السؤال: شيخنا ما حكم خروج المني بعد غسل الجنابة من الرجل والمرأة ، هل يعيد الغسل؟. بارك الله فيك.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقد اتفق الفقهاء على أنه اذا جامع الرجل زوجته ثم اغتسلت وبعد ذلك خرج من فرجها ماء الرجل فلا يلزمها الغسل وانما الوضوء، لأنه خارج من احد السبيلين وان كان طاهراً ، فهذا المني لا قيمة له لأنه خرج بدون شهوة ، وحكمه حكم البول يوجب الاستنجاء والوضوء.
واختلفوا في خروج المنيّ من الرجل بعد غسل الجنابة على ثلاثة اقوال:
القول الاول: لا غسل عليه وانما الوضوء سواء بال قبل الغسل او لم يبلْ . لأنها جنابة واحدة فلا توجب غُسلين، ولأنه خرج منه بدون شهوة ولا لذة.
وهو قول الامام مالك وهو المشهور عند الامام احمد، وقول القاضي ابي يوسف من الحنفية، وهو مروي عن علي بن ابي طالب وابن عباس-رضي الله عنهم- وعطاء والزُهري والليث والثوري واسحق وسعيد بن جبير – رحمهم الله تعالى-.
وحجتهم ما روى ابن المنذر في الاوسط عن ابن عباس-رضي الله عنهما- : (انه سُئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل قال يتوضأ).
قال الامام الخرشي المالكي – رحمه الله تعالى- في شرحه على مختصر خليل : (والمعنى أن من أغاب حشفته فاغتسل لحصول سببه ثم أمنى فلا غسل عليه لأن الجنابة لا يتكرر غسلها ولكن يتوضأ ومثل الرجل المرأة في أنه إذا خرج من فرجها ماء الرجل بعد الغسل يجب عليها الوضوء ).
وقال العلامة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى – في الشرح الممتع : ( قوله : " فإن خرج بعده لم يُعِده " أي: إذا اغتسل لهذا الذي انتقل ثم خرج مع الحركة ، فإنه لا يعيد الغسل . والدليل :
1- أن السبب واحد ، فلا يوجب غسلين
2- أنه إذا خرج بعد ذلك خرج بلا لذة ، ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذة .
لكن لو خرج مني جديد لشهوة طارئة فإنه يجب عليه الغسل بهذا السبب الثاني ).
القول الثاني: اذا كان قد بال قبل ان يغتسل فلا اعادة عليه ويتوضأ، وان لم يبل حتى اغتسل اعاد الغسل.
وهو قول الامام ابي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن ، وهو رواية عن الامام احمد وهو مذهب الزيدية والامامية.
قال الامام ابن قدامة المقدسي – رحمه الله تعالى- في المغني : (لأنه بقية ماء خرج بالدفق والشهوة فأوجب الغسل كالأول، وبعد البول خرج بغير دفق ولا شهوة، ولا نعلم انه بقية الاول لأنه لو كان بقية لما تخلف بعد البول).
واعترض الامام الشوكاني- رحمه الله تعالى- في السيل الجرار بقوله:- (هذا تشريع بغير شرع وايجاب لما لم يوجبه الله ولا رسوله ولا دل عليه دليل صحيح ولا حسن ولا ضعيف ، ولو سلمنا ذلك لكان الباقي بعد ظهور الطهر عفواً ، كما كان الباقي في الذكر من المني بعد الانزال والدفق عفواً ).
القول الثالث: عليه اعادة الغسل خرج ذلك من قبل البول او بعده ،لان الاعتبار بخروجه كسائر الاحداث . وهذا مذهب الامام الشافعي وقول للإمام احمد وهو مذهب الظاهرية. لان الخروج يصلح موجباً للغسل.
واحتجوا بعموم قوله تعالى: { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا } [المائدة :الآية 6]. فان الجنب من ظهرت منه الجنابة فوَجب عليه الغسل .
وكذاك بعموم حديث سيدنا علي بن ابي طالب-رضي الله عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ((فإذا فضخت الماء فإغتسل)) رواه ابو داود والترمذي والنسائي . فقوله : "فإذا فضخت الماء" هذا عموم من كل خروج .
ويجاب عنهم ان معنى الفضخ: خروجه على وجه الشدة والدفق، وهو لا يكون بهذه الصفة إلا لشهوة؛ قال الامام أبو البركات ابن تيميَّة – رحمه الله تعالى- في "المنتقى" تعليقًا على حديث عليّ بن ابي طالب : (وفيه تنْبيه على أن ما يخرج لغير شهوة؛ إما لمرض أو أبردة - لا يوجب الغسل ).
قال الامام النووي – رحمه الله تعالى- في المجموع : (إذا أمنى واغتسل ثم خرج منه مني على القرب بعد غسله لزمه الغسل ثانيا سواء كان ذلك قبل أن يبول بعد المني أو بعد بوله هذا مذهبنا نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب وبه قال الليث وأحمد في رواية عنه. وقال مالك وسفيان الثوري وأبو يوسف وإسحاق بن راهويه: لا غسل مطلقا وهي أشهر الروايات عن أحمد وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عباس وعطاء والزهري وغيرهم رضي الله عنهم ) .
المفتى به: ما ذهب اليه اصحاب القول الاول؛ وهو من اغتسل من الجنابة ثم نزل منه بقايا من المنيّ، فلا يجب عليه إعادة الغسل سواء بال قبل الغسل او لم يبلْ ، لأن الحامل على الغسل وهو خروج المنيّ بلذة معتادة قد تمَّ الاغتسال منه، فلا يتكرر الاغتسال من الجنابة؛ ولأنه مَنيّ واحد فأوجب غسلا واحدا، كما لو خرج دفقة واحدة ; ولأنه خارج لغير شهوة أشبه الخارج لبرد لأن الشهوة ماضية .
لكن يجب الوضوء بخروج هذا المنيّ لعموم نقض الوضوء بالخارج من السبيلين أو من أحدهما ، فلو اغتسل وتوضأ للصلاة ثم نزل شيء منه وجب عليه إعادة الوضوء. والله تعالى أعلم
د. ضياء الدين الصالح
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقد اتفق الفقهاء على أنه اذا جامع الرجل زوجته ثم اغتسلت وبعد ذلك خرج من فرجها ماء الرجل فلا يلزمها الغسل وانما الوضوء، لأنه خارج من احد السبيلين وان كان طاهراً ، فهذا المني لا قيمة له لأنه خرج بدون شهوة ، وحكمه حكم البول يوجب الاستنجاء والوضوء.
واختلفوا في خروج المنيّ من الرجل بعد غسل الجنابة على ثلاثة اقوال:
القول الاول: لا غسل عليه وانما الوضوء سواء بال قبل الغسل او لم يبلْ . لأنها جنابة واحدة فلا توجب غُسلين، ولأنه خرج منه بدون شهوة ولا لذة.
وهو قول الامام مالك وهو المشهور عند الامام احمد، وقول القاضي ابي يوسف من الحنفية، وهو مروي عن علي بن ابي طالب وابن عباس-رضي الله عنهم- وعطاء والزُهري والليث والثوري واسحق وسعيد بن جبير – رحمهم الله تعالى-.
وحجتهم ما روى ابن المنذر في الاوسط عن ابن عباس-رضي الله عنهما- : (انه سُئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل قال يتوضأ).
قال الامام الخرشي المالكي – رحمه الله تعالى- في شرحه على مختصر خليل : (والمعنى أن من أغاب حشفته فاغتسل لحصول سببه ثم أمنى فلا غسل عليه لأن الجنابة لا يتكرر غسلها ولكن يتوضأ ومثل الرجل المرأة في أنه إذا خرج من فرجها ماء الرجل بعد الغسل يجب عليها الوضوء ).
وقال العلامة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى – في الشرح الممتع : ( قوله : " فإن خرج بعده لم يُعِده " أي: إذا اغتسل لهذا الذي انتقل ثم خرج مع الحركة ، فإنه لا يعيد الغسل . والدليل :
1- أن السبب واحد ، فلا يوجب غسلين
2- أنه إذا خرج بعد ذلك خرج بلا لذة ، ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذة .
لكن لو خرج مني جديد لشهوة طارئة فإنه يجب عليه الغسل بهذا السبب الثاني ).
القول الثاني: اذا كان قد بال قبل ان يغتسل فلا اعادة عليه ويتوضأ، وان لم يبل حتى اغتسل اعاد الغسل.
وهو قول الامام ابي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن ، وهو رواية عن الامام احمد وهو مذهب الزيدية والامامية.
قال الامام ابن قدامة المقدسي – رحمه الله تعالى- في المغني : (لأنه بقية ماء خرج بالدفق والشهوة فأوجب الغسل كالأول، وبعد البول خرج بغير دفق ولا شهوة، ولا نعلم انه بقية الاول لأنه لو كان بقية لما تخلف بعد البول).
واعترض الامام الشوكاني- رحمه الله تعالى- في السيل الجرار بقوله:- (هذا تشريع بغير شرع وايجاب لما لم يوجبه الله ولا رسوله ولا دل عليه دليل صحيح ولا حسن ولا ضعيف ، ولو سلمنا ذلك لكان الباقي بعد ظهور الطهر عفواً ، كما كان الباقي في الذكر من المني بعد الانزال والدفق عفواً ).
القول الثالث: عليه اعادة الغسل خرج ذلك من قبل البول او بعده ،لان الاعتبار بخروجه كسائر الاحداث . وهذا مذهب الامام الشافعي وقول للإمام احمد وهو مذهب الظاهرية. لان الخروج يصلح موجباً للغسل.
واحتجوا بعموم قوله تعالى: { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا } [المائدة :الآية 6]. فان الجنب من ظهرت منه الجنابة فوَجب عليه الغسل .
وكذاك بعموم حديث سيدنا علي بن ابي طالب-رضي الله عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ((فإذا فضخت الماء فإغتسل)) رواه ابو داود والترمذي والنسائي . فقوله : "فإذا فضخت الماء" هذا عموم من كل خروج .
ويجاب عنهم ان معنى الفضخ: خروجه على وجه الشدة والدفق، وهو لا يكون بهذه الصفة إلا لشهوة؛ قال الامام أبو البركات ابن تيميَّة – رحمه الله تعالى- في "المنتقى" تعليقًا على حديث عليّ بن ابي طالب : (وفيه تنْبيه على أن ما يخرج لغير شهوة؛ إما لمرض أو أبردة - لا يوجب الغسل ).
قال الامام النووي – رحمه الله تعالى- في المجموع : (إذا أمنى واغتسل ثم خرج منه مني على القرب بعد غسله لزمه الغسل ثانيا سواء كان ذلك قبل أن يبول بعد المني أو بعد بوله هذا مذهبنا نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب وبه قال الليث وأحمد في رواية عنه. وقال مالك وسفيان الثوري وأبو يوسف وإسحاق بن راهويه: لا غسل مطلقا وهي أشهر الروايات عن أحمد وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عباس وعطاء والزهري وغيرهم رضي الله عنهم ) .
المفتى به: ما ذهب اليه اصحاب القول الاول؛ وهو من اغتسل من الجنابة ثم نزل منه بقايا من المنيّ، فلا يجب عليه إعادة الغسل سواء بال قبل الغسل او لم يبلْ ، لأن الحامل على الغسل وهو خروج المنيّ بلذة معتادة قد تمَّ الاغتسال منه، فلا يتكرر الاغتسال من الجنابة؛ ولأنه مَنيّ واحد فأوجب غسلا واحدا، كما لو خرج دفقة واحدة ; ولأنه خارج لغير شهوة أشبه الخارج لبرد لأن الشهوة ماضية .
لكن يجب الوضوء بخروج هذا المنيّ لعموم نقض الوضوء بالخارج من السبيلين أو من أحدهما ، فلو اغتسل وتوضأ للصلاة ثم نزل شيء منه وجب عليه إعادة الوضوء. والله تعالى أعلم
د. ضياء الدين الصالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق