الأحد، 26 مارس 2023

الإمساك قبل أذان الفجر لا يعد بدعة

 الإمساك قبل أذان الفجر لا يعد بدعة




إمساكيّة رمضان الّتي يوجبون فيها الإمساك قبيل الفجر بنحو عشر دقائق هي = لا بأس بها وليست بدعة خلافًا لما يُشاع ، وذلك أنّ وجوب الإمساك قبل طلوع قبل الفجر يدلّ عليه قوله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [ حَتَّى ] يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) إذ الرّاجح في ( حتّى ) إذا تعلّقت بمنفصل بالحسّ ـ وهو الفجر هنا لأنّه منفصل عن اللّيل ـ = أنّها لخروج الغاية ، كما في قول الشّاعر :
أَلْقَى الصَّحِيفَةَ كَيْ يُخَفِّفَ رَحْلَهُ ... وَالزَّادَ، حَتَّى نَعْلَهُ أَلْقَاهَا
وهذا كما أنّ الرّاجح في ( إلى ) = أنّها لدخول الغاية كما في قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [ إِلَى ] الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ) ونحو ذلك ، ومن ثمّ يكون ذلك هو الرّاجح في مثل قوله تعالى : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ [ إِلَى ] الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [ إِلَى ] الْكَعْبَيْنِ ) .
ولذا يكون هذا أيضًا من أسرار التّفريق بين الحرفين [ حتّى ] و [ إلى ] في نفس الآية ، أعني قوله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [ حَتَّى ] يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) ـ حيث قال تعالى في تمامها : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ [ إِلَى ] اللَّيْلِ ) ، بما يفيد : وجوب امتداد الصّيام إلى اللّيل مع دخول الغاية الّذي يتحّقّق بالتّمادي في الإمساك إلى أدنى جزء من اللّيل ، فـ : عدم جواز الفطر إلّا مع تيقّن غروب الشّمس لأنّ ذلك هو زمن انقضاء الشكّ في عدم غروبها، وأمّا هنا فلا بدّ من خروج الغاية ؛ وهو يتحقّق بجواز التّمادي في الأكل إلى أن يبقى جزء من اللّيل يبدأ فيه الشّكّ في طلوع الفجر لا يجوز فيه الأكل لأنّ ذلك هو ما يُتيقّن معه عدم الفطر في النّهار.
ثمّ يبقى تقدير منطقة الشّكّ موكولا إلى العرف والحسّ ، ومن ثمّ وُقِّت ذلك بنحو العشر دقائق .
ومن خالف هذا البحث هنا فمنع من مثل هذه الإمساكيّة من أهل الاجتهاد فإنّما هو لأصله القاضي بالمخالفة في معنى الحرفين [ حتّى ] و [ إلى ] كما عند شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العمدة" (1/532) حيث جعل الآية دليلا " على أنه لا يستحب إمساك جزء من الليل, وأن الغاية في قوله: ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ): داخلة في المغيَّى؛ بخلافها في قوله: ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) " , قال : " ولهذا جاءت هذه بحروف [ حتى ] , ولا ريب أن الغاية المحدودة بـ [ حتى ] تدخل فيما قبلها؛ بخلاف الغاية المحدودة بـ [ إلى ] " .
وأمّا ما ذكره الحافظ ابن حجر في "الفتح" (4/199) حيث قال : " من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان ، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعما ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة" اهـ.
فهذا هو في تقديم الأذان الثّاني قبل تيقّن دخول وقت الفجر ، وليس هو في مجرّد موضوع الإمساك .
عن الأسود بن يزيد، قال: قلت لعائشة أم المؤمنين: أي ساعة توترين؟ قالت : ما أوتر حتى يؤذنوا ، وما يؤذنون حتى يطلع الفجر، قالت: وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان: بلال، وعمرو ابن أم مكتوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أذن عمرو، فكلوا واشربوا، فإنه رجل ضرير البصر، وإذا أذن بلال، فارفعوا أيديكم، فإن بلالا لا يؤذن - كذا قال - حتى يصبح". أخرجه أحمد و الشيخان و النسائي
فيه دلالة واضحة على أنه يستحب الإمساك عن المفطرات قبل أذان الثاني و ليس من العزائم بل هو مندوب إليه و هو معنى تأخير السحور إلى أخر الليل فلا تعارض بين هذا و ذاك ، و من شغب على الناس في توقيت السحور على غير ما قرر رسميا في البلد فعليه إثم تلك الفتنة فهؤلاء أغلبهم مقلدة و كأن البلد خالية من العلماء و الله المستعان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق