بيان عورة المرأة والرد على من زعم أنه
لا يجوز لها كشف وجهها وكفيها
اعلم أن عورة المرأة أمام الرجل الأجنبي
جميع بدنها سوى وجهها وكفّيها، فيجوز لها أن تخرج من بيتها كاشفة وجهها إجماعاً.وقد
نقل هذا الإِجماع ابن حجر الهيتمي في كتابيه الفتاوى الكبرى وحاشية شرح الإِيضاح على
مناسك الحج للنووي.
ففي الأوّل (1) [وحاصل مذهبنا أن إمام الحرمين
نقل الإِجماع على جواز خروج المرأة سافرة الوجه وعلى الرجال غضّ البصر]. وقال في الثاني
(2) [إنه يجوز لها كشف وجهها إجماعاً وعلى الرجال غضُّ البصر، ولا ينافيه الإِجماع
على أنها تؤمر بستره لأنه لا يلزم من أمرها بذلك للمصلحة العامة وجوبه]. وقال في موضع
ءاخر (3) [قوله (أي النووي) أو احتاجت المرأة إلى ستر وجهها، ينبغي أن يكون من حاجتها
لذلك ما إذا خافت من نَظَرٍ إليها يجرّ لفتنة، وإن قلنا لا يجب عليها ستر وجهها في
الطُّرُقات كما هو مقرر في محله].
وقال زكريا الأنصاري في شرح الروض (4) ما
نصّه [وما نقله الإمام من الاتفاق على منع النساء أي منع الولاة لهن مما ذكر - أي من
الخروج سافرات - لا ينافي ما نقله القاضي عياض عن العلماء أنه لا يجب على المرأة ستر
وجهها في طريقها وإنما ذلك سنّة وعلى الرجال غضّ البصر عنهن لقوله تعالى {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ
يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} سورة النُّور/ 30) الآية، لأن منعهن من ذلك لا لأن الستر
واجب عليهن قي ذاته بل لأنه سنّة وفيه مصلحة عامة وفي تركه إخلال بالمروءة كالإصغاء
من الرجل لصوتها فإنه جائز عند أمن الفتنة، وصوتها ليس بعورة على الأصح في الأصل].
وقد جاء عن ابن عباس وعائشة أنّهما فسّرا
قول تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} سورة النُّور/31)
بالوجه والكفّين، وهذا هو الصحيح الذي تؤيّده الأدلة كحديث المرأة الخثعمية الذي أخرجه
البخاري (5) ومسلم (6) ومالك (7) وأبو داود (8) والنسائي (9) والدارِمي (10) وأحمد
(11) من طريق عبد الله بن عبّاس قال [جاءت امرأة خثعمية غداة العيد، فسألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم بقولها: يا رسول الله إن فريضة الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا
يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحجّ عنه؟ قال "حجّي عنه"، قال ابن عبّاس
وكانت شابة وضيئة، فجعل الفضل ينظر إليها أعجبه حُسنها، فلوى رسول الله عنق الفضل".
وعند الترمذي من حديث علي (12) "وجعلت تنظر إليه أعجبها حُسنه". قال العبّاس:
يا رسول الله لِمَ لويت عنق ابن عمّك؟ فقال "رأيت شاباً وشابة فلم ءامن الشيطان
عليهما"، قال ابن عبّاس: وكان ذلك بعد ءاية الحجاب.
ولفظ البخاري (13) عن عبد الله بن عبّاس
قال [أردف النبيّ الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلاً وضيئاً،
فوقف النبي صلى الله عليه وسلم بالناس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها، فالتفت النبي صلى الله
عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها].
قال الحافظ ابن حجر في شرحه ما نصه (14) [قال ابن بطال: في الحديث الأمر بغضّ البصر
خشية الفتنة، ومقتضاه أنه إذا أمنت الفتنة لم يمتنع، قال: ويؤيده أنه صلى الله عليه
وسلم لم يحوّل وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإِعجابه بها فخشي الفتنة عليه، قال:
وفيه مغالبة طباع البشر لابن ءادم وضعفه عما ركّب فيه من الميل إلى النساء والإعجاب
بهن. وفيه دليل على أن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي صلى
الله عليه وسلم ، إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي الخثعمية بالاستتار لما صرف
وجه الفضل. قال: وفيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضاً لإِجماعهم على أن المرأة
تبدي وجهها في الصلاة ولو رءاه الغرباء، وأن قوله {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا
مِنْ أَبْصَارِهِمْ} سورة النور/30) على الوجوب في غير الوجه. قلت: وفي استدلاله بقصة
الخثعمية لما ادعاه نظر لأنها كانت محرمة]. ا. هـ. أقول: تعقّبُ الحافظ لكلام ابن بطال
مدفوع لأنه كان يمكنها أن تجمع بين المصلحتين مصلحة الإِحرام ومصلحة تغطية الوجه بأن
تجافي الساتر بشيء يمنع من مَسّه وجهها، كما جاء ذلك عن أمّهات المؤمنين في سفرهنّ
للحجّ أنهن كنّ إذا حاذين الركب سَدَلْنَ على وجوههنّ فإذا جاوزن رفعن الساتر، كما
رواه أبو داود (15) وابن أبي شيبة (16) وغيرهما. فلو كان سكوته صلى الله عليه وسلم
عن أمر الخثعمية بتغطية وجهها لأجل إحرامها لأمرها بسدل الساتر على وجهها مع مجافاته
حتى لا يلتصق بالوجه لكنه لم يأمرها، ولما لم يأمر المرأة الخثعمية بتغطية وجهها في
ذلك الجمع الكبير، الذي قال جابر في وصف ما كان من الحجّاج عندما خرج النبيّ من المدينة:
إن الناس كانوا مدّ البصر في جوانبه الأربعة: أمامه وخلفه ويمينه وشماله، علم من ذلك
عدم وجوبه، ولو كان واجباً لأمرها بذلك. فتبيّن بما ذكرنا أن دعوى بعض أن سكوت النبيّ
على كشف الخثعمية وجهها كان لأجل الإحرام دعوى فاسدة لا عبرة بها. فسكوته صلى الله
عليه وسلم دليل ظاهر على أن وجه المرأة من غير أمّهات المؤمنين يجوز كشفه في الطرق
ونحوها، لأن هذه الخثعمية كانت عند الرمي وذلك الموضع يكثر فيه اجتماع الحجّاج حتى
إنه يحصل كثيراً التلاصق بين الرجال والنساء من شدة الزحمة بلا تعمّد.
قال الحافظ ابن حجر(17): قوله [فجاءته امرأة
من خَثعم - بفتح المعجمة وسكون المثلثة - قبيلة مشهورة، قوله: فجعل الفضل ينظر إليها،
في رواية شعيب: وكان الفضل رجلاً وضيئاً أي جميلاً وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة، فطفق
الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها. قوله: يصرف وجه الفضل، في رواية شعيب: فالتفت النبي
صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فدفع وجهه عن النظر
إليها.، وهذا هو المراد بقوله في حديث علي: فلوى عنق الفضل. ووقع في رواية الطبري في
حديث علي: وكان الفضل غلاماً جميلاً فإذا جاءت الجارية من هذا الشقّ صرف رسول الله
صلى الله عليه وسلم وجه الفضل إلى الشقّ الآخر، فإذا جاءت إلى الشق الآخر صرف وجهه
عنه، وقال في ءاخره "رأيت غلاماً حَدَثاً وجارية حَدَثة فخشيت أن يدخل بينهما
الشيطان"]. ا. هـ. وفي هذا الحديث دلالة على رجحان جواز كشف المرأة وجهها مع خوف
الفتنة، وهذا ما قاله شارح مختصر خليل محمد عليش المالكي في كتاب الصلاة، ومحل الدليل
في الحديث قوله عليه السلام "رأيتُ غلاماً حَدَثاً وجارية حَدَثة فخشيت أن يدخل
بينهما الشيطان"، ومقابله ما ذكره بعض الشافعية من المتأخرين كالشيخ زكريا الأنصاري
والرملي، وهذه الرواية التي عزاها الحافظ للطبري صحيحة أو حسنة عند ابن حجر لأنه التزم
في المقدمة أن ما يورده من الأحاديث مما هو شرح لرواية البخاري أو زيادة عليها فهو
صحيح أو حسن.
وقال صاحب المبسوط الحنفي (18) [ثم لا شك
أنه يُباح النظر إلى ثيابها ولا يعتبر خوف أمن الفتنة في ذلك فكذلك إلى وجهها وكفيها].
وقال الشيخ محمد عليش المالكي في شرح مختصر
خليل (19) ممزوجا بالمتن [وهي - أي العورة - من حرة مع رجل أجنبي مسلم جميع جسدها غير
الوجه والكفّين ظهراً وبطناً، فالوجه والكفّان ليسا عورة فيجوز لها كشفهما للأجنبي
وله نظرهما إن لم تخش الفتنة.، فإن خيفت به فقال ابن مرزوق: مشهور المذهب وجوب سترهما،
وقال عياض: لا يجب سترهما ويجب عليه غضّ بصره]. ا. هـ. فالراجح عدم اشتراط أمن الفتنة
لما في حديث الخثعمية السابق الذكر من أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للعبّاس
"رأيت غلاماً حَدَثاً وجارية حَدَثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان". فلا
حجة في قول بعض المتأخرين ممن ليسوا من أهل الوجوه إنما هم نقلة إن ستر الوجه في هذا
الزمن واجب على المرأة دفعاً للفتنة لا لأنه عورة لأمرين، أحدهما أن هذا القول أي اشتراط
أمن الفتنة منها أو عليها لعدم وجوب ستر الوجه كما زعمه بعض الشافعية وهو مذكور في
شرح المهذب وشرح روض الطالب وشرح الرملي على منهاج الطالبين، ليس منقولاً عن إمام كالشافعي
أو غيره من الأئمة ولا هو منقول عن أصحاب الوجوه من المذهب. وكيفما كان الأمر فالصحيح
ما وافق النص. والمراد بالفتنة في هذه المسألة الداعي إلى جماع أو خلوة أو نحوهما كما
صرح بذلك زكريا الأنصاري (20). ويشهد لهذا أيضاً ما رواه ابن حبّان (21) مرفوعاً من
حديث ابن عباس قال: كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء من أحسن
النّاس، فكان بعض القوم يتقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في
الصف المؤخر، فكان إذا ركع نظر من تحت إبطه، فأنزل الله في شأنها {وَلَقَدْ عَلِمْنَا
الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} سورة الحِجر/24)،
الشاهد فيه أن الرسول لم يقل لتلك المرأة الحسناء انقبعي في بيتك أو تعالي مغطية وجهك،
فلما لم يقل ذلك علمنا أن خوف الفتنة لا يناط به الحكم. ثم الإجماع الذي انعقد على
أنه يجوز للمرأة كشف وجهها وعلى الرجال غض البصر لا ينتقض حكمه برأي بعض المتأخرين،
وهذا الإجماع قد نقله ابن حجر الهيتمي في حاشية الإيضاح وغيره بعد نقل القاضي عياض
لذلك. قد أسفر الصبح لذي عينين.
وحديث فاطمة بنت قيس رواه مسلم (22)، أمّا
حديث "احتجبا منه"، فلم يخرجه بل أخرجه أبو داود (23)، وهو مختلف في صحته
كما قال الحافظ ابن حجر، فلا يجوز إلغاء حديث فاطمة بنت قيس من أجل حديث "احتجبا
منه"، لأن ذلك مخالف للقاعدة الأصولية والحديثية من أنه إذا تعارض حديثان جُمع
بينهما ما أمكن الجمع، والجمع هنا بين الحديثين ممكن بما قررنا. وقد تقرر هذا الحكم
عند الأصوليين والمحدثين، وجاء ذلك عن مالك وغيره.
وفي سنن أبي داود (24) أن أسماء بنت أبي
بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقال "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يُرى
منها إلا هذا وهذا" وأشار إلى وجهه وكفّيه، وهذا الحديث مشهور وإن كان في سنده
كلام.
وفي تفسير الفخر الرازي (25) في شرح قول
الله تعالى {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} سورة النور/31)
إلى ءاخر الآية ما نصه [اختلفوا في المراد من قوله تعالى {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}
سورة النور/31، أما الذين حملوا الزينة على الخلقة، فقال القفّال: معنى الآية إلا ما
يظهره الإنسان في العادة الجارية، وذلك في النساء الوجه والكفّان، وفي الرجل الأطراف
من الوجه واليدين والرجلين، فأُمروا بستر ما لا تؤدي الضرورة إلى كشفه ورخّص لهم في
كشف ما اعتيد كشفه وأدّت الضرورة إلى إظهاره، إذ كانت شرائع الإسلام حنيفية سهلة سمحة،
ولما كان ظهور الوجه والكفّين كالضروري لا جَرَم اتفقوا على أنهما ليسا بعورة].
وقال النووي في روضة الطالبين (26) ما نصّه
[وأما المرأة فإن كانت حرّة فجميع بدنها عورة إلا الوجه والكفّين ظهرهما وبطنهما إلى
الكوعين]. والكوع هو طرف الزند الذي يلي الإبهام.
وقد نقل شمس الدين الرملي (27) في كتابه
نهاية المحتاج أن ابن عباس وعائشة قالا في قوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ
إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} سورة النور/31) [هو الوجه والكفّان، وأن الساتر للعورة
شرطه أن يكون يمنع إدراك لون البشرة، وإن حكى حجمها كسروال ضيق ولكنه مكروه للمرأة
وخلاف الأولى للرجل]. ونقل ذلك أيضاً عن ابن عبّاس وغيره الشيخ زكريا الأنصاري في شرح
الروض (28).
وفي كتاب البحر المذهب لأبي المحاسن الروياني
الشافعي ما نصه (29) [فرع: يكره للمرأة أن تنتقب في الصلاة لأن الوجه من المرأة ليس
بعورة فهي كالرجل يكره له أن يصلي متلثماً]. ا. هـ. وقال ما نصه (30) [قال بعض أصحابنا:
تجوز الصلاة في الثوب الواصف للون، وكذا ذكره القفّال زماناً وأُلزم عليه فسادُ صلاةِ
العريان في الماء الصافي فرجع عن ذلك ولو كان الثوب صفيقاً يستر لونها جازت الصلاة
فيه، وإن وصف حجم الأعضاء والجسد من الأليتين أو الفخذين أو الذكر، لأنه ما من ثوب
إلا ويصف ذلك].
وقال محمد عليش المالكي في منح الجليل
(31) [وكُرِه - بضم فكسر - لباس مُحَدَّدٌ - بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر الدال
مُثَقَّلَةً - أي مظهر حدّ العورة لرقته أو ضيقه وإحاطته، أو باحْتزام عليه ولو بغير
صلاة لإِخلاله بالمروءة ومخالفته لزيّ السلف].
وقال زكريا الأنصاري في كتابه أسنى المطالب
شرح روض الطالب (32) [ولا يضرّها بعد سترها اللون أن تحكي الحجم، لكنه للمرأة مكروه،
وللرجل خلاف الأولى قاله الماوردي وغيره] ا. هـ. وذكر مثل هذا ابن حجر الهيتمي في المنهاج
القويم (33) والنووي في شرح المجموع (34) وقال الإمام علاء الدين المرداوي الحنبلي
في كتابه الإنصاف (35) [فأما إن كان (أي الساتر) يستر اللون ويصف الخلقة لم يضرّ، قال
الأصحاب لا يضرّ إذا وصف التقاطيع ولا بأس بذلك، نصَّ عليه (أي أحمد) لمشقة الاحتراز].
وقال فيه أيضاً (36) [فأما المرأة فيكره الشدّ فوق ثيابها لئلا يحكي حجم أعضائها وبدنها
انتهى. قال ابن تميم وغيره: ويكره للمرأة في الصلاة شدّ وسطها بمنديل ومنطقة ونحوهما].
وفي كتاب الإحسان (37) ما نصه [أخبرنا أحمد
بن علي بن المثنى قال: حدثنا القواريري قال: حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن
إسحق عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال "كن النساء يؤمرن في عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الصلاة أن لا يرفعن رءوسهن حتى يأخذ الرجال مقاعدهم من الأرض من ضيق الثياب].
وأما النظر إلى وجه غير الملتحي نقل زكريا
الأنصاري في شرح الروض (38) عن ابن القطان ما لفظه [وأجمعوا أنه يحرم النظر إلى غير
الملتحي لقصد التلذذ بالنظر إليه وإمتاع حاسة البصر بمحاسنه، وأجمعوا على جواز النظر
إليه بغير قصد اللذة والناظر من ذلك ءامن من الفتنة، واختلف إن توفر له أحد هذين الشرطين
دون الآخر]. انتهت عبارة ابن القطان. قال بعض العلماء [وكتاب ابن القطان أحسن ما ألّف
في بيان مسائل الإجماع والخلاف جاء بعد ابن المنذر، ومعنى قوله [إن توفر له أحد الشرطين
دون الآخر] أي أنهم اختلفوا فيما إذا كان انتفى قصد اللذة بالنظر إلى الأمرد ولم يحصل
الأمن من الفتنة، والله أعلم. وبما مر من النقول يعلم انتقاض قول بعض المتأخرين من
أهل القرن الثاني عشر ونحوه إنه يجب ستر المرأة وجهها لا لأنه عورة بل دفعاً للفتنة.
وروى الحديث أيضاً البخاري في كتاب الحجّ
عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما قال [كان الفضل رديف النبي صلى الله عليه وسلم
فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه
وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخاً كبيراً
لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال "نعم" وذلك في حجة الوداع].
ولا يقال أيضاً إن حديث "احتجبا منه"
خطاباً لزوجتيه حين دخل ابن أم مكتوم دليل على أن وجه المرأة يجب ستره، فإن ذلك مختصٌّ
بأزواج النبي كما قال أبو داود في سننه جمعاً بينه وبين حديث فاطمة بنت قيس، الذي فيه
أنه عليه الصلاة والسلام قال لها "اعتدّي في بيت ابن أمّ مكتوم فإنه رجل أعمى
تضعين ثيابك عنده"، ففرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم بين نسائه وبين
غيرهنّ، لأنه سمح لفاطمة بنت قيس أن تضع ثيابها عند هذا الأعمى الذي قال لزوجتيه
"احتجبا منه ".
فيتبين بعدما ذكرنا أن عورة المرأة جميع
بدنها سوى وجهها وكفّيها، وأنه يجوز لها كشف الوجه والكفّين، وأن على الرجال غضّ البصر،
والأحسن أن تسترهما، وأن ما تستعمله المرأة لستر عورتها إن. حكى الحجم وأظهر اللون
لا يكفي، وإن حكى الحجم وستر اللون فهو كافٍ مع الكراهة، لأن المرأة لا تقدر على أن
تلبس لباساً لا يحكي شيئاً من عورتها على الإطلاق، والأحسن أن تلبس ما كان أوسع كالجلباب،
والكراهية في المذاهب الثلاثة مذهب الشافعي ومالك وأحمد هي الكراهية التنزيهية أي ما
لا عقاب على فعله وفي تركه ثواب.
------------------------------------------
(1) الفتاوى الكبرى (1/ 199).
(2) حاشية شرح الإيضاح في مناسك الحج (ص/276).
(3) المرجع ذاته (ص/ 178).
(4) انظر شرح روض الطالب (3/ 110).
(5) صحيح البخاري: كتاب الحج: باب وجوب
الحج وفضله.
(6) صحيح مسلم: كتاب الحج: باب الحج عن
العاجز لزمانه وهرم ونحوهما أو للموت.
(7) موطأ مالك: كتاب الحج: باب الحج عمن
لا يستطيع أن يثبت على الراحلة.
(8) سنن أبي داود: كتاب المناسك: باب الرجل
يحج عن غيره.
(9) سنن النسائي: كتاب المناسك: باب حج
المرأة عن الرجل.
(10) سنن الدارمي: كتاب المناسك: باب في
الحج عن الحي (2/ 39- 40).
(11) مسند أحمد (1/213).
(12) جامع الترمذي: كتاب الحج: باب ما جاء
أن عرفة كلها موقف.
(13) انظر صحيح البخاري، كتاب الاستئذان،
باب قول الله تعالى {يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم}، الآية
(14) انظر فتح الباري (11/ 10).
(15) أخرجه أبو داود في سننه: كتاب المناسك:
باب في المحرمة لغطي وجهها.
(16) أخرجه ابن أبي شَيبة في المصنف
(3/ 284) كتاب الحج: باب في المحرم يغطي وجهه.
(17) انظر فتح الباري (4/ 67).
(18) المبسوط (10/153).
(19) منح الجليل شرح مختصر خليل
(1/222).
(20) انظر شرح روض الطالب لزكريا الأنصاري
(3/ 110).
(21) انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان(
11/ 309)
(22) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الطلاق:
باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها.
(23) أخرجه أبو داود في سننه كتاب اللباس:
باب في قوله عزّ وجلّ {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} ، قال
أبو داود: هذا لأزواج النبي خاصة، ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم؟
قد قال النبي لفاطمة بنت قيس: اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده.
(24) سنن أبي داود: كتاب اللباس: باب فيما
تبدي المرأة من زينتها.
(25) التفسير الكبير (23/ 206- 07 2).
(26) روضة الطالبين (1/ 283).
(27) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج
(2/ 80).
(28) أسنى المطالب شرح روض الطالب (1/
176).
(29) البحر المذهب ق/ 122 (مخطوط).
(30) انظر البحر المذهب (ق/ 116) مخطوط
في دار الكتب المصرية برقم/ 22 فقه شافعي.
(31) منح !الجليل شرح مختصر خليل (1/ 226).
(32) أسنى المطالب شرح روض الطالب (1/
176).
(33) انظر المنهاج القويم (ص/ 182).
(34) انظر المجموع (3/ 170).
(35) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف
(1/449).
(36) المرجع ذاته (1/ 471).
(37) انظر كتاب الإحسان (3/ 317).
(38)انظر شرح الروض (4/180). الله موجود
بلا مكان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق