بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ،
الحي القيّوم ، بديع السموات والأرض ، الأحـد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ، العزيز الحكيم ، سبحانه وتعالى ، لا شريك له ،
له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حيّ لا يموت ، وهوعلى كل شيء قدير .
اللهم صلِّ على نبيّنا رسول
الله ؛ محمد وعلى آل محمد ، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد
مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
، إنك حميد مجيد .
أما بعد :
فهذه أقوال نسطرها هنا ،
لـ( خواص الخواص ) .
نسأل الله تعالى ، أن ننتفع
بها جميعاً .
وَذَكِّرْ فَإِنَّ
الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
نسطر هنا كلمات ، من باب التذكرة
.
أي : [ إنما أنت مذكر . هذه
وظيفتك على وجه التحديد . وهذا دورك في هذه الدعوة ، ليس لك ولا عليك شيء وراءه .
عليك أن تذكر . فإنك ميسر لهذا ومكلف إياه ] [2]
.
فـ[ الدوام
على الدعوة إلى الله ، وعلى الوعظ ، هو الواجب على الداعية ; فإن التذكيــر
والموعظــة ينتفع بهمــا أهل القلوب المؤمنة ، وفيهما إقامة الحجة على المعرضين ] [5] .
وهذه التذكرة هي [ تذكير بما هو معلوم للمؤمنين،
ولكن انسحبت عليه الغفلة والذهول، فيذكرون بذلك، ويكرر عليهم ليرسخ في أذهانهم ،
وينتبهوا ويعملوا بما تذكروه ، من ذلك ، وليحدث لهم نشاطًا وهمة ، توجب لهم
الانتفاع والارتفاع ] [6]
.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ » قَالُوا : فَإِنْ
لَمْ يَجِدْ ؟
قَالَ : « فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ
وَيَتَصَدَّقُ »
قَالُوا : فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ ؟
قَالَ : «فَيُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ »
قَالُوا : فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ؟
قَالَ : «فَيَأْمُرُ بِالخَيْرِ » أَوْ
قَالَ : «بِالْمَعْرُوفِ »
قَالَ : فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ؟ قَالَ : «فَيُمْسِكُ
عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ » [7]
.
وقال r : «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ،
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ،
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ
أَضْعَفُ الْإِيمَانِ » [8]
.
وقال r
: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا
فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَه . . . » [10]
.
إلى غيرها من الآيات القرآنية الكريمة ،
والأحاديث النبوية الشريفة ؛ التي تأمر بالتذكرة ، وتجعلها واجبة على المسلمين ؛ ولاسيما
الذين يسيرون على طريق الدعوة لهذا الدين العظيم ؛ الإسلام الحنيف .
وهذه التذكرة تنفع المؤمنين ، بلا أدنى شك أو
ريب ، كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه العزيز (
فَإِنَّ الذِّكْرَى
تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ )
يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُون
وينبغي العمل بالتذكرة ، والقيام بما
تملي علينا التذكرة .
فالواجب على المسلمين ، ولاسيما الداعية : هو
العمل بالعلم .
يقول تعالى : ( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم . يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا
لَا تَفْعَلُون ) [11]
.
[ إن الآيتين الأوليين تتضمنان العقاب من
الله سبحانه والاستنكار لأن يقول الذين آمنوا ما لا يفعلون..
وهما بهذا ترسمان الجانب الأصيل في شخصية
المسلم.. الصدق.. والاستقامة. وأن يكون باطنه كظاهره، وأن يطابق فعله قوله..
إطلاقا..
وفي حدود أبعد مدى من موضوع القتال الذي
يجيء في الآية الثالثة.
وهذه السمة في شخصية المسلم يدق القرآن
عليها كثيرا، وتتابعها السنة في تكرار يزيدها توكيدا :
يقول الله تعالى مندداً باليهود : « أَتَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ
. أَفَلا تَعْقِلُونَ ؟ » ..
ويقول تعالى منددا بالمنافقين: «وَيَقُولُونَ:
طاعَةٌ. فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ
غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ» ..
ويقول فيهم كذلك: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى
ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ، وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ
فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ»
..
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان » [12]
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
ولعل الحديث الذي سنذكره هنا من أدق وألطف
التوجيهات النبوية الكريمة في هذا الاتجاه..
روى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله
بن عامر بن ربيعة قال: أتانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: وأنا صبي، فذهبت لأخرج
لألعب. فقالت أمي: يا عبد الله تعال أعطك.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم-:
«وما أردت أن تعطيه!» فقالت: تمرا.
فقال: « أما إنك لو لم تفعلي كتبت
عليك كذبة » [13] ..
ولعله استقاءً من هذا النبع النبوي الطاهر
الرائق امتنع الإمام أحمد بن حنبل- رضي الله عنه- من الرواية من رجل سافر إليه مسافات
شاسعة ليأخذ عنه حديثا.
حينما وجده يضم حجره ويدعو بغلته يوهمها
بطعام وحجره فارغ ! فتحرج أن يروي عنه ، وقد كذب على بغلته !
فهذا بناء أخلاقي دقيق نظيف لضمير
المسلم وشخصيته التي تليق بمن يقوم أمينا على منهج الله في الأرض ] [14] .
فَاتَّقُوا اللَّهَ
مَا اسْتَطَعْتُمْ
وإن كان ولابد من الأمرين معاً :
1 - التذكرة 2 - العمل
بها
فالقيام بأحدهما أفضل من النكوص عنهما جميعاً
!
[ يأمر تعالى
بتقواه ،
التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ويقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة .
فهذه
الآية ، تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد ، أنه يسقط عنه ، وأنه إذا قدر على بعض
المأمور ، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه ، ويسقط عنه ما
يعجز عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا
منه ما استطعتم " ] [16] .
وليس معنى ذلك أن يترك الإنسان الأوامر ،
ويرتكب المناهي ، بحجة عدم القدرة والإستطاعة في تطبيق الشريعة !
بل يتّقِ الله تعالى ، بكل ما يستطيع من قوة
وقدرة ، ويبذل كل جهوده بالقيام بالأوامر ، والسمع والطاعة ، واجتناب النواهي
والإبتعاد عنها .
ولكن عند العجز الكلّي التام ، في تنفيذ
الأوامر ، واجتناب النواهي ، يأتي بما يستطيع ويدخل في حيز طاقته ، من باب ( ما لا
يُدرَك كلّه لا يُترَك كله ، أو جلّه ) .
فنحن إذا حدث فينا العجز والخلل ، في السمع
والطاعة ، والعمل بما نقول ، فلم نستطع أن نقوم بهذا الواجب الذي علينا ، على أكمل
وجه ، فعلـى الأقـل نقوم بواجب التذكرة فـ( ما لا يُدرَك كلّه ، لا يُترَك
كلّه ) .
يقول تعالى : ( وَالْعَصْرِ . إِنَّ
الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ) [18]
.
يقسم الله تعالى ، بأن الإنسان في خسران
وهلاك ، باستثناء المؤمنين ؛ الذين يعملون الأعمال
الصالحة ، ويفعلون ما يؤمرون ، ويتركون ما يُنهون عنه
.
ولا يقفون عند هذا الحد ، بل يدعون
غيرهم للإسلام ، ويحثونهم ويشجعونهم على الصبر والثبات ، وتحمّل ما
يصيبهم في هذا الطريق .
فهؤلاء هم الذين يفوزون ، وينجَون
من الهلاك والخسران .
خواص الخواص
نقصـد بـ( خواص الـخواص ) : المسلمون والمسلمات
؛ الذين مَنّ الله تعالى عليهم بعظيم نِعَمه وكرمه ، فأسبغ عليهم الهداية والإسلام
، واصطفاهم واختارهم من بين الملايين من عباده على وجه هذه الأرض ، هداية
بعد هداية ، واختيارا بعد اختيار ، واصطفاءً بعد
اصطفاء .
1 - فاصطفاهم إبتداءً من
بين الملايين ، من الكفار والملاحدة ، فهداهم إلى الإيمان !
2 - ثم اصطفاهم من بين
الملايين ، من الفسقة والعصاة فهداهم ، إلى الإسلام !
3 - ثم اصطفاهم من بين
الملايين ، من المبتدعة ( البدعة المغلظة والخفيفة ) فهداهم إلى سنة
رسول الله محمد r .
وتوّجَ هذه الهدايات
باختيارهم ، بعد هدايتهم إلى أصح وأفضل منهج ؛ منهج رسول الله
سيدنا محمـد r ، ومنهج
صحابته الكرام ، رضوان الله تعالى عليهم ، ومنهج مَن اتبعهم
بإحسان .
إختيــارهـم ليكونوا جنوداً
من جنوده تعالى ، وستاراً لقدرته ، وأداة لتحقيق قدره في حياة
البشر وفي وقائع التاريخ .
يقول تعالى :( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُــمْ بِنِعْمَتِـهِ إِخْوَانًـا وَكُنْتُــمْ عَلَـــى شَفَـــا
حُفْــرَةٍ مِـــنَ النَّـارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ) [19]
.
يذكّــر الله تعالـى
المؤمنين بما أنعم عليهم من نِعَمه العظيمة ؛ الإيمان ، والأخوة
بينهم .
فهما نعمتان عظيمتان ،
يستحقان شكر الله تعالى وحمده ، وذكره وعدم نسيانه .
والشكر – كما هو معلوم –
يكون باللسان والعمل ؛
باللسان : بذكر تلك النعمة ، والإعتراف بها ،
وحمد الله تعالى عليها ، وتسبيحه ؛ عرفاناً للجميل .
والشكر بالعمل : هو بصرف
تلك المِنّة والنعمة في طاعة الله تعالى ، وعدم صرفها في معصيته سبحانه .
وكذلك يذكر الله تعالى ، في كتابه الكريم ،
كيف أن عباده الصالحين ، يذكرون نعمة الله تعالى في الجنة ، فقال :
( قَالُوا إِنَّا كُنَّا
قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ . فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ
السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ
إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ) [21]
.
( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا
لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه ) [22]
.
ويقول سبحانه : ( وَلَوْ يَشَاءُ
اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْض ) [24]
.
فالله تعالى ، قـد أنعم
علـى ( خواص الخواص ) بهذه النعم العظيمة ، واختارهم وفضّلهم على كثير من عباده .
وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ
قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم
هل إن سلوكنا وتصرفاتنا ( أيها الخواص الخواص
) ، بمستوى كـل تلــك النِعَــم والمنّ والكـرم الإلهي ، التي أسبغها علينا ؟ !
لقد إختارنا الله تعالى لنكون جنوداً من
جنوده ، الذين يختارهم في كل عصر ومصر ، وفي كل زمان ومكان ،
ليكونوا أداةً من أدوات قضائه وقدره ، ليعلي
بهم دينه ، ويبلغ بهم رسالته إلى البشرية ؛ التي أرسل بها رسله على مدار التاريخ !
فهل نحن في مستوى هذه المسؤلية العظيمة ؟
قد رشحوك لأمرٍ إن فطٍنتَ له * * * فاربأ
بنفسك أن ترعى مع الهملِ
ألا يغشانا الخوف والوجل ، أن يسلب الله
– سبحانه وتعالى – عنّا هذه النعمة ؟ !
ألم يقل تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ
عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه . . . ) ؟ ! [25] .
[ أي من يتراجع منكم عن الإسلام
فسيأتي الله بعوض عنه، وسيأتي بقوم لن يكونوا مثل هؤلاء المرتدين .
إذن
فمن يرتد فعليه أن يفهم أنه لن ينقص جند الله واحداً ؛ لأن الذي أذن لشرعه أن ينزل
على رسول ونبي خاتم لن يجعل هذا الرسول وهذا المنهج تحت رحمة أغيار الناس .
[ إن هذا
القرآن يربي الفرد المسلم على أساس إخلاص ولائه لربه ورسوله وعقيدته وجماعته
المسلمة ،
وعلى
ضرورة المفاصلة (( الشعورية
)) الكاملة
بين الصف الذي يقف فيه وكل صف آخر لا يرفع راية الله ، ولا يتبع قيادة رسول الله
ولا ينضم إلى الجماعة التي تمثل حزب الله .
وإشعاره
أنه موضع اختيار الله ، ليكون ستاراً لقدرته ، وأداة
لتحقيق قدره في حياة البشر وفي وقائع التاريخ .
وأن
هذا الاختيار - بكل تكاليفه - فضل من الله يؤتيه من يشاء .
وأن
موالاة غير الجماعة المسلمة معناه الارتداد عن دين الله ، والنكول عن هذا الاختيار
العظيم .
والتخلي
عن هذا التفضيل الجميل . . .
إن
اختيار الله للعصبة المؤمنة ، لتكون أداة القدر الإلهي في إقرار دين الله في الأرض
،
وتمكين
سلطانه في حياة البشر ،
وتحكيم
منهجه في أوضاعهم وأنظمتهم ،
وتنفيذ
شريعته في أقضيتهم وأحوالهم ، وتحقيق الصلاح والخير والطهارة والنماء في الأرض
بذلك المنهج وبهذه الشريعة . .
إن هذا
الاختيار للنهوض بهذا الأمر هو مجرد فضل الله ومنته .
فمن شاء
أن يرفض هذا الفضل وأن يحرم نفسه هذه المنة . . فهو وذاك . والله غنى عنه - وعن
العالمين .
[ اختيار الله للعصبة المؤمنة ، لتكون أداة القدر
الإلهي في إقرار دين الله في الأرض ] .
وهذا
الإختيار هو : تشريف وتكليف !
تشريف
لهم ؛ أن كانوا من ضمن مَن اختارهم الله تعالى ، واصطفاهم .
وتكليـف لهـم ؛
بأداء الأمانة ، التي أُلْقِيَت على عاتقهم ، وهي : بناء مملكة الله تعالى على
الأرض !
هذا التكليف
والتشريف لهم ، طالما أنّهم يعتبرون أنفسهم من أتباع النبيّ محمد r ، الـذي قال الله تعالى له ، في كتابه الكريم : (قُـــلْ
هَذِهِ سَبِيلِــــي أَدْعُــو إِلَــــى اللَّـــــهِ عَلَـــى بَصِيرَةٍ أَنَا
وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) [28]
.
وقد أمره تعالى ،
قبل ذلك ، فقال :
( يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ
إِلَّا قَلِيلًا . نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا . أَوْ زِدْ عَلَيْـــهِ
وَرَتِّلِ الْقُــرْآنَ تَرْتِيلًا . إِنَّـــا سَنُلْقِـــي عَلَيْـــكَ قَــــــــوْلًا
ثَقِيلاً ) [29]
.
فهذا التكليف
والتشريف ، يجب أن يُشكر بالعمل ، والإرتقاء إلى مستواهما ، ليكون المؤمن المختار
، جديراً بهما !
جديراً بهما
بالعمل الصالح ، وبذل أقصى الجهود ، في مرضاة الله تعالى ، وليس بالقعود والأمانيّ
! .
يقول تعالى : ( لَيْسَ
بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ
بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ) [30] .
[ يا أيها المؤمنون
ليست المسألة مسألة أماني ، ولكنها مسألة عمل ؛
لأن
انتسابكم للإسلام لا يعفيكم من العمل ؛
فكم
من أناس يعبرون الدنيا وتنقضي حياتهم فيها ولا يصنعون حسنة ، فإذا قيل لهم: ولماذا
تعيشون الحياة بلا عمل ؟ يقولون : أحسنّا الظن بالله .
ونسمع
الحسن البصري يقول لهؤلاء : ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل
،
إن
قوماً ألهتهم أمانيّ المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا : نحسن الظن
بالله وكذبوا ، لو أحسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل به )
[31] .
إذاً
كون المسلم من الخواص الخواص ، فهذا يتطلب منه الإرتقاء إلى هذا المستوى ، بالعمل
والجهاد .
وَلَوْ يَشَاءُ
اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ
إن الله تعالى ، هو غنيّ عن العالمين ، ونحن
الفقراء إلى رحمته ، ولكن هكذا كانت مشيئته تعالى ، أن يقوم المسلمون بنشر ونصر
دينه ، بجهدهم البشري .
[ إن هذا الدين منهج إلهي
للحياة البشرية .
يتم تحقيقه في حياة البشر بجهد البشر أنفسهم
في حدود طاقتهم البشرية ؛ وفي حدود الواقع المادي للحياة الإنسانية في كل بيئة . .
.
وبقدر
ما يبذلونه من هذه الطاقة ] .
والخطأ الكبير [ ينشأ من
عدم إدراك طبيعة هذا الدين أو من نسيانها .
ومن انتظار الخوارق المجهولة الأسباب على
يديه ] .
ربما بعض المسلمين ، يظن أنّ هذا الدين – بما
أنه من عنـد الله تعالــى – فسينتصر ، بدون بذل المسلمون لجهودهم في سبيله !
ولا شك أنّ الله تعالى ، قادرٍ على أن ينصر
دينه بلمح البصر ، أو بأقل من ذلك ، وأن يهلـك مَن في السموات والأرض جميعاً ، بكن
فيكون !
يقول تعالى : ( قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ
مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ
وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ ) [32] .
ولكن شاء سبحانه ، أن ينتصر دينه ، عن طريق مصارعة
المسلمون لأعدائه تعالى ، وتقليم أظافرهم
بأيديهم .
يقول تعالى : ( وَلَوْ يَشَاءُ
اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ) [33]
.
ويقول تعالى : ( قَاتِلُوهُمْ
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِم ) [34]
.
إن الله سبحانه وتعالى [
شاء أن يخلق الإنسان بهذه الفطرة لحكمة يعلمها .
وشاء أن يجعل الهدى ثمرة للجهد والرغبة
في الهدى :
(( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا )) . . .
وشاء أن يتم تحقيق منهجه
الإلهي للحياة البشرية عن طريق الجهد البشري وفي حدود الطاقة البشرية :
(( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم )) . .
(( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ )) .
وشـاء أن يبلـغ
الإنسان مـن هذا كله بقدر ما يبذل من الجهد ، وما ينفق من الطاقة ،
وما يصبر على الإبتلاء في تحقيق هذا المنهج الإلهي القويم ، وفي دفع الفساد
عن نفسه وعن الحياة من حوله :
(( أَحَسِبَ
النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ .
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِـنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ
)) . . .
ليس لأحـد مـن خلـق الله أن يسألـه – سبحانه –
لمـاذا شـاء . . . أن يجعل المنهج الإلهي لحياة البشرية يتحقق عن طريق الجهد
البشري ، وفي حدود الطاقة البشرية ، والواقع
المادي لحياته ؟
ولم يشأ أن يجعله يتم بوسيلة خارقة ، وبأسباب
مبهمة غامضة ! ] .
ليس لأحد أن يسأله تعالى ، لأنه سبحانه هو
الله ، و(لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ
يُسْأَلُون ) [35] .
[ هذا المنهج الإلهي [36]
، الذي يمثله (( الإسلام )) في صورته النهائية ، كما جاء بها محمد r ، لا يتحقق في الأرض ،
وفي دنيا الناس ، بمجرد تنزله من عند الله .
لا يتحقق بكلمة (( كن )) الإلهية ، مباشرة لحظة تنزله ، ولا يتحقق
بمجرد إبلاغه للناس وبيانه .
ولا يتحقق بالقهر الإلهي على
نحو ما يمضي ناموسه في دورة الفلك وسير الكواكب .
إنما يتحقق بأن تحمله
جماعة من البشر :
1 - تؤمن به إيمانا كاملا ،
2 - وتستقيم عليه – بقدر طاقتها –
3 - وتجتهد لتحقيقه في قلوب الآخرين
وفي حياتهم كذلـك ؛
4 - وتجاهد [37]
لهذه الغاية بكل ما تملك . .
تجاهد الضعف البشري والهوى البشري في داخل
النفوس
وتجاهد الذين يدفعهم الضعف
والهوى للوقوف في وجه الهدى . .
وتبلـغ – بعـد ذلك كله – من تحقيق هذا المنهج
، إلى الحد الذي تطيقه فطرة البشر ، والذي يهيئه لهم واقعهم المادي .
على أن تبدأ بالبشر من النقطة التي هم فيها
فعلا ؛ ولا تغفل واقعهم ، ومقتضياته في سير وتتابع مراحل هذا
المنهج الإلهي . . [38]
ثم تنتصر هذه الجماعة على نفسها
وعلى نفوس الناس معها تارة .
وتنهزم في المعركة مع نفسها
أو مع نفوس الناس تارة .
بقدر ما تبذل من الجهد . وبقدر ما تتخذ من الوسائل المناسبة
للزمان ولمقتضيات الأحوال وقبل كل شيء . .
بمقدار
ما تمثل هي ذاتها من حقيقة هذا المنهج ؛ ومن ترجمته ترجمة عملية في
واقعها وسلوكها الذاتي ] .
[ هذه هي طبيعة هذا
الدين وطريقته .
وهذه هي خطته الحركية ووسيلته . .
وهذه هي الحقيقة التي شاء الله
أن يعلمها للجماعة المسلمة وهو يقول لها :
(( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم )) . (( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ )) .
(( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا )) .
وهذه هي الحقيقة التي شاء
الله أن يعلمها للجماعة المسلمة في غزوة أُحُد حينما قصرت في تمثيل حقيقة هذا
الدين في ذوات أنفسها في بعض مواقف الغزوة .
وحينما قصرت في اتخاذ الوسائل
المناسبة في بعض مواقفها .
وحينما غفلت عن هذه الحقيقة
الأولية أو نسيانها ؛ وفهمت أن من مقتضى كونها مسلمة أن تنتصر حتماً
!
فقال لها الله سبحانه : (( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ
مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُم )) .
وقال لها : (( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ
تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي
الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُــمْ
مَـنْ يُرِيــدُ الدُّنْيَـــا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ
عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ )) .
ولقــد تعلمت الجمـاعة
المسلمة هـذه الحقيقة في هذه الغزوة ، لا بالكلام ولا بالعتاب
؛ ولكن تعلمتها مع هذا بالدماء وبالآلام .
ودفعت ثمنهـا غاليـا :
1 - هزيمة بعد نصر .
2 - وخسارة بعد غنم .
3 - وجراحا لم تكد تدع
أحدا معافى .
4 - وشهداء
كراما فيهم سيد الشهداء حمزة - t -
وأغلـى مـن ذلك كله وأشد
وقعا على الجماعة المسلمة كلها :
جرح رسول الله r ، وشج
وجهه الكريم ، وكسر رباعيته في فمه ، ووقوعه لجنبه في
الحفر التي حفرها أبو عمرو الفاسق حليف قريش مكيدة للمسلمين ؛
وجهد المشركين له - r - وهم
يطاردونه ، وهو مفرد في نفر من أصحابه استشهدوا واحدا بعد واحد وهم يذودون عنه ؛
ويترس أحدهم – أبو دجانة – بظهره عليه يقيه
نبل المشركين ، والنبل يقع في ظهره فلا يتحرك . .
حتى ثـاب إليه المؤمنون من هزيمتهم وحيرتهم ،
وهم يتلقون الدرس الشاق المرير !
] .
[ على أنه من الملاحظ الواضح أن ترك
المنهج الإلهي للجهد البشري ، يتولى تحقيقه في حدود
الطاقة البشرية . .
نقول هذا لا لنعلل به مشيئة الله – سبحانه – في
جعل الأمر على ما جعله .
ولكن لنسجل – فقط – ملاحظة واقعية
لآثار هذه المشيئة في حياة العباد .
ذلك أن حقيقة الإيمان
لا يتم تمامها في قلب حتى يتعرض لمجاهدة الناس في أمر هذا الدين :
1 - مجاهدتهم بالقلب بكراهة باطلهم
وجاهليتهم
2 -والعزم على نقلهم منها إلى الحق
والإسلام .
3 -ومجاهدتهم باللسان بالتبليغ والبيان
.
4 - ورفض باطلهم الزائف ، وتقرير
الحق الذي جاء به الإسلام .
5 - ومجاهدتهم باليد بالدفع والإزالة من طريق
الهدى حين يعترضونه بالقوة الباغية والبطش الغشوم ! . .
وحتى يتعرض في تلك المجاهدة :
1 - للإبتلاء والأذى ،
2 - والصبر على الهزيمة
3 - والصبر على النصر أيضا
فالصبر على النصر أشق من الصبر على الهزيمة .
ثم :
1 - يثبت ولا يرتاب
؛
2 - ويستقيم ولا يلتفت
؛
3 -ويمضي في طريق الإيمان راشداً
صاعداً .
حقيقة الإيمان لا يتم
تمامها في قلب حتى يتعرض لمجاهدة الناس في أمر هذا الإيمان
لأنه :
1 - يجاهد نفسه كذلك في أثناء مجاهدته
للناس ؛
2 - وتتفتح له في الإيمان آفاق
لم تكن لتتفتح له أبدا وهو قاعد آمن ساكن ،
3 - وتتبين له حقائق في الناس
وفي الحياة لم تكن لتتبين له أبدا بغير هذه الوسيلة
4 - ويبلغ هو بنفسه
وبمشاعره وتصوراته ، وبعاداته وطباعه
وانفعالاته واستجاباته ، ما لم يكن ليبلغه أبدا
بدون هذه التجربة الشاقة العسيرة .
وهذا بعض ما يشير إليه قوله
تعالى :
(( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ )) .
وأول ما تفسد : فساد
النفوس بالركود الذي تأسن معه الروح ؛ وتسترخي معه
الهمة ، ويتلفها الرخاء والطراوة .
ثم تأسن الحياة كلها بالركود .
أو بالحركة في مجال الشهوات وحدها
. كما يقع للأمم حين تبتلى بالرخاء !
فهذه كذلك من الفطرة التي
فطر الله الناس عليها .
لقد جعل صلاح هذه الفطرة في المجاهدة
لإقرار منهج الله للحياة البشرية ، عن طريق الجهد البشري ، وفي
حدود الطاقة البشرية كذلك .
ثم إن هذه المجاهدة
وما يصاحبها من الإبتلاء ، هي الوسيلة العملية لتمحيص
الصفوف – بعد تمحيص النفوس – و لتنقية الجماعة من
المعطلين والمعوقين والمرجفين ؛ ومن ضعاف النفوس والقلوب
، ومن المخادعين والمنافقين والمرائين .
وهذه هي الحقيقة التـي شاء
الله أن يعلمها للجماعة المسلمة وهي تتعرض للإمتحان ؛ وتتعرض للإبتلاء ؛ وتتكشف
فيها خفايا النفوس ؛ كما تتميز فيها الصفوف . تحت مطارق الإبتلاء ومشقة
التجربة ، ومرارة الآلام . .
وهذه هـي الحقيقة التـي شاء
الله أن يعلمها للجماعة المسلمة ، وهو يعقب على أحداث الغزوة . فيقول لها ، ردّاً
على سؤال المسلمين :
(( أنى
هذا ؟ )) (( قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُم )) . .
ثم يعقب على هذا بقوله : (( وَمَا
أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ
الْمُؤْمِنِينَ . وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا
)) . .
(( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا
أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )) .
.
((
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين . وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين )) . . .
كل
ذلك ليستقر في حسهم أنه مع أن ما أصابهم كان بسبب تقصيرهم في تمثيل حقيقة
الإيمان كاملة في مشاعرهم وتصرفاتهم في الغزوة . .
فإنه كذلك
كان لخيرهم في النهاية بفضل الله عليهم ، وتجاوزه عن تقصيرهم ؛ واتخاذ
نتائجه مادة لتعليمهم وتمحيصهم وتطهيرهم ، وتمييز
صفوفهم . .
وكله
خير لأنفسهم ولحياتهم في نهاية المطاف . . .
إن كون هذا المنهج الإلهي متروك تحقيقه للجهد البشري ، في حدود
الطاقة البشرية ، وفي حدود الواقع المادي للحياة الإنسانية في شتى المدارج ، وشتى
البيئات . . لا يعني استقلال الإنسان نهائيا بهذا الأمر ، وانقطاعه عن قدر
الله وتدبيره ، ومدده وعونه وتوفيقه وتيسيره . .
فتصور
الأمر على هذا النحو مخالف في أصوله لطبيعة
التصور الإسلامي .
ولقد بيّنا فيما سلف أن الله – سبحانه – يساعد مَن يجاهد للهدى
:
(( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا )) . .
وأنه يغير حال الناس حين يغيرون ما بأنفسهم ،
وأنه لا يغير ما بهم حتى يغيروا ما بأنفسهم :
(( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم )) .
وهذان النصان يوضحان لنا العلاقة
بين الجهد البشري الذي يبذله الناس ، وعون الله ومدده الذي يسعفهم
به ؛ فيبلغون به ما يجاهدون فيه من الخير والهدى والصلاح والفلاح .
فإرادة الله هي
الفاعلة في النهاية ؛ وبدونها لا يبلغ (( الإنسان )) بذاته شيئاً ،
ولكن هذه الإرادة تعين :
1 - مَن يعرف طريقها ،
و2 - يستمد عونها
و3 - يجاهد في الله ليبلغ رضاه
.
وقدر الله –
مع ذلك كله – هو الذي يحيط بالناس والأحداث ؛ وهو الذي يتم وفقه ما يتم من
ابتلاء ؛ ومن خير يصيبه الناجحون في هذا الإبتلاء .
وهذه هي الحقيقة التي شاء
الله – سبحانه – أن يعلمها للجماعة المسلمة .
وهو يبين لها في التعقيب على غزوة أُحُد
أسباب النصر وأسباب الهزيمة – من عملها –
ثم يكشف لها عن حكمة الله من وراء الإبتلاء
كله ، ومن وراء النصر والهزيمة : وعن تدبيره كذلك
(( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ
تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ
وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ
الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ
لِيَبْتَلِيَكُمْ )) .
وليعرفهم سنته الشاملة . ومردها في النهاية
إلى مشيئته الطليقة وقدره النافذ من وراء الأسباب والوقائع :
(( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ
مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ
الظَّالِمِين . وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين )) .
وإذن فهو – في النهاية –
تدبير الله ومشيئته وقدره ، ليتم ما يريده من وراء الأسباب والأحداث ،
وهو الأمـر الـذي لا يُسأل عنه سبحانه
: لأنه شأنه الإلهي ، الذي لا يُسأل عنه . .
وهذه هي حقيقة الإيمان الكبرى التي لا يتم في
النفس إلّا باستقرارها فيها ، واطمئنانها إليها . .
وهي التكملة التي لابد منها
لما قررناه في هذا الفصل عن طبيعة هذا الدين وطريقته . .
بلا تعارض بين طرفي هذه الحقيقة في حس المسلم
، الذي يتذوق قلبه حقيقة هذا الدين ، كما أنزلها الله .
ولا يعارضها بتصورات ومقررات ليست مستقاة
من كتاب الله . . ] [39] .
وَإِنَّ هذِهِ
أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ
[ المؤمن ذو نسب عريق ، وضارب في شعاب الزمان .
إنه
واحد من ذلك الموكب الكريم ، الذي يقود خطاه ذلك الرهط الكريم :
نوح وإبراهيم
وإسماعيل وإسحاق ، ويعقوب ويوسف ، وموسى وعيسى
، ومحمد .. عليهم الصلاة والسلام .. « وَإِنَّ
هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ» ..
هذا
الموكب الكريم ، الممتد في شعاب الزمان من قديم ،
يواجه
مواقف متشابهة ، وأزمات متشابهة ، وتجارب
متشابهة
على
تطاول العصور وكر الدهور ، وتغير المكان ، وتعدد
الأقوام
يواجه
الضلال والعمى والطغيان والهوى ، والاضطهاد والبغي ، والتهديد والتشريد.
ولكنه
يمضي في طريقه ثابت الخطو ، مطمئن الضمير ، واثقا من نصر الله ، متعلقا بالرجاء
فيه ، متوقعا في كل لحظة وعد الله الصادق الأكيد:
«وَقالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا
أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا. فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ
الظَّالِمِينَ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ. ذلِكَ لِمَنْ خافَ
مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ» ..
موقف
واحد وتجربة
واحدة . وتهديد واحد . ويقين واحد. ووعد
واحد للموكب الكريم ..
وعاقبة
واحدة ينتظرها المؤمنون في نهاية المطاف. وهم يتلقون الاضطهاد والتهديد
والوعيد.. ] [40] .
إن هذا الديـن واحـد مـن لدن آدم عليه السلام
، إلى يوم القيامة ، ولقد أنزل الله تعالى آخر رسالته إلى البشرية ، متمثلة في
القرآن الكريم ، على قلب رسول الله سيدنا محمد r
والله
سبحانه يقص علينا في هذا القرآن الكريم ، خلاصة التجارب البشرية التي تتكرر على مدار
العصور وفي كافة الأصقاع !
لنعتبر بها ، ولا نقع في الأخطاء والإنحرافات
التي وقعت فيها تلك الأمم الهالكة .
كلُّ ما تغير في تلك الممارسات والمواقف ، هو
الأشخاص والصور فقط .
وغير
ذلك فالمواقف هي هي !
وإلا فكيف نعتبر ونأخذ الدروس والعِبَر منها
، إذا كانت مختلفة ؟ !
يقول تعالى : ( « كَذلِكَ ما أَتَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا: ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَواصَوْا
بِهِ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ . . . » [41]
[ فهي
جبلة واحدة وطبيعة واحدة للمكذبين وهو استقبال واحد للحق
وللرسل يستقبلهم به المنحرفون:
«كَذلِكَ
ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا: ساحِرٌ أَوْ
مَجْنُونٌ» .. كما
يقول هؤلاء المشركون !
كأنما
تواصوا بهذا الاستقبال على مدار القرون !
وما
تواصوا بشيء إنما هي طبيعة الطغيان وتجاوز الحق والقصد تجمع بين
الغابرين واللاحقين ! ] [42]
.
ففرعون هو رمز ، يمثل كل طاغية متكبر مستبد
جبار !
ولقد قصّ الله تعالى ، قصّته ، وكيف تجبّر وطغى ، ثم كيف أهلكه الله
تعالى ، ثم قال سبحانه : ( إِنَّ
فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى ) ! [43]
ولولا أنّ مثاله سيتكرر بعده ، وأنّ مصيره
سيكون كمصير فرعون ، لما حذّرنا الله تعالى ، ليعتبر كل مَن يسلك سبيل ذلك الجبّار
!
ولماذا
ننظر إلى عاقبة الظالمين الذين هلكوا في
غابر الزمان ، إذا لم تكن هناك أية رابطة بيننا وبينهم ؟
[ فهي عاقبة مشهودة معروضة للعالمين .
وفيها
عبرة للمعتبرين، ونذير للمكذبين. وفيها يد القدرة تعصف
بالطغاة والمتجبرين في مثل لمح البصر ] [45]
.
فقصّة فرعون [ قد عرضت فيها قوة السلطان والحكم ،
وكيف باءت بالبوار مع البغي والظلم ، والكفران بالله ، والبعد عن هداه ] [46]
.
ولقد ذكر الله تعالى قول فرعون : ( « ذَرُونِي أَقْتُلْ
مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّـه إِنّـِي أَخــافُ أَنْ
يُبَـدِّلَ دِينَكُـــمْ أَوْ أَنْ يُظْهِـرَ فِــــــي الْأَرْضِ
الْفَسـادَ » [47]
..
[ فهل هناك أطرف من أن يقول فرعون الضال
الوثني ، عن موسى رسول الله - عليه السلام - «إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ
دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ » ؟ ! !
أليست
هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل داعية مصلح ؟
أليست
هي بعينها كلمة الباطل الكالح في وجه الحق الجميل ؟
أليست
هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لإثارة الخواطر في وجه الإيمان الهادئ ؟
إنه منطق
واحد ، يتكرر كلما التقى الحق والباطل ، والإيمان والكفر .
والصلاح والطغيان على توالي الزمان واختلاف المكان .
والقصة
قديمة مكررة تعرض بين الحين والحين ] [48] .
وقال تعالى : (« قالَ
فِرْعَوْنُ : ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ
الرَّشادِ » [49] . .
[ إنني لا أقول لكم إلا ما أراه صوابا ، وأعتقده
نافعا .
وإنه
لهو الصواب والرشد بلا شك ولا جدال !
وهل
يرى الطغاة إلا الرشد والخير والصواب ؟ !
وهل
يسمحون بأن يظن أحد أنهم قد يخطئون ؟ !
وقارون يمثل طغيان المال والعلم ، عند
الإنسان الفاسد !
وقد قال الله تعالى ، عنه : (فَخَسَفْنا
بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ ) [51]
، ( تِلْكَ
الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي
الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين ) [52]
.
فقصّة قارون [ تعرض سلطان
المال والعلم ، وكيف ينتهي بالبوار مع البغي والبطر ، والاستكبار
على الخلق وجحود نعمة الخالق .
وتقرر
حقيقة القيم ، فترخص من قيمة المال والزينة إلى جانب قيمة الإيمان
والصلاح مع الاعتدال والتوازن في الاستمتاع بطيبات الحياة دون علو في الأرض ولا
فساد ] [53] .
وهامان يمثل الوزير المتملق الأنانيّ ،
الداعم للطغيان والجبروت ، من أجل مصالح شخصية تافهة !
وجنود فرعون يمثلون أدوات القمع والظلم الذين
يركبهم الطاغية ، ويستخدمهم في جبروته وظلمه ، الخانعون الذليلون الذين يؤمرون
فيطيعون بلا إرادة ولا كيان ، بل لمجرد العيش التافه الذليل !
[ لقد بغى فرعون . . . واستطال بجبروت الحكم
والسلطان
ولقد
بغى قارون . . . واستطال بجبروت العلم والمال .
وكانت
النهاية واحدة ، هذا خسف به وبداره ، وذلك أخذه اليم
هو وجنوده .
ولم
تكن هنالك قوة تعارضها من قوى الأرض الظاهرة . إنما تدخلت يد القدرة سافرة فوضعت
حدا للبغي والفساد ، حينما عجز الناس عن الوقوف للبغي والفساد .
ودلت
هذه وتلك على أنه حين يتمحض الشر ويسفر الفساد ويقف الخير عاجزا والصلاح حسيرا
ويخشى من الفتنة بالبأس والفتنة بالمال .
عندئذ
تتـدخل يد القدرة سافرة متحدية ، بلا ستار من الخلــق ، ولا سبب مــن قوى الأرض ،
لتضـع حـدا للشـر والفسـاد ) [54]
والـذي آتـاه الله تعالـى الآيات ، فانسلخ
منها فأتبعه الشيطان ، هو مثـال علماء السوء الذين يبيعون دينهم بدنيا رخيصة !
يقول تعالى : ( وَاتْلُ
عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ
الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ . وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ
أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواه فَمَثَلُهُ
كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ
ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [55]
.
ولماذا (
فَاقْصُصِ الْقَصَصَ ) ؟
! أليس من أجل أن لا نفعل ما فعل ، حتى لا يصيبنا ما أصابه ؟ !
أليس معنى ذلك أن نفس الفعل يؤدي إلى نفس
النتيجة ؟ !
و في هذه القصة ، التي أُبهِم فيها اسم ذلك
الضال ، الذي ليس هو بمهم ، طالما أنه يمثل نموذجا لكل إنسان يفعل فعله ، فتصيبه
نفس الكارثة .
فالعبرة في هذه القصة و[ المهم أنّ
إنساناً آتاه الله آياته ثم انسلخ من الآيات ، فبدلاً من أن ينتفع بها صيانة
لنفسه، وتقرباً إلى ربه { فانسلخ مِنْهَا } واتبع هواه ومال إلى الشيطان ] [56]
.
[ وكمثل للإنحراف
عن سواء الفطرة ، ونقض لعهد الله المأخوذ عليها ، ونكوص عن آيات الله بعد رؤيتها
والعلم بها . .
ذلك
الذي آتاه الله آياته ، فكانت في متناول نظره وفكره ولكنه انسلخ منها ، وتعرى عنها
ولصق بالأرض ، واتبع الهوى فلم يستمسك بالميثاق الأول ، ولا بالآيات الهادية
فاستولى
عليه الشيطان وأمسى مطروداً من حمى الله ، لا يهدأ ولا يطمئن ولا يسكن إلى قرار . .
.
إنسان
يؤتيه الله آياته ، ويخلع عليه من فضله ، ويكسوه من علمه ، ويعطيه الفرصة كاملة
للهدى والاتصال والارتفاع . .
ولكن
ها هو ذا ينسلخ من هذا كله انسلاخاً . ينسلخ كأنما الآيات أديم له متلبس بلحمه فهو
ينسلخ منها بعنف وجهد ومشقة ، انسلاخ الحي من أديمه اللاصق بكيانه . .
أو
ليست الكينونة البشرية متلبسة بالإيمان بالله تلبس الجلد بالكيان ؟ . .
ها هو
ذا ينسلخ من آيات الله ويتجرد من الغطاء الواقي ، والدرع الحامي وينحرف عن الهدى
ليتبع
الهوى ويهبط من الأفق المشرق فيلتصق بالطين المعتم فيصبح غرضاً للشيطان لا يقيه
منه واق ، ولا يحميه منه حام فيتبعه ويلزمه ويستحوذ عليه . .
ثم
إذا نحن أولاء أمام مشهد مفزع بائس نكد . . إذا نحن بهذا المخلوق ، لاصقاً بالأرض،
ملوثاً بالطين ) [57] .
(
فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون ) !
أي : فيعتبرون ويتعظون ، ولا يرتكسون ارتكاسه فيهبطون !
والملأ المترفون يمثلون طبقة الأغنياء من
المال الحرام السحت ،
ويمثلون أصحاب المناصب ، والذين يدورون في
فلك شهواتهم ، مع القوة والنفوذ ، مساندين السلطات الغاشمة المفسدة ، يعارضون كل
مَن يحسون فيهم تهديداً لمصالحهم !
[ وفي
كل مرة وقف «الملأ» من عليّة القوم وكبرائهم في وجه كلمة الحق هذه ورفضوا
الاستسلام لله رب العالمين.
وأبوا
أن تكون العبودية والدينونة لله وحده- وهي القضية التي قامت
عليها الرسالات كلها وقام عليها دين الله كله ] [58]
.
[ وماذا قالوا لنبيّ الله نوح ، عليه السلام
: («
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ: إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ »
!
كما
قال مشركو العرب لمحمد- صلى الله عليه وسلم- إنه صبأ، ورجع عن دين إبراهيم!
وهكذا
يبلغ الضال من الضلال أن يحسب من يدعوه إلى الهدى هو الضال !
بل
هكذا يبلغ التبجح الوقح بعد ما يبلغ المسخ في الفطر!
..
هكذا
تنقلب الموازين ، وتبطل الضوابط ، ويحكم الهوى ما دام أن الميزان ليس هو ميزان
الله الذي لا ينحرف ولا يميل .
وماذا
تقول الجاهلية اليوم عن المهتدين بهدى الله ؟
إنها تسميهم
الضالين . . .
وماذا
تقول الجاهلية اليوم للفتاة التي لا تكشف عن لحمها ؟ وماذا تقول للفتى الذي يستقذر
اللحم الرخيص؟
إنها
تسمي ترفعهما هذا ونظافتهما وتطهرهما « رجعية » وتخلفاً وجموداً وريفية!
وتحاول
الجاهلية بكل ما تملكه من وسائل التوجيه والإعلام أن تغرق ترفعهما ونظافتهما
وتطهرهما في الوحل الذي تتمرغ فيه في المستنقع الكريه!
وماذا
تقول الجاهلية لمن ترتفع اهتماماته عن جنون مباريات الكرة وجنون الأفلام والسينما
والتليفزيون وما إليه وجنون الرقص والحفلات الفارغة والملاهي؟
إنها
تقول عنه : إنه « جامد » . ومغلق على نفسه ، وتنقصه المرونة والثقافة !
وتحاول
أن تجره إلى تفاهة من هذه ينفق فيها حياته . .
والفتية أصحاب الكهف ، يمثلون شباباً مؤمنون
، باعوا دنياهم ، وتركوا أوطانهم مرضاةً لربّهم
!
[ هؤلاء شباب مؤمن وقفوا يحملون
راية عقيدتهم وإيمانهم أمام جبروت الكفر وطغيان الشرك . . .
لذلك
لجأوا إلى الكهف مُخلِّفين وراءهم أموالهم وأهلهم وكل ما يملكون ،
وفرُّوا
بدينهم إلى هذا المكان الضيق الخالي من أيِّ مُقوِّم من مُقوِّمات الحياة ؛ لأنهم
لا يشغلون أنفسهم بهذه المقوّمات ، بل يعلمون أن لهم رباً سيتولى أمرهم . . .
فهو
وحده القادر على أن يُوسّع عليهم هذا الضيق ] [60]
.
وترسم
نموذجين واضحين للنفس المعتزة بزينة الحياة ، والنفس المعتزة
بالله .
وكلاهما نموذج إنساني لطائفة من الناس
:
صاحب
الجنتين نموذج للرجل الثري ، تذهله الثروة ، وتبطره النعمة ، فينسى القوة الكبرى
التي تسيطر على أقدار الناس والحياة .
ويحسب
هذه النعمة خالدة لا تفنى ، فلن تخذله القوة ولا الجاه .
وصاحبه
نموذج للرجل المؤمن المعتز بإيمانه ، الذاكر لربه ، يرى النعمة دليلا على المنعم ،
موجبة لحمده وذكره ، لا لجحوده وكفره ] [62] .
و[ قصة أصحاب الجنة [63] .
. . وهي قصة قوم سذج في تفكيرهم وتصورهم وبطرهم، وفي حركاتهم كذلك
وأقوالهم . . .
ويذكرهم
فيها بعاقبة البطر بالنعمة، ومنع الخير والاعتداء على حقوق الآخرين
ويشعرهم أن ما بين أيديهم من نعم المال والبنين ، إنما هو ابتلاء لهم ] [64] .
[ وهنا ( بداية سورة
البقرة ) .. في عدد
قليل من الكلمات والعبارات في أول السورة ترتسم ثلاث صور لثلاثة أنماط من
النفوس ( المتقين ، والكافرين ، والمنافقين
) .
كل
نمط منها نموذج حي لمجموعات ضخمة من البشر .
نموذج أصيل عميق متكرر في كل زمان ومكان .
حتى ما
تكاد البشرية كلها في جميع أعصارها وأقطارها تخرج عن تلك الأنماط الثلاثة..
وهذا هو الإعجاز..
في
تلك الكلمات القلائل والآيات المعدودات ترتسم هذه الصور واضحة كاملة، نابضة بالحياة،
دقيقة السمات، مميزة الصفات ] [65] .
وأصحاب الأخدود ، يمثلون قمة التضحية
بالأرواح في سبيل العقيدة والإيمان !
فـ[ في هذا الحادث إنتصرت أرواح المؤمنين على الخوف
والألم ،
وانتصرت على جواذب
الأرض والحياة ،
وأصحاب رسول الله ؛ سيدنا محمد r ، يمثلون قمة الجندية ، والتضحية بالأرواح والنفس والنفيس في سبيل الله
تعالى !
و . . . و . . . و . . . و . . . إلخ
وهناك كثير من النماذج البشرية ، والنفوس
الإنسانية ( التي ذكرها القرآن الكريم ) من المؤمنين ،
والكافرين ، والمنافقين ، والبخلاء ، وعلماء السوء ، والطغاة ، والمسرفين ، و . .
. إلخ
فكل ما ذكر في القرآن الكريم من القصص ،
والعبر والعظات ، والسنن الإلهية تمثل حقائق ثابتة ، ذكرها الله تعالى ليتعظ
، ويعتبر بها الإنسان المؤمن المسلم !
وهي نماذج بشرية ، تتكرر على مدار التاريخ ،
ولا تتغيّر منها إلّا الأشكال والصور !
ذكرها القرآن الكريم ، ليكون المؤمن على علم
بذلك ، ويعرف كيف يتصرّف ، ويأخذ العبرة ويتّعظ ! ويجد نفسه ومصيره خلال القرآن
الكريم !
[ إن
الشريعة الإسلامية – بكتابها العزيز القرآن ، وبالسنة النبوية
الكريمة – تبين بوضوح وجلاء وجود ( سنة عامة ) لله تخضع
لحكمها تصرفات البشر وأفعالهم وسلوكهم ومواقفهم من شرع الله
ومــا قد يترتب على ذلك من نتائج معينة في
الدنيا والآخرة ] [67]
.
و[ ( سنة الله ) هي القانون العام الذي يحكم أفعال البشر وسلوكهم
فإنها تتسم بالثبات والاطراد والعموم ، وهذا هو شأن القاعدة القانونية .
فهي ثابتة لا تتغير ، قال
تعالى : (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ
قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ) . وقال تعالى : (فَلَنْ
تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ) .
وهي مطردة لا تتخلف ، ويدل
على اطرادها أن الله تعالى قصّ علينا قصص الأمم السابقة وما حلَّ بها لنتعظ
ونعتبر ولا نفعل فعلهم لئلا يصيبنا ما أصابهم ،
ولولا اطرادها لما أمكن الاتعاظ
والاعتبار بها .
فمن هذه الآيات قوله تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَار ) بعد أن قصّ الله تعالى علينا ما حلّ ببني
النضير لسوء أعمالهم ،
قال الآلوسي في هذه الآية : فاتعظوا بما
جرى عليهم – أي على اليهود من بني النضير – من الأمور الهائلة على وجه لا تكاد
تهتدي إليه الأفكار،
واتقوا
مباشرة ما أداهم إليه من الكفر والمعاصي ، واعتبروا من حالهم في غدرهم واعتمادهم
على غير الله تعالى
-
الصائرة سببا لتخريب بيوتهم بأيديهم وأيدي أعدائهم ومفارقة أوطانهم مكرهين - إلى
حال أنفسكم
فلا
تعولوا على تعاضد الأسباب وتعتمدوا على غيره عز وجل بل توكلوا عليه ))
وكذلك
قوله تعالى : (قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُكَذِّبِين . هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ
وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِين ) .
وهي ، أي سنة الله ، تتصف بالعموم
أي أنها عامة يسري حكمها على الجميع دون محاباة ولا تمييز ،
قـال
تعالــى : (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ
بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُر ) ،(
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر ) .
أي
ليس كفاركم خيراً من كفار مَن تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم .
وقال تعالى : ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ
أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ) [68] ،
والمعنى
أنّ كل مَن يعمل سوءاً يلق جزاءه ؛ لأن الجزاء بحسب سنّة الله تعالى أثر طبيعي
للعمل لا يتخلف عنه [69] .
فسنّة
الله تعالى ثابتة ومطردة وعامة غير مقتصرة على فرد دون فرد ولا على قوم دون
قوم .
ولولا
ثباتها واطرادها وعمومها لما كان معنى في ذكر قصص وأخبار الأمم السابقة وطلب
الاعتبار بما حل بهم ،
ولكن لما
كان ما جرى لهم وعليهم يجري على غيرهم إذا فعلـوا فعلهــم ، حسن ذكــر
قصصهم وطلب الاعتبار والاتعاظ بها ] [70] .
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
القرآن
الكريـم ، والسنة النبوية ، هما مرجع كل مسلم :
قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيل ) ([71])
.
[ أمر برد
كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى رسوله
أي :
إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل
الخلافية ، إما بصريحهما أو عمومهما ؛ أو إيماء ، أو تنبيه
، أو مفهوم ، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه ،
لأن كتاب
الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما.
فالرد
إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال : { إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع
فليس بمؤمن حقيقة ، بل مؤمن بالطاغوت ، كما ذكر في الآية بعدها
{ ذَلِكَ
} أي : الرد إلى الله ورسوله { خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا }
فإن
حكم الله ورسوله أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم
وعاقبتهم ] ([72])
فالمسلمون إذا اختلفوا في
شيء ، فالحَكَم العدل ، والقول الفصل هو للقرآن والسنة .
فالواجب يحتّم على المسلمين
، أن يرجعوا إلى القرآن والسنة ، في فض نزاعاتهم ، وإنهاء اختلافاتهم .
يقول تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُـمَّ لَا يَجِدُوا
فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [73]
.
قال الحافظ إبن كثير ، رحمه
الله : [ يُقْسِمُ
تَعَالَى بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ الْمُقَدَّسَةِ :
أَنَّهُ
لَا يُؤْمِنُ أَحَدٌ حَتَّى يُحَكم الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ ،
فَمَا
حَكَمَ بِهِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ الِانْقِيَادُ لَهُ بَاطِنًا
وَظَاهِرًا؛ وَلِهَذَا قَالَ : {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا
مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
أَيْ :
إِذَا حَكَّمُوكَ يُطِيعُونَكَ فِي بَوَاطِنِهِمْ فَلَا يَجِدُونَ فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا حَكَمْتَ بِهِ ،
وَيَنْقَادُونَ
لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فَيُسَلِّمُونَ لِذَلِكَ تَسْلِيمًا كُلِّيًّا
مِنْ غَيْرِ مُمَانِعَةٍ وَلَا مُدَافِعَةٍ وَلَا مُنَازِعَةٍ ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ
: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ
هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ " ] [74]
.
ويقول الله تعالى : ( وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ
وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ
بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ . وَإِذَا دُعُوا
إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ
. وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ . أَفِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . إِنَّمَا
كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ
بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ . وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ . وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ
لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ
اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ . قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ
مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا
الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) [75]
.
[ ويقول
المنافقون : صَدَّقنا بالله وبما جاء به الرسول ، وأطعنا
أمرهما ، ثم تُعْرِضُ طوائف منهم من بعد ذلك فلا تقبل
حكم الرسول ، وما أولئك بالمؤمنين.
وإذا دُعوا في
خصوماتهم إلى ما في كتاب الله وإلى رسوله ؛ ليَحكُم بينهم ، إذا
فريق منهم معرض لا يقبل حكم الله وحكم رسوله ، مع أنه الحق الذي لا
شك فيه.
وإن
يكن الحق في جانبهم فإنهم يأتون إلى النبي عليه الصلاة والسلام طائعين منقادين
لحكمه ؛ لعلمهم أنه يقضي بالحق.
أسَبَبُ
الإعراض ما في قلوبهم من مرض النفاق ، أم شكُّوا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ،
أم السبب خوفهم أن يكون حكم الله ورسوله جائرًا ؟
كلا
إنهم لا يخافون جورًا ، بل السبب أنهم هم الظالمون الفجرة .
أما المؤمنون
حقا فدأبهم إذا دعوا إلى التحاكم في خصوماتهم إلى كتاب الله وحكم رسوله ،
أن يقبلوا الحكم
ويقولوا
: سمعنا ما قيل لنا وأطعنا مَن دعانا إلى ذلك ،
وأولئك هم المفلحون الفائزون بمطلوبهم في جنات النعيم .
ومن
يطع الله ورسوله في الأمر والنهي ، ويَخَفْ عواقب العصيان ، ويحْذَر عذاب الله ،
فهؤلاء هم الفائزون بالنعيم في الجنة.
وأقسم
المنافقون بالله تعالى غاية اجتهادهم في الأيمان المغلَّظة : لئن أمرتنا - أيها
الرسول - بالخروج للجهاد معك لنخرجن ، قل لهم : لا تحلفوا كذبًا ، فطاعتكم
معروفة بأنها باللسان فحسب ، إن الله خبير بما تعملونه ،
وسيجازيكم عليه .
قل -
أيها الرسول – للناس : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، فإن تعرضوا فإنمـا
علـى الرسول فِعْلُ ما أُمر به من تبليغ الرسالة ،
وعلى
الجميع فِعْلُ ما كُلِّفوه من الامتثال ، وإن تطيعوه
ترشدوا إلى الحق ،
خلاصة الكلام :
أنّ المؤمن : مرجعه ومصدر ثقافته ، في كل ما يقول ، ومقتنع به ، هو : القرآن
والسنة .
فالقرآن – كما هو معلوم – كتاب هداية ، إلى أقوم السبل
والرشاد .
والسنة هي :
مبيّنة ، ومفسّرة ، وشارحة للقرآن .
ولقد أنزل الله
تعالى ، القرآن الكريم ، وبعث رسوله الأمين لهداية الناس ، وإنقاذهم من الظلمات
إلى النور .
يقول تعالى :
( قُلْنَا اهْبِطُوا
مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ
فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) [77] .
ويقول تعالى :
( وَأَنَّ هَذَا
صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ
بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ) [78] .
فالقرآن الكريم ،
لم ينزله الله تعالى ، لمجرد قراءته للبركة والحسنات فقط !
بل ليتّخذه المؤمن
نبراساً ونوراً ، يهتدي به في ظلمات الحياة الدنيا والآخرة !
( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ
النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ
الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) [79] .
المال والمناصب
إن السبب الرئيس
، للوقوف في وجه الأنبياء والرسل ومعارضتهم ، علـى مدار القرون ، هو : المال
والمناصب !
يقول تعالى :
( اذْهَبْ إِلَى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . . . فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ) [80] .
ويقول تعالى ، عن
فرعون الطاغية ، وقوله لرسول الله موسى ، عليه السلام : ( قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي
لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِين ) [81] .
ويقول تعالى ، عنه
: ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ
فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ
الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ . أَمْ أَنَا
خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِين ) [82] .
ويقول تعالى :
( قَالُوا يَاشُعَيْبُ
أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ
فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ) .
ويقول تعالى :
( إِنَّ قَارُونَ كَانَ
مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ
مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ
قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ . وَابْتَغِ فِيمَا
آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي
الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ . قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ
عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ
مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ
جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ . فَخَرَجَ عَلَى
قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) [83] .
ويقول تعالى :
( الَّذِي جَمَعَ
مَالًا وَعَدَّدَهُ . يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ . كَلَّا
لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَة ) [84] .
ويقول عزّ وجلّ :
( وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ
مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ . وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ
إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ) [87] .
ويقول تعالى :
( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي
قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ
بِهِ كَافِرُونَ . وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا
وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) [88] .
إلى غيرها من
الآيات الكثيرة المباركة ، التي تبيّن السبب الرئيسي ، في طغيان الطغاة والجبابرة
، وهو المنصب والمال !
قال الدكتور محمد
سعيد رمضان البوطي ، رحمه الله :
[ وتحدثنا السيرة
أنّ الذين دخلوا في الإسلام في هذه المرحلة ( الدعوة سرّاً ) كان معظمهم
خليطاً من الفقراء والضعفاء والأرقاء فما الحكمة من ذلك ؟
وما السر في أن
تأسس الدولة الإسلامية على أركان مثل هؤلاء الناس ؟ .
والجواب أنّ هذه
الظاهرة هي الثمرة الطبيعية لدعوة الأنبياء في فترتها الأولى ،
ألم تر إلى قوم
نوح كيف كانوا يعيرونه بأن أتباعه الذين من حوله ليسوا إلّا من أراذل الناس
ودهمائهم :
(مَا
نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ
أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْي ) هود 27
وإلى فرعون وشيعته
كيف كانوا يرون أتباع موسى أذلاء مستضعفين ، حتى قال الله عنهم بعد
أن تحدث عن هلاك فرعون وأشياعه :
( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا
يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ) الأعراف 137 ،
وإلى ثمود الذين
ارسل الله إليهم صالحاً ، كيف تولى عنه الزعماء المستكبرون ، وآمن
بـه الناس المستضعفون ، حتى قال الله في ذلك :
(قَالَ
الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ
آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا
إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ . قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا
بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ) [89] .
والسر في ذلك أنّ حقيقة
هذا الدين الذي بعث الله به عامة أنبيائه ورسله إنّما هي الخروج عن
سلطان الناس وحكمهم إلى سلطان الله وحكمه وحده ،
وهي حقيقة تخدش
أول ما تخدش ألوهية المتألهين وحاكمية المتحكمين وسطوة المتزعمين ،
وتناسب أول ما
تناسب حالة المستضعفين والمستذلين والمستعبدين .
فيكون ردّ
الفعل أمام الدعوة إلى الإسلام لله وحده وهو المكابرة والعناد من
أولئك المتألهين والمتحكمين ،
والإذعان
والإستجابة من هؤلاء المستضعفين ،
وانظر ، فإنّ هذه
الحقيقة تتجلى بوضوح في الحديث الذي دار بين رستم قائد الجيش الفارسي في وقعة
القادسية ، وربعي ابن عامر الجندي البسيط في جيش سعد ابن أبي وقاص فقد قال له رستم
:
ما الذي دعاكم إلى
حربنا والولوع بديارنا ؟
فقال : جئنا لنخرج
مَن شاء مِن عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ،
ثم نظر إلى صفوف
الناس الراكعين عن يمين رستم وشماله ، فقال متعجباً :
( لقد كانت تبلغنا
عنكم الأحلام ، ولكني لا أرى قوماً أسفه منكم ، إننا معشر المسلمين لا
يستعبد بعضنا بعضاً ،
ولقد ظننت أنكم
تتواسون كما نتواسى ، وكان أحسن من البذي تصنعون أن تخبروني أنّ بعضكم أرباب
بعض . . . . . )
فالتفت المستضعفون
بعضهم إلى بعض يتهامسون : صدق والله العربي . . . . . . .
أما القادة
والرؤساء فقد وجدوا في كلام ربعي هذا ما يشبه الصاعقة أصابت كيانهم فحطمته
، وقال بعضهم لبعض :
( لقد رمى بكلام
لا تزال عبيدنا تنزع إليه ) .
ولا يعني هذا
الكلام أنّ المستضعفين الذين أسرعوا إلى الإسلام قبل غيرهم لم يكن دخولهم فيه عن
إيمان بل عن قصد ورغبة في التخلص من أذى المستكبرين وسلطانهم .
ذلك لأن الإيمان
بالله وحده والتصديق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، كان قدراً
مشتركاً بين زعماء قريش ومستضعفيها ،
فما منهم أحد إلّا
وهو يعلم صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما يخبر به عن ربه ،
غير أنّ الزعماء
والكبراء فيهم كانت تصدّهم زعامتهم عن الإنقياد والإتباع له ،
وأجلى مثل على ذلك
عمه أبو طالب .
وأما الفقراء
والمستضعفون فما كان ليصدّهم عن التجاوب مع إيمانهم والإنقياد له عليه
الصلاة والسلام شيء ،
أضف إلى ذلك ما يشعر به أحدهم عند
إيمانه بألوهية الله وحده من الإعتزاز به وعدم الإكتراث بسلطان غير
سلطانه أو قوة غير قوته ،
فهذا الشعور الذي
هو ثمرة الإيمان بالله عز وجل ، يزيد في نفس الوقت قوة ويجعل صاحبه في نشوة وسعادة
غامرة ] .
فالزعماء والقادة
والطغاة ، وأصحاب المناصب والجاه والأموال ، يعلمون صدق الدعوة إلى الله تعالى ،
ولكن يصدّهم المنصب والجاه ، والتمتع الحرام بالحياة الدنيا ، عن الإيمان والخضوع
والإستسلام !
بينما الفقراء
والمستضعفون ، ليس لديهم ما يصدّهم عن الإستسلام !
فالمال والمنصب ،
فتنة كبيرة إلّا على مَن رحم الله !
وقال الأستاذ سيد
قطب ، رحمه الله:
[ إنّ الأرض لله . والعباد
لله . فإذا ردت الحاكمية في أرض لله ، فقد خرج
منها الطغاة ، الحاكمون بغير شرع الله !
أو خرج منها
الأرباب المتألهون الذين يزاولون خصائص الألوهية بتعبيد الناس
لشريعتهم وأمرهم .
وخرج منها
الملأ الذين يوليهم الأرباب المناصب والوظائف الكبرى ، فيعبدون
الناس لهذه الأرباب !
هكذا أدرك فرعون
وملؤه خطورة هذه الدعوة . .
وكذلك يدركها
الطواغيت في كل مرة . .
لقد قال الرجل
العربي – بفطرته وسليقته – حين سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدعو
الناس إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله :
(( هذا أمر تكرهه الملوك ! )) .
وقال له رجل آخر
من العرب بفطرته وسليقته : (( إذن تحاربك العرب
والعجم )) . .
لقد كان هذا
العربي وذاك يفهم مدلولات لغته .
كان يفهم
أنّ شهادة أن لا إله إلّا الله ثورة على الحاكمين بغير شرع
الله عرباً كانوا أم عجماً ! ] [90] .
حتى الدّين ، لم
يسلم من كثير ممن يدّعون الوصاية عليه ، وتمثيله ، لم يسلم من إستغلاله ، حبّاً
للمناصب والأموال !
يقول تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ
كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ
بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ
الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ . . . ) [91] .
إحتمالات متوقعة
إنّ الخواص الخواص
( الدعاة ) ، وهم ثابتون وسائرون على طريقهم ، قد يتعرّضون إلى أنواع من المصائر ،
والحالات التي ذُكِرت في القرآن الكريم .
قال الأستاذ سيّد
قطب ، رحمه الله :
[ إنّ قصة أصحاب الأخدود – كما وردت في سورة
البروج – حقيقة بأن يتأملها المؤمنون الداعون إلى الله في كل أرض وفي كل جيل
.
فالقرآن بإيرادها
في هذا الأسلوب مع مقدمتها والتعقيبات عليها ، والتقريرات والتوجيهات المصاحبة لها
. .
كان يخط بها
خطوطاً عميقة في :
1 - تصور طبيعة الدعوة إلى الله ،
2 - ودور البشر فيها ،
3 - واحتمالاتها
المتوقعة في مجالها الواسع – وهو أوسع رقعة من الأرض ، وأبعد مدى من
الحياة الدنيا –
وكان يرسم للمؤمنين معالم الطريق ، ويعدّ نفوسهم
لتلقي أي من هذه الإحتمالات التي يجري بها القدر المرسوم ، وفق الحكمة المكنونة في
غيب الله المستور .
إنها قصة فئة آمنت
بربها ، واستعلنت حقيقة إيمانها .
ثم تعرضت للفتنة
من أعداء جبّارين بطّاشين مستهترين بحق (( الإنسان )) في حرية الإعتقاد بالحق
والإيمان بالله العزيز الحميد ، وبكرامة الإنسان عند الله عن أن يكون لعبة يتسلى
الطغاة بآلام تعذيبها ، ويتلهون بمنظرها في أثناء التعذيب بالحريق ! . . .
إن الحياة وسائر
ما يلابسها من لذائذ وآلام ، ومن متاع وحرمان . . ليست هي القيمة الكبرى في
الميزان . .
وليست هي السلعة
التي تقرر حساب الربح والخسارة . والنصر ليس مقصوراً على الغلبة الظاهرة
.
فهذه صورة واحدة
من صور النصر الكثيرة .
إن القيمة الكبرى في
ميزان الله هي قيمة العقيدة ، وإن السلعة الرائجة في سوق الله هي سلعة الإيمان .
وإن النصر
في أرفع صوره
1 - هو
إنتصار الروح على المادة ،
2 - وانتصار
العقيدة على الألم ،
3 - وانتصار
الإيمان على الفتنة . .
وفي هذا الحادث انتصرت أرواح المؤمنين على الخوف
والألم ، وانتصرت على جواذب الأرض والحياة ، وانتصرت على الفتنة انتصاراً يشرف
الجنس البشري كله في جميع الأعصار . . وهذا هو الإنتصار . . .
هنالك إشعاع
آخر تطلقه قصة أصحاب الأخدود وسورة البروج ،
1 - حول
طبيعة الدعوة إلى الله ،
2 - وموقف
الداعية أمام كل إحتمال .
لقد شهدت
تاريخ الدعوة إلى الله نماذج منوعة من نهايات في الأرض مختلفة للدعوات . .
أ - شهد مصرع
قوم نوح ، وقوم هود ، وقوم شعيب ، وقوم لوط ،
ونجاة
الفئة المؤمنة القليلة العدد ، مجرد النجاة .
ولـم يذكر
القرآن للناجين دوراً بعد ذلك في الأرض والحياة .
وهذه النماذج تقرر
أن الله سبحانه وتعالى يريد أحياناً أن يعجِّل للمكذبين الطغاة بقسط
من العذاب في الدنيا ، أما الجزاء الأوفى فهو مرصود لهم هناك .
ب - وشهد
تاريخ الدعوة مصرع فرعون وجنوده ، ونجاة موسى وقومه ، مع التمكين للقوم في
الأرض فترة كانوا فيها أصلح ما كانوا في تاريخهم .
وإن لم يرتقوا قط
إلى الإستقامة الكاملة ، وإلى إقامة دين الله في الأرض منهجاً للحياة شاملاً . . وهذا
نموذج غير النماذج الأولى .
ج - وشهد
تاريخ الدعوة كذلك مصرع المشركين الذين استعصوا على الهدى والإيمان
بمحمد – صلى الله عليه وسلم – وانتصار المؤمنين انتصاراً كاملاً ، مع
انتصار العقيدة في نفوسهم انتصاراً عجيباً .
وتم للمرة الوحيدة
في تاريخ البشرية أن أقيم منهج الله مهيمناً على الحياة في صورة لم
تعرفها البشرية قط ، من قبل ولا من بعد .
د - وشهد
– كما رأينا – نموذج أصحاب الأخدود . .
وشهد نماذج
أخرى أقل ظهوراً في سجل التاريخ الإيماني في القديم والحديث .
وما يزال يشهد
نماذج تتراوح بين هذه
النهايات التي حفظها على مدار القرون .
ولم يكن بدّ من
النموذج الذي يمثله حادث الأخدود ، إلى جانب النماذج الأخرى . القريب منها والبعيد
. .
لم يكن بد من هذا
النموذج الذي لا ينجو فيه المؤمنون – أصحاب دعوة الله – أنهم قد
يدعون إلى نهاية كهذه النهاية في طريقهم إلى الله . وأن ليس لهم من الأمر
شيء ، إنما أمرهم وأمر العقيدة إلى الله !
إنّ عليهم
أن يؤدوا واجبهم ، ثم يذهبوا .
وواجبهم
:
1 - أن يختاروا
الله ،
2 - وأن يؤثروا
العقيدة على الحياة ،
3 - وأن يستعلوا
بالإيمان على الفتنة
4 - وأن يصدقوا
الله في العمل والنية .
ثم يفعل الله بهم
وبأعدائهم ، كما يفعل بدعوته ودينه ما يشاء .
وينتهي بهم إلى نهاية
من تلك النهايات التي عرفها تاريخ الإيمان ، أو إلى غيرها مما يعلمه هو ويراه .
إنهم أجراء عند
الله .
أينما وحيثما
وكيفما أرادهم أن يعملوا ، عملوا وقبضوا الأجر المعلوم !
وليس لهم ولا
عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير ، فذلك شأن صاحب الأمر لا شأن الأجير !
وهم يقبضون
الدفعة الأولى :
1 - طمأنينة
في القلب ،
2 - ورفعة
في الشعور ،
3 - وجمالاً
في التصور ،
4 - وانطلاقاً
من الأوهاق والجواذب ،
5 - وتحرراً
من الخوف والقلق ،
في كل حال من
الأحوال .
وهم يقبضون
الدفعة الثانية :
ثناء في الملأ
الأعلى وذكراً وكرامة ،
وهم بعد في هذه
الأرض الصغيرة .
ثم هم يقبضون
الدفعة الكبرى في الآخرة :
1 - حساباً
يسيراً
2 - ونعيماً
كبيراً .
ومع كل دفعة
ما هو أكبر منها جميعاً :
1 - رضوان
الله ،
2 - وأنهم
مختارون ليكونوا أداة لقدره وستاراً لقدرته ، يفعل بهم في الأرض ما يشاء .
وهكذا انتهت التربية
القرآنية بالفئة المختارة من المسلمين في الصدر الأول إلى هذا التطور ،
الذي
1 - أطلقهم
من أمر ذواتهم وشخوصهم .
2 - فأخرجوا أنفسهم من الأمر البتة ،
3 - وعملوا
أجراء عند صاحب الأمر
4 - ورضوا
خيرة الله على أي وضع وعلى أي حال .
وكانت التربية
النبوية تتمشى مع التوجيهات القرآنية ، وتوجه القلوب والأنظار
:
1 - إلى
الجنة ،
2 - وإلى
الصبر على الدور المختار حتى يأذن الله بما يشاء في الدنيا والآخرة .
كان – صلى الله
عليه وسلم – يرى عماراً وأمه وأباه – رضي الله عنهم – يعذبون العذاب الشديد في مكة
، فما يزيد على أن يقول : (( صبراً آل ياسر . موعدكم الجنة )) . .
وعن خبّاب بن
الأرتّ – رضي الله عنه – قال : شكونا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو
متوسد برده في ظل الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ؟ أو تدعو لنا ؟
فقال : (( قد كان من قبلكم يؤخذ
الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل
نصفين .
ويمشط بأمشاط
الحديد ما دون لحمه وعظمه . ما يبعده ذلك عن دينه .
والله ليتممن الله
تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت ، فلا يخاف إلا الله ،
والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون )) . .
( أخرجه البخاري )
إن لله حكمة
وراء كل وضع ووراء كل حال ،
ومدبر هذا الكون
كله ، المطلع على أوله وآخره ، المنسق لأحداثه وروابطه .
هو الذي يعرف الحكمة المكنونة في غيبه المستور ،
الحكمة التي تتفق مع مشيئته في خط السير الطويل
.
وفي بعض
الأحيان يكشف لنا – بعد أجيال وقرون – عن حكمة حادث
لم يكن معاصروه يدركون حكمته .
ولعلهم كانوا
يسألون لماذا ؟ لماذا يا رب يقع هذا ؟
وهذا السؤال
نفسه هو الجهل الذي يتوقاه المؤمن .
لأنه يعرف
ابتداء أن هناك حكمة وراء كل قدر ، ولأن سعة المجال في تصوره ، وبُعد
المدى في الزمان والمكان والقيم والموازين تغنيه عن التفكير ابتداء في مثل هذا
السؤال .
فيسير مع دورة
القدر في استسلام واطمئنان . .
لقد كان القرآن
ينشيء قلوباً يعدها لحمل الأمانة ،
وهذه القلوب كان
يجب أن تكون من الصلابة والقوة والتجرد بحيث لا تتطلع – وهي تبذل كل شيء ، وتحتمل
كل شيء – إلى شيء في هذه الأرض ، ولا تنظر إلا إلى الآخرة ، ولا ترجو إلا رضوان
الله ،
قلوباً مستعدة
لقطع رحلة الأرض كلها في نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحية حتى الموت .
بلا جزاء في هذه
الأرض قريب ، ولو كان هذا الجزاء هو انتصار الدعوة ، وغلبة الإسلام وظهور المسلمين ،
بل لو كان هذا
الجزاء هو هلاك الظالمين بأخذهم أخذ عزيز مقتدر كما فعل بالمكذبين الأولين !
حتى إذا وجدت هذه
القلوب ، التي تعلم أن ليس أمامها في رحلة الأرض إلا :
1 - أن تعطي بلا مقابل – أي مقابل –
2 - وأن
تنتظر الآخرة وحدها موعداً للفصل بين الحق والباطل .
حتى إذا وجدت
هذه القلوب ، وعلم الله منها صدق نيّتها علـى ما بايعت
وعاهدت ، آتاها النصر في الأرض ، وائتمنها عليه .
لا لنفسها ، ولكن لتقوم
بأمانة المنهج الإلهي وهي أهل لأداء الأمانة منذ كـانت لم توعد بشيء من
المغنم في الدنيا تتقاضاه ، ولم تتطلع إلى شيء من المغنم في الأرض تعطاه .
وقد تجردت لله حقا
يوم كانت لا تعلم لها جزاء إلا رضاه .
وكل الآيات التي
ذكر فيها النصر ، وذكر فيها المغانم ، وذكر فيها أخذ
المشركين في الأرض بأيدي المؤمنين نزلت في المدينة . . بعد ذلك
. .
وبعد أن
أصبحت هذه الأمور خارج برنامج المؤمن وانتظاره وتطلعه .
وجاء النصر
ذاته لأن مشيئة الله اقتضت أن تكون لهذا المنهج واقعية في الحياة
الإنسانية ، تقرره في صورة عملية محددة تراها الأجيال . .
فلم يكن جزاء على
التعب والنصب والتضحية والآلام ، إنما كان قدراً من قدر الله تكمن وراءه
حكمة نحاول رؤيتها الآن !
وهذه اللفتة
جديرة بأن يتدبرها الدعاة إلى الله ، في كل أرض وفي كل جيل
.
فهي كفيلة بأن تريهم
معالم الطريق واضحة بلا غبش ، وأن تثبّت خطى الذين يريدون أن يقطعوا
الطريق إلى نهايته ، كيفما كانت هذه النهاية .
ثم يكون قدر
الله بدعوته وبهم ما يكون .
فلا يتلفتون في
أثناء الطريق الدامي المفروش بالجماجم والأشلاء ، وبالعرق والدماء ، إلى نصر أو
غلبة ،
أو فيصل بين
الحق والباطل في هذه الأرض . .
ولكن إذا كان الله
يريد أن يصنع بهم شيئاً من هذا لدعوته ولدينه فسيتم ما يريده الله . . لا
جزاء على الآلام والتضحيات . .
لا ، فالأرض ليست دار جزاء . . وإنما تحقيقاً
لقدر الله في أمر دعوته ومنهجه على أيدي ناس من عباده يختارهم ليمضي
بهم من الأمر ما يشاء .
وحسبهم هذا
الإختيار الكريم ، الذي تهون إلى جانبه وتصغر هذه الحياة ، وكل ما يقع في
رحلة الأرض من سراء وضراء ] [92] .
أيها الخواص الخواص ، مَن أنتم ، وماهي مهمتكم ؟
يجب
أن تعرفوا أنفسكم جيّداً ، وما هو دوركم على هذه الأرض ، التي نعيش عليها فترة من
الزمن ، ثم نغادرها إلى غير رجعة !
أنتم لستم
جمعية خيرية إصلاحية ، وإن كان عمل الخير
والإصلاح من أعظم مقاصدكم .
ولستم فرقاً رياضية ، وإن
كانت الرياضة البدنية والروحية من أهم وسائلكم .
ولستم حزباً سياسياً [93] ، وإن كانت
السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتكم .
ولكنكم : [ فكرة وعقيدة ، ونظام ومنهاج ، لا
يحدده موضع ، ولا يقيده جنس ، ولا يقف دونه حاجز جغرافي
، ولا ينتهي بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، ذلك لأنه نظام
رب العالمين ، ومنهاج رسوله الأمين ] .
أنتم [ روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن
،
ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة
بمعرفة الله ،
وصوت داو يعلو مردداً دعوة الرسول صلي الله
عليه وسلم
ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم
تحملون هذا العبء بعد أن تخلي عنه الناس ] .
إن غايتكم [ تنحصر في تكوين
جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل علي صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية
الكاملة في كل مظاهر حياتها : ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة )
وأن
وسيلتكم [ في ذلك تنحصر في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة
على هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول
علي حكمها ]
[
لا تيئسوا
فليس اليأس من أخلاق المسلمين ، وحقائق اليوم أحلام الأمس ، وأحلام
اليوم حقائق الغد .
ولا زال في الوقت متسع ، ولا زالت عناصر
السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد .
والضعيف لا يظل ضعيفاً طول حياته
، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين : ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى
الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)
(القصص:5)] .
مهمتكم هي : أن تقفوا [ في وجه هذه الموجة الطاغية
من مدنية المادة ، وحضارات المتع والشهوات ، التي جرفت الشعوب الإسلامية :
1 - فأبعدتهــا عـن زعامـة النبي
وهداية القرآن ،
2 - وحرمت العالم من أنوار هديها
،
3 - وأخرت تقدمه مئات السنين
،
حتى تنحسر عن أرضنا ويبرأ من بلائها قومنا ] .
وعدتكم [ هي عدة سلفنا من
قبل ، والسلاح الذي غزا به زعيمنا وقدوتنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته
معه العالـم ، مع قلة العدد وقلة المورد وعظيم الجهد :
هو
السلاح الذي سنحمله لنغزو به العالم من جديد .
لقد آمنوا أعمق الإيمان وأقواه وأقدسه
وأخلده :
1 ـ بالله ونصره وتأييده
: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ) (آل عمران:160) .
2 ـ وبالقائد وصدقه وإمامته
: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب:21).
3 ـ وبالمنهاج ومزيته وصلاحيته
: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ , يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ
رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) (المائدة:15-16) .
4 ـ وبالإخاء وحقوقه وقدسيته
: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10) .
5 ـ وبالجزاء وجلاله وعظمته وجزالته
: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ
اللهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ
نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)
(التوبة:120)
6 ـ وبأنفسهم : فهم الجماعة
التي وقع عليها اختيار القدر لإنقاذ العالمين ، وكتب لهم الفضل بذلك ، فكانوا خير أمة
أخرجت للناس .
[ فاذكروا جيداً أيها الإخوة . . أنكم الغرباء
الذين يصلحون عند فساد الناس ،
وأنكم العقل الجديد الذي يريد الله
أن يفرق به بين الحق والباطل في وقت التبس عليها فيه الحق بالباطل ،
وأنكم دعاة الإسلام ،
وحملة القرآن ،
وصلة الأرض بالسماء ،
وورثة محمد ـ صلى الله عليه وسلم
ـ وخلفاء صحابته من بعده ،
فَضُلَتْ دعوتكـم الدعوات ، وسمت غايتكم
على الغايات ، واستندتم إلى ركن شديد ، واستمسكتم بعروة وثقى لا انفصام لها ، وأخذتم
بنور مبين وقد التبست على الناس المسالك وضلوا سواء السبيل ، والله غالب على أمره ] .
[
هذه منزلتكم ، فلا تصغروا في أنفسكم ، فتقيسوا أنفسكم بغيركم
، أو تسلكوا في دعوتكم سبيلا غير سبيل المؤمنين ، أو توازنوا بين دعوتكم
التي تتخذ نورها من نور الله ومنهاجها من سنة رسوله ، بغيرها من الدعوات التي
تبررها الضرورات ، وتذهب بها الحوادث والأيام ] .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين
فهرس الموضوعات
الموضوع الصفحة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى
تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِين
2
2 - يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُون
5
3 - فَاتَّقُوا
اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ 8
4 –
خواص الخواص
11
5 - وَإِنْ
تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ
ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم 15
6 - وَلَوْ
يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ
وَلَكِنْ
لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ 21
7 - وَإِنَّ
هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً
وَأَنَا
رَبُّكُمْ فَاتَّقُون 39
8 - فَإِنْ
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول 61
9 –
المال والمناصب 68
10 –
إحتمالات متوقعة
77
11 –
أيها الخواص الخواص ، مَن أنتم
وما هي مهمتكم ؟ 89
12 –
فهرس الموضوعات
95
[9] صحيح البخاري : 3461
.
[10] رواه كثير من الأئمة
. وقال الشيخ الألباني عنه : صحيح . [سنن
الترمذي :تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر (جـ 1، 2) ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ 3)
وإبراهيم عطوة عوض
المدرس في الأزهر الشريف (جـ 4، 5) ] .
[18] سورة العصر ، آية : 1 – 3 .
[25] سورة المائدة ، آية : 54 .
[35] سورة الأنبياء ، آية
: 23 .
[37] تجاهد ! والجهاد
هو بذل الجهد والطاقة ، وهو أعم من القتال ؛ فالقتال هو جزء من الجهاد ، كما هو
معلوم !
[38] إستخدام الوسيلة المناسبة الملائمة للواقع ، في دعوة
الناس ، وليس تبرير التقاعس للدعاة ؛ الخواص الخواص !
[40] في ظلال القرآن ( 1 / 12 ) .
[41] سورة الذاريات ، آية : 52 –
53 .
[42] في ظلال القرآن ( 6 / 3386 )
.
[43] سورة النازعات ، آية : 26 .
[44] سورة يونس ، آية : 39 .
[46] المصدر نفسه ( 5 / 2710 ) .
[52] سورة القصص ، آية : 83 .
[53] في ظلال القرآن ( 5 / 2710 )
.
[61] وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ
جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا . . .
[63] إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا
أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِين . . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق