*حكم حلق الشعر وقلم الأظافر لمن أراد أن يضحِّي* - الشيخ سلمان العودة
بين قص الشّعر وصاع الشَّعير ضاعت الشعائر … ترك الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضحِّي
توضيح:
موضوع هذه المقالة هو حكم تلك الفتاوى الفردية التي تبطل اجتهاد السلف،
بكراهة الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي، وليس مناقشة الخلاف الفقهي
والترجيح، بل المقالة جواب لمن يبطل اجتهادات السلف، وهذا ينسحب على كل
محاولات إبطال اجتهادات السلف ونقضها بذريعة الترجيح.
1-الصراع الموسمي في الفتاوى:
لا
يكاد يمرُّ موسم ديني ولا شعيرة من شعائر الإسلام إلا ونشهد آراء وفتاوى
تعكر صفو المشاعر الدينية، حيث تظهر فتاوى فردية تبطل وتضعف اجتهادات
معتبرة وتقول إن ذلك غير صحيح، وأصبح الناس يتساءلون حول كراهة أو منع
الأخذ من الشعر والأظافر لمن أراد أن يضحي، وهل ما كنا نعمل طوال تلك
السنين باطلا، فليس الموضوع هنا في إثارة المسألة أو الخلاف الفقهي فيها،
إنما هو جواب على إبطال الاجتهاد المعتبر من السنة التي يعمل بها الناس
اليوم، وألفوها ودرجوا عليها، وتحويل نعمة تعدد الاجتهاد إلى نقمة التشكيك
في سننن ثابتة عن السلف، وعليها جُملة من المذاهب المعتمدة، وليس مذهبا
واحدا فحسب.
2-وما معركة عيد الفطر السعيد منكم ببعيد:
تذكرنا
فتاوى إبطال كراهة الأخذ من الظفر والشعر بموسم الصراع في الصاع، ومعركة
الدنانير والشعير، التي حدثت في عيد الفطر، ونعيش الآن عزوة ذات الشعر، هذه
المعارك والغزوات التي أفسدت علينا نعمة السعادة بشهود شعائر الإسلام،
فبينما يسعد المسلمون بأداء شعيرة الصيام، فإنه لا يعكر صفو عيدنا سوى حالة
من التعصب، تصيب بعض الإخوة لا يطيب لهم إلا أن يبطلوا بعض اجتهادات السلف
تحت دعاية الترجيح، وأن من أخرج صدقة الفطر نقدا عليه أن يعيد إخراجها
شعيرا أو أرزا الخ، وأن إخراجها نقدا باطل لا يصح بإطلاق، دون أي مراعاة
للاجتهاد المعتبر للسادة الحنفية بإخراجها نقدا، مع أن الكثير من دوائر
الفتوى اعتمدت قول الحنفية في جواز إخراجها نقدا، ومع ذلك هناك مَن يُصِرّ
على إبطال هذا الاجتهاد المعتبر، وحرمان المسلمين من الاختيار، وهذا كله
أسلوب هدمي لشعائر الإسلام بسبب التعصب المذهبي.
3-ليس الإشكال في ترجيح كراهة الأخذ من الشعر أو عدمه:
وها
نحن اليوم نوشك على الدخول في العشر من ذي الحجة، وهي من شعائر الإسلام،
وتظهر فتاوى تؤدي إلى الاستنزاف الفكري والإلهاء الاستراتيجي، وتقوم على
نصرة رأي اجتهادي ما، وإبطال الاجتهاد المعتبر المخالف، والتوجه إلى
المجتمع بخطاب إلغائي إقصائي لاجتهادات السلف، وهو القول: بأنه لا يكره
الأخذ من الشعر والأظافر لمن أراد أن يضحي، أما القول نفسه فهو منقول عن
مذهب الحنفية وهو من المذاهب التمبوعة عند أهل السنة والجماعة، ولكن
الإشكال في شيء آخر.
4-الإشكال في إبطال اجتهادات السلف (النظرة الأحادية):
ومع
أن الأخذ من الظفر والشعر أو عدمه لا يؤثر في صحة الأضحية إنما هو لكمال
العمل، وليس شرطا في صحته، ولكن الإشكال هو طرح المسألة بطريقة الإلغاء
والقهر، لثلاثة مذاهب معتبرة تقول بكراهة الأخذ من الشعر والظفر في التسع
من ذي الحجة، أو المنع من الأخذ منهما، وإعلان هذه فتوى على أنقاض نقض
اجتهادات السلف بحجة اتباع الدليل، فنحن هنا لسنا أمام ترجيح، بل نحن أمام
إبطال الاجتهاد المعتبر على النحو الحاصل في إبطال إخراج صدقة الفطر نقدا
بالرغم من أنه مذهب الحنفية وهو معتبر، وجرى به عمل بعض السلف أيضا.
5-تناقض غريب:
من
الغريب أن يُبطَل عمل الحنفية في إخراج صدقة الفطر نقدا، وأن يعد قولا
فاسدا، ويجب على من أخرجها نقدا أن يعيد إخراجها عينا، أما في مسألة قص
الشعر والأظافر هنا، فيجب العمل بمذهب الحنفية، ويَبْطُل العمل بالمذاهب
الثلاثة الأخرى، ولا تذكر إلا على أنها أقوال ضعيفة على خلاف الدليل،
وتوصلها في عقل عامة المسلمين إلى مرحلة البطلان البيِّن، في حالة من
الارتباك الواضح، وفي نموذج للاستنزاف والتشويش على المجتمع، حتى بات بعض
عامة المسلمين يتوهمون الاضطراب في الفقه الإسلامي، وبطلان فتاوى معتمدة
ومعتبرة، وتم إلغاء مبدأ الصواب بأجرين والخطأ بأجر واحد، وأن ما كان يفعله
العامة من ترك قص الشعر والظفر هو أمر باطل، مما يفقدهم الثقة بالفتوى
والاجتهاد المعتبر.
6- ضرورة الخروج من حرب الاستنزاف واستراتيجة الإلهاء:
وخلاصة
الأمر إذا جرى المسلمون على سنة معتبرة كترك الأخذ من الشعر والأظافر في
التسع من ذي الحجة، فلا يشوَّش عليهم، فهم على خير وفي نعمة وسُنّة، وينبغي
ربطهم بمهمات الأمور: كترك الكبائر، والقيام بالفرائض، والتصدي للإلحاد،
ولزوم الجماعة، وهجر العصبية المنتنة، ولا يُشغلون بحرب استنزاف لا يترتب
عليها نفع دنيوي ولا أخروي، وعامة المسلمين مصيبون قطعا، وقد أصابوا فيما
كلفهم الله به، لأن فرضهم هو اتباع المجتهدين، أما الذين هم عُرضة للخطأ
والصواب، فهم المجتهدون في مسائل الاجتهاد المعتبر، وهم يتقلبون في فضل
الله بأجرين للمجتهد المصيب وأجر واحد للمخطيء.
7-صراع اجتماع العيد والجمعة:
ناهيك
عن قصة إذا اجتمع العيد والجمعة، فستظهر خصومات لا مسوغ لها، وهي أصلا من
باب الاجتهاد المتعدد المعتبر، الذي يمكن أن يتحول إلى خصومة دينية في عهد
الفرقة، بسبب محاولة المتعصِّب القطع بأحدهما وإبطال الآخر، ويزعم أن ذلك
ترجيحا، بل هو نقْض الاجتهاد، وهو يتنافى مع طبيعة الفقه في الاجتهاد
المعتبر، وهو أن الناس يتقلّبون فيه بفضل الله تعالى بأجرين للمصيب وأجر
واحد للمخطيء، وكلهم على آثار السلف الصالح.
8-ضرورة التمييز بين إبطال الاجتهاد والترجيح:
من
المعروف أن الاجتهاد لا يُنْقض بمثله، وأن اجتهادات الفقهاء هي من باب
الظن الراجح الذي يجب العمل به، وأنها ليست قاطعة، وعليه يبقى اجتهاد
المجتهد راجحا في نظره واجتهاد غيره مرجوح، ولكن لا أحد من المجتهدين زعم
أن اجتهاده هو الصواب عند الله تعالى قطعا، واجتهاد غيره خطأ قطعا، بل
المصيب عند الله له أجران، والمخطيء له أجر واحد، ولكننا لا نعلم على وجه
التحديد من هو المصيب عند الله تعالى، وهذا أعطى فرصة سانحة للراسخين في
العلم لِيُدْلوا بدِلائهم في البحث والنظر، لأن الله تعالى اغتفر لهم
الخطأ، وأثابهم عليه أجرا.
9-توصيات:
بما أنه قد جرت السُّنة بين كثير من المسلمين بعدم أخذ الشعر والظفر في التسع من ذي الحجة وهو اجتهاد معتبر، فإنني أوصي:
أ-بعدم
التشويش على المجتمع إذا كان يسير على سنة وعرفها، وينبغي أن تُركَّز
الجهود على مكافحة الآراء الشاذة في الدين، ومقالات الملحدين التي تتجرأ
على المسلمين ودينهم، وتعمل على تفكيك الأسرة والمجتمع.
ب-التمييز
بين ما هو شأن علمي بحثي وتخاطب به العلماء جهات الاختصاص، وبين ما هو
خطاب للمجتمع الذي يجب حفظه من التشويش، وضرورة التنبيه على لزوم الجماعة،
وعدم التفريق بين المسلمين.
ج-تُعرض
الفتاوى مؤصلة علميا ولا يكتفى بعرض النصوص حسب وجهات نظر أصحابها، بل لا
بد من توجيهها أصوليا على النحو المعروف في الخلاف العالي، مع ذكر أقوال
السلف ومذاهبهم المعتمدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق