الخميس، 24 نوفمبر 2022

ماهي حدود البدعة المَنهي عنها، هل هي كل أمر مُحدث أو كل أمر مُخترع؟

 البدعة والاجتهاد والسنّة الحسنة

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، مرحباً بكم إلى هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة، والتي تأتيكم على الهواء مباشرة من الدوحة. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون..}[السجدة:24] وجاء في الحديث النبوي الشهير (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)، فمتى تكون البدعة ضلالة؟ وهل يدخل الخلاف الفقهي في دائرة التبديع؟ وماالسبيل لعدم الخلط بين ما هو ابتداع في الدين وما هو اجتهاد فقهي معاصر؟.. البدعة ومجالاتها المعاصرة موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع الفقيه فضيلة الدكتور الشيخ وهبة الزحيلي، مرحباً بكم فضيلة الدكتور ضيفاً في برنامج الشريعة الحياة.

وهبة الزحيلي: شكراً لكم، بارك الله فيكم.

عثمان عثمان: بدايةً دكتور، ماهي حدود البدعة المَنهي عنها، هل هي كل أمر مُحدث أو كل أمر مُخترع؟

وهبة الزحيلي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد فإني أهنئ العالم الإسلامي بحلول عيد الأضحى المبارك يعد يومين، سائلاً المولى جل جلالة أن يجمع كلمتهم ويوحّد صفوفهم ويجعلهم أتباعاً فعالين وحقيقيين لهذا الدين وهذه السنّة المتبعة والتي هي منهج رب العالمين. إن حقيقة الإسلام أنه دين وعقيدة ونظام ومعاملة وعبادة ومنهج حياة ودولة أيضاً، حقق الله سبحانه وتعالى بهذا النوع من التكامل بين أجزاء المتطلبات التي ينبغي أن يحياها الإنسان، حقق فيها كل ما يصبو إليه الناس قاطبة، ويجعلهم يعيشون في حالة من الاستقرار والوئام والسعادة ودون حاجة إلى أخذ شيء من الآخرين، هذا النظام هو أمانة من الله جل جلاله في أعناقنا ينبغي علينا أن نلتزمه وأن لا نفرّط بشيء منه لأن الله سبحانه وتعالى يقول {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض..}[الأحزاب:72] والأمانة هي التكاليف الإلهية الثابتة في القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، والله جل جلاله خاطب نبيه بقوله {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون..}[الجاثية:18] وقال سبحانه وتعالى {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون..}[الأنعام:153] أي أمركم، فهذا الأمر الإلهي، والذي أكدته السنّة النبوية للحفاظ على مقتضيات هذا النظام وأصوله وأحكامه ومبادئه، يتطلب منا أن نحترم هذا النظام وأن لا نزيد فيه ولا ننقص، ومن هنا وُجدت بعض الآراء التي تميّز بين ما هو سنّة ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام وبين ماهو مبتكر وجديد. فالسنّة في اللغة العربية كل مانشأ لا على مثال سابق أو كل ما كان هو غير مقرر ولا متعارف في هذا الدين، سواء أكان مذموماً أو محموداً، وأما الذي يقابل هذه السنّة هي البدعة التي نشأت في أعراف وعادات وظروف متأخرة عن وقت الهدي النبوي، فحدث فيها اختلاف فيما بين الناس لذلك اقتضى الكلام عن ما هو سنّة وما هو بدعة. فالسنّة هي ما ثبت نقله عن النبي عليه الصلاة والسلام وكل ما صادمها وخالفها فهو يُعد بدعة. والبدعة في واقع الأمر ينبغي أن لايكون لها مجال في هذا الدين لأن هذه قضية التزام بالوحي الإلهي المُعبّر عنه في القرآن الكريم وفي السنّة النبوية، ومع ذلك نظراً لوجود اختلافات في تقييم بعض الأوضاع الطارئة، وأنها هل هي من الدين أو السنّة أم أنها غريبة عن ذلك مما يجعلها موصوفة بصفة تسمى البدعة. فالبدعة في حقيقة الأمر وفي منهج العلماء المحققين أن كل ما وافق منهج النبوة وتعاليم الإسلام وأحكامه ومبادئه فهو مستحسن ومقبول شرعاً، وكل ماصادم هذا الأصل وكان ذا منهج مستقبح يؤدي إلى الضرر وإلى الإساءة إلى مفهوم هذا النظام الإلهي فهو بدعة، هذا النظام الذي هو بدعة يختلف عما يُعرف بقضية الاجتهاد فالاجتهاد ينبغي أن ..

عثمان عثمان (مقاطعاً): قبل أن ندخل في موضوع الاجتهاد ذكرتم بأن البدعة مقابل السنة، والسنة النبوية هي أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه السلام كان لشخصيته أبعاد متعددة، يعني كان هو النبي، كان هو المفتي، كان هو القاضي، كان هو رئيس الدولة، كان الزوج، كان الأب، يعني هل تُعتبر كل تصرفاته عليه الصلاة والسلام سنّة ويُعتبر من يخالفها مبتدعاً؟

وهبة الزحيلي: في واقع الأمر إن السنّة ليست هي الأفعال فقط، وإنما السنّة كل ماثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً، بحيث أقرّ ما يقع أمامه دون أن يتحدث فإقراره دليل القبول، فهذا يُعدّ من السنّة ولذلك يكون ما يخالف هذا الاتجاه هو في واقع الأمر، لأول وهلة، يسمى بدعة، لكن هذه البدعة ينبغي أن ننظر في شأنها فإن كان فيها تجديد لقضية من قضايا العقيدة الإسلامية أو عبادة من العبادات، فحينئذ يكون هذا مصادماً لتلك الأصول ويُعدّ بذلك بدعة.

عثمان عثمان: أنا أسأل فضيلة الدكتور عن الأبعاد الشخصية لشخصية النبي عليه الصلاة والسلام .

وهبة الزحيلي: النبي عليه الصلاة والسلام هو منفّذ لهذه الشريعة ومبين لآفاقها وحدودها، وشخصيته متكاملة غطّت جميع الأحداث باعتباره هو المشرع عن الله جل جلاله، فغطى كل هذه القضايا في عهده ولا مجال لأن يكون هناك خلاف أمام رأيه أو بيانه أو قوله أو فعله، لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا باتباع هذا النبي {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة..}[الأحزاب:21]،{وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول..}[التغابن:12]،[المائدة:92] فهذه التغطية لاتتوافر في غير شخصية النبي عليه الصلاة والسلام في كل المجالات التي ذكرتموها، وأما ما بعد العهد النبوي وبعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام ..

عثمان عثمان(مقاطعاً): سنصل إلى هذه المسألة فضيلة الدكتور ولكن دعنا بداية نبيّن الفرق بين البدعة المَنهي عنها شرعاً، وبين الاجتهاد المطلوب شرعاً.

وهبة الزحيلي: أما البدعة المَنهي عنها شرعاً، فهي تلك الأوصاف التي تصادم أصلاً من أصول العقيدة أو العبادة أو المبدأ الشرعي في المعاملات والعادات..

عثمان عثمانمقاطعاً): أما الاجتهاد ؟

"
الاجتهاد هو إبداء الرأي في القضايا المختلفة وخصوصاً المستجدة والحوادث الطارئة، معتمداً فيها المجتهد على دليل من الأدلة الشرعية، لذلك فهو داخلٌ في نطاق الشريعة، وهو يختلف  عن البدعة حيث تنقصها الأدلة
"

وهبة الزحيلي(متابعاً): فأما الاجتهاد فهو إبداء الرأي في القضايا المختلفة وخصوصاً المستجدة والحوادث الطارئة، معتمداً فيها المجتهد على دليل من الأدلة الشرعية، فإذاً هو داخلٌ في نطاق الشريعة لأن الاجتهاد جزء من هذه الشريعة وهذه الشريعة هي شريعة خاتمة وشريعة صالحة لكل زمان ومكان، فلا يمكن تغطية.. لبيان مايستجد من أحكام القضايا والمسائل الطارئة إلا بالاجتهاد، فالاجتهاد يختلف عن البدعة لأن الاجتهاد يدور في فلك النص ويدور في فلك الثابت في هذه الشريعة، أما البدعة فينقصها تغطيتها بدليل من الأدلة.

عثمان عثمان: فماذا عن الاستحسان بالرأي؟

وهبة الزحيلي: هناك أيضاً المصالح المرسلة، وهي الأوصاف التي تتلاءم مع تصرفات الشرع أو الاستحسان بالرأي، الاستحسان هو أحد أمرين إما أن يكون قياساً خفياً في مقابلة قياس جليّ، مثل قولهم الحكم بطهارة سؤر سباع الطير، الجوارح، فهذه قياساً على سؤر الآدمي فلا ينجس الماء بعد أن تشرب منه وتنقض من علياء سمائها فتشرب من إناء، هل ينجس هذا.. لاينجس، أو أن يكون الاستحسان استثناء مسألة جزئية من أصل عام أو قاعدة كلية، مثل قضية الاستصلاح، يعني يجوز أو لا يجوز.. مثلاً وصية المحجور عليه، فالاستحسان والمصالح المرسلة والأدلة الاجتهادية كلها تدور في فلك النص وتعتمد على دليل، هذا هو الفرق.

عثمان عثمان: دعنا نسأل سؤال آخر فضيلة الدكتور، هناك البدعة التي هي ضلالة بالطبع، وهناك قول النبي عليه الصلاة والسلام ( من سنّ في الإسلام سنّة حسنة) ما الفرق بينهما أيضاً؟

وهبة الزحيلي: نحن دائماً نسير في ضوء الهدي النبوي، ما يُسمى في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة..

عثمان عثمان(مقاطعاً): ما الفرق بين السنّة الحسنة والاتباع؟

وهبة الزحيلي(متابعاً): السنّة الحسنة هي تنفيذٌ وتطبيقٌ لتوجيهات الشرع، سواء أكان قرآناً أو سنّة نبوية فهذا التنفيذ.. مثلاً النبي عليه الصلاة والسلام وجد جماعة محتاجين، مُجتابين نمار، يعني ثيابهم مخططة من اليمن، فدعا الصحابة الكرام إلى أن يتبرعوا وأن يتصدقوا عليهم، فجُمع مال كثير في إناء، والنبي أقرّ هذا العمل، وقال من سنّ سنّة حسنة، بأن دعا الناس إلى الإقبال على الصدقة وتغطيه حاجة هؤلاء الذين جاؤوا فقراء فهذه سنّة حسنة ..

عثمان عثمان(مقاطعاً): تأتي ضمن أصل قرآني وهو الحث على الصدقة ..

وهبة الزحيلي(مقاطعاً): ما يتفق مع الأصل القرآني والتوجيهات الشرعية يُعد مقبولاً وهو السنّة الحسنة.

عثمان عثمان: وماذا عن صلاة التراويح التي جمع عليها سيدنا عمر رضي الله عنه المسلمين في رمضان، تحت أي باب تدخل؟

وهبة الزحيلي: هذه تعود إلى ما يُسمى بالبدعة الحسنة، كما قال سيدنا عمر حينما جمع الناس إلى الصلاة في صلاة التراويح في جماعة، قال، نعمت البدعة هذه. البدعة هنا يقصد بها الأمر المستجد الذي لم يكن عليه الناس في العهد السابق، حيث يصلون جماعة، ولكن هذا لا يخرج عن السنّة لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بالصحابة الكرام يومين أو ثلاثة جماعة، فالعودة إلى أصل هذه السنّة بفعل سيدنا عمر هو سماه بدعة، وهو جمع الناس على إمام واحد بدل من أن هم كانوا يصلون فرادى، فقال، نعمت البدعة هذه، ولكن في الحقيقة هذه ليست بدعة بالمعنى الصحيح وإنما هي عودة إلى أصل تشريع أو الاستناد للنبوي، فلذلك كانت هذه مقبولة وهي مندوبة وفيها فائدة وفيها خير، بدلاً من أن يتوزع الناس في صلاة التروايح أفراداً وجماعات.

حالات تحوّل الابتداع إلى ضلالة أو كفر

عثمان عثمان: واضح. مسألة العلاقة بين الابتداع في الدين والكفر، يعني هل يمكن أن تؤدي البدعة إلى كفر؟ ومتى يحصل ذلك؟

وهبة الزحيلي: البدعة إما أن تكون في مجال العقائد أو العبادات أو العادات أو المعاملات، لأن أحكام هذه الشريعة إما عبادات وإما معاملات، فإذا كانت البدعة تصل بالإنسان إلى درجة التكفير، وكان المبتدِع كافراً في بدعته، فهذا يمكن أن يحدث هذا الأمر، مثل قول المجسِّمة أو المشبِّهة الذين شبهوا إلههم بخالق بأن له سبعة أشبار بشبر نفسه، هذا سخرية، أو المجسّمة الذين وصفوا الإله بأن له جسد والبدن حشو هذا الجسد، فهؤلاء في..

عثمان عثمان(مقاطعاً): هذا ابتداع يؤدي بصاحبه إلى الكفر؟

وهبة الزحيلي(متابعاً): ابتداع يؤدي إلى الكفر لأنه يخالف حقائق الأمور بأن الله سبحانه تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فأنا..

عثمان عثمان(مقاطعاً): الخلاف الفقهي أو لنقل الابتداع، الخلاف الفقهي هل يدخل في باب الابتداع أيضاً؟

وهبة الزحيلي: لاشك أن الخلاف الفقهي، كما ذكرت سابقاً، يعتمد على الدليل واختلاف وجهات النظر بسبب اختلاف الفقهاء والمجتهدين في النظر إلى بعض القضايا أو الاعتماد على دليل من الأدلة، واحد يرى المصلحة في هذا الاتجاه، وآخر يرى المصلحة في اتجاه آخر، فهذا الخلاف الفقهي محمود وليس مذموماً، أما البدعة التي تخالف أصول الشريعة فهي مذمومة، أما هذا حضّ عليه النبي عليه الصلاة والسلام وقال للصحابة الكرام عمرو بن العاص وغيره، إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد، فإذاً هذا دليل على الترغيب في الاجتهاد، وأن الاجتهاد يكون في فلك الشريعة ومبادئها وتوجهاتها، وهذا يكون محموداً ومُثاباً عليه الإنسان على عكس البدعة التي تصادم أصول العقيدة فقد يصل بها الإنسان إلى الكفر.

عثمان عثمان: يعني تعقيباً على الحديث الذي ذكرتموه ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) ابن تيمية رحمه الله قرر أن كثيراً من مجتهدي السلف قد قالوا وفعلوا ماهو بدعة لسبب من الأسباب، وهذا جعلهم معذورين يشملهم قوله تعالى {..ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا..}[البقرة:286] فضيلة الدكتور ذكرتم أن ..

وهبة الزحيلي(مقاطعاً): النبي أقرّ الأمرين، من أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد. لأننا لسنا معصومين نحن العلماء والمجتهدون.

عثمان عثمان: ذكرتم أن الابتداع الوارد على سبيل التعبد إن كان مخالفاً للشرع، ماذا عن الابتداع في العادات والتقاليد، يعني ماذا لو كان هناك اختراع أو إحداث في العادات والتقاليد وليس على سبيل التعبد هل يجوز ذلك ؟

وهبة الزحيلي: كل مايتفق مع توجيهات الإسلام الكبرى فهو مقبول، فإن كانت العادة تخضع وتسير في فلك هذه الشريعة فهي مقبولة، أما إذا كانت العادة التي يخترعها بعض الناس تصادم الآداب والتوجيهات الشرعية ويكون فيها تقليد لغيرنا مما لا نألفه في شرعنا ولا في ديننا ولا أخلاقنا، فمثل هذه العادات تكون مذمومة ولكن لا تصل إلى حد التكفير.

عثمان عثمان: البعض يرى أن مفهوم البدعة قد تضخّم لدرجة مبالغ فيها، هل ترون ذلك؟

وهبة الزحيلي: الواقع أن مدرسة بعض الناس بالغوا في قضايا البدعة وخصوصاً بعد ظهور بعض الدعوات الإصلاحية في إنكار البِدع والخلافات، نحن معهم، نحن نرفض البدعة التي تكون مصادمة لأصول الشريعة، وثم جاء بعض هؤلاء المنتمين لتلك المدرسة ووسعوا في الكلام واتهموا كل من يقع في مخالفة إما بدرجة الضلالة أو الفسق أو ارتكاب المعصية، فشاع كلام كثير في وقتنا الحاضر مما أوقع الناس في خلافات وجزأهم إلى فرق ومذاهب وأحزاب مما أدى إلى ضرورة أن نعود إلى الأصل الشرعي لنجمع كلمة المسلمين..

عثمان عثمان(مقاطعاً): كيف ذلك فضيلة الدكتور؟ كيف نعيد مفهوم البدعة إلى حجمه الطبيعي الذي ينبغي أن يشغله؟

وهبة الزحيلي: يمكن دائماً بالتزام الأصول الشرعية التي قررها العلماء والتي استمدوها من صريح القرآن الكريم ونصوص السنّة النبوية، فدائماً.. الله سبحانه وتعالى يقول {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله..}[الشورى:10] فالرد إلى الكتاب والسنّة يُنهي كل هذه الخلافات ويمنعهم من الانقسام ومن التفرق ويعيدهم إلى ضروة الاجتماع على مائدة واحدة، وهي العمل بالقرآن الكريم والسنّة النبوية، دون أن يكون هناك نزاع في وجهات النظر أو الاختلافات في جزئيات لاينبغي أن تصل إلى هذه الدرجة من الاستقباح و التشويه ومن الإثارة وشحن النفوس بشيء من الأحقاد واتهام بعضهم بعضاً بالتضليل أو..

عثمان عثمان(مقاطعاً): فضيلة الدكتور يبدو أن الكل يقول أنه يعود إلى الكتاب والسنّة، سواء من كان يقول بالبدعة أو من ينفي حدوث بدعة من البدع، ولكن السؤال الأهم أي دور لعبته البدعة في القضاء على خلاف الرأي أو إقصاء الرأي الآخر؟

وهبة الزحيلي: في حقيقة الأمر يعني نحن دائماً نحترم الاختلاف في الرأي مادام هذا الاختلاف محموداً، مثل الاجتهاد، أما إذا كان منشأه العمل بالهوى والتعصب واتباع الشهوات والنزعات الهدامة، فهذا أدى إلى تفريق الأمة الإسلامية وجعلهم فرقاً وأحزاباً، فلذلك ينبغي أن نعود إلى هذه الأصول الأساسية، ولكن هناك فرق، بعضهم من يعمم الكلمة، مثلاً كل بدعة ضلالة، هذا العموم، أولاً ينبغي أن نتفق على أن هذا الشيء بدعة فيكون إذا كان بدعة في الاتفاق فيكون ضلالة، فبعضهم يأخذ بظواهر النص ولايُعمل نظره وفكره في آفاق النص ومحتوى النص وأبعاد النص والعمل بمقاصد الشريعة والعمل بالغايات التي يريد الوصول إليها، فإذاً الموضوع يعود إلى الاختلاف في وجهات النظر بعضهم مشدد ومتمسـ.. يعني هم أقرب إلى الظاهرية منهم إلى التعمق بالرأي.

عثمان عثمان: كل بدعة ضلالة. هذا النص في حديث النبي عليه الصلاة والسلام ما معناه؟ أسمع الإجابة، إن شاء الله، منك بعد وقفة قصيرة. فاصل قصير مشاهدينا الكرام ثم نعود إلى متابعة هذه الحلقة من برنامج الشريعة و الحياة فتفضلوا بالبقاء معنا.

[فاصل إعلاني]

عثمان عثمان: مرحباً بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا اليوم من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان البدعة ومجالاتها المعاصرة، مع فضيلة الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي. فضيلة الدكتور كنت سألت عن معنى، كل بدعة ضلالة.

وهبة الزحيلي: صحيح، أن كلمة كل من أدوات العموم، وظاهر الأمر أن كل ما هو مُبتدع في هذا الدين يؤدي إلى الضلالة أي الانحراف والتورط في مخالفة أصول هذا الشرع، والضلالة في واقع الأمر توقع في الإثم وتوقع فيما يغضب الله جل جلاله، لكن هذا العموم ليس هو المراد، دائماً عمومات الألفاظ التشريعية تحتاج إلى شيء من الضوابط، فالمقصود بالبدعة التي هي ضلالة هي التي تدل على أمر مُستقبح يناقض ويصادم أصول هذه الشريعة، فهذه هي الضلالة، والدليل، كما قلت لكم، سيدنا عمر قال، نعمت البدعة هذه. فإذاً البدعة إذا كانت متجهة إلى إحياء مَعلم من معالم الشريعة والالتزام بأصولها وتحقيق غاياتها، فهذه ليست من البدعة المذمومة وإنما هي مما قاله السابقون البدعة الحسنة، والبدعة الحسنة إذاً المتفقة مع كل أمر مستحسن في هذه الشريعة، هذا لا يصح أن يقال عنه كل بدعة ضلالة بعض الناس يعممون الحكم..

عثمان عثمان(مقاطعاً): هناك قول لابن عمر رضي الله عنهما يقول، كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة.

وهبة الزحيلي: أيضاً كل بدعة المقصود توجيه الأنظار إلى ما هو مصادم للشرع وما هو مستقبح في دين الله وشرعه، وليس كل شيء جديد نسميه بدعة وإلا أقفلنا باب الحياة والتطورات التي تحدث في كل زمان ومكان فهذه لا يصح أن يُقال عنها بدعة.

بعض المسائل المطروحة بوصفها بدعاً

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور، نحن الآن في موسم الحج، والآن الحجاج يعني مغمورين بالإيمان ذهبوا إلى بيت الله الحرام، هناك بعض الأمور يتحدث عنها البعض ويصفها بأنها بدعة، كزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام، زيارة بعض الأماكن التاريخية والأثرية، التمسح بالكعبة، ما الحكم الشرعي في ذلك؟

"
يجب أن يكون العلماء دائما مع الاتجاه الذي يضبط البدعة ويقاومها ولا يقرها، فمن السنة مثلا تقبيل الحجر الأسود، أما التمسح بالأحجار وكسوة الكعبة المشرفة فلم يثبت في دين الله وشرعه
"

وهبة الزحيلي: أولاً نحن دائماً مع الاتجاه الذي يضبط البدعة ويقاومها ولا يقرها بحال من الأحوال، فكل ماشرّعه الشرع نتقيد به، مثل تقبيل الحجر الأسود، أما التمسُّح بالأحجار أو بكسوة الكعبة المشرفة هذا لم يثبت في دين الله وشرعه بل هو من المنكرات، وكذلك عند زيارة ضريح النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً مايفعله بعض العوام من التمسح بهذه الأسلاك والمعادن والشبابيك، أيضاً هذا كله بدعة بحق، أما أن نقول أن نفس الزيارة بحد ذاتها هي منكرة، هذا غير صحيح لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة) أوليس هذا المقام الذي ضم رفات النبي عليه الصلاة والسلام وهو أقدس وأشرف مكان في العالم بعد الكعبة المشرفة، خلافاً لرأي الإمام مالك يعتبر هذا المكان حتى أفضل من غيره من الأماكن التي هي في مكة المكرمة..

عثمان عثمان(مقاطعاً): شرعاً، هل تُشد الرحال لزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام؟

وهبة الزحيلي: تشد الرحال لزيارة المسجد.. مسجد المدينة المنورة، وأما التعبير عن الإيمان والالتزام ومحبة النبي عليه الصلاة والسلام والوفاء لمبادئه وتعاليمه ومنهجه هذا ما يعبر عنه زيارتنا لهذا المقام، ولهذا الأساس ملتزمين بأن كل شيء في هذا الوجود هو بأمر من الله جل جلاله وبقدرته وبأن كل شيء ينبغي أن نتقيد بحسب ماورد في هذه السنّة.

عثمان عثمان: لننزل هذا الكلام على بعض المسائل المطروحة الآن في شارعنا الإسلامي، الاحتفال بمولد النبي عليه الصلاة والسلام، كثُر الكلام فيه بين المسلمين حتى أنه أُلّفت كتب وكتب مناقضة، يعني هل يجوز الحكم على هذا الفعل بالبدعة؟

وهبة الزحيلي: لاشك أن..

عثمان عثمان(مقاطعاً): البدعة المحرمة..

وهبة الزحيلي(متابعاً): لاشك أن الاحتفال بالمولد النبوي على الصعيد الرسمي هو من مخترعات الفاطميين فيمكن أن يقال عنه بدعة، ولكن هل هذه البدعة مذمومة أم أنها تحيي أشياء كثيرة؟ فإذا كان المولد النبوي مقتصراً على قراءة القرآن الكريم، والتذكير بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، وترغيب الناس في الالتزام بتعاليم الإسلام وحضّهم على الفرائض وعلى الآداب الشرعية، ولايكون فيها مبالغة في المديح ولا إطراءٌ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لاتطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله) و هذا إذا كان هذا الاتجاه.. في واقع الأمر لا يُعد من البدع، وإنما لوعددناه من البدع لألغينا كل دروس التاريخ وكل دروس التي فيها توجيه ودعوة للإسلام، نلغي الدعوة الإسلامية في هذه الأمور فإذاً هذا مانريده من الاحتفال بالمولد النبوي.

عثمان عثمان: البعض دكتور يطرح إشكالية أو تساؤل ربما الاحتفال بذكرى المولد يفتح الباب لما ذكرتوه من مغالاة.

وهبة الزحيلي: نحن لا نقرّ لا المغالاة ولا التعظيم بأكثر من الحدود المشروعة، النبي عليه الصلاة و السلام سن صوم يوم الإسلام، وقال، فيه ولدت وفيه بُعثت. فإذاً إحياء هذا المَعلم لايُعد بدعة وكذلك فيه ..

عثمان عثمان: لماذا لم يحتفل فيه السلف الصالح ؟

وهبة الزحيلي: لم يحتفلوا لأن السلف الصالح كانوا مشغولين بتثبيت قواعد الإسلام وأركانه والفتوحات ودفع أضرار الأعداء الذين تكالبوا على هذه الدعوة للقضاء عليها في مهدها، فلم يكونوا متفرغين لهذه الأمور بل لم يكن هناك حاجة إليها لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمامهم وهم يستمدون منه كل توجيه وكل ترغيب وكل أدب كريم، فلذلك القضية لم تثر في ذلك العهد ..

عثمان عثمان(مقاطعاً): ماذا عن ميلاد المسيح عليه السلام؟

وهبة الزحيلي: نحن أيضاً نحترم كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام سواء الأنبياء ذوي العزم، سيدنا نوح وابراهيم وموسى وعيسى وخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، نحن نحترم جميع الأنبياء، بدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام سأل، لماذا يصوم اليهود في العاشر من محرم؟ فقالوا له، هذا يوم نجى الله فيه موسى من الغرق. قال، أنا أحقّ بأخي موسى منهم. فسنّ صومه وقال: لئن عشت إلى قابل لأصومنّ التاسع والعاشر. فهذا إذاً دليل على أن الأنبياء كلهم في مكانة عظيمة ومُقدرة..

عثمان عثمان(مقاطعاً): أسأل عن الاحتفال بميلاد المسيح عليه السلام.

وهبة الزحيلي(متابعاً): يعني إذا كنا نريد أيضاً أن نحيي معالم السيد المسح عليه السلام أو إبراهيم الخليل وبشيء من توجيه الأذهان والهمم للالتزام بتعاليم الأنبياء فهذا أمر لامانع منه، أما ما يفعله الناس من تقليد غيرنا فهذا هو الذي يكون فيه الإشكال .

عثمان عثمان: مايفعله الناس من تقليد غيرنا يجعلنا نسأل سؤالاً مهماً، ربما الكثير من المسلمين يسأل عنه، ماحكم الاحتفال بمولد الشخص؟ يعني الإنسان يحتفل بمولده، بمولد ولده، إلى ما هنالك؟

وهبة الزحيلي: هذه أيضاً كلها من البدع، الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، الاحتفال بالنصف من شعبان، الاحتفال بليلة القدر، الاحتفال بمولد الإنسان، وببعض الذكريات، هذه إذا قُصد بها أن يكون المراد منها عبادة وأنه يظن أن فيها مصلحة وفيها ثواب فهذه بدعة فعلاً، ولكن إذا خلا الذهن من قضايا التمجيد والتعظيم والعبادة وقصد الثواب وعدم تقليد الآخرين.. فهذا يعني الأصل في الأشياء..

عثمان عثمان(مقاطعاً): إذاً المسألة تعود، إنما الأعمال بالنيات؟

وهبة الزحيلي(متابعاً): الأصل في الأشياء الإباحة ولكن هي لم تكن موجودة لا في عهدنا ولا في عهد غيرنا.

عثمان عثمان: دكتور اسمح لنا نأخذ بعض المشاركات، معنا الأخ ابراهيم عبد الله من الإمارات العربية المتحدة.

ابراهيم عبد الله/ الإمارات: السلام عليكم.

عثمان عثمان: عليكم السلام ورحمة الله.

ابراهيم عبد الله: وكل عام وأنتم بخير إن شاء الله وأنا أرجو من الدكتور وهبة الزحيلي بارك الله في عمره أن يعدّ قائمة بالبدع الحديثة المنتشرة ويصدّقها من مجمع الفقه الإسلامي وأن ينشرها بارك الله فيكم وهذا أولاً، ثانياً أنا لي سؤالين، أعتقد حسب ما سمعت أن الخطبة الأخيرة للرسول صلى الله عليه وسلم من ضمن ما ذكر (لا تعودوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) فهل الاقتتال بين الأخوة العراقيين هو كفر وخروج من الملة، وتطبيق ما يجري في بعض الدول الأخرى على ذلك؟ هذا السؤال الأول، السؤال الثاني أنا شخصياً متضايق من بدعة بدأت تنتشر في المساجد، عموم المساجد، وهو انتشار الكراسي والمقاعد فبدأ ازدياد عدد الكراسي هذا بالذات في خلال الجمعة وخلال الصلوات الأخرى مما يضايق المصلين، يعني حتى صار الصف ينحرف عن استوائه، فهل كثرة الكراسي..

عثمان عثمان(مقاطعاً): أخي ابراهيم وضحت الفكرة، لنفسح المجال لمشترك آخر، الأخ عبد الفتاح حسين من العراق.

عبد الفتاح حسين/ العراق: السلام عليكم .

عثمان عثمان: عليكم السلام ورحمة الله.

عبد الفتاح حسين: أولاً أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي.

وهبة الزحيلي: بارك الله بك.

عثمان عثمان: مرحباً بك، تفضل أخي بسؤالك.

عبد الفتاح حسين: والله السؤال يعني أولاً بالنسبة للبدعة، تفضَّلَ الشيخ الدكتور بأن هذا نص العموم لازم يُخفف لأن البدعة لم تجر بما يعارض أصول الشريعة الإسلامية، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن لنا في حديثه النبوي (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ) هذا الحديث النبوي يبين لنا كلمة البدعة بأن البدعة كل مايُخترع ويُحدث في الدين أما ما يكثر فيه ..

عثمان عثمان(مقاطعاً): أين السؤال أي السؤال؟

عبد الفتاح حسين(متابعاً): الحديث في أيامنا هذا فهذا لايدخل في أبواب البدعة، لأن البدعة تكون خاصة في الدين وليس في أمور الدنيا. هذا أولاً، وثانياً ما قول الإمام مالك، رحمة الله عليه، من ظن أن في الإسلام بدعة حسنة فقد ظن أن محمداً خان الرسالة. فمعنى هذا الكلام أنه ليس في الدين شيء يسمى بالبدعة الحسنة، فكل ما ابتُدع في الدين ويسمى بدعة فهو سيئة ليس فيها بدعة حسنة أو سيئة، هذا في أمور الدين أما في الأمور الدنيوية، الاختراعات، الأمور التعليمية، السيارات، الكهرباء، هذه لا تدخل في أمور الدين حتى نسميها بدعة وإن كانت فيه حديثاً، وأشكر فضيلة الدكتور…

عثمان عثمان(مقاطعاً): شكراً لك. ومعنا الأخ صلاح صادق من الأردن.

صلاح صادق/ الأردن: السلام عليكم.

عثمان عثمان: وعليكم السلام، تفضل أخ صلاح.

صلاح صادق: تحية لك أخي الكريم، لدي سؤالان، السؤال الأول أن مصادر التشريع هي القرآن والسنة والاجماع والقياس، وهذه عليها أدلة قطعية. ولكن المصالح المرسلة والاستحسان وعمل أهل المدينة فليس عليها أي دليل قطعي أو حتى ظني صحيح، فلذلك أدخلت على المسلمين ما أدخلته من البلاء الكثير. والسؤال الثاني، هل المطالبة بدولتين فلسطينية وإسرائيلية بدعة أم غير بدعة وشكراً لك .

عثمان عثمان: نعود دكتور، يعني الأخ ابراهيم أول مسألة طرح اقتراح بأن تكون هناك قائمة بالبدع الحديثة، هل لديكم اتجاه في مجمع الفقه الإسلامي؟

وهبة الزحيلي: لاشك أنني أولاً ألّفت كتاباً وسميته البدع المنكرة، وعرضت فيه أكثر هذه البدع. وفي اجتماعنا الأخير في مجمع الفقه في مكة المكرمة قدمت اقتراحاً لأمين المجمع الدكتور صالح المرزوقي أن يكون من أعمالنا في الدورة القادمة بيان ما هو سنّة وماهو بدعة وضوابط كل منهما ليرتاج الناس من هذه المعاناة والإشكالات التي تحوم فيها.

عثمان عثمان: جيد. دكتور السؤال الآخر تحدث عن خطبة النبي عليه السلام وخطبة حجة الوداع، لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. يسأل عن وضع المسلمين في العراق وقتالهم مع بعضهم البعض؟

وهبة الزحيلي: مما لاشك فيه أن كل ذي عقل وكل ذي دين وكل ذي غيرة على قيم الإسلام ومقدساته يرفض رفضاً قاطعاً هذا الاقتتال بين الأخوة في العراق، سواء أكانوا سنّة أو شيعة فهذا لايقرّه دين الله وشرعه، وهم في واقع الأمر يُعدّون ممن يسهمون في بقاء الاحتلال وتكريسه والقضاء على عروبة العراق وإحداث الفتن وإحداث شرخ وتمزق وتشتيت، فنحن نرفض هذا رفضاً قاطعاً وعليهم أن يعودوا إلى حظيرة الإسلام وإلى توحيد الكلمة وأن يتفقوا ضد العدو المحتل .

عثمان عثمان: دكتور يعني كمان سأل سؤال عن موضوع انتشار الكراسي والمقاعد والمفارش في المساجد، ماحكمه شرعاً؟

وهبة الزحيلي: أما هذه الكراسي إن كانت مخصصة للعجزة والذي أصيبوا، يصلّوا بأي كيفية من الكيفيات، أما المفارش فلا داعي لها، وأما وجود هذه الكراسي فيستحسن أن تكون في آخر الصفوف لا أن تكون مشتتة بين الصفوف منعاً من وجود هذا الانقسام وتفريق الصف بعضه عن بعض.

عثمان عثمان: جيد، دكتور، دعنا نأخذ أيضاً بعض المشاركات من الأخوة المشاهدين معنا الأخ أحمد عبد الله من الكويت تفضل أخ أحمد.

أحمد عبد الله/ الكويت: السلام عليكم.

عثمان عثمان: وعليكم السلام ورحمة الله.

أحمد عبد الله: شيخنا الفاضل نريد منكم، من فضيلتكم، أن تتوسعوا في موضوع البدعة وأن لاتطلق البدعة على الأمور المُختلف فيها، وربما جاء فيها حديث ضعيف يعني دائماً رد الحديث الضعيف، وربما تكلم عن هذا الحديث الإمام ابن حجر، كمسح الوجه بعد الدعاء وتبديع من يفعل ذلك ويُقال أن هذا أمر بدعة وينكر عليه حتى وصل الأمر إلى أن الإمام إن قنت في صلاة الفجر يُقال له أنت مبتدع، فنريد وضع حد لهذه الأمور التي ربما تفرّق الأمة شيخنا الفاضل وجزاكم الله خيراً.

عثمان عثمان: هل من سؤال آخر أخ أحمد؟

أحمد عبد الله: شكراً .

عثمان عثمان: شكراً لك، عندنا الأخ محمد عيسى من أمريكا، أخ محمد تفضل؟

محمد عيسى/ أمريكا: السلام عليكم.

عثمان عثمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

محمد عيسى: أن أفضل أن أسأل الشيخ الفضيلة أيش الذي يجري عند العالم في الأيام هذه يا أخي يعني نشوف فلسطين، يعني يقتلوهم يدبحوهم العالم كله يتقاتل عليهم مش حرام يا أخي على الأمة الإسلامية والزعماء العرب..

عثمان عثمان(مقاطعاً): سؤالك أخ محمد هل من سؤال؟

محمد عيسى: لا هذا بس اللي عندي ياه.

عثمان عثمان: شكراً لك، معنا الأخ لطفي العربي أيضاً من فرنسا، تفضل أستاذ لطفي؟

لطفي العربي/ فرنسا: السلام عليكم .

عثمان عثمان:وعليكم السلام.

لطفي العربي: عندي سؤال للأستاذ، عندي سؤالين، هو يعني بموضوع البدعة، كيف يفسر لنا لما تكون البدعة.. هو يعني بالطبع البدعة الضالة هو كل شيء مخالف للشرع، هذا بدعة ضالة، الحمد لله الشيء معروف. هو القرآن لما جُمع القرآن والتشكيل فهذا كان بدعة من بعد النبي عليه الصلاة والسلام فهذا لا يضر هذا دليل أن هي بدعة حسنة ولم يكن في وقت النبي عليه السلام..

عثمان عثمان(مقاطعاً): أخ لطفي هل لديك سؤال محدد لضيق الوقت لو سمحت؟

لطفي العربي: يعني يبين للناس البدعة الحسنة والبدعة الضالة..

عثمان عثمان(مقاطعاً): شكراً جزيلاً أخ لطفي.

لطفي العربي: بارك الله بك، سؤال ثاني بارك الله بك.

عثمان عثمان: بسرعة وباختصار لوسمحت أخ لطفي.

لطفي العربي: إذا قال الشيخ قال أن التمسح بالحجر وهذا يقول أنه غير جائز، كيف يفسر لنا لما تمسّح بقميص سيدنا يوسف يعني النبي …

عثمان عثمان (مقاطعاً): هو الشيخ لم يقل بأن التمسح بالحجر غير جائز، شكراً جزيلاً أخ لطفي. دكنور يعني طبعاً فيه عندي الأخ عبد الفتاح حسين تحدث عن موضوع أن الإمام مالك تحدث عن البدعة الحسنة وقال أنه ليس هناك بدعة حسنة أظن أنكم تحدثتم في هذا الموضوع مطولاً. دكتور، أصحاب البدع، أهل البدع كيف يجب التعامل معهم، هل نحاروهم هل نجادلهم هل نرد عليهم أم ماذا ؟

وهبة الزحيلي: لاشك أننا نحن دائماً أمة الحوار والبيان، الإقناع ومحاولة الدعوة إلى الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة وبالتلطف لابالتنطع وبإحسان الظن بالآخرين حتى يعرفوا الحق من الباطل والصحيح من الخطأ، فإذاً منهجنا دائماً هو منهج الحوار، ومنهج إحسان الظن بالآخرين، ومنهج التعامل مع الكل، ولايصح أن نرفض رأياً، فمثلاً رأي الأمام مالك هو رأيه، قال ذلك وأنا معه، أنه لايصح أن يُقال هناك بدعة، لها أحكام خمسة أقول البدعة هي المذمومة وغيرها هو المتفق مع أصول الشرع ومقاصده فهو أمر حسن ولا أسميه بدعة وإنما أقول عمل بتوجيهات الشرع ومبادئه وأحكامه .

عثمان عثمان: الأخ صلاح صادق سأل سؤال عن موضوع المصالح المرسلة الاستحسان واعتبرها أنها ليست من مصادر التشريع.

وهبة الزحيلي: با أخانا الكريم، أنت يعني تتعصب ضد هذا الاتجاه فهذا مما اتفق عليه فقهاء المذاهب، صحيح ليس لها دليل خاص وإنما لها مجموعة أدلة، بأن المصالح المرسلة هي العمل بالغايات الكبرى والعمل بمقاصد الشريعة، وهي تدل على سعة هذه الشريعة، وعلى تغطيتها للحوادث المستجدة والقضايا الطارئة، فهذا دليل على مرونة الشريعة والحفاظ على صلاحيتها لكل زمان ومكان. فإذاً قضية أن تطلب لكل جزئية دليلاً خاصاً، صحيح أنت محق في هذا، لكن مجموعة الأدلة والعمل بمقاصد الدين والشريعة يقتضينا أن نأخذ بهذه المصادر المختلف فيها وإن لم يكن مُجمع عليها. وهذا من مزايا هذه الشريعة أن مصادرها كثيرة، وهذا دليل على إعمال العقل وإعمال طاقة الإنسان وأن الله سبحانه وتعالى أكرم الأمة حين فتح لها منافذ الاجتهاد وهذا يُعد مقبولاً كما قبله أئمتنا الكرام .

عثمان عثمان: دكتور لم يتبق معي الكثير من الوقت، يعني أريد إجابات موجزة لو سمحتم، يعني كيف يمكن قمع البدع في الدين دون فتنة؟

وهبة الزحيلي: الحقيقة أنا أرفض هذه المحاولات المتشددة والتي يحاول بعضهم فيها ثني الناس عن بعض الآراء التي هي محل خلاف، فهذا في واقع الأمر ليس من الإسلام، الإسلام دين الرفق دين التسامح دين المنطق دين العمل الذي يجمع ولا يفرق، فإذاً كل هذه المحاولات التي تكون فيها تنطع وتشدد وتعصب برأي معين هذا ليس من توجيهات هذه الشريعة ولا من أصولها، وعلينا أن نحمل الناس على الرأي والمنهج الطيب والقريب من الحق لا أن نتهمهم بالكفر والضلال، ونعاملهم معاملة قاسية. ياأخي الإسلام هو دين الاقناع، لم ينتشر الإسلام بهذه الأساليب التي تفرق ولا تجمع وإنما انتشر بالقناعة وبالأسوة الحسنة وبالكلمة الطيبة وبالحكمة والموعظة الحسنة، والله أمرنا بذلك، علينا أن نلتزم هذه الأصول لنكون خير أمة أخرجت للناس.

عثمان عثمان: دكتور يعني أريد منكم في ثلاثين ثانية وربما لا يكفي الوقت ما العقوبة الأخروية المترتبة على الابتداع في الدين؟

وهبة الزحيلي: إذا كانت البدعة مكفرة فلاشك أن صاحبها يكون من الكفار ويعذب ويكون من أهل العقاب المخلد في نار جهنم، أما إذا كانت البدعة لا تصل إلى حد التكفير، كالخوارج فهم أساؤوا إلى الإسلام ولكنهم ليسوا كفاراً فهؤلاء يعدون من العصاة أو الفسّاق، وكثيراً منهم في وقتنا الحاضر ليسوا من الخوارج ومع ذلك يفعلون أفعالاً مثل الخوارج، هؤلاء العصاة والفساق لهم عقاب من الله جل جلاله والأمر متروك لإرادته ومشيئته .

عثمان عثمان: أشكركم فضيلة الدكتور الفقيه وهبي الزحيلي على هذه الإضافة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحية من معد البرنامج معتز الخطيب ومن المخرج منصور الطلافيح وهذا عثمان عثمان يستودعكم الله، وكل عام أنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق