تحرير معنى قوله تعالى: ما منعك أن
تسجد لما خلقت بيدي
-قال الوهابي: قال تعالى: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}؛ المراد هنا صفة يدين حقيقيتين خلق الله بهما ٱدم خصوصية له !!! والمثنى المقرون بالباء يحمل على الحقيقة وليس على المجاز.
الجواب: هذه قاعدة عجيبة قد ابتدعها المجسمة الحشوية لتأييد عقيدتهم الباطلة و هم أبعد الناس عن اللغة و فهمها وعلومها !!
وتأتي مستعملة مع حرف الجر وبدون حرف الجر ، وتستعمل في جميعها في الحقيقة والمجاز بلا فرق .
وأدلة اللغة من الكتاب والسنة ولسان العرب على خلاف و نقيض قولهم الذي يراد به التشبيه و التجسيم و العياذ بالله !!!
وها أنا أسرد بعض الأدلة على ذلك:
1_قال تعالى:{تبت يدا أبي لهب و تب} .
(يدا) هنا جاءت مضافة، ومعنى (تبت) : أي هلكت، ولا شك أن أبا لهب هو الذي هلك بذاته فاستوجب النار بما فعل وليس يداه فقط، وإن كان السياق جاء بذكر اليدين .
والشاهد هنا أن (يدا) في (يدا أبي لهب) جاءت مضافة وحملت على هلاك أبي لهب بذاته لا يديه فقط، فكذلك صيغة اليدين في ٱية خلق ٱدم عليه السلام تحمل على الذات الإلاهية بلا فرق يعني:( ما منعك يا إبليس أن تسجد لما خلقت أنا ).
2_قوله تعالى عن الكفار المستحقين لجهنم:{ ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد}؛ الأنفال51.
فلفظة (أيديكم) صيغة جمع جاءت مضافة و المعنى:( ما قدمتموه أنتم)؛ يعني الكفار و ليس أيديهم فقط، لأنه في أعمالهم أعمال أخرى من غير اليدين كمعاصي اللسان والبصر والفرج و غيرها كما قال عليه الصلاة والسلام:( وهل يكب الناس في جهنم إلا حصائد ألسنتهم).
فذكر الأيدي هنا لا يدل على الأيدي الحقيقية بل يدل على الذات كاملة وفعل الذات.
3_ قال تعالى {يوم ينظر المرء ما قدمت يداه}؛ جاءت ( يد )هنا مثنى مضافة أي بمعنى بما قدم هو ذاته من أعمال .
4_قال عليه الصلاة والسلام في شأن يأجوج ومأجوج عند خروجهم كما في صحيح مسلم : ( لا يدان لأحد بقتالهم) أي : لا قدرة ولا قوة لأحد بقتالهم ؛ فاليدان هنا بمعنى القدرة أو القوة.
و (اليدان) بصيغة المثنى لا يجعل القدرة قدرتين كما ادعى بعض الجهال .
5_ قال تعالى: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ؛ هنا دخل حرف الجر على جمع يد وهو ( أيدي) مع تعلقه بالفعل ولم تدل على حقيقة الأيدي بل دلت على الذات والنفس بمعنى ( لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة) .
6_ قال تعالى : { والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون}الذاريات 47 ؛ قال ابن عباس أي بقوة كما في تفسير الطبري، و(الأيد) هنا جمع ( يد) كما في قوله تعالى : ( ألهم أيد يبطشون بها) .
7_ قال تعالى::{ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون} يس71 ؛ أي من المواشي التي خلقها الله كما في تفسير الطبري.
وسؤال الوهابية الذي لم يجدوا له جوابا لقلة بضاعتهم حيث قالوا: ولم خص الله ٱدم بالذكر وكل الخلق خلقهم الله بقدرته الذاتية سبحانه!؟
قلنا: الغرض هو التكريم و التشريف و التقريب له و مزيد عناية به واختصاص ،لا لأن الله يخلق ويفعل بآلة كما هو شأن خلقه ، وهذا موجود مشهور في كلام العرب و أساليبهم خصوصا في مقام المدح.
وعلى سبيل المثال قوله عليه الصلاة والسلام وٱله الكرام في حق أبي بكر الصديق كما رواه أهل الحديث في مناقبه:( فهل أنتم تاركوا لي صاحبي).
فالسؤال للوهابية الجهال: ولم خص أبابكر بالصحبة وكل الصحابة أصحاب له بلا شك، أليس لمزيد عناية به و تشريف و تكريم له واختصاص في القرب.
ويدل عليه أيضا أنك إذا فعلت أمرا بدون اهتمام ولا عناية فعلته بيد و إذا اعتنيت به فعلته بكلتا اليدين ، فاستعير هذا اللفظ للدلالة على لازمه وهو العناية والاهتمام بالشيء.
ولنسف آخر شبهة في هذه العقيدة الباطلة نذكر الوهابية هنا أن الله جل شأنه الذي خلق آدم وهو أعلم به منهم لم يجعل له هذه الخصوصية في خلقه بل جعل له الخصوصية في خلافته في الأرض حيث قال :{ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}.
و قد رد على ادعاء هؤلاء المجسمة بما رد به على النصارى في خلق عيسى عليه السلام بأنه خلقه وآدم عليه السلام بقدرته الذاتية المطلقة وهي المعبر عنها ب( كن فيكون) حيث قال جل شأنه :{ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} ؛ وهذه ٱية قاصمة لظهر الوهابية في هذه المسألة لأنها تدل على استواء خلق ٱدم و عيسى عند الله جل جلاله ولا تفاضل بينهما في الخلق، فلا فرق بينهما في هذا المقام ، وبالله التوفيق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق