هل كانت الدولة العثمانية دولة إسلامية؟
- قال الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي (في الدولة العثمانية: دولة إسلامية مفترى عليها، ج1 ص54): "والدولة العثمانية دولة دينية. ويقصد بهذه العبارة الطابع الديني الإسلامي الذي اتسمت به تشريعاتها ومعظم تصرفاتها".
وقال (ج1 ص65): "ووضح الطابع الديني وعمقه في الدولة من حرصها على تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية تطبيقا صارما من ناحية، وعلى المحافظة على التقاليد الإسلامية من ناحية أخرى".
- وقال الدكتور إسماعيل أحمد ياغي (في الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث، ص7): "ويعتبر التاريخ العثماني مكملا لتاريخ الإسلام، وإن السلاطين (الخلفاء) العثمانيين كانت لهم الهيبة والمحبة في نفوس المسلمين أسوة بغيرهم من الخلفاء الأمويين والعباسيين، فقد عملوا على نشر الإسلام، وأجلّوا العلماء وأكرموا أهل القرآن، وانقادوا للشرع الشريف مع علو قدرهم، فهم دائما للشرع معظمون وبإتباعه آمرون. واهتموا بخدمة الحرمين الشريفين والاعتناء بمصالحهما، وقدموا الصدقات الجليلة والإحسانات إلى الأماكن المقدسة في مكة والمدينة والقدس والخليل...".
وقال (ص256): "كانت الدولة العثمانية تمثل الأقطار الإسلامية، فهي مركز الخلافة، لذا كان المسلمون في كل مكان ينظرون إلى الخلافة وإلى الخليفة نظرة احترام وتقدير، ويعدون أنفسهم من أتباعه ورعاياه، وبالتالي كانت نظرتهم إلى مركز الخلافة ومقرّها المحبة والعطف وكلما وجد المسلمون أنفسهم في ضائقة طلبوا الدعم من مركز الخلافة كما كان الخلفاء".
- وقال زياد أبو غنيمة (في جوانب مضيئة في تاريخ العثمانيين الأتراك، ص21): "الدولة العثمانية دولة إسلامية المنطلق، والراية، والهدف".
وقال (ص24): "لهؤلاء المتشككين، إن وجدوا، أسوق دليلا آخر، يتمثل في نصوص الواجبات التي أناطها دستور الدولة العثمانية بسلاطين الدولة... هذه الواجبات هي: أولا: أن يخضع السلطان لأحكام الشريعة الإسلامية خضوعا كاملا. ثانيا: أن يجلّ الشريعة الإسلامية ويبجّل علماءها. ثالثا: أن يحمي مقدسات المسلمين، وينظم شؤون الحجّ بعناية. رابعا: أن يدافع عن تخوم المسلمين ضد أعدائهم".
وقال (ص26): "ويؤكد الأستاذ الدكتور عبد الكريم غرايبة في كتابه (العرب والترك) الهوية الإسلامية للدولة العثمانية بقوله: لقد تعلّق الناس بالسلطان الذي وحدهم، فجعل بلادهم سوقا واحدة، وحماهم من العدو الإفرنجي، ورفع راية الإسلام زمنا طويلا، وطبّق أحكام الشريعة".
- وجاء (في كتاب: صفحات من تاريخ الدولة العثمانية، لجمال عبد الهادي محمد مسعود ووفاء جمعة وعلي لبن، ص8): "إن الدولة العثمانية كانت دولة عقدية بمعنى أنها تؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا؛ ولذلك فإن الدولة كانت تدعو إلى الإسلام في الداخل والخارج وتربي النشء عليه، وتحميه من التيارات الفكرية المعارضة للإسلام، وترتب على ذلك أيضا جميع أنظمة الدولة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والتعليمية والثقافية والعسكرية كانت تنبثق من الإسلام... من عقيد توحيد الله رب العالمين، وكذلك سياستها تجاه الدول الخارجية وعلاقاتها الدولية والمحلية".
- وقال الشيخ تقي الدين النبهاني (في نظام الإسلام، ص44-45): "أما كون المسلمين طبقوا الإسلام عملياً فإن الذي يطبق النظام هو الدولة، والذي يطبق في الدولة شخصان أحدهما القاضي الذي يفصل الخصومات بين الناس، والثاني الحاكم الذي يحكم الناس. أما القاضي فإنه نقل بطريق التواتر أن القضاة الذين يفصلون الخصومات بين الناس منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى نهاية الخلافة في استانبول، كانوا يفصلونها حسب أحكام الشرع الشريف في جميع أمور الحياة، سواء بين المسلمين وحدهم، وبين المسلمين وغيرهم. وقد كانت المحكمة التي تفصل جميع الخصومات من حقوق وجزاء وأحوال شخصية وغير ذلك، محكمة واحدة تحكم بالشرع الإسلامي وحده. ولم يرو أحد أن قضية واحدة فصلت على غير الأحكام الشرعية الإسلامية، أو أن محكمة ما في البلاد الإسلامية حكمت بغير الإسلام قبل فصل المحاكم إلى شرعية ونظامية بتأثير الاستعمار. وأقرب دليل على ذلك سجلات المحاكم الشرعية المحفوظة في البلدان القديمة كالقدس وبغداد ودمشق ومصر واستانبول وغيرها فإنها دليل يقيني بأن الشرع الإسلامي وحده هو الذي كان يطبقه القضاة. حتى إن غير المسلمين من النصارى واليهود كانوا يدرسون الفقه الإسلامي ويؤلفون فيه مثل سليم الباز شارح المجلة وغيره ممن ألفوا في الفقه الإسلامي في العصور المتأخرة. وأما ما أدخل من القوانين فإنه أدخل بناء على فتوى العلماء بأنها لا تخالف أحكام الإسلام، وهكذا أدخل قانون الجزاء العثماني 1275هـ الموافق 1857م وأدخل قانون الحقوق والتجارة 1276هـ الموافق 1858م ثم في 1288هـ والموافق 1870م جعلت المحاكم قسمين: محاكم شرعية ومحاكم نظامية، ووضع لها نظام. ثم في 1295هـ الموافق 1877م وضعت لائحة تشكيل المحاكم النظامية. ووضع قانون أصول المحاكمات الحقوقية والجزائية 1296هـ. ولما لم يجد العلماء ما يبرر إدخال القانون المدني إلى الدولة وضعت المجلة قانوناً للمعاملات، واستبعد القانون المدني وذلك 1286هـ. فهذه القوانين وضعت كأحكام يجيزها الإسلام، ولم توضع موضع العمل إلا بعد أن أخذت الفتوى بإجازتها، وبعد أن أذن شيخ الإسلام بها، كما تبين من المراسيم التي صدرت بها".
- وقال الدكتور أحمد آق كوندوز (في الدولة العثمانية المجهولة، ص12-13): "... حتى في أحلك أيام الدولة العثمانية وأكثرها سوءا بذلوا ما بوسعهم لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، فلم يخالفوا صراحة حكما شرعيا إسلاميا صريحا كحرمة الخمر مثلا، بل اتبعوا الشريعة حتى في الأمور الاجتهادية، وملايين الوثائق الموجودة حاليا في الأرشيف العثماني تبرهن على هذا...".
وقال (ص566): "... ويلزم أن نعيّن المصادر الأساسية للتشريع العثماني حتى نستجلي طبيعة العلاقة بين الدين والدولة العثمانية التي هي خير أنمودج للدول الإسلامية. وإننا نعلم عند الرجوع إلى هذه المصادر، أن الدولة العثمانية نفذت الشريعة الإسلامية، ولا يتناقض ذلك مع استثناءات قليلة من النقص أو الخلل في التطبيقات. وننقل هنا خلاصات من لائحة (مذكرة) قدمها إلى السلطان عبد الحميد الثاني حقوقي غير مسلم نسب نفسه إلى الفلمنك (هولندا) فيها مطالعة لمصادر التشريع الإسلامي وكنهه: الدولة العثمانية دولة إسلامية، والشريعة عند المسلمين أوامر إلهية تتفرع إلى فرعين: أوامر دينية وأوامر دنيوية (عبادات ومعاملات) وهما لا ينفصلان عن بعضهما...".
وقال (ص589): "إنّ مراجعة متون القوانين العثمانية تبطل المزاعم الخاوية بأنّ الدولة العثمانية، السابقة لكثير من دول العالم الحاضر في ميادين الحقوق والحريات، قد قامت على السيف والقوة والسطوة والظلم، أو أنها لم تعتمد على الشريعة الإسلامية في نظامها القانوني رغم أنف هذه الوثائق التي تبرهن التزامها بالشرع الشريف...".
- وقال يلماز أوزتونا (في تاريخ الدولة العثمانية، ج2 ص465): "يوجد نظامان حقوقيان: الشريعة، وهي في غنى عن الإيضاح، والنظام الذي يسميه العثماني "سلطاني" وعلى الأكثر "خاقاني" وهو نظام تركي قديم. يمكن به تشريع أحكام لا توجد في الشريعة ووضع قوانين باسم الخاقان لحماية مصالح الدولة وكذلك مصالح الدين العليا. بشرط ألاّ تكون متعارضة مع الشريعة... طبّق الفقه الحنفي بصورة كاملة تقريبا في القانون المدني. ولكن وضعت أحكام ونشرت قوانين جديدة في المجالات كالجزاء، والضريبة والسياسة. وأساسا كان مبدأ الاستحسان في المذهب الحنفي والاستصلاح في المذهب المالكي، يوفران تسهيلات وراحة وحرية لم بيدهم الصلاحيات التشريعية في الدولة، وأبدع الأمثلة لذلك هي القوانين التي أمر القانوني بوضعها، وأعدها شيخ الإسلام أبو السعود أفندي. أمكن بها، بدهاء قانوني خارق تلبية احتياجات الدولة العالمية العظمى لذلك العصر بشكل لطيف جدا دون معارضة أحكام الشريعة".
- وقال الدكتور خليل اينالجيك (في تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار، ص112): "كان القانون العثماني يصدر على شكل فرمان، إذ إنّ "كل ما يرسمه السلطان هو قانون للسلطان"، ويتضمن سلسلة من الأنظمة التي يصدرها السلاطين شخصيا حسب مقتضى الأحوال. ولأجل ذلك فقد كان كل سلطان جديد يقوم بعد تنصيبه بتثبيت هذه القوانين. أمّا الشريعة فقد كانت القانون الأساسي والثابت، وبالتحديد القانون الديني الإسلامي. ولذلك فقد كانت الفرمانات السلطانية تتضمن دائما جملة تفيد أنّ هذه الفرمانات تنسجم مع الشريعة والقوانين الصادرة من قبل".
- وقال الشيخ محمد البشير النيفر (في فصل الدين عن الحكومة، ص24): "ثم جاءت الحرب العالمية الأولى فكان ممن صلي نارها الدولة العثمانية الدستورية وهي يومئذ دولة الخلافة ودينها الإسلام حسب المنصوص عليه في دستورها. ثم وضعت الحرب أوزارها وخرجت الدولة منها مغلوبة على أمرها فرأت دولة انكلترا أنه جاء الوقت الذي تتمكن فيه من القضاء على الخلافة الإسلامية الدينية وتقيم مكانها دولة تقطع الصلة بينها وبين من يعتصم بحبل الدين من الدول والأفراد في الشرق والغرب، وسخرت لهذا أحد قواد الأتراك ممن رضي أن يقوم بهذا ويقضي على الخلافة ويجردها عن الدين، وفي هذا ما فيه من الفوائد للدولة الانكليزية والخسارات الجمة على الإسلام ودولته".
فالدولة العثمانية دولة إسلامية، كانت تطبّق الإسلام في سياستها الداخلية والخارجية، إلا أنها وقعت في أخطاء فادحة مما أدى إلى ضعفها وانحلالها وسقوطها.
- قال أبو الحسن الندوي (في ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص215-220): "ولم يكن الجمود العلمي والكلال الفكري مقتصرين على تركيا وأوساطها العلمية والدينية فحسب، بل كان العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه مصابا بالجدب العلمي، وشبه شلل فكري، قد أخذه الإعياء والفتور، واستولى عليه النعاس. ولعل القرن التاسع- إذا لم نقل القرن الثامن- آخر قرون النشاط والتوليد والابتكار في الدين والعلم، والأدب والشعر والحكمة، والقرن العاشر أول قرون الخمود والتقليد والمحاكاة، وترى هذا الخمود عاما شاملا للعلوم الدينية والفنون الأدبية والمعاني الشعرية والإنشاء والتاريخ ومناهج التعليم، فلا تجد في كتب التراجم التي ألفت للعصور الأخيرة من تطلق عليه لقب العبقري، أو النابغة أو المحقق على الأقل، أو من جاء في فن من الفنون بشيء طريف مبتكر، أو زاد في العلم زيادة حسنة إذا استثنينا بعض الأفراد في أطراف العالم الإسلامي... ولا نقرأ في شعر هذه العصور الأخيرة على كثرة ما نظم وقيل فيها شعرا مطبوعا يعلق بالذهن أو إنشاء مترسلا ينشرح له الصدر، ترى أدبا فاترا باردا قد أفسده التأنق في الحلية اللفظية والمبالغة والتهويل في الألفاظ والمعاني وكثرة التملق في المدح والغزل بالمذكر في الشعر، والتكلف حتى في الرسائل الإخوانية والأغراض الطبيعية والسجع البارد حتى في كتب التاريخ والتراجم. كذلك حلقات التعليم قد رحلت عنها كتب المتقدمين وحلت محلها كتب المتأخرين المتكلفين وغصت بالحواشي والتقريرات والتلخيصات والمتون التي ضن فيها مؤلفوها على القرطاس، وتعمدوا التعقيد والغموض، وكأنهم ألفوها في صناعة الاختزال، وكل ذلك ينبئ عن الانحطاط الفكري والعلمي الذي حل بالعالم الإسلامي وتغلغل في أحشائه... ولم يكن انحطاط المسلمين في العلوم النظرية والحكمية والمدنية فحسب، بل كان هذا الانحطاط عاما شاملا، حتى تخلفوا عن أوربا في صناعة الحرب التي كان التركي في الزمن الأخير ابن بجدتها وأبا عذرتها، قد أقر بفضلهم وتبريزهم فيها العالم، ولكن سبقتهم أوربا باختراعها وقوة إبداعها وحسن تنظيمها حتى هزمت جيوشها الجيوش العثمانية هزيمة منكرة...".
- وقال الشيخ تقي الدين النبهاني (في الدولة الإسلامية، ص177-179): "وما أن جاء القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي حتى كان ميزان التاريخ بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية في تأرجح، فأخذت كفة العالم الإسلامي تخف في الوزن، وكفة الدول الأوروبية ترجح شيئاً فشيئاً. فقد بدأت اليقظة في أوروبا، وبدأت تظهر نتائجها وبدأت تظهر على المسلمين نتائج الجمود الفكري وسوء التطبيق للإسلام. وذلك أن القرن التاسع عشر شاهد انقلاباً خطيراً في الأفكار الأوروبية على أثر المجهود العظيم الذي بذله الفلاسفة والكتاب والمفكرون، والتغيير الشامل الذي طرأ على الفكر الأوروبي لإحياء الشعوب، فنشأت الحركات المتعددة التي كان لها أثر في إحداث آراء جديدة في وجهة النظر في الحياة. وكان من أهم ما وقع تعديل الأنظمة السياسية والتشريعية وجميع أنظمة الحياة، فقد زال شبح الملكية المستبدة تدريجياً في أوروبا، وحلت محلها أنظمة حكومية جديدة قائمة على الحكم النيابي وسيادة الأمة، فكان لهذا أثر كبير في توجيه النهضة الأوروبية، كما كان للانقلاب الصناعي الذي ظهر في هذا القرن في أوروبا الأثر الفعال. كما ظهرت الاختراعات المتعددة. فكان لذلك في مجموعه الأثر الفعال في تقوية أوروبا وفي تقدمها الفكري والمادي. وكان من جراء هذه القوى المادية والتقدم العلمي أن رجحت كفة العالم الأوروبي على العالم الإسلامي في الموقف الدولي رجحاناً عظيماً فتغير مفهوم المسألة الشرقية، فلم تعد مسألة اتقاء الأخطار الإسلامية على أوروبا، وإنما صارت مسألة الإبقاء على الدولة العثمانية أو تقسيمها، حيث اختلفت عليها الدول تبعاً لاختلافها في المصلحة، وكان هذا الانقلاب في مفهوم المسألة الشرقية وما طرأ على أحوال أوروبا من الارتفاع الفكري، والتقدم العلمي، والثورة الصناعية؛ وما طرأ على العثمانيين من الضعف والتفكك، كل ذلك أدى إلى هذا الانقلاب السياسي بين الدولة الإسلامية ودول الكفر، فرجحت كفة الأوروبيين وخفت كفة المسلمين. وكان سبب هذا الانقلاب السياسي في حالة أوروبا محاولة المفكرين فيها الوصول إلى نظام للحياة. وقد كان اتخاذهم وجهة نظر معينة في الحياة، واعتناقهم عقيدة معينة، وبناء النظام على أساسها، هو الذي قلب مفاهيم الأشياء عندهم وقلب مراتب القيم لديهم، مما أدى إلى الانقلاب العام في الحياة، ومما ساعد على وجود الانقلاب الصناعي العظيم. بخلاف الحال في العالم الإسلامي أو في الدولة العثمانية التي كانت تتزعمه، فإنها بدل أن تنظر لأوضاعها النظرة الصحيحة، وتفكر في مبدئها التفكير العميق، وتثير الأفكار وتعمل على إيجاد الاجتهاد، وتعالج مشاكلها حسب الأحكام المنبثقة عن عقيدتها، وتقبل على العلم والصناعة، بدل أن تفعل كل ذلك أصابتها حيرة وقلق مما حصل في أوروبا، ووقفت جامدة من جراء هذه الحيرة، ونتج عن ذلك تخلف الدولة العثمانية من الناحية العلمية والصناعية، فتخلفت في الرقي المادي وتخلفت عن باقي الدول. والسر في ذلك هو أن الدولة العثمانية دولة إسلامية، والشعوب التي تحكمها شعوب مسلمة. والإسلام هو عقيدة الدولة وهو نظامها، وأفكاره أفكارها، ووجهة نظره في الحياة هي وجهة نظرها، فكان عليها أن تنظر إلى الأفكار الجديدة التي حصلت في أوروبا وتقيسها بقاعدتها الفكرية، وأن تنظر إلى المشاكل الحديثة من وجهة نظر إسلامية فتعطي حكمها على الأفكار والمشاكل باجتهاد صحيح حسب وجهة نظر الإسلام، فَتَبُتفي شأنها من حيث الصحة والفساد، ولكنها لم تفعل؛ لأن الأفكار الإسلامية لم تكن واضحة لديها، فلم تكن لها مفاهيم محددة. ولأن العقيدة الإسلامية لم تكن قاعدة فكرية تبنى عليها جميع الأفكار، وإنما كانت عقيدة تقليدية. فكان الأساس الذي تقوم عليه الدولة وهو العقيدة والأفكار غير واضح لدى الدولة العثمانية، وكان النظام جامداً لعدم وجود الاجتهاد، وكانت الحضارة التي هي مجموع المفاهيم عن الحياة غير مبلورة وغير مقترنة بأعمال الدولة، فسبب ذلك الانحطاط الفكري وعدم وجود نهضة، ولهذا وقفوا مبهوتين أمام ما شاهدوه في أوروبا من الانقلاب الفكري والصناعي، فلم يقطعوا بأخذه، ولم يقطعوا بتركه، ولم يميزوا بين ما يجوز أن يأخذوه من علوم وصناعات واختراعات، وبين ما لا يجوز أن يأخذوه من فلسفة تعين وجهة النظر في الحياة، وحضارة هي مجموع المفاهيم عن الحياة. وبذلك جمدوا ولم يتحركوا، فكان هذا الجمود سبباً في وقوف عجلتهم في حين كانت عجلة الدول الأوروبية تسير، وما ذلك كله إلا بسبب عدم فهمهم الإسلام فهماً صحيحاً، وعدم إدراكهم التناقض بين الأفكار الأوروبية وأفكارهم، وعدم تمييزهم بين العلم والصناعات والاختراعات مما يحثهم الإسلام على أخذها، وبين الفلسفة والحضارة والفكر مما يمنعهم الإسلام من أخذها".
ورغم الأخطاء التي وقعت فيها الدولة العثمانية كسوء الفهم لبعض المسائل في العقيدة والشريعة ونظام الحكم، ورغم تكالب الأعداء عليها وسعيهم لتشويه صورتها، ورغم خيانة بعض الأمراء لها كالشريف حسين وآل سعود، رغم تكفير علماء الوهابية لها، إلا أنها ظلّت في نظر العالم الإسلامي وعند أغلب المسلمين خلافة إسلامية تمثّل وحدتهم ويجب الدفاع عنها. قال الدكتور محمد محمد حسين (في الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، ج1 ص27-28): "هذه النزعة الإسلامية التي رأيناها واضحة في كتّاب العصر وقادته ومفكريه نستطيع أن نتتبعها في الشعر فنجدها في مثل هذا الوضوح. فليس بين الشعراء المعاصرين وقتذاك، على اختلافهم وتباين نزعاتهم، من يخلو ديوانه من شعر في مدح الخليفة التركي، والإشادة بفضله على المسلمين، وحرصه على إعلاء كلمة الدين. وليس فيهم من تخلف عن المشاركة بشعره في حروب تركيا وأحداثها الجسام، مثل حرب اليونان وحرب طرابلس وحرب البلقان والدستور العثماني وسقوط عبد الحميد. وهم يرون أن الخليفة هو الجامع لشمل المسلمين، وأنه حين يحارب إنما يحارب دفاعا عن الإسلام وتمسكا بإعلاء كلمته بين الدول التي تتربص به. وهم يدعون إلى اتحاد كلمة المسلمين في ظل راية الخلافة، محذرين من الإصغاء إلى دعوة التفرقة التي لا تصيب الأمم الإسلامية جميعا إلا بالشرّ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق