وحكى العلامة ابن عثيمين هذه الأقوال ورجح أنه يأخذ بالأيسر في هذه الحال.
قال رحمه الله: مسائل العلم يجب على الإنسان أن يتبع من يرى أنه أقرب إلى الصواب إما لغزارة علمه وإما لثقته وأمانته ودينه. فإن لم يعلم أيهما أرجح في ذلك فقد قال بعض أهل العلم إنه يخير إن شاء أخذ بقول هذا وإن شاء أخذ بقول هذا، وقال بعض العلماء يأخذ بما هو أحوط أي بالأشد احتياطاً وإبراءً للذمة، وقال بعض العلماء يأخذ بما هو أيسر لأن ذلك أوفق للشريعة إذ أن الدين الإسلامي يسر كما قال الله تبارك تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) وكما قال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وكما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الدين يسر) وكما قال وهو يبعث البعوث: (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) أي أنه إذا اختلفت آراء العلماء عندك وليس عندك ترجيح فإنك تأخذ بالأيسر لهذه الأدلة ولأن الأصل براءة الذمة، ولو ألزمنا الإنسان بالأشد للزم من ذلك إشغال ذمته والأصل عدم ذلك وهذا القول أرجح عندي أي أن العلماء إذا اختلفوا على قولين وتكافأت الأدلة عندك في ترجيح أحد القولين فإنك تأخذ بالأيسر منهما، وهذا أعني القول بالأخذ بالأيسر فيما يتعلق بنفس الإنسان أما إذا كان يترتب على ذلك مفسدة فإنه يمتنع من إظهار ذلك وإعلانه... وعلى هذا فنقول: القول الصحيح أن نأخذ بالأيسر ما لم يتضمن ذلك مفسدة فإن تضمن ذلك مفسدة فليأخذ بالأيسر في حق نفسه فقط. انتهى.
وإذا اتبع الإنسان هذا القول وهو اتباع الأيسر عند عدم وضوح الأدلة وتكافئها أو اختلاف المفتين الثقات عليه فإنه لا حرج عليه في ذلك ولا يكون مؤاخذا يوم القيامة وذلك لأنه فعل ما يقدر عليه واتقى الله ما استطاع. ولو فرض أن القول الذي اتبعه كان خطأ في نفس الأمر فإن المخطئ معذور غير مؤاخذ، قال تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. قال الله في جوابها: قد فعلت. رواه مسلم. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المجتهد المصيب له أجران والمخطئ له أجر. فمن اتبع ما أداه إليه اجتهاده إن كان من أهل الاجتهاد أو قلد العلماء الثقات إن كان عاميا فقد برئت ذمته وفعل ما يلزمه شرعا فلا تبعة عليه يوم القيامة.
والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق