لا وتران في ليلة / شفع الوتر)
السؤال: شيخنا صليت العشاء والتراويح والوتر مع الإمام ثم أردت أن أقيم الليل هل لي أن أوتر مرة أخرى ؟ وهل يجوز لي أن أنقض الوتر وأشفعه بركعة لأصلي بعد ذلك الوتر؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فمن أوتر في أول الليل ثم قام في آخره فله أن يصلي ما تيسر له شفعا دون وتر، لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى ركعتين بعد الوتر، فعن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان يركع ركعتين بعد الوتر. [رواه مسلم وأصحاب السنن وأحمد] .
ولما روي عن طلق بن علي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا وتران في ليلة). [صحيح رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وأحمد].
وأما الشق الثاني من السؤال فقد اختلف العلماء في من ينقض وتره الأول بصلاة ركعة ثم يصلي ما شاء ثم يوتر، على قولين:
الأول: أنه يصلي ما شاء دون أن ينقض وتره ولا يوتر مرة ثانية. وعليه جمهور أهل العلم ، روي ذلك عن أبي بكر الصديق، وعمار، وسعد بن أبي وقاص وعائذ بن عمرو، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة- رضوان الله تعالى عنهم-.
وممن قال به سفيان الثوري والامام مالك وابن المبارك والامام أحمد وهو مذهب الحنفية، ورواه الزين العراقي عن الأوزاعي والامام الشافعي وأبي ثور وحكاه القاضي عياض عن كافة أهل الفتيا، ولا يعلم دليلا ثابتا عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يخالف ما ذهب إليه جمهور أهل العلم.
وكانت عائشة – رضي الله عنها- تقول:(الذين ينقضون وترهم هم الذين يلعبون بصلاتهم). [مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي].
قال الإمام مالك في الموطأ[2/173]:(من أوتر من أول الليل ثم نام، ثم قام، فبدا له أن يصلي فليصل مثنى مثنى، وهو أحب ما سمعت إلي).
وقال الإمام الترمذي[2/333] :(وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إذا أوتر من أول الليل، ثم نام، ثم قام من آخر الليل، فإنه يصلي ما بدا له ولا ينقض وتره، ويدع وتره على ما كان، وهو قول سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك، وأحمد، وهذا أصح، لأنه قد روي من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بعد الوتر).
قال الإمام ابن قدامة في المغني [2/120 ]: (ومن أوتر من الليل ثم قام للتهجد، فالمستحب أن يصلي مثنى مثنى ولا ينقض وتره. روي ذلك عن أبي بكر الصديق، وعمار، وسعد بن أبي وقاص، وعائذ بن عمرو، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة. وكان علقمة لا يرى نقض الوتر. وبه قال طاوس، وأبو مجلز، وبه قال النخعي، ومالك، والأوزاعي، وأبو ثور. وقيل للإمام: أحمد ولا ترى نقض الوتر؟ فقال: لا. ثم قال: وإن ذهب إليه رجل فأرجو؛ لأنه قد فعله جماعة).
وقال الامام الكمال ابن الهمام الحنفي في شرح فتح القدير[1/438]: ( أوتر قبل النوم ثم قام من الليل فصلى؛ لا يوتر ثانيا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة" ولزمه ترك المستحب المفاد بقوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا" لأنه لا يمكن شفع الأول لامتناع التنفل بركعة أو ثلاث).
وقال الإمام الشوكاني في نيل الاوطار[3/57]: (قالوا: لأن الرجل إذا أوتر أول الليل فقد قضى وتره، فإذا هو نام بعد ذلك ثم قام وتوضأ وصلى ركعة أخرى فهذه صلاة غير تلك الصلاة، وغير جائز في النظر أن تتصل هذه الركعة بالركعة الأولى التي صلاها في أول الليل، فلا يصيران صلاة واحدة وبينهما نوم وحدث ووضوء وكلام في الغالب، وإنما هما صلاتان متباينتان كل واحدة غير الأولى، ومن فعل ذلك فقد أوتر مرتين ثم إذا هو أوتر أيضا في آخر صلاته صار موترا ثلاث مرات. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترا» وهذا قد جعل الوتر في مواضع من صلاة الليل. وأيضا قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا وتران في ليلة» وهذا قد أوتر ثلاث مرات).
الثاني: أنه ينقض وتره بصلاة ركعة ثم يصلي ما شاء ثم يوتر، ويروى ذلك عن عثمان بن عفان وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم اجمعين.
قال الإمام الترمذي في سننه [2/333]: (واختلف أهل العلم في الذي يوتر من أول الليل ثم يقوم من آخره.. فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم نقض الوتر وقالوا: يضيف إليها ركعة ويصلي ما بدا له ثم يوتر في آخر صلاته؛ لأنه لا وتران في ليلة، وهو الذي ذهب إليه إسحاق..).
ونقل الامام ابن قدامة في المغني[2/120 ] عن الإمام احمد بن حنبل قوله : (وقيل لأحمد: ولا ترى نقض الوتر؟ فقال لا، ثم قال: وإن ذهب إليه رجل فأرجو، لأنه قد فعله جماعة) .
والمفتى به: هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين في القول الأول من أنه يصلي ما شاء دون أن ينقض وتره ولا يوتر مرة ثانية ، ولا يترك صلاة الوتر جماعة مع الامام لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابي ذر- رضي الله عنه- : ((مَنْ قامَ مع الإمام حتى ينصرفَ كُتب له قيامُ ليلةٍ )) راه اصحاب السنن الاربعة وصححه الشيخ الالباني. والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين عبدالله الصالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق