قيمة الإنسان وبين الإسلام والإلحاد
قد أخبر الله تعالى أنه رفع من شأن الإنسان وكرّم بني آدم إذ قال: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَملناهُم في البرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقنَاهُم مِنَ الطّيباتِ وَفَضّلناهُم عَلَى كَثِيرٍ مِمّن خَلّقنا تَفضِيلًا) [الإسراء: 70]، وقال تعالى: (ولَقَد خَلَقنَا الإنسَانَ في أَحسَن تَقويم). [الطين: 4]. وأخبر الله تعالى أنّه خلق كلّ شيء على الأرض للإنسان؛ فقال: (هو الذي خَلَقَ لَكُم مَا في الأَرضِ جَميعًا) [البقرة: 29]. فالإنسان يتبوّأ منزلة عظيمة بين المخلوقات وهو مكرّم في الإسلام أيّما تكريم.
فالمسلم يؤمن أن الله كرّم بني آدم، وخلقهم في أحسن تقويم، وخلق ما في الأرض من أجل الإنسان. وأما الملاحدة فيحصرون الوجود في المادة والطاقة فقط، والكون وكلّ ما فيه مجرّد ذرّات متحرّكة. والإنسان حيوان من الحيوانات وغاية وجوده البيولوجي هو التكاثر فقط؛ قال زعيم الإلحاد الجديد ريتشارد دوكنز: "الكون لا شيء سوى مجموعة من الذرات المتحرّكة، والبشر هم ببساطة: آلات لتكاثر الحمض النووي" [(BBC Christmas Letter Study Guide (1991].
والملاحدة ينكرون وجود الروح ويعتقدون أنّه يمكن تفسير كلّ ما يتعلّق بالوعي تفسيرًا ماديًّا، وأنه منحصر في دماغ الإنسان؛ قال الملحد فرانسيس كريك – عالم الأحياء والحائز على جائزة نوبل –: "أنت وسرورك، وحزنك، وذكرياتك، وطموحاتك، وشعورك بهويتك الشخصية، وإرادتك الحرة، ليس بالواقع سوى سلوك لتجمّع شاسع من الخلايا العصبية وجزئياتها المرافقة" [(The Astonishing Hypothesis: (3].
فما قيمة الإنسان إذا كان هذا حاله إذن؟ ما قيمة هذا الحيوان في كون فسيح مكوّن من ذرّات متحرّكة فقط؟ يجيبكم الملحد ستيفن هوكينج – عالم الكون المشهور – إذ يقول: "الجنس البشري هو مجرّد وسخ كيميائي، موجود على كوكب متوسّط الحجم" [(1995) From the TV show Reality on the Rocks: Beyond Our Ken].
أهمّ نظرية علمية يستند إليها الملاحدة اليوم هي نظرية التطوّر. وهذه النظرية جعلتهم يقلّبون موازين قيمة الإنسان رأسًا على عقب، كما قال مايكل دينتون – عالم الكيمياء الحيوية المشهور بنقد نظرية التطوّر -: "رؤية [داروين] الجديدة الثورية غيّرت العالم ... هي تتضمّن أن كلّ التنوّع للحياة في الأرض كانت نتيجة عمليات طبيعية وعشوائية وليست – كما كان يعتقد قبل ذلك – نتيجة لخلق الإله. قبول هذا الادّعاء الكبير، وما ترتّب عليه من إزالة الإله من الطبيعة لعبًا دورًا حاسمًا في علمنة المجتمع الغربي" [(Evolution: A Theory in Crisis (17]، ثمّ قال في موطن آخر: "النظرية الداروينية هي التي قطعت علاقة الإنسان بالإله ووضعه على قدم وساق في الكون بلا هدف ولا نهاية. وهذا الأمر هو الذي جعل تأثير النظرية أساسيًا. لا توجد ثورة عقلانية في الأزمان الحديثة ... أثّرت بهذا التأثير الكبير على نظرة الإنسان إلى أنفسهم ومكانتهم في الكون". [(Evolution: A Theory in Crisis (67].
وهذه النظرة الداروينية الإلحادية قلّلت من قيمة الإنسان إذ هو فقط حيوان من الحيوانات، لا أقلّ ولا أكثر. وقد عبّر عن ذلك جورج جايلورد سيمبسون – أحد أشهر علماء الإحاثة في الولايات المتّحدة في القرن العشرين - بقوله: "في عالم داروين فإنه لا مكانة خاصة للإنسان، غير تحديده بأنه نوع خاص من الحيوان. هو بمعنى الكلمة جزء من الطبيعة، وليس مستقلًا عنها. هو مجانس - حقيقة لا مجازًا - لجميع الكائنات الحيّة سواء أكانت أميبة، أم دودة شريطية، أم عشبًا بحريًا، أم شجرة البلوط، أم قردة – وإن كانت درجة العلاقة بينها متفاوتة" [The World into Which Darwin Led Us, Science131 (1960), p. 970].
وهذه النظرة الغريبة للإنسان عند الملاحدة أدّت بهم إلى تبنّي الفلسفة العدمية – سواء أقرّوا بذلك أم لا – كما قال فريد هويل – عالم الكون البريطاني -: "تطاردني القناعة أن الفلسفة العدمية التي يتبنّاها الرأي المتعلّم بعد صدور كتاب: أصل الأنواع، جعلت البشرية تقترف سيرًا إلى التدمير الذاتي الأوتوماتيكي. يوم الحساب يقترب!" [(The Intelligent Universe (9].
فكيف يمكن تلخيص هذه النظرية للحياة؟ يلخصّها الملحد وليام بروفين – بروفسور علم الأحياء التطوّرية الأمريكي - بقوله: "دعني ألخّص آرائي فيما يعلّمنا علم الأحياء التطوّرية بصراحة وشفافية، وهي في الأصل آراء داروين: لا يوجد آلهة، ولا غايات، ولا قوى موجّهة بهدف ... ولا أساس نهائي للأخلاق، ولا هدف للحياة، ولا إرادة حرّة للإنسان كذلك".
[Darwinism: Science or Naturalistic Philosophy?” Origins Research 16:1]
فما مصير الإنسان؟ وهل له غاية؟ وما الهدف من الحياة؟ هذه الأسئلة العظيمة في حياة كلّ إنسان. كيف يجيب عنها الملحد؟ قال الملحد أليكس روسينبيرغ – بروفسور الفلسفة الأمريكي -: "ما الهدف من الكون؟ لا شيء. ما الهدف من الحياة؟ الشيء نفسه. هل التاريخ له هدف أو غاية؟ هو مليء بصوت وغضب، مما لا يدلّ على شيء" [The Atheist Guide to Reality: 2 - 3].
إذن، كيف يمكن أن يكون هناك أيّ حقوق لهذا الحيوان الضائع تزيد على حقوق بقية الحيوانات؟ هذه مسألة مستشكلة لدى كثير من الملاحدة. وقد أورد فرانسيس فوكوياما - عالم السياسة والكاتب الأمريكي المشهور – هذه المشكلة الإلحادية التطوّرية إذا قال في كتابه المشهور: نهاية التاريخ: "حقوق الإنسان لها مشكلة فلسفية عميقة إذ لابد أولًا أن نفهم الإنسان قبل أن نبحث في حقوقه، نفهم طبيعة الإنسان؛ فالعلوم الطبيعية الحديثة تشير إلى أنه ليس ثمة فارق بين الإنسان والطبيعة، وعندما نوسّع في المساواة التي تنكر وجود أي اختلافات بين البشر، فيمكن أن يشمل ذلك إنكار وجود اختلافات هامة بين الإنسان والقردة العليا، وتنشأ عن ذلك أسئلة لا حصر لها، إذ كيف يكون قتل البشر غير مشروع، في حين قتل هذه الحيوانات ليس كذلك، وسنصل حتمًا في مرحلة ما إلى السؤال التالي: ولماذا لا تتمتع الطفيليات المعوية والفيروسات بحقوق مساوية لحقوق الإنسان؟" [نهـاية التاريخ وخاتم البشر (259)].
فانظروا إلى هذه النظرة للإنسان عند الملاحدة، والفرق بينها وبين قيمة الإنسان في الإسلام! فنشكر الله تعالى أن هدانا لهذا الدين القويم وأنّه أنقذنا من ظلمات الكفر والإلحاد.
وصلّى الله علن نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
كتبه: جوهانس كلومنك – الباحث في يقين لنقد الإلحاد واللادينية -.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق