قبل سنتين (2023م) كتبتُ مناقشة افتراضية في سلسلتي: أنت تسأل والشيخ يُجيب: مناقشات علمية هادئة
حول: حكم مشاهدة الأفلام الإباحية الحقيقة (السكسية الجنسية)
وذكرت في النهاية توقفي في هذا الموضوع!
وفي مطلع (2024م) نشرتُ كتابي: الأجوبة النارية على الفتاوى الجنسية.
وذكرت فيه سؤالاً عن حكمها فقلتُ: مشاهدة الأفلام الإباحية قضية جديدة مختلف فيها، وهي من القضايا المحيرة، المحتملة لوجهات النظر الفقهية المختلفة=الإباحة، الكراهة، التحريم، التفصيل.
والآن ونحن في 5-5-2025م
أنشرُ تفصيلاً أوسع، ورؤية جديدة مختلفة حول هذا الموضوع، من واقع الفتاوى الجنسية الواردة إليّ على مدار اليوم من الرجال والنساء
فأقول وبالله التوفيق:
بدايةً لست بحاجة لعرض وجهة المحرمون لمشاهدة الأفلام الجنسية الإباحية(السِّكْسية)؛ لأنهم الأغلب ووجهتهم واضحة.
ومع ذلك سأذكر استدلالاتهم، وأناقشها بهدوء وواقعية إن شاء الله تعالى
كان مما قلته في مقالي عن الموضوع في 2023م ذكر أدلة ووجهة القول بالإباحة، وذكرت النقاط التالية:
١- الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد نص بالتحريم
٢- هذه المقاطع ليس من شاهدها كمن شاهد الحقيقة، بدليل أنها لا تقوم مقام الشهود في إقامة حد الزنا
٣- أغلب من يمثلون هذه المقاطع نساء كافرات لا حرمة لهن خاصة أنهن فعلن ذلك بمحض اختيارهن بل واتخذن هذا الأمر مهنة لهن، فما يضر المسلم لو استمتع بالنظر لأجسادهن الجميلة عبر الشاشات؟!
٤- هذه المقاطع متنفس للشباب العزاب ولكل زوج مغترب ترك زوجته ولكل من تزوج واحدة وهي مريضة أو في فترة حيضها ونفاسها
٥- القول بحرم مشاهدة كل عورة غير عورة الزوجة غير مسلم به، فملك اليمين ليست زوجة ومع ذلك يجوز مشاهدة عورتها، بل جماعها من قبل سيدها، بل وغير سيدها يمكنه في السوق أن يتفحصها ليقرر هل يشتريها أم لا!
٦- مشاهد هذه المقاطع لم يضر أحدا وربما هو شخص محروم من رؤية هذه الأمور، وليس من العدل والإنصاف أن يظل شاب حتى يبلغ الثلاثين ولم يرى فرج أو ثدي امرأة لكونه لا يستطيع الزواج، وكذلك ليس من الإنصاف إن تُحرم عانس من بعض المتعة حتى من وراء الشاشة!
قلتُ (الباحث الإسلامي) كانت هذه أبرز ما يمكن أن يستدل به على الجواز، واليوم أعيد الطرح برؤية جديدة أوسع.
بسم الله الرحمن الرحيم
على بركة الله نبدأ
[أ] التمهيد:
في هذا الزمان الذي كثرت فيه المغريات، وزادت وهاجت الشهوات، وتعرت فيه الكثيرات من الحسناوات!
وكثرت السؤالات عن حكم المشاهدات لتلكم الإباحيات، التي أطل بها الغرب عليها، فينتقون أجمال النساء، ويتجردن من ثيابهن أمام الكاميرات، ويجامعن بطرق مختلفة، وهذه الأفلام الجنسية منشرة على مواقع النت، بحيث يمكن لأي أحد الاطلاع عليها.
وبالنظر في واقعنا المعاصر، نرى ما يلي:
أولاً: صعوبة الزواج بسبب الغلاء وتعنت أكثر الأهالي في الطلبات
ثانيًا: زيادة العنوسة في الجنسين الذكور والإناث
ثالثًا: زيادة التبرج والخلاعة
رابعًا: سهولة الزنا
خامسًا: زيادة الشهوات والمغريات.
وعليه: أصبح من الطبيعي جدًا لجوء الرجال والنساء للاستمناء، فليس من الدين ولا المنطق ولا الواقعية في ظل كل هذه الأمور أن يظل الإنسان ذكرًا أو أنثى يضغط على أعصابه ويكتم شهوته التي يمكن أن تنفرج في أي وقت، وإنما من الطبيعي أن يفرغها بيده؛ ليريح نفسه ويهدئ أعصابه، فهذه الشهوة التي عنده قد ركبها الله فيه، وبالتالي فإخراجها أمر طبيعي، كما يحتاج لإخراج البول والغائط!
وبعد كل ما سبق، ومع انتشار الأفلام الجنسية على النت، بات من الطبيعي أن نُجدد الفقه ،وأن ننظر للموضوع من جميع الزوايا، ولكن كيف يكون ذلك في وسط من يشددون في هذا الموضوع، ويحرمون العادة السرية التي حللها كثير من السلف الصالح، في زمان لم تكن في الشهوات والمغريات 10% من زماننا، هل الذين يحرمون الاستمناء، سيفكرون في بحث مسألة مشاهدة الأفلام الجنسية وإعادة النظر في القول بحرمتها، مع تغير الزمان وزيادة المغريات وصعوبة الحياة، ظني أنهم لا يغيروا شيئًا، بل من يتحدث في هذه الموضوع مجرد تفكير مختلف سينظرون له على أنه مميع مفرط ضال زنديق، باع دينه، وأدخل في الفقه والدين ما ليس فيهما.
ولكن لما كانت كل هذه الأمور لا تعنيني، فقد قررت خوض هذه الحرب، وليس لي في ذلك مصلحة، إلا وجه الله تعالى، والدار الآخرة، وأن أكون في عون الرجال والنساء الذين حرموا من لذة الجماع ومن حلاوة الاستمتاع، فأبحث لهم عن متنفس.
والآن آن الأوان في الحديث في صلب الموضوع:
[ب] صلب الموضوع
موضوع الصور والتصوير ومقاطع الفيديو لم تكن موجودة في القرون الأولى، وبالتالي يمكن الجزم بأن الكلام حول مسألة مشاهدة صور ومقاطع السكس أمر جديد، والقول فيه ينبي على الاجتهاد الذي يمكن أن يستند إلى أدلة عامة، فتعالوا بنا، ننظر نظرة دقيقة على أدلة المحرمون لذلك، مع الوضع في الاعتبار أنك إن بحثت على كل مواقع النت لن تجد هذا الكلام أعني القول بالجواز، وبالتالي ستتعجب وتستغرب من مقالي هذا، لأن النت يُظهر نتائج ما كُتب عليه، فلما لم يكتب أحد قبلي (في حدود اطلاعي، اللهم إلا بعض الأحباش كما نقل ذلك عنهم الشيخ القرضاوي رحمه الله في كتابه: الفتاوى الشاذة ص58 ) كتابًا أو مقالاً أو يحاول الخوض في هذا الموضوع بهذه الجراءة، فبالتالي سيكون أمر جديدًا مستغربًا، وسيقابل بالهجوم من المشايخ وأتباعهم!
وهكذا كل أمر جديد في أوله يُقابل بالهجوم والمعارضة، حتى يقوى شيئًا فشيئًا ثم يصبح واقعًا يفرض نفسه!
الشاهد: لننظر بتدقيق على ما يستدلون به على حرمة مشاهدة السكس
[1] أول ما استدلوا به: قول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].
-قالوا: جاء في صحيح البخاري (8/ 50) ما يلي:
((قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا، وتسلموا على أهلها، ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم، وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم، والله بما تعملون عليم، ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم، والله يعلم ما تبدون وما تكتمون} [النور: 28].
وقال سعيد بن أبي الحسن، للحسن: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورءوسهن؟ قال: «اصرف بصرك عنهن»، قول الله عز وجل: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} [النور: 30] وقال قتادة: " عما لا يحل لهم {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} [النور: 31] {خائنة الأعين} [غافر: 19]: من النظر إلى ما نهي عنه " وقال الزهري: في النظر إلى التي لم تحض من النساء: لا يصلح النظر إلى شيء منهن، ممن يشتهى النظر إليه، وإن كانت صغيرة وكره عطاء، النظر إلى الجواري التي يبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري))اهـ.
فالمستدل على التحريم يقول: يجب غض البصر عن العورة في الحقيقة أو النت، إذا العورة على النت هي عورة في الحقيقة لكنها مصورة!
فنقول: تتعدد الأفهام والتأويلات لهذه الآية الكريمة، فمن ذلك مثلاً:
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم عن عورات النساء الحقيقة
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم عن عورات النساء الحقيقة التي كُشفت رغمًا عنهم ولم يقمن بكشفها برضاهن في الطرقات
فيكون المعنى: كل من سترت عورتها ثم كشف شيء منها دون إرادتها فعلى المؤمن أن يتحلى بحسن الخلق ويغض بصره عنها، لأنه بذلك يؤذها وهي عفيفة متسترة سترت عورتها وغطت جسمها، ومن حقها السير في الطريق العام، فتأدب بأدب الدين، وأبعد نظرك عن عورتها إن انكشفت
أما التي خرجت في الطريقة(مسلمة أو غير مسلمة) وكشفت عن عورتها (سواء شعرها أم صدرها أم ساقيها....أم غير ذلك) ولم تنشغل بشيء، فهذه أسقطت حرمتها في غض النظر عنها، وبالتالي لا يقال النظر إليها يؤذيها، فهي التي تكشفت، كالذي يجامع زوجته في الطريق، لا يمكن أن يقال: غض نظرك عنه، بل يقال: عيب عليك أن تجامعها في الطريق خذها إلى المنزل، فكذلك لن أقول لم يمشي في الطريق وحوله البنات والنساء المتكشفات برضاهن، لن أقول له أغمض عينيك، لأنه يمشي في الشارع العام ومن حقه النظر لكل شيء مكشوف، أما المستور المغطى فلا.
فإن قيل: أنت بهذا المنطق وهذه الفلسفة ستفتي بجواز الذهاب للكباريهات ومشاهدات الراقصات؛ لأنهن كشف عن عوراتهن بمحضن إرادتهن!
قلتُ: ليس الأمر كذلك، فالنظر للعورة التي تمشي في الطريق وقد كشف عن بعض عورتها، إنما أبحناه لأجل مصلحة المشي وممارسة الحياة العادية، وكذلك كل ما احتاج للنظر كالأمن على الفنادق السياحية أو المنقذ على الشاطئ أو حمام السباحة، أو الذي يعيش في بلاد أجنبية، وما أشبه، أما الذي يذهب لمشاهدة الراقصة فهذا لا يحل له!
-فإن قيل: كيف خصصت الآية بالنهي عن النظر للعورات وهي عامة؟
قلتُ: ذلك لأمور كثيرة:
منها ما يلي:
أولاً: قوله: الخلاف في (مِنْ). جاء في تفسير الماوردي = النكت والعيون (4/ 89)
((وفي {مِنْ} في هذا الموضع ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها صلة وزائدة وتقدير الكلام: قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم , قاله السدي.
الثاني: أنها مستعملة في مضمر وتقديره , يغضوا أبصارهم عما لا يحل من النظر , وهذا قول قتادة.
الثالث: أنها مستعملة في المظهر , لأن غض البصر عن الحلال لا يلزم وإنما يلزم غضها عن الحرام فلذلك دخل حرف التبعيض في غض الأبصار فقال: من أبصارهم , قاله ابن شجرة.
ويحرم من النظر ما قصد , ولا تحرم النظرة الأولى الواقعة سهواً))اهـ.
ثانيًا: أن النظر يباح للتعريف والشهادة والخطبة، فلم يُمنع مطلقًا
ثالثًا: أن الصحابة كانوا ينظرون إلى عورات الإماء عند الشراء من السوق، فلو كان ذلك منهيًا عنه وداخلاً في الآية، ما فعله الصحابة، والإماء أجنبيات غير محارم!
رابعًا: لا يمكن بحال قياس النظر للعورة الحقيقة بالنظر للعورة عبر الوسائل الحديثة، ولو كانا سواء لقام مقطع الفيديو مقام الشهود في الزنا
الخلاصة: الاستدلال بالآية الكريمة كدليل قاطع على تحريم الأمر، لم يتم لهم؛ لأن المقصود العورة الحقيقة والتي كُشفت دون قصد صاحبتها، وهذا صيانة لها، واحتراما لحقها، ولكن التي وقفت أمامة الكاميرا وتعرت وجومعت وهي مبسوطة وسعيدة واتخذت هذا الأمر مهنة لها، فيقال ممثلة أفلام البورنو، هذه لا حرمة لها بحال، وبالتالي النظر لها لا يخالف الآية من وجهة نظري على الأقل!
[2] ثاني ما استدلوا به: قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].
قالوا: ومشاهدة الأفلام السكسية اقتراب من الزنا
فأقول: الزنا معناه أن ينام أجنبي مع أجنبية ويجامعها، ومقدمات الزنا القبلة والحضن، وقريبًا من ذلك الخلوة في مكان مغلق يأمنان فيه من دخول أحد عليهما.
فأين هذا كله من شخص يشاهد مقطع فيديو على النت فيه لامرأة يُزنى بها أو فيها؟!
-فإن قيل: لعل ذلك يهيج شهوته، ويشجعه على الزنا
قلتُ: هذا احتمال، ولكن هناك احتمال آخر وهو: أن يشاهد ذلك فيستريح وتهدأ شهوته، ثم لماذا نفترض أن كل من يشاهدون ذلك من العزاب الذين يبحثون عن الجنس فقط، فقد يشاهده متزوج مع امرأته، فيزيد ذلك من شهوتهما، ويتعلمان من ذلك أمورا جديدة في الجنس بينهما.
الخلاصة: في نظري لا يمكن الاستدلال بالآية على التحريم لأنها ليس صريحة، واحتمال الوقع في الزنا بسبب الإباحية ليس حتميًا
ولو كان كذلك لقلنا: بوجوب أن تتحجب غير المسلمة لأن نظر المسلم لها في الطريق قد يوقعه في الزنا
ولما كان إلزامها بالتحجب والاحتشام ليس واجبًا شرعًا لأنها غير مسلمة، كان الاستدلال بإمكانية وقع مُشاهد الإباحية في الزنا احتمال أيضًا
ويمكن أن يقال: مَن علم في نفسه أن مشاهدة الإباحية تزيد من شهوته، ولا يكفيه أن يقوم بإفراغها بنفسه، وسيصل الأمر معه للزنا لسهولته حوله، فهذا تحرم في حقه يقينًا لأنه وصلته للحرام، ولا يكون حكما عامًا في حق الجميع!
[3] ثالث ما استدلوا به: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].
قالوا: نشر هذه الأمور يشجع على انتشار الفواحش، وهذا توعد الله أصحابه بالعذاب في الدارين!
قلتُ: هذه الآية تتوجه للقائمين على تصوير وتمثيل وكل طاقم العمل الذي ساهم في نشر الأفلام الإباحية الحقيقة، ولا تتوجه للمشاهد لها عبر النت، لأنه لم يفعل شيئًا سوى الرؤية عبر الشاشة، وسواء شاهدها أم لا فهي قد صُورت ونشرت وعلى المواقع انتشرت!
وهذا باب مهم في هذه المسألة، لم أتعرض له بالتفصيل من قبل، وهو حكم المساهمة في صناعة المحتوي الجنسي الحقيقي والكرتوني، من حيث التأليف والإخراج والإنتاج والتمثيل وكل هذه الأمور.
ولا شك لدي أن التفصيل في هذه الباب مهم، فنفرق بين صناعة السكس الحقيقي والكرتوني، فصناعة الحقيقي محرمة لأمور كثرة تحتاج لمقال خاص، وهذا واضح، ولكن صناعة الكرتون تحتاج إلى دراسة وتفصيل، ولعلي أفرد لذلك بحثًا خاصًا، وهذا البحث لا يهم العامة من المشاهدين، وإنما يهم القائمين على صناعة على المحتوى.
الخلاصة: الاستدلال بالآية الكريمة على حرمة مشاهدة الإباحيات لا يستقيم، لأن المشُاهد المتفرج (على النت) يختلف عن المؤلف والمنتج والمخرج والمصور وطاقم العمل المساعد على إخراج العمل؛ لأنهم يطلعون على الزنا الحقيقي الذي يحصل.
هذه هي الآيات التي يستدلون بها، وقد ظهر أنها ليست صريحة في الاستدلال بها على التحريم.
وأيضًا: استدلوا بجملة من الأحاديث النبوية، منها:
-حديث جَرير بن عبد الله، قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري».
قلتُ: هذا والذي يليه في النظر الحقيقي للعورات الحقيقة لا عبر النت!
حديث: «العينان تزنيان، وزناهما النظر...».
حديث: «الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات...».
قلتُ: الأمور المشتبهات يفصل فيها العلماء، ولا يحق الإنكار على المجتهد إلا بدليل صحيح صريح، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال!
حديث: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه! لا تتبعوا عورات المسلمين...».
قلتُ: هذا مع ما فيه من ضعف في طرقه، فهو يتحدث عن تتبع عورات المسلمين، وأفعال السكس أغلبها لغير المسلمين، هذا شيء
كذلك: التتبع معناه التجسس والتفتيش عن العيوب، والذين في الأفلام الإباحية، هم من قاموا بتصوير ذلك بمحض إرادتهم ونشروها وروجوا لها.
قلتُ (الباحث الإسلامي) كما استدل المحرمون ببعض القواعد الفقهية مثل:
قاعدة: سد الذرائع والاحتياط والبعد عن الشبهات!
قلتُ: أما هذه فتقال في حق الشبعان جنسيًا، أما المحروم فلا!
وقاعدة: الضرر ُيزال
وقاعدة: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام
وقاعدة: كل ما أدى إلى الحرام فهو حرام
قلتُ: أغلب من يشاهدون السكس إنما يشاهدونه لإفراغ شهوتهم وإمتاع أنفسهم، لكونهم لا يستطيعون ممارسة الجنس في الحلال، لأسباب كثيرة، كأرمل وأرملة، أو مطلق وطلقة، أو أعزب وعزباء، أو مغترب، أو غائب عنها زوجها أو من كان زوجها ضعيف جنسيًا ولا يكفيها أو من كانت زوجته لا تحب الجنس وهو يحبه ولا يستطيع التعدد،...أو غير ذلك، فكل هؤلاء يهرعون إلى مشاهدة السكس لإراحة أنفسهم، وتفريغ شهوتهم دون إيذاء لأحد، لأن ترك الشهوة هكذا كون إفراغ هي بالضبط بمثابة القنبلة الموقوتة، يمكن أن تنفرج في أي وقت فيقع المرء في الزنا أو التحرش وما أشبه!
وأيضًا المحرمون قالوا:
-مشاهدة الأفلام السكسية؛ تهييج الغرائز وتشيع الفاحشة!
قلتُ: العورات المكشوفة في الطرقات تهيجها أكثر، وسماع الأفلام مع الخلوة والاستمناء تطفئ نار الشهوة وتخمدها.
وقالوا: تُسبب اضطرابات في العلاقات الزوجية، وضعف في التركيز، واضطرابات أخلاقية وسلوكية.
قلتُ: كثير من المتزوجين يحبون مشاهدة السكس وتطبيق ما فيه معًا، ومن وجد أن مشاهدة السكس يضره فليترك المشاهدة، كالذي يأكل طعاما حلالاً لكنه يتعب القولون عنده، فيقال له: اترك هذا الطعام رغم حِله!
وقالوا: تتسبب في عزوف كثير من الشباب عن الزواج، وتضعف الإيمان والحياء.
قلتُ: الشباب لا يلجئون للأفلام الإباحية إلا عند صعوبة الزواج!
أنا يوميًا ترد إليّ عشرات الأسئلة من شباب لا يستطيعون الزواج ويسألون عن حكم عمل العادة السرية، وحكم مشاهدة الأفلام الجنسية، ولو يسرت سبل الزواج للشباب، لانتهت الإباحية تدرجيًا، ولأصبحت مشاهدتها من باب مزيد من الاطلاع على الطرق الجديدة للجماع مع الزوجة.
((رأي النهائي الأخير في حكم مشاهدة الأفلام السكسية)):
أكتب اليوم الاثنين 5-5-2025م فأقول وبالله التوفيق:
بعد دراسة مستفيضة ونظرة واسعة واقعية لمسألة مشاهد صور ومقاطع وقصص الإباحية الجنسية السكسية، أستطيع أن أقول ما يلي:
أولاً: الآيات القرآنية -التي سبق ذكرها- المستدل بها على حرمة مشاهدتها ليست صريحة في التحريم، وإن كان يمكن للبعض الاستدلال والاستئناس بها على التحريم، فيمكن للبعض الآخر نقد ونقض هذا الاستدلال.
ثانيًا: الأحاديث الواردة في تحريم النظر، إنما هي منُزلة على حرمة النظر للعورات الحقيقة (الأجسام الحقيقة على أرض الواقع)، التي ينظر لها الشخص بلا حاجة ولا مصلحة ولا ضرورة، وهي العورات المستورة التي كَشفت بغير قصد أصحابها، أما النسوة اللائي يتبرجن في الطرقات فلا حرمة لهن، والذي يمشي في الطريق ليس ملزمًا أن يغمض عينيه عنهن، وإنما ينظر بقدر حاجته ومصلحته وتعامله لا بقصد التفرج على عوراتهن والتلذذ بذلك.
وكذلك لا يحل له الذهاب لأماكن تتعري فيها النساء ويرقص فيها، لا لشيء سوى التفرج عليه، فإن هذا من النظر المحرم شرعًا.
ثالثًا: المشاهد للمقاطع الإباحية لم يهتك ستر أحد، ولم يفتش على عورات النساء، إنما قدم لنا الكفار (غالبا) هذه الأفلام على النت، فلا حرمة لهم.
رابعًا: كان الزواج في القرون الأولى سهلاً، وكان الحصول على الإماء أمرا ميسورا، فكان إفراغ الشهوة متاح (غالبا)، ومع ذلك أصدر بعض السلف في هذا الوقت الفتاوى بجواز الاستمناء للرجال والنساء، فما بالنا في زماننا الذي أصبح فيه الزواج أمرًا في غاية الصعوبة!
خامسًا: على الفقيه في كل عصر إيجاد حلول واقعة غير مخالفة للكتاب والسنة، ولعل مثل هذه المقاطع بمثابة المتنفس للرجال والنساء ممن حرموا من لذة الجماع الحقيقي حرمانا مؤقتًا أو على المدى الأطول.
سادسًا: المشاهد لهذه الأفلام لا يؤذي أحدًا في المجتمع من حوله، إنما يغلق الغرفة على نفسه ويشاهد ويستمتع ثم يفرغ شهوته ويغتسل ويرتاح
سابعًا: إن تسببت هذه المشاهدة أن جعلت الزوج يعزف عن جماع زوجته فتحرم في حقه؛ لأنها أدت لضياع حق زوجته!
ولكن إن كان يشاهدها مع زوجته، ويتخيلان ما فيها، وتهيج شهوتهما، ويستمتعان ويتعلمان فلا حرج عليهما
أو كان كل طرف منهما يشاهدها في الأوقات التي لا تسمح فيها ظروف الطرف الآخر بالجماع كحال الحيض والسفر والمرض فلا حرج
ثامنًا: حتى لو التزم المجتمع كله بالحجاب والعفاف، فالشهوة لا تزال موجودة عند الرجال والنساء وتحتاج إلى إخراجها، والمقاطع الجنسية من سبل الإعانة على إفراغ هذه الشهوات بلا ضرر على أحد
تاسعًا: معظم الذين يتصدرون للفتوى يحرمون الاستمناء ويحرمون قراءة القصص الجنسية، وهي أصلاً مجرد كتابة، ويحرمون مشاهدة الصور الجنسية، وبالطبع يحرمون مشاهدة الأفلام الجنسية، فماذا يفعل من عنده أو عندها شهوة، وطرق الزواج صعبة جدًا؟!
يقولون: يصبر، ويصوم، ويجاهد نفسه!
وهذا حسنًا، لكن لا يحسنه كل الناس، فإن قام به 10 أو 20 % فماذا عن البقية؟
وإن كان الشرع الشريف قد أباح ملك اليمين (ولم يمنعه الشرع حتى الساعة إنما منعته الأنظمة) بلا عدد محدد لتفريغ الشهوة
وأباح النبي صلى الله عليه وسلم المتعة (المسمى زواج المتعة) في زمان معين لتفريغ الشهوة
وأباح كثر من السلف الاستمناء للرجال والنساء لتفريغ الشهوة
وأباح بعض الفقهاء واستحبه بعض المالكية التخيل (يتخيل الرجل أنه يجامع امرأة والعكس، حتى أثناء إقامة العلاقة الزوجية) الجنسي لمزيد من المتعة ولتفريغ الشهوة
فلماذا لا يقال: تباح مشاهدة الأفلام الإباحية لتفريغ الشهوة؟!
وقبل الختام، أنبه على أمور:
الأمر الأول: قد يقال: بعض الرجال يُقصرون في حقوق زوجاتهم الجنسية ويكتفون بمشاهدة الأفلام الإباحية، وهذا يكفي لتحريمها
أقول: هذا ليس سببًا كافيًا للتحريم، لأن الخطأ عند هؤلاء الرجال، فإذا كانت زوجته قد جهزت نفسها له، فعليه جماعها وإعفافها، وعليه التفنن في إمتاعها، ويتعلم طرق الجماع وأوضاعه من أفلام الجنس ويفعل ذلك معها، فإن تركها واتبع الأفلام الجنسية فهو آثم والخطأ عنده هو، وكذلك الحكم إن فعلت هي.
الأمر الثاني: قد يُقال: إن كان رضا الممثلين بتمثيل مشاهد السكس يبيح للشخص مشاهدتها عبر النت، إذن وجب الفتوى بجواز الزنا لأنه بالتراضي!
أقول: الزنا محرم يقينًا إلى قيام الساعة، والتراضي به لا يحله، لأنه محرم لذاته.
أما الأفلام الجنسية فنحن لا نرى حرمة مشاهدتها من الأصل، ورضا الممثلين بالتصوير جعل منهم سلعة جاز للكل رؤيتها.
الأمر الثالث: قد يقال: فتواك هذه فيها خطورة كبيرة، وقد تدمر المجتمع!
فأقول: كثير من الناس بطيعة الحال يمارسون العادة ويشاهدون الأفلام السكسية، ففتوانا لن تدفعهم للمشاهدة، إنما هي فقط، تريح ضمائرهم، فلا يشاهدون وهم في حرج، وهذه هي الوسطية والواقعية من وجهه نظري
هذا، وموضوع التصوير والجنس، فيه مسائل كثيرة، ولها تتمات مهمة، سأفرد لها مقالاً خاصًا إن شاء الله، كما أفردت هذا المقال لحكم السكس.
-الختام والخلاصة:
بعد هذا العرض المطول أرى وأرجح وأختار وأكتب اليوم 5-5-2025م الموافق الاثنين 7 ذي القعدة 1446هـ
جواز مشاهدة الصور والأفلام وقراءة القصص الإباحية الجنسية السكسية؛ لتفريع الشهوة الثائرة عند كثير من الذكور والإناث بمختلف أعمارهم وأحوالهم، مع الوضع في الاعتبار أن الإفراط في أي شيء بحيث يضر بصاحبه ممنوع شرعًا، والاعتدال مطلوب، وكل شخص أدرى بحاله، ومن أثرت فيه هذه المشاهدة، بحيث جعلته يتعب أكثر أو يمرض أو يقصر في عمله أو دراسته فتحرم يقينًا في حقه، ومن جعله متنفسًا في وقت فراغه وراحته وزيادة شهوته، فلا حرج ولا لوم عليه إن شاء الله.
أكتب هذا اليوم، وأعلم أنه اجتهاد شديد صعب، لم أقف على من سبقني به (إلا جماعة الأحباش الذين ذكرهم الشيخ القرضاوي، وكذا بعض الباحثين ممن ناقشوني في المسألة، ورفضوا ذكر أسماءهم خوفًا من هجوم الناس!)، ولكنني ما كتبت هذا إلا بحث واستقصاء واطلاع على مئات الحالات الواردة إليّ عبر الهاتف والنت، وبعد بحث المسألة من جوانب كثيرة بفضل الله تعالى، فإن أصبتُ فالفضل الله، وإن جانبي الصواب فقد رُفع عن هذه الأمة الخطأ والنسيان والإكراه.
وأعلم أن هجومًا كبيرًا سيشن عليّ بسبب هذا المقال، لكنني أحتسب ذلك عند الله تعالى.
وأرجوا أن يكون هذا المقال بمثابة التمهيد وفتح للباحثين والمفكرين والعلماء العقلاء الوسطيين العقلانيين المستنيرين لبحث هذه المسألة من جميع جوانبها، بحثًا واقعيًا يراعي حال الرجال والنساء، في هذا الزمان الصعب الذي كثرت فيه الشهوات.
الباحث الإسلامي أحمد رجب
-----
سال الشيخ صهيب بوزيدي عن فتوى صاحبه فقال
وردتني أسئلة كثيرة مفادها ما رأيك بما أفتى به
الباحث الإسلامي أحمد رجب في مقاله الأخير الذي أثار جدلا واسعا وقد رأيناك قبل ذلك تثني عليه فهلّا بيّنت موقفك من فتواه ؟
#قلت_صهيب: إني أعدكم ببيان موقفي من فتواه ولكن بشرط واحد، أن تبيّنوا موافقكم مما سأعرضه عليكم أيضا فإن قلتم كلمة حق لا تخشون في الله لومة لائم فيما طلبتكم به قلتُ مثلها فيما طلبتموني:
#الموقف_الأول: ما موقفكم حفظكم الله من كلام الإمام ابن القيم التالي:
مصدره: كتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين، الصفحة (518)[طبعة عطاءات العلم] لمؤلفها الإمام ابن القيم.
((الباب الخامس والعشرون: في رحمة المحبين والشفاعة لهم إلى أحبابهم في الوصال الذي يبيحه الدين
الأحاديث والآثار الواردة في الباب:
وقال مخلد بن الحسن: حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين، قال: كان عمر بن الخطاب يَعُسُّ بالليل، فسمع صوت امرأةٍ تغنِّي وتقول:
هل من سبيل إلى خمرٍ فأشربها ... أم هل سبيلٌ إلى نصر بن حجاج
فقال: أما وعمرُ حيٌّ؛ فلا. فلما أصبح؛ بعث إلى نصر بن حجَّاج، فإذا رجلٌ جميلٌ، فقال: اخرج، لا تساكنِّي بالمدينة، فخرج حتى أتى البصرة، وكان يدخل على مجاشع بن مسعود، وكانت له امرأة جميلة، فأعجب بها نصرٌ، فأحبَّها وأحبَّته، فكان يقعد هو ومجاشع يتحدَّثان والمرأة معهما، فكتب لها نصر في الأرض كتابًا، فقال: وأنا، فعلم مجاشعٌ أنها جوابُ كلامٍ، وكان مجاشعٌ لا يكتب، والمرأة تكتب، فدعا بإناءٍ، فأكفأه على المكتوب، ودعا كاتبًا، فقرأه، فإذا هو: إني لأُحبُّك حبًّا لو كان فوقك؛ لأظلَّك، ولو كان تحتك؛ لأقلَّك، وبلغ نصرًا ما صنع مجاشع، فاستحيا، ولزم بيته، وضَنِي جسمه، حتى صار نصر كالفرخ، فقال مجاشع لامرأته: اذهبي إليه، فأسنديه إلى صدرك، وأطعميه الطعام بيدك، فأبت، فعزم عليها، فأتته، فأسندته إلى صدرها، وأطعمته الطعام بيدها، فلما تحامل؛ خرج من البصرة وهو يقول (١):
إن الذين بخيرٍ كُنتَ تذكُرُهمْ ... همْ أهلكوك وعنهم كنتُ أنهاكا
لا تطلبنَّ شفاءً عند غيرهم ... فليس يُحييك إلا من توفَّاكا
فإن قيل: فهل تبيح الشريعة مثل ذلك؟
قيل: إذا تعيَّن طريقًا للدَّواء، ونجاة العبد من الهلكة؛ لم يكن بأعظم من مداواة المرأة للرَّجل الأجنبي، ومداواته لها، ونظر الطبيب إلى بدن المريض، ومسه بيده للحاجة. وأما التداوي بالجماع؛ فلا يبيحُه الشرع بوجهٍ ما، وأما التداوي بالضم والقُبلة فإن تحقَّق الشفاءُ به؛ كان نظير التَّداوي بالخمر عند من يُبيحه، بل هذا أسهل من التداوي بالخمر، فإن شُربَهُ من الكبائر، وهذا الفعل من الصغائر. والمقصود أن الشفاعة للعشاق فيما يجوز من الوصال والتلاقي سنةٌ ماضيةٌ، وسعيٌ مشكورٌ.
وقد جاء عن غير واحدٍ من الخلفاء الراشدين ومن بعدهم: أنهم شفعوا هذه الشفاعة)) انتهى كلام ابن القيم.
1 _ جاء في حاشية قليوبي وعميرة على "شرح المنهاج" (3/208): "وشمل النظر ما لو كان من وراء زجاج، أو مهلهل النسج، أو في ماء صاف. وخرج به رؤية الصورة في الماء، أو في المرآة، فلا يحرم، ولو مع الشهوة" اهـ.
2 _ وفي حاشية البجيرمي: قَوْلُهُ: (أَحَدُهَا نَظَرُهُ إلَى بَدَنِ أَجْنَبِيَّةٍ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ رُؤْيَةُ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا وَإِنْ أُبِينَ كَظُفْرٍ، وَشَعْرِ عَانَةٍ وَإِبْطٍ، وَدَمِ حَجْمٍ وَفَصْدٍ، لَا نَحْوِ بَوْلٍ كَلُعَابٍ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْمُبَانِ بِوَقْتِ الْإِبَانَةِ، فَيَحْرُمُ مَا أُبِينَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ وَإِنْ نَكَحَهَا، وَلَا يَحْرُمُ مَا أُبِينَ مِنْ زَوْجَةٍ وَإِنْ أَبَانَهَا. وَشَمِلَ النَّظَرُ مَا لَوْ كَانَ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ، أَوْ مُهَلْهَلِ النَّسْجِ، وَخَرَجَ بِهِ رُؤْيَةُ الصُّورَةِ فِي نَحْوِ الْمِرْآةِ، وَمِنْهُ الْمَاءُ، فَلَا يَحْرُمُ وَلَوْ مَعَ شَهْوَةٍ.
3 _ بن محمد شطا الدمياطي الشافعي: "قوله: لا في نحو مرآة، أي لا يحرم نظره لها في نحو مرآة كماء وذلك لأنه لم يرها فيها وإنما رأى مثلها. ويؤيده قولهم لو علق طلاقها برؤيتها لم يحنث برؤية خيالها والمرآة مثله فلا يحرم نظرها له في ذلك". (إعانة الطالبين، ج. 3، ص. 301، دار الفكر للطبعة والنشر والتوزيع
4 _ الإمام شمس الدين الرملي: "وخرج مثالها فلا يحرم نظره في نحو مرآة كما أفتى به جمع لأنه لم يرها". (نهاية المحتاج إلى شرح المحتاج، ج. 6، ص. 187، دار الفكر، بيروت).
5 _ ابن الهمام: "النظر من وراء الزجاج إلى الفرج محرم بخلاف النظر في المرآة ولو كانت في الماء فنظر فيه فرأى فرجها فيه ثبتت الحرمة ولو كانت على الشط فنظر في الماء فرأى فرجها لا يحرم كأن العلة والله أعلم أن المرئي في المرآة مثاله لا هو وبهذا عللوا الحنث فيما إذا حلف لا نظر إلى وجه فلان فنظره في المرآة أو الماء وعلى هذا فالتحريم من وراء الزجاج على نفوذ البصر منه فيرى نفس المرئي بخلاف المرآة والماء وهذا ينفى كون الإبصار من المرآة ومن الماء بواسطة انعكاس الأشعة وإلا لرآه بعينه بل بانطباع مثل الصورة فيهما بخلاف المرئي في الماء لأن البصر ينفذ فيه إذا كان صافيا فيرى نفس ما فيه وإن كان لا يراه على الوجه الذي هو عليه". (فتح القدير، ج. 3، ص. 224، دار الفكر)
6 _ ابن حنفية عابدين: "قوله: لأن المرئي مثاله إلخ، يشير إلى ما في الفتح من الفرق بين الرؤية من الزجاج والمرآة وبين الرؤية في الماء ومن الماء حيث قال كأن العلة والله سبحانه وتعالى أعلم أن المرئي في المرآة مثاله لا هو وبهذا عللوا الحنث فيما إذا حلف لا ينظر إلى وجه فلان فنظره في المرأة أو الماء وعلى هذا فالتحريم به من وراء الزجاج بناء على نفوذ البصر منه فيرى نفس المرئي بخلاف المرأة ومن الماء وهذا ينفي كون الإبصار من المرآة ولماء بواسطة انعكاس الأشعة وإلا لرآه بعينه بل بانطباع مثل الصورة فيهما بخلاف المرئي في الماء لأن البصر ينفذ فيه إذا كان صافيا فيرى نفس ما فيه وإن كان لا يراه على الوجه الذي هو عليه". (رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، ج. 3، ص. 34، دار الفكر، بيروت)
#فما_أسباب_هذا_الشرط ؟ فإن قيل لماذا اشترطت إبداء المواقف في هذه الأقوال قبل أن تبدي موقفك من الفتوى المذكورة وصاحبها ؟ قلت:
1 _ إن كثيرا من الناس الذين يخوضون بحار المواضيع الجدلية لم يقرءوا كتب السابقين بل تعودوا على فتاوى المعاصرين المنتشرة في بعض الفضائيات المعروفة بالتشدد أو في بعض المواقع الإسلامية الشهيرة التي لا يسع غير المتخصص إلا استقاء معلوماته منها إذ بمجرد كتابة السؤال على غوغل تظهر النتائج الأولى والأشهر من مواقع أصحابها علماء أفاضل قدموا للدين الشيء الكثير إلا أنهم على المذهب السلفي المعاصر المعروف بميوله إلى أشد الأقوال وإقصائه أقوال المخالفين وإن ذكرها كبار العلماء، فإن سألت عن مسألة يقول الجمهور بجوازها ويقول ابن عثيمين بتحريمها فإنك لن تجد سوى الإفتاء بالتحريم، ومع أن هذه المواقع الإلكترونية أكثر توسعا من القنوات الفضائية في النقل عن المخالفين أحيانا إلا أنهم يظهرون بشكل واضح ما ينصر قولهم دون أن يستفيضوا في ذكر أقوال المخالفين، بل إن وجدت فتوى لعالم يعتمدونه كابن القيم وكانت الفتوى مخالفة للمعتمد عندهم فإنهم يخفونها عن الناس من باب المصلحة في كتمان بعض العلم ومن باب "ليس كل ما يُعلم يقال"، عندها تتشكل لدى العامة من الناس اعتقادات يحسبونها من البديهيات المسلّمة التي لا جدال ولا نقاش فيها فإن صادفوا قولا مختلفا سارعوا إلى التشنيع والاستنكار.
2 _ إن كثيرا من الجماهير المعترضة لا تعلم إلى يوم الناس هذا وجود شيء اسمه "ملك اليمين" في الإسلام وبعض الناس يحسبون ضرب البارود و"الكورتاج" و"يوم النڨافة" من أركان الزواج وقد سمعت بأذني إمام مسجدٍ متخرج بدرجة "ماجيستير في الشريعة" وقد صار أستاذا في الثانويو يقول ((يحرم على من عقد العقد الشرعي والمدني معا على قرينته أن يكلمها مجرد الكلام في الهاتف ولا يراها إلا ليلة الدخول بها)) ثم قال بالنص والله على ما أنقله شهيد: ((وقد يقول قائل إنه قد جاء بأركان الزواج في العقد فأقول له: إلا أنها ناقصة ولا تتم إلا بالخروف الذي نذبحه ونأكله والبارود الذي نضربه وكورتاج السيارات الذي نحمل فيه العروس وحفل الزفاف الذي نشهده ورحمَ الله آباءنا كانوا لا يعرفون أشكال أزواجهم إلا ليلة الدخلة)) ثم سأل بعض كبار السن فقال (أشهدكم الله أليس ما قلته هو الحق ؟) فقالوا (بلى).
قلت صهيب: فلا أدري في أي فقه وجد هؤلاء هذه المعلومات إلا أنهم يتصدرون للناس على أنهم من أهل الإمامة والفتوى ومعلوماته كلهم يستقونها من عُرف المجتمع كما ذكر بنفسه (من آبائهم) ولو فكّر هذا الرجل قليلا لأدرك أن البارود لم يكن موجودا زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا كانت السيارات ليكون الكورتاج كما أن غالبية العادات التي نجدها عند أقوام من المسلمين لا نجدها عند أقوام آخرين وكفى بالمسلم أن يقوم بجولة في ديار المسلمين المختلفة ليلاحظ الفروقات الشاسعة في الأعراف نفسها بين كل ولاية وولاية داخل نفس البلد فضلا عن الاختلاف بين البلدان والقارات.
3 _ يعتاد الناس على فتاوى من نوع ( إذا أحب الشاب زميلته في الجامعة وإن لم يكلمها فهذا زنا) وهذه الفتوى باطلة لم يقل بها عالم قط ولا عليها ولو ربع دليل من الكتاب ولا السنة، وآخر قديما أفتى في قناة الناس قائلا (لو تكلم الشاب مع الفتاة بالسكايب كتابةً أي بالشات فهما زانيان لا يجوز لهما أن يصليا إلا بعد الاغتسال فهما على جنابة ولو تحدثا مجرد الحديث) قلت صهيب: وهذا جهل كبير سمعته يوم كنت صغيرا أو في بداية المراهقة وكنتُ أصدقه وأعمل به وبعد أن كبرتُ وازدادت مداركي وقرأت كتب الفقه وتجاوزت المعاصرين أجمعين لعدم ثقتي بما ينقلون وكيف أثق بهم وهم يكتمون كثيرا من المعلومات بدعوى عدم إثارة للفتنى وليس مثلي من يساق كما تُساق الأنعام وإنما أريد معرفة حكم الله في المسائل وأريد قراءة كتب الفقه لأعلم ما أسيلت فيه أحبار العلماء ودونت فيه الدواوين وضربت لأجله أكباد الإبل، أردت قراءة تفاسير الأوائل والاطلاع على تأصيلاتهم وتفريعاتهم ومناقشتهم للقضايا بنفسي فقرأتُ ما جزمت به أن غالبية المعاصرين إما أنهم لم يمروا على هذا أصلا ولم يسمعوا به وإما أنهم يكتمونه لسبب أو لآخر ثم طرقت بعض المسائل فتلقيت من الهجمات ما أعياني وأفهمني أن الهوة كبيرة والشرخ كبير ولإدراكي أن غالبية من يهاجم إذا سمعك تفتي بجواز مسألة تعود على سماع تحريمها هم الناس الذي يرتكبونها، وكنت قد أسررت لأحدهم بفتوى فحظرني وهجرني ودار الزمان فاعتذر لي وقال لأني كنت أفعل ذلك معتقدا تحريمه فلما أفتيتني بجوازه حظرتك وألقيت باللوم كله عليك فلما راجعت نفسي قلت إني كنت أفعل هذا قبل سماع فتواه بسنوات فلماذا أحاول تحميله جريرة فعلي إلا لأني أريد التملص من مسؤولية فعلي لأضع أوزاره على ظهر غيري.
قلت صهيب: ويوما بعد يوم أفقد العاطفة تجاه الناس إذ أراهم ينتصرون لمن يحرمون عليهم ما أحله الله ويرون فيهم العزم والشدة وربما زيادة التدين بينما يهاجمون من يجيز لهم ذلك وإن كانت حقيقة الأمر أنهم يفعلون تلك الأشياء ولا يستغنون عنها رغم اعتقادهم حرمتها بينما أنا الذي أفتيهم بجوازها لا أفعلها لأن نفسي قد تنفر منها أو لأني غير محتاج إليها فليس كل ما جاز شرعا كان من الحكمة والصواب فعله وهذه مسألة أخرى لا يدركونها فهم لا يفرقون بين إباحة الشيء وبين التشجيع على فعله إذ لو سألني سائل ما حكم أن يخرج الرجل عاري الصدر إلى الخارج أو يظهر للإمام يوم الجمعة لا يغطي سوى ما بين سرته وركبتيه أو يغطي سوأتيه فقط على مذهب من يقول بأن الفخذ ليس عورة فيخطب في الناس الجمعة أعليه وزر من الله ؟ سيتفق الجميع على جواز فعله ولكن السؤال التالي (هل هذا مما يليق فعله ؟) الجواب (لا)، وكذلك لو سألنا عن حكم خطبة الرجل لابنته كأن يقول للشاب (لو أنك تخطب ابنتي) هل هو جائز ؟ الجواب: نعم، لكن الناس تأبى أن تفعله.
4 _ فيجب ألا نخلط بين ما نستقبحه عرفا أو نفسيا وبين ما هو محرم، فمعنى الحرام أنك تأثم إذا فعلت ذلك الشيء وقد يتسبب ذلك الإثم بعذابك في جهنم حيث يُحرق جلدك وينصهر عظمك وتذوب جمجمتك فمع استحضار هذا الأمر نكرر السؤال: هل كل ما نراه قبيحا يستحق هذا العذاب ؟ وهل كل حرام يكون كبيرة من الكبائر ؟
#يتدخل_معترض_فيقول: ولكن ما لنا ولهذا كله وإنا نراك تكلمت في كل شيء إلا في صلب الموضوع ولم نعتد منك الحيدة أفليس هذا يدل على أنك في قرارة نفسك تعلم أن الأمر باطل ؟
1 _ قد دخل صاحب المقال الذي سألتموني عن حاله في صلب الموضوع مباشرة فهل ناقشتموه في صلب الموضوع مباشرة ؟ الجواب: لا.
2 _ هل حاولتم الرد على أدلتهم وأطروحته ؟ الجواب لا.
3 _ قد سبق لي أن فتحت عدة مواضيع أثارت الجدل فهل حاورتموني فيها مباشرة ؟ الجواب: لا.
4 _ فلماذا تطلبون الدخول في الموضوع مباشرة وأنتم تعلمون أنكم تبحثون عن ملخص عنوان تطيرون به للتشنيع معتمدين على ما في أذهان الناس من استقباح مسبق للقضايا ؟ إذا فالشناعة ليست فيما يتعلق بالموضوع وأدلته وإنما فيما هو كامن في العقل اللاواعي الذي يقبّح ويحسّن بناء على ما تعود على تلقيه من معلومات بغض النظر عن صحتها.
5 _ لو أن أحدكم رأى اليوم شيخا مشهورا معروفا بوقاره وليكن مثلا الشيخ الألباني مثلا رحمه الله يمشي في الأسواق يريد اشتراء جارية فيضع يدَهُ بيْنَ ثَديَيها وعلى عُجُزِها من فوقِ الثيابِ ويكَشفُ عن ساقِها فما عسى المجتمع يقول ؟ سيستقبح ذلك لأننا ولدنا وليس في عرفنا سوق للعبيد ولا للجواري ولا نعرف سوق النخاسة من الأساس، ولكن روي ذلك عينه عن ابن عمر رضي الله عنهما وصححه الشيخ الألباني نفسه في إرواء الغليل.
6 _ في مصنف ابن أبي شيبة ((حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد قال : كنت مع ابن عمر أمشي في السوق فإذا نحن بناس من النخاسين قد اجتمعوا على جارية يقلبونها ، فلما رأوا ابن عمر تنحوا وقالوا : ابن عمر قد جاء ، فدنا منها ابن عمر فلمس شيئا من جسدها وقال : أين أصحاب هذه الجارية ، إنما هي سلعة)) والروايات في مثل ذلك كثيرة لا تحصى ليست عن ابن عمر رضي الله عنهما وحده بل عن عدد من الصحابة والتابعين.
6 _ روى البيهقي ويحيى بن سلام ((كُنَّ جَوَارِي عُمَرَ يَخْدُمْنَنَا كَاشِفَاتِ الرُّءُوسِ، تَضْطَرِبُ ثُدِيُّهُنَّ بَادِيَةً خِدَامُهُنَّ)) [قال الألباني: حديث حسن، رجاله ثقات]
7 _ قال ابن كثير رحمه الله : ((وَقَوْلُهُ: ( ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) أَيْ إِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ عُرِفْنَ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ، لَسْنَ بِإِمَاءٍ وَلَا عَوَاهِرَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : يَتَجَلْبَبْنَ فَيُعْلَمُ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ ، فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُنَّ فَاسِقٌ بِأَذًى وَلَا رِيبَةٍ ")).
انتهى من [تفسير ابن كثير 6/ 425-426]
قلت صهيب: الشاهد من تفسير ابن كثير أن الغرض من الحجاب عنده أساسا للتفريق بين الحرائر والإماء والعواهر فعنده يكون الحرص في الشريعة على عرض الحرائر دون العواهر "ولا نتكلم في الإماء فليس موضوعنا" ولذلك قال بعض أهل العلم وقال بمثل قولهم من المعاصرين الشيخ ولد الددو أن المرأة التي لا تحرص على عرضها ولا أهلها يحرصون على عرضها يُنزلها العلماء منزلة الإماء فلا يوجبون غض النظر عنها إذ العلة منه عدم أذيتهن وهي لا تتأذى بذلك إلا أن الشيخ الددو قال "بشرط أن يكون النظر بغير شهوة". قلت صهيب: وذلك لأن النظر بشهوةٍ محذوره في نص آخر (والعين تزني وزناها النظر....إلى قوله: والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) أي سدا لذريعة تصديق الفرج لذلك وإلا فإن كذبه فقد أزال عنه وصف الزنا والتصق به وصف اللمم كما قال ابن مسعود بعد قراءته للأثر (فإذا مس الختان الختان وجب الغسل وهو الزنا وأما ما دون ذلك فهو اللمم) قال الطبري عن اللمم (وقد وعد الله بمغفرته وحاش لله أن يخلف وعده)
فهنا قد نقول: غض النظر له ثلاث علل:
الأولى: ألا تتأذى المرأة التي ينظر إليها بنص (غض البصر وكف الأذى) وقول الله ((ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)) فالهدف منه ألا تتأذى الحرة فتخيل أن رجلا يمشي معه زوجته أو زوجاته أو أمه أو أخواته أو بناته والفاسق ينظر إليهن ؟ ذلك يؤذيه وقد يتشاجر معه لأجل ذلك ولا يعد من حسن التربية أبدا بل من أعمال الفساق وهذا فيه ظلم يتعدى مجرد الذنب الذي يكون في النظرة الشهوانية وبهذا يكون ذنبا وإن لم يكن النظر بشهوة لأنه مزعج ومؤذي، تمر بالشارع والرجل ينظر إليك، فحتى ولو كنت رجلا سيزعجك ذلك وهو أيضا من التجسس والانشغال بما لا يعني المرء لذلك ورد النهي مطلقا (غض النظر) في الحديث ولم يقل (الغض من النظر) كما في الآية.
الثانية: أن يكون ذريعة للزنا وهذا يكون في النظر بشهوة إلى المرأة التي يمكن له وصالها أي أن تكون قريبة منه أو يكون مختليا بها وهذا يكون في النظر إلى النساء على المباشر بشهوة فهذه العلة الثانية ودليلها حديث (والعين تزني وزناها النظر).
الثالثة: أن يكون غض النظر لأجل سلامة القلب وزكاة النفس ولا شك أن هذه العلة مقترنة بالاستحباب لا الوجوب فإن كمال تزكية النفس والصدر مستحب وليس واجبا إلا أن مطلق التزكية للنفس واجب أي أن كل مسلم لابد له من مقدار معين لتزكية القلوب وهذا مطلق التزكية وهو الواجب لكن التزكية المطلقة وكمالها ليس واجبا وإنما هو مستحب لذلك قال الله ((يغضوا من أبصارهم)) ولم يقل (أبصارهم) فمن تلك للتبعيض ولذلك قال الله ((ذلك أزكى لهم)) وكلمة (أزكى) من أسماء التفضيل وإطلاقها (أزكى لهم) تعني تفضيل هذه التزكية على تزكية أخرى تتحقق بالكف عن محارم الله الأخرى أي أن في ذلك زيادة للتزكية فمطلق غض النظر واجب وأما غض النظر المطلق فمستحب وليس واجبا.
#يقول_المعترض: يا أستاذ صهيب لقد صرعتنا بكل هذا الكلام أوليس الحق واضحا وأبلجا فلو كان الأمر كذلك لاستطعت أن تختصر الكلام في عبارة واحدة، أليست كثرة الكلام تدل على أنك تريد التبرير لشيء ما بكل ما أوتيت من جهد.
1 _ أعطني دليلا من الكتاب والسنة يحرّم ما أفتى صاحبنا بجوازه ؟
سيقول: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغض النظر.
2 _ أقول: أمر بغض النظر عمن ؟
3 _ أقول: وما الذي حرم الله النظر إليه ؟
4 _ أقول: أين حرم الله النظر إلى الشهوات ؟ هات النص ؟
يقول:قال الله ((ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما)) وقول الله ((فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا))
5 _ أقول: وفي الحديث يقول (أويأتي أحدنا شهوته وله بها أجر ؟ قال أرأيت لو وضعها في الحرام أكان عليه بها وزر ؟ كذلك لو وضعها في الحلال فإن له بها أجرا).
يقول: هذا في الحلال، في الزواج.
6 _ أقول: هو في الحلال والحلال أعم من الزواج، ملك اليمين أيضا من الحلال.
يقول: طيب وأين هذا من مشاهدة النساء في الشاشات ؟
7 _ أقول: أتسمح لي أن أمازحك قليلا ثم نرجع للجد ؟
8 _ أقول: لو كانت هناك حرب بيننا وبين أمريكا وإس.رائيل فما حكم سبي نسائهم ؟
9 _ أقول: فإن صرن سبايا قبل توزيعهن على الناس أو لو عرضن في سوق النخاسة فما حكم النظر إليهن ؟
يقول: جائز لمن يريد أن يشتري.
10 _ أقول: ربما ستجيز لمن يريد الشراء حتى أن يضع يده بين أثدائهن وأفخاذهن والكشف عن سيقانهن ولكن ماذا عن الذي لا يريد أن يشتري ؟ أولئك اللواتي يصفن حال إماء عمر وكيف تتحرك صدورهن وتتكشف شعورهن أكان يبدو لك أنهم يغضون النظر عنهن وهم يصفوهن بهذا الوصف دون أن يستحي الواحد أن يقال فيه (لا يغض البصر) ألم يكونوا ليرووا ذلك دون أن يستنكره واحد من العلماء إلا لو كانوا يرون جوازه ؟
يقول: فما تريد من هذا الكلام ؟
11 _ أقول: هذه مزحة تستفز نفسك للبحث وإعادة النظر حول بعض المسائل، أنت لا ترى بأسا في أن تكون تلك العاهر التي تظهر المواقع متعرية لا عرض لها ولا لأهلها لا يؤذيها نظر الناس إليها ولا تنتهك كرامتها بل هي تفعل ذلك بملء إرادتها فأنت لا يريبك أن تصبح جارية ينظر الناس إليها بل يقلبها بعضهم وقد تصير إليك لتشتريها وتفعل معها ما كان الناس يشاهدونه من فعل الناس معها وترى كل ذلك جائزا إلا أنك ترى النظر إلى صورتها المسجلة في النت على شاشة هاتف صغير أو حاسوب أمرا جللا أفلا تحس معي بوجود خلل ما ؟
يقول: هل نفهم أنك تجيز مشاهدة هذه الأفلام ؟
12 _ أقول: لن تسمع مني حكما في ذلك فأنت محاور ولست مستفتيا ولستُ مجبرا على إبداء رأيي حول هذه المسألة أمامك أو أمام جمع معين من الناس فذلك غير واجب علي وإن قيل إن من المصلحة عدم إظهار القول في هذا فإني لا أظهره وليس من واجبك شرعا أن تفتش عن قرارة نفسي لتعرف رأيي.
يقول: إن كان ما تعتقده حقا فلماذا تخشى البوح به ؟
13 _ أقول: لو بحت به لقيل (ليس كل ما يعلم يقال) ولو كتمته لقيل (لماذا تخشى التصريح به) فاستقر على أي رأي تريد ؟ إنما الحل الوحيد أن أقول ما يرضيك أليس كذلك ؟
يقول: لا وإنما أن تقول ما يرضي ربك
14 _ هل تعلم أن ابن عباس رضي الله عنه كان يجيز زواج المتعة حتى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وموت أبي بكر وحتى في عهد عمر ؟
يقول: ما دخل زواج المتعة في الموضوع ؟
15 _ أقول: لو أن رجلا اليوم قال بفتوى ابن عباس فما عساكم تقولون له ؟
يقول: ستكون عليه هجمة شديدة ويُتهم في دينه.
16 _ أقول: فإن دافعت عنه وقلت إن ابن عباس قال بقوله فلماذا لا تنكرون على ابن عباس أو تحجمون عن الإنكار عليه ؟ فالكيل بمكيالين ظلم هل أكون بالضرورة متبنيا لقوله في زواج المتعة ؟
17 _ أقول: قد نقلت لك كلام ابن القيم وهو يجوز تقبيل المرأة للعاشق الذي خاف على نفسه الهلاك ويجيز التوسط في ذلك فهل تراني أوافقه الرأي ؟
18 _ أقول: نقلي لهذه الأقوال لا يعني الاتفاق معها ولكني أريد للمسلمين أن يتعلموا قبل الإنكار، لو سمعتم رجلا يقول بفتوى ابن القيم اليوم ولم تعلموا أن الذي قالها هو ابن القيم لفتحتم عليه النار، ولكن بمجرد معرفة اسم المفتي تحجمون.
يقول: ربما كان بعض الذي قلت.
19 _ أقول بل كان كله، وأخبرني بالله عليك ما الفرق بين الفتاوى التي نقلتها لك من أقوال العلماء السابقين حيث أجازوا النظر إلى صورة المرأة المنعكسة في المرآة أو الماء ولم يجيزوا النظر إلى صورة المرأة نفسها ؟ ذلك لأنهم قالوا إن المرآة ليست هي المرأة وإنما حرم النظر إلى المرأة نفسها وأما ذلك فهو زجاج وهي صورة مثيلة المرأة ولكنها ليست المرأة.
يقول: لكنهم غير معصومين، وأنت بالذات لا تجيز جعل العلماء مصادرَ للتشريع.
20 _ أقول: نعم ليسوا معصومين لكنك لم تهاجمهم ولم تشنع عليهم كما شنعت على صاحبي، فإن قالوا إن صورة المرأة المنعكسة في المرآة يجوز النظر إليها ولو إلى فرجها ولو بشهوة مع أننا نعلم أنها ما انعكست في المرآة إلا والمرأة الأصلية موجودة بقربها فالداعي إلى قربها قائم إذ لو أشاح بوجهه قليلا لأصاب المرأة نفسها بالنظر، وصورتها المنعكسة في المرآة تكون بنفس الأبعاد والطول فكيف بالصورة المنعكسة في شاشة الهاتف والتي تبعد صاحبة الصورة عنها آلاف الكيلموترات فحتى لو استثارت شهوة الناظر إليها فلن يجدها ليزني معها، وحتى وإن نظر إليها فإنها لا تحس بنظره إليه لتحرج منه بل لو كانت تتحرج منه لما مثلت ذلك المشهد من أساسه فسقطت علة الذريعة إلى الزنا وعلة إيذاء الحرة إذ هي بعيدة لا يمكن الزنا معها كما أنها عاهر وابن كثير حصر الحرص على الأذية في الحرائر دون الإماء فضلا عن العواهر وهي أيضا لو وقعت حرب وقدرة عليها لكانت جارية تباع في الأسواق ولكنت تجيز ذلك وهي من بلد عدو يغتصب المسلمات المحصنات فعلى أي أساس نحرص على أعراض العواهر منهن اللواتي لم يحرصن على أعراضهن ؟
يقول: على قولك يجوز الزنا معها لمن كان في أمريكا.
21 _ أقول: لا يجوز الزنا معها ولا مع غيرها ولكن لو وقعت حرب بين البلدين وكان للمسلمين النصر لجاز سبيها ولكانت في حصة أحد المسلمين وكانت مثيلتها في حصة آخر (على مذهب كثير من العلماء).
22 _ أقول: لا يجوز سبيها إلا إن شاركت في الحرب.
يقول: فلماذا تلزمني بمذهب لا تعتقد صحته ؟
23 _ أقول: لأنك تلتزم به، فإن لم تلتزم به فإنك تحترم قوله وأنا لا أريد إقناعك بالمسألة وإنما بتفهّم من أفتى بها.
يقول: هل أفهم أنك ترى حرمة النظر إلى صور المرأة المنعكسة في الشاشات ولكنك تريد فقط الدفاع على من يجيزها ؟
24 _ أقول: أنا أرفض الجواب عن السؤال في حكم مشاهدة هذه الأمور من الأساس للعلن أو لك تحديدا، إنما أكلمك فيمن خاض غمار الأمر ونشر الفتوى ولو استشارني لنصحته بألا يكتب أو ينشر فيها شيئا فليترك الناس الذين يشتمونه الآن ويهاجمونه على رأي التحريم ؟ ما الذي يستفيده لما يخبرهم بفتواه في الجواز ؟ لماذا يضحي بسمعته وخسارة متابعيه بل لماذا اختار الخروج من مجموعة الأستاذ عبد الله رشدي ليرفع عنه الحرج ؟ لماذا يضحي بكل هذا لأجل مسألة كان بإمكانه أن يكتمها ؟ أليس في قرارة نفسه يرى أن بعض الناس قد يُحرمون من فرص الزواج وتكثر عليهم الملهيات وأنهم لو شاهدوا مقطعا كهذا فإنهم يخففون عن أنفسهم فيستغنون به عن الحرام وليس لهم بديل في الحلال ؟ بغض النظر عن رأيه في المسألة نفسها أوليس هدفه في نهاية المطاف هو الرغبة بالخير لهؤلاء المتابعين شفقة عليهم وقد كان في غنى عن ذلك فهو متزوج له ما يحصن به نفسه وحتى لو شاء لشاهد ما يريد سرا دون أن يخبر أحدا كما يفعل الذين ينكرون عليه أتحسب أن هؤلاء الآلاف أو المئات من المستنكرين جميعا بلا استثناء لا أحد منهم يشاهد هذه الأمور ؟ قد يكون المفتي بجوازها لا يشاهدها والمنكر عليه هو الذي يشاهدها، وقد يكون هناك منكرون لا ياشهدونها ولكن لنفترض أن فتواه غير صحيحة.
ما هو أسوأ ما يكون من ورائها ؟ ألسنا لو قطعنا بتحريم مشاهدتها سنقول بأنها محرمة من جهة غض البصر مما يعني أنها من أصغر مراحل اللمم إذ النظر بالعين شهوة من اللمم واللمس بشهوة من اللمم بل لو قامت عملية مباشرة كاملة بين رجل وامرأة حتى الإنزال ولم يقع فيها الإيلاج فإنها بإجماع العلماء من اللمم الذي لم يبلغ درجة الزنا فلا حد فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا شك أن النظر بشهوة والذي يُتفق على تحريمه فضلا عن هذا الذي هو نظر إلى زجاجة الهاتف وبصورة ثنائية الأبعاد وامرأة طولها 10 سنتمترات في الشاشة وهي كافرة من دولة معادية وبعيدة عنه لا يمكنه بلوغها ومع وجود فتاوى جواز النظر لصورة المرأة المنعكسة على الزجاج وكل هذه الملابسات والتفاصيل التي لو أردنا قطع دابرها وقلنا فلنجعلها في أسوأ الحالات كالنظر إلى المرأة على المباشر بشهوة أوليس حكمها في أقسى وأقصى الأحوال أن يكون من النظر بشهوة وهو دون اللمس والمباشرة بشهوة ؟ أوليست المباشرة بشهوة من اللمم الذي وعد الله بمغفرته ؟ فلنفترض أنه أخطأ في تجويز ذلك أذلك أقل خطرا أم الذي أخطأ في تجويز الضم والقبلة بين العاشقين خشية على العاشق من الهلاك ؟ ثم ماذا قال وهي من الصغائر حتى في غير الضرورة، أقول وكذلك هذه من الصغائر ولو استقر الحكم على تحريمها فلماذا كل هذا التهويل ؟
ثم لنسلم جدلا أنه قال كلاما يوجب السخط أفكلما قال عالمٌ كلاما يوجب السخط محونا كل ما قاله مما يوجب الرضا واقتصرنا على ما يوجب السخط ؟ فنكون إذا كالذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ((إذا أحسن إليهن دهرا وأساء يوما قالوا ما رأينا منك خيرا قط)).
ولنعتبر كلامه على الصعيد الذي تشاءون أولستم تناظرون الملحد وهو ينكر وجود الله فتصبرون عليه وترجون له الهداية وتكلمونه بأدبٍ وودٍّ وتجادلونه وهو لا يؤمن لا بإلهنا ولا بنبينا ولا بنصوصنا ولا بأخلاقنا وبالرغم من ذلك تجادلونه في قوله وتصبرون عليه وتحاولون فهم حججه والرد عليها فعل فعلتم مثل ذلك مع مسلمٍ متخصص في الشريعة تعودتم منه العلم بما يقول ؟ اعتبروا كلامه من الشبهات كما هي شبهات الملحدين وأجيبوه بالأدلة كما تجيبونهم فلماذا الفزع والتنفير والهجوم والتطاول دون مناقشته ؟
أيهما أعظم: إنكار وجود الله أم هذا ؟ أوليس من ينكر وجود الله سيجيز في نهاية المطاف الزنا الصريح في المرأة والذكر والحيوان وحتى في المحارم بل سيجيز إنتاج الإباحيات فضلا عن مشاهدتها فلماذا نراكم أكثر لينا ورحمة معهم وأشد قساوة مع أهل دينكم والله يقول ((أشداء على الكفار رحماء بينهم)).