الأربعاء، 5 أبريل 2023

لماذا نخرج زكاة_الفطر نقودا وما الدليل !

 🌿مقال جميل جدا يستحق القراءة عن جواز إخراج #زكاة_الفطر نقودا  




" المسائل الفقهية المختلف فيها بين علماء الأمة الإسلامية لا تسبب بغضا ولا فرقة ، بل ولا تأثر فى الود بين المسلمين أدنى تأثير ، لكننى أردت أن أوضح شيئا ، وهو أن سبب اعتراض هذا الأخ الكريم أنه يقول : ( لا قياس مع النص وهذا مجمع عليه ، وبالتالى قد أخطأ كل من أفتى بجواز إخراج القيمة فى زكاة الفطر ) ، والحقيقة أننى وجدت عددا من الأخوة يردد نفس الكلام ، فأردت أن أوضح الفرق بين القاعدة الأصولية ( لا قياس مع النص ) و ( القياس على النص ) .
أولا : ( لا قياس مع النص ) هذا كلام صحيح ، أى ألا يكون فى الفرع نص ، فإن كان فى الفرع نص فلا يجوز القياس ، وهنا فى مسألتنا ليس هناك نص في (القيمة) فلا يجوز هنا لأحد أن يقول لا قياس مع النص ، فإذا وجد نص فى الفرع، لا يجوز القياس كمن يريد أن يعطى البنت نصيبا مساويا لنصيب الولد فى الميراث ؛ لأن البنت تشترك مع الولد فى أنها ابنة للميت ، فهذا قياس فاسد ، لأن الفرع فيه نص ، وهو قول الله تعالى : ( للذكر مثل حظ الأنثيين) فهذا القياس يبطل النص ، ويتعارض معه كليا ، فوجب إبطاله ، وهكذا كل قياس يعارض النص فهو باطل .
أما ( القياس على النص ) فهو القياس الصحيح ، لأنه (لا قياس إلا على نص)، فيذكر الفقيه النص وحكمه وعلته ، ثم ينظر فيجد العلة الموجوة فى النص موجودة فى شيء آخر ، ومن المعلوم أن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما ، فيعدى الفقيه حكم الأصل إلى الفرع ، سواء كان هذا الحكم هو الوجوب أو التحريم أوغير ذلك ، ونضرب على ذلك مثالا حتى يتضح الأمر ، نص القرآن الكريم على تحريم الخمر بقوله تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ....إلى قوله تعالى فهل أنتم منتهون ) فنظر الفقهاء إلى علة التحريم فوجدوها الإسكار ، ووجدوا هذه العلة موجودة فى النبيذ ، فقاسوا النبيذ على الخمر ، وأعطوه حكم التحريم ، ونفس الموضوع فى مسألتنا ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج فى زكاة الفطر صاعا من تمر أوصاعا من بر أو.... فنظر الأحناف وغيرهم _ ممن أجاز إخراج زكاة الفطر نقودا _ إلى العلة فوجدوها إغناء الفقراء فى هذا اليوم ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اغنوهم عن السؤال فى هذا اليوم ) إذن العلة منصوص عليها ، وهى أقوى أنواع العلة ، فنظروا إلى القيمة ، هل فيها نفس العلة ؟ وهى إغناء الفقراء ، فوجدوها مشتملة على نفس العلة بل وتزيد ، لأنك لو أعطيت الفقير القيمة نقدا لاستطاع أن يشتري القمح إن كان محتاجا إليه، أو يشترى شيئا آخر هو أكثر إحتياجا إليه ، وليس في الحديث نهي عن إخراج القيمة ، فإن كان لك يا أخي اعتراض فقل : إن ( النقد ) أى الأموال لا تقوم مقام الطعام ، ولا يجوز لك أن تقول هنا ( لا قياس مع النص )، إنما يحق لك ذلك لو كان النص هكذا : ( لا يجوز إخراج القيمة فى زكاة الفطر ) فهنا لو قال فقيه يجوز إخراج القيمة، لكان القياس مصادما للنص ومبطلا له فيكون قياسا باطلا ، أما أن يجيز رسول الله صلى الله عليه وسلم إخراج أنواع من الطعام فى زكاة الفطر ثم يأتى فقيه فيقيس عليها شيئا آخر فليس هذا قياسا مع النص، بل هو قياس على النص.
أرجو أن يكون قد اتضح الأمر .
ولكن قد يقول قائل لماذا لم يذكر النبى صلى الله عليه وسلم القيمة ؟
نقول قد ذكرها، وذلك بالقياس ، فالقياس حكم شرعي ، فلا يحق لأحد أن يقول المخدرات غير حرام ، لأنها غير مذكورة فى الكتاب ولا السنة ، نقول له بل مذكورة بالقياس على الخمر ، لأن الله تعالى تعبدنا بالقياس ، وهو من الأدلة الثابتة .
ثانيا : أنه صلى الله عليه وسلم لو ذكر نقودا محددة كدرهم، أو عشر (بضم العين) دينار مثلا ، لأدى ذلك إلى اضطراب كبير ، لأن قيمة النقود تتغير من زمان إلى زمان ، انظر إلى قيمة الجنيه المصرى منذ مائة سنة وقيمته الآن ، فالفرق شاسع جدا بين القيمتين .
ثالثا : أن جل التعامل فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالمبادلة ، وكانت النقود قليلة ، وذلك لأن العرب لم تكن قد صكت نقودا ولا الدولة الإسلامية الوليدة ، إنما عرفت النقود الإسلامية فى الدولة الأموية ، وقد كانوا يجلبون الدنانير والدراهم من الفرس والروم ، فكان إخراج الطعام أرفق لندرة النقد .
والذى أراه والله أعلم أن القياس هنا من نوع القياس الجلي ، الذى تكون العلة فيه فى الفرع أعلى من الأصل ، كما قال الله تعالى : ( ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما) فقد نهى الله تعالى الأبناء أن يقولوا أف للوالدين ، والعلة هى الأذى الواقع على الوالدين ، فالشتم والضرب أكثر أذى للوالدين من التأفف ، فيكونا أشد تحريما ، ويسمى هذا بالقياس الجلي أو القياس الأولوي أي من باب أولى .
فالنقود للفقير أفضل من القمح أو الشعير ، لأنه بالنقود يستطيع أن يشتري القمح أو الشعير إن كان فى حاجة إليهما ، ويستطيع أن يشتري أي شئ هو أكثر احتياجا له ، وهذا لا يخالف فيه أحد ، لذا تجد كثيرا من الفقراء يبيعون القمح والشعير بنصف الثمن ، لاحتياجهم إلى النقود ، ولو سألت أي فقير أيها أفضل لك القمح والشعير أم النقود ؟ لقال دون تردد النقود طبعا ، ولا يختلف فى ذلك فقير واحد ، لأن الزمان قد اختلف، فمعظم الناس تشترى الخبز من المخابز ، فليس عند الكثير أفران فى البيوت، والشقق السكنية ، ثم هناك مشكلة فى طحن القمح عند الكثير ، والشريعة الإسلامية ما شرعها الله إلا لجلب المصالح ودفع المفاسد ، والتيسير على الناس مطلب شرعي ، كما قال الله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ولذلك نظر ابن تيمية _ مرجعية المعترضين في هذا الزمان على إخراج زكاة الفطر نقودا في أغلب المسائل التي تشددوا فيها _ في هذه القضية إلى مقصد التشريع فى هذه المسألة فوجدها إغناء الفقير وإسعاده والتخفيف عنه فقال قولته الرائعة :" إن كانت المصلحة للفقير هى إخراج القيمة جاز إخراجها " ؛ لأن النظر إلى مقاصد التشريع يفيد الفقيه فى تحقيق الفتوى ، فكان من اليسر والإرفاق بالناس القول بجواز إخراج القيمة فى زكاة الفطر .
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الميسرين لا من المعسرين ".
وأقول إضافة لهذا المقال : قد يسأل أحد فيقول: ولماذا لا نفعل القياس في الأضحية، فلا نخرج مالا بدل الأضحية؟
فالجواب أن العلة في الأضحية غير العلة في زكاة الفطر، فالمقصود من الأضحية أو العلة منها هي النحر وإراقة الدماء احياء لسنة سيدنا ابراهيم عليه السلام، فلا تتحقق العلة إذا أخرجنا مكانها نقودا، أما العلة من زكاة الفطر فهي إغناء الفقير، وهذه العلة تتحقق بإعطاء النقود، بل تتحقق هذه العلة في هذه الأيام عن طريق النقود أكثر من الطعام، فلا يصح مقارنة زكاة الفطر بالأضحية .
هذا والقائلون بجواز إخراج القيمة في الزكاة لم يستدلوا بالقياس فقط، وإنما استدلوا أيضا بأدلة نقلية ونصية كثيرة جعلت الإمام البخاري يذهب إلى الأخذ بهذا القول ، قال ابن رشيد كما نقل الحافظ في الفتح :" إن البخاري وافق الحنفية، على كثرة مخالفته لهم، قاده إلى ذلك الدليل" .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق