سؤال عن نظرة الإسلام للأسرة والمرأة.. يجيب عنه الشيخ الغزالي
اهتم فضيلة الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله رحمة واسعة، بمعالجة قضايا المرأة وكل ما يتصل بها، على نحو يتسم بالفهم العميق لمقاصد الإسلام وتوجيهاته وأحكامه، ويعكس في الوقت نفسه إدراكًا جيدًا للتحديات التي تواجه المرأة المسلمة..
وفي هذا المقال، الذي نُشِر في الجزء الثاني من الكتاب المهم للشيخ الغزالي "مائة سؤال عن الإسلام" (طبعة دار ثابت) يجيب الشيخ عن سؤال يتعلق بنظرة الإسلام للأسرة ولدور المرأة في تدعيم بنائها، وفي الحياة بوجه عام..
وفي هذا الملف الذي نعالج فيه بعض قضايا المرأة، بمناسبة اليوم العالمي لها، اخترنا أن نعيد نشر هذا المقال المهم؛ لأنه على إيجازه يرسم صورة متكاملة عن نظرة الإسلام للأسرة ولدور المرأة.. لعله ينير الطريق أمام هذا الجانب المهم من جوانب حياتنا الفكرية والاجتماعية.. فإلى مقال الشيخ الغزالي:
الذين خبروا الحياة في أوروبا وأمريكا يؤكدون أن الأسرة وهم لا حقيقة له، وأنها في أفضل أحوالها تقوم بجزء تافه مما يجب أن تقوم به لإنشاء أجيال أذكى وأقوم ..!
إن البيت خاوٍ على عروشه أغلب اليوم، لأن الذكور والإناث توزعتهم ميادين العمل والعلم، حتى الأطفال وكلتهم أمهاتهم إلى الحضانة، وانشغل كل امرئ- بعد- بما انشغل به..!
وهم يسمعون عن جو الأسرة في بلادنا، وربما حلمت بعض المراهقات أن تحيا فيه، ولكن الهوان الفكري والنفسي الذي يلف المرأة فيه يصرف الكثيرات عن التعرض لمآسيه..
وعندي أن المثقفة التي تحيا خارج بيتها، ليست خيرًا من الجاهلة التي تعيش داخل هذا البيت..
الأسرة حصن الدين وسياج مبادئه..والتقاليد الغربية هزت كيان الأسرة
** ** **
ألا فلنعلم أنها نعمة حقيقية أن تمتد الحياة من الآباء إلى الأولاد إلى الأحفاد وأن تكون الأسرة المؤمنة المستقرة هي المهاد الوثير لهذا الامتداد.
وليس الإنتاج الحيواني سر هذه النعمة، إن العظمة هنا في توارث العقائد والفضائل، وانتقال التقاليد الصالحة من جيل إلى جيل.
إن الأسرة هنا حصن الدين وسياج مبادئه وعباداته، ودور المرأة وأجرها كدور الرجل وأجره سواء بسواء.
وفي عظمة هذه النعمة يقول الله سبحانه في سورة النحل: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) [النحل: 72].
إن الرجال هم حمَّالو الأعباء الثقال في قافلة الحياة السائرة، وسواء كانوا أساتذة أو ساسة، أو أجراء أو باعة فهم يعودون إلى بيوتهم فقراء إلى المشاعر الدافئة والعون المبذول.
والبيت الذي تكون قاعدته امرأة تنفخ فيه المعاني، بيت رفيع القدر، بل هو بيت يحتوي على أثمن الكنوز.
والتقاليد الغربية هزت كيان الأسرة، وهي تقاليد تجتاح العالم، أما التقاليد الإسلامية فالعارفون بها قلة، ونشرها يلقى مقاومة عنيدة، خصوصاً من جهة المتدينين.
من أجل ذلك رأيت لفت النظر إلى أن وظيفة ربة البيت من أشرف الوظائف.
وقد تخرج المرأة من بيتها وراء أعمال مشروعة، بيد أن هذه الأعمال مهما سمت لا يجوز أن تجور على عملها الأول الذي لا يشاركها فيه أحد..!
عمل المرأة مشروطبألا يجور على وظيفتها الأولى في تربية الأجيال
** ** **
روى ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب، أن أسماء بنت يزيد الأنصارية أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! أنا وافدة من النساء إليك. إن الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبإلهك، إنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فُضلتم علينا بالجُمع، والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله!! وإن أحدكم إذا خرج حاجّاً أو معتمراً أو مجاهداً، حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفنشارككم في هذا الأجر والخير؟ فالتفت النبي إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: (هل سمعتم مسألة امرأة قط أحسن مسألة في دينها من هذا؟).. فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا! فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها وقال: (افهمي أيتها المرأة وأفهمي من خلفك من النساء، إن حسن تبعل المرأة لزوجها- يعني قيامها بحقه وإحسانها لعشرته- وطلبها مرضاته واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله)..!!
** ** **
على أن هناك ميادين للأعمال لا بد أن يكثر فيها النساء، أولها الميدان الطبي، فيجب أن تكون هناك طبيبات ماهرات في كل ناحية من نواحي الطب، والأشعة، والصيدلة، والولادة والتمريض.. ثم ميدان التدريس لجميع المراحل دنياها وعلياها.
الدين ينشد والصون والاحتشام والحضارة الحديثة تنشد التبرج وتدفع إلى الإغراء.
القول بأن المرأة أخرجت آدم من الجنة تزوير على الإسلام.
ولا يجوز أن يوصد باب من أبواب المعرفة أمام النساء؛ إلا أن يكون لأسباب فنية ومواصفات خاصة.
عندئذٍ ينطبق التخصص على الرجال والنساء جميعًا، فيوجه كل واحد إلى ما يناسب قدرته، وخبرته.
هناك ميادين للأعمال لا بد أن يكثر فيها النساءأولها الطب ثم التدريس
** ** **
الدين ينشد الصون ويؤثر الاحتشام والحضارة الحديثة تنشد التبرج وتدفع إلى الإغراء.. ومع ضعف اليقين وحب الحياة العجلة أخذ السعار الجنسي يشتد ويفرض رغائبه، حتى فقد الاتصال الحرام دمامته وأمسى كأنه حاجة تلبى دون حرج كبير!
والدين يرفض أي خلوة بين رجل وامرأة، والحضارة المعاصرة تتجاهل هذا الرفض. وهو يباعد بين أنفاس الرجال والنساء، وهي تقرب بينهم في الأعمال الجادة والهازلة. وكثيراً ما تساءلت: لماذا تكون "للمدير" سكرتيرة خاصة؟
لماذا تشتغل الفتيات بالخدمة في الطائرات، وحدهن؟ يقضين في الجو أو في الفنادق ليلهن ونهارهن!!
لماذا تعرض المشروبات في ألواح الإعلانات وهي بين يد امرأة وفمها؟! لماذا؟! لماذا؟!
إن النساء يحشرن في أعمال كثيرة لا معنى لها.. وعندما نقرر أحكام الإسلام وتوجيهاته فإن ابتذال المرأة سيمنع للفور، وسيكون عملها في أي موقع مضبوطاً بآداب الشرع وحدوده..
** ** **
ذلك، ومن الصعب أن تكون المرأة ربة بيت متقنة، وصاحبة منصب منتجة. إن ذلك قد يقع على ندرة، وأقترح أن تنشأ للنساء وظائف نصف وقت حتى تستطيع الزوجة القيام الحسن على شئون بيتها وأولادها ..
إن القول بأن المرأة هي التي أخرجت آدم من الجنة تزوير على الإسلام، والزعم أنها لا تزل تقوده إلى النار تزوير كذلك.
والتصور الإسلامي كما أثبته القرآن الكريم في سورة آل عمران 195 (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ).
إنني غيور على الأعراض كأشد المتزمتين، ولكن الحفاظ على العرض لا يتم بعقلية السجان.
فالفرق بعيد بين تكوين العقل والضمير بالعلم والتقوى، وبين حبس الأجساد في قفص من حديد. والإسلام قاد المرأة إلى المسجد لتسمع الدرس، وتسجد لربها، وبذلك صقل روحها وفكرها، وفي المسجد كانت ترى الإمام وربما علقت على ملابسه.. وكانت ترى المدرس وربما ناقشت ما يقول.
أما عقلية السجان فأساسها أن المرأة لا ترى ولا ترى، وإذا كان المسجد مظنة ذلك؛ فلا ذهاب إلى المسجد، وهذا هو الإسلام في فلسفة السجان.
والحكم هو كتاب الله وسنة رسوله أولاً وأخيرًا.. والمشكلة تجيء من طريق فهم البعض للنصوص والآثار..
** ** **
بين الإفراط والتفريط خط وسط نريد التعرف عليه والتزامه، وهو خط لا يتطابق مع وضع المرأة الإسلامية في أغلب المجتمعات، وكذلك لا يتطابق مع تقاليد الفرنجة التي تستمد من وثنية الرومان ومن فلسفة الإغريق.
إن أفلاطون في مدينته "الفاضلة" يجعل المرأة مشاعًا بين الآخرين، فما تكون إذًا المدينة الدنسة؟!
على أن عقلية السجان هي الأخرى لا تقيم أمة راقية الفكر زاكية القلب.
وتعاليم الإسلام الصحيحة هي الأمل في بناء عالم متراحم مصون..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق