السبت، 1 يوليو 2023

حكم العمل في محل أو الجيش يقتضي حلق اللحية ؟

 فتوى للإمام الطبري المجتهد حول من تَعرض له ظروف أو واجبات تدفعه إلى حلقها هناك نقطتان هامتان:

الأولى: هناك من يأخذ بسنية اللحية وتوكيدها أو جوبها ولكن قد تَعرض له ظروف أو واجبات تدفعه إلى حلقها كأن يضار بسببها في معيشته وعمله وهو ملزم بالنفقة على بيته وأولاده فيصيبهم الضرر لذلك، فهنا يتعارض واجبان أو أن تتعارض مع القيام بمهام الدعوة الإسلامية والأمر بالمعروف النهى عن المنكر في بعض البلدان، لطبيعة المجتمع والنظم القائمة والوسائل المتاحة لتبليغ الدعوة وهنا أيضاً يتعارض واجبان.
وفى مثل هذه الحالة أو غيرها مقرر في الأصول أنه إذا تعارض واجبان قدم أوجبهما، ولا شك أن الأوجب هو ما أجمع العلماء على وجوبه دون خلاف كالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والعمل لإقامة الدين ودولة الإسلام وكذلك النفقة على النفس والأولاد والأهل، والأقل وجوباً ما كان مختلفاً فيه بين الوجوب والتوكيد والاستحسان والندب والإرشاد والعرف.
وقد روى ابن كثير في تاريخه في فتح بيت المقدس أن صلاح الدين أمر جنوده أن يحلقوا لحاهم ويغيروا من ثيابهم وهيئتهم لخداع العدو ولمصلحة المسلمين ولم ينكر عليه أحد مع العلم بأن صلاح الدين كان عالماً محدثاً وكان في عصره مئات العلماء والأئمة ولم يؤثر عن أحدهم إنكار ذلك، بل ابن كثير يسوق هذا الخبر سياق المشيد بحكمة صلاح الدين وحسن تصرفه.
بل قديماً طلب النبي من نعيم بن مسعود كتم خبر إسلامه لمصلحة الدعوة، وفى القرآن (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه رجلاً أن يقول ربى الله…) الآية.
ولا شك أن كتم الإسلام والإيمان أشد من كتم مظهر من مظاهرهما بل سمح النبي لمحمد بن مسلمة وصحبه أن يذكروه ببعض سوء حين أمرهم بقتل كعب الأشراف اليهودي، وذلك من أجل أن يتمكنوا منه.
الثانية: هناك بعض المتحمسين الذين لا يدركون دقائق العلم ولا يلمون بقول العلماء من السلف والخلف يسارعون بالإنكار على من خالف رأيهم بل يبدعونه ويضللونه ويكفرونه أحياناً لا لشئ إلا لمجرد خلافه لهم وقد يصل الحال إلى الخصومة والفرقة والتشتت والتنابز بالألقاب في الدروس وعلى المنابر.
وهؤلاء حتماً وقعوا في بدعتين عظيمتين:
البدعة الأولى: هي الإنكار على المخالف فيما اختلف فيه العلماء وفيما تطرق إليه الاحتمال والقاعدة الأصولية على أنه (ما اختلاف فيه لا إنكار فيه) وكذلك (ما يتطرق إليه الاحتمال يسقط به الاستدلال) والمأثور عن النبي والصحابة والسلف قبول الاختلاف في أمور كثيرة كقصة صلاة العصر في بنى قريظة وكذلك (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) وغير ذلك كثير وقول عمر بن عبد العزيز (اختلاف الأمة رحمة) وامتناع مالك عن جمع الناس على مذهب أو رأى واحد وقول الشافعي رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب، وقول أبى حنيفة وأحمد إذا وافق قولي الحديث وإلا فاضربوا به عرض الحائط).
وإذاً الخلاف الفقهي أمر مقرر في الشريعة والتاريخ الإسلامي وفي عهد النبوة ورافض هذا الاختلاف مبتدع في الدين بدعة أصلية لا وكيل عليها إلا الانتصار للنفس واتباع ما تهوى الأنفس.
البدعة الثانية:
التخاصم والتفرق والتنابز بسبب هذا الاختلاف ورمى المخالف بالتبديع والتفسيق والتضليل والتكفير.
وهذا فيه شق لأمر الأمة خاصة في مثل الظروف التي يمر بها العالم الإسلامي اليوم من ضعف واستهداف من قبل أعدائه، فهم بذلك يسهلون العدو دورة، بدلاً من التآلف والتلاحم ووحدة الصف.
وقد جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة تدعو إلى الوحدة وتحذر من التفرق وتتوعد من يعمل على تفريق الأمة واضعاً فهما.
(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).
(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ويحكم).
نخرج من هذا بأن اللحية أو حلقها من الأمور المختلف فيها- كما تقدم- ولذلك فمن أطلق لحيته أخذاً برأي من قال بوجوب إطلاقها- جزاه الله على فعله إحساناً ولكن لا يجوز له أن ينكر على من أخذ بالآراء الفقهية الأخرى أو رميه بالفسق أو الابتداع أو غيره لأنه يلزمه بذلك أن يرمى الصحابة والتابعين الذين أطالوا شواربهم أو حلقوها تماما أو تركوا الصبغ أو صلوا حفاة بأنهم مبتدعون أو واقعون في الحرام، وهذا خطر عظيم يقع فيه من لم يحيطوا بعموم المسائل.والله تعالى أعلى وأعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق