حكم قص الاظافر والاخذ من الشعر للمضحي
السؤال: شيخنا ما حكم قص الاظافر والاخذ من الشعر لمن اراد ان يضحي في يوم النحر؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فقد اختلف الفقهاء في حكم من اراد ان يذبح اضحية هل يمنع من الاخذ من شعره وقص أظفاره اذا دخلت ايام ذي الحجة ؟ وذلك على ثلاثة اقوال :
القول
الاول: يكره تنزيها لمن أراد أن يضحِّي وقد دخل هلال ذي الحجة أن يحلق
شعره أو يقصَّ أظفاره حتى يذبح اضحيته. وهو قول جمهور اهل العلم من
المالكية، والشافعية، وقول للحنابلة، ويروى عن الحسن البصري.
ومعنى
كراهة تنزيه : هو ما نهى الشرع عنه نهيا خفيفا ، ليس على وجه الإلزام
بتركه . وحكمه : أنه يثاب من تركه طاعةً لله ورسوله ، ولا يعاقب من فعله .
واستدلُّوا
بحديث عائشة رضي الله عنها: ((كنت أفتل قلائد هدي رسول الله ، ثم يقلدها
بيده، ثم يبعث بها، ولا يحرم عليه شيء أحلَّه الله له حتى ينحر الهدي))
متفق عليه .
ووجه
الدلالة: أنَّ فيه دليلاً على إباحة ما قد حظره حديث أم سلمة –رضي الله
عنها- وان المنع في حديثها محمول على الكراهة لا التحريم.
واجابوا
عليه المخالفون : أنَّ في حديث عائشة اخبار عنه، وحديث أم سلمة عن قوله –
عليه الصلاة والسلام- ، والقول يقدم على الفعل؛ لاحتمال أن يكون فعله
خاصاً به.
قال الامام
النووي في المجموع: (مذهبنا أن إزالة الشعر والظفر في العشر لمن أراد
التضحية مكروه كراهة تنزيه حتى يضحي، وقال مالك وأبو حنيفة لا يكره، وقال
سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود يحرم، وعن مالك أنه يكره وحكي
عنه الدارمي يحرم في التطوع ولا يحرم في الواجب، واحتج القائلون بالتحريم
بحديث أم سلمة واحتج الشافعي والأصحاب عليهم بحديث عائشة ...... ، قال
الشافعي: البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية فدل على أنه لا يحرم ذلك).
القول
الثاني: يحرم على من أراد أن يضحِّي، وقد دخل هلال ذي الحجة أن يحلق شعره
أو يقصَّ أظفاره حتى يذبح اضحيته .وهو مذهب الامام احمد، وقول عند
الشافعية، وبه قال إسحاق بن راهوية، وهو مذهب الظاهرية.
لحديث
أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (( إذا دخلت
العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)) رواه أحمد ومسلم ،
وقوله :((فليمسك)) امر يفيد الوجوب، فيحرم الاخذ من الشعر وقص الاظافر لمن
اراد ان يضحي.
وقد اجاب
المخالفون : بأنَّ النهي فيه محمول على الكراهة، لا على التحريم، وانه لم
يأتي بالنص الوارد في ذلك وجوب اجتناب النساء والطيب، لذا لم يجب ايضا
اجتناب مس الشعر والظفر، فهذا الصائم فرض عليه اجتناب النساء، ولا يلزمه
اجتناب الطيب ولا مس الشعر والظفر، وكذلك المعتكف، وكذا المعتدة يحرم عليها
الجماع والطيب، ولا يلزمها اجتناب قص الشعر والأظفار.
قال
الامام ابن قدامة في المغني: (ومن أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من
شعره ولا بشرته شيئا، ظاهر هذا تحريم قص الشعر وهو قول بعض أصحابنا وحكاه
ابن المنذر عن أحمد و إسحاق و سعيد بن المسيب، وقال القاضي وجماعة من
أصحابنا: هو مكروه غير محرم، وبه قال مالك والشافعي، لقول عائشة: [كنت أفتل
قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم يقلدها بيده ثم يبعث بها ولا
يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي]. متفق عليه. وقال أبو حنيفة:
لا يكره ذلك لأنه لا يحرم عليه الوطء واللباس فلا يكره له حلق الشعر وتقليم
الأظفار كما لو لم يرد أن يضحي).
وقال
الامام ابن حزم الظاهري في المحلى : (من أراد أن يضحي ففرض عليه إذا أهل
هلال ذي الحجة أن لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي , لا بحلق ,
ولا بقص ولا بغير ذلك , ومن لم يرد أن يضحي لم يلزمه ذلك ).
وقالوا:
إن من أخذ شيئا من شعره أو أظفاره فأضحيته صحيحة ولا كفارة عليه، ولكن
عليه أن يتوب إلى الله تعالى مما فعل على القول بالتحريم.
قال
الامام الشوكاني في نيل الاوطار : (والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء
للعتق من النار ، وقيل : للتشبه بالمحرم , حكى هذين الوجهين النووي وحكي
عن أصحاب الشافعي أن الوجه الثاني غلط ; لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك
الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم) .
وقالوا:
التحريم يخص المضحي فقط ،أما المضحى عنهم كالوالدين والأهل والأولاد فلا
يتعلق بهم هذا الحكم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أراد أحدكم
أن يضحي) ولم يقل أن يضحى عنه؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضحي
عن أهل بيته، ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك.
قال
الشيخ العلامة ابن باز - رحمه الله – في مجموع فتاويه : (وأما أهل المضحي
فليس عليهم شيء ، ولا يُنهون عن أخذ شيء من الشعر والأظافر في أصح قولي
العلماء ، وإنما الحكم يختص بالمضحي خاصة الذي اشترى الأُضحية من ماله ).
القول
الثالث: أنه لا يكره ، ويباح لمن أراد أن يضحِّي وقد دخل هلال ذي الحجة أن
يحلق شعره أو يقصَّ أظفاره ؛ وهو مذهب الامام ابي حنيفة واصحابه، وقول
للمالكية، وبه قال الليث بن سعد، وروي عن عكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وسالم
بن عبدالله بن عمر، وطاووس بن كيسان، والقاسم بن محمد، وعطاء بن يسار، وأبي
بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة،
وسعيد ابن المسيب، وجابر بن زيد.
وقالوا:
بما أنه لا يحرم عليه الوطء واللباس والطبيب؛ فلا يحرم عليه حلق الشعر ولا
تقليم الظفر، ولمّا كان ذلك لا يمنعه من الجماع وهو أغلظ ما يحرم
بالإحرام، كان أحرى أن لا يمنع مما دون ذلك؛ كحلق الشعر أو قص الإظفار.
الخلاصة والمفتى به :
هو
ما ذهب اليه جمهور العلماء في القول الاول ؛ انه يُكره كراهة تنزيه لمن
أراد أن يضحِّي وقد دخل هلال ذي الحجة أن يحلق شعره أو يقصَّ أظفاره حتى
يذبح اضحيته. والامر في حديث ام سلمة – رضي الله عنها- يحمل على الكراهة لا
التحريم ، فإن فعل شيئاً من ذلك فليست عليه فدية، لاسيما إذا كان محتاجاً
إلى ذلك لطول أظافره طولاً فاحشاً مثلاً.
لكن الأحوط بلا شك لمن أراد التضحية أن يجتنب الأخذ من شعره وأظفاره، عملا بالحديث وخروجا من الخلاف .والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين الصالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق