الثلاثاء، 16 مايو 2017

ما معنى حديث رسول الله صل الله عليه وسلم : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ....؟!

لا تشــد الرحــال
يخطئ كثير من الناس في فهم حديث :
((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي    هذا ، والمسجد الأقصى)) ..
فيستدلون به على تحريم شد الرحل لزيارة النبي r ويعتبرون أن السفر     بذلك سفر معصية ، وهذا الاستدلال مردود ، لأنه مبني على فهم باطل ،    فالحديث كما سترى في باب ، والاستدلال في باب آخر ، وبيان ذلك هو أن قوله r: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد . جاء على الأسلوب المعروف عند   اللغويين بأسلوب الاستثناء ، وهذا يقتضي وجود مستثنى ومستثنى منه ، فالمستثنى  هو ما كان بعد إلا ، والمستثنى منه هو ما كان قبلها ، ولابد من الأمرين ، إما  وجوداً أو تقديراً ، وهذا مقرر ومعروف في أبسط كتب النحو .
وإذا نظرنا إلى هذا الحديث وجدنا أنه قد جاء فيه التصريح بذكر المستثنى   وهو قوله : (إلى ثلاثة مساجد) وهو ما بعد ((إلا)) ولم يأت ذكر المستثنى منه وهو   ما قبل ((إلا)) فلابد إذن من تقديره .
فإن فرضنا أن المستثنى منه [قبر] كان اللفظ المنسوب لرسول الله r              لا تشد الرحال إلى قبر إلا إلى ثلاثة مساجد . وهذا السياق ظاهر في عدم      الانتظام وغير لائق بالبلاغة النبوية ، فالمستثنى غير داخل ضمن المستثنى منه ، والأصل أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه ، ولا يطمئن قلب عالم يتحرج    من نسبة كلام للمصطفى r لم يقله إلى نسبة هذه اللفظة [قبر] وهي لا تتفق       مع الأصل في الاستثناء إلى رسول الله r فلا تصلح أن تكون هي المستثنى          منه ، فلنفرض أنها لفظ [مكان] فيكون السياق المنسوب لرسول الله r على      هذا الفرض ، لا تشد الرحال إلى مكان إلا إلى ثلاثة مساجد ، ومعنى هذا ألا    تسافر إلى تجارة أو علم أو خير ، وهذا ضرب من الهوس ظاهر البطلان .
فالحديث اشتمل على ذكر المستثنى وليس فيه ذكر المستثنى منه ، ولذلك   فلابد من تقديره باتفاق أهل اللغة ، وتقديره لا يحتمل إلا ثلاثة وجوه لا رابع لها الوجه الأول : أن يكون تقديره بلفظ [ قبر] فيكون اللفظ المقدر : لا تشد    الرحال إلى قبر إلا إلى ثلاثة مساجد .
وهذا التقدير مبني على رأي من يستدل بالحديث على منع السفر للزيارة ، وأنت ترى أنه تقدير بارد ممجوج لا يستسيغه من عنده أدنى إلمام بالعربية ، وهو     لا تليق نسبته إلى أفصح من نطق بالضاد صلوات الله وسلامه عليه ، فحاشا أن يرضى بمثل هذا الأسلوب الساقط .
الوجه الثاني : أن يكون تقدير المستثنى منه في الحديث بلفظ عام وهو         لفظ [ مكان ] وهذا باطل كما تقدم بلا خلاف ولا قائل به .
الوجه الثالث : أن يكون تقدير المستثنى منه في الحديث بلفظ [ مسجد ] فيكون سياق الحديث بلفظ : لا تشد الرحال إلى مسجد إلا إلى ثلاثة مساجد .  فنرى أن الكلام قد انتظم وجرى على الأسلوب اللغوي الفصيح ، واختفى التهافت الواضح في الصورتين المتقدمتين وأشرقت فيه روح النبوة . ويطمئن القلب التقي إلى نسبته لرسول الله r هذا بفرض أنه لا توجد رواية أخرى مصرحة بالمستثنى منه   فإذا وجدت هذه الرواية فلا يحل لمن له دين أن يعدل عنها إلى محض فرض لا    يستند إلى فصيح اللغة .
وقد وجدنا بحمد الله في السنة النبوية من طريق الروايات المعتبرة ما فيه  التصريح بالمستثنى منه ، فمنها : ما أخرجه الإمام أحمد من شهر بن حوشب قال : سمعت أبا سعيد وذكرت عنده الصلاة والسلام في الطور فقال : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :
((لا ينبغي للمطي أن يشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير  المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي)) ..
قال الحافظ ابن حجر : وشهر حسن الحديث وإن كان فيه بعض ضعف .
(فتح الباري ج3 ص65) .
وفي لفظ آخر :
((لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير  المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا)) ..
قال الحافظ الهيثمي : وفيه شهر ، فيه كلام وحديثه حسن .
(مجمع الزوائد ج4 ص3)
ومنها ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله r :
((أنا خاتم النبياء ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء أحق المساجد أن يزار وتشد إليه الرواحل : المسجد الحرام ومسجدي ، صلاة في مسجدي أفضل  من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام)) ..
رواه البزار . (مجمع الزوائد ج4 ص3)
فكلامه r في المساجد ليبين للأمة أن ما عدا هذه المساجد الثلاثة           متساو في الفضل ، فلا فائدة في التعب بالسفر إلى غيرها ، أما هي فلها مزيد     فضل ، ولا دخل للمقابر في هذا الحديث فإقحامها في هذا الحديث يعتبر ضرباً      من الكذب على رسول الله r ، هذا مع أن الزيارة مطلوبة بل وكثير من العلماء يذكرونها في كتب المناسك على أنها من المستحبات ، ويؤيد هذا أحاديث كثيرة ، نذكر جملة منها .
عن ابن عمر عن النبي r قال :
((من زار قبري وجبت له شفاعتي)) ..
رواه البزار وفيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري وهو ضعيف ، ونقله الشيخ     ابن تيمية ، وقال : إنه ضعيف ولم يحكم بوضعه أو كذبه اهـ . (الفتاوى        ج27 ص30) في هذا الموضع ، فإن ثبت غير هذا عنه في موضع آخر            فمعناه أنه متردد في الحكم عليه ، أو أنه اختلف رأيه فيه ولم نعلم المتقدم من    المتأخر فلا يوثق بواحدة حينئذ .
عن ابن عمر قال : قال رسول الله r :
((من جاءني زائراً لا يعلم له حاجة إلا زيارتي كان حقاً عليَّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة)) ..
رواه الطبراني في الأوسط والكبير ، وفيه مسلمة بن سالم وهو ضعيف .
(كذا في المجمع ج4 ص2) .
وقال الحافظ العراقي : صححه ابن السكن (المغني ج1 ص265) .
عن ابن عمر عن النبي r قال :
((من حج فزار قبري في مماتي كان مكن زارني في حياتي)) ..
رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وفيه حفص بن أبي داود القارئ وثقه    أحمد ، وضعفه جماعة من الأئمة .
عن ابن عمر قال : قال رسول الله r :
((من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي)) ..
قال الهيثمي : رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه عائشة بنت يونس ،    ولم أجد من ترجمها (كذا في مجمع الزوائد 4/2) .
والحاصل أن أحاديث الزيارة لها طرق كثيرة يقوي بعضها بعضاً ، كما نقله المناوي عن الحافظ الذهبي في فيض القدير (ج6 ص140) خصوصاً وإن          بعض العلماء صححها أو نقل تصحيحها كالسبكي وابن السكن والعراقي   والقاضي عياض في الشفا ، والملا علي قاري شارحه والخفاجي كذلك في نسيم الرياض (ج3 ص511) ، وكلهم من حفاظ الحديث وأئمته المعتمدين ، ويكفي      أن الأئمة الأربعة رضي الله عنهم وغيرهم من فحول العلماء وأركان الدين قالوا بمشروعية زيارة النبي r كما نقله عنهم أصحابهم في كتب فقههم المعتمدة ،      وهذا كاف منهم في تصحيح أحاديث الزيارة وقبولها لأن الحديث الضعيف يتأيد بالعمل والفتوى ، كما هو معروف من قواعد الأصوليين والمحدثين .

]  ]  ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق