الجمعة، 3 مايو 2024

جمهورالأئمة الإسلامية أشاعرة .


يكفي لبيان فضل الإمام الأشعري أن على مذهبه في الاعتقاد علماء مئات الملايين من المسلمين في الشرق والغرب تدريسًا وتعليمًا، ويشهد بذلك الواقع المشاهد، ويكفي أيضًا لبيان حقية مذهبه في الاعتقاد كون هؤلاء الحفاظ الذين هم رءوس أهل الحديث الحافظ أبو بكر الإسماعيلي صاحب المستخرج على البخاري، ثم الحافظ العلم المشهور أبو بكر البيهقي، ثم الحافظ الذي وُصف بأنه أفضل المحدثين بالشام في زمانه ابن عساكر أشاعرة، كان كل واحد من هؤلاء علمًا في الحديث في زمانه ثم جاء من هو على هذا المنوال الحافظ الموصوف بأنه أمير المؤمنين في الحديث أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المكنيُّ بأبي الفضل.

فمن حقق عرف أن الأشاعرة هم فرسان ميادين العلم والحديث وفرسان ميادين الجهاد والسنان، ويكفي أن منهم أبا الحسن الباهلي، وأبا إسحاق الإسفرايني، والحافظ أبا نعيم الأصبهاني، والقاضي عبد الوهاب المالكي، والشيخ أبا محمد الجويني وابنه أبا المعالي إمام الحرمين، وأبا منصور التميمي البغدادي والحافظ الدارقطني، والحافظ الخطيب البغدادي، والأستاذ أبا القاسم القشيري وابنه أبا نصر، والشيخ أبا إسحاق الشيرازي، ونصر المقدسي، والفراوي، وأبا الوفاء بن عقيل الحنبلي، وقاضي القضاة الدامغاني الحنفي، وأبا الوليد الباجي المالكي، والإمام السيد أحمد الرفاعي، والحافظ أبا القاسم بن عساكر، وابن السمعاني، والحافظ السلفي، والقاضي عياض، والنووي، والإمام فخر الدين الرازي، والعز بن عبد السلام، وأبا عمرو بن الحاجب المالكي، وابن دقيق العيد، والإمام علاء الدين الباجي، وقاضي القضاة تقي الدين السبكي، والحافظ العلائي، والحافظ زين الدين العراقي وابنه الحافظ ولي الدين، وخاتمة اللغويين الحافظ مرتضى الزبيدي، والشيخ زكريا الأنصاري، والشيخ بهاء الدين الرواس الصوفي، ومفتي مكة أحمد بن زيني دحلان، ومسند الهند ولي الله الدهلوي، ومفتي مصر الشيخ محمد عليش المالكي المشهور، وشيخ الجامع الأزهر عبد الله الشرقاوي، والشيخ المشهور أبا المحاسن القاوقجي نقطة البيكار في أسانيد المتأخرين، والشيخ حسين الجسر الطرابلسي صاحب “الرسالة” و”الحميدية”، والشيخ عبد اللطيف فتح الله مفتي بيروت، والشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي بيروت، والشيخ محمد بن درويش الحوت البيروتي وابنه عبد الرحمن نقيب أشراف بيرون، والشيخ مصطفى نجا مفتي بيروت، والشيخ أبا محمد الويلتوري المليباري الهندي وقد ألف رسالة سماها “العقائد السنية ببيان الطريقة الأشعرية”، والقاضي الجليل ابن فرحون المالكي، والقاضي أبا بكر محمد بن الطيب الباقلاني، والحافظ ابن فورك، وأبا حامد الغزالي، وأبا الفتح الشهرستاني، والإمام أبا بكر الشاشي القفال، وأبا علي الدقاق النيسابوري، والحاكم النيسابوري، والحاكم النيسابوري صاحب المستدرك، والشيخ محمد بن منصور الهدهدي، والشيخ أبا عبد الله محمد السنوسي، والعلامة علوي بن طاهر الحضرمي الحداد صاحب التآليف الكثيرة، والعلامة المتفنن والفقيه المحقق الحبيب بن حسين بن عبد الله بلفقيه، والمفسر محمد بن علان الصديقي الشافعي وجميع السادة الحضارمة من ءال علوي، والسقاف، والجنيد، والعيدروس، وشافعي العصر رفاعي الأوان الشيخ الفقيه المحدث الأصولي عبد الله الهرري وغيرهم من أئمة الدين كثير لا يحصيهم إلا الله.
ومنهم الوزير المشهور نظام الملك والسلطان العادل العالم المجاهد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى وجزاه عن المسلمين الخير فإنه أمر أن تذاع أصول العقيدة على حسب عبارات الأشعري على المنابر بعد أذان الفجر وأن تُعلم المنظومة التي ألفها له ابن هبة الله المكي للأطفال في الكتاتيب. ومنهم الملك الكامل الأيوبي، والسلطان الأشرف خليل بن المنصور سيف الدين قلاوون بل وكل سلاكين المماليك رحمهم الله.
ومنهم السلطان محمد العثماني فاتح القسطنطينية الذي جاء فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش” رواه أحمد، وكذا سائر السلاطين العثمانيين الذين ذابوا عن عقيدة المسلمين وحموا حمى الملة قرونًا متتالية رحمهم الله.
وليس مرادنا بما ذكرنا إحصاء الأشاعرة فمن يحصي نجوم السماء أو يحيط علمًا بعدد رمال الصحراء؟! ولكن ما ذكرناه بنبئ عن المراد كما بنبئ عنوان الكتاب على مضمونه.
كل التفاعلات:
٢

الإمام أبو الحسن الأشعري وثناء العلماء على مذهبه :



 الأشاعرة هم من ينتسبون إلى الإمام أبي الحسن الأشعري في مذهبه الاعتقادي، وقبل أن نعرف ما هو المذهب الأشعري نتعرف أولا على أبي الحسن الأشعري.


الإمام أبو الحسن الأشعري وثناء العلماء على مذهبه :
هو الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بُردَةَ عامر ابن صاحب رسول الله ﷺ أبي موسى الأشعري.
ولد رضي الله عنه سنة ستين ومائتين (260 هـ) بالبصرة، وقيل: بل ولد سنة سبعين ومائتين (270 هـ)، وفي تاريخ وفاته اختلاف منها أنه توفي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة (333 هـ)، وقيل: سنة أربع وعشرين وثلاثمائة (324 هـ)، وقيل: سنة ثلاثين وثلاثمائة (330 هـ)، توفي رحمه الله ببغداد ودفن بين الكرخ وباب البصرة.
كان أبو الحسن الأشعري سنّيـا من بيت سنّة، ثم درس الاعتزال على أبي علي الجبَّائي وتبعه في الاعتزال، ثم تاب ورَقِيَ كرسيّا في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة، ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فإني أعرفه بنفسي، أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن، وأن الله لا تراه الأبصار، وأن أفعال الشر أنا أفعلها، وأنا تائب مقلع، معتقد للرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم ومعايبهم.
قال الفقيه أبو بكر الصَّيرَفي: «كانت المعتزلة قد رفعوا رءوسهم حتى نشأ الأشعري فحجزهم في أقماع السَّماسم».
قال عنه القاضي عياض المالكي : « وصنف لأهل السنة التصانيف، وأقام الحجج على إثبات السنة، وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى ورؤيته، وقدم كلامه، وقدرته، وأمور السمع الواردة. قال : تعلق بكتبه أهل السنة، وأخذوا عنه، ودرسوا عليه، وتفقهوا في طريقه، وكثر طلبته وأتباعه، لتعلم تلك الطرق في الذب عن السنة، وبسط الحجج والأدلة في نصر الملة، فسموا باسمه، وتلاهم أتباعهم وطلبتهم، فعرفوا بذلك - يعني الأشاعرة - وإنما كانوا يعرفون قبل ذلك بالمثبتة، سمة عرفتهم بها المعتزلة؛ إذ أثبتوا من السنة والشرع ما نفوه. قال : فأهل السنة من أهل المشرق والمغرب، بحججه يحتجون، وعلى منهاجه يذهبون، وقد أثنى عليه غير واحد منهم، وأثنوا على مذهبه وطريقه »( ترتيب المدارك).
وقال عنه التاج السبكي : « ذكر بيان أن طريقة الشيخ- يعني الأشعري- هي التي عليها المعتبرون من علماء الإسلام والمتميزون من المذاهب الأربعة في معرفة الحلال والحرام والقائمون بنصرة دين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام »( إيضاح البرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان).
قال عنه الإسنوي : « هو القائم بنصرة أهل السنة القامع للمعتزلة وغيرهم من المبتدعة بلسانه وقلمه، صاحب التصانيف الكثيرة، وشهرته تغني عن الإطالة بذكره »( الإدراك في الفنون).
وقال القاضي ابن فرحون المالكي عنه : «كان مالكيًا صنف لأهل السنة التصانيف وأقام الحجج على إثبات السنن وما نفاه أهل البدع...، ثم قال: «فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة العقلية، ودفع شبه المعتزلة ومن بعدهم من الملاحدة، وصنف في ذلك التصانيف المبسوطة التي نفع الله بها الأمة، وناظر المعتزلة وظهر عليهم، وكان أبو الحسن القابسي يثني عليه، وله رسالة في ذكره لمن سأله عن مذهبه فيه أثنى عليه وأنصف، وأثنى عليه أبو محمد بن أبي زيد وغيره من أئمة المسلمين »( الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب).
** بيان عقيدة الأشاعرة في محل النزاع :
-------------------------------------
مذهب أهل السنة والجماعة - الأشاعرة والماتريدية - مذهب واضح في جميع أبواب علم التوحيد، ولكن أكثر ما ينكره من جهلوا حقيقة المذهب مسألة في الإيمان بالله، وهي تتعلق بـ «الإضافات إلى الله» أو ما يسمى بـ «الصفات الخبرية».
ونشأ هذا بسبب أن بعض الألفاظ الواردة في القرآن، والتي أضافها الله له في كتابه العزيز يريد بعضهم أن يثبتها على الحقيقة اللغوية مما يلزم منه تشبيه الخالق سبحانه وتعالى بخلقه، وأما أهل الحق فرأوا أن هذه الألفاظ لا نتعرض لمعناها لأنها من قبيل المتشابه.
فهم يرون أن هذه الإضافات أو الصفات الخبرية لم تثبت لله من جهة العقل، وإنما ثبتت بالخبر، فطريقهم فيها هو أن هذه الألفاظ المضافة لله، أو الصفات المخبر بها، يُسلم بها وتمر كما جاءت دون أن يعتقد حقيقة مدلولاتها اللغوية، فلا يقولون نثبتها على المعني اللغوي الحقيقي لها؛ إذ ظاهر الألفاظ يدل على حقائق معانيها معروفة في اللغة، وهذه الحقائق اللغوية تتنافى مع تنزيه الباري سبحانه وتعالى. وعلى هذا درج المتقدمون من أهل السنة والجماعة، والذين عرفوا فيما بعد الأشاعرة.
ومتأخروهم سلكوا مسلك التأويل، حين رأوا أن الإثبات على طريقة المشبهة، أفضى عند بعضهم إلى القول بالجسمية ولوازمها، والمتقدمون من أهل السنة والمتأخرون كلهم متفقون على الإمرار وعدم التعرض للفظة بالنفي، وكذلك عدم اعتقاد حقيقتها اللغوية التي من شأنها تشبيه الرب سبحانه وتعالى بخلقه، ولكن زاد المتأخرون بأن هذه الألفاظ لا يجوز أن يفهم منها إلا ما يليق بالله، فكأنهم يقولون للخصم إذا صممت أن تتكلم عن معنى لهذا الصفات فقل أي معنى إلا المعنى الذي ينقص من قدر الرب ويشبهه بخلقه، فقالوا : أيها الخصم قل : عين الله تعني رعايته وعنايته كما في قوله تعالى : {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}، ولكن إياك أن تقول : إنها جارحة؛ ولذا يصلح أن نقول إن مذهب السلف مذهب اعتقاد، ومذهب الخلف مذهب مناظرة.
فهذا مذهب أهل السنة في التعامل مع تلك الألفاظ التي إذا ما أُثبتت على الحقيقة اللغوية تلزم التشبيه قطعًا؛ ولذا قال الحافظ العراقي في معرض الكلام عن «الوجه» : «تكرر ذكر وجه الله تعالى في الكتاب والسنة وللناس في ذلك - كغيره من الصفات - مذهبان مشهوران؛ (أحدهما) : إمرارها كما جاءت من غير كيف فنؤمن بها ونكل علمها إلى عالمها مع الجزم بأن الله ليس كمثله شيء وأن صفاته لا تشبه صفات المخلوقين (وثانيهما) : تأويلها على ما يليق بذاته الكريمة فالمراد بالوجه الموجود »( طرح التثريب). ويقصد بالناس «أهل الحق».
وما أجمل ما قال ابن قدامة المقدسي في لمعة الاعتقاد عن تلك الألفاظ التي توهم التشبيه في حملها على الحقيقة اللغوية حيث قال : « وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل، والتشبيه، والتمثيل وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظًا، وترك التعرض لمعناه، ونرد علمه إلى قائله، ونجعل عهدته على ناقله اتباعًا لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين بقوله سبحانه وتعالى ‏‏: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله : {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ }،فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم ثم حجبهم عما أملوه وقطع أطماعهم عما قصدوه بقوله سبحانه وما يعلم تأويله إلا الله ‏.‏
قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول النبي ﷺ : "إن الله ينزل إلى سماء الدنيا، وإن الله يرى في القيامة". وما أشبه هذه الأحاديث نؤمن بها ونصدق بها لا كيف، ولا معنى، ولا نرد شيئا منه، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق، ولا نرد على رسول الله ﷺ ، ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ونقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه، لا نتعدى ذلك ولا يبلغه وصف الواصفين، نؤمن بالقرآن كله، محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت ولا نتعدى القرآن والحديث ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول ﷺ وتثبيت القرآن.‏ قال الإمام أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه آمنت بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله ‏.‏
وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله ‏»( لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد)
حقيقة انتساب الأشاعرة لأبي الحسن :
قد يقول بعضهم : إذا كان الأشاعرة على مذهب أهل السنة فلماذا لا يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة ؟ ولماذا ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري ولا ينتسبون في اعتقادهم إلى النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه ؟
وهذه الشبهة لا تطرأ على أهل العلم، وإنما تطرأ على ضعاف العقول وعوام الناس؛ لأن أهل العلم يعلمون أنه لا مشاحة في الاصطلاح، فالذي يحكم بين أن هذا مذهب حق أو باطل الأدلة وليس المسمى.
ونقول إن الأشاعرة انتسبوا إلى أبي الحسن الأشعري؛ لأن عندما اختلف الناس وظهر المبتدعة ممن أساءوا الأدب مع الله ورسوله وكلهم زعموا أن هذه هي عقيدة النبي ﷺ وأصحابه، فكان لازمًا على المعتقد بعد ظهور الفرق أن يحدد هو على عقيدة النبي ﷺ وأصحابه كما بينها أبو الحسن الأشعري، فأبو الحسن الأشعري لم يبدع مذهبًا في الاعتقاد، وإنما قرر مذهب أهل السنة والجماعة، وذلك ما صرحه به السبكي حيث قال : « واعلم أن أبا الحسن الأشعري لم يبدع رأياً ولم يُنشئ مذهبًا؛ وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله ﷺ فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقا وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه فصار المقتدي به في ذلك السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريًا»
ثم قال بعد ذلك ما يؤكد كلامه فقال : « قال المآيرقي المالكي: ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلسان أهل السنة؛ إنما جرى على سنن غيره، وعلى نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجة وبيانًا، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبا به، ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك، ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له مالكي، ومالك إنما جرى على سنن من كان قبله وكان كثير الاتباع لهم، إلا أنه لما زاد المذهب بيانا وبسطا عزي إليه، كذلك أبو الحسن الأشعري لا فرق، ليس له في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه وما ألفه في نصرته »( طبقات الشافعية).
ويقول التاج السبكي : «وهؤلاء الحنفية، والشافعية، والمالكية، وفضلاء الحنابلة في العقائد يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجـماعة يدينون لله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمه الله، ... ثم يقول بعد ذلك: « وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة »( معيد النعم ومبيد النقم).
وقال العلامة ابن عابدين : « (قوله : عن معتقدنا) أي عما نعتقد من غير المسائل الفرعية مما يجب اعتقاده على كل مكلف بلا تقليد لأحد، وهو ما عليه أهل السنة والجماعة وهم الأشاعرة والماتريدية، وهم متوافقون إلا في مسائل يسيرة أرجعها بعضهم إلى الخلاف اللفظي كما بين في محله»(«حاشية ابن عابدين»).

ولذلك كله إذا قلنا إن عقيدة النبي ﷺ وأصحابه هي عقيدة الأشاعرة سيكون ذلك تقريرًا للواقع، كما قيل عن النبي ﷺ كانت أغلب قراءته نافع، رغم أن نافع لم ير النبي ﷺ ونافع هو الذي يقرأ مثل النبي ﷺ وليس العكس، ولكن لما كان نافع جامعًا منقحًا لتلك القراءة نسبت إليه وقيل : «إن أغلب قراءة النبي ﷺ نافع» وعليه فيصح أن تقول: «إن عقيدة النبي ﷺ وأصحابه هي عقيدة الأشاعرة ».
تبين مما سبق أن اعتقاد السلف هو الإقرار والإمرار دون التعرض للمعنى اللغوي الذي يوهم التشبيه، كما صرح بذلك الإمام الشافعي والإمام أحمد وغيرهم، وهذه هي عقيدة الأشاعرة، والله تعالى أعلى وأعلم.
كل التفاعلات:
٥٫٥ ألف

الخميس، 2 مايو 2024

السفر لزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام من وسائل الشرك - صالح الفوزان



درجة حديث (ينزل الى قبره الشريف سبعون ألف ملك فإذا جاء الليل صعدوا ونزل مكانهم سبعون الف اخرين.)




ينزل الى قبره الشريف سبعون ألف ملك فإذا جاء الليل صعدوا ونزل مكانهم سبعون الف اخرين والفوزان يقول إن زيارته شرك!

 

درجة حديث (ما من فجر يطلع..)


   

السؤال

فضل الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) الجهضمي درجة صحة هذا الحديث، حدثنا معاذ بن أسد قال ثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا ابن لهيعة حدثني خالد بن يزيد عن سعيد ابن أبي هلال عن منبه بن وهب أن كعبا دخل على عائشة فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كعب ما من فجر يطلع إلا وينزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط سبعون ألفاً حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم فيصلون على النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفاً بالليل وسبعون ألفاً بالنهار حتى إذا انشقت الأرض خرج في سبعين ألفاً من الملائكة يزفونه [86 ] فضل الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) الجهضمي؟

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

الأثر المذكور صحيح الإسناد على ما ذكره الألباني رحمه الله في تحقيقه لكتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالأثر المذكور رواه إسماعيل بن إسحاق الجهضمي القاضي المالكي بالسند المذكور في كتابه: فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عنه الألباني في تحقيق هذا الكتاب صحيح الإسناد، كما رواه البيهقي في شعب الإيمان وأبو نعيم في حلية الأولياء وابن كثير في التفسير وفي الفتن والملاحم عن طريقهما، ولم يعلق عليه. وللمزيد من الفائدة عن فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء فيها انظر لذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 79701، 97628.
للمزيد 
للمزيد ... انقر هنااااا




الأربعاء، 1 مايو 2024

ما لا يعرفه أكثر الناس عن رحمة الله ويُسر الدين !

 #ما_لا_يعرفه_أكثر_الناس_عن_رحمة_الله_ويُسر_الدين

اللهم إنا نسألك الجنة ونعيمها، وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل

#فكرة_المقال: إني واثق أن من يقرأ هذا المقال المليء بنصوص البشرى والرحمة ويُسر الدين ستتغير نظرته جذريا عن الشريعة الإسلامية، وسيطمع كل قارئ مهما كان مذنبا أو مقصرا في رحمة الله ليعلم أن دخول الجنة ليس بذاك الأمر الصعب الذي يتخيله الناس، ولن أكثر من ذكر آرائي الشخصية في المقال وإنما سأجعل الغالبية الساحقة للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية وتفسيرات الصحابة والعلماء القدامى، وصحيح أن المقال طويل إلا أنه يمكن قراءته على دفعات، وقد لا يملّ القارئ منه إلى أن ينهيه لما يراه من أحاديث وتفسيرات للصحابة والعلماء قد يسمع بها لأول مرة في حياته، تدخل السرور إلى القلب وتجعل الإنسان مستبشرا بمصيره في الآخرة.
هناك نظرة سوداوية مشوهة عن الله عز وجل تجعل كثيرا من الناس يحسون أن الله "وحاشاه" يحب تعذيب البشر وما خلقهم إلا لذلك بينما يقول الله عز وجل مكذّبا هذه النظرة ((مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)) أي أن الله يخبرنا بأن الأصل أنه لا يحب تعذيب مخلوقاته ولا فائدة تُرجى من ذلك وإنما التعذيب هو حالة استثنائية تكون لمن يستحقه، وعندما نعرف رحمة الله الواسعة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها ((لله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها)) نعلم أنه لا يعذب إلا من يستحق فعلا التعذيب.
والأصل أن الله خلق آدم للجنة ثم أخرجه منها ليتأهل لها ثم أعاده فيها، ولو أنه خلق الإنسان للنار أصالة لوضع آدم فيها أول الأمر بدل أن يضعه في الجنة.
مما يعني أن المحروم من الجنة هو الجاحد المستكبر الصاد عن سبيل الله أو المعرض عنه وهذا الذي لا يدخل الجنة أبدا، ثم يأتي من لم يتأهل بعد لدخول الجنة بعد اختبار الدنيا فيتأدب في النار لفترة مؤقتة قبل دخوله الجنة وهذا أيضا لا يصح إلا فيمن ظلم الناس وفعل الكبائر ثم لم يتب أو لم يغفر الله له، أما من اجتنب الكبائر فإن الله وعده بتكفير سيئاته قائلا ((إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما)) وقال الله ((ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ))،
روى الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ((زنى العينين : النظر ، وزنى الشفتين : التقبيل ، وزنى اليدين : البطش ، وزنى الرجلين : المشي ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ، فإن تقدم بفرجه كان زانيا ، وإلا فهو اللمم)) وروى عن ابن عباس رضي الله عنه قال : ((ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدركه ذلك لا محالة ، فزنى العينين النظر ، وزنى اللسان المنطق ، والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه))
وروى الطبري أيضا عن عبد الرحمن بن نافع الذي يقال له ابن لبابة الطائفي قال : سألت أبا هريرة عن قول الله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : ((القبلة ، والغمزة ، والنظرة والمباشرة ، إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل ، وهو الزنى)) وروى الطبري عن ابن عباس أنه قال :((اللمم : ما دون الحدين : حد الدنيا والآخرة)) قلت صهيب: أي يقصد كل ما لم يذكر في القرآن ولا في السنة له حدا في الدنيا كالجلد للزاني أو قاذف المحصنات أو قطع اليد أو القتل قصاصا ...إلى آخره، ولم يذكر له في الآخرة عذاب خاص كأن يتوعد فاعل ذلك الذنب بوعيد في الآخرة كقول الله (( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين فما لهم عن التذكرة معرضين )) وكذلك قول الله ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) وغير ذلك من الأحكام التي ورد في النهي عنها وعيد خاص في الآخرة.
روى الطبري عن ابن عباس قوله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) قال : ((كل شيء بين الحدين ، حد الدنيا وحد الآخرة تكفره الصلوات ، وهو اللمم ، وهو دون كل موجب ; فأما حد الدنيا فكل حد فرض الله عقوبته في الدنيا; وأما حد الآخرة فكل شيء ختمه الله بالنار ، وأخر عقوبته إلى الآخرة)).
وروى الحاكم بسند صححه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفا أنه سئل ما اللمم؟ فقال: ((كل شيء ما لم يدخل المرود في المكحلة، فإذا دخل فذلك الزنى)).
روى أحمد وأبو داود وابن حبان والدارقطني وغيرهم في قصة الأسلمي الذي زنا وأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مقرا بالزنى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنكتها ؟ قال نعم: قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها، كما يغيب المرود في المكحلة، والرشا في البئر؟ قال: نعم....إلى آخر الحديث)).
وقد يستغرب قارئ هذا الحديث اليوم من استعمال النبي صلى الله عليه وسلم لفظا يُعدّ اليوم لفظا فاحشا، والجواب أن ما جعله الناس فاحشا اليوم لم يكن بالأمس كذلك بل كان من لغة العرب، وكان استفصال النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ له معنى فهو أراد التفريق بين اللمم الذي يُعد من الصغائر ولا يوجب الحد وبين ما يوجب الحد من الزنا فلذلك أكّد على السائل وحتى بعد أن أجابه زاد وقال (كما يغيب المرود في المكحلة) لأن ما يوجب الحد ويكون فيصلا بين الزنا الذي يعدّ كبيرة وبين اللمم الذي يعد صغيرة ولا يوجب الحد هو ما شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بغياب المرود في المكحلة، [أي إيلاج الفرج في الفرج].
ثم بعد أن نقل الطبري نقولات كثيرة حول تفسير معنى اللمم في الآية قال: ((وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال " إلا " بمعنى الاستثناء المنقطع ، ووجه معنى الكلام إلى ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) بما دون كبائر الإثم ، ودون الفواحش الموجبة للحدود في الدنيا ، والعذاب في الآخرة ، فإن ذلك معفو لهم عنه ، وذلك عندي نظير قوله جل ثناؤه : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) فوعد جل ثناؤه باجتناب الكبائر ، العفو عما دونها من السيئات ، وهو اللمم الذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " العينان تزنيان ، واليدان تزنيان ، والرجلان تزنيان ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه " ، وذلك أنه لا حد فيما دون ولوج الفرج في الفرج ، وذلك هو العفو من الله في الدنيا عن عقوبة العبد عليه ، والله جل ثناؤه أكرم من أن يعود فيما قد عفا عنه ، كما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واللمم في كلام العرب : المقاربة للشيء ، ذكر الفراء أنه سمع العرب تقول : ضربه ما لمم القتل يريدون ضربا مقاربا للقتل)) انتهى كلام الطبري.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله ((فإن قيل: فهل تبيح الشريعة مثل ذلك، قيل: إذا تعين طريقا للدواء، ونجاة العبد من الهلكة، لم يكن بأعظم من مداواة المرأة للرجل الأجنبي ومداواته لها، ونظر الطبيب إلى بدن المريض ومسه بيده للحاجة، وأما التداوي بالجماع فلا يبيحه الشرع بوجه ما، وأما التداوي بالضم والقبلة فإن تحقق الشفاء به كان نظير التداوي بالخمر عند من يبيحه، بل هذا أسهل من التداوي بالخمر، فإن شربه من الكبائر، وهذا الفعل من الصغائر، والمقصود أن الشفاعة للعشاق فيما يجوز من الوصال والتلاق سنة ماضية وسعي مشكور)) [كتابه روضة المحبين ص: 379]
قلت صهيب: فإن تساءل القارئ ما سبب ذِكر قضية اللمم في مقال متعلق برحمة الله كان الجواب: ذلك لأن المشتهر بين الناس اليوم لما رأوا من خطاب الترهيب المحض المعاصر خرج عن الخطاب العلمي الشرعي الذي كان زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى دفع الناس إلى اليأس من رحمة الله، واليأس يدفع الإنسان إلى استباحة كل شيء دفعة واحدة مادام يرى دخول الجنة مستحيلا، وقد يقال [لماذا تثير هذه المسألة ولا تكتمها؟] فالجواب [لماذا ذكرها الله في القرآن إن كان يريد كتمانها ؟] ثم إن الله أمر ببيان العلم لا كتمانه فقال تعالى ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ))
وإني أذكر أن هناك من قال لي في الفايسبوك (إني أريد الانتحار) فقلت له تمهل فإن عواقبه في الآخرة وخيمة، فقال (وهل تظنني سأدخل الجنة إن لم أنتحر ؟ أنا في كل الأحوال داخل للنار) فقلت له ما الذي فعلته لكي تضمن لنفسك النار ؟ إنك تعلم أني لا أعرفك ولا تعرفني وأنك تكلمني من وراء شاشة الفايسبوك بحساب وهمي فلا بأس أن تصارحني لأساعدك في النصيحة، أجبني عن أسئلتي بصدق: أولست مسلما ؟ قال: أنا مسلم والحمد لله، فقلت له: أمارستَ سحرا ؟ قال لا، قلت أذهبت لكاهن أو عراف أو ساحر ؟ قال لا، فقلت هل قتلتَ نفسا ؟ قال لا، قلت أعذّبت نفسا ؟ قال لا، قلت أسرقت مالا أو أكلت حق غيرك ؟ قال لا، قلت أتسببت في سجن شخص بريء ؟ قال لا، قلت له: أأنت مدمن على الخمر أو المخدرات ؟ قال لم أذق أيا منها في حياتي، قلت فما هو ذنبك الذي جعلك تيأس ؟ أأنت عاق لوالديك ؟ أتشهد الزور ؟ قال لا، قلت: أتأكل لحم الخنيز أم تأكل مالا حراما ؟ أتلعب القمار ؟ قال لا أفعل أيا من هذه "أعوذ بالله" قلت له "إذًا فيبدو أنك خفت من الزنا، أتمارس الزنا ؟" قال "لا أبدا"،
قلت: فما بك ضمنت النار لنفسك ؟ ماذا فعلت تحديدا ؟ فقال: ((أنا يا أستاذ صهيب مقصر في صلاة الجماعة، ولا أعفي لحيتي، كما أن إزاري أسفل الكعبين ولست ملتزما في غض البصر)) فقلت له: لو تولت أمك حسابك أكانت لتدخلك النار من أجل ما ذكرت ؟ قال "لا" قلت: لماذا ؟ قال لأن أمي تحبني وهي رحيمة بي، فقلت له قال النبي صلى الله عليه وسلم ((لله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها)) واعلم أن الرحمة التي وزّعت على كل الخلائق بمن فيهم أمك وأمي وأمهات البشر والجن والحيوانات والحشرات والمخلوقات التي لا نعلمها لو اجتمعت جميعا فهي رحمة من مائة رحمة ألقى واحدة في الدنيا وأمسك عنده 99 رحمة للآخرة أي أني عندما أقول بأن الله أرحم بك من أمك فإني لا أقصد أنه أرحم منها بنسبة قليلة أو بمجرد الضعف وإنما رحمة الخلائق مجتمعة ببعضها تصل إلى نسبة 1% من رحمة الله بخلقه، أي بك وبي وبأمك وكل الخلائق، فهل تعتقد بعد كل هذا الكلام أنك ضامن للنار ؟
ثم إن المسائل التي ذكرتَها غير مجمع على تحريمها إلا مسألة غض البصر فهي محرمة على تفصيلٍ واختلاف بين العلماء في المحرم منها ومع ذلك فهي من الصغائر، أما اللحية فمختلف في حكمها ما بين مجيز لحلقها كالشافعية وما بين محرم لحلقها والمحرمون اختلفوا أيراد بالحديث مطلف الإعفاء أم الإعفاء المطلق وإن أريد الأول فهل لها حد شرعي أم عرفي أم صُوَري فمنهم من أجاز التخفيف منها بشرط ألا تحلق بالكلية ومنهم من حدها بالقبضة أما أصحاب القول الثاني فهم الذين أوجبوا إعفاءها بإطلاق والراجح عندي هو جواز حلقها كما ذهب لذلك الشافعية، وأن الإعفاء بغض النظر عن كون المراد منه الوجوب أم الاستحباب أم الجواز فإن المراد مطلق الإعفاء لا الإعفاء المطلق، وكذلك الإسبال اختلف فيه هل المحرم الإسبال للخيلاء أم لغير الخيلاء والراجح أن المحرم هو الإسبال للخيلاء أما لغير خيلاء فاختلف العلماء ما بين قائل بالجواز والكراهة والتحريم، والأجرح عندي هو الجواز لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ((لستَ من يفعل ذلك من خيلاء))، وأما صلاة الجماعة فمِن الفقهاء من رآها فرض كفاية ومنهم من رآها مستحبة ومنهم من قال بوجوبها والأرجح عندي أنها فرض كفاية مستحبة للأعيان، فإن كان هناك من أداها سقطت عن الجميع وكان المشارك فيها أعلى أجرا من مصليها في البيت وإن لم يؤدها أحد وقع الذنب على الجميع.
وأما غض البصر فإني لستُ أشجع على عدم غض البصر فلا شك أنه أزكى للنفس، وهو محرّم على كل حال، ولكن هل عدم غضك للبصر يعني اليأس من رحمة الله إلى درجة أن تستسلم وتساوي بين ذلك وبين الانت*حار ؟ هذه نتائج الترهيب المفرط التي تسبب للناس الاكتئاب وسوء الظن بالله عز وجل.
فإن كنت ترى أسلوبي ومنهجي غريبا ومتساهلا فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما هو أكثر تساهلا منه لمن فعل ذنبا أعظم من ذنبك فعن أنس رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال:(( يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه عليّ، ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم، فحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال ـ أي الرجل ـ : يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم فيّ كتاب الله، فقال صلى الله عليه وسلم: " أليس قد صليت معنا؟ " قال: بلى. قال: " فإن الله قد غفر ذنبك)). [رواه البخاري ومسلم].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن رجلا أذنب ذنبا , فقال : يا رب , إني أذنبت ذنبا فاغفره . فقال الله : عبدي عمل ذنبا , فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , قد غفرت لعبدي , ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب , إني عملت ذنبا فاغفره . فقال تبارك وتعالى : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , قد غفرت لعبدي . ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب , إني عملت ذنبا فاغفره لي . فقال عز وجل : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , قد غفرت لعبدي , ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب , إني عملت ذنبا فاغفره . فقال عز وجل : عبدي علم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , أشهدكم أني قد غفرت لعبدي , فليعمل ما شاء)). [رواه مسلم].
وفي رواية للبخاري قال الله ((غفرت لعبدي لثلاثا فليعمل ما شاء)).
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله عز وجل مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة)).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه الأحمق في معيشته، والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه، والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه)) [رواه الطبراني]
عَنْ أَبِي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لقد أُرِيتُ رجلًا يتقلَّبُ في الجنَّةِ في شَجَرةٍ قطعَها مِنْ ظَهْرِ الطريقِ، كانت تُؤذِي المسلِمينَ)). [رواه مسلم]
وعن أبي هريرة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نزَعَ رجلٌ لم يَعْمَلْ خيرًا قطُّ غُصْنَ شوكٍ عن الطريقِ، إما كان في شجرةٍ فقَطَعَه وألقاه ، وإما كان موضوعًا فأَماطَه، فشَكَرَ اللهَ له بها؛ فأدَخَلَه الجنةَ)) [رواه أبو داوود، وصححه الألباني].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ: فإذا ماتَ فَحَرِّقُوهُ واذْرُوا نِصْفَهُ في البَرِّ، ونِصْفَهُ في البَحْرِ، فَواللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عليه لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا لا يُعَذِّبُهُ أحَدًا مِنَ العالَمِينَ، فأمَرَ اللَّهُ البَحْرَ فَجَمع ما فِيهِ، وأَمَرَ البَرَّ فَجَمع ما فِيهِ، ثُمَّ قالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قالَ: مِن خَشْيَتِكَ وأَنْتَ أعْلَمُ، فَغَفَرَ له)) [رواه البخاري]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((إن رجلاً لم يعمل خيرًا قطُّ ، وكان يُدايِنُ الناسَ ، فيقولُ لرسولِه:خذ ما تَيسَّرَ واتركْ ما عَسُرَ ، وتَجاوزْ لعل اللهَ تعالى، أن يتجاوزَ عنا، فلما هلك قال اللهُ عز وجل له:هل عَمِلتَ خيرًا قطُّ؟ قال:لا إلا أنه كان لي غلامٌ وكنتُ أُداينُ الناسَ ، فإذا بعثتُه ليتقاضى، قلتُ له: خذ ما تَيسَّرَ، واترك ما عَسُرَ، وتجاوزْ ، لعل اللهَ يتجاوزُ عنا، قال اللهُ تعالى:قد تجاوزتُ عنك)). [صححه الألباني في صحيح الترغيب]
فزالت أفكار الانت*حار عن ذلك السائل وزادت طمأنينته وحبه لله عز وجل حتى قال (كنت أعبد الله على خوفٍ فصرت أعبده على حبٍّ أيضا وصار لي أمل في الرجاء).

الأحد، 28 أبريل 2024

الثورات العربية هل هي تدمير للبلاد؟!

 الربيع العربي ليس السبب في الخراب


الثورات العربية هل هي تدمير للبلاد؟
يروج أنصار الثورات المضادة وأنصار الحكم الاستبدادي وإعلام الحكومات العربية الرسمي، أن السبب في الدمار السياسي والاقتصادي في بلدان ما يعرف بالربيع العربي، إنما يرجع في الأساس لتلك الثورات ونتيجة مباشرة لها. ولكن ذلك قول ينقصه الحياد وتعوزها المصداقية وما أطلقت مثل تلك الأقوال إلا لدعم الأنظمة القمعية والاستبداية. فالمجازر التي انتشرت في بعض البلاد العربية والدماء التي سالت وما زالت ليست بسبب تلك الثورات. ونحلل فيما يلي بعض الأسباب التي تدفعنا لليقين بأن الثورات العربية ليست هي السبب في ذلك الدمار، بل هي ربما تكون الفرصة الوحيدة للخروج من حمام الدماء الذي حل بالدول العربية.
1 – هناك دول حدث بها انهيارات سياسية واقتصادية واجتماعية رغم أنها لم تقم بها ثورات بل حدث ذلك أيضًا قبل الربيع العربي بسنوات مثل الحروب الأهلية في لبنان في سبعينيات القرن العشرين والحروب الأهلية في السودان منذ ثمانينيات القرن الماضي، سواء في الجنوب أو في الغرب، والتي أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من السودانيين. وهناك الانقسام والانهيار الذي حدث في الصومال، وهناك العشرية السوداء في الجزائر والتي استمرت فيها الحرب الأهلية لمدة عشر سنوات بدأ من يناير 1992 والتي كانت نتيجة لرفض الجيش الجزائري ما أسفرت عنه الانتخابات الديمقراطية من فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فألغيت نتائج الانتخابات، وسيطر على السلطة وقمع المعارضة مما أسفر عن حرب أهلية استمرت عشر سنوات، قتل فيها ربع مليون جزائري، وكانت كثير من الجرائم يقوم بها الجيش ثم ينسبها للمعارضين أو الإرهابيين ليستمر الخوف وتبرير الجرائم التي يقوم بها الجيش، وفي نفس الوقت كانت هناك جرائم يقوم بها المعارضون بالفعل ردًا على جرائم الجيش أو ردًّا على ما يعتقدون أنه استيلاء للجيش على السلطة، بعد أن قبلوا وسلكوا طريق الديمقراطية والاحتكام للشعب. كما أن العراق الذي يشهد بصورة يومية مجازر بحق المسلمين السنة والذي سيطرت إيران الشيعية على الحكم فيه وساندت حكومة طائفية تقصي المكون السني وتمكن المكون الشيعي والكردي. كما سيطر الأكراد على إقليم كردستان في الشمال وسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على الوسط. هذا الانهيار الحادث في العراق لم يكن نتيجة ثورة من ثورات الربيع العربي بل نتيجة للغزو الأمريكي بمباركة ودعم الأنظمة العربية القائمة.
2- كانت تونس رائدة ثورات الربيع العربي وشرارة انطلاقها ومع ذلك لا دماء سألت فيها ولا انهيار ًا عسكريًّا ولا اقتصاديًّا بها وما زالت أكثر استقرارًا من كثير من البلدان التي لم يقربها الربيع العربي.
3-يمكن القول أيضًا أن ثورات الربيع العربي كانت كلها سلمية تمامًا في بداياتها، وكانت عبارة عن مظاهرات سلمية تمامًا أقرب للمثالية لولا قمع الأنظمة لها واستخدامهم أقصى ما يملكون من القوة العسكرية للقضاء على تلك الثورات. وهذا يعني أن سبب الخراب والدمار الذي حل ببلدان الربيع العربي ليس الثورات وإنما الأنظمة القمعية والاستبداية واستخدامها للقوة القاتلة في مواجهة الشعوب.
4 – هناك أنظمة خليجية استثمرت المليارات للتحالف مع قوى الثورة المضادة وفلول الأنظمة التي ثارت عليها الشعوب وباركت سفك الدماء خاصة في مصر وبصورة أقل وضوحًا في تونس.
5 – وكانت الثورة السورية في بدايتها سلمية تمامًا كما حدث في تونس ومصر، وكان المتظاهرون ينشدون الأناشيد في مظاهراتهم، وكان قرار الجزار باستخدام كافة أسلحة جيشه بما فيها الطائرات الحربية والدبابات لمواجهة المتظاهرين العزل مما دفع كثير من قواته لرفض قتل المتظاهرين والانشقاق على بشار الأسد وكان تدخل دول الخليج في سوريا على خلاف سياستها في العداء للثورات العربية فدعمت قوى الثورة ضد بشار، ولكن في حدود أن تدعم هذه القوى بما يكفي لمناكفة بشار وبالقدر الذي لا يسمح للثوار بنصر حاسم.
٦ – وفي اليمن قامت ثورة سلمية أيضًا وتدخلت السعودية ودول الخليج لتفريغها من مضمونها عبر تخلي علي عبدالله صالح عن الحكم لنائبه عبدربه منصور هادي، ليذهب رأس النظام مقابل بقاء النظام، ولكن بعدها قام الحوثيون بانقلاب على منصور هادي وتحالفوا مع المخلوع علي عبد الله صالح الذي تبين أنه يمتلك جيشًا كاملًا يستخدمه اليوم لهدم اليمن، فإما أن يكون هو الرئيس ثم يورث الحكم لابنه وإما تُدمر البلاد ويقتل العباد.
7- وفي ليبيا كان تدخل الغرب عسكريًّا وتزويد الثوار بالسلاح للتخلص من القذافي ومع كثرة السلاح والانقسام في البلاد بين مناطقها الغربية والشرقية والجنوبية ومحاولة حفتر بدعم مصري إماراتي غربي الاستيلاء منفردًا على السلطة وإقصاء الإسلاميين تمامًا من المشهد الليبي كل ذلك كان سببًا في تحويل ليبيا إلى ما يشبه الحرب الأهلية أو شيء قريب من ذلك.
8 – أما في مصر كنانة العرب فكانت ثورتها سلمية تمامًا بصورة أقرب للمثالية، رغم محاولة جرجرة الثوار للعنف بداية من موقعة الجمل ولكن بتنحي مبارك نظف شباب الثورة ميدان التحرير ثم عادوا لبيوتهم. ولم يكن العنف الذي حدث في مصر غالبًا إلا من السلطة القائمة والدولة العميقة التي أسسها عسكر 23 يوليو ويكفي النظر لشهداء الثورة وأعداد من قُتلوا منذ ثورة يناير لنتبين أن معظمهم قتلوا إما على يد الجيش أو الشرطة. أما ما يحدث في سيناء من حوادث إرهابية يومية يسقط فيها الجنود المصريين الأبرياء فهو نتاج تنظيم إرهابي يكفر الدولة ويكفر الثوار أيضًا والمستفيد الوحيد من الإرهاب في سيناء إما الصهاينة الذي لا يريدون تنمية في سيناء ويريدون إخلاءها من سكانها بقدر الاستطاعة وهناك نظم في مصر وخارجها تستغل ما يحدث في سيناء لتبرير قمع شعوبها بزعم الحرب على الإرهاب.
مما سبق يتضح أن ثورات الربيع العربي لم تكن أبدًا سببًا في الخراب، بل نستطيع الجزم بأن الحرية وسيادة الشعب فعليًّا هي الباب الأكبر للرخاء والأمن. كما أن الخراب الذي حل بكثير من الدول العربية ليس سببه الثورات، بل يمكن أن نقول مطمئنين أن سببه هو الاستبداد والقمع وقهر الشعوب والعمالة والتبعية للغرب. ولو نظرنا للدول التي تتمتع شعوبها بالحرية والديمقراطية لوجدناها أكثر الدول أمنًا ورخاء واستقرارًا أيا كان موقعها على الكرة الأرضية.