الاثنين، 31 أغسطس 2020

يوم عاشوراء "دراسة حديثية"

 

يوم عاشوراء "دراسة حديثية"

اختلفت الأحاديث الواردة في يوم عاشوراء، من حيث مناسبتها، وصوم يومها.. وسيستعرض هذا المقال - إن شاء الله - ما ورد من أحاديث في يوم عاشوراء للوقوف على تصور صحيح نحوه.
ويوم عاشوراء هو اليوم الحزين الذي قُتل فيه ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسين بن علي، والمسلمون فيه على أحوال شتى: منهم من يصوم هذا اليوم، ومنهم من يحتفل به ويأكل الحلوى، ومنهم من ينظم البكائيات واللطميات في استشهاد الحسين على اعتبار أنه الخليفة الوراثي..!!
وهذا اليوم حقيق أن يكون ذكرى لتبديل سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في شؤون المال والحكم، وذكرى للأمة كلها أن تعود إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم في "الحكم الرشيد" وأن تخلع عنها بدعة "الملك العضوض الجبري" واستعباد الأمة، واستباحة أموالها.
وقد سبق التفصيل في قصة استشهاد الحسين - رضوان الله عليه والسلام - في مقال: "ثورة الحسين والخلافة الراشدة" وسبق التفصيل في بدعة الملك العضوض في مقال: "النظام الملكي في الإسلام" وهذا المقال يناقش يوم عاشوراء وفضله.
*   *   *
مناسبة يوم عاشوراء:
(1) يوم كانت تصومه قريش في الجاهلية.
وورد فيه هذه الأحاديث:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ، فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ، قال رَسُولُ اللَّهِ ☺: مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ " [ صحيح البخاري/ 1592]
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، " أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ☺ بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ☺: مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ " [ صحيح البخاري/ 1893]
- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ ☺ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَا يَصُومُهُ[ صحيح البخاري/ 3831]
- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ ☺ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ رَمَضَانُ الْفَرِيضَةَ وَتُرِكَ عَاشُورَاءُ، فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ " [صحيح البخاري/ 4504]
- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ عَاشُورَاءُ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ، قَالَ: " مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ " [صحيح البخاري/ 4501]
*   *   *
(2) صوم يومه:
- عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " صَامَ النَّبِيُّ ☺ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ"، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَصُومُهُ، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ [ صحيح البخاري/ 1892]
- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، " أَنَّ النَّبِيَّ ☺ بَعَثَ رَجُلًا يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ: إِنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ، أَوْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلَا يَأْكُلْ " [ صحيح البخاري/ 1924]
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ☺ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ " [ صحيح البخاري/ 2002]
-  عَنْ نَافِعٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَنّ رَسُولَ اللَّهِ ☺ صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ☺: " إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ " [صحيح مسلم/ 1126]
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ☺ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ☺: " كَانَ يَوْمًا يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ كَرِهَ فَلْيَدَعْهُ " [صحيح مسلم/ 1127]
- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: دَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بَن عُمر وَهُوَ يَتَغَدَّى، فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ادْنُ إِلَى الْغَدَاءِ، فَقَالَ: أَوَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ؟، قَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ؟، قَالَ: وَمَا هُوَ؟، قَالَ: " إِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ☺ يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِكَ " [صحيح مسلم/1128]
- عَنْ قَيْسِ بْنِ سَكَنٍ، أَنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهُوَ يَأْكُلُ، فَقَالَ: " يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ادْنُ فَكُلْ "، قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: " كُنَّا نَصُومُهُ ثُمَّ تُرِكَ " [صحيح  مسلم/ 1129]
- عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: دَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَأْكُلُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: " قَدْ كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ، فَإِنْ كُنْتَ مُفْطِرًا فَاطْعَمْ [ صحيح مسلم/ 1130]
*   *   *
وهذه هي أصح الروايات في يوم عاشوراء فرواية عائشة وابن عمر - رضي الله عنهما - هي الأدق والأضبط، وفيها:
- أن النبي ☺ كان يصوم هذا اليوم في مكة ( قبل فرض الصيام ).
- وأن النبي ☺ لما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه لسنة واحدة هي السنة الأولى من الهجرة، وبعد فرض رمضان صار تطوعاً.
- وأن النبي ☺ قد أمر بصيامه في أول مقدمه إلى المدينة، (ربما تدريباً على الصوم ).
- وحيث أن رمضان فُرض في السنة الثانية من الهجرة، ومن ثم كان صوم يوم عاشوراء صيام يوم تطوع كأي يوم، وهذا مذهب ابن عمر - رضي الله عنه - أكثر الصحابة تحرياً لعبادة النبي ☺. وكذلك هو مذهب عبدالله بن مسعود، وعائشة.. رضي الله عنهم.
*   *   *
(3) يوم نجى الله فيه موسى عليه السلام، ويتخذوه اليهود عيداً.
- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " قَدِمَ النَّبِيُّ ☺ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ [ صحيح البخاري/ 2004]
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا، قَالَ النَّبِيُّ ☺: فَصُومُوهُ أَنْتُمْ [صحيح البخاري/ 2005]
- عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ ☺ الْمَدِينَةَ وَإِذَا أُنَاسٌ مِنْ الْيَهُودِ يُعَظِّمُونَ عَاشُورَاءَ وَيَصُومُونَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ☺: " نَحْنُ أَحَقُّ بِصَوْمِهِ فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ " [ صحيح البخاري/ 3942]
- عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا، وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ☺: " فَصُومُوهُ أَنْتُمْ " [صحيح مسلم/ 1134]
 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ☺ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ، إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ " [صحيح البخاري/ 2006]
*   *   *
وهذه الروايات تخالف رواية عائشة وابن عمر - رضي الله عنهما - إذ فيها: أن النبي ☺ صامه في مكة، وفي أول مقدمه إلى لمدينة، وكانت العرب تعظم هذا اليوم، فالنبي ☺ ليس في غفلة عنه.
وأما مخالفة اليهود: فهناك رواية تقول إنه عيداً لليهود، فصامه المسلمون مخالفة لهم، ورواية أخرى تقول: إن اليهود كان يصومونه فصامه المسلمون معهم.
وأما أن النبي ☺ كان يتحرى صومه مع رمضان، يخالف رواية عائشة وابن عمر أيضاً.. إذ فيها حرية الصوم من عدمه، دليلاً على أنه صوم تطوع كأي يوم. فلعل رواية ابن عباس - رضي الله عنه - مُرسلة.
*   *   *
(4) طريقة صومه:
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْنُ أُمَيَّةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ☺ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ☺: " فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ  ☺ [ صحيح مسلم/ 1136]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ☺: " لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ، لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ "، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ [ صحيح مسلم/ 1137]
 حدثنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ☺: " صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا، أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا " [مسند أحمد/ 2155]
وأما الأحاديث الواردة في طريقة صومه، فهي مخالفة للواقع.. إذ الروايات الصحيحة تقول: إن النبي ☺ عليه وسلم صامه في مكة، وفي أول مقدمه للمدينة.. ثم فُرض رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ورواية "فإذا كان العام المقبل، صمنا اليوم التاسع، ولم يأت حتى توفى رسول الله ☺".. غير واقعية، فالنبي ☺ صام تسع رمضانات، وإذا صام يوم عاشوراء تطوعاً.. فمعناه أنه صامه - في المدينة - تقريباً إحدى عشر مرة ، إذ توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشر من الهجرة، فهل هناك شيء طرأ في السنة العاشرة من الهجرة جعلته يقول ذلك؟! لم ترد روايات تشير إلى ذلك.
وأما حديث "صوموا قبله يوماً" فإسناده ضعيف، فيه محمد بن عبد الرحمن الأنصاري وهو ضعيف الحديث ، وداود بن علي القرشي وهو ضعيف الحديث.
*   *   *
(5) فضل صومه:
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: ... قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ☺: " ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " [صحيح مسلم/ 1161]
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أَنّ النَّبِيَّ ☺ قَالَ: " صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ". وَفِي الْبَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِيٍّ، وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَهِنْدِ بْنِ أَسْمَاءَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ عَمِّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ذَكَرُوا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ☺ " أَنَّهُ حَثَّ عَلَى صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: لَا نَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ، أَنَّهُ قَالَ: " صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ " إِلَّا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ [ جامع الترمذي/ 752]
وفي السند مقال، فلعل هناك انقطاع في السند بين عبدالله بن معبد الزماني، وأبي قتادة رضي الله عنه، وقد أوضح ذلك الإمام البخاري فقد "ذكره  في التاريخ الكبير ، وقال : عن أبي قتادة ، ولا يعرف له سماع من أبي قتادة ، روى عنه : حجاج بن عتاب ، وغيلان بن جرير ، وقتادة ، ولا نعرف سماعه من أبي قتادة"ا.هـ
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ☺: " صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ مَاضِيَةً وَمُسْتَقْبَلَةً، وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً " [مسند أحمد/ 22028]
وسند الحديث ضعيف لأن به موضع انقطاع بين حرملة بن إياس الشيباني والحارث بن ربعي السلمي.
وخلاصة القول في فضل صيام يوم عاشوراء: هو ما ذكره الترمذي رحمه الله فقال: "لَا نَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ، أَنَّهُ قَالَ: " صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ " إِلَّا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ" [جامع الترمذي]
فحديث عبدالله بن معبد عن أبي قتادة ضَعّفه البخاري، ولذلك لم يذكره البخاري في صحيحه، وحديث حرملة عن أبي قتادة في مسند أحمد ضعيف أيضاً.
على أن الأمر في فضائل الأعمال لا بأس بالأخذ بالضعيف فيه.. وبالعموم ففضل الصوم عظيم، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ☺ يَقُولُ: " مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ، وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا [صحيح البخاري/ 2840]
*   *   *
وإذا كان يوم عاشوراء يوماً من أيام الله.. فيجب أن نتعاهد فيه بإصلاح شأن هذه الأمة، ولا نشغلها بروايات ضعيفة، ولا احتفالات سخيفة، ولا لطميات باطلة، بل يجب أن يكون نصر الله لعباده الصالحين في هذا اليوم، ودماء الشهداء والصالحين وقوداً وقوة وعزيمة تدفعنا إلى إصلاح شأن هذه الأمة، وتحريرها مما أصابها من بغي وطغيان وفساد، وطاغوتية، وأن تُشخذ الهمم، وتشد العزائم لإعادة سنة النبي ☺ في الحكم الرشيد، وفي إقامة الحق والعدل، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي تطهيرها من الطغاة والمفسدين، وفي تحريرها من آثار الاستبداد والظلم والتبعية.. لتعود.. خير أمة أُخرجت للناس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق