الجمعة، 24 مايو 2019

كيف نتعامل مع السنة النبوية ؟!


فالحق هو : أن الواجب على الذين لا يفهمون من الكلام إلا ظاهره ، أن لا يتطاولوا ، فيزاحموا الأئمة الأعلام ، في فهم الدين ، فيساووا أنفسهم بالأئمة .
ليس هذا فحسب ، بل يعتبرون أنفسهم أفهم منهم وأعلم !
فالواجب عليهم أن يتواضعوا ، ولا يخرجوا عن طورهم ، وليكتفوا بتقليد دينهم لبعض مقلدة المذاهب !
وهذا لم يحدث في أي دين ، أو حزب ، أو فكر : أن يتطاول مَن لا يعرف إعراب جملة ، فيقوم بتخطئة الأئمة العظام ! ويجعل نفسه مجتهداً ، يتكلم في أمور العامة ، والأمور العظيمة !
فهذا الدين العظيم ، شأنه لا يقل عن شأن بقية مجالات العلوم الأخرى ، حيث لكل مجال متخصصون ، برعوا وامتازوا في ذلك ، فأصبحوا مصدراً ومرجعاً لبقية الناس في ذلك !
فلا يجوز أن يهجم عليه كل مَن هبّ ودبّ ، فيتحدّث عنه ، ويحلل ويحرّم ، ويحظر ويبيح ، ويسنّن ويبدّع !
قال الإمام الماوردي :
[  قال ابن عباس: " التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب بكلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل " وهذا صحيح.
أما الذي تعرفه العرب بكلامها، فهو حقائق اللغة وموضوع كلامهم.
وأما الذي لا يعذر أحد بجهالته ، فهو ما يلزم الكافة في القرآن من الشرائع وجملة دلائل التوحيد .
وأما الذي يعلمه العلماء، فهو وجوه تأويل المتشابه وفروع الأحكام.
وأما الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل، فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة.
وهذا التقسيم الذي ذكره ابن عباس صحيح ] ([1]) .   
فالذي لا يفهم الكلام ، عليه أن يسأل ويتبع الأئـــمة والعلمــاء ، لا أن يعادي ما هو فوق مستواه !
وإن كان الإنسان عدواً لما يجهل ‍!  (  بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِه ) ([2]) .
وعليه – حينئذٍ – أن يكتفي بالتقليد ويصمت ، فوزاً بالسلامة لدينه وعرضه !
ولقد ذكر ابن الجوزي ، رحمه الله ، الذين لا يفهمون من الكلام إلّا ظاهره ، فقال :
[ وما هم إلا بمثابة قول الحجاج لكاتبه وقد مدحته ليلى الأخيلية فقالت :
      إذا هبط الحجاج أرضاً مريضة       تتبع أقصى دائها فشفاها
     شفاها من الداء العضال الذي بها     غلام اذا هز القناة سقاها
فلما أتمت القصيدة ، قال لكاتبه : إقطع لسانها ، فجاء ذاك الكاتب المغفل بالموسى .
فقالت له : ويلك إنما قال أجزل لها العطاء .
ثــم ذهبــت إلـــى الحجـــاج فقالـت : كاد والله يقطع مقولي  ] ([3])
فهناك أناس لا يفهمون من الكلام إلا ظاهره ، حالهم حال كاتب الحجاج !
حيث أراد أن يمثّل بتلك المرأة ، فيقطع لسانها حقيقة ، نتيجة فهمه الفاسد !
ومن رحمة الله تعالى ، أن كان الحجاج – صاحب الكلام – موجوداً ، فرجعوا إليه ، فبيّن لهم أنه يقصد بكلامه إجزال العطاء ، لا قطع لسانها حقيقة !
فماذا كان يحدث لو أن الحجاج غاب ، ولم يستطيعوا الوصول إليه ؟ !
ولماذا قال الحجاج : إقطع لسانها ، ولم يقل صراحة : أجزل لها العطاء ؟ !
لماذا قال كلاماً إلتبس على كاتبه المسكين ؟
الجواب : تجده عند بلاغة اللغة العربية ! لغة القرآن والسنة ، وعند مَن اتصف بالبلاغة والفصاحة !



([1]) تفسير الماوردي - النكت والعيون ( 1 / 36 ) .
([2]) سورة يونس ، آية : 39 .
([3]) صيد الخاطر لابن الجوزي . ص 91 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق