الأربعاء، 13 فبراير 2019

ملخص لكتاب: كيف ندعو الناس؟

حتى بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، فأصبحت هذه المهمة موكلة للأمة المسلمة، وصارت تكليفًا دائمًا لها، يقول تعالى:
كنتم خير أمةً أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله

وتنقسم الدعوة لقسمين:

  1. دعوة غير المسلمين الذين لم يؤمنوا بعد
  2. النصح والتذكير للمسلمين، والتي توشك أن تكون في أيامنا هذه إعادة بناء. يقول جرير بن عبد الله رضي الله عنهما: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم

أهمية الدعوة للفرد والمجتمع

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الْمُؤْمنُ للْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشدُّ بعْضُهُ بَعْضًا. فالمؤمن يكون سندًا وعونًا لأخيه المؤمن وإلا اختل البنيان، فغن المرء منا يزداد رصيده من الإيمان حين يلقى أخاه يذكره بالله عز وجل، ولا ننسى كم حث النبي صلى الله عليه وسلم على قيمة الجماعة والأخوة، بل إن الله تعالى يقول:
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم
الأخوة
فمن شرط ولاية المسلم لأخيه المسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لحفظ المجتمع، وحين أهملنا أمر الدعوة حينًا ومارسنا أخطاء جلبت نتائج سلبية أحيانًا أخرى، صار الإسلام  غريبًا على أهله، وهبطت معرفة الأمة الإسلامية بالإسلام هبوطًا جعل مهمة التذكير توشك أن تتحول إعادة بناء، فكيف ندعو الناس؟

تأملات في نشأة الجيل الأول

اقتضت إرادة الله عزّ وجل أن يتم أمر هذا الدين على السنن الجارية لا الخارقة، أما الوحي فإنه باقٍ ومحفوظ، هذا هو المنهج الرباني الذي أراد الله عز وجل أن تقوم عليه حياة البشر. وقبل أي شيء فإن ثمة أمورٍ عدة لابد أن تكون هي قضية الدعاة، ولابد أن تكون واضحةً كشمس النهارِ لا يشوشهـا أي تصرف.. فما هي؟

*قضية لا إله إلا الله

القضية الكُبرى، من المعبود؟ ومن ثَمّ من صاحب الأمر؟ ومن المشرع وواضع منهج الحياة؟ كان المشركون يريدونهـا حسب أهوائهم والمؤمنون حول رسول الله يريدونهـا لله وحده.
لا إله إلا الله

*تركيز الجهد لبناء القاعدة الصلبة التي ستتحمل البناء

*قضية الشرعية

يقول الله تعالى: «وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ». واستبانة سبيل المجرمين تتضمن أمرين:
  1. بيان السبيل الذي يسلكونه فأصبحوا مجرمين.
  2. وألا معبود بحق إلا الله وحده، ففريقٌ للمؤمنين وفريقٌ للمكذبين (الخارجين عن الشرعية)
فالشرعية مصدرهـا إفراد الله عز وجل بالعبادة. وهذا التوضيح في مسار الدعوة الذي يبين سبيل المجرمين وسبيل المؤمنين في المقابل، لا يمكن للقاعدة أن تتسع بدونه.
وفي واقعنا خاضت أمتنا في أمرين دون تحرير قضية الشرعية وبيانها بيانًا شافيًا فازدادت الأمور سوءًا:
1- الديمقراطية:
فإن الشرط الأساسي لشرعية الحاكم في الإسلام أن يكون التشريع قائمًا بشرع الله عز وجل، هذه القضية أصلًا لم تكن واضحة في أذهان الدعاة فضلًا عن الجماهير، فكل الحديث كان حول الانتخابات!
وإن الظن بأن حصولنا على أغلبية في البرلمان سيُتيح لنا المجال لتطبيق الشرعية هو وهمٌ وسذاجة ولنا في التاريخ عبرة!
الديمقراطية
اقرأ أيضًا: خدعوك فقالوا الديموقراطية هي الشورى
2- الدخول في معارك غير متكافئة مع السلطة قبل تحديد قضية الشرعية:فبين “كفوا أيديكم” و “أُذِن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا” سنوات من التربية والبناء.

*التجرد

سبحان الله حين تتأمل الآيات لا تجد وعدًا بالنصر بل:
وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ
فمهمة الداعية هي البلاغ وفقط، فسبحان الله الذي يجرد القلوب حتى من رغبة التمكين لهذا الدين في حياة الفرد، حتى خلت نفوسهم من حظ نفوسهم وصار همهم أن يخلصوا العبادة لله وحده.

موضع القدوة في الجيل الفريد

موضع الاقتداء أن نتدبر عناية القرآن بـ لا إله إلا الله، فهي ليست درسًا يُتلى ثم ينتقل إلى غيره، بل يظل حديث الأمة المسلمة إلى قيام الساعة، يُتلى ثم يُنتقل معه إلى غيره. فقضية لا إله إلا الله هذه يتحدد عليها منهج الإنسان في الدُنيا ومصيره في الآخرة. وأن مبدأ الجاهلية دومًا مع هذه الدعوة هو محاربتها ومنع بيانها كاملة:
لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا
لذا فواجبنا أن نبين للناس حقيقة لا إله إلا الله وندعوهم ليمارسوا الإسلام في حياتهم، لا كلمة تُقال ثم لا يُلقى لها بالًا في التعاملات اليومية.

فهل تجردت قضية لا إله إلا الله في قلوب الدعاة أنفسهم أولًا؟!

إننا الآن في واقعٍ متناقض، في واقعٍ يعلن أصحابه أنهم مسلمون بينمـا هم يمارسون أخطاء منها:
  • اتخاذ البشر وسطاء يقربون لله!
  • الحكم بغير ما أنزل الله
  • اتباع البشر فيما يشرعون بغير ما أنزل الله مما يجعلهم أربابًا من دون الله

أسباب التعجل والنتائج المترتبة على التعجل

*عدم التقدير الدقيق لمدى بُعد الأمة عن الإسلام

كان عمل الدعاة تصحيحًا لما يرونه فسد من سلوك الناس، بينما لم يدركوا أن فساد السلوك هذا إنما نبع لفسادٍ في المفاهيم! فإن عبادات الإسلام لابد أن تُؤَدى أداءً واعيًا؛ يربط الإنسان بمنهج حياة متكامل يشمل الحياة كلها: عبادتها وعملها، سياستها واقتصادها، روابطها الاجتماعية وروابطها الفكرية. أما الآن فقد أصابت الأمة أمراض القلب فمرض الجسد كله:
ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب
وتحول المسلمون لذلك النموذج الجاهلي الغربي الذي لا يستوعب في أي طورٍ من أطواره إلا أحد شِقي الإنسان (إما الروح وإما المادة)، هذا النموذج يعجز في جميع أحواله عن استيعاب الإنسان كله كما خلقه الله عز وجل بشقيه مجتمعين: قبضة طين، ونفخة روح. أما المسلم الحق فتتجاور فيه نزعة الإيمان ونزعة المعرفة بلا تعارض

*الانخداع بحماسة الجماهير

هذه الجماهير التي تجتمع في البداية حين تجد من يشبع عاطفتها الروحية، تذهب أدراج الرياح مع بوادر الخطر. ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتحرك بالأنصار إلا بعد أن جندوا أنفسهم للدعوة.
الجماهير

*عدم التقدير الكافي لرد فعل الأعداء

عندما تتحرك الجماهير تنزعج السلطات المحلية، وعندما تكون الدعوة إسلامية تنزعج السلطات المحلية والعالمية في آنٍ واحد. لأن الجماهير تطالب بالاستقلال السياسي دون الاستقلال الثقافي والروحي والفكري فتظل التبعية للغرب قائمة، أما الصحوة الإسلامية فلا تلاقي بينها وبين الاستعباد للغرب.
ولانزعاجهم فقد خططوا ليفسدوا هذا الأمر لسنين عديدة، فقسموا البلاد وقطعوا وحدة الأمة، وأدركوا خطورة الشباب الذين هم طاقة كل أمة فصرفوهم إلى سفاسف الأمور تستهلك طاقتهم من لهوٍ ومجون وقضايا لا أساس لها عندنا كتحرير المرأة.
عدم التقدير الكافي لرد فعل الأعداء يجعل الحركات تنهار ولمّا تستكمل بعد بنيانها أو تؤدي وظيفتها، ليس المسار الصحيح مطلوبًا لتنجو الدعوة من الأذى بل لتؤدي رسالتها على أكمل وجه.

القاعدة الصلبة

تشتمل ثلاث مناحي:

*المنهج (القيم والمبادئ)

حقيقة التوحيد والعبودية لله عز وجل فيكون الفرد مستقرًا مستقيمًا، لا يعاني من هذا الشتات الناتج عن: (اتباع آلهة شتى، ضغط الشهوات، عدم معرفة هدفٍ محدد في الحياة).
ففي حين كان الولاء في الإسلام لله ورسوله والمسلمين، صار في الجاهلية المعاصرة للمصلحة القومية والرأي العام العالمي والعلمانية. وحين كان المسلم يبدأ طريقه من الدُنيا ليصل إلى الآخرة ففي هذه الجاهلية المعاصرة لا هدف أبعد من الحياة الدُنيا

*المُربي

لابد من عنصرين رئيسين: معرفة الله عز وجل، اليقين بالدار الآخرة. الابتلاء قائمٌ في كل لحظة وكذا الحاجة للتربية مستمرة، وبين جواذب النفس الداخلية وجواذب الحياة والمجتمع الخارجية نحتاج إخضاع حياتنا كلها لله عز وجل.
التربية لازم لإكساب النفس صلابة لمواجهة الضغوط، ويمضي المسلم في مجاهدة الباطل وإصلاح الأرض، وفي عملية التربية لابد من الصبر الطويل والمتابعة الدقيقة والتدرج: فتدريب النفس على ضبط الشهوات، ومن ثم تكتسب صلابة ثم ترتقي فتجعل المستحبات كالواجبات.
التربية
وإن الصمود أمرٌ شاق على الإنسان حتى يعتاده بعون الله وتوفيقه، ويتوجه لعمارة الأرض مع عدم الركون للشهوات وجواذب النفس فيصير المسلم عاملًا في الدُنيا عاملًا للآخرة.

*الفطر التي تتلقى هذه التربية

أيها المسلم في كل بقاع الأرض، اعمل على تزكية نفسك وتطهيرها لتكون ممن يصطفيه الله عز وجل لدعوته
خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا
فحاسب نفسك وفتش فيهـا، أَكسِبها الصفات الحميدة وجردها من كل ما لا يرضاه الله.

توسيع القاعدة

حين تتشكل النواة مهما بدا الأمر في أوله شاقًا وبطيئًا فإنها ستجذب حولها الجماهير المتحمسة التي ترى القدوات ماثلة أمامها فتصير جنودًا مجندة للدعوة، إن النار التي اصطلى بها المسلمون في مكة هي التي أشرق بها الأنصـار في المدينة.
وفي خطابنا للناس لابد أن نكلمهم بما أراده الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة والتي لا تعني بحال التمييع أو إلغاء التكاليف، بل أن نخاطب فطرهم التي فطرهم الله عليها، حين نخاطب فطرهم فإن ما أدخله الغزو الفكري في عقولهم لا يلبث أن يكون غمامة عما قريب تنقشع.
اقرأ أيضًا: هل نحن مضطرون لمخاطبة شعوبنا ودعوتهم؟

ولابد لنا من أمورٍ عدة:

  1. تعظيم الله في النفوس
  2. بيان مفهوم الولاء والبراء في الإسلام
  3. وجود النماذج والقدوات الحية ممن سبقوا
  4. تعميق الإيمان بالآخرة
  5. التجرد لله عز وجل
  6. الوعي السياسي والحركي
  7. ألا نكتفي في خطابنا بالوعظ فحسب بل نراعي جوانب التربية كلها الروحية والفكرية والحركية

ونقطة أخيرة

الله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء ويقدر الأسباب من حيث لا ندري ولا نحتسب، وبالنظر في واقع أمتنا فإن أسباب الفساد ومكر أهلها عديدة ومحكمة، بينما الدعوة ضعيفة جدًا فاحتضن من أمامك ولا تلفظه، أنت لا تعاديه بل تشد بيده نحو النجاة، نحو العزة والإباء والاستسلام لله وحده.

المصادر:

  • كتاب كيف ندعو الناس للأستاذ محمد قطب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق