الألباني يمنع سنة الجمعة القبلية قبل الجمعة و بعد الأذان بحجة أنها بدعة
الجواب: ذكر الحافظ زين الدين العراقي في
شرح الترمذي أن الخلعي روى في فوائده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الرسول صلى
الله عليه و سلم صلى قبل الجمعة أربعًا و بعدها اربعًا و إسناده جيد كما ذكر الحافظ
ولي الدين العراقي (1). و خالف الألباني في هذه المسألة الأحاديث الصحيحة فمنع الصلاة
قبل الجمعة بحجة أنها بدعة و أنها خلاف السنة حيث قال (2):" و إن قصد الصلاة
بين الأذان المشروع و الأذان المحدث تلك التي يسمونها سنة الجمعة القبلية فلا أصل
لها في السنة و لم يقل بها أحد من الصحابة و الئمة " اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير
(3):" فائدة: لم يذكر الرافعي في سنة الجمعة التي قبلها حديثًا و اصح ما فيه
ما رواه ابن ماجه عن داود بن رشيد عن حفص بن
غياث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة
و عن أبي سفيان عن جابر قالا: جاء سُلَيْك الغَطَفاني و رسول الله صلى الله عليه و
سلم يخطب فقال له:" أصليت ركعتين قبل أن تجيء "؟ قال: لا، قال:" فصل
ركعتين و تجَوَّز فيهما ". قال المجد بن تيمية في المنتقى: قوله: " قبل
أن تجيء" دليل على أنهما سنة الجمعة التي قبلها لا تحية المسجد و تعقبه المزي
بأن الصواب: أصليت ركعتين قبل أن تجلس؟ فَصحَّفه بعض الرواة، و في ابن ماجه عن ابن
عباس:" كان النبي صلى الله عليه و سلم يركع قبل الجمعة أربع ركعات لا يفصل بينهن
بشىء" و إسناده ضعيف جدًا، و في الباب عن ابن مسعود و علي في الطبراني الأوسط".
اهـ.
قال الحافظ ولي الدين العراقي عن الحديث
الذي رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه (4):" رواه ابن ماجه في سننه بإسناد
صحيح "اهـ، و قال عن حديث جابر الذي رواه ابن ماجه أيضًا (5):" قال والدي
– يعني الحافظ عبد الرحيم العراقي – رحمه الله في شرح الترمذي: و إسناده صحيح"
اهـ.
و قال الحافظ ابن حجر (6):" و ورد
في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة منها عن أبي هريرة رواه البزاربلفظ:"
كان يصلي قبل الجمعة ركعتين و بعدها أربعًا"، و في سنده ضعف" اهـ . ثم قال
(7):" و عن ابن مسعود عند الطبراني أيضًا مثله و في إسناده ضعف و انقطاع و رواه
عبد الرزاق عن ابن مسعود موقوفًا و هو الصواب و روى ابن سعد عن صفية زوج النبي صلى
الله عليه و سلم موقوفًا نحو حديث أبي هريرة" اهـ.
أما حديث ابن مسعود الموقوف فقد رواه عبد
الرزاق (8) في مصنفه عن معمر عن قتادة:" أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يصلي
قبل الجمعة أربع ركعات و بعدها أربع ركعات" صححه الحافظ ابن حجر (9) و روى ابن
أبي شيبة (10) أن ابن مسعود كان يصلي قبل الجمعة أرعًا و أخرج عبد الرزاق (11) أيضًا
أن ابن مسعود كان يأمر بأن يُصلى قبل الجمعة أربعًا، قال الحافظ ابن حجر (12):
" و رواته ثقات" اهـ.
و روى ابو داود و ابن حبان و غيرهما
(13) عن نافع قال:" كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة و يصلي بعدها ركعتين
في بيته، و يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك" و روى ابن سعد
في الطبقات (14) عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن صافية سمعها و هي تقول:"
رأيت صفية بنت حيي صلت اربعًا قبل خروج الإمام و صلت الجمعة مع الإمام ركعتين".
و روى ابن أبي شيبة (15) عن أبي مجلز أنه
كان يصلي في بيته ركعتين يوم الجمعة و عن عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه كان لا يأتي
المسجد يوم الجمعة حتى يصلي في بيته ركعتين و عن الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا يصلون
قبلها أي الجمعة أربعًا.
و قد ورد عن ابن عمر " أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين و بعدها ركعتين و بعد المغرب ركعتين
في بيته و بعد العشاء ركعتين و كان لا يصلي بعد الجمعة حتى
ينصرف فيصلي ركعتين"... الحديث رواه
البخاري في صحيحه تحت باب الصلاة بعد الجمعة و قبلها قال الحافظ ابن حجر
(16):" و لم يذكر شيئًا في الصلاة قبلها يعني الجمعة قال ابن المنيِّر في الحاشية:
كأنه يقول الأصل استواء الظهر و الجمعة حتى يدل دليل على خلافه لأن الجمعة بدل الظهر
قال: و كانت عنايته بحكم الصلاة بعدها أكثر و لذلك قدمه في الترجمة على خلاف العادة
في تقديم القبل على البعد".اهـ، ثم قال:" و قال ابن التين: لم يقع ذكر الصلاة
قبل الجمعة في هذا الحديث فلعل البخاري أراد إثباتها قياسًا على الظهر انتهى، و قوَّاه
الزين ابن المنير بأنه قصد التسوية بين الإمام و المأمومفي الحكم و ذلك يقتضي أن النافلة
لهما سواء. انتهى، و الذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب
و هو ما رواه أبو داود و ابن حبان من طريق أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة
قبل الجمعة و يصلي بعدها ركعتين في بيته و يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان
يفعل ذلك اححتج به النووي في الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التي قبلها" اهـ.
قال الزيلعلي (17): " و لم يذكر الشيخ
محيي الدين النووي في الباب غير حديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه و سلم
قال: " بين كل أذانين صلاة " أخرجه البخاري و مسلم (18) ذكره في كتاب الصلاة
و ذكر أيضًا حديث نافع قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة و يصلي بعدها ركعتين
في بيته و يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل ذلك اهـ. قال: رواه أبو داود
بسند على شرط البخاري انتهى، و سنة الجمعة ذكرها صاحب الكتاب- في الاعتكاف- فقال:
السنة قبل الجمعة أربع و بعدها أربع و أشار إليها في إدراك الفريضة فقال: و لو أقيمت
و هو في الظهر أو الجمعة فإنه يقطع على رأس الركعتين و قيل: يتمها " اهـ.
قال الحافظ ابن حجر (19): " و اقوى
ما يتمسك به في مشروعية ركعتين قبل الجمعة عموم ما صححه ابن حبان (20) من حديث عبد
الله بن الزبير مرفوعًا:" ما من صلاة مفروضة إلا و بين يديها ركعتان " و
مثله (21) حديث عبد الله بن مغفل
الماضي في وقت المغرب:" بين كل أذانين
صلاة " اهـ.
قال ابن العربي المالكي في شرح الترمذي
(22):" و أما الصلاة قبلها يعني الجمعة فإنه جائز " اهـ.
قال ابو عبد الرحمن شرف الحق العظيم ءابادي
(23) ما نصه:" و الحديث- أي حديث ابن عمر المتقدم- يدل على مشروعية الصلاة قبل
الجمعة و لم يتمسك المانع من ذلك إلا بحديث النهي عن الصلاة وقت الزوال و هو مع كون
عمومه مخصصًا بيوم الجمعة ليس فيه ما يدل على المنع من الصلاة قبل الجمعة على الإطلاق
و غاية ما فيه المنع في وقت الزوال و هو غير محل النزاع و الحاصل أن الصلاة قبل الجمعة
مرغب فيها عمومًا"، ثم قال (24):" قلت: حديث ابن عمر الذي شرحه قال النووي
في الخلاصة: صحيح على شرط البخاري و قال العراقي في شرح الترمذي: إسناده صحيح لا جرم
و اخرجه ابن حبان في صحيحه" اهـ.
و يكفي في مشروعية ركعتين قبل الجمعة فعل
الصحابي الجليل ابن مسعود و ابن عمر و أم المؤمنين صفية بنت حيي
رضي الله عنهم و فعل أبي مجلز و هو لاحق
بن حميد تابعي جليل و طاوس بن كيسان اليماني أحد أكابر تلاميذ ابن عباس رضي الله عنهم
و من سادات التابعين و ثقاتهم و إبراهيم بن يزيد النخعي و هو تابعي ثقة و مفتي أهل
الكوفة في زمانه و إقرار سفيان الثوري و ابن المبارك اللذين هما من أكابر العلماء
العاملين و يكفي تصحيح الحافظ الثقة الثبت الزين العراقي شيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني
للحديث و غيرُه.
و في ختام ردنا نوجه كلمة لناصر اللباني
نقول له فيها: لقد خالفت في هذا زعيمك الحراني الذي تسميه شيخ الإسلام فقد أجاز صلاة
النافلة قبل الجمعة فقال:" من فعل ذلك ذلك لم يُنكر عليه"، كما نقل عنه صاحب
الإنصاف" الحنبلي (25).
و لقد تبين من هذا الرد المختصر مشروعية
صلاة النافلة قبل صلاة الجمعة من أقوال أهل العلم و المعرفة و بهذا نكون قد فندنا
قول الألباني:" إن سنة الجمعة القبلية لا اصل لها في السنة الصحيحة و إنه لم يقل
أحد من الأئمة بها بل هو أمر محدث".
و تبين بذلك التذبذب و الاختلاف بين الألباني
و زعيمه الحرَّاني ابن تيمية.
----------------------------------------
(1)- طرح التثريب في شرح التقريب
(3/42).
(2)- انظر كتابه المسمى الأجوبة النافعة
(ص/41).
(3)- تلخيص الحبير (2/74).
(4)- طرح التثريب في شرح التقريب
(3/42).
(5)- المرجع السابق.
(6)- فتح الباري (2/426).
(7)- المرجع السابق.
(8)- مصنف عبد الرزاق (3/247).
(9)- تلخيص الحبير (2/74).
(10)- مصنف ابن أبي شيبة (1/463).
(11)- مصنف عبد الرزاق (2/247).
(12)- الدراية في تخريج أحاديث الهداية
(ص/ 218).
(13)- أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الصلاة:
باب الصلاة بعد الجمعة، و ابن حبان في صحيحه انظر الإحسان (4/84)، و ابن خزيمة في
صحيحه (3/168)، و أحمد في مسنده (2/103).
(14)- طبقات ابن سعد (8/491).
(15)- مصنف ابن أبي شيبة (1/463).
(16)- فتح الباري (2/426).
(17)- نصب الراية لأحاديث الهداية
(2/207).
(18)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأذان:
باب بين كل أذانين صلاة، و مسلم في صحيحه: كتاب صلاة المسافرين و قصرها: باب بين كل
أذانين صلاة.
(19)- فتح الباري(2/426).
(20)- أخرجه ابن حبان في صحيحه انظر الإحسان
(4/77-78).
(21)- انظر الإحسان بترتيب ابن حبان
(2/48-49، 7/523).
(22)- شرح الترمذي (2/312).
(23)- عون المعبود على سنن أبي داود
(1/438).
(24)- عون المعبود على سنن أبي داود
(1/439).
(25)- الإنصاف (2/406).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق