط إلى مخالفيه من أي دين، ولو كانوا وثنين مشركين -كمشركي العرب الذين نزلت في شأنهم الآيتان السالفتان- فإن الإسلام ينظر نظرة خاصة لأهل الكتاب من اليهود والنصارىسواء أكانوا في دار الإسلام أم خارجها.فالقرآن لا يناديهم إلا بـ (يا أهل الكتاب) و(يا أيها الذين أوتوا الكتاب) يشير بهذا إلى أنهم في الأصل أهل دين سماوي، فبينهم وبين المسلمين رحم وقربى، تتمثل في أصول الدين الواحد الذي بعث الله به أنبياءه جميعا: “شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ” (الشورى: 13).
والمسلمون مطالبون بالإيمان بكتب الله قاطبة، ورسل الله جميعا، لا يتحقق إيمانهم إلا بهذا: “قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” (البقرة: 136).
وأهل الكتاب إذا قرؤوا القرآن يجدون الثناء على كتبهم ورسلهم وأنبيائهم. وإذا جادل المسلمون أهل الكتاب فليتجنبوا المراء الذي يوغر الصدور، ويثير العداوات: “وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” (العنكبوت: 46).
وقد رأينا كيف أباح الإسلام مؤاكلة أهل الكتاب وتناول ذبائحهم. كما أباح مصاهرتهم والتزوج من نسائهم مع ما في الزواج من سكن ومودة ورحمة. وفي هذا قال تعالى: “وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ” (المائدة: 5).
هذا في أهل الكتاب عامة. أما النصارى منهم خاصة، فقد وضعهم القرآن موضعا قريبا من قلوب المسلمين فقال: “وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ” (سورة المائدة: 82).
أهل الذمة
وهذه الوصايا المذكورة تشمل جميع أهل الكتاب حيث كانوا، غير أن المقيمين في ظل دولة الإسلام منهم لهم وضع خاص، وهم الذين يسمون في اصطلاح المسلمين باسم (أهل الذمة) والذمة معناها: العهد. وهي كلمة توحي بأن لهم عهد الله وعهد رسوله وعهد جماعة المسلمين أن يعيشوا في ظل الإسلام آمنين مطمئنين.
وهؤلاء بالتعبير الحديث (مواطنون) في الدولة الإسلامية، أجمع المسلمون منذ العصر الأول إلى اليوم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، إلا ما هو من شؤون الدين والعقيدة، فإن الإسلام يتركهم وما يدينون.
وقد شدد النبي -صلى الله عليه وسلم- الوصية بأهل الذمة وتوعد كل مخالف لهذه الوصايا بسخط الله وعذابه، فجاء في أحاديثه الكريمة: “من آذى ذميا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله”.”من آذى ذميا فأنا خصمه ومن كنت خصمه، خصمته يوم القيامة”.”من ظلم معاهدا، أو انتقصه حقا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة“.
وقد جرى خلفاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- على رعاية هذه الحقوق والحرمات لهؤلاء المواطنين من غير المسلمين. وأكد فقهاء الإسلام على اختلاف مذاهبهم هذه الحقوق والحرمات.قال الفقيه المالكي شهاب الدين القرافي: “إن عقد الذمة يوجب حقوقا علينا؛ لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا وذمتنا وذمة الله تعالى، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء، أو غيبة في عرض أحدهم، أو أي نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك، فقد ضيع ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام“.
وقال ابن حزم الفقيه الظاهري: “إن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صونا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة“.
موالاة غير المسلمين ومعناها
ولعل سؤالا يجول في بعض الخواطر، أو يتردد على بعض الألسنة، وهو:كيف يتحقق البر والمودة وحسن العشرة مع غير المسلمين، والقرآن نفسه ينهى عن موادة الكفار واتخاذهم أولياء وحلفاء في مثل قوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ” (المائدة:51،52).
والجواب: إن هذه الآيات ليست على إطلاقها، ولا تشمل كل يهودي أو نصراني أو كافر. ولو فهمت هكذا لناقضت الآيات والنصوص الأخرى، التي شرعت موادة أهل الخير والمعروف من أي دين كانوا، والتي أباحت مصاهرة أهل الكتاب، واتخاذ زوجة كتابية مع قوله تعالى في الزوجية وآثارها: “وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” (الروم:21). وقال تعالى في النصارى: “وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى” (المائدة: 82).
إنما جاءت تلك الآيات في قوم معادين للإسلام، محاربين للمسلمين، فلا يحل للمسلم حينذاك مناصرتهم ومظاهرتهم -وهو معنى الموالاة- واتخاذهم بطانة يفضي إليهم بالأسرار، وحلفاء يتقرب إليهم على حساب جماعته وملته؛ وقد وضحت ذلك آيات أخر كقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتِّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ” (آل عمران: 118،119).
فهذه الآية تبين لنا صفات هؤلاء، وأنهم يكنون العداوة والكراهية للمسلمين في قلوبهم، وقد فاضت آثارها على ألسنتهم.وقال تعالى: “لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ” (المجادلة: 22). ومحادَّة الله ورسوله ليست مجرد الكفر، وإنما هي مناصبة العداء للإسلام والمسلمين.
وقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ” (الممتحنة: 1).
فهذه الآية نزلت في موالاة مشركي مكة الذي حاربوا الله ورسوله، وأخرجوا المسلمين من ديارهم بغير حق إلى أن يقولوا: ربنا الله. فمثل هؤلاء هم الذين لا تجوز موالاتهم بحال. ومع هذا فالقرآن لم يقطع الرجاء في مصافاة هؤلاء، ولم يعلن اليأس البات منهم، بل أطمع المؤمنين في تغير الأحوال وصفاء النفوس، فقال في السورة نفسها بعد آيات: “عَسَى اللهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (الممتحنة:7).وهذا التنبيه من القرآن الكريم كفيل أن يكفكف من حدة الخصومة وصرامة العداوة، كما جاء في الحديث: “أبغض عدوك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما“.
وتتأكد حرمة الموالاة للأعداء إذا كانوا أقوياء، يرجون ويخشون، فيسعى إلى موالاتهم المنافقون ومرضى القلوب، يتخذون عندهم يدا، يرجون أن تنفعهم غدا. كما قال تعالى: “فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ” (المائدة: 52). “بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا” (النساء: 138،139).
استعانة المسلم بغير المسلم
ولا بأس أن يستعين المسلمون -حكاما ورعية- بغير المسلمين في الأمور الفنية التي لا تتصل بالدين من طب وصناعة وزراعة وغيرها، وإن كان الأجدر بالمسلمين أن يكتفوا في كل ذلك اكتفاء ذاتيا.وقد رأينا في السيرة النبوية كيف استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط -وهو مشرك- ليكون دليلا له في الهجرة. قال العلماء: ولا يلزم من كونه كافرا ألا يوثق به في شيء أصلا؛ فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق ولا سيما في مثل طريق الهجرة إلى المدينة.
وأكثر من هذا أنهم جوزوا لإمام المسلمين أن يستعين بغير المسلمين بخاصة أهل الكتاب- في الشؤون الحربية، وأن يسهم لهم من الغنائم كالمسلمين.روى الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم، وأن صفوان بن أمية خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين وكان لا يزال على شركه.
ويشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم لم تجز الاستعانة به؛ لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين مثل المخذل والمرجف فالكافر أولى.ويجوز للمسلم أن يهدي إلى غير المسلم، وأن يقبل الهدية منه، ويكافئ عليها، كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى إليه الملوك فقبل منهموكانوا غير مسلمين.
قال حفاظ الحديث: والأحاديث في قبوله صلى الله عليه وسلم هدايا الكفار كثيرة جدا فعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لها: “إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من حرير“.إن الإسلام يحترم الإنسان من حيث هو إنسان فكيف إذا كان من أهل الكتاب؟ وكيف إذا كان معاهدا أو ذميا؟ 
مرت جنازة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام لها واقفا، فقيل له: “يا رسول الله إنها جنازة يهودي؟! فقال: أليست نفسا”؟! بلى، وكل نفس في الإسلام لها حرمة ومكان.
ويقول في تهنئة اليهود والنصارى في أعيادهم:هذه حقوق مشتركة، فإذا كان الكتابي يأتي ويهنئك ويعيد عليك في عيدك ويشارك في أتراحك ومصيبتك فيعزيك بها، فما المانع من أن تهنئه بعيده وفي أفراحه وتعزيته في مصيبته؟ الله سبحانه يقول: “وإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا” (النساء: 86)، وهذا لا يعني أن نحتفل معهم، إنما نهنئ فقط، وهذا من البر والقسط الذي جاء به هذا الدين.والله أعلم.

=


حتى لا نخلط الامور نطرح هذا السؤال وجوابه
هل عيد رأس السنة الشمسية عيد ديني لطائفة ام مناسبة عالمية لا علاقة لها بالاديان
من خلال ما اقرؤه من منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي اجد خلطا بين العيد الديني للمسيحيين ومناسبة راس السنة او ما يسمى نيو يير (new year) واجد كثيرين يحرمون الاحتفال في يوم ١/١ من كل عام ظنا منهم انه اقرار بمعتقد ديني مسيحي يخالف عقيدة المسلمين
والامر ليس كذلك فالعيد الديني للمسيحيين لا علاقة له براس السنة الشمسية مطلقا فان ذلك العيد الديني يسمى عيد الكريسماس
يحتفل خلاله المسيحيون الكاثوليك بعيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام في يوم 25 كانون الاول من كل عام، بينما يحتفل به المسيحيون الأرثوذكس في 7 كانون الثاني، ويتبادلون الهدايا والتهاني.
والكريسماس أو عيد الميلاد هو عيد ديني يحتفل فيه المسيحيون بعيد ميلاد السيد المسيح "عيسى" الذي ينسبونه فيه الى البنوة لله تعالى عن ذلك
واذا ما جرى الحديث عن حرمة مشاركة المسلمين فيه فلأنه يخالف قوله تعالى (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله) فحضوره محرم ولاشك اما تهنئة المسيحيين به دون حصور فهناك من يحرمها
وهناك من يرى عدم حرمة تهنئة المسيحيين به اذا كان المهنيء غير مؤمن بمضمونه كما ان المسيحي يهنيء صديقه المسلم بعيد الفطر ولا يؤمن بمضمونه وانما من قبيل المجاملة والاحسان الى الجار غير المسلم الذي ذكرت السنة ان له حقا واحدا هو حق الجوار
اما مناسبة رأس السنة او دخول سنة شمسية جديدة والاحتفال بهافانه يعتبر احتفالاً غير ديني، وهو من الطقوس الحديثة التي يحتفل بها في جميع أنحاء العالم، للتعبير عن فرحتهم بنهاية عام وبداية آخر جديد لا تختص بالمسيحيين ولا بأي دين اخر
فتحتفل الحضارات حول العالم ببداية كل عام جديد منذ 4 آلاف عام على الأقل.
ويتم إحياؤه في جميع دول العالم بأشكال مختلفة حسب طبيعة وعادات وتقاليد كل شعب، وفيه يعبر الناس عن فرحتهم بقدوم العام الجديد، من خلال احتفالات في ليلة 31 كانون الاول من نهاية العام
لذلك فالمشاركة فيه ليست كالمشاركة في عيد الكريسماس السابق من حيث الحرمة او الوقوع في الشرك وما شابه
وانما يكون المشارك فيه آثما اذا جرى في اجواء اختلاط وكشف للعورات وشرب للخمور
فالحرمة فيه ليست نابعة من ذات المناسبة وانما من الافعال المحرمة التي ترافق هذه المناسبة فلو خلا الاحتفال من هذه المحرمات لصار الامر مباحا ولا اشكال فيه
والله تعالى اعلم

أ.د.عبدالرحمن حمدي شافي
-------
تحول عيد رأس السنة في العصر الحديث إلى مناسبة علمانية لا علاقة لها البتة بميلاد السيد المسيح، ولا بمواسم البذار والحصاد طبعاً.
ولم يبق من أثر للأصل الزراعي والديني لهذه المناسبة سوى أشياء بسيطة لا تذكر، مثل الإكثار من الاكل والشرب في عموم البلاد التي تحتفل برأس السنة. مثل صنع نوع من الحلوى في بريطانيا حيث يتمنون الأماني وهم يمزجون مكونات هذه الحلوى وتكون حركاتهم باتجاه عقارب الساعة لأن في ذلك مجلبة للحظ في اعتقادهم.
وفي إيطاليا ينوعون الأطعمة في هذه الليلة لأن ذلك يجلب الخير المالي في السنة الجديدة.
وفي الدنمارك يلقون أطباق السنة المنصرمة على أبواب الجيران، ومن يجد في الصباح أطباقاً كثيرة على باب داره فهذا دليل على أنه سيكون سعيداً في العام الجديد.
وفي كاتالونيا بإسبانيا تقليد يتمثل في طفل يتغوط كرمز للأسمدة المخصبة للتربة.
أما في فرنسا فإنهم يكثرون من الضجيج ليلة رأس السنة لاعتقادهم أن ذلك يطرد الأرواح الشريرة. ولعل هذا الاعتقاد وراء خروج اللآلاف بمسيرات صاخبة تبلغ ذروتها في الثواني الأخيرة المتبقية من العام المنصرم يدخل بعدها العام الجديد، وسط دوي المفرقعات والألعاب النارية الضخمة وهياج الجماهير السكرى والمخدرة بوهم سعادة يأملون أن ينعموا بها في العام الجديد.

تأصيل شرعي لحكم الاحتفال بالأعياد الدنيوية

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد :

أحاول اليوم دراسة مسألة حكم الاحتفال الدنيوي بيوم أو عيدٍ معين بشكل مختصر ، وهي الصورة التي يندرج تحتها الاحتفالات العامة عند كل الناس :
مثل تخصيص يوم للاحتفال بالوطن ، أو نحوه ..
كما يندرج تحتها من باب الأولى :
الاحتفالات والأعياد الدنيوية الخاصة بفرد معين أو أشخاص محددين ، وهي ليست عامة في المجتمع ..



مثل : أعياد الميلاد الشخصية ، وأعياد الزواج ، ونحوها ..

وأستطيع بدايةً أن ألخص أقوال المعترضين على جواز الاحتفال بمثل هذه الاحتفالات عموماً ، وباليوم الوطني خصوصاً أنها تدور حول (( 5 )) أوجه :

1 / التشبه المحرم بالكفار ..
2 / الابتداع في الدين ..
3 / زيادة عيد للمسلمين ..
4 / مزاحمة الأعياد الشرعية والشرائع الدينية بالأعياد الدنيوية ..
55 / الأخطاء التي تحصل فيه وبسببه ..

وسأناقش كل واحدة من هذه المآخذ باختصار ، مستعيناً بالله :

1 / التشبه المحرم بالكفار /
وقال أصحاب هذا المأخذ بأن هذا الاحتفالات والأعياد الدنيوية لم تكن موجودةً عند المسلمين السابقين ، وأنها مما انتقل إلينا من عادات الكفار ، ولهذا فهم يحرمونها لأنها من التشبه المحرم بهم .

وفي الحقيقة أن هذا المأخذ في نظري ضعيف ..
ذلك أنه من المتقرر في الشريعة أنه ليس (( كل )) تشبه دنيوي بالكفار محرم ، بل منه ما هو جائز ..
فالتشبه الدنيوي المحرم بالكفار هو ما يكون مشابهة لشيء من خصائص هؤلاء الكفار ، بحيث يكون علامةً عليهم ..
أما مجرد التشابه الدنيوي بحد ذاته فليس مقتضياً للتحريم ..

ومن المعلوم ان الاحتفالات الدنيوية مثل اليوم الوطني او عيد الوطن الذي يقام في دول العالم المختلفة بذكرى الاستقلال او توحيد البلاد او نحوها أنها ليس من خصائص الكفار ، فكل دول العالم – الإسلامية وغير الإسلامية – تقيمه تقريباً ، ولم يعد مرتبطاً بالدين عند أحد ، وبذلك تسقط علة التشبه المحرم ..

ولو اعترض معترض على ذلك بأنه حتى وإن كان قد أصبح الاحتفال بهذا اليوم معموﻻً به في دول العالم كلها ، لكنه قد (( بدأ )) عند الكفار ، فيبقى الحكم على أصله وهو التحريم ..

فالجواب على هذا أنه قد نص العلماء في المسائل الدنيوية التي تحرم لعلة (( مشابهة الكفار )) أنه اذا تغير فيها الحال ، ولم تعد من خصائصهم فإنها ترجع إلى حكم الجواز ، ولذلك أمثلة كثيرة …
فمن الأمثلة الواضحة له ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من النهي عن ركوب المَياثِر الحمر ، وهي قماش لين يوضع على الرحل للرجال ، ليكون جلوسهم ألين على الراحلة ، وكان كثيراً ما يصنع من الحرير ، وهو من مراكب العجم ..
قال أبو عبيد : (( الميثرة كَانَت من مراكب الْعَجم، أحسبها من حَرِير أَو ديباج، فجَاء النَّهْي عَنْهَا لذَلِك ))
ففيها سببان للنهي : الحرير ، والتشبه ..
فإذا لم تكن من حرير ، هل يجوز ركوبها وفيها تشبه بالكفار ؟؟
قال الحافظ العراقي في شرحه للحديث بعد أن ذكر عدة أقوال في سبب النهي : (( وقد يكون – يعني النهي – لمصلحة دينية، وهي ترك التشبه بعظماء الفرس ، لأنه كان شعارهم ذلك الوقت ، فلما لم يصر شعارا لهم ، وزال ذلك المعنى : زالت الكراهة ))
وتشبهها من المسائل القديمة مسألة حكم لبس
(( البُرْنُس )) وهو كل ثوب رأسه منه ، ملتصقٌ به ..
وكان هذا من لباس الرهبان – ولا يزال إلى اليوم يلبسه بعضهم –
قال ابن حجر : (( وقد كره بعض السلف لبس البرنس ، لأنه كان من لباس الرهبان ، وقد سئل مالك عنه فقال : لا بأس به .
قيل : فإنه من لبوس النصارى !
قال : كان يُلبس هاهنا ))
واستشكال هذا السائل يوضح لنا أصل المسألة بشكل واضح ، فالسائل لما أجابه الإمام مالك بأنه لا بأس به ، كأنه استحضر مسألة التشبه ، وأن هذا اللباس من لباس النصارى ، فكيف نشابههم والتشبه بالكفار محرم ؟؟
فأجابه الإمام :
إن مثل هذه المشابهة ليست محرمة ، لأن هذا اللباس – وإن كان يلبسه النصارى – فقد كان يلبسه العرب أيضاً ..
وبالتالي فهو ليس خاصاً بهم ، ولا إشكال في مشابهتهم فيه ..
ومما يؤكد قول مالك أن العرب والمسلمين قد لبسوه ، أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عد البرانس من منهيات الإحرام للمحرم .

هذان المثالان يوضحان أن فقه باب التشبه بالكفار يرجع إلى كونه علامةً عليهم ، فإذا زال ذلك ولم يكن علامةً وشعاراً لهم رجع حكمه إلى الجواز ..
ولهذا فهذا المأخذ غير صحيح في هذه المسألة ، ولا سبيل إلى القول بتحريم الاحتفالات والأعياد الدنيوية كاليوم الوطني لعلة مشابهة الكفار ..

2 / الابتداع في الدين /
وقال أصحاب هذا المأخذ أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وصحابته من بعده لم يحتفلوا بفتوحاتهم وانتصاراتهم وما حققته دولتهم ، ولا احتفلوا بأمور دنياهم – على الرغم من كونها أعظم مما يحتفل به الناس اليوم – وهذا يدل على أن هذا الاحتفال خطأ وبدعة ، فطالما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته فليس في فعله خير ، وهو بدعة منكرة يجب اجتنابها ، فهو مما لم يكن عليه أمر القرون المفضلة ..

وفي نظري أن هذا أضعف المآخذ في هذه المسألة ..
ذلك أن الاحتفال الدنيوي – أياً كانت فكرته وسببه – ليس مما يدخل في البدعة أساساً ، إذ البدعة مختصةٌ بالعبادات ، ولا تدخل في أمور الدنيا – بكل تفاصيلها – طالما لم نقصد بها التقرب إلى الله ..
ويتفق الجميعُ – مؤيداً ومعارضاً – على أن هذا الاحتفال ليس عبادةً يُتقرب بها إلى الله ، وإنما هي من أبواب العادات الدنيوية لا أكثر ..
ومن يقول ببدعية مثل هذا الأمر الدنيوي سيضطر إلى تبديع وتحريم كل أمور الدنيا التي اعتادها الناس مما لم ترد به السنة ، وهذا خطأ كبير ..
وبالتالي فلا مجال هنا لتحريم هذا الاحتفال من خلال هذا المأخذ ..

3 / زيادة عيد للمسلمين :
وقال أصحاب هذا المأخذ أن العيد ((اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد )) ، وهو يشمل الأعياد الدينية والدنيوية ..
قالوا : وكلاهما – العيد الديني والدنيوي – محرم غير العيدين التي شرعها الإسلام ، ولا يجوز أن يتخذ المسلمون عيداً ، فهو مناقض لحديث : (( أبدلكم الله )) الذي قالوا إنه ينص على ترك المبدل به ..
وحديث الرجل الذي نذر في الجاهلية نذراً ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يوفي بنذره ، فأمره أن يوفي به إن لم يكن فيه وثن من أوثان الجاهلية أو عيد من أعيادهم ..
قالوا : وأعياد الجاهلية تلك كانت أعياداً دنيوية ، ورغم ذلك نهى الشارع عنها ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ((مع أن ذلك العيد إنما كان يكون – والله أعلم – سوقا يتبايعون فيها ويلعبون، كما قالت له الأنصار: ” يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية ” لم تكن أعياد الجاهلية عبادة لهم ))
فاستدلوا بذلك على أن كل الأعياد – حتى الدنيوية منها – ما عدا عيدي المسلمين لا تجوز ..

وهذا المأخذ ينبغي تفكيكه إلى نقاط رئيسية ، حتى تتم مناقشته بشكل جيد :
( أ ) ما هو العيد الذي كان عند الأنصار في الجاهلية ؟؟
وما العيد الذي خشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يُذبح النذر عنده ؟؟
( ب ) هل في هذه الأحاديث نص قاطع يمنع الاحتفال بالأعياد الدنيوية ؟؟؟
( ج ) هل منع الإسلام حقاً كل عيد دنيوي جاهلي ؟؟

( أ ) فأما حديث (( قد ابدلكم الله خيرا منهما )) فالظاهر منه أنه كان يتكلم عن أعياد دينية ، ﻻ عن مجرد أيام دنيوية يحتفلون فيها ..
ولذلك ذكر عدد كبير من شراح الحديث كابن حجر وغيره ان هذين العيدين هما النيروز والمهرجان (( وهما من أعياد المجوس )) ..
ولما شرح العلماء حديث (( إن لكل قوم عيدا )) نصوا على أن المقصود به لكل أصحاب (( دين وطائفة دينية )) ، وبالتالي فأحاديث العيدين أحاديثٌ تتكلم عن أعياد دينية عبادية تميّز المسلمين عن غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى ، ولهذا أبدلهم الله بها أعياداً خيراً من أعياد الجاهلية التي كانوا يلعبون فيها ..

واذا عدنا بعد ذلك لحديث الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نذره في الجاهلية أن يذبح إبلاً في بوانة ، فسأله صلى الله عليه وسلم (( هل كان فيها وثن من اوثان الجاهلية أو عيد من أعيادهم ؟؟ )) فلما قال له : ﻻ ، امره ان يوفي بنذره ..
لو عدنا إلى هذا الحديث لوجدناه صريحاً بمنع النذر عند هذا المكان في حال ما لو كان فيه ما يشتبه أن يقدح في الدين والإيمان ..
كأن يكون فيه وثن سابق يُعبد ، أو مكان يعظمه المشركون ، ويخصصونه لاحتفالاتهم في الجاهلية وأعيادهم الدينية ..
وإلا فلن يكون هناك معنى لخشيته عليه الصلاة والسلام من أن يكون في بوانة عيدٌ دنيوي للمشركين لا شبهة لما يقدح في الدين والإيمان ، ولم يرد في نص من النصوص أن مجرد لعب المشركين في مكان ما سبب كافٍ لمنع الذبح فيه لله تعالى .. !
ولهذا فقد حمل العلماء حديث النذر على هذا المعنى ، فقال ابن قدامة رحمه الله في تعليقه على الحديث : (( فإن كان بها شيء مما ذكرنا ، لم يجز النذر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { هل كان بها وثن ، أو عيد من أعياد الجاهلية ؟ } .
وهذا يدل على أنه لو كان بها ذلك ، لمنعه من الوفاء بنذره
ولأن في هذا تعظيما لغير ما عظم الله ، يشبه تعظيم الكفار للأصنام ، فحرم ، كتعظيم الأصنام ))
وأشار ملا علي قاري إلى أن المعنى قد يرجع إلى منع التشبه المحرم بالكفار في مكان عيدهم الذي اختصوا به ..
وعلى المعنيين – التعظيم أو التشبه المحرم – لم يقل أحدٌ أن مجرد لعب أهل الجاهلية مانعٌ لأن يلعب المسلمون فيه ، لأن مجرد المشابهة في أمور الدنيا – دون محظور – جائزة ..
ولهذا المعنى صح أن امرأة أتت النبى -صلى الله عليه وسلم- فقالت : يا رسول الله إنى نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا (( مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية )) . قال : « لصنم ؟؟ ». قالت : لا. قال : « لوثن ؟؟ ». قالت : لا. قال : « أوفي بنذرك ».
فالمرأة هنا أخبرت أن هذا المكان الذي نذرت أن تذبح فيه هو مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية ، ورغم ذلك لما خلا المكان من المحذور أجاز لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تذبح فيه ..
ولو كانت مجرد المشابهة الدنيوية للمشركين في المكان أو الزمان سبباً للتحريم – كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – لما جاز لها ذلك ، ولمنعها النبي صلى الله عليه وسلم من الذبح فيه ..

( ب ) وإذا افترضنا أن أعياد الجاهلية في تلك الأحاديث كانت كما ذكر شيخ الإسلام مجرد لعب (( فقط )) لا عبادة فيها – وهو ما لا دليل عليه – فهل أدلة الباب تنص على تحريمها ؟؟
في الواقع : لا نص صريحاً بهذا ..
فإنه لا يصح الاستدلال بمجرد استبدال العيدين على تحريم كل ما كان لعباً مثلها ، إذ ليس كل استبدال يتضمن ترك المبدل منه (( منعاً وتحريماً ))
فقد يتم الاستبدال بترك المستبدل به ، لكن تركه من باب التفضيل لا التحريم ..
ومن ذلك قوله تعالى (( .. أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير .. )) ، فإن بني إسرائيل استبدلوا البقول بالمن والسلوى ، وإنما قصدوا بذلك الاستبدال تفضيلها عليها ، لا أنهم يمنعون الرجوع إليها .. !
وكذلك حديث العيدين ، غاية ما في (( لفظه )) أن الله أبدلهم عيدين أفضل من عيديهم السابقين ،
وليس في لفظه ولا معناه منعُ المسلمين من هذين العيدين الجاهليين ولا النهي عنهما ..
وحديث النذر غاية ما فيه أنه نهى أن يذبح في مكان عيدٍ اعتادوا الذبح فيه لصنم ، أو اعتاد أهل الجاهلية تعظيمه ..
وكل هذه المعاني – كما هو ظاهر – ليست دليلاً كافياً لمنع كل احتفال دنيوي معتاد ..

( ج ) وإذا كان تقعيد شيخ الإسلام رحمه الله صحيحاً في أن هذه الأعياد الجاهلية المتروكة كانت مجرد (( سوق يتبايعون فيها ويلعبون )) ..
فهل لم يكن هناك فعلاً أعياد جاهلية (( بهذا المعنى )) أبقاها الإسلام وأقر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عليها ؟؟

الجواب : لا .. بل كانت هناك أعيادٌ جاهلية بهذا المعنى ، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده ..
فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم العرب على أسواق الجاهلية العظمى التي كانوا يقيمونها كل عام ..
فأسواق عكاظ ، ومجنة ، وذي المجاز أمرها منتشر عند العرب في الجاهلية ، ومشاركتهم فيها ، وحرصهم عليها متيقنة فيهم ..
وعلى الرغم من كونها عيدا يعتاده الناس – مكاناً وزماناً – كل عام
(( شبهة العيد ))
وكونها من أعياد وأيام الكفار
(( شبهة التشبه ))
وعلى الرغم من وجود الشرك والعبادات المحرمة فيها في الجاهلية
(( شبهة ما فيها من منكرات ))

رغم كل ذلك فقد أقر الإسلام العرب على هذه الأسواق واﻻحتفاﻻت ، مع تطهيرها من الشرك وبقايا الجاهلية …
وبقيت هذه الأسواق لأكثر من مائة عام بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، قبل ان يهجرها الناس في القرن الثاني الهجري ..
وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما ان عكاظ ومجنة وذا المجاز كانت أسواقا في الجاهلية فلما كان الإسلام كرهوا التجارة مع النسك فيها فأنزل الله (( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم .. ))
قرأ ابن عباس (( في مواسم الحج )) ، وكذا كانت في مصحفه ، وهي قراءة شاذة تفسيرية ..
وبوّب البخاري رحمه الله على هذا الأثر فقال :
(( باب الأسواق التي كانت في الجاهلية فتبايع الناس بها في الإسلام ))

وعلق عليه ابن بطال رحمه الله فقال :
(( وفيه أن مواضع المعاصي وأفعال الجاهلية ﻻ يمنع من فعل الطاعة فيها ))
وثبت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليعلم الناس حجهم في عام 9 للهجرة ، قصد الى سوق ذي المجاز – وهو سوق قريب من المشاعر يقصده الحجاج منذ الجاهلية – ليخبر الناس بمناسكهم ويبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
كما اشترى عمر الفاروق موﻻه ( أسلم ) من سوق ذي المجاز عام 111 للهجرة لما حج بالناس في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وصح أن سائلاً سأل ابن عمر رضي الله عنهما في آخر عمره عن سوق ذي المجاز :
هل يقصرون الصلاة فيه أم ﻻ ؟؟
وهم يمكثون فيه 15 او 200 ليلة ..الخ ..

واستمر الناس في الإسلام يقصدون هذه الأسواق للبيع والشراء وإنشاد الأشعار ، والآثار في بقاء هذه الأسواق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين وهم خير القرون كثيرة ..
وإذا كان الإسلام لم يمنع الصحابة من إقامة هذه المناسبات والأعياد السنوية – رغم كل ما كان فيها في الجاهلية –
فغيرها يجوز من باب أولى ..

ولو كانت أعياد أهل المدينة في الجاهلية (( سوقاً ولعباً )) مثل هذه وتركها المسلمون ..
فلماذا أبقى النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه الأعياد والأسواق الجاهلية ،
وهي أعظم وأشد انتشارا وتأثيرا ؟؟!!!

وإذا لم يثبت النهي عن الأعياد الدنيوية ، ولم يصح أن أعياد الصحابة المتروكة كانت دنيوية صرفة ، وثبت عندنا بقاء ما يشبه هذه الأعياد الدنيوية في زمن النبوة وإقرارها ..
فلا شك حينئذٍ أن الحكم بتخطئتها بناء على هذه القواعد التي لم تثبت في الأعياد خطأ يحتاج إلى إعادة النظر ..

4 / مزاحمة الأعياد الشرعية والشرائع الدينية بالأعياد الدنيوية /
قال أصحاب هذا المأخذ (( إن مزاحمة أعياد الإسلام – يعني بأعياد دنيوية أخرى – ينتج عنها من التهاون بالعيد المشروع ، واللامبالاة به ، ما يعني تضييع وخفوت شعائر الدين ))

وهذا المأخذ قائم على فكرة مزاحمة هذه الأعياد لشعائر الإسلام الثابتة فيه كالعيدين وغيرهما ، والتضييق على فكرة الأخوة الإسلامية والرابطة الإيمانية بمعاني الوطنية ونحوها ..
قالوا : وهذا ينتج عنه تهاون بهذه الشعائر المشروعة ، وتضييع لها ..

ويكفي في رد هذا المأخذ أن ننظر إلى الدول الإسلامية التي تحتفل بأعياد دنيوية مختلفة منذ سنين طويلة – وهي دول كثيرة – وما زال أهلها يعظمون الإسلام وشرائعه وأعياده ، وهي أعظم أعيادهم وأكثرها فرحاً وتفاعلاً عند عامة الناس فضلاً عن خاصتهم ..
والوطنية وما يشبهها شعور بالانتماء لبلد أو وطن معين ، وليس بالضرورة أن كل من كان عنده هذا الشعور ، أنه سيلغي عند الإنسان روابطه الإيمانية .. !
بل من الممكن أن يحتفظ بها جميعهاً سويةً ، إذ كل واحدة منها ترجع إلى جانب مختلف ..

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للصحابة : (( خياركم في الجاهلية ، خياركم في الإسلام إذا فقهوا ))
فهو هنا حافظ على سيادة الجاهلية وخيريتها التي كانت عند العرب ، لكنه استثمرها في مجال الخير (( إذا فقهوا )) ..
ولم تكن تنميته لهذا الجانب (( خيرية الجاهلية )) على حساب خيرية الإيمان والعمل الصالح في الإسلام ، إذ هي في الحقيقة تنمّي بعضها وتقوي بعضها ..
وكذلك كل المشاعر الدنيوية المختلفة كالوطنية وغيرها ، هي – من حيث الأصل – لا تنافي المعاني الإيمانية والدينية ..
ولهذا فالحفاظ عليها وتنميتها في الخير ليس خطأً ..
وهي مما يدعم الروابط الإيمانية والدينية بشكل كبير ، إذا ما تم استثمارها بطريقة صحيحة ..

وبالتالي فليس صحيحاً أن (( كل )) احتفال دنيوي سيزاحم ويضايق الشرائع الدينية والشعائر الإسلامية ، بل إن هناك من لا تحصل عنده هذه الأضرار ..
فتعليق الحكم بحصول هذه الأضرار أولى من تعليقه بالفعل نفسه ،
كما سأوضحه في النقطة التالية ..

5 / الأخطاء التي تحصل فيه وبسببه /
قال أًصحاب هذا المأخذ : إن هذه الاحتفالات والأعياد الدنيوية كثيراً ما تؤدي إلى اعتداءات على الناس والممتلكات ، مع تصرفات غير مسؤولة ، وأخطاء وذنوب كبيرة ..
وقد يصاحبها أحياناً نفاق اجتماعي أو سياسي ..
وكل هذ الأمور السيئة توجب منع هذه الاحتفالات ..

وهذا الاعتراض ببعض ما فيها من أخطاء أو منكرات أو تعظيم يلزم من يقول به أن يبيح هذه الاحتفالات في حال عدم وجودها ، لأنها ليست ﻻزمة فيها ، ويمكن ان تحصل من دونها كما هو واقع في كثير من الدول الإسلامية وغير الإسلامية …
وإذا كان كذلك :
فالواجب على المعترض أن يدعو إلى الفعل الصحيح دون الخطأ الذي يراه ..
ﻻ أن يحرم الفعل كله .. !!

ومعظم دول العالم التي تحتفل بهذه الأعياد الدنيوية اليوم ليس لديها التعظيم المبالغ فيه الذي نشاهده عند العرب ، وليس لديها الهمجية في الاحتفال ، ولا الأخطاء التي نشاهدها أيضاً ..

لذا :
فمن الخطأ أن يحكم الإنسان حكماً شرعياً قاطعاً من خلال صورة واحدة ، وتصور واحد فقط .. !

ومن خلال هذه المناقشة لمآخذ منع الاحتفال بالأعياد الدنيوية يتضح :
أن الأصل في حكم مثل هذه الاحتفالات والأعياد الدنيوية بكل صورها
– ومن ضمنها اليوم الوطني – الجواز ، وأنه لم يقم دليل صريح صحيح على منعها مطلقاً ..
فتبقى على أصل إباحتها ..

والله تعالى أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه

https://fatawaeslam.blogspot.com/2021/12/blog-post_15.html
ويقول الأستاذ الدكتور محمد السيد دسوقي -أستاذ الشريعة بجامعة قطر-:
الجار في الإسلام له حقوق، سواء كان مسلما أم غير مسلم، فإذا كان مسلما وله بجاره قرابة أصبح له ثلاثة حقوق: حق القرابة، والإسلام، والجوار. أما إذا كان مسلما ولم يكن بينهما قرابة؛ فله حقان: حق الإسلام، وحق الجوار
فإذا كان هذا الجار غير مسلم فله حق واحد وهو حق الجوار، وهذا الحق حق مقدس نبه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” أي يجعله جزءا من الأسرة، فهذا الجار المسيحي يحض الإسلام على الإحسان إليه وحسن معاملته والله يقول: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”. ومن البر بهم مجاملتهم في أعيادهم، ويجوز مشاركتهم فيها ما دام لا يُرتكب فيها أي محرم. وهذا السلوك الإسلامي قد يكون عاملا من عوامل هداية هؤلاء، وقد انتشر الإسلام في بلاد كثيرة لم تدخلها الجيوش، وإنما كان الخلق الإسلامي الذي مثله الرحالة والمهاجرون والتجار من عوامل نشر الإسلام في أمم ما زالت تحتفظ به حتى الآن في دول جنوب شرق آسيا.
والله أعلم
فيقول فضيلة الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا ـ رحمه الله ـ
إنّ تهنئةَ الشّخص المُسلِم لمعارِفه النّصارَى بعيدِ ميلاد المَسيح ـ عليه الصّلاة والسلام ـ هي في نظري من قَبيل المُجاملة لهم والمحاسَنة في معاشرتهم. وإن الإسلام لا ينهانا عن مثل هذه المجاملة أو المحاسَنة لهم، ولا سيّما أنّ السيد المَسيح هو في عقيدتنا الإسلاميّة من رسل الله العِظام أولي العزم، فهو مُعظَّم عندنا أيضًا، لكنهم يُغالُون فيه فيعتقدونَه إلهًا، تعالى الله عما يقولون عُلُوًّا كبيرًا.
ومن يتوهَّم أنّ هذه المُعايَدةَ لهم في يوم ميلاده ـ عليه السلام ـ حَرام؛ لأنّها ذات عَلاقة بعقيدتِهم في ألوهيّته فهو مُخطئ، فليس في هذه المجامَلة أي صِلة بتفاصيلِ عقيدتِهم فيه وغُلُوِّهم فيها .
وقد نُقل أن نبيَّنا محمّدًا ـ صلّى الله عليه وسلم ـ مرّت به وهو بين أصحابه جنازة يهوديّ فقامَ لها فهذا القيامُ قد كان تعبيرًا عمّا للموت من هيبة وجلال، ولا عَلاقة له بعقيدة صاحب الجنازة .
والمسلِم مطلوب منه أن يُظهِرَ محاسِنَ الإسلامِ واعتدالَه لغير المسلمين، ولا يُجبِرهم إذا كانوا من رعاياه وأهل ذِمّته على اعتناق الإسلام، بل يتسامَح معهم ويترُكهم على ما يُدينون به .
أضفْ إلى ذلك حال المسلمين اليوم من الضَّعف بين دول العالم، وتآمُر الدول الكبرى عليهم واتِّهامِهم بأنّهم إرهابيّون ومتعصِّبون لا يُطْمَأن إليهم إلى آخر المعزوفة… وحاجة المُسلمين اليوم إلى تغيير الصورة القاتمة عنهم التي يصوِّرهم بها العالَم الأجنبيّ .
ولا سيِّما أن المسلمَ قد يأتيه في عيده (الفطر والأضحى) معارِفُ له من النّصارى يُهنِّئونه فيه. فإذا لم يَرد لهم الزيارة في عيد الميلاد، كان ذلك مؤيِّدًا لِما يتَّهَم به المسلمون من الجَفوة، وعدم استعدادهم للائتلاف مع غيرهم، والمُحاسَنة في التّعامُل .
وما يقال عن التهنئة بعيد الميلاد يقال عن رأس السنة المِيلادية بطريق الأولويّة، لأن رأس السنة الميلاديّة لا صلة لها بالعقيدةِ، وإنّما هو مجرّد بداية التاريخ .
وقد كان الصّحابة الكرام حين جمعهم سيدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ للمذاكَرة في تعيِين حَدَث يكون مبدأً لحِساب السِّنين (التاريخ) طَرحوا فيما طَرحوا من آراء أن يُعتَمَدَ تاريخ الرومِ، أو تاريخ اليهودِ، فلو كان هذا حرامًا لما عَرَضوه .
وإذا عرَفنا الرأي الشرعي في التهنئة يُعرَف حكم طباعة البِطاقات والمُتاجَرة بها؛ لأن ما كان من وسائل المُباح فهو مباح.
لكن هنا نقطة توقُّف مُهِمٍّ يجب الانتباه إليها؛ فإذا كانت تهنئة المسلِم للنّصارى في ذلك مُباحة فيما يظهر لأنّها من قبيل المجاملة والمحاسَنة في التّعامُل، فإن الاحتفال برأس السنة الميلاديّة وما يجري فيه من منكَرات هو أمر آخر فيه تقليد واتباع من المسلمين لغيرِهم في عادات وابتهاج ومنكَرات يجعلُها من قَبيل الحَرام
فيقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
ثبت في الحديث الصحيح عند أحمد والبخاري وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد غلامًا يهوديًّا كان يخدمه قبل مرضه وقد استكبر الغلام ، وأبوه الفقير هذه العناية ، ودعا النبي الغلام إلى الإسلام فقال له أبوه : أطع أبا القاسم ، فأسلم ، والحديث يدل على مشروعية الابتداء بالزيارة .
قال الماوردي : (عيادة الذمي جائزة والقربة موقوفة على نوع حرمة تقترن بها من جوار أو قرابة ) – أي : إن العيادة في المرض ومثلها الزيارة جائزة ، ولكنها لا تكون عبادة يتقرب بها إلى الله إلا إذا اقترن بها شيء مما هو مطلوب في الشرع كحرمة الجوار والقرابة – وحسبك أن تكون الزيارة في العيد وغيره مباحة .
على أن القواعد الإسلامية ترشدنا إلى أن حسن النية في الأعمال المباحة تلحقها بالعبادات .
هذا وأنت تعرف الفرق بين الذمي الداخل في حكمنا وبين من نحن داخلون في حكمهم , فإذا صح لنا أن نجامل من نحكمهم عملاً بمكارم الأخلاق التي هي أساس ديننا ، أفلا يصح لنا أن نجامل من يحكموننا من غيرنا ، ونحن أحوج إلى مجاملتهم ؛ لأجل مصالحنا ، كما أننا نرى أنفسنا أحق منهم بمكارم الأخلاق ؟
وكأني بمتعصب يقول : قال ابن بطال : ( إنما تشرع عيادة المشرك إذا رجي  أن يجيب إلى الإسلام ) .
وأقول أولاً : إن كلامه في العيادة المشروعة ؛ أي : المطلوبة شرعًا ، ونحن نتكلم في العادات المباحة ، وثانيًا : إن الحديث السابق لا يدل على الاشتراط ، وقد أورد الحافظ ابن حجر كلامه في شرح البخاري ثم قال : ( والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف المقاصد ، فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى ) ، وظاهر أن مصالح أهل الوطن الواحد مرتبطة بمحاسنة أهل بعضهم بعضًا ، وأن الذي يسيء معاملة الناس يمقته الناس فتفوته جميع المصالح ، لا سيما إذا كان ضعيفًا وهم أقوياء ، وإذا أسند سوء المعاملة إلى الدين ، يكون ذلك أكبر مطعن في الدين ؛ فلك أيها السائل ولغيرك من المسلمين أن تزوروا النصارى في أعيادهم ، وتعاملوهم بمكارم الأخلاق أحسن مما يعاملونكم ، ولا تعدوا هذا من باب الضرورة ؛ فإنه مطلوب لذاته مع حسن النية واتقاء مشاركتهم في المحرمات كشرب الخمر مثلاً .
يقول الدكتور الشيخ : أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله:
إن عيسى بنَ مريم عليه وعلى نبينا ـ الصلاة والسلام ـ هو عبد الله ونبيه ورسوله، وقد أثنى الله ـ تبارك وتعالى ـ على نبيه عيسى في مواطن القرآن الكريم، وحسبنا أن نجد كتاب الله ـ سبحانه ـ يقول على لسان المسيح عيسى ابن مريم في سورة مريم: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمُ وُلِدتُ وَيَوْمَ أَمُوتَ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا. ذَلِكَ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) (الآيات:30 ـ 34).
وإذا كان أتباع المسيح ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد اصطنعوا لأنفسهم موعدًا سنويًّا جعلوه ذكرى لميلاد المسيح، وكان بين المسلم وبين بعض هؤلاء جوار له حقوق، أو شركة في عمل، أو زمالة في وظيفة، وقد جرى العُرف بأن يتبادل الطرفان المجاملة في الأعياد أو المواسم، أو المناسبات الأخرى فإن الإسلام ـ السمح الكريم ـ لا يقف حائلًا دون أداء هذه المجاملات، بشرط أن لا تكون على حساب العقيدة والدين، وبشرط أن لا يرتكب المسلم في مثل هذه المجاملة، ما يحرمه عليه الدين أو ينفره منه، وبشرط أن لا تكون هناك منكرات ترتكب، مثل شرب الخمر أو تناول المسكر أو المخدر، أو نحو ذلك.
ولنتذكر أن الحق ـ جل جلاله ـ يقول في القرآن الكريم: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكٌمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) (المائدة:5). وهذا يستتبع تبادل الزيارة والدعوة إلى الطعام وما أشبه ذلك.
والله أعلم.

=



فتوى : تهنئة النصاري" المسيحين " من البر

كلام راقي من الشيخ القرضاوي:
أعلن الدكتور يوسف القرضاوي عبر موقعه الرسمي علي الشبكة العنكبوتية فتوي تفيد أن تهنئة النصاري" المسيحين " من البر.
و ذكر الموقع الرسمي للقرضاوي الأتي :
تلقى فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي استفسارا من أحد القراء يسأل فيه عن طبيعة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمعات الإسلامية، وهو ما يعبر عنه بقضية العلاقة بين (الأقليات الدينية) في المجتمع المسلم: هل هي علاقة السلم أم الحرب؟ وما إذا كان من الجائز للمسلم مودتهم وتهنئتهم في أعيادهم؟


وقد أجاب فضيلته على السائل بقوله:

يعد تَغيُّر الأوضاع الاجتماعية والسياسية أمر واقع تقتضيها سنَّة التطور، وكثير من الأشياء والأمور لا تبقى جامدة على حال واحدة، بل تتغير وتتغير نظرة الناس إليها. ومن ذلك، قضية غير المسلمين في المجتمع الإسلامي (أهل الذمة)، وهو ما يعبر عنه بقضية العلاقة بين (الأقليات الدينية) في المجتمعات الإسلامية. هذه قضايا أصبح لها في العالم شأن كبير، ولا يسعنا أن نبقى على فقهنا القديم كما كان في هذه القضايا ومراعاة تغيّر الأوضاع العالمية، هو الذي جعلني أخالف شيخ الإسلام ابن تيمية في تحريمه تهنئة النصارى وغيرهم بأعيادهم، وأجيز ذلك إذا كانوا مسالمين للمسلمين، وخصوصا من كان بينه وبين المسلم صلة خاصة، كالأقارب والجيران في المسكن، والزملاء في الدراسة، والرفقاء في العمل ونحوها، وهو من البر الذي لم ينهنا الله عنه. بل يحبه كما يحب الإقساط إليهم {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8]. ولا سيّما إذا كانوا هم يهنئون المسلمون بأعيادهم، والله تعالى يقول: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (النساء:86).
يجب أن نراعي هنا مقاصد الشارع الحكيم، وننظر إلى النصوص الجزئية في ضوء المقاصد الكلية، ونربط النصوص بعضها ببعض، وها هو القرآن يقول:{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8]. فهذا هو الأصل، وهو الدستور.
وإذا وجدنا أهل الذمة اليوم يتأذون من هذه الكلمة (أهل الذمة). ويقولون: لا نريد أن نُسمّى أهل الذمة، بل نريد أن نُسمّى (مواطنين). فبماذا نجيبهم؟
وجوابنا: أن الفقهاء المسلمين جميعا قالوا: إن أهل الذمة من أهل دار الإسلام، ومعنى ذلك بالتعبير الحديث أنهم: (مواطنون)، فلماذا لا نتنازل عن هذه الكلمة (أهل الذمة) التي تسوءهم، ونقول: هم (مواطنون)، في حين أن سيدنا عمر رضي الله عنه تنازل عما هو أهم من كلمة الذمة؟! تنازل عن كلمة (الجزية) المذكورة في القرآن، حينما جاءه عرب بني تغلب، وقالوا له: نحن قوم عرب نأنف من كلمة الجزية، فخذ منا ما تأخذ باسم الصدقة ولو مضاعفة، فنحن مستعدون لذلك. فتردد عمر في البداية. ثم قال له أصحابه: هؤلاء قوم ذوو بأس، ولو تركناهم لالتحقوا بالروم، وكانوا ضررًا علينا، فقبل منهم.
فالأحكام تدور على المسميات والمضامين لا على الأسماء والعناوين، ولا بد أن ننظر في قضايا غير المسلمين نظرات جديدة، وأن نرجح فقه التيسير، وفقه التدرج في الأمور؛ مراعاة لتَغيُّر الأوضاع.
إن كثيرا من المشايخ أو العلماء، يعيشون في الكتب، ولا يعيشون في الواقع، بل هم غائبون عن فقه الواقع، أو قل: فقه الواقع غائب عنهم، لأنهم لم يقرؤوا كتاب الحياة، كما قرؤوا كتب الأقدمين.
ولهذا تأتي فتواهم، وكأنها خارجة من المقابر!
والله أعلم
تهنئة النصارى بعيد الميلاد
يقول فضيلة الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا ـ رحمه الله ـ إنّ تهنئةَ الشّخص المُسلِم لمعارِفه النّصارَى بعيدِ ميلاد المَسيح ـ عليه الصّلاة والسلام ـ هي في نظري من قَبيل المُجاملة لهم والمحاسَنة في معاشرتهم. وإن الإسلام لا ينهانا عن مثل هذه المجاملة أو المحاسَنة لهم، ولا سيّما أنّ السيد المَسيح هو في عقيدتنا الإسلاميّة من رسل الله العِظام أولي العزم، فهو مُعظَّم عندنا أيضًا، لكنهم يُغالُون فيه فيعتقدونَه إلهًا، تعالى الله عما يقولون عُلُوًّا كبيرًا.
ومن يتوهَّم أنّ هذه المُعايَدةَ لهم في يوم ميلاده ـ عليه السلام ـ حَرام؛ لأنّها ذات عَلاقة بعقيدتِهم في ألوهيّته فهو مُخطئ، فليس في هذه المجامَلة أي صِلة بتفاصيلِ عقيدتِهم فيه وغُلُوِّهم فيها .
وقد نُقل أن نبيَّنا محمّدًا ـ صلّى الله عليه وسلم ـ مرّت به وهو بين أصحابه جنازة يهوديّ فقامَ لها فهذا القيامُ قد كان تعبيرًا عمّا للموت من هيبة وجلال، ولا عَلاقة له بعقيدة صاحب الجنازة .
والمسلِم مطلوب منه أن يُظهِرَ محاسِنَ الإسلامِ واعتدالَه لغير المسلمين، ولا يُجبِرهم إذا كانوا من رعاياه وأهل ذِمّته على اعتناق الإسلام، بل يتسامَح معهم ويترُكهم على ما يُدينون به .
أضفْ إلى ذلك حال المسلمين اليوم من الضَّعف بين دول العالم، وتآمُر الدول الكبرى عليهم واتِّهامِهم بأنّهم إرهابيّون ومتعصِّبون لا يُطْمَأن إليهم إلى آخر المعزوفة… وحاجة المُسلمين اليوم إلى تغيير الصورة القاتمة عنهم التي يصوِّرهم بها العالَم الأجنبيّ .
ولا سيِّما أن المسلمَ قد يأتيه في عيده (الفطر والأضحى) معارِفُ له من النّصارى يُهنِّئونه فيه. فإذا لم يَرد لهم الزيارة في عيد الميلاد، كان ذلك مؤيِّدًا لِما يتَّهَم به المسلمون من الجَفوة، وعدم استعدادهم للائتلاف مع غيرهم، والمُحاسَنة في التّعامُل .
وما يقال عن التهنئة بعيد الميلاد يقال عن رأس السنة المِيلادية بطريق الأولويّة، لأن رأس السنة الميلاديّة لا صلة لها بالعقيدةِ، وإنّما هو مجرّد بداية التاريخ .
وقد كان الصّحابة الكرام حين جمعهم سيدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ للمذاكَرة في تعيِين حَدَث يكون مبدأً لحِساب السِّنين (التاريخ) طَرحوا فيما طَرحوا من آراء أن يُعتَمَدَ تاريخ الرومِ، أو تاريخ اليهودِ، فلو كان هذا حرامًا لما عَرَضوه .
وإذا عرَفنا الرأي الشرعي في التهنئة يُعرَف حكم طباعة البِطاقات والمُتاجَرة بها؛ لأن ما كان من وسائل المُباح فهو مباح.
لكن هنا نقطة توقُّف مُهِمٍّ يجب الانتباه إليها؛ فإذا كانت تهنئة المسلِم للنّصارى في ذلك مُباحة فيما يظهر لأنّها من قبيل المجاملة والمحاسَنة في التّعامُل، فإن الاحتفال برأس السنة الميلاديّة وما يجري فيه من منكَرات هو أمر آخر فيه تقليد واتباع من المسلمين لغيرِهم في عادات وابتهاج ومنكَرات يجعلُها من قَبيل الحَرام.
فبعد هذا التفصيل الجميل للمسالة وجوازها اتمنى وارجو من جميع الاخوة نشر هذا الموضوع في المنتديات حتى نكون سببا في نشر ثقافة الحب والخير والسلام …
وان لا ننكر على بعضنا البعض …فالذي لا يرى الجواز يقول : انا لا احب ان اهنيئ ولا اعزي , ولكنه جائز في ديننا لمن اراد ان يهنيئ او يعزي …وهذا هو المسلم الحق الذي لا يخفي الحق لراي يتبعه …

===============

البعض يرى أن توقيت ميلاد المسيح عليه السلام في الشتاء خطأ لأنه تعالى قال للسيدة مريم (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) بحجة أن التمر الرطب موسمه بالصيف وليس في الشتاء
أقول ليس هناك خطأ في التوقيت فان الله تعالى اراد بقوله هذا للسيدة مريم ان يحدث معجزة فان الجذع لم يكن لنخلة حية وانما كان جذعا ميتا لا حياة فيه فخلق الله تعالى فيه الرطب وكان ايضا من عادة السيدة مريم ان يرزقها الله تبارك وتعالى فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف
قال الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره ج16/ص71
وقوله وهزي إليك بجذع النخلة ذكر أن الجذع كان جذعا يابسا وأمرها أن تهزه وذلك في أيام الشتاء وهزها إياه كان تحريكه ...وروى عن ابن عباس قال كان جذعا يابسا فقال لها هزيه تساقط عليك رطبا جنيا .وعن أبي نهيك يقول كانت نخلة يابسة
وعن وهب بن منبه يقول في قوله وهزي إليك بجذع النخلة فكان الرطب يتساقط عليها وذلك في الشتاء . وعن السدي كان جذعا منها مقطوعا فهزته فإذا هو نخلة وذلك في الشتاء .

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره ج3/ص118
أي وخذي إليك بجذع النخلة قيل كانت يابسة قاله ابن عباس ... والظاهر أنها كانت شجرة ولكن لم تكن في إبان ثمرها قاله وهب بن منبه ولهذا أمتن عليها بذلك بأن جعل عندها طعاما وشرابا
وقال سبحانه عن السيدة مريم (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا)قال ابن جزيء في التسهيل لعلوم التنزيل ج1/ص105
وجد عندها رزقا كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء
وقال ابن كثير في تفسيره ج1/ص361
قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو الشعشاء وإبراهيم النخعي والضحاك وقتادة والربيع بن أنس وعطية العوفي والسدي يعني وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف





اقرأ أيضا ..
حقيقة ميلاد المسيح والمسيحية والموروث الثقافي للطقوس المسيحية...... وموقف القرآن من مولد عيسى عليه السلام



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق