الخميس، 29 نوفمبر 2018

معاني الأمر في الكتاب والسنة












معاني الأمر      في الكتاب والسنة












الأمر في الكتاب والسنة ،  ليست في درجة واحدة !

1 - فهناك أوامر تفيد الوجوب : (  وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاة ) . فالصلاة والزكاة هنا واجبتان.

2 - وهناك أوامر تفيد الإباحة : (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) . (  فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّه ) .

فهل الصيد بعد التحلل من الإحرام ، واجب لأنه أُمِرنا به ؟ وهل التجارة بعد صلاة الجمعة ، واجبة لأنها أُمِرنا بها ؟ أم أنّ الأمر هنا يفيد الإباحة ، وعدم الإثم ؟

3 - وهناك أوامر تفيد الإرشاد : (  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْل  ) .

فهل كتابة الدَين واجبة ، لأنها أُمِرنا بها ؟
الجواب : لا طبعاً ، بدليل أن الله تعالى ، قال بعدها : (  فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَه  ) .
فهنا الأمر يفيد الإرشاد .

4 - وهناك أوامر تفيد التأديب : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» !

لماذا لا يفيد الوجوب ؟ الجواب : لأن الغلام غير مكلّف .

5 - وهناك أوامر تفيد التخيير ، وفي نفس الوقت هي تهديد وتخويف ، وهو أمر اختيار بين شيئين لا يجمع بينهما ! :  (  وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ  فَلْيَكْفُر ) .

فهل الكفر هنا واجب ، لأن الله تعالى أمر به ؟ ! أم هو تهديد ، وتخويف ؟

6 - وهناك أوامر تفيد التمني ؛ حيث الخطاب يتضمن أمراً محبباً ، ويمتنع وقوعه لعدم الإمكانية ، أو يدخل في حيز المستحيل . لأن التمني من لوازم الإمتناع !

(  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِين ) .
فهل الكافرين يأمرون الله تعالى ، ويوجبون عليه أن يريهم المُضلّين ، ويحقق أمنياتهم ؟ ! أم أمرهم هنا يفيد التمني فقط ؟

7 - وهناك أوامر تفيد التحقير : الأمر للمخاطب للتقليل من شأنه . كقول الشاعر
دع المكارم لا ترحل لبغيتها        واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فهل يأمر الشاعر المُخاطَب بترك المكارم ، والقعود عن طلبها ، ويصفها بالغنى واليسار ؟
أم أنه يحتقره ، ويهينه ، ويقول له : لا تتعب نفسك ، فأنت لستَ مـن أهـل المكارم ، بل أنت مشغول فقط بالأكل والثياب الجميلة ، حالك حال المرأة ؟ !

8 - وهناك أوامر تفيد التسوية ، إذا كان المخاطب لا يكترث فيما إذا حصل الفعل أو عدمه : (  اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) .

فهنا لا يؤمرون بالصبر ، بل يُقال لهم : لا فرق بين صبركم ، وجزعكم ، فأنتم في كلا الحالتين تُعذّبون ؟ ! فالأمر هنا لا يفيد الوجوب .

9 - وهناك أوامر تفيد التهديد : (  ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُون  ) .      (  لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُون ) . (  إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) .

فهل يأمر الله تعالى ، هنا النبيّ r ، بترك دعوة الكفّار إلى الإسلام ، ليأكلوا ويتمتّعوا ، ويشغلهم الأمل ، عن التفكر في عاقبتهم ؟ أم هذا تهديد لهم ؛ حيث إن هذا هو حالهم ، فسوف يواجهون عقاباً أليماً ، على كفرهم هذا ، وإهمالهم لمصيرهم ؟

وهل يأمر الله تعالى الملحدين – هنا – بعمل ما يشاؤون ، حسب أهوائهم ، ولا شيء عليهم ، أم هذا تهديد شديد لهم ؟
 
10 - وهناك أوامر تفيد الدعاء : (  رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار ) . (  رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار ) .

فهل العباد الصالحين يأمرون الله تعالى ، هنا ، ويوجبون عليه ، سبحانه ، أن يؤتيهم الحسنة ، في الدنيا والآخرة ، ويقيهم عذاب النار ، أم يتوسّلون ، ويدعونه ، تعالى أن يرحمهم ، بلطفه وكرمه ؟


11 - وهناك أوامر تفيد النصيحة والإرشاد ، إذا كان الخطاب موجّه من شخص أعلى منزلة ويتضمن معنى وعظي وإرشادي ، كخطاب الرسل إلى أتباعهم : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُم ) .

12 - وهناك أوامر تفيد الإلتماس ، إذا كان الخطاب يتضمن أمراً إلى المتكلم المثيل والند ، والذي يتساوى معه في المنزلة والشأن : ( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا  ) .

فهل بعضهم ، هنا يوجبون على بعضهم ، ويفرضون عليهم ، أن يبعثوا أحدهم ليأتيهم بالطعام الزكي ، والتلطف ؛ حتى لا يشعر بهم أحد ، أم هو إلتماس منهم ؟

13 - وهناك أوامر تفيد التعجيز ، وذلك إذا استعملت الصيغة في مقام إظهار عجز مَن يرى أن في وسعه وطاقته أن يفعل أمراً ، وليس في مقدوره أن يفعله : (  وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين ) .

14 - وهناك أوامر تفيد التسخير ، أي جعل الشيء مسخّراً منقاداً لأمر لا حيلة له فيه : (  وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِين ) .

فهل الأمر ، هنا يوجب عليهم أن يكونوا قردة خاسيئين باختيارهم ، أم فرض عليهم خارج إرادتهم .

15 - وهناك أوامر تفيد الإهانة ؛ وهي إظهار ما فيه تصغير المهان ، وقلة المبالاة به ، وذلك إذا استعملت الصيغة في مقام عدم الإعتداد بشأن المأمور : (  قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ) .

فليس الغرض : الطلب ! أي : لا يُطلب منهم ، ولا يوجب عليهـم ، أن يكونـوا حجارة أو حديداً . بل هنا تظهر قدرة الله تعالى ، في إحياء الموتى مهما كانوا !
(  ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيم ) .

16 – وهنـاك أوامر تفيد الدوام : (  اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم ) .
فالأمر المراد منه الدوام ، وهو بيان للمعونة المطلوبة ، فكأنه قال : كيف أعينكم ؟ فقالوا : اهدنا

 17 - وهناك أوامر تفيد الإعتبار ، أي : أخذ العبرة :     (  انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .

فليس معنى الأمر هنا : وجـوب النظـر إلـى الثمار . بل الأمر هنا بمعنى : أخذ العبرة بالنظر إليها [ نظر اعتبار واستبصار واستدلال على قدرة مقدّره ومدبره وناقله من حال إلى حال ] ([1]) .

18 - وهناك أوامر تفيد التلهف والتحسر : (  قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ) .
فهل الأمر هنا ، يفيد وجوب الموت ، وفرضه عليهم ؟ أم يفيد اللهفة والحسرة عليهم ؟
19 - وهناك أوامر تفيد التسليم ، حيث يكون اللفظ أمراً . والمعنى تسليم وتفويض بأن يصنع ما يشاء : (  فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ) .
أي : إصنع ما أنت صانع .   
(  ثُمَّ اقْضُوا إِلَي ) . أي : إعملوا ما أنتم عاملون .
فهل المسلمون هنا ، يأمرون فرعون ، ويوجبون ويفرضون عليه القضاء ؟

وهل نوح – عليه السلام – هنا يوجب عليهم المضي فيما أرادوا ، أم يتحدّاهم ؟

20 - وهناك أوامر تفيد الخبر :              (  فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون ) .

فهل الأمر هنا ، يوجب الضحك عليهم قليلاً ، ويفرض عليهم أن يبكوا كثيرا ؟ أم الأمر هنا يفيد الخبر ، عن ما سيؤل إليه حالهم ؟

إلى غيرها من المعاني .

فليس صحيحاً أن يقال : كل أمر يفيد الوجوب . إلّا مع تكملته ، وهي : ما لم تكن هناك قرينة ( أي : دلالة ) تصرفه عن الوجوب !

وهذه الأمور يعرفها العلماء والأئمة ، وليس كل مَن هبّ ودبّ !



([1]) تفسير الكشاف للزمخشري ( 2 / 52 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق