السبت، 24 أغسطس 2019

نظرات في أحاديث السمع والطاعة



نظرات في أحاديث السمع والطاعة
مُقَدَّمة
قبل سنوات سألت نفسي سؤالا بعد دراسات شرعية في العقيدة وخصوصا في أحكام الإمامة، هل يُعقل أن يكون في الدمقراطية أصولا تحمي حقوق الناس وتمنع من وقوع الظلم عليهم وجعلت للشعب الحق في محاسبة الحاكم ومراقبة تصرفاته على السلطة حفاظا على مصالح الناس ثم لا يكون في شرع الله إلا تلك الأفهام المستهجنة التي بُنيت على نصوص السمع والطاعة فصارت تكرس الظلم وتحميه باسم الرب سبحانه؟!
فاجتهدت كثيرًا في البحث قراءة مطولة وسؤالا للعلماء الربانيين عن أحاديث السمع والطاعة رواية ودراية وقد شرح الله صدري لتلك المفاهيم التي أزعم أنها توافق الفطرة السليمة فضلا عن موافقتها للشريعة في النصوص والمقاصد وأيقنت أن في الشريعة الإسلامية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ما هو أعظم من الدمقراطية الغربية التي لا تسلم من أخطاء كبيرة ومخالفة صريحة لنصوص الوحيين، وعرفت أنه ليس في الشريعة ما يُعين ظالمًا على ظلمه أو يُسوغ السكوت عنه، بل جعلت الشريعة مبنى كل شيء فيها على الرحمة والعدل وهذا مقصد إرسال الرسل وإنزال الكُتب
قال سبحانه
‏{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥]
فالدين دين عدل وقسط لا دين ظلم وبغي وبذلك أمر الله الناس، ففي صحيح مسلم
عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا )
وغير ذلك من النصوص القطعية التي قضت بوجوب إقامة العدل في كل شيء وحرمت الظلم على كل شيء، ورغم ذلك أتت تلك المفاهيم التي لا تقرها الفِطر السليمة وتَتَرَّسَتْ بنصوص الشريعة لتسوغ ظلم الحاكم وجوره وجعلت السكوت عنه من الهدى وَرَدَّ ظلمه من الفتنة والعمى! وأصبح خطابهم يشيطن المظلوم ويحمله عقوبة الظلم ويسكت عن المتسبب الجائر ويعتذر له باسم الله جل وعلا عن ذلك، وأسقطوا النصوص الشرعية في السمع والطاعة على غير مستحق لها، ومن هنا كان التلبيس وصاروا يدعون إلى دين ممسوخ مشوه يُدخل العباد والبلاد إلى أنفاق مظلمة لا عدل فيها ولا رحمة ولا خير باسم طاعة ولي الأمر.
..
الواقع السياسي يشهد بتدخل الحكام الطغاة في المناهج الشرعية وتكييف الأحكام على مرادهم فصارت دعوة المصلحين إلى الحق والعدل دعوةً نشازًا مستهجنة لأن الباطل علا وأعمى أبصار كثيرٍ من الخلق ولكن لا يزال في الأمة من الأخيار الذين يردون تحريف المبطلين وتزييف المنحرفين وأخرجوا المفاهيم الصحيحة لنصوص السمع والطاعة وبينوا الحكم عليها رواية ودراية رغم اجتهاد الطغاة وفقهائهم طمس هذه المفاهيم العادلة، وقد جمعت في هذا البحث عشرات الأحاديث في السمع والطاعة وأحكام الإماراة من جانب الرواية وهو نقل ما صح عن النبي ﷺ في باب السمع والطاعة وضبط ألفاظ الأحاديث وتحريرها، ومن جانب الدراية جمع ما جاء في شروح هذه الأحاديث وما حوته من الأحكام والمسائل، وقبلها سأحرر لكم مفهوم ولي الأمر، ومن الحاكم الشرعي المستحق للسمع والطاعة؟ وأرجو الله أن أكون في هذه المقالات المسلسلة من الآمرين بالقسط الذين عظَّم الله شأنهم وأعلى منزلتهم، فربنا سبحانه حين أنكر على بني إسرائيل كفرهم به وقتلهم لأنبيائه أردف بعد ذلك تشنيعه قتلهم للآمرين بالقسط من الناس ولم يُردف العلماء
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: ٢٢]
فأردف بعد الأنبياء الآمرين بالقسط من الناس لِعظم مكانتهم عند الله وعِظم أثرهم على الخلق.
..
قد تكون بعض المفاهيم المغلوطة على أحاديث السمع والطاعة قال بها بعض الأفاضل من أهل العلم والتقوى وَرَدُّنا عليهم لا يُنقص من قدرهم ولا يقلل من علمهم وقد رُدَّ على من هو خيرٌ منهم من الصحابة والتابعين وغيرهم من أئمة الإسلام، وقد يكون عند المفضول ما لا يدركه الفاضل، كما قال الهدهد في حضرة سليمان عليه السلام: {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}
وأهل الفضل والعلم هم بين الأجر والأجرين أصابوا أم أخطأوا وجزاهم الله عنا وعن المسلمين كل خير.
وأما دعاة السوء فردنا عليهم هو من قبيل إنكار المنكر والتحذير من باطلهم وهم أخشى من خشيهم النبي ﷺ على أمته ففي الترمذي عن ثوبان قال: قال ﷺ (إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةَ المُضِلِّينَ)
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي ذر قال: قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ شَيْءٍ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِكَ مِنَ الدَّجَّالِ؟ قَالَ: «الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ»
ويدخل فيهم العلماء الفجرة الذين سوغوا للحاكم ظلمه وجوره وحرضوا على قتل الناس حماية لجناب الطاغية!
أولو الأمر أم ولي الأمر؟
..
من المعلوم شرعًا وعقلا أنه لا بُدَّ للناس من حاكمٍ يدير شؤونهم ويحفظ حقوقهم وقبل ذلك أن يقيم دين الله كما أمر
والإمامة واجبة بالشرع والعقل وإلا صار الناس في فوضى وتنازع، قال ابن حزم: ( اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله ﷺ ) الفِصل 4/72
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
( يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها. فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس )
السياسة الشرعية ص129
وذلك أن مصالح الناس الدينية والدنيوية لا قيام لها إلا بالإمارة والقوة، فيقام دين الله وتقام الحدود وتُفض النزاعات وتحفظ الثغور وتنتظم مصالح الناس وتُحفظ حقوقهم؛ فنصب الإمام إذن فريضة دينية وضرورة اجتماعية باتفاق العلماء.
استكمالا لهذه الفريضة الدينية جعلت الشريعة حق السمع والطاعة للسلطان إذ لا إمامة إلا بسمعٍ وطاعة، وبهذا أمر النبي ﷺ الناس كما سيأتي معنا مفصلا في مقالات قادمة إن شاء الله، وطاعة الإمام مصلحية تعود على البلاد والعباد بالخير وطاعته من طاعة الله فهي تابعة لا مستقلة فلو أمر بأمرٍ يخالف أمر الله لوجبت معصيته ووجب رد أمره، في التبويب على صحيح مسلم قال:
(باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية)
وذكر الحديث عن علي، أن رسول الله ﷺ بعث جيشا، وأمَّر عليهم رجلا، فأوقد نارا، وقال: ادخلوها، فأراد ناس أن يدخلوها، وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها، فذكر ذلك لرسول الله ﷺ فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: «لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة»، وقال للآخرين قولا حسنا، وقال: «لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف»
متفقٌ عليه واللفظ لمسلم
وقال سبحانه
( يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )
فطاعة أولي الأمر هنا ليست بمستقلة وإنما معطوفة على طاعة الله وطاعة رسوله ﷺ ولذا قال الله بعدها ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول ) فلو كانت طاعة السلطان تعبدية بذاتها لما كان النزاع مما دل على أنها طاعة معطوفة تابعة لطاعة الله وطاعة رسوله ﷺ .
..
والسؤال من هو ولي الأمر؟
بدايةً ينبغي أن يُعلم أن لفظة ولي الأمر لم ترد في الكتاب ولا في السنة وإنما الذي ورد
( أولوا الأمر ) و ( وأولي الأمر ) ومفردها ليس (ولي) فضلا أنه لا مفرد لهذه اللفظة الواردة في القرآن، قال القرطبي في تفسيره ( وَ (أُولُو) وَاحِدُهُمْ (ذُو) عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَالنِّسَاءِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ، كُلُّ وَاحِدٍ اسْمُ الْجَمْعِ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ) 5/261
فدلت الآية أن السلطة في الإسلام لا تختص بشخص واحد ولو كان الحاكم، ويشهد بذلك الواقع السياسي في دولة النبوة فالنبي ﷺ لم يتفرد في سياسته للناس بغير الوحي، فالوحي محل تسليم كما قال الله
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}
وأما رأيه ﷺ في غير الوحي فهو محل الشورى التي أمر الله بها نبيه ﷺ
(وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )
وقال سبحانه في معرض المدح
(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) وتأمل كيف أن الله جعل الشورى بين الأمر بالصلاة والزكاة تأكيدا لِعظم شأنها وأمرها
وكان النبي ﷺ ينزل على خلاف رأيه فيما لم ينزل به الوحي، مثل غزوة بدر كما جاء في مسند أحمد عن أنس أن رسول الله ﷺ
( شاور الناس يوم بدر )
وفي غزوة أحد حين أراد النبي ﷺ التحصن بالمدينة خلافا للأغلبية، فانطلق رسول الله ﷺ فلبس لأمته (الدرع الحصينة). فتلاوم القوم فقالوا: عرض نبي الله صلى الله عليه وسلم بأمر وعرضتم بغيره، فاذهب يا حمزة فقل لنبي الله صلى الله عليه وسلم (أمرنا لأمرك تَبَعٌ) فأتى حمزة فقال له: (يا نبي الله إن القوم قد تلاوموا فقالوا: أمرنا لأمرك تبع). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز) راجع مسند أحمد 14787
والسنن الكبري للنسائي 7600
قال الدكتور أكرم العمري في كتابه السيرة النبوية معلقا: ( ومن الواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم عوَّد أصحابه على التصريح بآرائهم عند مشاورته لهم حتى لو خالفت رأيه، فهو إنما يشاورهم فيما لا نص فيه تعويدا لهم على التفكير في الأمور العامة ومعالجة مشاكل الأمة، فلا فائدة من المشورة إذا لم تقترن بحرية إبداء الرأي، ولم يحدث أن لام الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا لأنه اخطأ في اجتهاده ولم يوفق في رأيه، وكذلك فإن الأخذ بالشورى ملزم للإمام، فلا بد أن يطبق الرسول صلى الله عليه وسلم التوجيه القرآني {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} ) 2/380
الشاهد من ذلك أن النبي ﷺ لم يتفرد بغير الوحي، ( وكان هذا دأبه في المواقف كلها تأليفاً لقلوب أصحابه ويقتدي به من بعده وليستخرج منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي من أمر الحرب والأمور الجزئية الأخرى، وتدريباً لهم على التفكير بالمشاكل التي تواجه المجتمع والدولة فيظهر فيهم القادة النابهون والساسة المتمرسون، وليشعروا بمسئوليتهم تجاه القضايا العامة ومشاركتهم فيها ) السيرة النبوية الصحيحة للعمري 2/420
ومن هنا نعلم أن السلطة في الإسلام لا تختص برأي الحاكم وشخصه بل هي منظومة رأسها السلطان، وأولو الأمر هم الأمراء والعلماء ورؤوس الناس ووجوهم وتضبط قرارتهم الشورى فيما لا وحي فيه، وقد تعارف العلماء على مصطلح أهل الحل والعقد كونهم يمثلون الأمة من ورائهم وليسوا أُناسا يُعَيِّنهم الحاكم صوريا ولا قيمة لاجتماعهم ورأيهم! وسأنقل لكم كلاما لشيخ الإسلام ابن تيمية يوضح فيهم من هم أولو الأمر الذين تجب طاعتهم فيما اجتمع عليه أغلبهم
( فَلِهَذَا كَانَ أُولُوا الْأَمْرِ صِنْفَيْنِ: الْعُلَمَاءُ؛ وَالْأُمَرَاءُ. فَإِذَا صَلَحُوا صَلَحَ النَّاسُ وَإِذَا فَسَدُوا فَسَدَ النَّاسُ؛ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ للأحمسية لَمَّا سَأَلَتْهُ: مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: مَا اسْتَقَامَتْ لَكُمْ أَئِمَّتُكُمْ. وَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْمُلُوكُ وَالْمَشَايِخُ وَأَهْلُ الدِّيوَانِ؛ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَتْبُوعًا فَإِنَّهُ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَيَنْهَى عَمَّا نَهَى عَنْهُ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ أَنْ يُطِيعَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ؛ وَلَا يُطِيعُهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّه )
مجموع الفتاوى 28/170
والخليفة العام هو رأسهم والشورى ملزمة له ولهم ورأيه يؤخذ به ويُرد وعلى ذلك كان النبي ﷺ والخلفاء الأربعة من بعده وقد أمرنا ﷺ بذلك فقال: ( عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِي اخْتِلَافًا شَدِيدًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ) رواه ابن ماجه وغيره
وقال خليفته الصديق من بعده
( إِنِ اسْتَقَمْتُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَأَعِينُونِي عَلَيْهَا، وَإِنْ زِغْتُ عَنْهَا فَقَوِّمُونِي، كَمَا قَالَ أَيْضًا: أَيُّهَا النَّاسُ أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ ) منهاج السنة5/462
وهذا بيان لحق الأمة أو من يمثلها بتقويم اعوجاج الخليفة فهو ورعيته شركاء في إدارة الحكم، قال ابن تيمية رحمه الله: ( وَإِنَّمَا هُوَ وَالرَّعِيَّةُ شُرَكَاءُ يَتَعَاوَنُونَ هُمْ وَهُوَ عَلَى مَصْلَحَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِعَانَتِهِمْ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إِعَانَتِهِ، كَأَمِيرِ الْقَافِلَةِ الَّذِي يَسِيرُ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ: إِنْ سَلَكَ بِهِمُ الطَّرِيقَ اتَّبَعُوهُ، وَإِنْ أَخْطَأَ عَنِ الطَّرِيقِ نَبَّهُوهُ وَأَرْشَدُوهُ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ صَائِلٌ يَصُولُ عَلَيْهِمْ تَعَاوَنَ هُوَ وَهُمْ عَلَى دَفْعِهِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ أَكْمَلَهُمْ عِلْمًا وَقُدْرَةً وَرَحْمَةً كَانَ ذَلِكَ أَصْلَحَ لِأَحْوَالِهِمْ )منهاج السنة 5/463
وهذا كلامٌ كليم يبين لك مفهوم السلطة في الإسلام وأنها غير مختصة بشخص الحاكم وإنما هي منظومة متكاملة اختارها الناس لتدبير شؤونهم وتيسيرها في شتى المجالات.
..
[ وإن ضُرب ظهرك وأُخذ مالك 1 ]
..
أعتقد أن أكثر حديث دار الكلام عليه رواية ودراية حديث حذيفة الذي اشتُهر بطرف منه ( وإن ضُرِبَ ظهركَ وأُخِذَ مالك ) وللأسف كيف استغل هذه اللفظة أولياء الطاغوت فجعلوها شريعة لكل ظالم وأسقطوها على من ظهر منهم الكفر البواح وأعرضوا تماما عن قطعيات الكتاب والسنة التي تأمر بالعدل في جميع شؤون الرعية وتحرم الظلم ولو وقع على بهيمة، وتجاوز بعضهم في فهم هذا النص وأوجبوا السكوت عن الحاكم ولو أفسد البلاد والعباد وألزموا المصلحين بلوازم باطلة وهي أن الحسبة والإنكار على الحاكم والمطالبة بالحق هي من قبيل الخروج الذي نهى عنه النبي ﷺ وهذا ما سأبينه لاحقا في الكلام على حديث أم سلمة أن النبي ﷺ قال:
«سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا»
رواه مسلم رقم 1854
وحديثي في هذه المقالة من جهة الرواية على حديث حذيفة رضي الله عنه وهو حديث متفقٌ عليه بغير هذه الزيادة وهذا لفظه
أن حذيفة بن اليمان يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ»، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: «نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»
البخاري 3605 ورواه مسلم 1847
حذيفة روى عنه هذا الحديث بهذا اللفظ وبعضهم زاد هذه الزيادة المشهورة
( وإن ضُرِبَ ظهركَ وأُخِذَ مالك )
والذين رووا عن حذيفة ثمانية:
1- أبومسلم الخولاني عن حذيفة وهي المتفق عليها في الصحيحين وفي غيرهما بغير هذه الزيادة وهذا سندها
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الخَوْلاَنِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ. ثم ذكر الحديث الذي ذكرتُه أعلاه بدون زيادة
( وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك )
2- رواية السفر بن نسير الأزدي عن حذيفة بغير الزيادة في مسند الإمام أحمد برقم 23382
..
3- الراوي الثالث عن حذيفة هو زيد بن وهب وقد جاء بالحديث بدون الزيادة كذلك
أخرج الحديث عن طريقه البزار في مسنده 7/237 ورقم الحديث 2811
..
4- الراوي الرابع عن حذيفة هو مكحول وقد رواها كذلك بدون الزيادة وأخرج حديثه هذا نعيم بن حماد في كتاب الفتن 1/31 برقم 16
..
5- الراوي الخامس عن حذيفة هو يونس بن ميسرة وروايته بدون الزيادة كذلك رواها نعيم بن حماد في الفتن 1/36 برقم 32
..
6- الراوي السادس عن حذيفة هو حسان بن عطية وروايته بغير الزيادة في مجموع مصنفات أبي العباس الأصم ص116 ورقم الحديث 186
..
7- الراوي السابع عن حذيفة هو أبوسلام وقد أخرج له مسلم في المتابعات لا في الأصول متابعة للرواية المتفق عليها من طريق أبي مسلم الخولاني وفيها الزيادة
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وذكرها بطوله وفيه
( تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك )
وقد أعلَّ الإمام الدارقطني هذه الرواية وانتقدها فقال:
( وهذا عندي مرسل، أبو سلام لم يسمع من حذيفة ولا من نظرائه الذين نزلوا العراق لأن حذيفة توفي بعد قتل عثمان (رضي الله عنه) بليال، وقد قال فيه حذيفة فهذا يدل على إرساله )
الإلزامات والتتبع للدارقطني ص 182 رقم 54
وقد وافقه النووي رحمه الله في الحكم بالإرسال والانقطاع، والحديث المرسل إذا رُوِيَ من طريق آخر متصلا تبين به صحة المرسل وجاز الاحتجاج به إذا وافق نفس الألفاظ وفي حال المخالفة فلا يُقبل الاحتجاج به، والإمام مسلم قد يأتي بالمتابعة للحديث إشارةً منه لعلة فيه
، قال الإمام مسلم رحمه الله
( إلا أن يأتي موضع لا يُستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى، أو إسناد يقع إلى جنب إسناد، لعلة تكون هناك )
وقال النووي في شرح مسلم
( السبب الثاني أن يكون ذلك واقعا في المتابعات والشواهد لافي الأصول وذلك بأن يذكر الحديث أولا باسناد نظيف رجاله ثقات ويجعله أصلا ثم يتبعه باسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قدمه ) 1/25
المهم أن الحديث من طريق أبي سلام ضعيف للانقطاع بين أبي سلام وحذيفة رضي الله عنه.
..
8- الراوي الثامن عن حذيفة هو سبيع بن خالد اليَشْكُرِيُّ وَثَقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر في التقريب
( مقبول ) يعني: عند المتابعة
تقريب التهذيب ص 229
سبيع بن خالد اليشكري هذا روى عنه ثلاثة:
الأول: صخر بن بدر روى عن سبيع الحديث بالزيادة ( فإن رأيت خليفةً فالزمه وإن نهك " ظهرك ضربا وأخذ مالك ) وسندها
عن أبي التياح عن صخر بن بدر عن سبيع بن خالد عن حذيفة " أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 7/447 برقم 37113
وأخرجه أحمد في مسنده بلفظ مقارب 38/421 برقم 23425 وأخرجه غيرهم
وصخر بن بدر قد خالف بروايته المحفوظ من رواية نصر بن عاصم بدون هذه الزيادة ونصر بن عاصم ثقة وروايته عن حذيفة بغير الزيادة كما سيأتي معنا، فرواية صخر منكرة بهذه الزيادة.
الثاني: علي بن زيد بن جدعان وقد روى الحديث عن سبيع بن خالد اليشكري الحديث بغير الزيادة كما في مسند الإمام أحمد 38/439
برقم 23449
وعلي بن زيد هذا ضعيف كما قال الحافظ ابن حجر في التقريب ص401
الثالث: هو نصر بن عاصم الليثي وقد روى عن سبيع بدون الزيادة وهو المحفوظ عنه وسندها
( أبوأسامة حماد بن أسامة عن سليمان بن المغيرة قال: قال حميد وهو بن هلال حدثنا نصر بن عاصم الليثي ) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم 37114
ورواية نصر بن عاصم التي رواها عنه حميد بن هلال وهو ثقة بدون الزيادة وهو المحفوظ في الرواية عن سبيع بن خالد، وأما رواية قتادة عن نصر بن عاصم بالزيادة فهي في سنن أبي داود برقم 4244
بلفظ ( إن كان لله في الأرض خليفة فضرب ظهرك وأخذ مالك فأطعه )
وطريقها " من قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عن سبيع بن خالد " وفيها عنعنة قتادة بن دعامة وهو مشهور بالتدليس وإن كان ثقةً إلا أن زيادته تخالف جزءًا من رواية صخر بن بدر وتخالف المحفوظ عن سبيع بن خالد من رواية حميد بن هلال عن نصر بن عاصم بدون هذه الزيادة وطريق حميد بن هلال عن نصر بن عاصم أصح الطرق إلى سبيع بن خالد اليشكري وليس فيها ذكرُ السيف ولا ضرب الظهر وأخذ المال، وعلى ذلك فذكر السيف وضرب الظهر وأخذ المال لا يصح عن سبيع اليشكري، بل هو شاذ لمخالفته الطريق الصحيحة.
..
الخلاصة
1- أصح طُرق الحديث سندًا ومتنا المروي في الصحيحين من طريق أبي مسلم الخولاني عن حذيفة رضي الله عنه.
2- الصحيح والمحفوظ عن سبيع بن خالد اليشكري طريق حميد بن هلال قال حدثنا نصر بن عاصم الليثي قال أتينا اليشكري
بدون الزيادة.
3- أن ذكر ضرب الظهر وأخذ المال لا يصح عن حذيفة رضي الله عنه.
..
والله أعلم وأحكم
ونكمل معكم في لقاء قادم إن شاء الله
وكتبه حجاج بن فهد العجمي
——————————-
نظرات في أحاديث السمع والطاعة ( 4 )
[ وإن ضُرب ظهرك وأُخذ مالك 2 ]
..
قدَّمنا في المقالة السابقة أن هذه الزيادة من حديث حذيفة لا تصح عنه، وأن المتفق عليه وأكثر طُرق الحديث جاءت صحيحةً بغير هذه الزيادة، وهناك حديث آخر مرويٌّ عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وفيه ما يوافق هذه الزيادة من حديث حذيفة بلفظٍ مُقارب
عن عبادة عن النبي ﷺ أنه قال:
"اسْمَعْ وَأَطِعْ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ، وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ"
وهذا أخرجه ابن حبَّان في صحيحه 10/425
برقم 4562 وزاد فيه ( إلاَّ أن تكون معصية )
وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة برقم 1026
..
وسنناقش من جهة الرواية هذا الحديث برواته وألفاظه، فأقول روى هذه الحديث عن عبادة بن الصامت أربعة من الرواة وهم:
1- الراوي الأول الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه بغير هذه الزيادة ولفظ روايته
«بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي المَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ»
رواه البخاري برقم 7199
ورواه مسلم بلفظ مقارب برقم 1709
..
2- الراوي الثاني عن عبادة هو خالد بن معدان
بغير الزيادة ولفظ الحديث
( أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ لَا تُنَازِعِ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَلَوْ رَأَيْتَ أَنَّهُ لَكَ )
وخالد بن معدان تابعي ثقة وثَّقه العجلي في كتابه الثقات، وقال عنه الحافظ ابن حجر
( خالد ابن معدان الكلاعي الحمصي أبو عبد الله ثقة عابد يُرسل كثيرا من الثالثة مات سنة ثلاث ومائة وقيل بعد ذلك )
التقريب ص190
وحديثه هذا عن عبادة رجاله ثِقات غيرَ أن الوليد بن مسلم مُدَلِّسٌ وقد عنعنه، والشاهد أنه مروي من طريق خالد بن معدان عن عبادة بغير الزيادة
..
3- الراوي الثالث هو سعد بن عبادة بغير الزيادة كذلك وأخرج روايته البزار في مسنده 9/189 برقم 3735
..
4- الراوي الرابع عن عبادة هو جنادة بن أبي أمية وقد روى عن جنادة هذا الحديث ستة من الرواة، خمسةٌ منهم بغير زيادة
( وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك )
1-الراوي الأول عن جنادة هو الأوزاعي بدون الزيادة، قال الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ لِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ( عَلَيْكَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي يُسْرِكَ وَعُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ وَأَنْ لا تُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إلا أن يأمروك بمعصية الله بواحا )
أخرجه أبوالعباس الأصم كما في مجموع مصنفاته ص63 برقم 45
وأخرجه اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة برقم 2302
..
2- الراوي الثاني عن جنادة هو أبوقلابة وبدون الزيادة كذلك
أخرجه معمر بن راشد في جامعه 11/331
برقم 20687
ولفظ روايته
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، لِجُنَادَةَ أَبِي أُمَيَّةَ: «يَا جُنَادَةُ أَلَا أُخْبِرُكَ بِالَّذِي لَكَ وَالَّذِي عَلَيْكَ؟ إِنَّ عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَفِي الْأَثَرَةِ عَلَيْكَ، وَأَنْ تَدَعَ لِسَانَكَ بِالْقَوْلِ، وَأَلَّا تُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ بَرَاحًا، فَإِنْ أُمِرْتَ بِخِلَافِ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاتَّبِعْ كِتَابَ اللَّهِ»
..
3- الراوي الثالث عن جنادة هو بُكَيْرُ بن عبدالله الأشجّ وقد روى عنه بغير الزيادة كذلك، أخرج الرواية ابن أبي شيبة في مصنفه 7/464 برقم 37258 وأخرجها ابن أبي عاصم في السنة 2/494 برقم 1033
..
4- الراوي الرابع عن جنادة هو مُجاهد بن جبر، بدون الزيادة وأخرج الرواية من طريقه الشاشي في مسنده 3/148 برقم 1222
عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَكَانَ مِمَّنْ فَقَّهَهُ اللَّهُ فِي الدِّينِ فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَا عَلَيْكَ وَمَا لَكَ، إِنَّ عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ، وَأَنْ تُقِيمَ لِسَانَكَ بِالْعَدْلِ , وَأَنْ لَا تَنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ»
5-الراوي الخامس عن جنادة هو عُمير بن هانئ بدون الزيادة، وأخرج روايته الإمام أحمد في مسنده 37/403 برقم 22735
ولفظه
عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ أَنَّهُ حَدَّثَ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ، وَلَا تُنَازِعِ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّ لَكَ»
..
6- الراوي السادس عن جنادة بن أبي أمية هو أبو النَضْر حيَّان الأسدي وأبو النضر ذكره ابن حبان في الثقات ووثقه ابن معين وقال أبوحاتم الرازي: صالح، انظر تاريخ دمشق (15/376) ومعنى صالح: أي عند المتابعة
ويُروى عن أبي النضر من طريقين:
أ- الطريق الأول: من طريق مُدرك بن أبي سعد الفزاري وفيه زيادة ( وإن ضربوا ظهرك وأكلوا مالك ) وقد رواها ابن حبان في صحيحه برقم 4562 وابن أبي عاصم في السنة برقم 1026 ومدرك بن أبي سعد الفزاري مختلفٌ فيه: فوثقه جماعة منهم ابن معين والدارمي وقال أبوحاتم الرازي وأبوداود: لا بأس به، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: لا بأس به ص524، وعلى هذا فهو حَسَن الحديث ويؤخذ من حديثه المعروف إلا أن يـخالف!
قال أبو مسهر عن مدرك الفزاري
"صالح" أي يُعتبر بحديثه ويُكتب، ويحتاج لمُتابِع، وقال: "يؤخذ من حديثه المعروف" أي الحديث الذي يُتابع عليه ويُرد ما تفرَّد به راجع تهذيب التهذيب 10/80 .
الشاهد أنه زاد في الحديث لفظة تفرَّد بها عن أبي النضر، وغير أبي النضر لا يذكر هذه الزيادة. وقد خالفه في هذا أيضاً سعيد بن عبدالعزيز عن أبي النضر كما سيأتي.
ب- الطريق الثاني: سعيد بن عبدالعزيز عن أبي النضر من غير ذكر الزيادة وهو الوجه المحفوظ الموافق لبقية رواة الحديث، وروايته في مسند أحمد برقم 22736
وسعيد بن عبدالعزيز ثقةٌ إمام إلا أنه اختلط قبل موته كما في التقريب ص238
وروايته هنا مستقيمة ليس فيها أثر اختلاطه؛ لأنها موافقة لرواية الثقات.


والخلاصة ومن خلال هذا العرض يتضح أن زيادة ( وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ) لا تصح في حديث عبادة بن الصامت بل هي زيادة شاذة أو منكرة فقد خالف مدرك بن أبي سعد الفزاري ثمانية من الرواة في طبقته وطبقة شيوخه وشيوخ شيوخه، وأيضا فإن هذه الزيادة لم تَرِد في طُرق حديث عبادة بن الصامت المتفق عليه
عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَهُوَ مَرِيضٌ، قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ، سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ،
فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: «أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ» رواه البخاري برقم 7053
ورواه مسلم برقم برقم 1709
وعلى ذلك فالزيادة المشهورة من حديث حذيفة
( وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك )
والزيادة في حديث عبادة بن الصامت
( وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك )
لا تصح نسبتهما إلى النبي ﷺ وقد جمعتُ ألفاظ الأحاديث وطرقها وبينت ما أراه دينا أتقرب به إلى الله سبحانه، ومع ذلك سأبين في المقالات القادمة في جانب الدراية مفصلا على افتراض صحة هذه الزيادة.
..
والله تعالى أعلم وأحكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق