ما هو الأصلح والأفضل للفقراء في زكاة الفطر؟
#زكاة_الفطر؟
والخلاف بين العلماء في ما يجب إخراجه من طعام أو قيمته من النقد خلاف قديم حديث يتجدد تناوله والقول فيه كلما جاء شهر رمضان وينحصر في قولين اثنين أحدهما يوجب إخراج الطعام فقط ولا يرى جواز إخراج القيمة وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، وأما الثاني فيرى جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر مطلقا وهو مذهب الحنفية وهو مروي عن الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وسفيان الثوري وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه قال ابن رشيد وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل فتح الباري. وقال أبو إسحاق السبيعي وهو أحد أئمة التابعين أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام رواه ابن أبي شيبة.
مقياس الفقر والحاجة والعوز أمر نسبي وليس له ميزان موحد أو تعريف متفق عليه بل يعود إلى البيئة والمجتمع التي يعيش فيها المرءُ فمن يعيش في بيئة ثرية ولكن دخله أقل من أقرانه وجيرانه قد ينطبق عليه وصف المحتاج |
ولكل فريق حجته في تعليل ما ذهب إليه ولا أريد الخوض في سرد الأدلة ونقل الأجوبة المتبادلة ببن الفريقين ولكني أريد أن أحول البوصلة إلى زاوية مهمة أخرى لم تكن غائبة عن أذهان العلماء والفقهاء في كل زمان ومكان وهي العلة التي أوجدت هذا الحكم الشرعي وإن كان الواجب على المسلم الاستسلام والقبول بكل ما يطلبه الشارع الحكيم سواء عرف وفهم الحكمة الموجبة لذلك أم لا إلا أن عادة العلماء جرت في البحث عن السبب أو العلة الكامنة وراء ذلك، فإن توصلوا إليها فبها ونعمت وإلا فالأمر تعبدي بحت فلا طريق إلا التسليم والانقياد. فالحكمة الموجبة لهذا العمل الفضيل تتجلى في ثنايا حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً فرض رسول الله ص زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات رواه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ورواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي وحسنه الألباني، قوله صلى الله عليه وسلم طعمة للمساكين دليل واضح بأن المراد من إيجاب زكاة الفطر هو مساعدة الفقراء وإعالتهم وإغناؤهم عن ذل السؤال وحجزهم عن التطواف بين الناس من أجل الاستعفاف وطلب العون في هذا اليوم البهيج وفي الأثر أغنوهم يعني المساكين عن الطواف في هذا اليوم أخرجه البيهقي والدارقطني وفي سنده مقال.
إذا، فإذا كان الهدف من إيجاب زكاة الفطر هو مصلحة الفقير والمحتاج في يوم العيد، فهل يتحقق هذا الهدف فقط بدفع الطعام غير المطبوخ كالأرز والشعير والحنطة أو غير ذلك من غالب قوت الصائمين إلى الفقراء وإن لم يسدّ حاجتهم الضرورية أم يجب التحري والبحث عن كل طريق ووسيلة يستفيد منها المحتاج وتحقق له إلى ما يعود عليه بالنفع سواء كان طعاما أو نقدا. فحاجة الناس في كل زمان ومكان مختلفة ولو كانوا فقراء ومحتاجين ولا يمكن حصرها في مسألة واحدة وإن كان الأمر يتعلق في يوم العيد وحده فمنهم من هو بحاجة إلى طعام أو شراب أو ملبس أو علاج ودواء ومنهم من يكون مسافرا يحتاج إلى زاد وراحلة ومنهم من يحتاج إلى زواج أو بناء مسكن لنفسه وأهله أو غير ذلك من حاجة الإنسان التي لا نهاية لها ومنهم من كانت حاجته ضرورية أو حاجية أو تحسينية وكمالية فالشارع الحكيم لم يهمل حاجتهم بل وضع لها حلا شرعيا يجب إنفاذه والتقيد به.
فمقياس الفقر والحاجة والعوز أمر نسبي وليس له ميزان موحد أو تعريف متفق عليه بل يعود إلى البيئة والمجتمع التي يعيش فيها المرءُ فمن يعيش في بيئة ثرية ولكن دخله أقل من أقرانه وجيرانه قد ينطبق عليه وصف المحتاج وهلمّ جرّا وإذا نظرنا إلى أحوال الفقراء اليوم نجد بأن حاجتهم إلى النقد أكثر من حاجتهم إلى طعام غير مطبوخ لأن القوت الضروري متوفر غالبا إلا في حالات نادرة في بعض المناطق النائية أو التي أصيبت بالجفاف وتأخر الأمطار وأما في المدن والحواضر فقلما تجد بيتا لا يوجد فيه طعام فقد تتراكم عندهم في يوم العيد أكياس من المطعومات والمأكولات التي تأتي عن طريق زكاة الفطر ولكن كثير منهم لا يستطيعون توفير المياه الصالحة للشرب أو للطبخ لأسرهم وقد لا يذوقون اللحم إلا نادرا أو لا يجدون ملبسا لأنفسهم ولأولادهم فضلا عن العلاج وشراء الدواء فيضطرون إلى بيع غالب ما تُصدق عليهم في يوم العيد عاجلا بسعر أقل بكثير مما شُري به ويفعلون ذلك من أجل شراء ملابس أو دواء أو مستلزمات ضرورية أو دفع إيجار وكهرباء أو تسديد دين أو رسوم دراسية أو غير ذلك من الأمور فلو دفع لهم بالقيمة كان لهم أريح وأفيد وأقل كلفة من هذر المال بيعا وشراء.
وفي بلاد الغرب في قارة أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا فغالبية المسلمين الذين يملكون أوراق الإقامة ليس لديهم مشكلة ولكن هناك أفراد وأُسرُ تقطعت بهم السبل فحاجة هؤلاء إلى النقد أكثر من حاجتهم إلى الطعام لأنه يصعب عليهم ببيع ما فضل من حاجتهم ولكي تكتمل السعادة والفرح والسرور للمحتاج ينبغي إعادة النظر في هذه المسألة من أجل مصلحة المحتاجين. والدفع بالقيمة إذا كانت في مصلحتهم أجازها بعض العلماء، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك إلى قوله والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل، فلا بأس به ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها أو يرى الساعي أن أخذها أنفع للفقراء كما نقل عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يقول لأهل اليمن ائتوني بخميص أو لبيس أسهل عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار الفتاوى.
هذه المسألة من المسائل المهمة التي تمس في مصالح الأمة وحاجتها وأن الدين جاء لتحقيق المصلحة وتكثيرها وتقليل المفسدة وتقليلها وأينما وجدت المصلحة فثمّ شرع الله تعالى كما يقول الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله ص أتم دلالة وأصدقها وهي نوره الذي به أبصر المبصرون وهداه الذي به اهتدى المهتدون وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل إعلام الموقعين. وأخيرا يجب على العلماء والفقهاء وطلبة العلم إعادة النظر في التحقق من ملائمة الفتاوى المتعلقة في دفع زكاة الفطر للفقراء والمحتاجين بما يحقق لهم المصلحة ويكون سببا في سد حاجتهم وعوزهم.. وفق الله تعالى الجميع بما فيه صلاح ديننا ودنيانا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق