الجمعة، 24 مايو 2019

سلسلة رسائل الفقهية - كيف نتعامل مع السنة النبوية

سلسلة رسائل الفقهية
مخالفة الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه لنص صريح وصحيح عن رسول الله - صل الله عليه وسلم -!!
أمر النبيّ - صل الله عليه وسلم - وهديه في ضوال الإبل :
( عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ فَقَالَ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا وَإِلاَّ فَاسْتَنْفِقْهَا قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ لَكَ ، أَوْ لأَخِيكَ ، أَوْ لِلذِّئْبِ قَالَ ضَالَّةُ الإِبِلِ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ )(( )) .

أمر النبيّ - صل الله عليه وسلم - وهديه في ضوال الإبل :
( فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا لَـكَ وَلَهَا ؟ ) . أي : أمر بتركها ، وعدم التعرض لها !
هذا كان أمر النبيّ  وهديه وسنته في موضوع ضالة الإبل .
غضب - صل الله عليه وسلم - حتى احمرتْ وجنتاه ! :
أخرج البخاري في صحيحه ، رحمه الله :
( . . . وَسُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ ؟ فَغَضِبَ وَاحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ ، وَقَالَ : مَا لَكَ وَلَهَا ؟ ) ( ) .
قال الإمام ابن بطال ، رحمه الله :
[ كذلك غضب حتى احمر وجهه حين سئل عن ضالة الإبل وقال: (ما لك ولها. . . ] ( ) .
لا يُتعرض لها ! :
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله :
[ وَفِيهِ أَنَّ ضَالَّةَ الْإِبِلِ لَا يُتَعَرَّضُ لَهَا لِاسْتِقْلَالِهَا بِأَمْرِ نَفْسِهَا ] ( ) .
النهي عن أخذ ضالة الإبل ! :
قال الإمام بدر الدين العيني ، رحمه الله ، :
[ فِيهِ نهي عَن أَخذهَا ] ( ) .
النهي عن التعرض لها ! :
وقال الإمام القسطلاني رحمه الله :
[ قال ابن دقيق العيد: لما كانت مستغنية عن الحافظ والمتعهد وعن النفقة عليها بما ركب في طبعها من الجلادة على العطش والحفاء عبّر عن ذلك بالحذاء والسقاء مجازًا،
وبالجملة فالمراد بهذا النهي عن التعرّض لها لأن الأخذ إنما هو للحفظ على صاحبها إما بحفظ العين أو بحفظ القيمة، وهذه لا تحتاج إلى حفظ لأنها محفوظة بما خلق الله فيها من القوّة والمنعة وما يسر لها من الأكل والشرب ] ( ).
ضالة الإبل في زمن عثمان وعليّ رضي الله عنهما !
وبقي حكم ضالة الإبل هكذا في زمن النبيّ  ، وخلافة أبي بكر الصدّيق  ، وخلافة عمر بن الخطاب  ، إلى خلافة عثمان بن عفان  ، حيث أمر بأخذها ، وتعريفها ، ثم تباع ، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها !
وجعل عليّ بن أبي طالب  في خلافته حمىً لها ، يأخذها ، ويحبسها ، حتى يأتي صاحبها فيأخذها !
هل هذا منهما مخالف لأمره وهديه وسنته  ؟
وقاصر النظر ربما ينظر إلى هذا العمل ، فيرى أنه مخالف لأمر ، وسنة النبيّ - صل الله عليه وسلم - ، وبالتالي فإن الصحابة ، رضي الله عنهم ، والخليفتان الراشدان ، قد خالفوا النبيّ - صل الله عليه وسلم - .
وذلك لأن النبيّ  نهى عن التعرض لها ، وأمر بتركها ، ولكن أحد الخليفتين الراشِدَين تعرض لها وأخذها ، ومن ثـم بـاعها !
أما الآخر منهما ( الخليفتان الراشدان ) فقد تعرض لها أيضاً ، وأخذها ، ومن ثم حبسها !
ولكن الذي يدقق النظر يرى أنه تحقيق للغاية ، التي كان النبيّ  ينشدها بغضبه ذلك ، ونهيه عن إمساكها ، وهي : وصولها إلى صاحبها !
والصحابة ، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين ، رضوان الله عليهم ، كانوا فقهاء أئمة ؛ يفقهون الكلام ، ويفهمون مقاصده ، فعملوا بما يقتضيه تغيّر الحال ، والظروف ، وتغيير الوسائل ، للوصول إلى الغايات ، والمقاصد الثابتة .
إختلاف الأحكام باختلاف الأحوال !
قال الإمام أبو الوليد الباجي ،رحمه الله ، :
[ وَهَذَا كَانَ حُكْمُ ضَوَالِّ الْإِبِلِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا كَانَ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا ،
فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِا لَمَّا كَثُرَ فِي الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ لَمْ يَصْحَبْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَثُرَ تَعَدِّيهمْ عَلَيْهَا أَبَاحُوا أَخْذَهَا لِمَنْ الْتَقَطَهَا وَرَفَعَهَا إلَيْهِمْ وَلَمْ يَرَوْا رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا ،
وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَرَ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ بِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ أَبَاحَ لَهُ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا ،
وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ .
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ وَجَدَ بَعِيرًا فَلْيَأْتِ بِهِ الْإِمَامَ يَبِيعُهُ يَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي بَيْتِ الْمَال . . . وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُور ] ( )
ضوال الإبل في زمن عثمان رضي الله عنه :
وقال الإمام ابن بطال ، رحمه الله :
[ وقد باع عثمان ضوال الإبل، وحبس أثمانها على أربابها ورأى أن ذلك أقرب إلى جمعهاعليهم لفساد الناس ] ( )
[ عن مالك انه سمع بن شِهَابٍ يَقُولُ كَانَتْ ضَوَالُّ الْإِبِلِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِبِلًا مُؤَبَّلَةً تَنَاتَجُ لَا يَمَسُّهَا أَحَدٌ حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ تُبَاعُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا ] ( ) .
وقال الإمام الزرقاني ، رحمه الله :
[ (لَا يُمْسِكُهَا أَحَدٌ) لِلنَّهْيِ عَنِ الْتِقَاطِهَا (حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا) بَعْدَ الْتِقَاطِهَا خَوْفًا مِنَ الْخَوَنَةِ (ثُمَّ تُبَاعُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا) لِأَنَّ هَذَا أَضْبَطُ لَه ] ( ).
لا شك أنّ هذا الإختلاف في الحكم ، كان نتيجة إختلاف الزمان ، ولم يمض على أمر النبيّ - صل الله عليه وسلم - ربع قرن تقريباً ، فكيف إذا مضت أربعة عشر قرن ، على أمرٍ ارتبط بذلك الزمان ؟ !
ومما مضى يتبين :
أ - أنه يجوز أن يختلف الأئمة في فهم النصوص ؛ في فهم آيات الكتــاب ( القرآن ) ، وفهــم أحاديث النبيّ - صل الله عليه وسلم - .
بعضهم يأخذ بظاهر ما يتبادر من النص ، والبعض الآخر يغوص في المعاني ، فيستنبط المراد من النص ، بعيداً عن الظاهر .
بل رأينا الأنبياء ، عليهم السلام ، يختلفون – فيما بينهم – في الإجتهاد .
ب - لا يؤثـم أحـدٌ منهم ، بل يؤجر ؛ إما أجرين ، أو أجرواحد ، بشرط أن يكون عالماً مجتهداً ، من أهل الإجتهاد .
ج - الذي يطعن فيهم ، ويجرحهم ، بادعاء أنهم مخالفون للنص ، هو إنسان لا يفهم في الشرع ، ومخالف لهدي النبيّ - صل الله عليه وسلم - !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق