التعزية ... صنع الطعام ومجالس العزاء في القاعات ... !
لقد اعتاد الناس منذ زمن على الإجتماع في بيت الميت يأتون للتعزية ويقرأون سورة الفاتحة ثم يصنع اهل الميت الطعام غداء وعشاء لمن عندهم من يأتيهم من الجيران والأصدقاء والأقرباء .
ثم تطور الأمر فخف على الناس ماألزموا به أنفسهم والتزموه فعملوا العزاء في القاعات لمصالح واقعية وظروف معيشية وحياتية دفعتهم لهذا الأمر منها التخلص من تكاليف الإطعام ويكتفى هنا بتقديم القهوة والماء والشاي .
والبعض إذا كان اليوم الثاني أو الثالث من الوفاة يصنع الطعام للمعزين وبهذا تنتهي مراسيم التعزية الرسمية .
هذا ماعليه الناس اليوم ...
وهذا توضيح مختصر لما يخص التعزية الشرعية ... !
أولاً : كلمة التعزية والعزاء هو بمعنى التصبير أي تصبير أهل الميت ... فتعزيتهم بمعنى تصبيرهم وتسليتهم .
ثانيا : التعزية عبادة ووسائل أدائها تخضع للعرف والعادة إذ لم يأت نص في تخصيص التعزية بمكان او زمان لا أمرا ولانهيا .
فالتعزية تجزيء عن المسلم في أي مكان أو زمان في المقبرة أو المسجد أو البيت او الدائرة أو باتصال هاتفي ليلا او نهارا
واختيار طريقة التعزية له علاقة بقرب المعزي من الميت بيتا أو قرابة .
ثالثا : على الناس إذا ذهبوا لتعزية أهل الميت في بيته ألا يثقلوا عليهم بجلوسهم عندهم
ولاينتظروا صنع الطعام إلا إن كان من مقربيه أو جاء من مكان بعيد فهؤلاء لهم حق الضيافة ...
فالموت لايحرم الضيافة وصنع الطعام ليوم واحد او ايام
قال ابن قدامة رحمه الله :" َأَمَّا صُنْعُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا لِلنَّاسِ فَمَكْرُوهٌ " ثم قال:" وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ جَازَ؛ فَإِنَّهُ رُبَّمَا جَاءَهُمْ مَنْ يَحْضُرُ مَيِّتَهُمْ مِنْ الْقُرَى وَالْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ، وَيَبِيتُ عِنْدَهُمْ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ إلَّا أَنْ يُضَيِّفُوهُ" المغني
رابعا : الأصل والسنة في هذا أنه على الناس من أقرباء أو جيران أن يصنعوا طعاما لأهل الميت لأنهم مشغولون بأمر عظيم .فقد روى ابن ماجه : " لما أصيب جعفر رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فَقَالَ:" إِنَّ آلَ جَعْفَرٍ قَدْ شُغِلُوا بِشَأْنِ مَيِّتِهِمْ فَاصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا "
وليس في هذا الحديث دلالة على تحريم صنع الطعام منهم باختيارهم والعلة في استحباب صنع الطعام لهم هو لانشغالهم بمصيبتهم .
واليوم يحصل مثل هذا من البعض يقوم احد الناس من اهل الكرم والضيافة فيدعو من حضر دفن الميت واهل الميت الى بيته لإطعامهم.
وكذلك نجد أن البعض يقوم باعداد الطعام فيأتي به لأهل الميت وضيوفهم ومن حضر عندهم .
وهذا من باب الكرم ورفع الحرج عن اهل الميت .
فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دفن ميت" فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا..."
خامسا : إن كان للميت صغار ( أيتام ) فلينتبه الناس الى حرمة صرف أموال الأيتام في الإطعام .
سادسا : أجاز بعض العلماء المعاصرين التعزية في القاعات بسبب الظروف والواقع الذي يعيشه الناس ولأجل تحصيل مصلحة التعزية حيث يكون لهم وقت مخصص للجلوس فيها .. فقد يصعب على الشخص ان يزور اهل المصاب كلٌ في بيته
فتخصيص مكان وزمن محدد لاستقبال المعزين فيه تيسير على اهل الميت وعلى الناس المعزين خاصة في هكذا ظروف وهكذا زمان .
سابعا : جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها
"أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها
ثم قالت: كلن منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن . "
وهذا الحديث فيه دليل على مشروعية الاجتماع فعائشة رضي الله عنها قالت ( فاجتمع لذلك النساء ) وهذا عام في القريبة والغريبة والبعيدة ان تجتمع النساء للتعزية
ثم يصنع أهل البيت طعاما لأنفسهم وخاصتهم ممن بقي عندهم وهذا دليل جواز صنع الطعام لأنفسهم وللمقربين منهم .
التلبينه : هي حساء يُعمل من ملعقتين من مطحون الشعير بنخالته ، ثم يضاف لهما كوب من الماء ، وتطهى على نار هادئة لمدة 5 دقائق .
وبعض الناس يضيف عليها ملعقة عسل .
وسمِّيت " تلبينة " تشبيهاً لها باللبن في بياضها ورقتها .
و" لَمَّا مَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ اجْتَمَعَنْ نِسْوَةُ بَنِي الْمُغِيرَةِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ ، فَقِيلَ لِعُمَرَ: أَرْسِلْ إلَيْهِنَّ فَانْهَهُنَّ ، لاَ يَبْلُغُك عَنْهُنَّ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ .
فَقَالَ عُمَرُ : " وَمَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يُهْرِقْنَ مِنْ دُمُوعِهِنَّ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ ، أَوْ لَقْلَقَةٌ ". رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 290) ،
النقع : التراب على الرأس .. اللقلقة : الصراخ
تاسعا : أما ماورد عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه قَالَ : ( كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ ، وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ : مِنْ النِّيَاحَةِ ) رواه الإمام أحمد ..
فهذا الحديث مع انه صححه بعض العلماء إلا أنه قد ضعفه الإمام أحمد نفسه وكذا الدارقطني
قال أبو داود : " ذَكَرْتُ لِأَحْمَدَ حَدِيثَ هُشَيْمٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ قَيْسٍ ، عَنْ جَرِيرٍ: " كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ".
قال : زعموا أنه سمعه من شريك ، قَالَ أَحْمَدُ: وَمَا أُرَى لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلاً".
والحديث ايضا في ظاهره مخالف لما روته عائشة رضي الله عنها في جواز صنع الطعام لمن بقي من اهل الميت وخاصتهم .
اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين رحمة واسعة يارب العالمين وثبتنا وأحسن خاتمتنا يارحمن يا رحيم
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق