فصل في التذكير بزكاة الفطر
اعلموا رحمكم الله: أن الله سبحانه أوجب على المؤمنين زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل صلاة العيد فهي زكاة مشروعة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات وليست من الفطرة في شيء. ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، وهي زكاة بدن تجب على الصغير والكبير ولا تجب على الحمل في البطن.
قال أبو سعيد الخدري: كُنَّا نُعْطِيهَا زَمَنَ النَّبِيِّ ﷺ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ[217]. وإنما خص هذه الأصناف بالذكر لكونها هي الرائجة في البلد زمن نزول القرآن والنقود قليلة الوجود، فالحضر من سكان المدينة غالب قوتهم التمر والبر والشعير، حتى إن البر النقي يعد من القليل. وقد توفي رسول الله ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين وسقًا من شعير.
أما الأعراب فغالب قوتهم الأقط واللبن، فخص هذه الأصناف بالذكر من أجل كونها غالب قوتهم ولا ينفي الاجتزاء بغيرها، فمن كان غالب قوتهم الأرز أو الذرة أو الدُّخْن، جاز أن يتصدقوا بذلك، إذ هي من أوسط ما تطعمون أهليكم.. لكون الحكمة فيها هو إغناء الفقراء الشحاذين عن تكفف الناس بسؤالهم يوم العيد، لحديث: «أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ»[218].
ومن العلماء من يقول بجواز إخراج القيمة في الفطرة (دراهم) إذا كانت أنفع للفقراء، كما هو ظاهر مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، لكون المقصود من زكاة الفطر سد حاجة الفقراء عن سؤال الناس يوم العيد، وهو محقق في القيمة - أي النقود - وقد أصبح أكثر الفقراء في البلدان المثرية يسخطون الطعام بالكلية ولا يقبلونه، لكونه لا يقوم بسد حاجاتهم، وإنما يطلبون القيمة دراهم ليشتروا بها حاجاتهم وحاجة أهلهم وعيالهم وكسوتهم ليوم العيد.
فمن أجل هذه الأسباب أفتينا الناس بجواز إخراج الفطرة دراهم بدلاً من الطعام وقررنا فطرة الشخص الواحد بخمسة ريالات قطرية، فمن أخرج هذا القدر عن كل شخص ممن يمونه فقد برئت ذمته من عهدة فطرته. ومع القول بهذا فإننا لا ننكر جواز التفطير بالطعام من التمر والأرز، وقدر الفطرة كيلوان. ولا يجوز إيداعها عند أحد لانتظار فقير يقدم إلى البلد، ولا يجوز أن تدفع إلى غني ولا إلى قوي مكتسب، ولا يجوز أن يستخدم بها أجير، ويجوز أن تدفع فطر الجماعة إلى فقير واحد، كما يجوز أن تقسّم فطرة الشخص الواحد بين فقيرين وثلاثة.
والفقير متى تحصل على فطر من الناس وجب عليه أن يفطر منها عن نفسه وعن سائر من يعوله، لكونه قد ملكها ملكًا تامًّا فجاز أن يفطر منها، ومن أدركه العيد في هذه البلاد وأهله وعياله في بلد آخر أخرج فطرة أهله مع فطرته في البلد الذي أدركه العيد فيه، والله يقول: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ١٤ وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ ١٥ بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا ١٦ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ ١٧﴾ [الأعلى: 14-17].
* * *
[217] أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري.[218] أخرجه ابن زنجويه في الأموال من حديث عبد الله بن عمر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق