الثلاثاء، 14 مايو 2024

حكم الحلف بغير الله ؟!

 


#حكم_الحلف_بغير_الله ؟!
تضافر الحلف بغيره سبحانه في الكتاب العزيز والسنّة النبوية، أمّا الكتاب فقد حلف بأشياء كثيرة، وأمّا السنّة فقد حلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غير مورد بغير اسم اللّه.

فقد أخرج مسلم في صحيحه: أنّه جاء رجل إلى النبي، فقال: يا رسول اللّه أي الصدقة أعظم أجراً؟ فقال: أما ـ و أبيك ـ لتنبئنَّه أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء 1و أخرج مسلم أيضاً: جاء رجل إلى رسول اللّه ـ من نجد ـ يسأل عن الاِسلام، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: خمس صلوات في اليوم والليل.
فقال: هل عليَّ غيرهنّ؟
قال: "لا...إلاّ أن تطوع"، وصيام شهر رمضان".فقال: هلّ عليَّ غيره؟
قال: "لا... إلاّ تطوّع، وذكر له رسول اللّه الزكاة.
فقال الرجل: هل عليّ غيره؟
قال: "لا... إلاّ أن تطوّع".فأدبر الرجل وهو يقول: واللّه لا أزيد على هذا ولا أنقص منه.
فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: أفلح ـ وأبيه ـ إن صدق.
أو قال: دخل الجنة ـ و أبيه ـ إن صدق. 2

وقد حلف غير واحد من الصحابة بغيره سبحانه، فهذا أبو بكر بن أبي قحافة على ما يرويه مالك في موطّئه: أنّ رجلاً من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم فنزل على أبي بكر فشكا إليه أنّ عامل اليمن قد ظلمه، فكان يصلي من الليل، فيقول أبو بكر: وأبيك ما ليلك بليل سارق.3

وهذا علي بن أبي طالب عليه السلام قد حلف بغيره سبحانه في غير واحد من خطبه: فقال: ولعمري ما علي ّمن قتال من خالف الحق وخابط الغي من إدهان ولا إيهان 4ولعمري ما تقادمت بكم ولا بهم العهود.5

إلى غير ذلك من الاَقسام الواردة في كلامه عليه السلام وسائر أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

نعم ثمة أحاديث استدل بها على المنع عن الحلف بغير اللّه، غير أنّها ترمي إلى معنى آخر.

الحديث الاَوّل

إنّ رسول اللّه سمع عمر، وهو يقول:وأبي، فقال: إنّ اللّه ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفاً فليحلف باللّه أو يسكت.6

والجواب: انّ النهي عن الحلف بالآباء قد جاء لاَنّهم كانوا ـ في الغالب ـ مشركين وعبدة للاَوثان فلم يكن لهم حرمة ولا كرامة حتى يحلف أحد بهم، ولاَجل ذلك نرى أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل آباءَهم قرناء مع الطواغيت مرّة، وبالاَنداد ـ أي الاَصنام ـ ثانية، وقال: لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت.7

وقال أيضاً: لا تحلفوا بآبائكم ولا بأُمهاتكم ولا بالاَنداد.8

وهذان الحديثان يؤكدان على أنّ المنهي عنه هو الحلف بالآباء الكافرين الذين كانوا يعبدون الاَنداد والطواغيت، فأين هو من حلف المسلم بالكعبة والقرآن والاَنبياء والاَولياء في غير القضاء والخصومات؟.

الحديث الثاني

جاء ابنَ عمر رجل فقال: أحلف بالكعبة؟ قال له: لا، ولكن إحلف بربِّ الكعبة، فانّ عمر كان يحلف بأبيه، فقال رسول اللّه له: "لا تحلف بأبيك، فانّ من حلف بغير اللّه فقد أشرك. 9
إنّ الحديث يتألف من أمرين:

أ: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من حلف بغير اللّه فقد أشرك.

ب: اجتهاد عبد اللّه بن عمر، حيث عدّ الحلف بالكعبة من مصاديق حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أمّا الحديث فنحن نذعن بصحته، والقدر المتيقن من كلامه ما إذا كان المحلوف به شيئاً يعد الحلف به شركاً كالحلف بالاَنداد والطواغيت والآباء الكافرين. فهذا هو الذي قصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يعم الحلف بالمقدسات كالقرآن وغيره.

وأمّا اجتهاد ابن عمر حيث عدّالحلف بالكعبة من مصاديق الحديث، فهو اجتهاد منه وحجّة عليه دون غيره.

وأمّا انّ الرسول عدّحلف عمر بأبيه من أقسام الشرك فلاَجل أنّ أباه كان مشركاً، وقد قلنا إنّ الرواية ناظرة إلى هذا النوع من الحلف.

ومجمل القول: إنّ الكتاب العزيز هو الاَُسوة للمسلمين عبر القرون، فإذا ورد فيه الحلف من اللّه سبحانه بغير ذاته سبحانه من الجماد والنبات والاِنسان فيستكشف منه أنّه أمر سائغ لا يمت إلى الشرك بصلة، وتصوّر جوازه للّه سبحانه دون غيره أمر غير معقول، فانّه لو كان حقيقة الحلف بغير اللّه شركاً فالخالق والمخلوق أمامه سواء.

نعم الحلف بغير اللّه لا يصحّ في القضاء وفضّ الخصومات، بل لابدّمن الحلف باللّه جلّ جلاله أو بإحدى صفاته التي هي رمز ذاته، وقد ثبت هذا بالدليل ولا علاقة له بالبحث.
وأمّا المذاهب الفقهية فغير مجمعين على أمر واحد.

أمّا الحنفية، فقالوا: بأنّ الحلف بالاَب والحياة، كقول الرجل: وأبيك، أو: وحياتك وما شابه، مكروه.

وأمّا الشافعية، فقالوا: بأنّ الحلف بغير اللّه ـ لو لم يكن باعتقاد الشرك ـ فهو مكروه.

وأمّا المالكية، فقالوا: إنّ في القسم بالعظماء والمقدسات ـ كالنبي و الكعبة ـ فيه قولان: الحرمة والكراهة، والمشهور بينهم: الحرمة.

وأمّا الحنابلة، فقالوا: بأنّ الحلف بغير اللّه وبصفاته سبحانه حرام، حتى لو كان حلفاً بالنبي أو بأحد أولياء اللّه تعالى.

هذه فتاوى أئمّة المذاهب الاَربعة. 10

ولا يخفى انّ العرب كانت تعظم هذه الاَشياء وتقسم بها فنزل القرآن على ما يعرفون.

وانّ الاِقسام إنّما تكون بما يعظمه المقسم أو يُجلُّه وهو فوقه واللّه تعالى ليس شيء فوقه، فأقسم تارة بنفسه وتارة بمصنوعاته، لاَنّها تدل على بارئ وصانع وبما أنه بغير ذاته فالحلف بغيره تعالى جائز.11

1- صحيح مسلم:3|94، باب أفضل الصدقة من كتاب الزكاة.
2- صحيح مسلم:1|32، باب ما هو الاِسلام.
3- شرح الزرقاني على موطأ مالك: 4|159 برقم 580.
4- نهج البلاغة: الخطبة 23و85.
5- نهج البلاغة: الخطبة 23و85.
6- سنن ابن ماجة: 1|277.
7- سنن النسائي: 7|7؛ سنن ابن ماجة: 1|278.
8- سنن النسائي:7|9.
9- سنن النسائي: 7ج ص8
10- انظر الفقه على المذاهب الاَربعة:2|75، كتاب اليمين.
11- الأقسام في القرأن / الشيخ السبحاني ص40_45
--
عند الوهابية من حلف بغير الله فقد أشرك .
النبي عندهم يحلف بغير الله ، فهل هو عندكم مشرك
صحيح مسلم
1032 - وحدثنا : ‏ ‏أبوبكر بن أبي شيبة ‏ ‏وإبن نمير ‏ ‏قالا ، حدثنا : ‏ ‏إبن فضيل ‏ ‏، عن ‏ ‏عمارة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي زرعة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال : ‏ ‏جاء رجل إلى النبي ‏(ص)‏ ‏فقال : يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً فقال : 👈🏾أما وأبيك لتنبأنه ‏ ‏أن تصدق وأنت صحيح ‏ ‏شحيح ‏ ‏تخشى الفقر وتأمل البقاء ... الخ الحديث
صحيح مسلم :
2548 - حدثنا : ‏حدثنا : ‏ ‏أبوبكر بن أبي شيبة ‏ ، حدثنا : ‏ ‏شريك ‏ ‏، عن ‏ ‏عمارة ‏ ‏وإبن شبرمة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي زرعة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال : ‏ ‏جاء رجل إلى النبي ‏ ‏(ص) ‏ ‏فذكر ‏ ‏بمثل حديث ‏ ‏جرير ‏ ‏وزاد فقال : نعم 👈🏾وأبيك لتنبأن ‏ .
سنن إبن ماجه :
2706 - حدثنا : ‏أبوبكر بن أبي شيبة ‏ ، حدثنا : ‏ ‏شريك ‏ ‏، عن ‏ ‏عمارة بن القعقاع بن شبرمة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي زرعة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال : ‏ ‏جاء ‏ ‏رجل ‏ ‏إلى النبي ‏ ‏(ص) ‏فقال : يا رسول الله نبئني ما حق الناس مني بحسن الصحبة فقال : ‏ ‏نعم 👈🏾وأبيك لتنبأن أمك قال : ثم من قال : ثم أمك قال .. الخ الرواية
مسند أحمد :
7119 - حدثنا : ‏محمد بن فضيل ‏ ‏، عن ‏ ‏عمارة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي زرعة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال : ‏ ‏جاء رجل إلى رسول الله ‏ (ص)‏ ‏فقال : يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً قال : ‏ ‏أما 👈🏾وأبيك لتنبأنه أن تصدق وأنت صحيح شحيح ‏ ‏تخشى الفقر وتأمل البقاء
--
اتفق العلماء على أن الحالف بغير الله لا يكون كافرًا حتى يُعَظِّم ما يحلف به من دون الله تعالى؛ فالكُفْرُ حينئذٍ من جهة هذا التعظيم لا من جهة الحلف نفسه.
والحلف بما هو مُعَظَّم في الشرع؛ كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام والكعبة، لا حرج فيه شرعًا، ولا مشابهة فيه لحلف المشركين بوجهٍ من الوجوه؛ لأنه لا وجه فيه للمضاهاة، بل هو تعظيمٌ لما عظَّمه الله، ومن هنا أجازه كثيرٌ من العلماء؛ منهم الإمام أحمد بن حنبل، وعلَّل ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أحد ركني الشهادة التي لا تتم إلا به؛ فلا وجه فيه للمضاهاة بالله تعالى، بل تعظيمه بتعظيم الله تعالى له، والقائل بمنع الحلف بغير الله على جهة العموم من العلماء إنما مَنَعَه أخذًا بظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله، والقول بالعموم على هذا النحو فيه نظر؛ للإجماع على جواز الحلف بصفات الله تعالى؛ فهو "عمومٌ أُريدَ به الخصوص".
فالتعظيم بالله تعالى هو في حقيقته تعظيمٌ له سبحانه؛ كما قال جل جلاله: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ﴾ [الحج: 32]، ولذلك كان سجود الملائكة لآدم عليه السلام إيمانًا وتوحيدًا، وكان سجود المشركين للأصنام كفرًا وشركًا، مع كون المسجود له في الحالتين مخلوقًا، لكن لمّا كان سجود الملائكة لآدم عليه السلام تعظيمًا لما عظمه الله كما أمر الله كان وسيلة مشروعة يستحق فاعلها الثواب، ولما كان سجود المشركين للأصنام تعظيمًا كتعظيم الله كان شركًا مذمومًا يستحق فاعله العقاب.
قال العلامة ابن المنذر: [اختلف أهل العلم في معنى النهي عن الحلف بغير الله: فقالت طائفة: هو خاص بالأيمان التي كان أهل الجاهلية يحلفون بها تعظيمًا لغير الله تعالى؛ كاللات والعزى والآباء، فهذه يأثم الحالف بها ولا كفارة فيها. وأمَّا ما كان يؤول إلى تعظيم الله؛ كقوله: وحق النبي والإسلام والحج والعمرة والهدي والصدقة والعتق ونحوها مما يراد به تعظيم الله والقربة إليه، فليس داخلًا في النهي. وممن قال بذلك: أبو عبيد وطائفة ممن لقيناه، واحتجوا بما جاء عن الصحابة من إيجابهم على الحالف بالعتق والهدي والصدقة ما أوجبوه مع كونهم رأوا النهي المذكور، فدل على أن ذلك عندهم ليس على عمومه؛ إذ لو كان عامًّا لنَهَوْا عن ذلك ولم يوجبوا فيه شيئًا] اهـ نقلًا من "فتح الباري" لابن حجر العسقلاني (11/ 535).
هذا عن الحلف، أما الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بغيره مما لا يُقْصَد به حقيقةُ الحلف فغير داخل في النهي أصلًا، بل هو أمر جائزٌ لا حرج فيه؛ لوروده في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الصحابة وجريان عادة الناس عليه بما لا يخـالف الشـرع الشـريف، وليس حرامًا ولا شركًا كما يُقال، ولا ينبغي للمسلم أن يتقول على الله بغير علم، ولا يجوز له أن يتهم إخوانه بالكفر والشـرك فيدخـل بذلك في وعيد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» رواه مسلم.
والله سبحانه وتعالى أعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق