الاثنين، 29 مايو 2017

ماهي القواعد في الحكم على الناس ؟!

قواعد في الحكم على الناس
  "تصنيف الناس والحكم عليهم" في ميزانها الشرعي ، وذلك من خلال ثماني  قواعد .
القاعدة الأولى : الإنسان يوزن بـحسناته وسيئاته :
قال تعالى : ( فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُون  ) [ المؤمنون/102ـ103 ]
فأخبرنا الله ـ جل وعلا ـ أن من كانت حسناته هي الراجحة على سيئاته مع الندم على السيئات كان على سبيل النجاة ،وطريق الفوز والفلاح ، ومن مالت سيئاته بحسناته كان الهلاك والعذاب أولى به وهنا فوائد مهمة ينبغي علينا أن نحفظها جيداً ، فليس من شرط أولياء الله المتقين ألا يكونوا مخطئين.
قال تعالى في وصف المتقين : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون )  [ آل عمران/135]
 فالتقي قد يقع في كبيرة ، ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَة ) كبيرة من الكبائر ( أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ  ) صغيرة من الصغائر ، لكنهم يتوبون سريعاً حال يقظتهم من غفلة المعصية فلا يصرون على فعل المعاصي ، بل يستغفرون الله على فعلهم.
يقول الإمام الذهبي في (مقدمة ميزان الاعتدال) : " ليس من شرط الثقة أن يكون معصوماً من الخطايا والخطأ ، فالكامل الذي ليس فيه شيء عزيز نادر الوجود " .
 يقول ابن الأثير في ( اللباب في تهذيب الأنساب ) :" إنَّما السيد من عدت سقطاته ، وأخذت غلطاته ، فهي الدنيا لا يكمل بها شيء ". وقد صح عن النبي e حين سبقت ناقة اليهودي ناقته فقال عليه الصلاة والسلام : "حقٌ على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه" [1] والأمثلة الحية كثيرة  ، فاللهم ارحم الموحدين من المؤمنين.
إخوتاه ..
هذا الميزان ينبغي أن نطبقه مع إخواننا ومشايـخنا ، فلا نغلوا فيهم ، ولا نبخسهم حقهم لمجرد هفوة أو زلة صدرت من أحدهم فالمرء يوزن بتقواه ومن كثرت حسناته تُغوضِيَ عن سيئاته.
استمع لكلام سلفنا وتذكر قول الإمام الشافعي : " إني لأظفر بالمسألة لم أكن قد سمعتها من قبل ، فأود لو أن كل جسمي آذانٌ ليستمتعَ جسمي كما استمتعت أذني " .
     يقول الإمام الذهبي ـ والذهبي ذهبي الكلام ـ " إنَّ الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه ، وعُلم تحريه للحق ، واتسع علمه ، وظهر ذكاؤه ، وعُرف صلاحه وورعه واتباعه للحق يغفر له زلَله ، لا نضلله ، ولا نطرحه ، ولا ننسى محاسنه ، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ، ونرجو له التوبة من ذلك " أهـ
لذلك علينا ألا نشهر بأحدٍ ، ولا نبالغ في إفشاء ستره ، فلو فتح هذا الباب لما سلم لنا أحدٌ من الأئمة والدعاة ، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون ، وهلك فيه هالكون.
مثلاً : ضعف بعضهم الإمام البخاري فيرد ابن حجر رحمه الله فيقول : ومن ضعفه فهو الضعيف.
إخوتاه ..
يقول الإمام السبكي : " من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه ومزكوه وندر جارحوه وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره فإنَّا لا نلتفت إلى الجرح فيه ، ونعمل فيه بالعدالة " ([2])
فهذا هو الأصل ليس صنف من الناس إلا وفيه عيب ، فمن ذا خلص من الآفات ، ومن ذا صفا من الكدورات ، فاللهم اجبر نقصنا ، واغفر زللنا إليك يا رب المشتكى .
القاعدة الثانية : التحري والتصور لجميع حال ذلك الإنسان:
يقول ابن حجر رحمه الله تعالى : " إن الذي يتصدى لضبط الأفعال والأقوال والرجال يلزمه التحري في النقل فلا يجزم إلا بما يتحققه لا يكتفي بالقول الشائع " أهـ
مثلاً : تجد من الإخوة من يحضر درساً فينقل عن الشيخ كلاماً ربما لم يقله ، أو فهمه بطريق الخطأ، في مثل هذه الأحوال ينبغي أن تتحرى فتسأل الشيخ أو الثقات الأثبات حتى لا تنتشر المقولات الكاذبة عن الدعاة والعلماء.
قال رسول الله e : " بئس مطية الرجل زعموا "(2) فهذه من علامات السند المنقطع ؛ لذلك لابدَّ من اتصال السند ، والتحقق والتحري بنفسك ، خاصةً إذا ترتب على ذلك مفسدة كالطعن في أحد من أهل العلم والصلاح ، وإن كان في الواقعة أمرٌ فادح كموقف أو قول أو فعل في حق المستور فينبغي ألا يبالغ في إفشائه ، بل يكتفي بالإشارة لئلا يكون الأمر فلتة ، أو على غير الوجه الذي تتصوره. لذلك يحتاج المسلم إلى أن يكون عارفاً بمقادير الناس ، وبأحوالهم ومنازلهم فلا يرفع الوضيع ، ولا يضع الرفيع. فيا لله لو أعطى الناس بدعواهم لذهبت أموال وأنفس كثيرة لا يعلمها إلا الله ، فإياك وسماع الدعاوى فإنَّها لا تثمر خيراً ، وأكثر الشرور تأتى من " قيل وقال وسمعت وظننت وبلغني " فإياك .. إياك فمن صحت عدالته ، وعُلم بالعلم عنايته ، وسلم من الكبائر ولزم المروءة ، وكان خيره غالباً ، وشره أقل عمله ، فهذا لا يُقبل فيه قول قائل لا برهان له به. فدلائل الأمور أشد تثبيتاً من شهادات الرجال ، إلا أن يكون في الخبر دليلٌ ، ومع الشهادة برهانٌ ؛ لأن الدليل لا يكذب ولا ينافق ، ولا يزيد ، ولا يبدل ، وشهادة الإنسان لا تمتنع من ذلك وهذا هو الحق إن شاء الله الذي لا حق غيره.
القاعدة الثالثة : التثبت من كلام الأقران وأرباب المذاهب والجماعات في بعضهم البعض:
     كلام الأقران لا يعبأ به خاصة إذا بدا لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد ، كذلك في الإخوة الأقران الذين بينهم وبين بعض تنافس كأصحاب المحلات الواحدة ، أو المهنة المشتركة ، أو أصحاب دعوات مختلفة أو أصحاب أفكار متباينة.
هؤلاء لا يقبل كلام بعضهم في بعض كما يقول الإمام الذهبي في قاعدته الذهبية:
" كلام الأقران يُطوى ولا يُروى ، فإن ذُكر تأمله المحدث فإن وجد له متابعاً ، وإلا أعرض عنه ".
مثلاً : يشيع أن تـجد العداوات بين الأصحاب إذا اختلفوا ، وناءت بهم السبل ، أو رجل كان متزوجاً من امرأة فطلقها فيبدأ في التقول عليها ، أو العكس فكل ذلك يُطوى ولا يُروى إلا إذا وُجد الدليل على صدق القائل. ينبغي أن نحمل الكلام محملاً حسناً ، وحسن الظن واجب ، والتأويل الحسن لازم لسلامة الصدر.
القاعدة الرابعة : الخبرة بمدلولات الألفاظ ومقاصدها :
يقول الأدباء : قد يوحش اللفظ ، وكله وُدّ. حين يقول رسول الله e لمعاذ مثلاً " ثكلتك أمك" (1) معناها فقدتك ، فاللفظ موحش ولكنه يفيض محبة ، فالرسول أراد أن يفهمه وقد قال له e " إني لأحبك يا معاذ "(2)
ففهم مدلولات الألفاظ ضرورة ، فمن الألفاظ ما يجرى على الألسنة بغير قصد لمدلوله الظاهر، بل يتعارف الناس فيه معنى آخر ، ويتداول بينهم حتى يعود هو المتبادر.
كمثل قولهم : ويله وويل أمه ، تربت يمينه ،... الخ هذه العبارات ، وهنا ينظر أصحاب العقول البصيرة ، فيتأملوا قرائن الحال والمتكلم ، فإن كان ولياً فهو الولاء ، وإن بدا القول خشناً ، وإن كان عدواً فهو البلاء حتى ولو بدا القول حسناً (1)
يقول الإمام السبكي : " فكثيراً ما رأيت من يسمع لفظة فيفهمها على غير وجهها ، فيغير على الكتاب والمؤلف ومن عاشره ومن استن بسنته مع أن المؤلف لم يرد بذلك الوجه الذي وصل إليه ذلك الرجل " .
 إذا كان الرجل ثقة مشهوداً له بالإيمان والاستقامة فلا ينبغي أن يُحمل كلامه وألفاظ كتاباته على غير ما تعود منه بل ينبغي التأويل الصالح ، وحسن الظن الواجب به وبأمثاله ، ليس شيء أنفع لمن لا يدري مدلول الألفاظ من أن يسيء الظن بنفسه ، وأن يرجع إلى غيره ، ليس في الدنيا إنسان إلا وهو في حاجة إلى تثقيف وزيادة علم ، والمستعين بغيره أبداً على خير ، فلذلك ينبغي أن نفهم مدلولات الألفاظ ، فإن فهم الألفاظ على وجه خطأ هو الذي يُفسد ويسيء.
القاعدة الخامسة : ألا يـجرح من لا يـحتاج إلى جرحه .
ينبغي على المسلم حفظ لسانه ، وصيانة جارحته عن أعراض  المسلمين ، فليس هو عليهم بحفيظ ولا بمسيطر.
وشأن المسلم أن ينشغل بدعوة الناس وردهم إلى الإسلام رداً جميلاً ، لا أن يوطن نفسه في تصنيف الناس والحكم عليهم.
ومن الناس من لا تحتاج إلى البحث عنه ، لا تفتش عن عدالته أو جرحه ، حتى وإن بدت أمارات حرص ، فلا ينبغي أن تنشغل بالمفضول  أو قل ما هو من جنس المتروك عن الفاضل من الأعمال والأقوال والطاعات .
القاعدة السادسة : عدم الاكتفاء بنقل الجرح فقط فيمن وجد فيه الجرح والتعديل:
     فإذا عُلم عن المرء خيره وشره ، فلا ينبغي أن نكون أصحاب نفوس ذبابية لا تقف إلا على الشيء القذر ، بل ينبغي أن نتحلى بصفة الإنصاف ، وإن كنا في زمان قل فيه من يعرف وأقل منه من يُنصف .
     مثلاً : يسألونك عن بعض الجماعات فتقول : أناسٌ على خير كثير ، نحسبهم مخلصين ، وفي الدعوة مجتهدين ، وأصحاب سمت وأدب وهدى صالح  لكن عندهم بعض البدع .
فلا تنقل أنهم مبتدعة أو على بدعة في بعض ما يصنعون ، ولكن تنقل التعديل والتجريح معاً.


القاعدة السابعة : الحذر من حسن الهيئة :
     فلا يوزن الناس بهيئاتهم ، فهذا مما يشترك فيه المجروحون وأهل العدالة، والصور خداعة ، بل يقاس الناس بأفعالهم ومواقفهم وأقوالهم على موجب الحق والعدل ، فلا نغتر بالشكل أو المظهر.
فليس أحدٌ حجةً على الإسلام بمظهره ، فلا يعظم المرء عندنا لمجرد حسن الهيئة وإظهاره للسنة والتزين بها.
فليس كل من حلق لحيته مجرماً فاسقاً ، ولا كل ملتحٍ صار بلحيته من أولياء الله الصالحين، وإن كنا نقول : حلق اللحية حرام ، وإدمان حلقها كبيرة من الموبقات ، لكن فيمن يحلقون لحاهم أتقياء ، وأنت لا تدرى فليس كل عُذر يذكر.
فليس الحكم على الأشخاص بالمظهر ، قال تعالى عن المنافقين : ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) [ المنافقين / 4]  فالمظهر ليس شرطاً للعدالة.
القاعدة الثامنة : شرط جواز الجرح عدم قصد التحقير :
     قال الإمام السبكي ـ رحمه الله ـ : " كنت جالساً بدهليز دارنا فأقبل كلب فقلت : اخسأ كلب ابن كلب "  قال : فزجرني والدي من داخل البيت ، قلت : سبحان الله أليس هو كلباً ابن كلب ، فقال: شرط الجواز عدم قصد التحقير ، قلت : وهذه فائدة " أهـ
     مثلاً : أحد الناس مشهور باسم الأعرج مثلاً ولا يُعرف إلا بهذه الكنية ، فلا يجوز أن تناديه بهذا إلا بغير قصد التحقير ، وإلا صارت غيبة ، أما إذا قيلت على وجه التعريف فليست بغيبة، وكذلك الشأن في كل الأمور ، إنك عندما تتكلم على جماعة من الجماعات ، أو دعوة من الدعوات ، أو شخص من الأشخاص فلا ينبغي أن تتكلم بنية التحقير والتهوين من شأنه لإيذائه ، وإنما تقصد بيان الحق ونصرة الدين ، فلا تنتصر لنفسك ، أو تكون نيتك طلب العلو بإنزال قدر خصمك ، فإن فعلت فإنك إذاً من الآثمين ، فاللهم طهر ألسنتنا عن قول الزور ، وطهر قلوبنا عن الضغائن والغل والجور ، واجعلنا هداة مهديين لا ضالين ولا مضلين.



[1] أخرجه البخاري (2872) ك الجهاد والسير ، باب ناقة النبي e .
[2]  قاعدة في الجرح والتعديل تحقيق أبو غدة .
2 أخرجه أبو داود (4972) ك الأدب ، باب في قول الرجل زعموا ، والإمام أحمد (4/119) ، (5/401) ، والبخاري في الأدب المفرد (762) باب ما يقول الرجل إذا = زكى ، والطحاوي في مشكل الآثار (1/68) ، وصححه الشيخ الألباني  ـ رحمه الله - في الصحيحة (866) وصحيح الأدب المفرد (586).
(1) جزء من حديث أخرجه الترمذي (2616) ك الإيمان ، باب ما جاء في حرمة الصلاة وقال : حسن صحيح ، وابن ماجة (3973) ك الفتن ، باب كف اللسان في الفتنة ، وصححه الشيخ الألباني -  -رحمه الله  -  في صحيح الترمذي (2110) ، وصحيح ابن ماجة (3209).
(2) جزء من حديث أخرجه أبو داود (1522) ك الصلاة ، باب في الاستغفار ، والنسائي (1303) كتاب السهو ، باب نوع آخر من الدعاء ، والإمام أحمد في مسنده (5/247) ، وصححه الشيخ الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع (7969) .
(1) انظر أحكام صنعة الكلام للقلاعي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق