الأربعاء، 13 فبراير 2019

الحكم الشرعي لوجود الأحزاب في الإسلام

هل يصح هذا الكلام شرعا ( لا أحزاب في الإسلام ) .
الحكم الشرعي لوجود الأحزاب في الإسلام
كان قد تردّد في عصرنا هذا القول، وهذا الحُكم الذي يحرّم الأحزاب وأيّ تجمع مطلقاً دون تقييدٍ أو تعريف لهذا المفهوم!، وهنا يتم إيراد العديد من الأسئلة المطروحة، وهي كيف يكون إقامة حزب أو تكتّل أو جماعة تقوم على أمر الله حراماً وفرقة؟، من الذين ذكرهم الله وأثنى عليهم “حزب الله”؟، هل كان الله غصبانا على أهل الكهف الذين وقفوا في وجه أعتا قوى الكفر آن ذاك حين وصفهم بالحزب “أيُّ الحزبين”؟، كيف نفهم مدح الرسول لجماعات معيّنة قائمة في كل الأزمان بقوله (طائفة من أمتي)؟، ثمّ إن كان أيّ تجمع لفريق من المسلمين أمر خاطئ، فماذا عن الجهاد وفلسطين والخلافة والتجمع لأجل أمرٍ كهذا؟، إنّ من أسوأ ما حدث نتيجة عدم فهم الآيات، أن ينظر المسلم إلى أخيه المسلم إن كان متلبّسا بعمل جماعي لنصرة الإسلام بنظرة البغض و الازدراء وعدم السماع منه!.

في هذا المقال سنوضّح الحكم الشرعي لوجود الأحزاب في الإسلام إن شاء الله، أوّلاً بدّ من معرفة المعنى اللغوي لكلمة حزب فحسب قاموس المحيط حزب الرجل هم جنده وأصحابه الذين هم على رأيه، وحسب مختار الصحاح هم أصحاب الرجل، ولنورد أدلّة وجوب إقامة جماعة من المسلمين من القرآن قال تعالى “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”، ويقول الطبري قال أبو جعفر يعني بذلك جل ثناؤه: ” ولتكن منكم ” أيها المؤمنون ” أمة “، يقول جماعة “يدعون” الناس “إلى الخير”، يعني إلى الإسلام وشرائعه التي شرعها الله لعباده والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه.

وبحسب تفسير ابن عاشور وصيغة “ولتكن منكم أمَّة” صيغة وجوب لأنَّها أصرح في الأمر من صيغة افعلوا لأنَّها أصلها، ويجوز أيضاً على اعتبار الضّمير خطابا لأصحاب محمَّد صلى الله عليه وسلم أن تكون (من) للتبعيض، والمراد من الأمّة الجماعة والفريق، أي وليكن بعضكم فريقاً يدعون إلى الخير فيكون الوجوب على جماعة من الصّحابة فقد قال ابن عطية قال الضّحاك، والطبري أمر المؤمنين أن تكون منهم جماعة بهذه الصّفة وأقول ابن عاشور على هذا يثبت حكم “الوجوب”على كلّ جيل بعدهم بطريق القياس لئلا يتعطّل الهدى.

ويقول الإمام البيضاوي مِن لِلتَّبْعِيضِ، لِأنَّ الأمْرَ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ مِن فُرُوضِ الكِفايَةِ، ولِأنَّهُ لا يَصْلُحُ لَهُ كُلُّ أحَدٍ إذْ لِلْمُتَصَدِّي لَهُ شُرُوطٌ لا يُشْتَرَطُ فِيها جَمِيعُ الأُمَّةِ كالعِلْمِ بِالأحْكامِ ومَراتِبِ الِاحْتِسابِ وكَيْفِيَّةِ إقامَتِها والتَّمَكُّنِ مِنَ القِيامِ بِها. خاطَبَ الجَمِيعَ وطَلَبَ فِعْلَ بَعْضِهِمْ لِيَدُلَّ عَلى أنَّهُ واجِبٌ عَلى الكُلِّ حَتّى لَوْ تَرَكُوهُ رَأْسًا أثِمُوا جَمِيعًا ولَكِنْ يَسْقُطُ بِفِعْلِ بَعْضِهِمْ، وهَكَذا كُلُّ ما هو فَرْضُ كِفايَةٍ ،إذاً هذا أمرٌ واجب بصيغة صريحة بالقرآن، ومن في “منكم” للتبعيض؛ أي أمّة جماعة من هذه الأمّة كاملة، وعلى هذا استقر رأي جمهور المفسّرين.

وفي قوله عزّ وجلّ “وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ”. يقول الإمام البغوي قوله تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) أي فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة (ليتفقهوا في الدين) يعني الفرقة القاعدين، يتعلمون القرآن والسنن والفرائض والأحكام، فإذا رجعت السرايا أخبروهم بما أنزل بعدهم، فتمكث السرايا يتعلمون ما نزل بعدهم، وتبعث سرايا أخرى، فذلك قوله (ولينذروا قومهم) وليعلموهم بالقرآن ويخوفوهم به، (إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) لا يعملون بخلافه.و أحيانا كان يبعث الرسول عليه الصلاة والسلام أكثر من سريّة كما في السنة السادسة الهـجرية أرسل 20 سريّة.

لذا كان طبيعة عمل الصحابة في مجموعات، ولكل مجموعة أمير ومشرف عليها، ومثالا على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام (أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل) فيتعلّم منه جماعة، زيد بن ثابت في القرآن فيتعلّم من جماعة، وخالد بن الوليد في الجهاد، يقول مجاهد في هذا الآية ناس من أصحاب محمد خرجوا في البوادي، فأصابوا من الناس معروفا، ومن الخصب ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى، فقال الناس لهم ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتمونا. فوجدوا في أنفسهم من ذلك حرجا، وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي – صلى الله عليه وسلم -.

فقال الله تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) يبتغون الخير (ليتفقهوا) وليسمعوا ما في الناس، وما أنزل الله بعدهم (ولينذروا قومهم) الناس كلهم (إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ، قوله تعالى “ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا “القرطبي والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم الفتية إذ ظنوا لبثهم قليلا. وصفهم الله بالحزب وقد كان راضياً عنهم وهم الذين وقفوا في وجه قوى الكفر آن ذاك وفي قوله تعالى”يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ” وأيضا قوله تعالى “وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ” وقوله عزّ وجلّ “قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِيۖ ” الآيات هذه وغيرها تدلّ على أنّ دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام إنما دعوة جماعية بدأت منذ المرحلة الأولى بتكوين الحزب/الجماعة/التكتّل .

وفي قوله تعالى”لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.

يقول ابن كثير وغيره في تفسير الآية النبيّ وصحبه ومن كان منهم ومن عمل عملهم ومن اتّصف بوصفهم .أما القرطبي فيقول أي من فوّض أمره إلى الله وامتثل أمر رسوله ووالى المسلمون فهو منهم “حزب الله”.

ونجد أنّ القرآن عندما يصف النّاس كان يصنّفهم إلى مجموعات، مثل السابقون، المهاجرون، الأنصار، المنافقون، المرجفون، المخلّفون. وهذه أدلّة مجملة من القرآن الكريم .

كما إنّ من أصدق الأوصاف المنطبقة على الرسول عليه السلام وصحبه بأنه كان قائداً لحزبٍ إسلاميّ عقائديّ سياسيّ يدعوا للتغيير في المجتمع بل والعالم كلّه .ويقول صاحب السيرة الحلبية وهو يروي آخر كلام بلال ابن رباح -رضي الله عنه- وهو يحتضر سمع زوجته تقول وا حزناه وا حزناه، فقال وا طرباه، غداً نلقى الأحبّة محمداً وحزبه فالصحابة أيضا كانوا عارفين بأنهم يعملون في جماعةٍ منظّمة لا مجرّد أفراده متشتتون .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه “يقدم عليكم غدًا قومٌ هم أرقُّ قلوبًا للإسلام منكم”، فقدِمَ الأشعريون وفيهم أبو موسى الأشعري، فلمّا دَنَوْا من المدينـة جعلوا يرتجـزون يقولـون “غدًا نلقى الأحبّـة، محمّـدًا وحِزبه”.
ومن السنّة قوله عليه الصلاة والسلام “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ..”، إذا الرسول عليه السلام يتحدّث عن جماعة قائمة في كلّ زمان وهذا معنى قوله (لا تزال)، فهل هذه الطائفة مؤلفة من أفراد متفرّقون؟!.

وإذا قيل أن الرسول عليه الصلاة والسلام عمل جماعة واحدة فقط، فهل يجوز لنا أن نكوّن أكثر من جماعة؟.

وهل أذِن الرسول بوجود جماعة أخرى في وقته؟.

3

أولا في وقت حياة الرسول من الطبيعيّ جدّاً إلا يوجد اختلافات، فهو المرجع الموحى إليه من الله، وخصوصاً من الصحابة الذين يعيشون حوله، لكنّنا عندما تقرأ وندقق في السيرة نعلم أنه عندما يبعث الرسول السرايا والصحابة عندما يبتعدون عن الرسول توجد الخلافات والآراء وكل جماعة تتجمع مع من يوافقها في الرأي .

وفي قوله عليه السلام يَوْمَ انْصَرَفَ عَنِ الأَحْزَابِ “أَنْ لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ إِلاَّ فِى بَنِى قُرَيْظَةَ”، فَتَخَوَّفَ نَاسٌ فَوْتَ الْوَقْتِ فَصَلُّوا دُونَ بَنِى قُرَيْظَةَ، وَقَالَ آخَرُونَ لاَ نُصَلِّى إِلاَّ حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَإِنْ فَاتَنَا الْوَقْتُ قَالَ فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، ومن هنا نرى جواز تعدد الجماعات .

وفي قوله تعالى “ولتكن منكم أمّة”، لا تعني هذه الآية تحديد العدد بواحدة ولكن المعنى المراد بوجوب وجود واحدة على الأقل، كما في الحديث الشريف (من رأى منكم منكرا فليغيّره..) ولا يعني هذا أبدا أنه إذا رأيت أكثر من منكر لا تغيّره.
وهذه قصّة حدثت مع النبي بعد عقد صلح الحديبية لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جاءه رجل من قريش اسمه أبو بصير عتبة بن أسيد وكان ممن حبس بمكة فهاجر إلى المدينة يبغى المقام فيها مع المسلمين فأرسل أهل مكة في طلبه رجلين من رجالهما يرجعان به كما يقضى بذلك صلح الحديبية، فقال رسول الله له يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصلح لنا في ديننا الغدر وإن الله جاعل لك ولمن معك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا فانطلق إلى قومك.
وحزن أبو بصير وقال يا رسول الله أتردني إلى المشركين ليفتنوني في ديني؟، فقال الرسول يا أبا بصير انطلق فإن الله تعالى سيجعل لك من المستضعفين فرجا ومخرجاً .فانطلق معهما حتى إذا كان بذي الحليفة استطاع أن يفلت من هذا الأسر بعد أن قتل إحدى حارسيه وعاد إلى المدينة وقال أبو بصير يا رسول الله وفت ذمتك وأدى الله عنك أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت بديني أن أفتن فيه أو يعبث بي فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال.

فالنّبي قد أشار إلى أبي بصير بتكوين جماعة له وقد حصل هذا وبلغ المسلمين الذين كانوا مستضعفين بمكة قول رسول الله لأبى بصير ” ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال” فتلاحقوا بأبي بصير “بالعيص” فاجتمع إليه منهم قريب من سبعين رجلا، وجعلوا مهمتهم التضييق على قريش.

يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى وأما “رأس الحزب”؛ فإنه رأس الطائفة التي تتحزب؛ أي تصير حزباً، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان؛ فهم مؤمنون، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم، سواء كان على الحق والباطل؛ فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف، ونهياً عن التفرقة والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان.

إذا ليس وجود حزب من عدمه هو ما يقال له حلال أم حرام ، بل على ماذا اجتمع الحزب، وإن قيل لماذا الحركات لا تتوحّد على الإسلام فهو ما يجمعنا؟. الإسلام جاء بأصول ولهذه الأصول فروع، والأصول العقائدية يحرم الاختلاف عليها، وأي اختلاف فيها قد يخرج من الملّة، وأما الفروع فمنها ما هو اجتهادات خلافيّة .
والآيات التي تقول “فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديه مفرحون”، جميعها آيات ليس محلّها الاجتهادات بل الأصول وتتحدث عن الكفار لا عن المسلمين. هذه جملة من الأدلة الموجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ومناقشة العديد من أدلة من يقول بحرمة التحزب، وفّقنا الله وإياكم إلى كل خير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق