حكم الصلاة على النبي بعد الاذان جهرا
الحمد لله والصلاة
والسلام على رسول الله وءاله وصحبه ومن والاه أما بعد
اعلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جهرا بعد الأذان بدعة حسنة. ويكفي في إثبان كون الجهر بالصلاة على النبي بدعة مستحبة عقب الأذان قوله صلى الله عليه وسلم [إذا سمعتم
المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا عليّ] رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم [من ذكرني فليصل
عليّ] رواه أبو يعلى والسخاوي . فيؤخذ من ذلك أن المؤذن والمستمع كلاهما
مطلوب منه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يحصل بالسر والجهر.ا
فإن قال قائل: لم ينقل عن موذني رسول
الله أنهم جهروا بالصلاة عليه، قلنا: لم يقل الرسول لا تصلوا
علي إلا سرا، وليس كل ما لم يفعل عند رسول الله حراما أو مكروها، إنما
الأمر في ذلك يتوقف على ورود نهي بنص أو استنباط من مجتهد من المجتهدين كمالك وأحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم ممن جاء بعدهم من المجتهدين الذين هم مستوفو الشروط كالحافظ ابن المنذر وابن جرير ممن لهم القياس أي قياس ما لم يرد فيه نص على ما ورد فيه نص، والجهر بالصلاة على النبي عقب الأذان توارد عليه المسلمون منذ قرون فاعتبره العلماء من محدثين وفقهاء بدعة مستحبة منهم الحافظ السخاوي والحافظ السيوطي.ا
فقد قال الحافظ السيوطي في كتابه "الوسائل
إلى مسامرة الأوائل" (ص9) [أول ما زيد الصلاة
والسلام بعد كل أذان في المنارة في زمن السلطان حاجي بن الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون بأمر
المحتسب نجم
الدين الطنبدي
وذلك في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة (791هـ) وكان حدث قبل ذلك في أيام السلطان صلاح الدين بن أيوب أن يُقال في كل
ليلة قبل
أذان الفجر بمصر والشام السلام على رسول الله واستمر ذلك إلى سنة
سبع وستين وسبعمائة فزيد
بأمر المحتسب صلاح الدين البرلسي أن يُقال "الصلاة والسلام عليك يا رسول
الله، ثم جُعل عقب كل أذان سنة إحدى وتسعين].ا
قال الشيخ محمد علاء الدين
الحصكفي الحنفي في كتابه "الدر المختار" [فائدة:
التسليم بعد
الأذان في ربيع الآخر سنة سبعمائة وإحدى وثمانين في عشاء ليلة الإثنين، ثم يوم
الجمعة، ثم بعد عشر سنين حدث في الكل إلا المغرب، ثم فيها مرتين، وهو بدعة
حسنة]، انظر حاشية ابن عابدين (ج1/390).ا
قال الشيخ شمس الدين محمد
عرفة الدسوقي المالكي في "حاشيته على
الشرح الكبير" (ج1/193) [وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان فبدعة
حسنة].ا
قال الحافظ السخاوي
الشافعي وهو تلميذ الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "القول
البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" (ص92) [قد أحدث المؤذنون
الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب الأذان للفرائض الخمس إلا الصبح والجمعة فإنهم يقدمون ذلك
فيها على الأذان
وإلا المغرب
فإنهم لا يفعلونه أصلاً لضيق وقتها ...]، إلى أن قال [وقد اختلف في ذلك هل هو مستحب أو مكروه أو بدعة أو مشروع،
واستُدِل للأول
بقوله تعالى
{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} ومعلوم أن الصلاة والسلام من أَجَلّ القُرّب لا سيما وقد تواردت الأخبار على الحث على ذلك مع ما
جاء في فصل
الدعاء عقب
الأذان والثلث الأخير من الليل وقرب الفجر " والصواب" أنه بدعة حسنة يؤجر فاعله بحسن نيته]، انتهى كلامه. ونقله عنه الحطاب المالكي في
كتابه مواهب الجليل ( ج 1 ص 430 ) وأقره. وفي كتاب "منتهى الإرادات" للحنابلة (ج1/113-114) [وسُنّ لمؤذن
وسامع أن يصليَ على النبي صلى الله عليه وسلم].
"اهـا
ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المؤذن عقب الأذان؟
| ||
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الأذان سنَّة ثابتة في الأحاديث الصحيحة؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
ولم يأتِ نصٌّ يوجب الجهر أو الإسرار بها فالأمر فيه واسع، وإذا شرع الله سبحانه وتعالى أمرًا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وكيفية إيقاعه أكثر من وجه فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته ولا يصح تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل. على أنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على الجهر بالصلاة عليه بعد الأذان، فقد روى الطبراني في "معجمه الكبير" عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول إذا سمع المؤذن: «اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّة والصَّلَاةِ القَائِمَةِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وأعْطِهِ سُؤْلَهُ يَومَ القِيَامَةِ»، وكان يُسمِعُها من حوله ويحب أن يقولوا مثل ذلك إذا سمعوا المؤذن، قال: «ومَن قَالَ مِثْلَ ذَلكَ إِذَا سَمِعَ المُؤَذِّنَ وَجَبت لَهُ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّم يَومَ القِيامَةِ». وعلى كل حال: فالأمر في ذلك واسع، والصواب ترك الناس على سجاياهم، فمن شاء صلَّى بما شاء كما شاء، ومن شاء ترك الجهر بها أو اقتصر على الصيغة التي يريدها، ومن شاء زيَّن صوته مبتهلًا إلى الله بها، سواء فصل بينها وبين الأذان بفاصلٍ زمني أوْ لم يفصل؛ فكلمات الأذان معروفة لا يُخشى أن تلتبس بغيرها، والعبرة في ذلك حيث يجد المسلم قلبه، وليس لأحد أن ينكر على الآخر في مثل ذلك ما دام الأمر فيه واسعًا. والله سبحانه وتعالى أعلم. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق