عندما تترك للقرآن زمام قلبك وعقلك وجميع أمرك فيكون هو قائدك وهاديك؛ حينها يكون له بالغ الأثر لا في حياتك فقط، بل وفي نفسك وقلبك ووجدانك أيضا. وهذا ما سنراه مع نماذج من عصرنا عاشت بالقرآن فانظر كيف كانوا.
هم أناسٌ تأثروا بالقرآن وتعاملوا معه كما ينبغي وتركوا زمام قلوبهم لآي القرآن وهديهِ فكان نتاج ذلك أن قادوا العالم بفكرهم وأناروا لنا الدروب. هم أناسٌ عاشوا في كل آية من آيات القرآن يحاولون تدبره وفهمه ويجتهدون لمعرفة السبيل للقرآن، وكيف يكون القرآن دستور دولة، ومنهاج حياة، وسبيل نجاة، ودواءٌ وشفاءٌ لكلِ قلبٍ عليل. هم أناسٌ علموا أن الأصل في خطاب القرآن هو القلب، وأن القلب أمره جلل، وأنه سر من أسرار الله عز وجل في أرضه؛ فعمِلوا على تشريب قلوبهم القرآن وإشباعهم به. هم أناسٌ علموا أن قطع المسافات إلى الله عز وجل تكون بالقلوب لا بالسير بين مقاعد الركبان كما قال ابن القيم-رحمه الله-فاجتهدوا في قطعها كذلك.
نماذج ممن تأثروا بالقرآن فقادت أفكارهم العالم وأناروا لنا الدرب:
سيد قطب
إنّه الكاتب والأديب والمنظر الإسلامي سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي المشهور بـ “سيد قطب”.
يعتبر سيد قطب من أكثر الشخصيات تأثيرًا في الحركة الإسلامية التي وُجدت في الخمسينيات من القرن التاسع عشر. كتب العديد من الكتب وله الكثير من المؤلفات والكتابات حول الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي. عاش سيد قطب حياة مختلفة مع القرآن. فقد عاش حياةً في ظلال القرآن. ولنستمع إلى الكاتب بنفسه ليحكي هو عن حياته في ظلال القرآن.
يقول الإمام سيد قطب:
الحياة في ظلال القرآن نعمة. نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها. نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه. والحمد لله. لقد منَّ عليَّ بالحياة في ظلال القرآن فترة من الزمان، ذقت فيها من نعمته ما لم أذق قط في حياتي. ذقت فيها هذه النعمة التي ترفع العمر وتباركه وتزكيه. وعشت في ظلال القرآن أنظر من علو إلى الجاهلية التي تموج في الأرض، وإلى اهتمامات أهلها الصغيرة الهزيلة. أنظر إلى تعاجب أهل هذه الجاهلية بما لديهم من معرفة الأطفال، وتصورات الأطفال، واهتمامات الأطفال… كما ينظر الكبير إلى عبث الأطفال، ومحاولات الأطفال. ولثغة الأطفال… وأعجب… ما بال هؤلاء الناس؟! ما بالهم يرتكسون في الحمأة الوبيئة، ولا يسمعون النداء العلوي الجليل. النداء الذي يرفع العمر ويباركه ويزكيه؟
ومن أقوال سيد قطب:
أن الجاهلية ليست فتره تاريخيه إنما هي حاله توجد كلما وُجدت مقوماتها في وضعٍ أو نظامٍ وهي في صميمها الرجوع بالحكم والتشريع إلى أهواء البشر لا إلى منهج الله وشريعته للحياة
ونحن نقول: إنما البُعد عن كتاب الله وعدم التأثر أو العمل به، هو أولُ مقومات هذه الجاهلية، إذ عندما يضيع المنهج يُضل الطريق، ويتعثر عليك السير فيه؛ ومن ثم يكون التيه والزيغ والضياع وحينها تتقاذفك الأهواء كيف شاءت!
وقد تكلم الإمام-رحمه الله-كثيرا عن القرآن وكيفية الانتفاع به، والالتزام به على الطريق فقال:
إن هذا القرآن ينبغي أن يُقرأ وأن يُتلقى من أجيال الأمه المسلمة بوعي، وينبغي أن يُتدبر على أنه توجيهات حيّه تتنزّل اليوم لتعالج مسائل اليوم، ولتنير الطريق إلى المستقبل، لا على أنّه مجرد كلام جميل يُرتّل.
وعندما نقرأ القرآن هكذا سنجد عباراته وكلماته وتوجيهاته حيّه تنبض وتتحرك لتشيــر لنا إلى معالم الطريق، وسندرك معنى قوله تعالى” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ “
اقرأ أيضًا: صاحب الظلال.. سيد قطب
محمد إقبال
محمـــد إقبــال إنّه من الأعاجم الذين تأثروا بالقرآن.
لم يزل محـمد إقبال يدعو المسلمين وغير المسلمين إلى تدبر القرآن وفهمه ودراسته والاهتداء به في مشكلات العصر، واستفتائه في أزماتهم، وتحكيمهِ في الحياة والحكم، وجعله دستور حياة ونبراس في الظلمات. ويعتب على المسلمين إعراضهم عن هذا الكتاب الذي يرفع الله به أقوامًا ويضع به آخرين!
اقرأ أيضًا: محمد إقبال .. شاعر الإسلام
جيفري لانج
هو جيفري لانج عالم الرياضيات الأمريكي، درس في المدرسة الكاثوليكية، حصل على الدكتوراه من جامعة بوردو، وهو حاليا أستاذ في قسم الرياضيات في جامعة كنساس.
يقول لانج أنه فقد الإيمان بالمسيحية وعاش على هذا الحال ملحدًا عشر سنين يبحث. إلى أن أُهدي إليه القرآن ذات يوم، فكان القرآن هو معجزة تحوله من الإلحاد إلى الإسلام.
يقول لانج عن القرآن:
القرآن هو الكتاب الذي أسرني بقوة، وتملّك قلبي، وجعلني أستسلم لله، والقرآن يدفع قارئه إلى اللحظة القصوى؛ حيث يتبدَّى للقارئ أنه يقف بمفرده أمام خالقه، وإذا ما اتخذت القرآن بجدية لا يمكنك قراءته ببساطة؛ فهو يحمل عليك وكأن له حقوقا عليك، وهو يجادلك وينتقدك ويُخجلك ويتحداك، وتبين لي جليًا أن الله منزّل القرآن كان يعرفني أكثر من نفسي، لقد كان القرآن هو الذي يسبقني دومًا في تفكـــيري
وأثّر القرآن في فِكـر جيفري وحياته فكان له مؤلفات بعد إسلامه هي: الصراع من أجل الإيمان، حتى الملائكة تسأل، وضياع ديني.
عائشه برجت هوني
نشأت في أسره مسيحيه وشغفت بالفلسفة ثم سافرت كندا لإكمال دراستها، وهناك في الجامعة أُتيح لها التعرف على الإسلام حتى انتهت إليه.
تقول عائشه برجت:
لن أستطيع مهما حاولت أن أصف الأثر الذي تركه القرآن في قلبي، فلم أكد انتهي من قراءة السورة الثالثة من القرآن حتى وجدتني ساجدة لخالقِ هذا الكون، فكانت هذه أول صلاةً لي في الإسلام
مصطفى صادق الرافعي
الشيخ والأديب: هو سوري الأصل، وُلد بقرية بهتيم في مصر. بدأ الرافعي حياته الأدبية في سن لا يتجاوز التاسعة عشر، وكان لقوة ألفاظه وسمو معانيه ودقتها ما يجعلك تشعر أنك تقرأ لشخص عاش في عصر صدر اللغة وأيامها، لا في العصر العشرين؛ فقد تأثر الرافعي بالقرآن تأثرًا شديدًا حتى ظهر ذلك في ثقافته وأدبه ونقده وإبداعه، فكانت السمة الأولى التي تظهر في كتاباته هي الروح الإسلامية.
ومن مؤلفاته ديوان الرافعي، ديون النظرات، تحت راية القرآن، وحي القلم، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، حديث القمر، والمساكين.
هذه نبذه فقط عن نماذج لأشخاص تأثروا بالقرآن فقادت أفكارهم العالم وأناروا لنا الدروب، والنماذج دونها أكثر وأكثر.
ختـــامــــــــًا أيها المسلم!
إن هذا القرآن هو مصدر حياتك ومنبع قوتك؛ فلو فعلت ما فعلت، شرّقت أو غرّبت، طرت أو هبطت لن تجد كتابــًا يشفي عليلًا أو يروي غليلًا كهذا الكتاب الذين بين أيدينا.
إنه القرآن… دستورنا، فإذا أردت حكم وقياده للعالم بأسره فعليك بالقرآن فهو يكفيك ويوفّيك!
إعداد: علياء
المصادر:
مجدي الهلالي، تحقيق الوصال بين القلب والقرآن، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة الطبعة: الأولى، 2008 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق