💥السجود دبر الصلاة للدعاء
السؤال : شيخنا رأيت بعض المصلين إذا أراد أن يدعو الله تعالى بعد الصلاة ، سجد ودعا وهو ساجد ، فهل يجوز ذاك ؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فقد ذهب أكثر أهل العلم على ان السجود دبر الصلاة للدعاء بدعة لا يجوز فعلها ،لأنه كان في صلاة وله الدعاء بعد التشهد وقبل السلام وفي السجود ، ولأن الأصل في العبادات التوقيف إلا بدليل ، والسجود بدون سبب شرعي عبادة تفتقر إلى دليل ،وليس في الشريعة التعبد لله بالسجدة المفردة بلا سبب شرعي، والسبب الشرعي هو سجود السهو أو سجود التلاوة ، أو سجود الشكر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله – في الفتاوى الكبرى [23/94]: (أنكر من هذا ما يفعله بعض الناس من أنه يسجد بعد السلام سجدة مفردة ، فإن هذه بدعة ، ولم ينقل عن أحد من الأئمة استحباب ذلك ،والعبادات مبناها على الشرع والإتباع ، لا على الهوى والابتداع ; فإن الإسلام مبني على أصلين: أن لا نعبد إلا الله وحده ، وأن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا نعبده بالأهواء والبدع) .
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي -رحمه الله -في المنهج القويم: [1/276] (يحرم التقرب إلى الله تعالى بسجدة بلا سبب، ولو بعد الصلاة ).
وأما السجود المفرد من أجل الدعاء في غير دبر الصلوات ،أي السجود المطلق للدعاء في غير الصلاة فقد اختلف العلماء فيه على قولين :
القول الأول : المنع وعدم الجواز، فلم يرد في الشرع ما يدل على جوازه أو استحبابه ، كما لا يجوز التقرب إلى الله بركوع مفرد، وهو قول أكثر أهل العلم، بل الثابت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المتواترة الكثيرة أنه كان يرفع يديه عند الدعاء ، وحث على ذلك ورَغَّب فيه ، فقال : ((إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا)) رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود .فيكون السجود من أجل الدعاء لايجوز، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولأنه يضيع السّنة التي حث عليها النبيّ صلى الله عليه وسلم وهي رفع اليدين عند الدعاء .
وقد أنكر العلماء - رحمهم الله - هذا السجود المفرد ونهوا عنه ، قال الإمام النووي -رحمه الله - في المجموع [4/69]) : لو خضع إنسان لله تعالى فتقرب بسجدة بغير سبب يقتضي سجود شكر ففيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره أحدهما : يجوز، قاله صاحب التقريب ،وأصحهما : لا يجوز ،صححه إمام الحرمين وغيره وقطع به الشيخ أبو حامد . قال إمام الحرمين : وكان شيخي - يعني أبا محمد - يشدد في إنكار هذا السجود ، واستدلوا لهذا بالقياس على الركوع , فإنه لو تطوع بركوع مفردا كان حراما بالاتفاق ; لأنه بدعة ، وكل بدعة ضلالة إلا ما دل دليل على استثنائه , وسواء في هذا الخلاف في تحريم السجدة ما يفعل بعد صلاة وغيره ).
وأما فهم بعضهم من الحديث الذي جاء في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم:(( وأعني على نفسك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة))على انه السجود بدون صلاة ، قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله تعالى- في التلخيص الحبير [2/857]: (حديث ثوبان وأبي الدرداء عليك بكثرة السجود رواهما مسلم واستدل به من قال بجواز التقرب بسجدة فردة ،وحمله المانع على أن المراد به السجود في الصلاة والله أعلم،وهذا غير صحيح بل الذي ذكره العلماء في معنى كثرة السجود أن المقصود بها الصلاة ، ولم يقصد النبيّ صلى الله عليه وسلم حثه على السجود المفرد بدون صلاة ، وإنما حثه على كثرة السجود أي كثرة الصلاة ، وقد استدل بهذا عدد من أهل العلم على تفضيل السجود على بقية أركان الصلاة وذهب بعضهم إلى أن الركوع أفضل وذهب بعضهم إلى أن طول القنوت(القيام) أفضل ولكل دليله ، وتوقف الإمام أحمد فيها لقوة الأدلة لكل قول).
وأما ما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد، فأكثروا الدعاء)). يقصد السجود في الصلاة ، قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم [4/200]:(معناه أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله وفيه الحث على الدعاء في السجود، وفيه دليل لمن يقول إن السجود أفضل من القيام وسائر أركان الصلاة).
القول الثاني : الجواز، لان الدعاء سبب شرعي فيستحب له السجود .
وقد نقل الإمام ابن مفلح الحنبلي في الفروع عن شيخ الإسلام ابن تيمية [2/314] قوله : (ولو أراد الدعاء فعفر وجهه لله بالتراب، وسجد له ليدعوه فيه، فهذا سجود لأجل الدعاء، ولا شيء يمنعه وابن عباس سجد سجودا مجردا لما جاء نعي بعض أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم ،وقد قال عليه السلام: إذا رأيتم آية فاسجدوا وهذا يدل على أن السجود يشرع عند الآيات فالمكروه هو السجود بلا سبب).
وأجيب :أن قوله : ((إذا رأيتم آية فاسجدوا)) المقصود به صلاة الآيات عند حدوث الآيات العظيمة ، فصلاة الكسوف والخسوف هي إحدى صلاة الآيات ،الصلاة للآيات وليس مجرد السجود لها.
قال الإمام المناوي – رحمه الله – في فيض القدير[4/334] : ( لكن قال: المحب الطبري الشافعي الجواز أولى، بل لا يبعد ندبه، فإنها عبادة مشروعة استقلالا فإذا جاز التقرب بها بسبب جاز بغيره كالركعة ،وبه فارقت الركوع فإنه لم يشرع استقلالا مطلقا، قال :والحديث – يقصد حديث وأعني على نفسك بكثرة السجود- يقتضي كل سجود وحمله على سجود في صلاة تخصيص على خلاف الظاهر).
المفتى به :
هو ما ذهب إليه أكثر أهل العلم من عدم جواز السجود المفرد خارج الصلاة للدعاء ،ومن أراد أن يعمل بالقول الثاني وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه في مشروعية السجود في غير الصلاة لمقصد شرعي، ومن ذلك الدعاء، أحيانا فلا بأس، ولكن لا ينبغي أن تتخذ ذلك عادة وتُترك السُّنة، بل يجب الحرص على الدعاء في سجود الصلاة، فهو أكمل وأفضل لثبوته عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ، والله تعالى أعلم
د. ضياء الدين الصالح
السؤال : شيخنا رأيت بعض المصلين إذا أراد أن يدعو الله تعالى بعد الصلاة ، سجد ودعا وهو ساجد ، فهل يجوز ذاك ؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فقد ذهب أكثر أهل العلم على ان السجود دبر الصلاة للدعاء بدعة لا يجوز فعلها ،لأنه كان في صلاة وله الدعاء بعد التشهد وقبل السلام وفي السجود ، ولأن الأصل في العبادات التوقيف إلا بدليل ، والسجود بدون سبب شرعي عبادة تفتقر إلى دليل ،وليس في الشريعة التعبد لله بالسجدة المفردة بلا سبب شرعي، والسبب الشرعي هو سجود السهو أو سجود التلاوة ، أو سجود الشكر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله – في الفتاوى الكبرى [23/94]: (أنكر من هذا ما يفعله بعض الناس من أنه يسجد بعد السلام سجدة مفردة ، فإن هذه بدعة ، ولم ينقل عن أحد من الأئمة استحباب ذلك ،والعبادات مبناها على الشرع والإتباع ، لا على الهوى والابتداع ; فإن الإسلام مبني على أصلين: أن لا نعبد إلا الله وحده ، وأن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا نعبده بالأهواء والبدع) .
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي -رحمه الله -في المنهج القويم: [1/276] (يحرم التقرب إلى الله تعالى بسجدة بلا سبب، ولو بعد الصلاة ).
وأما السجود المفرد من أجل الدعاء في غير دبر الصلوات ،أي السجود المطلق للدعاء في غير الصلاة فقد اختلف العلماء فيه على قولين :
القول الأول : المنع وعدم الجواز، فلم يرد في الشرع ما يدل على جوازه أو استحبابه ، كما لا يجوز التقرب إلى الله بركوع مفرد، وهو قول أكثر أهل العلم، بل الثابت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المتواترة الكثيرة أنه كان يرفع يديه عند الدعاء ، وحث على ذلك ورَغَّب فيه ، فقال : ((إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا)) رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود .فيكون السجود من أجل الدعاء لايجوز، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولأنه يضيع السّنة التي حث عليها النبيّ صلى الله عليه وسلم وهي رفع اليدين عند الدعاء .
وقد أنكر العلماء - رحمهم الله - هذا السجود المفرد ونهوا عنه ، قال الإمام النووي -رحمه الله - في المجموع [4/69]) : لو خضع إنسان لله تعالى فتقرب بسجدة بغير سبب يقتضي سجود شكر ففيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره أحدهما : يجوز، قاله صاحب التقريب ،وأصحهما : لا يجوز ،صححه إمام الحرمين وغيره وقطع به الشيخ أبو حامد . قال إمام الحرمين : وكان شيخي - يعني أبا محمد - يشدد في إنكار هذا السجود ، واستدلوا لهذا بالقياس على الركوع , فإنه لو تطوع بركوع مفردا كان حراما بالاتفاق ; لأنه بدعة ، وكل بدعة ضلالة إلا ما دل دليل على استثنائه , وسواء في هذا الخلاف في تحريم السجدة ما يفعل بعد صلاة وغيره ).
وأما فهم بعضهم من الحديث الذي جاء في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم:(( وأعني على نفسك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة))على انه السجود بدون صلاة ، قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله تعالى- في التلخيص الحبير [2/857]: (حديث ثوبان وأبي الدرداء عليك بكثرة السجود رواهما مسلم واستدل به من قال بجواز التقرب بسجدة فردة ،وحمله المانع على أن المراد به السجود في الصلاة والله أعلم،وهذا غير صحيح بل الذي ذكره العلماء في معنى كثرة السجود أن المقصود بها الصلاة ، ولم يقصد النبيّ صلى الله عليه وسلم حثه على السجود المفرد بدون صلاة ، وإنما حثه على كثرة السجود أي كثرة الصلاة ، وقد استدل بهذا عدد من أهل العلم على تفضيل السجود على بقية أركان الصلاة وذهب بعضهم إلى أن الركوع أفضل وذهب بعضهم إلى أن طول القنوت(القيام) أفضل ولكل دليله ، وتوقف الإمام أحمد فيها لقوة الأدلة لكل قول).
وأما ما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد، فأكثروا الدعاء)). يقصد السجود في الصلاة ، قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم [4/200]:(معناه أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله وفيه الحث على الدعاء في السجود، وفيه دليل لمن يقول إن السجود أفضل من القيام وسائر أركان الصلاة).
القول الثاني : الجواز، لان الدعاء سبب شرعي فيستحب له السجود .
وقد نقل الإمام ابن مفلح الحنبلي في الفروع عن شيخ الإسلام ابن تيمية [2/314] قوله : (ولو أراد الدعاء فعفر وجهه لله بالتراب، وسجد له ليدعوه فيه، فهذا سجود لأجل الدعاء، ولا شيء يمنعه وابن عباس سجد سجودا مجردا لما جاء نعي بعض أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم ،وقد قال عليه السلام: إذا رأيتم آية فاسجدوا وهذا يدل على أن السجود يشرع عند الآيات فالمكروه هو السجود بلا سبب).
وأجيب :أن قوله : ((إذا رأيتم آية فاسجدوا)) المقصود به صلاة الآيات عند حدوث الآيات العظيمة ، فصلاة الكسوف والخسوف هي إحدى صلاة الآيات ،الصلاة للآيات وليس مجرد السجود لها.
قال الإمام المناوي – رحمه الله – في فيض القدير[4/334] : ( لكن قال: المحب الطبري الشافعي الجواز أولى، بل لا يبعد ندبه، فإنها عبادة مشروعة استقلالا فإذا جاز التقرب بها بسبب جاز بغيره كالركعة ،وبه فارقت الركوع فإنه لم يشرع استقلالا مطلقا، قال :والحديث – يقصد حديث وأعني على نفسك بكثرة السجود- يقتضي كل سجود وحمله على سجود في صلاة تخصيص على خلاف الظاهر).
المفتى به :
هو ما ذهب إليه أكثر أهل العلم من عدم جواز السجود المفرد خارج الصلاة للدعاء ،ومن أراد أن يعمل بالقول الثاني وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه في مشروعية السجود في غير الصلاة لمقصد شرعي، ومن ذلك الدعاء، أحيانا فلا بأس، ولكن لا ينبغي أن تتخذ ذلك عادة وتُترك السُّنة، بل يجب الحرص على الدعاء في سجود الصلاة، فهو أكمل وأفضل لثبوته عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ، والله تعالى أعلم
د. ضياء الدين الصالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق