الأربعاء، 2 أغسطس 2023

ادعياء السلفية والعقيدة الاسلامية !

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة

 

         الحمد لله ربّ العالمين ، وصلاة الله وسلامه على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

         أما بعد :

         فقد قال أحد وزراء الألمان السابقين : إكذب إكذب حتى يصدّقك الناس !

         أي : ردّد القول ، حتى تحصل على قناعة الناس بقولك ، حتى ولو لم يكن قولك صادقاً !

         فكثرة ترداد القول قد يؤدي إلى إثبات ، وتصديق ذلك ، عند مَن لا علم له في المسألة التي يدور حولها ذلك القول !

         ومن هذا الباب ، في موضوع العقيدة – ولاسيما باب الأسماء والصفات ، هناك أصول – لا خلاف فيها – وفروع وقع فيها الخلاف بين السلف الصالح .

فهناك – من الخلف – مَن إختار ، وآمن بوجهة واحدة في هذه المسألة ، فتراه يردّد دائما ويقول: هذا ما عليه السلف الصالح !  هذه عقيدة السلف الصالح ! هذا رأي السلف الصالح في هذه المسألة !

         أي : إن السـلف الصـالح ، من الأئمة الأعلام ، كانوا على رأي واحد ، ويقولون بقوله الذي يتبنّاه !

         ويردّد هذا الإدّعاء باستمرار ، حتى صنع بادّعائه هذا ، قناعة - عند الكثير - بوجهة نظره !

ويخوض من أجل ذلك حرباً شعواء ، حرباً لا رحمة فيها ، ولا إنصاف ، ضد كل مَن لا يقول بقوله ، ولا يذهب مذهبه .

وكثير من المسلمين لا يعرفون حقيقة هذه المسألة ، فتراهم ساكتين ، بل ربّما كانوا من المعجبين !

فهل قولهم ، وآراؤهم هذه صحيحة ؟ !

وهل السلف الصالح جميعهم كانوا على رأي واحد في تلك المسألة ؟

هذا ما نحاول – بإذن الله تعالى – أن نبيّنه هنا ، ليحيى مَن حيّ على بيّنة ، ويهلك مَن هلك على بيّنة ، ومن الله تعالى نستمدّ العون ، وعليه التكلان .  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السلف

         قبل الخوض في الموضوع ، علينا أن نعرف مَن هم السلف الصالح ؟ فكثير من المسلمين يردّدون كلمة ( السلف ) ، ويباهون بالإنتماء إليهم ، وهم لا يعرفون مَن هم السلف !

بل ربّما يحاربونهم – بعض المرات – وباسمهم ! من باب ( ملكيّون أكثر من الملك ) !

 

تعريف السلف والسلفية :

 

[  السلف والسلفية : معناها زماناً القرون الثلاثة الأولى تنتهي عند المأمون تقريباً

(( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم . . . )) ([1]) .

والسلفية ليس المقصود بها الزمان فقد انتهى زمانها .

وليست المقصود بها مكاناً معيّناً ولا علماء معيّنين

فبعض الناس يقصرون السلفية على فقه الإمام أحمد بن حنبل ، فماذا عن غيره من الأئمة ؟ وفقهاء السلف الذين خالفوا الإمام أحمد في أصوله ؟

والذين يظنون أنّ السلفية هي مدرسة النص فماذا عن مدرسة الرأي وهي كمدرسة الأثر سواء بسواء ؟

 أم نعتبر الإمام أبا حنيفة ( [2] ) ليس سلفياً لا هو ولا تلاميذه ولا مدرسته ! . . .

 

ونحن نرى أنّ السلفية هي :

1 -  نزعة عقلية

2 - وعاطفية

3 - ومنهجية

أ - ترتبط بخير القرون

ب - وتعمق ولاءها لكتاب الله وسنة رسوله r ،

ج - وتبذل الجهد لإعلاء كلمة الله على الأرض

ولذلك فهي لها

1 - منهج للعقيدة يفسر الكون ( [3] ) والحياة ( [4] ) والإنسان ( [5] ) بعيداً عـن علم الكلام ومستمداً من منهج القرآن ،

2 - ومنهج للعبادة يقوم على الشمول ( [6] ) والعموم ( [7] ) والكمال ( [8] ) والسمو ( [9] ) ينبع من صحة الإعتقاد وصدق الإتباع

3 - ومنهج للحركة ( [10] ) تعريفاً ( [11] ) وتكويناً ( [12] ) وتنفيذاً ( [13] ) .

فإذا جاء عالم من العلماء بهذا التصور في أي زمان وفي أي مكان وبأي لغة يعبر بها عن هذا المنهج وبلغة عصره كان سلفياً عقيدة وعبادة وحركة طالما أنه يقدم مفاهيم السلف الصالح ويتمسك بسنة الخلفاء الراشدين .

عَنْ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ،

فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ » [14]  ] [15] .

 

فأئمتنا العظام المشهورين ، جميعهم كانوا في خير القرون ، فكانوا من خير الناس ، بشهادة رسول الله r لهم .

وعلى رأسهم – على سبيل المثال – علي بن الحسين ، وأبـي حنيفة ، ومالـك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، والبخاري ، ومسلم ، والحسن البصري ، وطاووس ، وسفيان الثوري ، وسفيان بـن عيينة ، والترمذي ، ويحيى بـن معين ، وأبـي داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، والفضيل بن عياض ، و إبراهيم بن أدهم ، وعبد الله بن المبارك ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، و . . و . . و . . إلخ

وليس معنى ذلك أنهم كانوا معصومين لا يخطأون ، ولكنهم كانوا على الصراط المستقيم ، والنهج القويم ، وعلى قدم رسول الله r .

ومع هذا فكانوا – في الأمور الجزئية ، وفي الفروع – يختلفون فيما بينهم في الإجتهاد ، ووجهات النظر ، ولا يخرجهم ذلك عن دائرة السلف الصالح .

فلقد كان الشافعي ، شيخاً وأستاذاً لأحمد بن حنبل ، وكان مالك شيخاً وأستاذاً للشافعي ، وكان محمد بن الحسن تلميذاً لأبي حنيفة ، وهو شيخ للشافعي وأحمد بن حنبل ، . . . وهكذا .

وكانوا يأخذون من بعض ، ويردّون على بعض ، من غير أن يجرّ ذلك ، إلى المراء والأحقاد والضغائن ، إيماناً منهم بأن كلّ أحد يؤخذ من قوله ويُردّ إلّا النبيّ r ، فلا يُردّ قوله r .

والذي يعتبرهم معصومين لا يخطأون أبداً ، وأنّ لهم رأي واجتهاد واحد في جميع الأمور ، فهو واهمٌ ، وعلى خطأ عظيم وخطير !

وبعض الناس يعتبر ( فقه واجتهاد ) أحمد بن حنبل ، هو فقه واجتهاد السلف الصالح !

أما فقه أبي حنيفة – على سبيل المثال – فليس بفقه السلف الصالح !

وهذا الظن الخاطيء ، جاء نتيجة :

1 - للتعصب الذميم .

2 - ولتبنّي دولة غنية لهذا الظن وتغذيته ، لحيازته على مكاسب دنيوية زائلة !

لم يكن أحدهم يتّبع النبيّ r ، والآخر يردّ أحاديث النبيّ r ، كما يتوهمون ، ويوهمون !

وسنذكر مثالاً على ذلك : [ إجتمع أبو حنيفة بالأوزاعي في دار الخياطين وتباحثا في العلم ، فقال الأوزاعي : لماذا لا ترفعون أيديكم عند الركوع وعند الرفع منه ؟

فقال أبو حنيفة : لأنه ( [16] ) لم يصح فيه شيء عن النبيّ r ،

قال الأوزاعي : كيف وقد حدثني الزهري عن سالم عن أبيه أنّ رسول الله r كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه ؟

 فقال أبو حنيفة : حدثني حماد عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد الله بن مسعود (( أنّ رسول الله r كان لا يرفع يديه إلّا عند افتتاح الصلاة )) ، ولا يعود إلى شيء من ذلك ،

فقال الأوزاعي : أحدثك عن الزهري عن سالم ، عن ابن عمر ، وتقول : حدثنا حماد عن إبراهيم ؟

فقال أبو حنيفة : كان حماد أفقه من الزهري ، وكان إبراهيم أفقه من سالم ، وعلقمة ليس بدون ابن عمر ، وإن كان لابن عمر صحبة ، فالأسود له فضل كبير ، وفي رواية أخرى ، إبراهيم أفقه من سالم ، ولـولا فضـل الصحبة لقلت : إنّ علقمـة أفقـه مـن عبـد الله بن عمر ، وعبد الله هو عبد الله ( [17] ) ، فسكت الأوزاعي ] ( [18] ) .

ومثال آخر ، لإختلاف الأئمة حسب الأدلة ، وليس قصد مخالفة النبيّ r وهو :

جلسة الإستراحة :

            [  وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ : هَلْ يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ ؟ فَرُوِيَ عَنْهُ: لَا يَجْلِسُ .

وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .

 

وَقَالَ أَحْمَدُ : أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى هَذَا . وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَعَبْدِ اللَّهِ .

 

وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ : أَدْرَكْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ. أَيْ لَا يَجْلِسُ.

 

قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ .

 

وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ : تِلْكَ السُّنَّةُ .

 

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ يَجْلِسُ .

 

اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ.

 

وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ .

 

قَالَ الْخَلَّالُ: رَجَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إلَى هَذَا.

 

يَعْنِي تَرَكَ قَوْلَهُ بِتَرْكِ الْجُلُوسِ؛ لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْلِسُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا أَبُو حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ، وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ.

وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُصَلِّي ضَعِيفًا جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ؛ لِحَاجَتِهِ إلَى الْجُلُوسِ ،

وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا لَمْ يَجْلِسْ؛ لِغِنَاهُ عَنْهُ ،

وَحُمِلَ جُلُوسُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، عِنْدَ كِبَرِهِ وَضَعْفِهِ ، 

 وَهَذَا فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَخْبَارِ ، وَتَوَسُّطٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْن  ] ( [19] ) .     

  

 

 

 

 

 

 

 

 

إختلاف السلف الصالح في العقيدة !

 

         أود هنـا أن أعـرض بعض المسائـل ، التي اختلف فيها السلف الصالح ، وهي من مسائل العقيدة ، حتى يتبين خطأ من يتبنى قول بعضهم ، ويسندها إلى السلف الصالح جميعاً ، ليثبت للمسلمين أن الأقوال الأخرى ليست للسلف ، وأنها ضلال وانحراف عن هديهم ! !

         حتى يظهر – واضحاً جليّاً – أنّ ما يقوله هؤلاء المسلمين ، ليس صحيحاً ، وينكشف زيف ادّعائهم .

 

لفظي بالقرآن مخلوق !

بين الإمامين : أحمد بن حنبل والحسين الكرابيسي

        

قال الحافظ ابن عبد البر ، رحمه الله :

         [  أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ وَكَانَ عَالِمًا مُصَنِّفًا مُتْقِنًا وَكَانَتْ فَتْوَى السُّلْطَانِ تَدُورُ عَلَيْهِ وَكَانَ نَظَّارًا جَدَلِيًّا وَكَانَ فِيهِ كِبْرٌ عَظِيمٌ وَكَانَ يَذْهَبُ إِلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ

فَلَمَّا قَدِمَ الشَّافِعِيُّ وَجَالَسَهُ وَسَمِعَ كُتُبَهُ انْتَقَلَ إِلَى مَذْهَبِهِ وَعَظُمَتْ حُرْمَتُهُ وَلَهُ أَوْضَاعٌ وَمُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ نَحْوٌ مِنْ مِائَتَيْ جُزْءٍ

وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ صَدَاقَةٌ وَكِيدَةٌ فَلَمَّا خَالَفَهُ فِي الْقُرْآنِ عَادَتْ تِلْكَ الصَّدَاقَةُ عَدَاوَةً فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْعَنُ عَلَى صَاحِبِهِ

وَذَلِكَ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ كَانَ يَقُولُ مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ وَمَنْ قَالَ الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ وَلا يَقُولُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلا مَخْلُوقٌ فَهُوَ وَاقِفِيٌّ وَمَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَهُوَ مُبْتَدع

وَكَانَ الكرابيسى وعبد الله بْنُ كِلابٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وطبقاتهم يَقُولُونَ ان الْقُرْآن الذى تكلم بِهِ الله صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَلْقُ وَإِنَّ تِلاوَةَ التَّالِي وَكَلامِهِ بِالْقُرْآنِ كَسْبٌ لَهُ وَفِعْلٌ لَهُ وَذَلِكَ مَخْلُوقٌ وَإِنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ وَلَيْسَ هُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ

وَشَبَّهُوهُ بِالْحَمْدِ وَالشُّكْرِ للَّهِ وَهُوَ غَيْرُ اللَّهِ فَكَمَا يُؤْجَرُ فِي الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ فَكَذَلِكَ يُؤْجَرُ فِي التِّلاوَةِ

وَحَكَى دَاوُدُ فِي كِتَابِ الْكَافِي أَنَّ هَذَا كَانَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَقَالُوا هَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ قَطُّ

وَهَجَرَتِ الْحَنْبَلِيَّةُ أَصْحَابُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حُسَيْنًا الْكَرَابِيسِيَّ وَبَدَّعُوهُ وَطَعَنُوا عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ ] ([20]) .

 

قال الإمام إبن عبد البر ، عن حسين الكرابيسي :

عالم ، متقن ، عظمت حرمته ، مصنفاته بلغت مائتي جزء ، فتوى السلطان تدور عليه ( أي : كان مفتي المملكة ! ) ، كانت بينه وبين أحمد بن حنبل صداقة وكيدة .

ثم وقع الخلاف بينه ، وبين الإمام أحمد بن حنبل .

كان الإمام أحمد ، رحمه الله ، يقول :

1 – مَن قال : القرآن مخلوق فهو جهمي .

2 – مَن قال : القرآن كلام الله ولا يقول غير مخلوق ولا مخلوق فهو واقفي .

3 – مَن قال : لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع .

وهجرت الحنبلية أصحاب أحمد بن حنبل حسيناً الكرابيسي وبدّعوه وطعنوا عليه وعلى كل مَن قال بقوله !

فجعل الحنبلية الإمام أحمد – إمام مذهبهم – رحمه الله ، مقياساً ، فكل مَن وافقه فهو على الحق ، وعلى السنة .

وكل مَن خالفه فهو مبتدع ، يستحق الطعن والشتم !

 

قال الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله :

[  وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُنَصِّبَ لِلْأُمَّةِ شَخْصًا يَدْعُو إلَى طَرِيقَتِهِ وَيُوَالِي وَيُعَادِي عَلَيْهَا غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَلَا يُنَصِّبَ لَهُمْ كَلَامًا يُوَالِي عَلَيْهِ وَيُعَادِي غَيْرَ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ

بَلْ هَذَا مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يُنَصِّبُونَ لَهُمْ شَخْصًا أَوْ كَلَامًا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ يُوَالُونَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ أَوْ تِلْكَ النِّسْبَةِ وَيُعَادُونَ  ] ( [21] ) .

وأودّ أن أنقل كلاماً للحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ، عن الإمام الكرابيسي ، رحمه الله ، حتى لا يظن ظانّ ، أنه كالكافر بسبب خلاف الإمام أحمد ، رحمه الله ، معه !

 

قال الحافظ ابن تيمية :

[  فَيُقَالُ: الَّذِي فِي الصَّحِيحِ: " «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» " . وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ ضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ، مِنْهُمُ الْحُسَيْنُ الْكَرَابِيسِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا  ] ( [22] ) .

 

وقال ، أيضاً :

 

[  وَقَدْ نُسِبَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ ( يقصد : لفظي بالقرآن مخلوق ) غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْرُوفِينَ بِالسُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ: كَالْحُسَيْنِ الكرابيسي وَنُعَيْم ابْنِ حَمَّادٍ الخزاعي والبويطي وَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيَّ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ نَسَبَ إلَيْهِ الْبُخَارِيَّ .

وَالْقَوْلُ بِأَنَّ " اللَّفْظَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ " نُسِبَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذهلي وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِي؛ بَلْ وَبَعْضُ النَّاسِ يَنْسُبُهُ إلَى أَبِي زُرْعَةَ أَيْضًا

وَيَقُولُ إنَّهُ هُوَ وَأَبُو حَاتِمٍ هَجَرَا الْبُخَارِيَّ لَمَّا هَجَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذهلي

وَالْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ. . .

 وَمَعَ هَذَا فَطَوَائِفُ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ وَإِلَى اتِّبَاعِ أَحْمَد كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ منده وَأَبِي نَصْرٍ السجزي وَأَبِي إسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي الْعَلَاءِ الهمداني وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ: لَفْظُنَا بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ . . .

 وَأَعْظَمُ مَا وَقَعَتْ فِتْنَةُ " اللَّفْظِ " بِخُرَاسَانَ وَتَعَصَّبَ فِيهَا عَلَى الْبُخَارِيِّ - مَعَ جَلَالَتِهِ وَإِمَامَتِهِ - وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ قَامُوا عَلَيْهِ أَيْضًا أَئِمَّةٌ أَجِلَّاءٌ فَالْبُخَارِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَجَلِّ النَّاسِ.

 

وَإِذَا حَسُنَ قَصْدُهُمْ وَاجْتَهَدَ هُوَ وَهْم أَثَابَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ عَلَى حُسْنِ الْقَصْدِ وَالِاجْتِهَادِ.

وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ أَوْ مِنْهُمْ بَعْضُ الْغَلَطِ وَالْخَطَأِ فَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَهُمْ كُلِّهِمْ  ] ( [23] ) .

 

قول الإمام الذهبي عن الكرابيسي

 

وقال الإمام الذهبي عن الإمام الكرابيسي :

[  العَلاَّمَةُ ، فَقِيْهُ بَغْدَادَ ، أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَزِيْدَ البَغْدَادِيُّ ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ .

 

سَمِعَ إِسْحَاقَ الأَزْرَقَ ، وَمَعْنَ بنَ عِيْسَى ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ ، وَيَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ ،

وَتفَقَّهَ بِالشَّافِعِيِّ .

 

رَوَى عَنْهُ : عُبَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ فُسْتُقَةُ .

 

وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ ، ذَكِيّاً ، فَطِناً ، فَصِيْحاً ، لَسِناً.

 

تَصَـانِيْفُهُ فِـي الفُرُوْعِ وَالأُصُوْلِ تَدُلُّ عَلَى تَبَحُّرِهِ إِلاَّ أَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِمَامِ أَحْمَدَ ، فَهُجِرَ لِذَلـِكَ ،

وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَتَقَ اللَّفْظَ ، وَلَمَّا بَلَغَ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ في أَحْمَدَ ، قَالَ: مَا أَحْوَجَهُ إِلَى أَنْ يُضْرَبَ ، وَشَتَمَهُ .

قَالَ حُسَيْنٌ فِي القُرْآنِ : لَفْظِي بِهِ مَخْلُوْقٌ ، فَبَلَغَ قَوْلُهُ أَحْمَدَ، فَأَنْكَرَهُ ، وَقَالَ : هَذِهِ بِدْعَةٌ .

فَأَوْضَحَ حُسَيْنٌ المَسْأَلَةَ ،

 

وَقَالَ : تَلَفُّظُكَ بِالقُرْآنِ – يَعْنِي : غَيْرَ المَلْفُوْظِ –

 

وَقَالَ فِي أَحْمَدَ : أَيُّ شَيْءٍ نَعْمَلُ بِهَذَا الصَّبِيِّ ؟ إِنْ قُلْنَا : مَخْلُوْقٌ ، قَالَ : بِدْعَةٌ ، وَإِنْ قُلْنَا : غَيْرُ مَخْلُوْقٍ ، قَالَ: بِدْعَةٌ .

 

فَغَضِبَ لأَحْمَدَ أَصْحَابُهُ، وَنَالُوا مِنْ حُسَيْنٍ .

 

وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنَّمَا بَلاؤُهُم مِنْ هَذِهِ الكُتُبِ الَّتِي وَضَعُوهَا، وَتَرَكُوا الآثَارَ.

 

قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصَّيْرَفِيَّ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ لِتَلاَمِذَتِهِ: اعْتَبِرُوا بِالكَرَابِيْسِيِّ، وَبِأَبِي ثَوْرٍ ( [24] ) ، فَالحُسَيْنُ فِي عِلْمِهِ وَحِفْظِهِ لاَ يَعْشِرُهُ أَبُو ثَوْرٍ، فَتَكَلَّمَ فِيْهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي بَابِ مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ، فَسَقَطَ ، وَأَثْنَى عَلَى أَبِي ثَوْرٍ، فَارْتَفَعَ لِلُزُوْمِهِ لِلسُّنَّةِ.

مَاتَ الكَرَابِيْسِيُّ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ .

 

وَلاَ رَيْبَ أَنَّ مَا ابْتَدَعَهُ الكَرَابِيْسِيُّ ، وَحَرَّرَهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّلَفُّظِ، وَأَنَّهُ مَخْلُوْقٌ هُوَ حَقٌّ ،

لَكِنْ أَبَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ, لِئَلاَّ يُتَذَرَّعَ بِهِ إِلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، فَسُدَّ البَابُ؛ لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَفْرِزَ

 

 التَّلفُّظَ مِنَ المَلْفُوْظِ الَّذِي هو كلام الله إلا في ذهنك ] ( [25] ) .

 

نلاحظ مما نقله الإمام الذهبي ، عن الإمام الكرابيسي ، ما يلي :

1 – أنّ الإمام الذهبي يمدح الإمام الكرابيسي ، أبلغ المدح . فقال عنه :

العلامة ، فقيه بغداد ، بحور العلم ، ذكيّ ، فطن ، تصانيفه تدل على تبحره ، وأنّ ما قاله عن اللفظ وأنه مخلوق : حق .

وقارن الإمام محمد بن عبد الله الصيرفي الشافعي ، بين الكرابيسي وبين أبي ثور ، في العلم والحفظ  ، فقال : لا يعشره أبو ثور :

أي : لو قسّم علم وحفظ الكرابيسي ، على عشرة أجزاء ، كان أبو ثور جزء واحد منه ! ! 

2 – إختلف مع الإمام أحمد بن حنبل ، فكان ماذا ؟

هل الإمام أحمد – هذا الرجل العالم الصالح – نبيّ معصوم ؟

3 -  لماذا غضب أصحاب الإمام أحمد على الكرابيسي ، ومن ثم نالوا منه ؟

هل لأن الإمام أحمد لم يقبل قوله ؟

هل حقّقوا في المسألة ، ومن ثم رأوا ، أنّ الكرابيسي على خطأ ؟ أم هو مجرد تعصب للأشخاص ؟

وهل يسوغ خطأ الكرابيسي – وهو على حق ، بشهادة الإمام الذهبي – شتم الإمام يحيى بن معين له ؟

4 – كان الإمام الكرابيسي في خير القرون ، حيث مات سنة خمس وأربعين ومائتين !

وقال رسول الله r - كما ذكرنا - :

(( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم . . . )) ( [26] ) .

وهذه المواقف ، وردود الأفعال هذه – من أصحاب أحمد ، وأتباعه –  قد أصبحت أسوة ، لتشنجات المتعصبين ، وشتم أعراض الناس ، وطعنهم !

وأصبحت نبعاً ، من الينابيع التي تُغذّي التشدّد ، والتعصب ، والتطرف .

وكل ذلك فقط للمتشدّدين المتعصبين !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بين الإمامين البخاري والذهلي

وقال الإمام الذهبي ، رحمه الله :

[  فَلَمَّا وَقَعَ بَيْنَ الذُّهْلِيِّ وَبَيْنَ البُخَارِيِّ مَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ، وَنَادَى عَلَيْهِ، وَمنعَ النَّاسَ عَنْهُ، انْقَطَعَ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ غَيْرَ مُسْلِمٍ.

فَقَالَ الذُّهْلِيُّ يَوْماً: أَلاَ مَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَنَا.

فَأَخَذَ مُسْلِمٌ رِدَاءً فَوْقَ عِمَامَتِهِ، وَقَامَ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ، وَبَعَثَ إِلَى الذُّهْلِيِّ مَا كتبَ عَنْهُ عَلَى ظَهرِ جَمَّالٍ .

وَكَانَ مُسْلِمٌ يُظْهِرُ القَوْلَ بِاللَّفْظِ وَلاَ يَكْتُمُهُ .

قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ المُؤَذِّنَ، سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ يَقُوْلُ: حضَرْتُ مَجْلِسَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، فَقَالَ: أَلاَ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَلاَ يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، فَقَامَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ مِنَ المَجْلِسِ.

رَوَاهَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ، فَزَادَ: وَتَبِعَهُ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ ( [27] ) .

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الأَخْرَمَ، سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَامَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ مِنْ مَجْلِسِ الذُّهْلِيِّ، قَالَ الذُّهْلِيُّ: لاَ يُسَاكِننِي هَذَا الرَّجُلُ فِي البلدِ.

فَخَشِيَ البُخَارِيُّ وَسَافَرَ .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَتَى رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ فُلاَناً يُكَفِّرُكَ!

فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيْهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا .

وَكَانَ كَثِيْرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقَعُ فيكَ.

فَيَقُوْلُ: { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفاً } [النِّسَاء 76] وَيتلو أَيْضاً: { وَلاَ يَحيقُ المَكْرُ السَّيِّءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [فَاطِر: 43] .

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: كَيْفَ لاَ تدعُو اللهَ عَلَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يظلِمُونَكَ وَيتنَاولونَكَ وَيَبْهَتُونَكَ؟

فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ ) . . .

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي ( الجرحِ وَالتعديلِ ) : قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الرَّيَّ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَبِي وَأَبُو زُرْعَةَ، وَتركَا حَدِيْثَهُ عِنْدَمَا كَتَبَ إِليهِمَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى أَنَّهُ أَظهرَ عِنْدَهُم بِنَيْسَابُوْرَ أَنَّ لَفْظَهُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ ] ([28]) .

 

وقال أيضاً ، رحمه الله :

(   كَانَ مُسْلِم بن الحَجَّاجِ يُظْهِر القَوْل بِاللَّفْظ، وَلاَ يَكْتُمهُ، فَلَمَّا اسْتوطن البُخَارِيّ نَيْسَابُوْر أَكْثَر مُسْلِم الاخْتِلاَف إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَقَعَ بَيْنَ البُخَارِيّ وَالذُّهْلِيّ مَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَة اللَّفْظ، وَنَادَى عَلَيْهِ، وَمنع النَّاس مِنَ الاخْتِلاَف إِلَيْهِ، حَتَّى هُجِر، وَسَافَرَ مِنْ نَيْسَابُوْر، قَالَ: فَقطعه أَكْثَر النَّاس غَيْر مُسْلِم.

فَبلغ مُحَمَّد بن يَحْيَى، فَقَالَ يَوْماً: أَلاَ مَنْ قَالَ بِاللَّفْظ فَلاَ يحلّ لَهُ أَنْ يحضر مَجْلِسنَا.

فَأَخَذَ مُسْلِم رِدَاءهُ فَوْقَ عِمَامَته، وَقَامَ عَلَى رُؤُوْس النَّاس.

ثُمَّ بعثَ إِلَيْهِ بِمَا كتب عَنْهُ عَلَى ظَهر جمَّال.

قَالَ: وَكَانَ مُسْلِم يُظْهِر القَوْل بِاللَّفْظ وَلاَ يَكْتُمهُ  .

قَالَ أَبُو حَامِدٍ بن الشَّرْقِيّ: حضَرت مَجْلِس مُحَمَّد بن يَحْيَى، فَقَالَ: أَلاَ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآن مَخْلُوْق، فَلاَ يحضر مَجْلِسنَا. فَقَامَ مُسْلِم مِنَ المَجْلِس ] ([29]) .

 

وقال ، رحمه الله :

[  وَأَمَّا البُخَارِيُّ، فَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ الأَذْكِيَاءِ، فَقَالَ:

مَا قُلْتُ: أَلفَاظُنَا بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقَةٌ، وَإِنَّمَا حَرَكَاتُهُم، وَأَصْوَاتُهُم وَأَفْعَالُهُم مَخْلُوْقَةٌ، وَالقُرْآنُ المَسْمُوْعُ المَتْلُوُّ المَلْفُوْظُ المَكْتُوْبُ فِي المَصَاحِفِ كَلاَمُ اللهِ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.

وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ كِتَابَ ( أَفْعَالِ العِبَادِ ) مُجَلَّدٌ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ، وَمَا فَهِمُوا مَرَامَه كَالذُّهْلِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَأَبِي بَكْرٍ الأَعْيَنِ، وَغَيْرِهِم ] ([30]) .

 

فبان ، وظهر جليّاً ، أنّ الإمام الكرابيسي ، ليس وحده في هذا الرأي الحق – بشهادة الإمام الذهبي – بل معه أيضاً من الأئمة الكبار ، وحفّاظ الأمة : كالإمام البخاري ، والإمام مسلم ( صاحبي الصحيحين ) ، والإمام أحمد بن سلمة ،  وطَوَائِفُ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ وَإِلَى اتِّبَاعِ أَحْمَد – بشهادة ابن تيمية – كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ منده ، وَأَبِي نَصْرٍ السجزي ، وَأَبِي إسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ ، وَأَبِي الْعَلَاءِ الهمداني ، وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ : لَفْظُنَا بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ

فأي الفريقين هو السلف الصالح ، وأيهما هو الطالح ؟ ! وأي القولين هو الأصح ؟

الأئمة : البخاري ، و مسلم ، و أحمد بن سلمة ، وغيرهم ، من جهة .

 والأئمة : الذهلي ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، وأبي بكر الأعين ، وغيرهم ، من جهة أخرى ؟

والقضية المختلف فيها ، هي مسألة وخلاف في العقيدة ، وليست في القضايا الفقهية !

هذه المسألة ، التي اختلف فيها سلفنا الصالح ، تتعلق بالعقيدة ، وبأشهر مشكلة ظهرت في تاريخنا الإسلامي ، ألا وهي : قضية خلق القرآن !

وليست هي مسألة فقهية فرعية تتعلق بالوضوء ، أو كيفية الصلاة .

ولا هي تتعلق بالمعاملات كالبيع والشراء ، والإيجار ، والحوالة ، و . . . إلخ !

فأيّ الفريقين وقع في الكفر والضلال ؟ وأيٌّ نجا منهما ؟ !

فظهر زيف مَن يتبنى فكر معيّن ، ثم يدّعي : أنّ هذا هو فكر السلف !

ولاسيما أنّ ( لفظي بالقرآن مخلوق ) ؛ والذي حاربه الإمام أحمد ، واعتبر قائله مبتدع ، ومن ثم طعن أتباعه فيهم ، وشتموهم ، هو الحق – بشهادة الإمام الذهبي !

وقال به كلٌّ من الأئمة :  الحسين الكرابيسي ، البخاري ، مسلم ، أحمد بن سلمة ، نعيم ابن حماد والبويطي ، والحارث المحاسبي .

وقال بعكس كلام أولئك الأئمة : ( لفظي بالقرآن غير مخلوق ) ، كلٌّ من الأئمة : محمد بن يحيى الذهلي ، وأبي حاتم الرازي ، وأبي زرعة ، وغيرهم .

وكذلك بعض الأئمة من أتباع الإمام أحمد : كأبي عبد الله بن منده ، وأبي نصر السجزي ، وأبي إسماعيل الأنصاري ، وأبي العلاء الهمداني – بشهادة الحافظ ابن تيمية !

 وللعلم ، فإن موضوعنا هنا ، ليس هو بيان معنى هذا الكلام ، المختلف فيه ، فيما بين سلفنا الصالح ، ولا هو ترجيح قول أحدهما على الآخر .

بل هو إثبات : إختلاف السلف الصالح ، في مسائل العقيدة !    

 

 

 

 

وقفة ، واعتذار لكل أئمتنا ، وعلمائنا !

        

وهنا نقف وقفة ، مع تقديرنا ، وإجلالنا لأولئك العظماء ، أولئك الأئمة ، الذين استعملهم الله تعالى لنشر دينه ، وبيان مبادئه ، وأحكامه !

         نقول : مـا كان لهم أن يفعلوا ما فعلوه ، من اضطهاد أمير المؤمنين في الحديث ؛ الإمام البخـاري ، رحمهـم الله جميعـاً ، وغيره ! من أجل فهمٍ ، ورأي رأوه ، والجميع مجتهدون فيما ذهبوا إليه ! وليس قول أحدهم ، ورأيه بأولى من قول ، ورأي الآخر ! والجميع معظمون للقرآن ، ويخدمونه بأموالهم وأنفسهم !

وعندما نسمع ، ونقرأ هذه التصرفات من أولئك الأعلام ، نتعجب ، ونحن لا نساوي التراب الذي كانوا يمشون عليه !

وبسبب هذه التصرفات ، تجرأ الجهّال على أولياء الله تعالى ، بذمهم وطعنهم ، تقليداً أعمى لأولئك الأئمة ، زاعمين أنهم على نهج السلف الصالح !

ولا شك أن تلك التصرفات خطأ – إن لم تكن خطيئة ! – لا تكون قدوة ، وأسوة حسنة لمن جاء بعدهم ! بل هي من السيئات ، التي تُغفر ، وتغرق في بحر حسناتهم !

واللهُ سبحانه تعالى ، قد أمر نبيّه محمّداّ r أن يقتدي بهدى الأنبياء قبله عليهم السلام ، فقال تعالى : (  أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ . . ) الأنعام : 90

 

بهداهم لا بهفوات بعضهم !

 

[  فَمَعْنَى الْجُمْلَةِ عَلَى هَذَا: أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءُ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ ذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الْآيَاتِ الْمَتْلُوَّةِ آنِفًا، وَالْمَوْصُوفُونَ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ بِإِيتَاءِ اللهِ إِيَّاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ

 هُمُ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ تَعَالَى الْهِدَايَةَ الْكَامِلَةَ، فَبِهُدَاهُمْ دُونَ مَا يُغَايِرُهُ وَيُخَالِفُهُ مِنْ أَعْمَالِ غَيْرِهِمْ وَهَفَوَاتِ بَعْضِهِمُ

اقْتَدِ أَيُّهَا الرَّسُولُ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ كَسْبُكَ وَعَمَلُكَ مِمَّا بُعِثْتَ بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَالصَّبْرِ عَلَى التَّكْذِيبِ وَالْجُحُودِ، وَإِيذَاءِ أَهْلِ الْعِنَادِ وَالْجُمُودِ، وَمُقَلِّدَةِ الْآبَاءِ وَالْجُدُودِ

وَإِعْطَاءِ كُلِّ حَالٍ حَقِّهَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَأَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ، كَالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ، وَالشَّجَاعَةِ وَالْحِلْمِ، وَالْإِيثَارِ وَالزُّهْدِ، وَالسَّخَاءِ، وَالْبَذْلِ، وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ، إِلَخْ.

( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ) 11: 120( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلـَى مَا كُذِّبـُوا وَأُوذُوا حَتَّـى أَتَـاهُمْ نَصْرُنَـا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـاتِ اللهِ وَلَقَـدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ)   6: 34 (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أَوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ 46: 35)

 

هذه الحالة لم تكن من الهدى !

فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى لَهُ فِي آخِرِ سُورَةِ " ن " (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ 68: 48) - وَصَاحِبُ الْحُوتِ هُوَ يُونُسُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ - فَالنَّهْيُ فِيهِ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَصْرُ بِتَقْدِيمِ " فَبِهُدَاهُمْ " عَلَى " اقْتَدِهْ " كَمَا تَقَدَّمَ ،

فَإِنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْهُدَى الَّذِي هَدَى اللهُ يُونُسَ إِلَيْهِ ،

بَلْ هَفْوَةٌ عَاقَبَهُ اللهُ عَلَيْهَا ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِ، وَلَا يَحُطُّ هَذَا مِنْ قَدْرِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ

 

لا تتوهم الطعن والجرح !

وَلِإِزَالَةِ تَوَهُّمِ ذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى " ( [31] ) وَقَالَ: " لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى " أَيْ فِي أَصْلِ النُّبُوَّةِ لِأَجْلِ هَفْوَتِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ " لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ " وَفِيهِ " وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى " ( [32] )

وَكُلُّ ذَلِكَ فِي الصِّحَاحِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ عَدَمُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ لَا مَنْعُ مُطْلَقِ التَّفْضِيلِ،

 

 

النبيّ r لم يُؤمَر بالإقتداء بهم في كل عمل !

 فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ اللهَ لَمْ يَأْمُرْ خَاتَمَ رُسُلِهِ بِالِاقْتِدَاءِ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ فِي كُلِّ عَمَلٍ ،

وَإِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَقْتَدِي بِهُدَاهُمْ إِلَيْهِ فِي سِيرَتِهِمْ، سَوَاءٌ مَا كَانَ مِنْهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ، وَمَا امْتَازَ فِي الْكَمَالِ فِيهِ بَعْضُهُمْ ،

 كَمَا امْتَازَ نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَآلُ دَاوُدَ بِالشُّكْرِ، وَيُوسُفُ وَأَيُّوبُ وَإِسْمَاعِيلُ بِالصَّبْرِ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسُ بِالْقَنَاعَةِ وَالزُّهْدِ، وَمُوسَى وَهَارُونُ بِالشَّجَاعَةِ، وَشَدَّةِ الْعَزِيمَةِ فِي النُّهُوضِ بِالْحَقِّ .

فَاللهُ تَعَالَى قَدْ هَدَى كُلَّ نَبِيٍّ رَفَعَهُ دَرَجَاتٍ فِي الْكَمَالِ، وَجَعَلَ دَرَجَاتِ بَعْضِهِمْ فَوْقَ بَعْضٍ، ثُمَّ أَوْحَى إِلَى خَاتَمِ رُسُلِهِ خُلَاصَةَ سِيَرِ أَشْهَرِهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ وَهُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَفِي سَائِرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهُدَاهُمْ ذَاكَ ،

وَهَذِهِ هِيَ الْحِكْمَةُ الْعُلْيَا لِذِكْرِ قِصَصِهِمْ فِي الْقُرْآنِ. وَقَدْ شَهِدَ اللهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ،

فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّهُ كَانَ مُهْتَدِيًا بِهُدَاهُمْ كُلِّهِمْ، وَبِهَذَا كَانَتْ فَضَائِلُهُ وَمَنَاقِبُهُ الْكَسْبِيَّةُ أَعْلَى مِنْ جَمِيعِ مَنَاقِبِهِمْ وَفَضَائِلِهِمْ ; لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِهَا كُلِّهَا فَاجْتَمَعَ لَهُ مِنَ الْكَمَالِ مَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فِيهِمْ، إِلَى مَا هُوَ خَاصٌّ بِهِ دُونَهُمْ ; وَلِذَلِكَ شَهِدَ اللهُ تَعَالَى لَهُ بِمَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فَقَالَ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) 68: 4

وَأَمَّا فَضَائِلُهُ وَخَصَائِصُهُ الْوَهْبِيَّةُ فَأَمْرُ تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِمْ فِيهَا أَظْهَرُ، وَأَعْظَمُهَا عُمُومُ الْبَعْثَةِ، وَخَتْمُ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَإِنَّمَا كَمَالُ الْأَشْيَاءِ فِي خَوَاتِيمِهَا، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . . .

 

وكذلك يقول الإمام الرازي !

بَعْدَ كِتَابَةِ مَا تَقَدَّمَ رَاجَعْتُ [ القول للشيخ محمد رشيد رضا ] أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ مَا بِهِ الِاقْتِدَاءُ فَرَأَيْتُ الرَّازِيَّ لَخَصَّهَا بِقَوْلِهِ :

فَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ فِي الْأَمْرِ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ - أَيْ بِاللهِ تَعَالَى - فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَسَائِرِ الْعَقْلِيَّاتِ،

وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي جَمِيعِ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ وَالصِّفَاتِ الرَّفِيعَةِ الْكَامِلَةِ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى أَذَى السُّفَهَاءِ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ ] ([33]) .

 

فإذا كان الأنبياء الكرام ، المعصومون ، أُمِر النبيّ r ألّا يقتدي بهم في كل الأمور !

فكيف بغيرهم ؛ من غير الأنبياء ، وغير المعصومين ؟ !

 

 

 

إبراهيم ، عليه السلام ، كان أمة !

 

وهـذا خليـل الله إبراهيم عليه السلام ، الأوّاه ، الحليم ، يمدحه الله تعالى ، ويزكّيه :

          فيقول تعالى : (  إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .

شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .

وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ .

ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ( [34] ) .  

        

ويقول تعالى : (  وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ) ( [35] ) .

         ويقول سبحانه : (  . . . إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) ( [36] ) .

         ويقول تعالى : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ) ( [37] ) .

ويقول تعالى : (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) ( [38] ) .

         هذا النبيّ الكريم ، من حبّه وحلمه ، وبِرّه ، وعطفه ، ورحمته ، وشفقته ، يدعو لأبيه الكافر بالمغفـرة !

وهذه صفة نابعة من الرحمة  ، والشفقة ! ؛(وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ) ( [39] ) .

بخلاف العداوة ، والبغضاء ، والطعن ؛ فهذه الصفات – بين المسلمين – نابعة من النفس الأمارة بالسوء !  ؛ ( بَغْياً بَيْنَهُم ) !

ومع هذا ، فالله تعالى ينهى المؤمنين ، عن التأسي بخليل الله إبراهيم ، عليه السلام ، وتقليده في  ذلك ! !

يقول تعالى :  ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) [40] .

ونبيّ الله إبراهيم عليه السلام ، عندما تيقّن ، وتأكد عداوة أبيه لله تعالى ، ويأسَ من توبته ، وهدايته ، تبرّأ منه ! (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) ( [41] ) .

فهذا خليل الله تعالى ، ينهانا الله تعالى ، أن نقتدي به في تلك الصفة !

وهو المعصوم ، خليل الرحمن !

فكيف نقتدي بغيره ، في تعديه على مسلمين ، علماء ، أئمة ؟ !

والذين يعلنون الحرب على المسلمين ، وعلى أولياء الله تعالى ، تراهم ينطلقون في ذلك عن ظنون ، وأفهام خاطئة للنصوص .

 معتمدين على فلان العالم ، أو الإمام ، الذي طعن في غيره ، من الأئمة والصالحين ، لأنه خالفه في فهمه وسلوكه ! !

وبعضهـم جعـل الإمـام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، وكأنه نبيّ معصوم ، وجعل قوله كقول النبيّ r ، ! ! أو جعل الإمام مالك ، رحمه الله ، كذلك ! أو الحافظ إبن تيمية ، رحمه الله !

فإذا خالف ، وخاصم أولئك الأئمة ، عالماً من العلماء ، أو صالحاً من الصالحين ، فقد أصبح ذلك العالِم عُرضة لكل طعن ، وجرح ، وتسفيه ، وإهانة ! ! وأصبح ذلك الصالح ضالّاً مضلّاً ! !

وممن ؟ ! من أناس لا يرقى أساتذتهم ، وشيوخهم ، أن يكونوا كُتّاباً عند تلاميذ تلميذ أولئك   الأفذاذ ! ! 

ولهذا ترى أصحاب الأديان الأخرى ، والمبتدعة الضلّال ، لا يجذبهم جمال ، وعظمة هذا الدين للدخول فيه ! بسبب تلك الفرقة ، والبغضاء ، والشحناء بين أتباعه ! !

ولو دقّق المؤمن ، وتأمّل جيّداً ، في مواقف أولئك الذين يتحدّثون باسم الصحابة والتابعين ، وتابعيهم بإحسان ، فيطعنون في أولياء الله تعالى ، لرأى بعين البصيرة ، أمراضاً وعُقَداً نفسيّاً وراء تلك السيئات ، هي التي تدفعهم إلى تشويه هذا الدين ، بقساوة قلوبهم ، وغلظة أكبادهم ! !

فلو كان الأمر بيد أُولوا الألباب ،  وكانت تتوفر مستشفيات جيدة للأمراض النفسية ، لكان من الواجب ، إدخال أولئك في تلك المستشفيات للعلاج !

وكان الواجب ألّا يسمح لأحد منهم بالتحدث ، أو التصرف باسم الإسلام ! !  

 

كلّ بني آدم خطّاء !

 

ونحن نعلم أنه ليس هناك معصوم غير الأنبياء ، وأن كل إنسان معرّض للخطأ ، وأنّنا لا نرقى أن نكون خدّاماً لأولئك الأئمة ، والصالحين !

نعلم كل هذا !

 ولكن يحزننا جدا أن نسمع ، ونقرأ تلك العداوات ، والخصومات بينهم !

وقد قالوا : حسنات الأبرار سيئات المقرّبين !

فما يُغَض الطرف عنه لغير الأئمة ، والصالحين ، لا يسحب عليهم !

فهُم مؤاخذون بكل شاردة وواردة !

ليس مقامهم كمقام غيرهم ! ولا سيما إذا كان الناس يقلدونهم في كل شيء !

ولا ينبغي لأحد أن يقلّدهم في أخطائهم ! كائناً مَن كانوا !

حتى ولو كانوا صحابة رسول الله r !

بل حتى ولو كان أبو بكر الصدّيق t ! !

 

النبيّ محمد r هو قدوتنا !

         فرسول الله r هو قدوتنا في كل شيء ! 

فماذا قال هذا النبيّ الكريم r ؟

         قال r : (( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ )) ( [42] ) .

         فهل هذا الذي يطعن في الأئمة ، والمسلمين ، يحب أن يطعن المسلمين فيه ، ويغتابوه ، أو يغتابوا أباه ، أو أخاه ، أو إبنه ؟ !

وهل يطيع النبيّ r في أمره هذا ؟ !

         وقال r : ((  تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )) ( [43] ) .

         فهل ينطبق وصف النبيّ r للمؤمنين ، على الطاعن في الأئمة ، والصالحين ، والمسلمين     عامة ؟ !

         وهل هناك فعلاً تراحم ، وودّ ، وتعاطف ، بين المؤمنين عامة ، وبين طاعنيهم ؟ !

 

         وقال r : ((  إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا )) ( [44] ) .

         فأين أولئك الطاعنون ، المبغضون للعلماء ، والصالحين ، والمسلمين عامة ، من نهي النبيّ r هذا ؟ !

         أم أن الشيطان يسوّل لهم معصية النبيّ r ، بأقوال وتصرفات غيره r ؟ !

 

إن الله عليم بذات الصدور !

         إن هنالك أمران ، لولاهُما ، لكان القلب يذوب أسىً ، وحرقة ، وكمدا :

         أ –  إن الله تعالى خبير بخفايا النفوس ، ويعلم خائنة الأعين ، وما تُخفي الصدور ! 

فلاتُبلَّغ له الأخبار ، سبحانه !  بل هو تعالى مُطّلع على خبايا النفوس ، ويعلم من أين تصدر الأقوال ، والتصرفات !   

هل هي تنبع حبّاً لله ، ورسوله r ، أم هي قيح ، وصديد ، تفرزه النفس المريضة ، والهوى باسم الله تعالى ، وباسم رسوله r ؟ !

         ب – أنه هو وحده يحاسب العباد – يوم القيامة – بنفسه ، فلا يوكّل للحساب لا نبيّ ، ولا مَلَك !  فليقل ، وليفعل مَن شاء ، ماشاء !

         فسوف تعلم حين ينجلي الغُبارُ                أتَحتك فرَسٌ أم حمارُ ؟ !

وإذا كان أولئك يرجون المغفرة من الله تعالى – من سيئاتهم هذه – إعتماداً على نيّاتهم الحسنة ، ناسين ، أو متناسين : أصوبه ؛ شريك أخلصه ( [45] ) ! فَلْيَهَبُوا تلك الرجاء لكل مسلم خطّاء ، ذي نيّة حسنة ! فهل هم فاعلون ؟ !

هل يقولون عن خصومهم : إن الله تعالى ، يغفر لهم بنيّاتهم الحسنة ؟ !

 

هلّا عُدّ الإرجاء مذهباً !

إختلاف السلف في الإرجاء :

تعريف الإرجاء :

[  المرجئة لغة :

من الإرجاء : وهو التأخير والإمهال ، قال تعالى : قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ [الشعراء: 36] . أي أمهله،

ومن الرجاء، ضد اليأس وهو الأمل . قال تعالى: يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [البقرة: 218] .

المرجئة اصطلاحاً:

وفي الاصطلاح كانت المرجئة في آخر القرن الأول تطلق على فئتين، كما قال الإمام ابن عيينة:

1- قوم أرجأوا أمر علي وعثمان فقد مضى أولئك .

2- فأما المرجئة اليوم فهم يقولون: الإيمان قول بلا عمل  .

واستقر المعنى الاصطلاحي للمرجئة عند السلف على المعنى الثاني "إرجاء الفقهاء"،

 وهو القول بأن : الإيمان هو التصديق أو التصديق والقول،

أو الإيمان قول بلا عمل ، " أي إخراج الأعمال من مسمى الإيمان"،

وعليه فإن : من قال الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأنه لا يجوز الاستثناء في الإيمان من قال بهذه الأمور أو بعضها فهو مرجئ  .

ثم أطلق الإرجاء على أصناف أخرى كالجهمية القائلين بأن الإيمان هو المعرفة فقط ، والكرامية القائلين بأن الإيمان هو قول اللسان فقط  ] ( [46] ) .

        

         [   والمرجئة بناء على ذلك ثلاثة أصناف :

1/ غلاة المرجئة وهم الجهمية ومن وافقهم في مسمى الإيمان كالصالحي والأشعري ومعظم أصحابه والماتريدية .

تعريفهم للإيمان : هو العلم بالله أو معرفة الله . ويعبرون عنه بالتصديق .

فهؤلاء يخرجون أعمال القلوب وقول اللسان وعمل الجوارح من مسمى الإيمان .

فعندهم من عرف الله أو علم أنه هو الرب المعبود فهذا مؤمن كامل الإيمان .

تنبيه : اختلف الجهمية مع الصالحي والأشعري والماتريدي في نواقض الإيمان اختلافاً بيناً وشاسعاً ولكنهم اتفقوا في تعريف الإيمان ومسماه . . .

 

مرجئة الفقهاء .

تعريفهم للإيمان : هو قول القلب وعمله "التصديق" وقول اللسان .

فمن صدق بقلبه وقال بلسانه فهو مؤمن كامل الإيمان ولو لم يعمل شيئاً من أعمال الجوارح . . .

أما أهل السنة فتعريف الإيمان عندهم فله عندهم عدة تعبيرات وألفاظ منها :

الإيمان قول وعمل . أو

الإيمان: قول باللسان ، واعتقاد بالجنان ، وعمل بالأركان . أو

الإيمان : قول وعمل ونية . أو

الإيمان : قول وعمل ونية وسنة  ] ( [47] ) .

يعني ، على حد قولهم :  مرجئة الفقهاء ليسوا من أهل السنة !

وبناءً عليه – بلا ريب – الأشعرية والماتريدية ليسوا من أهل السنة !

 وكل مَن كان كذلك فهو ليس من السلف ، ولا يستحقون المدح والتوثيق !

وقد أكّد على ذلك الشيخ سفر الحوالي بقوله :

[   فالأشاعرة جُزْء من مَوْضُوع رسالتي للدكتوراه "ظَاهِرَة الإرجاء فِي الْفِكر الإسلامي" إِذْ هِيَ أكبر فرق المرجئة الغلاة ] ( [48] ) .

وقد اعترف الشيخ الحوالي – كما قال الإمام الذهبي ذلك ( [49] ) – بأن كثير من علماء الأمة على مذهب الإرجاء ! حيث قال :

[  فَالْمَسْأَلَة أكبر من ذَلِك وأخطر، إِنَّهَا مَسْأَلَة مَذْهَب بدعي لَهُ وجوده الواقعي الضخم فِي الْفِكر الإسلامي

حَيْثُ تمتلئ بِهِ كثير من كتب التَّفْسِير وشروح الحَدِيث وَكتب اللُّغَة والبلاغة وَالْأُصُول فضلا عَن كتب العقائد والفكر،

كَمَــا أَن لَـهُ جـامعـاته الْكُبْرَى ومعــاهـده المنتشرة فِي أَكثر بِلَاد الْإِسْلَام من الفلبين إِلَى السنغال ] ( [50] ) .

 

فكثير من المنزوين تحت مظلة المذهب الحنبلي – وهم يظنون أنه المذهب الوحيد على منهج السلف الصالح – وقد لا يشعرون بذلك – قد يعتبرون مذهب الإرجاء أخو الكفر ، إن لم يكن هو الكفر بذاته ! 

ولننظر ماذا يقول العلماء ؟ ! :

 

قال الحافظ الذهبي :

                  [  عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ الأَزْدِيُّ شَيْخُ الحَرَمِ . . .

حَدَّثَ عَنْهُ : وَلَدُهُ ؛ فَقِيْهُ مَكَّةَ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ ، وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ ، وَيَحْيَى القَطَّانُ ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ ، وَعَبْـدُ الرَّزَّاقِ ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ ، وَابْنُ المُبَارَكِ ، وَآخَرُوْنَ .

قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كَانَ مِنْ أَعَبْدِ النَّاسِ.

وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ : مَكَثَ ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً لَمْ يَرْفَعْ طَرْفَه إِلَى السَّمَاءِ ،

فَبَيْنَا هُوَ يَطُوْفُ حَوْلَ الكَعْبَةِ ، إِذْ طَعَنَهُ المَنْصُوْرُ بِأُصْبُعِهِ ، فَالتَفَتَ ، فَقَالَ : قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهَا طَعْنَةُ جَبَّارٍ  .

قَالَ شَقْيْقٌ البَلْخِيُّ : ذَهَب بَصَرُ عَبْدِ العَزِيْزِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَهْلُهُ وَلاَ وَلَدُهُ.

وَعَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ ، قَالَ: كَانَ ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ مِنْ أَحْلَمِ النَّاسِ، فَلَمَّا لَزِمَهُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، قَالَ: تَرَكُونِي كَأَنِّيْ كَلْبٌ هَرَّارٌ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ : مَا رَأَيتُ أَحَداً قَطُّ أَصْبَرَ عَلَى طُوْلِ القِيَامِ مِنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ .

قُلْتُ : كَانَ ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ كَثِيْرَ المَحَاسِنِ ، لَكِنَّهُ مُرْجِئٌ  .

قَالَ مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ : مَاتَ عَبْدُ العَزِيْزِ، فَجِيْءَ بِجَنَازَتِه ، فَوُضِعَتْ عِنْدَ بَابِ الصَّفَا ، وَجَاءَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، فَقَالَ النَّاسُ : جَاءَ سُفْيَانُ، جَاءَ سُفْيَانُ .

فَجَاءَ حَتَّى خَرَقَ الصُّفُوفَ، وَجَاوَزَ الجَنَازَةَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ كَانَ يَرَى الإِرْجَاءَ.

فَقِيْلَ لِسُفْيَانَ ، فَقَالَ : وَاللهِ إِنِّيْ لأَرَى الصَّلاَةَ عَلَى مَنْ هُوَ دُوْنَه عِنْدِي ، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُرِيَ النَّاسَ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى بِدعَةٍ . . .

قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ مُرْجِئاً، رَجُلاً صَالِحاً، وَلَيْسَ هُوَ فِي التَّثْبِيْتِ كَغَيْرِهِ ] ([51])  .

 

وقال الإمام الذهبي أيضاً ، رحمه الله :

[  عَبْدُ المَجِيْدِ ابْنُ الإِمَامِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ  (م، 4)

العَالِمُ ، القُدْوَةُ ، الحَافِظُ ، الصَّادِقُ ، شَيْخ الحَرَمِ ، أَبُو عَبْدِ المَجِيْدِ المَكِّيُّ ، مَوْلَى المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ .

حَدَّثَ عَنِ : ابْنِ جُرَيْجٍ بِكُتُبِهِ .

وَعَنْ : أَبِيْهِ ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ ، وَمَرْوَانَ بنِ سَالِمٍ ، وَعُثْمَانَ بنِ الأَسْوَدِ ، وَجَمَاعَةٍ .

حَدَّثَ عَنْهُ : أَبُو بَكْرٍ الحُمَيْدِيُّ ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ ، وَحَاجِبٌ المَنْبِجِيُّ ، وَأَحْمَدُ بنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ ، وَحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقِّيُّ ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ .

وَكَانَ مِنَ المُرْجِئَةِ ، وَمَعَ هَذَا فَوَثَّقَهُ: أَحْمَدُ  ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ .

وَقَالَ أَحْمَدُ : كَانَ فِيْهِ غُلُوٌّ فِي الإِرْجَاءِ ، يَقُوْلُ : هَؤُلاَءِ الشُّكَّاكُ .

يُرِيْدُ قَوْلَ العُلَمَاءِ : أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللهُ .

قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ : كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيْثِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، وَلَمْ يَكُنْ يَبذُلُ نَفْسَهُ لِلْحَدِيْثِ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ نُبْلِهِ وَهَيْئَتِهِ .

وَقَالَ أَيْضاً : كَانَ صَدُوْقاً ، مَا كَانَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، وَكَانُوا يُعَظِّمُوْنَهُ .

وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَيُّوْبَ المُخَرِّمِيُّ : لَوْ رَأَيْتَ عَبْدَ المَجِيْدِ ، لَرَأَيْتَ رَجُلاً جَلِيْلاً مِنْ عِبَادتِهِ .

وَقَالَ الحُسَيْنُ الرَّقِّيُّ : حَدَّثَنَا عَبْدُ المَجِيْدِ ، وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً إِلَى السَّمَاءِ .

قَالَ : وَكَانَ أَبُوْهُ أَعْبَدَ مِنْهُ .

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : كَانَ عَبْدُ المَجِيْدِ رَأْساً فِي الإِرْجَاءِ  .

وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ سُفْيَانَ : كَانَ مُبْتَدِعاً، دَاعِيَةً  .

قَالَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ : كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَجَاءنَا مَوْتُ عَبْدِ المَجِيْدِ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَرَاحَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مِنْ عَبْدِ المَجِيْدِ .

قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ الإِرْجَاءُ  .

وَقَالَ هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَمَّالُ: مَا رَأَيْتُ أَخْشَعَ للهِ مِنْ وَكِيْعٍ، وَكَانَ عَبْدُ المَجِيْدِ أَخشَعَ مِنْهُ .

قُلْتُ: خُشُوْعُ وَكِيْعٍ مَعَ إِمَامَتِهِ فِي السُّنَّةِ، جَعَلَهُ مُقَدَّماً، بِخِلاَفِ خُشُوْعِ هَذَا المُرْجِئِ - عَفَا اللهُ عَنْهُ - أَعَاذنَا اللهُ وَإِيَّاكُم مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ،

وَقَدْ كَانَ عَلَى الإِرْجَاءِ عَدَدٌ كَثِيْرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، فَهَلاَّ عُدَّ مَذْهَباً ] ([52]) .

        

أي – بشهادة الإمام الذهبي – كان كثير من علماء الأمة مرجئة !

وقد تمنى الإمام الذهبي ، أن يكون الإرجاء مذهباً من المذاهب ( طالما أنّ عدد كثير من علماء الأمة يقولون به ) ! حتى يخف ويقل الخلاف بين السلف في العقائد !

 

         هذا العـالم الجليل  ، قال الإمام أحمد عنه : كان فيه غلو في الإرجاء ، ومع هذا يمدحه ، ويوثقه .

وقال عنه الإمام أبي داود : كان رأسا في الإرجاء ، وقال الإمام يعقوب بن سفيان : كان مبتدعا داعية ، ومع هذا يصفه الإمام الذهبي بالعَالِمُ ، القُدْوَةُ ، الحَافِظُ ، الصَّادِقُ ، شَيْخ الحَرَمِ .

         والأئمة الكرام يمدحونه .

         ويقول الإمام الذهبي : وعدد كثير من علماء الأمة كانوا على الإرجاء .

         والإرجاء مسألة عقيدية ، وليست فقهية ! لا علاقة لها بالوضوء ، ولا بالصلاة ، ولا بالمعاملات !

 

الميزان يوم القيامة !    

  إختلاف السلف في الميزان !

قال الحافظ أبو حيان ، رحمه الله :

         [  اختلفوا هل ثم وزن وميزان حقيقة ؟

أم ذلك عبارة عن إظهار العدل التام والقضاء السويّ والحساب المحرّر ؟

 فذهبت المعتزلة إلى إنكار الميزان

 وتقدّمهم إلى هذا مجاهد والضحّاك والأعمش وغيرهم ،

وعبّر بالثقل عن كثرة الحسنات وبالخفة عن قلّتها ،

وقال جمهور الأمّة بالأول وأنّ الميزان له عمود وكفّتان ولسان

 وهو الذي دل عليه ظاهر القرآن والسنّة ينظر إليه الخلائق تأكيداً للحجة وإظهاراً للنصفة وقطعاً للمعذرة ] ([53] )  .

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله :

         [  وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ الْمِيزَانَ بِمَعْنَى الْعَدْلِ وَالْقَضَاء

فأسند الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة قَالَ إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ كَمَا يَجُوزُ وَزْنُ الْأَعْمَالِ كَذَلِكَ يَجُوزُ الْحَطُّ

وَمِـنْ طَرِيـقِ لَيـْثِ بْنِ أَبِـي سُلَيْـمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْمَوَازِينُ الْعَدْلُ

وَالرَّاجِحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ ] ([54])  .

 

وقال الحافظ  أبو حيان ، رحمه الله :

         [  واختلاف الناس في ذلك هل ثم ميزان حقيقة وهو قول الجمهور

أو ذلك على سبيل التمثيل عن المبالغة في العدل التام وهو قول الضحاك وقتادة ؟

قالا : ليس ثم ميزان ولكنه العدل والقسط ]([55]) 

        

[  ( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) أي ونحضر يوم القيامة الموازين العادلة التي توزن بها صحائف الأعمال، وهذا قول أئمة السلف،

وقال مجاهد وقتادة والضحاك المراد من الوزن العدل بينهم ،

فلا يظلم عباده مثقال ذرة، فمن أحاطت حسناته بسيئاته ثقلت موازينه: أي ذهبت حسناته بسيئاته،

ومن أحاطت سيئاته بحسناته خفت موازينه: أي ذهبت سيئاته بحسناته ] ([56]) .

أنا لا أدّعي ولا أزعم  ، فقط أسأل : ألا يُفهم من كلام ابن عباس ، رضي الله عنهما ، في تفسيره لهذه الآية الكريمة ، ذلك ! :

جاء في تفسير الإمام إبن جرير الطبري  :

         [  عن ابن عباس، قوله (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) ... إلى آخر الآية، وهو كقوله (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) يعني بالوزن: القسط بينهم بالحقّ في الأعمال الحسنات والسيئات،

 

فمن أحاطت حسناته بسيئاته ثقلت موازينه، يقول : أذهبت حسناته سيئاته،

 

ومـن أحـاطت سيئـاته بحسناتـه فقد خفَّت موازينه وأمه هاوية ، يقول : أذهبت سيئاته حسناته] [57] .

 

قارن بين قول ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، هل ترَ بينهم إختلافاً ؟ ! إلّا أنّ مجاهداً ، والضحاك ، وقتادة ، قد صرّحوا بذلك ، دون ابن عباس ، رضي الله عنهما .

يقول ابن عباس : يعني بالوزن : القسط بينهم بالحق .

أي : يقصد بالوزن : العدل بينهم !

وأولئك السلف ( مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ) يقولون : المراد من الوزن العدل بينهم !

يعني بالوزن : القسط بينهم بالحق = المراد من الوزن العدل بينهم ! !

(فمن أحاطت حسناته بسيئاته ثقلت موازينه، يقول : أذهبت حسناته سيئاته،

 

ومن أحاطت سيئاته بحسناتـه فقد خفَّت موازينه وأمه هاوية ، يقول : أذهبت سيئاته حسناته ) 

 قارن قول ابن عباس ، بقول كل من مجاهد ، وقتادة ، والضحاك :

(  فمن أحاطت حسناته بسيئاته ثقلت موازينه : أي ذهبت حسناته بسيئاته ،

ومن أحاطت سيئاته بحسناته خفت موازينه : أي ذهبت سيئاته بحسناته  ) .

هل ترَ بين المعنيين ، والتعبيرين خلاف ؟ !

 

ثم قال الطبري :

[  عن مجاهد في قول الله ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ )

 

قال : إنما هو مثل ، كما يجوز الوزن كذلك يجوز الحقّ ،

 

قال الثوري: قال ليث عن مجاهد (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ) قال : العدل  ]  .

 

فهل الأئمة مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والأعمش ، رحمهم الله تعالى ، ليسوا من السلف الصالح ، وهم ينكرون الميزان ؟ !

وموضوع الميزان ، هل يدخل تحت باب الفقهيات ، أم يدخل تحت باب العقيدة ؟ !

 

 

 

 

 

إنكار رؤية الله تعالى في الآخرة !

        

إختلف السلف في الرؤية ! :

         قال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله :

         [  وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ إِنْكَارَ الرُّؤْيَةِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِالْحَمْلِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ

وَأَخْرَجَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَاظِرَةٌ تَنْظُرُ الثَّوَابَ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ نَحْوَهُ وَأَوْرَدَ الطَّبَرِيُّ الِاخْتِلَافَ ] ([58]) .

         أليس عكرمة ، ومجاهد ، وأبو صالح ، رحمهم الله تعالى ، من السلف ؟ ! وهم ينكرون رؤية الله تعالى يوم القيامة !

 

 

أفضل الصحابة !

 

إختلاف السلف في تفضيل الصحابة !

قال الإمام الذهبي ، رحمه الله :

[  قُلْتُ: لَيْسَ تَفْضِيْلُ عَلِيٍّ بِرَفضٍ، وَلاَ هُوَ ببدعَةٌ، بَلْ قَدْ ذَهبَ إِلَيْهِ خَلقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ     وَالتَّابِعِيْنَ ] ([59]) .

وقال الحافظ ابن عبد البر ، رحمه الله :

[  اجتمع عَلَيْهِ أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر: أن عليا أفضل الناس بعد عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهَذَا مما لم يختلفوا فِيهِ، وإنما اختلفوا فِي تفضيل علي وعثمان.

واختلف السلف أيضا فِي تفضيل علي وأبى بَكْر ] ([60]) .

وقال أيضاً ، رحمه الله :

[  وَرَوَى- عَنْ سلمان، وَأَبِي ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وَأَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ، وزيد بْن الأرقم- أن علي بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أول من أسلم، وفضله هؤلاء على غيره ] ([61]) .

 

وقال أيضاً ، رحمه الله :

[  عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمير بن جابر بن حميس بن جدي بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الليثي، أبو الطفيل .

غلبت عليه كنيته ، أدرك من حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثماني سنين ، كان مولده عام أحد ومات سنة مائة أو نحوها . ويقَالَ : إنه آخر من مات ممن رأى النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وقد روى نحو أربعة أحاديث، وكان محبا لعلي رضي الله عنه، وكان من أصحابه في مشاهده، وكان ثقة مأمونا يعترف بفضل الشيخين، إلا أنه كان يقدم عليا ] ([62]) .

[  سمعت يحيى بن معين يقول سأل سلمة بن عفان يحيى بن ادم فقال له ترى السيف قال لا ارى السيف على احد من امة محمد ولكن ما لقيت احدا من اهل هذا المصر الا وهو يقدم عليا على ابى بكر وعمر ما خلا سفيان الثورى ] ([63]) .

[  سمعت وكيعا يقول قال سفيان من قدم عليا على ابى بكر وعمر فقد ازرى على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ([64]) .

[  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ قَالَ: سمعت أَحْمَد بن حنبل وسئل عَنِ التَّفْضِيلِ؟ فَقَالَ مَنْ قَدَّمَ عليا عَلَى أبي بكر فقد طَعَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ قَدَّمَهُ عَلَى عُمَرَ فَقَدْ طَعَنَ عَلَى رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ قَدَّمَهُ عَلَى عُثْمَانَ فَقَدْ طَعَنَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلَى وعثمان وَعَلَى أَهْلِ الشُّورَى وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ] ([65]) .

[  وقال ابن هانيء: قلت (يعني أبا عبد الله أحمد بن حنبل) أيصلى خلف من قدم عليا على أبا بكر؟ قال: إذا كان جاهلاً لا علم له بمن فضل، أرجو أن لا يكون به بأس، وإن كان يتخذه دينًا فلا يصلى خلفه. «سؤالاته» (311) ] ([66]) .

[  كَانَ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَا أَرَى أَنْ يَصْعَدَ لَهُ إِلَى اللَّهِ عَمَلٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ  ] ([67]) .

وليس القصد هنا أن نبحث عن من هو الأفضل ، بل أن نبيّن اختلاف السلف ، رحمهم الله تعالى

         فهناك من السلف الصالح ؛ من الصحابة وغيرهم ، مَن قدّم عليّاً على غيره ، وهناك من السلف الصالح مَن يقول : مَن فعل ذلك فقد طعن في النبيّ r ، والخلفاء الراشدين ، والمهاجرين والأنصار ، ولا يصعد له إلى الله عمل ، ولا يصلى خلفه ! !

         فأي الفريقين هو السلف الصالح ، وأيهما هو السلف الطالح ؟

 

 

 

القول بالقدر  !

إختلاف السلف في القدر !

قال الشيخ الألباني ، رحمه الله :

         [  كما هو اعتقاد المجوس القائلين بأن للشر خالقا غير الله سبحانه. وهذا النوع في هذه الأمة قليل والحمد لله وإن كان قريبا منه قول المعتزلة : إن الشر إنما هو من خلق الإنسان وإلى ذلك الإشارة بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم :

(صحيح) " القدرية مجوس هذه الأمة ... " الحديث وهو مخرج في مصادر عدة عندي أشرت إليها في " صحيح الجامع الصغير وزيادته " رقم (4318) [4442] ] ([68]) .

         [  وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:

ثم قالت القدرية : هو ( الله ، سبحانه ) لا يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يريد ذلك فيكون ما لم يشأ ويشاء ما لم يكن ) ([69]) .

        

قال الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله :

         [  كذلك كلامهم في القدرية، يحكون عنهم إنكار العلم والكتابة ، وهؤلاء هم القدرية الذين قال ابن عمر فيهم: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني،

وهم الذين كانوا يقولون: إن الله أمر العباد ونهاهم، وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه ، ولا من يدخل الجنة ممن يدخل النار حتى فعلوا ذلك، فعلمه بعد ما فعلوه؛ ولهذا قالوا: الأمر أنف، أي: مستأنف ) ([70]) .

         قال الحافظ الذهبي ، رحمه الله :

         [  قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ قَتَادَةُ وَسَعِيْدٌ [ يقصد ابن أبي عروبة ] يَقُوْلاَنِ بِالقَدَرِ،         وَيَكتُمَانِ ] ([71])

         وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله :

         [  ثَوْر بن زيد الديلِي مَوْلَاهُم الْمدنِي

شيخ مَالك وَثَّقَهُ بن معِين وَأَبُو زرْعَة وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم

وَقَالَ بن عبد الْبر صَدُوق لم يتهمه أحد

وَكَانَ ينْسب إِلَى رَأْي الْخَوَارِج وَالْقَوْل بِالْقدرِ وَلم يكن يَدْعُو إِلَى شَيْء من ذَلِك ] ([72]) .

        

وقال الحافظ الذهبي ، رحمه الله :

         [  قَالَ حَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ: كُنْتُ أَرَى طَاوُوْساً إِذَا أَتَاهُ قَتَادَةُ، يَفِرُّ، قَالَ: وَكَانَ قَتَادَةُ يُتَهَّمُ   بِالقَدَرِ ] ([73]) .

 

ينزل القَطْر من السماء بذكره !

         [  صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ القُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ المَدَنِيُّ  (ع)

الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ - وَقِيْلَ: أَبُو الحَارِثِ – القُرَشِيُّ . . .

قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، عَابِداً.

وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: ثِقَةٌ.

وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: مِنَ الثِّقَاتِ، يُسْتَشْفَى بِحَدِيْثِهِ، وَيَنْزِلُ القَطْرُ مِنَ السَّمَاءِ بِذِكرِهِ.

وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ: ثِقَةٌ، مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ.

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَالعِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.

وَقَالَ المُفَضَّلُ بنُ غَسَّانَ: كَانَ يَقُوْلُ بِالقَدَرِ.

وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثَبْتٌ، ثِقَةٌ، مَشْهُوْرٌ بِالعِبَادَةِ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:

كَانَ صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ يُصَلِّي عَلَى السَّطْحِ فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ لِئَلاَّ يَجِيْئَهُ النَّوْمُ.

إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، قَالَ:

كَانَ صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ يُصَلِّي فِي الشِّتَاءِ فِي السَّطْحِ، وَفِي الصَّيْفِ فِي بَطْنِ البَيْتِ، يَتَيقَّظُ بِالحرِّ وَالبَردِ، حَتَّى يُصْبِحَ، ثُمَّ يَقُوْلَ:

هَذَا الجَهدُ مِنْ صَفْوَانَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، وَإِنَّهُ لَتَرِمُ رِجْلاَهُ حَتَّى يَعُودَ كَالسِّقْطِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَيَظْهَرُ فِيْهِ عُرُوْقٌ خُضْرٌ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الآدَمِيُّ، عَنْ أَنَسِ بنِ عِيَاضٍ، قَالَ:

رَأَيْتُ صَفْوَانَ بنَ سُلَيْمٍ، وَلَوْ قِيْلَ لَهُ: غَداً القِيَامَةُ، مَا كَانَ عِنْدَه مَزِيْدٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ العِبَادَةِ.

وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ:

عَادَلَنِي صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ إِلَى مَكَّةَ، فَمَا وَضَعَ جَنْبَه فِي المَحْمِلِ حَتَّى رَجَعَ.

قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَجَّ صَفْوَانُ، فَذَهَبتُ بِمنَىً، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيْلَ لِي: إِذَا دَخَلتَ مَسْجِدَ الخَيْفِ، فَأْتِ المَنَارَةَ، فَانْظُرْ أَمَامَهَا قَلِيْلاً شَيْخاً، إِذَا رَأَيْتَه عَلِمتَ أَنَّهُ يَخْشَى الله -تَعَالَى- فَهُوَ صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ.

فَمَا سَأَلْتُ عَنْهُ أَحَداً حَتَّى جِئْتُ كَمَا قَالُوا، فَإِذَا أَنَا بِشَيْخٍ كَمَا رَأَيْتُه، عَلِمتُ أَنَّهُ يَخْشَى اللهَ، فَجَلَستُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: أَنْتَ صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ؟

قَالَ: نَعَمْ. . . حَلَفَ صَفْوَانُ أَلاَّ يَضَعَ جَنبَهُ بِالأَرْضِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ ([74]) ، فَمَكَثَ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ عَاماً، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، وَاشتَدَّ بِهِ النَزْعُ وَالعَلَزُ ([75]) وَهُوَ جَالِسٌ، فَقَالَتِ ابْنَتُه: يَا أَبَةِ، لَوْ وَضَعتَ جَنبَكَ.

فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، إِذاً مَا وَفَّيْتُ للهِ بِالنَّذْرِ وَالحَلِفِ.

فَمَاتَ، وَإِنَّهُ لَجَالِسٌ ) ([76]) .

         [  عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سَهْلِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ: مَا تَرَى فِي هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ، قُلْتُ: أَرَى أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا عَرَضْتَهُمْ عَلَى السَّيْفِ،

 

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ذَلِكَ رَأْيِي، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ رَأْيِي ] ([77]) .

         فهل الإمام صفوان ، وقتادة ، وسعيد ابن أبي عروبة ، وثور بن زيد الديلي ، وأمثالهم ، رحمهم الله تعالى يُستَتابون ، وإلّا يُعْرَضون على السيف ، ويُقتَلُون ؟ !

         وأي الفريقين هو السلف الصالح ، وأيهما هو الخلف الطالح ؟ !

         نكتفي بهذا القدر من الأمثلة ، في اختلاف السلف الصالح في أمور العقيدة ، لنبيّن أنهم لم يكونوا جميعهم على رأيٍ واحد في تلك المسائل ! ([78])  .

         وكان غرضنا ، أن نبيّن اختلاف السلف في أمور العقيدة .

فهـل الأئـمة والعلمـاء من السلف الصالح ، الذين خالفوا جماهير السلف ، في أمور عقيدية ، كفّار ؟ أم هم ضُلّال ؟ أم مبتدعة ؟ أم ماذا ؟   

                              وهل يُغض الطرف ، عن الذي يخالف جمهور السلف في العقيدة ؟

         وهل رأي ( الجمهور ) قطعي – في كل مسائل الخلاف – أم هو الرأي الراجح ؟ !

         علماً انّ الراجح يقارن مع المرجوح ، مع إحتمال خطأ الراجح وصواب المرجوح ، في المسألة المختلف فيها .

أما القطعي فيقارن مع الظنيّ . مع عدم إحتمال خطأ القطعي !

ولقد خالف الشيخ الألباني ، رحمه الله ،  الجمهور ، في حكمه على حديثٍ ما ، وقال :

[ قلت: وإسناده صحيح، رغم أنف المكابرين من الجمهوريين والمتبعين لأهوائهم ] ( [79] ) .

فسمّى الذين يتّبعون رأي واجتهاد الجمهور دائماً ، بالجمهوريين ! !

 

         ( لفظي بالقرآن مخلوق ) . خلاف يتعلق بكلام الله !

         ( الإيمان قول بلا عمل  ) . خلاف يتعلق بالإيمان !

         ( إنكار رؤية الله تعالى ) خلاف يتعلق بالآخرة !

         ( أفضل الصحابة ) خلاف يتعلق بالصحابة !

         ( القول بالقدر ) خلاف يتعلق بمشيئة الله تعالى وإرادته !

السلفية والاختلاف في العقيدة !

     

ولننظر الآن إلى الذين يحسبون أنفسهم سائرون على نهج السلف الصالح ، وهم على رأي واحد لا خلاف بينهم في مسائل العقيدة ، وهم وحدهم – لا غيرهم – على ذلك المنهج !

 لننظر كيف اختلفـوا فـي مسـائل العقيـدة ، وهـم – فـي الظـاهر – مدرسـة واحـدة ، وهـي      ( السلفية ) !

فهذا الشيخ الألباني ، رحمه الله ، وهو ينسب نفسه إلى المدرسة السلفية في عصرنا ، قد خالف ، وأنكر على شيخ الإسلام ابن تيمية أموراً في العقيدة ، وشيخ الإسلام ابن تيمية هو أشهر من نار على علم في هذه القضية .

     وسنعرض بعض ذلك إستدلالاً على ما قلناه :

 

(1) 

قدم العالم بالنوع وحوادث لا أول لها

        

وهي من مسائل أصول الإعتقاد .

     ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله ، في عدة مواضع من كتبه ، بأن الحوادث لا أول لها مع كونها مخلوقة لله تعالى .

         وقبل نقل أقواله ، رحمه الله ، يحسن بنا أن نذكر معنى كلامه باختصار .

         فكلامه يعني : بما أنّ الله تعالى لا أول له ، فهو سبحانه أزلي بلا بداية ، وبما أنّه تعالى خالق ، فمعنى ذلك أنه خلق مخلوقات رأساً ، فلم يكن وحده تعالى ، بدون مخلوق من قِبَله ، وتتابع الخلق والمخلوقات .

         ورسول الله r قال : (  كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُه . . . ) 

         من تلك المواضع الكثيرة التي ذكر ذلك ، قوله :

أ- في ( موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ) على هامش ( منهاج السنة ) ( 1 / 245 ) ما نصه : " قلت : هذا من نمط الذي قبله ، فإن الأزلي هو نوع الحادث لا عين الحادث " أ.هـ . ( [80] ) .

ب- في كتابه ( شرح حديث عمران بن الحصين ) صحيفة 193 ما نصه : " وإن قدر أن نوعها لم يزل معه فهذه المعية لم ينفها شرع ولا عقل بل هي من كماله " أ.هـ.

ت- وقــال أيضاً في ( موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ) ( 2 / 75 ) ما نصه : " وأما أكثر أهل الحديث ومن وافقهم فإنهم لا يجعلون النوع حادثاً بل قديماً " أ.هـ. ( [81] ) .

     وقد أثبت العلماء ذلك على شيخ الإسلام ابن تيمية ، منهم الحافظ ابن حجر في ( شرح صحيح البخاري ) ( 13 / 410 ) إذ قال عند ذكره لحديث : (( كان الله ولا شيء معه )) ما نصه :

     " وهو أصرح في الردّ على من أثبت حوادث لا أول لها من رواية الباب ،

وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية ،

ووقفت في كلام له على هذا الحديث يرجح الرواية التي في هذا الباب على غيرها مع ان قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه على التي في بدء الخلق لا العكس ،

والجمع يقدم على الترجيح بالإتفاق " إنتهى من الفتح .

     وقال في هذه المسألة الحافظ ابن دقيق العيد أيضاً كما في ( الفتـــح ) ( 12 / 202 ) ما نصه :

     " وقع هنا من يدعي الحذق في المعقولات ويميل إلى الفلسفة فظن أنّ المخالف في حدوث العالم لا يكفر لأنه من قبيل مخالفة الإجماع ،

وتمسك بقولنا إن منكر الإجماع لا يكفر على الإطلاق حتى يثبت النقل بذلك متواتراً عن صاحب الشرع ، قال : وهو تمسك ساقط إما عن عمىً في البصيرة أو تعام ،

لأنّ حدوث العالم من قبيل ما اجتمع فيه الإجماع والتواتر بالنقل " أ.هـ من الفتح .

معنى كلام إبن دقيق العيد : أنه قد قال قبل ذلك ، بأن الإجماع نوعان :

أ – إجماع الأئمة على شيء ، وقد تواتر نقل هذا الإجماع .

فمن خالف هذا الإجماع ، فهو كافر . لأن هذا الإجماع قطعي الثبوت .

ب – إجماع الأئمة على شيء ، ولم يُنقل هذا الإجماع متواتراً .

فمن خالف هذا الإجماع فليس بكافر ، لأنه ظنيّ الثبوت .

     يقول : وهذا الذي خالفه ابن تيمية ، هو إجماع ، مع نقله متواتراً .

وقد أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله في : ( نقد مراتب الإجمـاع ) ص168 أن يكون هناك إجماع على : " أن الله لم يزل وحده ولا شيء معه غيره " .

 

 

مخالفة الشيخ الألباني لابن تيمية

 

ردّ الشيخ الألباني ، لعقيدة ابن تيمية هذه ، وإعلانه رفضها :

أ- قـــال الشيـــخ الألـبـانــي رحمه الله في ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ) ( 1 / 208 ) عن حديث : (( إنّ أول شيء خلقه الله تعالى القلم )) ما نصه :

     " وفيـه رد أيضـاً علـى من يقول بحوادث لا أول لها ، وأنه ما من مخلوق إلاّ ومسبوق بمخلوق قبله ، وهكذا إلى ما لا بداية له ، بحيث يمكن أن يقال : هذا أول مخلوق ،

فالحديث يبطل هذا القول ويعين أنّ القلم هو أول مخلوق ، فليس قبله قطعاً إيّ مخلوق ،

ولقد أطال ابن تيمية الكلام في رده على الفلاسفة محاولاً إثبات حوادث لا أول لها ، وجاء في أثناء ذلك بما تحار فيه العقول ، ولا تقبله أكثر القلوب " .

ثمّ قال بعد ثلاثة أسطر : " فذلك القول منه غير مقبول ، بل هو مرفوض بهذا الحديث ، وكم كنا نود أن لا يلج إبن تيمية هذا المولج ، لأنّ الكلام فيه شبيه بالفلسفة وعلم الكلام . . " إنتهى .

 

ب- وقال الشيخ الألباني رحمه الله في شرحه للعقيدة الطحاوية ( طبع المكتب الإسلامي الطبعة الأولى 1398 هـ - 1978 م ) ص35 ما نصه :

     " فإني أقول الآن : سواء كان الراجح هذا أم ذلك ، فالاختلاف المذكور يدل بمفهومه على أن العلماء اتفقوا على أنّ هناك أول مخلوق ،

والقائلون بحوادث لا أول لها مخالفون لهذا الإتفاق ،

لأنهم يصرحون بأن ما من مخلوق إلاّ وقبله مخلوق ، وهكذا إلى ما لا أول له ، كما صرح بذلك ابن تيمية في بعض كتبه ،

فإن قالوا العرش أول مخلوق ، كما هو ظاهر كلام الشارح ، نقضوا قولهم بحوادث لا أول لها . وإن لم يقولوا بذلك خالفوا الإتفاق : فتأمل هذا فإنه مهم ، والله الموفق " أ.هـ.

( 2 )

فناء النار

        

وهو أيضاً من مسائل الإعتقاد ، لأنها لا تذكر في باب الوضوء من كتب الفقه ، ولا في غير ذلك من الأبواب ، كالإجارة ، والنكاح ، وغيرها .

ولقد أثبت محبو الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ، هذا القول عليه ، فليس هو من تشنيع أعدائه عليه !

قال الشيخ الألباني ، رحمه الله ، في مقدمة كتاب ( رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار ) لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني ، ص7 ، ما نصه :

     " فأخذت في البطاقات نظراً وتقليباً ، مما قد يكون فيها من الكنوز بحثاً وتفتيشاً ، حتى وقعت عيني على رسالة للإمام الصنعاني ، تحت اسم ( رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار ) في مجموع رقم الرسالة فيه ( 2619 ) ، فطلبته ، فإذا فيه عدة رسائل ، هذه الثالثة منها .

فدرستها دراسة دقيقة واعية ، لأن مؤلفها الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى ردّ فيه على شيخ الإسلام إبن تيمية وتلميذه إبن القيم ميلهما إلى القول بفناء النار ، بأسلوب علمي رصين دقيق ، ( من غير عصبية مذهبية ولا متابعة أشعرية ولا معتزلية ) كما قال هو نفسه رحمه الله تعالى في آخرها .

 وقد كنت تعرضت لرد قولهما هذا منذ أكثر من عشرين سنة بإيجاز في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) في المجلد الثاني منه ( ص71 - 75 ) بمناسبة تخريجي فيه بعض الأحاديث المرفوعة ، والآثار الموقوفة التي احتجا ببعضها على ما ذهبا إليه من القول بفناء النار ،

وبينت هناك وهاءها وضعفها ، وأنّ لابن القيم قولاً آخر ، وهو أن النار لا تفنى أبداً ، وأن لابن تيمية قاعدة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار ،

وكنت توهمت يومئذ أنه يلتقي فيها مع ابن القيم في قوله الآخر ،

فإذا بالمؤلف الصنعاني يبين بما نقله عن ابن القيم ، أن الرد المشار إليه ، إنما يعني الرد على من قال بفناء الجنة فقط من الجهمية دون من قال بفناء النار !

وأنه هو نفسه - أعني ابن تيمية - يقول : بفنائها ، وليس هذا فقط بل وإن أهلها يدخلون بعد ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار !

وذلك واضح كل الوضوح في الفصــــول الثلاثـــة التـي عقدها إبن القيم لهذه المسألة الخطيرة في كتابه ( حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ) ( 2 / 167 - 228 ) ، وقد حشد فيها   ( من خيل الأدلة ورجلها ، وكثيرها وقليلها ، ودقها وجلها ، وأجرى فيها قلمه ، ونشر فيها علمه وأتى بكل ما قدر عليه من قال وقيل ، واستنفر كل قبيل وجيل ) كما قال المؤلف رحمه الله ،

ولكنه أضفى بهذا الوصف على إبن تيمية ، وإبن القيم أولى به وأحرى لأننا من طريقه عرفنا رأي إبن تيمية ، في هذه المسألة ، وبعض أقواله فيها ،

وأما حشد الأدلة المزعومة وتكثيرها ، فهي من إبن القيم وصياغته ، وإن كان ذلك لا ينفي أنه تلقى ذلك كله أو جله من شيخه في بعض مجالسه ) أ.هـ.

    

وقــال الشيخ الألباني أيضاً في مقدمة ( رفع الأستار ) ص25 ما نصه :

     " فكيف يقول ابن تيمية : ( ولو قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة ) !

فكانت الرحمة عنده لا تتحقق إلاّ بشمولها للكفار والمعاندين الطاغين ! في هذه المسالة الخطيرة ؟! " أ.هـ .

 

وقال الإمام السفاريني الحنبلي – وهو من محبي الحافظين : إبن تيمية وابن القيّم - :

[  (السَّابِعُ) :

قَوْلُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُفْنِيهَا ( يقصد : جهنم ) لِأَنَّهُ رَبُّهَا وَخَالِقُهَا لِأَنَّهُ تَعَالَى - عَلَى زَعْمِ أَرْبَابِ هَذَا الْقَوْلِ - جَعَلَ لَهَا أَمَدًا تَنْتَهِي إِلَيْهِ ثُمَّ تَفْنَى وَيَزُولُ عَذَابُهَا،

 

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَقَدْ نُقِلَ هَذَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ ( [82] ) .

 

وَلِشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَتِلْمِيذِهِ الْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ مَيْلٌ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ ،

وَذَكَرَ عَلَى تَأْيِيدِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ وَجْهًا ، ثُمَّ قَالَ :

 

وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ صَوَابٍ فَمِنَ اللَّهِ، وَهُوَ الْمَانُّ بِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَطَإٍ فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ، وَاللَّهُ عِنْدَ لِسَانِ كُلِّ قَائِلٍ وَقَصْدِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . انْتَهَى ] ( [83] ) .

 

 

 

 

وقال الشيخ محمد صديق خان حسن ، رحمه الله – وهو أيضاً من محبي الحافظين – :

[   السَّابِع قَول من يَقُول إِن الله تَعَالَى يفنيها لِأَنَّهُ رَبهَا وخالقها لِأَنَّهُ تَعَالَى على زعم أَرْبَاب هَذَا القَوْل جعل لَهَا أمدا تنتهى إِلَيْهِ ثمَّ تفنى وَيَزُول عَذَابهَا

 

قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية وَقد نقل هَذَا عَن طَائِفَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ

ولشيخ الاسلام وتلميذه الإِمَام الْمُحَقق الْحَافِظ ابْن الْقيم رحمهمَا الله تَعَالَى ركون إِلَى هَذَا القَوْل

 وَذكر ابْن الْقيم على تأييده بضعا وَعشْرين وَجها

ثمَّ قَالَ وَمَا ذَكرْنَاهُ فى هَذِه الْمَسْأَلَة من صَوَاب فَمن الله وَهُوَ المنان بِهِ وَمَا كَانَ من خطأ فمنى وَمن الشَّيْطَان وَالله وَرَسُوله بريئان مِنْهُ وَالله عِنْده لِسَان كل قَائِل وقصده وَالله أعلم انْتهى  ] ( [84] ) .

وقال الآلوسي ، رحمه الله – وهو من محبي ابن تيمية وابن القيّم – :

[  ثم أعلم أنه قد تبين لك مما نقلناه من الأقوال : أن القول الصحيح، الحرى بالترجيح، هو بقاء الجنة والنار وساكنيهما من الأخيار والفجار،

 

وإن الشيخ ابن تيمية لم يتبين عنه نقل صحيح فيما نسب إليه ،

 

ولئن سلم أنه مال لذلك فقد ذهب إليه بعض السلف، وأفراد من الخلف، كما تقدم آنفاً ،

 

فليس في ميله ما يوجب تكفيراً عند من أنصف .

 

على أنا لا نعلم إن صح النقل عدم رجوعه عنه ،

 

وهو لا يعد عند المنصفين إلا من العلماء المجتهدين ،

 

وأى مجتهد قرنت بالصواب جميع أقواله، وصوبت كافة أحواله، وكم رجع مجتهد عن اجتهاده الأول ، ونص على خلافه وعول .

 

ومع هذا فلعله اتبع في ذلك أقوال الفاروق، وباب مدينة العلم، وترجمان القرآن، وابن مسعود، وأبي هريرة القائل: أخذت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءين ... الحديث الشهير ] ( [85] )

أنظر إلى هذا الكلام الطيّب ، في الإعتذار للأئمة في أخطائهم  !

يا ليته اتُخِذَ دستوراً للإعتذار لكل أئمتنا المجتهدين في أخطائهم ! !

 

 

دفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه

 

ولئـن اعتـذر الشيخ الآلوسـي ، وأعـذر الحــافظ ابن تيمية ، في خطئه هذا ، فقد دافع الأستاذ عبد الكريم صالح الحميد ، عن رأي ابن تيمة هذا ، بكل قوة ، ورأى صحته ، بل دعا إلى المباهلة على ذلك ! !

فقد قال في كتابه ( القول المختار لبيان فناء النار ) ( طبع مطبعة السفير - الرياض ، الطبعة الأولى 1412 هـ ) في رده على الشيخ الألباني رحمه الله ( ص13- 14 ) ما نصه :

     " فصل : الباعث لكلامنا في هذه المسألة : كنت أسمع من يقول : في كتب ابــن القيم أشياء ما تصلح مثل حادي الأرواح وغيره ،

والبعض يقول : لعل ذلك قبل اتصاله بشيخه أو أنه دخل عليه من ابن عربي ولا أدري ما المراد ولكني أنفي أن يكون في كتب ابن القيم شيء ما يصلح !

حتى وصلت إلى نسخة ( رفع الأستار ) للصنعاني وفيها مقدمة الألباني وتعليقه ، فلما قرأت المقدمة عرفت السر الذي من أجله تكلم من تكلم بكتب ابن القيم

فقد رأيت تهجماً عنيفاً من الألباني على الشيخ وتلميذه لا صبر عليه

حيث قال : سقطا بما سقطا به أهل البدع والأهواء من الغلو في التأويل

وأن ابن القيم إنتصر لشيخه في ذلك . . .

وأن ابن تيمية يحتج لهذا القول بكل دليل يتوهمه ويتكلف في الرد على الأدلة المخالفة له تكلفاً ظاهراً .

وقال: حتى بلغ بهما الأمر إلى تحكيم العقل فيما لا مجال له فيه كما يفعل المعتزلة تماماً .

حتى زعم أن تأويل المعتزلة والأشاعرة لآيات وأحاديث الصفات كاستواء الله على عرشه ونزوله إلى السماء ومجيئه يوم القيامة وغير ذلك من التأويل أيسر من تأويل ابن القيم للنصوص من أجل القول بفناء النار .

وقال : فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية زلت به القدم فقال قولاً لم يسبق إليه ولا قام الدليل عليه . وغير ذلك من طعن الألباني وقدحه على الشيخ وتلميذه في مقدمة     ( رفع الأستار ) .

فلذلك كتبت في المسألة دفاعاً عنهما وبياناً بأن الحق معهما

وأنا على بصيرة من ذلك ، حيث دعوت للمباهلة من أول المسألة

ولو غلط الشيخ وتلميذه في هذه المسألة لم يوجب ذلك ولا بعض ما قاله الألباني

كيف والحق والصواب معهما في ذلك ،

وقد تكلما فيه دفاعاً عن الإسلام كما تقدم ،

فرضي الله عنهما وجزاهما خير الجزاء .

فانا أهيب بمن تعجل الإنكار أن يراجع الصواب ويدع الإصرار " أ.هـ.

 

 

( 3 )

إستقرار الله على العرش

 

ذكر شيخ الإســـــلام ابـن تيمية رحمه الله  قول الإمام الدارمي مقراً لـه في ( بيان تلبيس الجهمية ) ( 1 / 568 ) :

     " ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات والأرض ، فكيف تنكر أيها النفاج أن عرشه يقله . . . "

وكذلك صرح بلفظة الاستقرار التي لم ترد في كتاب ولا سنة ، الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حيث قال في ( شرح لمعة الاعتقاد ) ( ص41 ) :

     " وهو استواء حقيقي معناه العلو والاستقرار . . . " أ . هـ .

 

رد الشيخ الألباني على هذه العقيدة :

قال الشيخ الألباني ، رحمه الله ، في مقدمة ( مختصر العلو ) ص17 الطبعة الأولى 1401 هـ ، حيث قال :  " ولست أدري ما الذي منع المصنف - عفا الله عنه - من الاستقرار على هذا القول ، وعلى جزمه بأن هذه الأثر منكر كما تقدم منه ،

فإنه يتضمن نسبة القعود على العرش لله U ،

وهذا يستلزم نسبة الاستقرار عليه لله تعالى وهذا مما لم يرد ،

فلا يجوز اعتقاده ونسبته إلى الله U " أ.هـ.

 

( 4 )

قعود الله سبحانه على العرش

    

قـال الحافظ أبو حيان في تفسيره ( النهر الماد ) ( 1 / 254 ) ما نصه :

" وقرأت في كتاب لأحمد بن تيمية هذا الذي عاصرنا وهو بخطه سماه كتاب العرش ( وهو غير الرسالة العرشية المطبوعة ) :

إن الله تعالى يجلس على الكرسي وقد أخلى منه مكاناً يقعد فيه معه رسول الله r

تحيّل عليه التاج محمد بن عبدالحق البارنباري وكان أظهر أنه داعية له حتى أخذه منه وقرأنا ذلك فيه " أ.هـ.

وقد أثبت هذه العقيدة الحافظ ابن القيم رحمه الله في كتابه ( بدائع الفوائد ) ( 4 / 39 - 40 ) حيث قال :

" قال القاضي : صنف المروزي كتاباً في فضيلة النبي r وذكر فيه إقعاده على العرش . . . "

 ثم قال ابن القيم : " قلت : وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني ، ومن شعره فيه :

     حديث الشفاعة عن احمد           إلى أحمد المصطفى مسنده

     وجاء حديث بإقعـــــــاده           على العرش فلا نجحـــــده

     أمروا الحديث على وجهه         ولا تدخلوا فيه ما يفســــده

     ولا تنكروا أنه قـاعـــــــد                   ولا تنكروا أنه يقعــــــــده  " ([86])

     انتهى كلام الحافظ ابن القيم .

 

إنكار الشيخ الألباني لذلك ، ورده عليه

         قال الشيخ الألباني ، رحمه الله :

         [  فكنت أحب له ( يقصد : الإمام الذهبي ) رحمه الله أن لا يتردد في إنكار نسبة القعود إلى الله تعالى وإقعاده مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عرشه

 

ما دام أنه لم يأت به نص ملزم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهْ وسلم ، ومعناه ليس له شاهد في السنة ،  ومعناه ولفظه لم يتوارد على ألسنة الأئمة ،

 

وهذا هو الذي يدل عليه بعض كلماته المتقدمة حول هذا الأثر ، ولكنه لما رأى كثيرا من علماء الحديث أقروه لم يجرؤ على التزام التصريح بالإنكار ،

 

وإنما تارة وتارة ، والله تعالى يغفر لنا وله ] ( [87] ) .

 

وقال الشيخ الألباني ، رحمه الله ، أيضاً ، في مقدمة ( مختصر العلو ) ص20 :

" قلت : وقد عرفت أن ذلك لم يثبت عن مجاهد ، بل صح عنه ما يخالفه كما تقدم .

وما عزاه للدار قطني لا يصــــــــح إسنــاده كما بيناه في ( الأحاديث الضعيفة ) ( 780 )

 وأشرت إلى ذلك تحت ترجمة الدار قطني الآتية ، وجعل ذلك قولاً لابن جرير فيه نظر " .

وقال الشيخ الألباني رحمه الله في آخر تلك الصحيفة :

" وخلاصة القول : إن قول مجاهد هذا - وإن صح عنه - لا يجوز أن يتخذ ديناً وعقيدة ،

ما دام أنه ليس له شاهد من الكتاب والسنة ، فيا ليت المصنف إذ ذكره عنه جزم بردّه وعدم صلاحيته للاحتجاج به ، ولم يتردد فيه " .

ليس هـذا فقـط ، بل إنّ الحافظ ابن القيّم ، قد نقل عن القاضي أكثر من ذلك ، فقد قال ، رحمه الله :

[  قال القاضي: "صنف المروزي كتابا في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه إقعاده على العرش"

قال القاضي : " وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم ويحيى بن أبي طالب وأبى بكر بن حماد وأبى جعفر الدمشقي وعياش الدوري

وإسحاق بن راهوية وعبد الوهاب الوراق وإبراهيم الأصبهإني وإبراهيم الحربي وهارون بن معروف ومحمد بن إسماعيل السلمي ومحمد بن مصعب بن العابد وأبي بن صدقة ومحمد بن بشر بن شريك

وأبى قلابة وعلي بن سهل وأبى عبد الله بن عبد النور وأبي عبيد والحسن بن فضل وهارون بن العباس الهاشمي وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد ومحمد بن يونس البصري

وعبد الله ابن الإمام والمروزي وبشر الحافي". انتهى ]  .

 

فأيّ الفريقين هو السلف الصالح ، وأيّهما هو الطالح ؟ !

وهل جميعهم على رأي واحد ؟ وهل السلفية جميعهم على رأي واحد في العقيدة ؟ !

 

 

 

 

 

 

( 5 )

إثبات الحركة لله تعالى

    

قال الحافظ ابن تيمية رحمه الله في كتابه ( موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول 2 / 4 - المطبوع على هامش منهاج السنة - ) ما نصه :

     " وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين

وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم كحرب الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما ،

 بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة ،

وأنّ ذلك هو مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين وذكر حرب الكرماني أنه قول من لقيه من أئمة السنة كـ أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد ين منصور "

" وقال عثمان بن سعيد وغيره إنّ الحركة من لوازم الحياة فكل حيّ متحرك ،

وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات الذين إتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم " أ.هـ . ( [88] )

 

رد الشيخ الألباني لهذه العقيدة

    

قال الشيخ الألباني ، رحمه الله ، في مقدمة كتاب ( مختصر العلو ) ص16 ما نصه :

     " ( ويقولون في الله ما لا يجوزه الشرع ولا العقل من إثبات الحركة له والنقلة والحد والجهة والقعود والإقعاد )

فيعني هذا الذي نحن في صدد بيان عدم ثبوته " .

        

الكلام السابق ، الذي هو بين قوسين (  ) ، هو قول الشيخ الكوثري ، ينقل عنه الشيخ الألباني مُقِرّاً له ([89]) .

          نكتفي بهذا القدر ، وهو كاف في إثبات ما أردناه .

أما الاختـلاف بين السلف في تصحيح الأحاديث وتضعيفها ، فهو غني عن البيان .

وكذلك الإختلاف فيما بينهم في الفقه ، والحلال والحرام ! !

فالذي يريد أن يصوّر السلف للناس ، وكأنهم على رأي واحد ، لـم يختلفوا : لا فـي مسائل العقيدة ، ولا في الحكم على الاحاديث ، ولا في الفقه ، والحلال والحرام .

الذي يتصور فيهم ذلك ، ويصوّرهم للناس بتلك الصورة ، فهو موغل في الخطأ ! ( [90] ) .

 

 

 

 

 

 

 

الجميع محمودون مأجورون !

                 

         هؤلاء الأئمة – من سلفنا الصالح – رحمهم الله تعالى ، جميعهم مأجورون : إما أجرَين ؛ للذين أصابوا الحق في اجتهادهم .

         وإما أجر واحد للذين أخطأوا .

         فهم بين أجرَين ، وأجر واحد .

[ روى ابن عبد البر النمري بسنده إلى يحيى بن سعيد قال : ما برح أولو الفتوى يفتون ، فيحل هذا ، ويحرم هذا ،

فلا يرى المحرم أن المحل هلك لتحليله ، ولا يرى المحل أن المحرم هلك لتحريمه .

وذلك أن الاجتهاد مشروع، واختلاف الرأي لازم، والشرع لم يحرم المجتهد المخطئ من الأجر، وكل يعمل بما ترجح له ،

وهذا هو معنى التوسعة والرحمة هنا.

وليس معناه أن جميع الأقوال ـ وإن تناقضت ـ صواب، بل الصواب أحدهما ،

ولكـن الجميـع محمـودون مـأجورون، كما قال تعالى: (ففهمناها سليمان، وكلا آتينا حكما وعلما) (الأنبياء: 79) ([91]) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الاختلاف في فهم آيات وأحاديث الصفات !

        

واختلف السلف الصالح في هذا الموضوع .

وإن هذا الدين العظيم ليخاطب الجميع ، ولا ضير أن يختلفوا في الفهم ، ووجهات النظر .

 ولكن الضير كل الضير ، والذي هو غير مقبول أبداً ؛ أن يضلل المسلمون بعضهم بعضاً ، ويطعن بعضهم بعضاً !

         ومعظم الاختلاف لم يكن سببه ؛ أن بعضهم يملك النصوص في المسألة ، والبعض الآخر لا يملك ذلك !

         بل السبب الرئيس ، والأساس – عند الأئمة – هو : الفهم في النصوص !

         وإن العداوة والبغضاء بين عوام المسلمين ، وأشباههم ، سببها النفس الأمارة بالسوء !   والبغي !

         إن أئمتنا ، الذين حاربوا بعض العلماء ، والصالحين – اجتهاداً –  باسم النهي عن البدعة ، والنهي عن الضلال – بغض النظر عن صحة ذلك –  هل أنهت تلك المحاربة البدع والضلال عن الناس ؟ !

         أم أن الناس قاطعوا أولئك الصالحين ، واتخذوا رؤوساّ جهّالاً ، عِوضاً عنهم ؟ !

         إن أئمتنا كان الإخلاص منطلقهم – إن شاء الله – إلا أنهم في تلك المواقف لم يكن الصواب حليفهم ، والله أعلم ! ! وليس معنى هذا أن يقبلوا الخطأ !

 

 

 

 

 

 

 

 

العارف ، الحارث المحاسبي ، رحمه الله

 

على سبيل المثال : موقف بعضهم من الإمام الحارث المحاسبي ، رحمهم الله جميعاً !!

قال الإمام الذهبي ، رحمه الله :

[  المحاسبي :

الزَّاهِدُ العَارِفُ، شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَارِثُ بنُ أَسَدٍ البَغْدَادِيُّ، المُحَاسِبِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ الزُّهْدِيَّةِ.

يَرْوِي عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ يَسِيْراً.

رَوَى عَنْهُ : ابْنُ مَسْرُوْقٍ، وَأَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ، وَالجُنَيْدُ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ خَيْرَانَ الفَقِيْهُ, إِنْ صَحَّ.

قَالَ الخَطِيْبُ: لَهُ كُتُبٌ كَثِيْرَةٌ فِي الزُّهْدِ، وَأُصُوْلِ الدِّيَانَةِ، وَالرَّدِّ عَلَى المُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ . . .

قَالَ الجُنَيْدُ: قَالَ لِيَ الحَارِثُ: كَمْ تَقُوْلُ: عُزْلَتِي أُنْسِي, لَوْ أَنَّ نِصْفَ الخَلْقِ تَقَرَّبُوا مِنِّي ، مَا وَجَدْتُ لَهُمْ أُنْساً ، وَلَوْ أَنَّ النِّصْفَ الآخَرَ نَأَوْا عَنِّي ، مَا اسْتَوْحَشْتُ. . .

وَاجْتَازَ الحَارِثُ يَوْماً بِي، فَرَأَيْتُ فِي وَجْهِهِ الضُّرَّ مِنَ الجُوْعِ، فَدَعَوْتُهُ، وَقدَّمْتُ لَهُ أَلْوَاناً، فَأَخَذَ لُقْمَةً، فَرَأَيْتُهُ يَلُوْكُهَا، فَوَثَبَ وَخَرَجَ، وَلفَظَ اللُّقْمَةَ، فَلَقِيْتُهُ، فَعَاتَبْتُهُ.

فَقَالَ: أَمَّا الفَّاقَةُ فَكَانَتْ شَدِيْدَةً ، وَلَكِنْ إِذَا لَمْ يَكُنِ الطَّعَامُ مَرْضِيّاً ، ارْتَفَعَ إِلَى أَنْفِي مِنْهُ زَفْرَةٌ، فَلَمْ أَقْبَلْهُ .

وَعَنْ حَارِثٍ, قَالَ: جَوْهَرُ الإِنْسَانِ الفَضْلُ، وَجَوْهَرُ العَقْلِ التَّوْفِيْقُ.

وَعَنْهُ قَالَ: تَرْكُ الدُّنْيَا مَعَ ذِكْرِهَا صِفَةُ الزَّاهِدِيْنَ، وَتَرْكُهَا مَعَ نِسْيَانِهَا صِفَةُ العَارِفِيْنَ.

قُلْتُ: المُحَاسِبِيُّ كَبِيْرُ القَدْرِ ، وَقَدْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ يَسِيْرٍ من الكلام، فَنُقِمَ عَلَيْهِ .

وَوَرَدَ : أَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ أَثْنَى عَلَى حَالِ الحَارِثِ مِنْ وَجْهٍ ، وَحَذَّرَ مِنْهُ .

قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ : شَهِدْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ ( [92] ) ، وَسُئِلَ عَنِ المُحَاسِبِيِّ وَكُتُبِهِ ، فَقَالَ: إِيَّاكَ وَهَذِهِ الكُتُبَ هَذِهِ كُتُبُ بِدَعٍ وضَلاَلاَتٍ عَلَيْكَ بِالأَثَرِ تَجِدْ غُنيَةً ، هَلْ بَلَغَكُم أَنَّ مالكًا والثوري وَالأَوْزَاعِيَّ ([93]) صَنَّفُوا فِي الخَطَرَاتِ وَالوَسَاوِسِ ؟ مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى البِدَعِ !

قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: تَفَقَّهَ الحَارِثُ، وَكَتَبَ الحَدِيْثَ، وَعَرَفَ مَذَاهِبَ النُّسَّاكِ، وَكَانَ مِنَ العِلْمِ بِمَوْضِعٍ إِلاَّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ ( [94] ) وَمَسْأَلَةِ الإِيْمَانِ . وَقِيْلَ : هَجَرَهُ أَحْمَدُ ( [95] ) ، فَاخْتَفَى مُدَّةً .

وَمَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ ] ([96]) .

وقال أيضاً ، رحمه الله :

[  الحارث بن أسد المحاسبى العارف ، صاحب التواليف.

روى عن يزيد بن هارون وغيره .

وعنه ابن مسروق ، وأحمد بن الحسن الصوفي .

قال أبو القاسم النصراباذى : بلغني أن الحارث تكلم في شئ من الكلام ، فهجره أحمد بن حنبل ، فاختفى ، فلما مات لم يصل عليه إلا أربعة نفر .

وهذه حكاية منقطعة .

وقال الحاكم : سمعت أحمد بن إسحاق الصبغى : سمعت إسماعيل بن إسحاق السراج يقول : قال لي أحمد بن حنبل : يبلغني / أن الحارث هذا يكثر الكون عندك، فلو أحضرته منزلك وأجلستني في مكان أسمع كلامه.

ففعلت، وحضر الحارث وأصحابه، فأكلوا وصلوا العتمة، ثم قعدوا بين يدى الحارث وهم سكوت إلى قريب نصف الليل ،

ثم ابتدأ رجل منهم، وسأل الحارث، فأخذ في الكلام، وكأن على رؤوسهم الطير، فمنهم من يبكى، ومنهم من يخن ( نوع من البكاء ) ، ومنهم من يزعق،

وهو في كلامه ، فصعدت الغرفة، فوجدت أحمد قد بكى حتى غشى عليه ، إلى أن قال : فلما تفرقوا

قال أحمد : ما أعلم أنى رأيت مثل هؤلاء ، ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا .

وعلى هذا فلا أرى لك صحبتهم .

قلت : إسماعيل وثقه الدار قطني .

وهذه حكاية صحيحة السند منكرة، لا تقع على قلبى، أستبعد وقوع هذا من مثل أحمد .

وأما المحاسبى فهو صدوق في نفسه ، وقد نقموا عليه بعض تصوفه وتصانيفه ] ([97]) .

 

فعل الله به وفعل ! !

        

وانظـر إلـى مـا أصبـح مصـدراً ، وأسـوة سيئـة لغليظـي الأكبـاد ، والجهـال ، فـي محاربة أولياء الله ! :

[  عَلِيّ بْن أبي خالد نقل عَنْ إمامنا أشياء:

منها قَالَ: قلت: لأحمد إن هذا الشيخ لشيخ حضر معنا هو جاري وقد نهيته عَنْ رجل ويحب أن يسمع قولك في حرث القصير ([98]) يعني حارثا المحاسبي

كنت رأيتني معه منذ سنين كثيرة فقلت: لي لا تجالسه ولا تكلمه فلم أكلمه حتى الساعة ( [99] ) وهذا الشيخ يجالسه فما تقول فيه ؟

 فرأيت أَحْمَد قد أحمر لونه وانتفخت أوداجه وعيناه وما رأيته هكذا قط ثم جعل ينتفض ويقول ذاك فعل اللَّه به وفعل

ليس يعرف ذاك إلا من خبره وعرفه أويه أويه أويه ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره وعرفه ذاك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان فأخرجهم إلى رأي جهم هلكوا بسببه

فقال: له الشيخ يا أبا عَبْد اللَّه يروي الحديث ساكن خاشع من قصته ومن قصته

فغضب أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وجعل يقول لا يغرك خشوعه ولينه ويقول لا تغتر بتنكيس رأسه فإنه رجل سوء

ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره لا تكلمه ولا كرامة له كل من حدث بأحاديث رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان مبتدعا تجلس إليه لا ولا كرامة ولا نعمى عين وجعل يقول ذاك ذاك ] ([100]) .

هذا الكلام المنقول عن الإمام أحمد من محبيه ، هو أقرب إلى الطعن فيه من مدحه ! !

هل هذا كلام وحركات ذلك الرجل الصالح ؛ الإمام أحمد بن حنبل ؟ !

نحن نتخيل – في تصورنا – ذلك العالم الصالح ، أكبر من هذه الصورة المنفرة ! 

 

 

 

 

أولياء الله تعالى !

        

إن محاربة أولياء الله تعالى – تقليداً لبعض زلّات الصالحين – مخاطرة عظيمة ، ولا سيما ممن لا يرقى أن يكون خادماً لهم !

         وقد قال تعالى في الحديث القدسي : ( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ) [101] .

         قال الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله :

         [  وَلَيْسَ مَنْ شَرْطِ وَلِيِّ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا لَا يَغْلَطُ وَلَا يُخْطِئُ ؛

بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ بَعْضُ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ

وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ بَعْضُ أُمُورِ الدِّينِ حَتَّى يَحْسَبَ بَعْضُ الْأُمُورِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَمِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ

وَيَجُوزُ أَنْ يَظُنَّ فِي بَعْضِ الْخَوَارِقِ أَنَّهَا مِنْ كَرَامَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكُونُ مِنْ الشَّيْطَانِ لَبَّسَهَا عَلَيْهِ لِنَقْصِ دَرَجَتِهِ وَلَا يَعْرِفُ أَنَّهَا مِنْ الشَّيْطَانِ

وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى ؛

فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَجَاوَزَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ

فَقَالَ تَعَالَى: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} ( [102] )

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اسْتَجَابَ هَذَا الدُّعَاءَ وَقَالَ: قَدْ فَعَلْت ( [103] )

وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو بْنِ العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ {إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ} ( [104] )

فَلَمْ يُؤَثِّمْ الْمُجْتَهِدَ الْمُخْطِئَ ؛ بَلْ جَعَلَ لَهُ أَجْرًا عَلَى اجْتِهَادِهِ وَجَعَلَ خَطَأَهُ مَغْفُورًا لَهُ

وَلَكِنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُصِيبَ لَهُ أَجْرَانِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ.

وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ وَلِيُّ اللَّهِ يَجُوزُ أَنْ يَغْلَطَ لَمْ يَجِبْ عَلَى النَّاسِ الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ مَنْ هُوَ وَلِيٌّ لِلَّهِ لِئَلَّا يَكُونَ نَبِيًّا  .

 

أصناف الناس فيمن يظنون ولايته

وَالنَّاسُ فِي هَذَا الْبَابِ " ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ

" طَرَفَانِ وَوَسَطٌ ؛

فَمِنْهُمْ مَنْ إذَا اعْتَقَدَ فِي شَخْصٍ أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ وَافَقَهُ فِي كُلِّ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ قَلْبُهُ عَنْ رَبِّهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ ( [105] )

وَمِنْهُمْ مَنْ إذَا رَآهُ قَدْ قَالَ أَوْ فَعَلَ مَا لَيْسَ بِمُوَافِقِ لِلشَّرْعِ أَخْرَجَهُ عَنْ وِلَايَةِ اللَّهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا ( [106] )

وَخِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا

وَهُوَ أَنْ لَا يُجْعَلَ مَعْصُومًا وَلَا مَأْثُومًا إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا

فَلَا يُتَّبَعُ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ وَالْفِسْقِ مَعَ اجْتِهَادِهِ ] ([107]) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلام الأقران لا يعبأ به !

         فكلام العلماء بعضهم في بعض لا يؤخذ به ، ولا يُقلّدون فيه ، ولاسيما إذا جاوزوا القنطرة ، واشتهروا بالعلم زالصلاح . 

قال الإمام الذهبي ، رحمه الله :

         [  كلام ابن مندة في أبي نعيم فظيع، لا أحب حكايته، ولا أقبل قول كل منهما في الآخر، بل هما عندي مقبولان، لا أعلم لهما ذنبا أكثر من روايتهما الموضوعات ساكتين عنها.

قرأت بخط يوسف بن أحمد الشيرازي الحافظ، رأيت بخط ابن طاهر المقدسي يقول: أسخن الله عين أبي نعيم ، يتكلم في أبى عبد الله بن مندة ، وقد أجمع الناس على إمامته

 وسكت عن لا حق وقد أجمع الناس على أنه كذاب.

قلت: كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به ،

لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد ،

ما ينجو منه إلا من عصم الله ،

وما علمت أن عصرا من الأعصار سلم أهله من ذلك ، سوى الأنبياء والصديقين ،

ولو شئت لسردت من ذلك كراريس، اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم ] ([108]) .

وقال أيضاً ، رحمه الله :

         [  وَمَا زَالَ الأَقْرَانُ يَنَالُ بَعْضُهُم مِنْ بَعْضٍ ،

وَمَكْحُوْلٌ وَرَجَاءٌ إِمَامَانِ ، فَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِ أَحَدٍ مِنْهُمَا فِي الآخَرِ ] ([109]) .

         وقال ، رحمه الله :

[  لاَ يُسْمَعُ قَوْلُ الأَقرَانِ بَعْضُهُم فِي بَعْضٍ ] ([110]) .

وقال :

[  وَلَمْ يَنجُ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ كَلاَمِ بَعْضِ النَّاسِ فِيْهِم ،

نَحْوَ مَا يُذْكَرُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ مِنْ كَلاَمِه فِي الشَّعْبِيِّ ،

وَكَلاَمِ الشَّعْبِيِّ فِي عِكْرِمَةَ، وَفِيْمَنْ كَانَ قَبْلَهُم ،

 وَتَنَاوَلَ بَعْضُهُم فِي العِرْضِ وَالنَّفْسِ ،

وَلَمْ يَلْتَفِتْ أَهْلُ العِلْمِ فِي هَذَا النَّحوِ إِلاَّ بِبَيَانٍ وَحُجَّةٍ ، وَلَمْ تَسقُطْ عَدَالَتُهُم إِلاَّ بِبُرْهَانٍ ثَابِتٍ ، وَحُجَّةٍ ،

وَالكَلاَمُ فِي هَذَا كَثِيْرٌ .

قُلْتُ: لَسْنَا نَدَّعِي فِي أَئِمَّةِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ العِصْمَةَ مِنَ الغَلَطِ النَّادِرِ، وَلاَ مِنَ الكَلاَمِ بنَفَسٍ حَادٍّ فِيْمَنْ بَيْنَهُم وَبَيْنَهُ شَحنَاءُ وَإِحْنَةٌ ،

وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كَثِيْراً مِنْ كَلاَمِ الأَقْرَانِ بَعْضِهِم فِي بَعْضٍ مُهدَرٌ، لاَ عِبْرَةَ بِهِ ،

وَلاَ سِيَّمَا إِذَا وَثَّقَ الرَّجُلَ جَمَاعَةٌ يَلُوحُ عَلَى قَوْلِهُمُ الإِنصَافُ.

وَهَذَانِ الرَّجُلاَنِ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ نَالَ مِنْ صَاحِبِه ،

لَكِنْ أَثَّرَ كَلاَمُ مَالِكٍ فِي مُحَمَّدٍ بَعْضَ اللِّيْنِ، وَلَمْ يُؤثِّرْ كَلاَمُ مُحَمَّدٍ فِيْهِ وَلاَ ذَرَّةٍ، وَارتَفَعَ مَالِكٌ، وَصَارَ كَالنَّجمِ، فَلَهُ ارْتفَاعٌ بِحَسْبِهِ، وَلاَ سِيَّمَا فِي السِّيَرِ، وَأَمَّا فِي أَحَادِيْثِ الأَحكَامِ، فَيَنحَطُّ حَدِيْثُه فِيْهَا عَنْ رُتْبَةِ الصِّحَّةِ إِلَى رُتْبَةِ الحَسَنِ، إِلاَّ فِيْمَا شَذَّ فِيْهِ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ مُنْكَراً، هَذَا الَّذِي عِنْدِي فِي حَالِهِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.

قَالَ يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ أَمِيْرُ المُحَدِّثِيْنَ لِحِفْظِهِ ] ([111]) .

         وقال :

[   وَبِكُلِّ حَالٍ: فَكَلاَمُ الأَقْرَانِ بَعْضِهِم فِي بَعْضٍ لاَ يُعَوَّلُ عَلَى كَثِيْرٍ مِنْهُ ،

فَلاَ نَقَصَتْ جَلاَلَةُ مَالِكٍ بِقَوْلِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِيْهِ ،

وَلاَ ضَعَّفَ العُلَمَاءُ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ بِمَقَالَتِهِ هَذِهِ ،

بَلْ هُمَا عَالِمَا المَدِيْنَةِ فِي زَمَانِهِمَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- ] ([112]) .

 

وقال ، رحمه الله :

[  قُلْتُ: اسْتَفِقْ ، وَيْحَكَ ! وَسَلْ رَبَّكَ العَافِيَةَ ،

 فَكَلاَمُ الأَقْرَانِ بَعْضُهُم فِي بَعْضٍ أَمْرٌ عَجِيْبٌ ،

 

وَقَعَ فِيْهِ سَادَةٌ - فَرَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ ] ([113]) .

وقال :

[   تُوُفِّيَ ابْنُ صَاعِدٍ بِالكُوْفَةِ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، عَنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً وَأَشْهُرٍ.

وَقَدْ ذَكَرنَا مُخَاصَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ ،

وَحَطَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ ،

وَنَحْنُ لاَ نَقْبَلُ كَلاَمَ الأَقرَانِ بَعْضِهِم فِي بَعْضِ، وَهُمَا - بِحَمْدِ اللهِ – ثِقَتَانِ ] ([114]) .

         وقال :

[   كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَة يُقذِعُ فِي المَقَال فِي أَبِي نُعَيْمٍ لمَكَان الاعْتِقَادِ المُتَنَازع فِيْهِ بَيْنَ الحَنَابِلَةِ وَأَصْحَابِ أَبِي الحَسَنِ ،

وَنَال أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضاً مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي (تَارِيْخِهِ) ، وَقَدْ عُرف وَهنُ كَلاَم الأَقرَانِ المُتَنَافِسين بَعْضِهُم فِي بَعْض. نَسْأَلُ اللهَ السَّمَاح ] ([115]) .

 

         وقال :

[   وَقَدْ كَانَ بَيْنَ أَبِي عَمْرٍو، وَبَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ حَزْم وَحْشَةٌ وَمُنَافرَة شَدِيْدَة، أَفْضَتْ بِهِمَا إِلَى التَّهَاجِي ،

وَهَذَا مَذْمُومٌ مِنَ الأَقرَان ، مَوْفُورُ الوجُوْد . نَسْأَل اللهَ الصَّفْحَ ] ([116]) .

         وقال أيضاً ، رحمه الله :

[   محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، الحافظ مطين، محدث الكوفة.

حط عليه محمد بن عثمان بن أبي شيبة ،

وحط هو على ابن أبي شيبة ، وآل أمرهما إلى القطيعة.

ولا يعتد بحمد الله بكثير من كلام الاقران بعضهم في بعض .

قال أبو نعيم ابن عدي / الجرجاني: وقع بينهما كلام حتى خرج كل واحد منهما إلى الخشونة والوقيعة في صاحبه .

فقلت لابن أبي شيبة : ما هذا الاختلاف الذي بينكما ؟ فذكر لي أحاديث أخطأ فيها مطين، وأنه رد عليه

يعنى فهذا مبدأ الشر ( ! ! ) .

وذكر أبو نعيم الجرجاني فصلا طويلا إلى أن قال: فظهر إلى أن الصواب الامساك عن القبول من كل واحد منهما في صاحبه .

قلت: مطين وثقه الناس وما أصغوا إلى ابن أبي شيبة ] ([117]) .

         وقال ، رحمه الله :

         [   وقال المروزي: ذكر أحمد هشاما فقال: طياش خفيف.

قال المروزي: ورد كتاب من دمشق: سل لنا أبا عبد الله، فإن هشام بن عمار قال لفظ جبريل ومحمد عليهما السلام بالقرآن مخلوق ،

فسألت أبا عبد الله فقال: أعرفه طياشا، قاتله الله لم يجتر الكرابيسى أن يذكر جبريل ولا محمدا صلى الله عليه وسلم . هذا قد تجهم.

وفي الكتاب أنه قال في خطبته، الحمد لله الذي تجلى لخلقه بخلقه ،

فسألت أبا عبد الله ، فقال : هذا جهمى ،

الله تجلى للجبال، يقول هو: تجلى لخلقه بخلقه، إن صلوا خلفه فليعيدوا الصلاة ( ! ! ) .

قلت: لقول هشام اعتبار ومساغ، ولكن لا ينبغي إطلاق هذه العبارة المجملة ،

وقد سقت أخبار أبي الوليد رحمه الله في تاريخي الكبير، وفى طبقات القراء، أتيت فيها بفوائد ، وله جلالة في الإسلام ،

وما زال العلماء الاقران يتكلم بعضهم في بعض بحسب اجتهادهم ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ([118]) .

 

 

 

 

 

الحق أحق أن يتبع !

        

نقول مع كل إجلال ، وتقدير ، لأولئك الأئمة العظام ، والذين لا نرقى أن نكون خدّاماً لهم ! ولا نساوي التراب الذي كانوا يمشون عليه !

         ومع هذا نقول : هذه الأقوال التي صدرت من بعضهم في بعض ، هي من السيئات التي تغرق في بحر حسناتهم إن شاء الله !

         وهي ليست مقبولة ، وإن صدرت من كائن مَن يكون !

         هذه الأقوال ، والطعون ، والتجريحات ، كانت من الأسباب الرئيسية في تراشق المسلمين فيما بينهم ، وطعن بعضهم في بعض ، والتفرق ، والشقاق الذي ينخر في جسم الإسلام يوماً بعد يوم ! !

         وذلك بسبب تقليدهم واتخاذهم أسوة في ذلك !

         ونحن نتعجب ؛ كيف صدرت هذه الأقوال من أولئك الأئمة ؟ !

         وإن الإعتذار عنهم ، والدفاع عنهم ، بأنها أقوال الأقران ، لعداوة ! أو حسد ! أو مذهب ! أسوأ من الذنب الذي اقترفوه ! !

         ولا يظن أحد بأننا ندّعي أننا أفضل منهم ! حاشا لله ! ولكن نقول : هذه المواقف ، والأقوال   خطأ ! ولا يُعتبرون فيها أسوة ، وقدوة للمسلمين !

         والمسلم الذي يقلّدهم في تلك الأخطاء ! يا ليته مع تلك الأخطاء ، قلّدهم في تقواهم ، وعباداتهم وزهدهم ، وورعهم ! !

         ولا أحد من أولئك الأئمة معصوم ، ولا قوله يُعتبر كقول رسول الله r ، بحيث يجب قبوله ، ولا يجوز ردّه .

         ويجب على المؤمن أن لا يقلّدهم في تلك الطعون ، والتي صدرت عنهم إجتهاداَ .

         وهذا الإجتهاد منهم خطأ ، لا شك في ذلك .

         والدليل على أنه خطأ : نرى الأئمة والعلماء لا يأخذون  ، ولا يعملون به ، بل يردّونه وكأنه لم يكن ! ولاسيما في الأئمة الذين اشتهروا بالعلم والصلاح .   

         والذي يقلّدهم في تلك الأخطاء هو آثم مأزور !

 

 

كلٌّ منهم يُظهِر أنه يُبغِض لله !

        

وما أروع ما قاله الحافظ ابن رجب الحنبلي ، رحمه الله ، حيث قال :

         [  وَلَمَّا كَثُرَ اخْتِلَافُ النَّاسِ فِي مَسَائِلِ الدِّينِ ، وَكَثُرَ تَفَرُّقُهُمْ ، كَثُرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَبَاغُضُهُمْ وَتَلَاعُنُهُمْ ،

وَكُلٌّ مِنْهُمْ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُبْغِضُ لِلَّهِ ،

وَقَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَعْذُورًا ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مَعْذُورًا ،

بَلْ يَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ ، مُقَصِّرًا فِي الْبَحْثِ عَنْ مَعْرِفَةِ مَا يُبْغِضُ عَلَيْهِ ،

فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْبُغْضِ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَقَعُ لِمُخَالَفَةِ مَتْبُوعٍ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ ،

وَهَذَا الظَّنُّ خَطَأٌ قَطْعًا ،

وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ فِيمَا خُولِفَ فِيهِ ، فَهَذَا الظَّنُّ قَدْ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ ،

وَقَدْ يَكُونُ الْحَامِلُ عَلَى الْمَيْلِ مُجَرَّدَ الْهَوَى ، وَالْإِلْفَ ، أَوِ الْعَادَةَ ،

وَكُلُّ هَذَا يَقْدَحُ فِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْبُغْضُ لِلَّهِ ،

فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَنْصَحَ نَفْسَهُ ، وَيَتَحَرَّزَ فِي هَذَا غَايَةَ التَّحَرُّزِ ،

وَمَا أُشْكِلَ مِنْهُ ، فَلَا يُدْخِلُ نَفْسَهُ فِيهِ

خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الْبُغْضِ الْمُحَرَّمِ .

وَهَاهُنَا أَمْرٌ خَفِيٌّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ ،

وَهُوَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ قَدْ يَقُولُ قَوْلًا مَرْجُوحًا ،

وَيَكُونُ مُجْتَهِدًا فِيهِ ، مَأْجُورًا عَلَى اجْتِهَادِهِ فِيهِ ، مَوْضُوعًا عَنْهُ خَطَؤُهُ فِيهِ ،

وَلَا يَكُونُ الْمُنْتَصِرُ لِمَقَالَتِهِ تِلْكَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ ،

لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَنْتَصِرُ لِهَذَا الْقَوْلِ إِلَّا لِكَوْنِ مَتْبُوعِهِ قَدْ قَالَهُ ،

بِحَيْثُ إِنَّهُ لَوْ قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ ، لَمَا قَبِلَهُ ، وَلَا انْتَصَرَ لَهُ ، وَلَا وَالَى مَنْ وَافَقَهُ ، وَلَا عَادَى مَنْ خَالَفَهُ ،

وَهُوَ مَعَ هَذَا يَظُنُّ أَنَّهُ إِنَّمَا انْتَصَرَ لِلْحَقِّ بِمَنْزِلَةِ مَتْبُوعِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ،

فَإِنَّ مَتْبُوعَهُ إِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ الِانْتِصَارَ لِلْحَقِّ ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ ،

وَأَمَّا هَذَا التَّابِعُ فَقَدْ شَابَ انْتِصَارَهُ لِمَا يَظُنُّهُ الْحَقَّ إِرَادَةُ عُلُوِّ مَتْبُوعِهِ ، وَظُهُورُ كَلِمَتِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إِلَى الْخَطَأِ ،

وَهَذِهِ دَسِيسَةٌ تَقْدَحُ فِي قَصْدِ الِانْتِصَارِ لِلْحَقِّ ،

فَافْهَمْ هَذَا ، فَإِنَّهُ فَهْمٌ عَظِيمٌ ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ] ([119]) .

فالأئمة اجتهدوا في بغضهم وطعونهم في بعضهم البعض ، ولا شك أنهم على خطأ ، ولم يصيبوا الحق في ذلك .

ولهم أجر واحد في هذا الإجتهاد غير الصواب .

ولكن مقلّدوهم – في طعونهم في الأئمة والعلماء – غير مأجورين ، بل مأزورين ولا كرامة !

لأنّ مواقفهم هذه صدرت عن عصبية وتقليد ، وتعظيم أئمتهم عن أن يخالفه أحد !

فلا يغتر أحد بمواقف الأئمة هذه ، فلا يجوز أن يقتدي بهم أحد في أقوالهم وأفعالهم هذه !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لحوم العلماء مسمومة !

        

[  قال ابن عساكر: أعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته

 أن لحوم العلماء مسمومة

وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة

ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } [120] ] ([121]) .

فالله ، سبحانه ، قد صوّر الذي يغتاب المسلمين ؛ كإنسان يأكل لحم أخيه وهو ميت !

هذه صورة الذي يغتاب المسلمين عامة .

وقد تقرّر أنّ لحوم العلماء مسمومة ؛ فالذي يغتاب العلماء هو شخص يأكل لحوم مسمومة !

فالذي يأكل لحماً مسموماً لا ريب أنه ميت لا محالة !

وبما أنه موت معنوي ، فالذي يغتاب العلماء يبتليه الله تعالى بموت قلبه . لأنّ العلماء العاملين هم أولياء الله تعالى .

وقد قال الله تعالى ، في الحديث القدسي : (  مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْب  ) ( [122] ) .

والويل لمن يأذنه الله تعالى ، بالحرب !

فالذي ينتقص العلماء العاملين يهتك الله تعالى ، سترهم !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الشيطان هو الذي يؤزهم !

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

         [  فلا تستغرب أن يقول الناس في عالم من العلماء: أن هذا العالم فيه كذا وفيه كذا

ويصفونه بالعيوب، لأن الشيطان هو الذي يؤز هؤلاء على أن يقدحوا العلماء ،

لأنهم إذا قدحوا في العلماء سقطت أقوالهم عند الناس ما بقي للناس أحد يقودهم بكتاب الله .

 ومن يقودهم بكتاب الله إذا لم يثقوا بالعلماء وأقوالهم؟

تقودهم الشياطين وحزب الشيطان ،

ولذلك كانت غيبة العلماء أعظم بكثير من غيبة غير العلماء، لأن غيبة غير العلماء غيبة شخصية، إن ضرت فإنها لا تضر إلا الذي اغتاب والذي قيلت فيه الغيبة ،

لكن غيبة العلماء تضر الإسلام كله ؛

لأن العلماء حملة لواء الإسلام، فإذا سقطت الثقة بأقوالهم؛ سقط لواء الإسلام، وصار في هذا ضرر على الأمة الإسلامية.

فإذا كانت لحوم الناس بالغيبة لحوم ميتة ، فإن لحوم العلماء ميتة مسمومة ، لما فيها من الضرر العظيم ،

فلا تستغرب إذا سمعت أحدا يسب العلماء! وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل فيه ما قيل، فاصبر ، واحتسب الأجر من الله عز وجل ،

واعلـم أن العاقبـة للتقوى، فمـادام الإنسان فـي تقـوى وعلـى نـور مـن الله عـز وجـل فإن العاقبة له ] ([123]) .

فالشيطان هو الذي يؤز ويشجع بعض الناس حتى يطعنوا في العلماء وأولياء الله تعالى .

فالشيطان وإيحاءاته ووساوسه هي المصدر التي ينطلقون منها ، وهم يظنون أنهم يصدرون عن علم وتقوى وإيمان !

ولا يدرون أنهـم أصبحوا أداةً ووسيلة من وسائل الشيطان ؛ يقودهم ويوجههم لمحاربة أولياء الله تعالى ، وعداوة العلماء والدعاة ؛ الذين يصارعون الكفر والفسوق والعصيان !

حالهم كحال الخوارج ؛ الذين حاربوا أولياء الله تعالى ، كالخليفة الراشد عليّ بن أبي طالب t ، ومن ثم قتلوه ، وهم يحسبون أنهم يجاهدون في سبيل الله !   

         وقال الشيخ عبد المحسن العباد :

         [  قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله :

من استخف بالعلماء ذهبت آخرته .

وهذا مذكور في كتاب سير أعلام النبلاء .

وقال الإمام الطحاوي رحمه الله :

علماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر ، وأهل الفقه والنظر ، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل .

وقال الحافظ ابن عساكر :

واعلم - يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته - أن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ؛

لأن الوقيعة بما هم منه براء أمر عظيم ، والتناول بأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاق على من اختار الله منهم خلق ذميم ] ([124]) .

         فالذي يستخف بالعلماء يذهب آخرته ، أي : يدخل جهنم !

         والذي يذكرهم بسوء فهو على غير الصراط المستقيم ! على غير هدي السلف الصالح ! وبالتالي فهو من متبعي الشيطان !

         ولا يخدعنّك إبليس بأن ما تقوم به هو نصيحة لله ، وللمسلمين ، فإن الشيطان يفتح تسعة وتسعين باباً من أبواب الخير ، ليفتح – في الأخير – باباً من أبواب الشر !

والإنسان على نفسه بصيرة ، ولو ألقى معاذيره !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رسول الله r هو القدوة !

        

والحمد لله تعالى ، الذي جعل رسول الله r وحده هو الأسوة الحسنة !

         قال تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) [125] .

         إن المسلم الذي يرجو رحمة الله تعالى ، ومحبته ، ورضوانه ، فأسوته الحسنة هو رسول      الله r ! فلا يذهب يميناً ، ولا يساراً !

         والمسلم الذي يريد الآخرة ، والجنة ، والرَوْح والرَيحان ، فأسوته الحسنة هو رسول الله r !

         والمسلم الذي يريد أن يذكر الله تعالى كثيراً ، ويعبده حق عبادته ، على قدر طاقته وجهده ، فأسوته الحسنة هو رسول الله r ! فأنعم به أسوة ، وأكرم ! !

         فهو r أسوة حسنة ، للصحابة ، والتابعين ، وأتباعهم بإحسان ، ولكل مسلم ، إلى يوم الدين !

 

القدوة العليا !

         [ جوانب شخصيـة الرسـول عليـه الصـلاة والسـلام متـعددة تعـدداً يجعلـه منفرداً عن الرسل بميزات ، إن شاركوه في بعضها فلم يشاركوه في الكل .

         فشخصية الرسول تمثلت فيها كل جوانب الحياة ، وما كل رسول كان له مثل هذا .

فالرسول عليه الصلاة والسلام كان أباً وما كل رسول كان أباً ،

وكان زوجاً وما كل رسول تزوج ،

وكان رئيس دولة ومؤسسها وما كل رسول أقام دولة ،

وكان القائد الأعلى لجيش الإسلام والمحارب الفذ وما كل رسول حارب .

         وبُعث للإنسانية عامة فشرع لها بأمر الله ما يلزمها في كل جوانب حياتها العقدية والعبادية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية ،

ولم يُبعث رسول قط إلى الإنسانية عامة غيره ، وكان المستشار والقاضي والمربي والمعلم والمهذب والعابد والزاهد والصابر والرحيم . . . إلى آخر صفاته عليه الصلاة والسلام التي استوعبت كل جوانب الحياة ،

فكان بذلك بين الرسل الرسول المفرد العلم الممتاز ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) .

         وإنما كان ذلك لأن الله جلت حكمته جعل الإسلام المنزل على محمد r نظاماً شاملاً لجوانب حياة البشر كلها ،

وجعل حياة رسوله نموذجاً لدينه كله في كل جوانبه ، حتى تقوم الحجة على الناس مرتين ، مرة بالبيان النظري ومرة بالبيان العملي .

         وشيء آخر هو أن البشر فيهم الأب والابن والزوج .

وفيهم السياسي والاقتصادي ورجل الشورى ، وفيهم المحارب والمسالم ، وفيهم المبتلى والمعافى ، وفيهم الراعي والرعية ، وفيهم العامل والتاجر ،

فالحياة البشرية متعددة الجوانب ، وكل إنسان يعيش حياة تختلف في بعض جوانبها أو تتفق مع الآخرين ،

وقد فرض الله على البشر على اختلاف مستوياتهم ، أن يكون الرسول قدوتهم في كل شيء ،

 فما لم تكن شخصية الرسول متعددة الجوانب والمواقف هذا التعدد ، لا يكون قدوة لكل البشر في كل شيء .

         وقد يعجب إنسان أن تكون حياة رسول الله r من الخصب بحيث تستوعب كل جوانب حياة البشر . فتكون قدوة لهم في هذا كله ، ولكنه الواقع الذي تشهد له كل الدراسات النظرية والعملية .

         فمثلاً من الناحية النظرية : أدرس مواقف الصبر عنده فإنك تجدها قد استوعبت كل موقف يحتاج الناس به إلى الصبر .

         لقد أقام الله رسوله مقام المُخْرَج من وطنه ،

ومقام مَن مات له أولاد وأولاد أولاد ،

ومَن ماتت له زوجة وعم وأبناء عم بعضهم قتلى .

ومقام مَن فشل أصحابه في معركة كان يديرها هو ،

ومقام مَن أوذي واستهزيء به ،

ومقام مَن شمت فيه ومَن اتهم في عرض أحب الخلق إليه ،

ومقام مَن مرض وجرح ،

ومقام مَن جاع وعطش وخاف وغير ذلك من المقامات التي يعتبرها الناس مصائب

بحيث لا تصيب الإنسان مصيبة إلا ويرى رسول الله r قد أصيب بمثلها ، وكان له موقف مثالي منها ، فيقف مثله إن كان مؤمناً .

         ومن الناحية العملية : فإن تاريخ الأمة الإسلامية ما خلا في عصر من عصوره ، من ملايين من أفراد هذه الأمة مختلفي المدارك ، ومختلفي المستويات . ومختلفي الاختصاصات ومختلفي المشارب ،

 منهم الغني والفقير والقائد والرئيس والعالم والعابد وغيرهم وغيرهم ،

كل منهم متمسك بحبل الاقتداء برسول الله في الصغيرة والكبيرة .

حتى أنك لتجد النماذج المتباينة من هؤلاء وكل منهم يقيم الدليل على أن سلوكه هو سلوك رسول الله فيما يسير عليه ،

وكل ذلك في الواقع ناتج عن الخصب في حياة الرسول التي استوعبت أحوال البشر جميعاً .

         والرسول عليه الصلاة والسلام في كل موقف من هذه المواقف ، وفي كل حال من الأحوال ، وفي كل جانب من الجوانب ، كان المثل الأعلى للبشر والقدوة العليا لهم .

إذ إليه يرجع الكمال في كل شيء ، ومنه يعرف الكمال في كل شيء . . .

ليتضح لنـا أنـه لا كمـال لأي إنسان مهما كان في أي حالة . إلا باتباعه والاقتداء به والتأسي به ،

 وإن الله لم يعط من الكمال لإنسان ما أعطاه محمداً ،

ولم يجتمع في إنسان من الكمالات ما اجتمع في شخصه العظيم ،

وذلك آية الله على أن هذا الإنسان رسوله ؛ إذ ما كان ليجتمع لإنسان منبت عن الله وكمالاته ، وإحاطة علمه وتوفيقه ] ([126])  .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نماذج من صبره r مع الكافرين !

         1 –  قال أبو جعفر البغدادي رحمه الله :

         [  . . . مرّ أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وهو جالس عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه

ومولاة لعبد الله بن جدعان فوق الصفا في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه فعمد إلى ناد من قريش عند الكعبة فجلس معهم

فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له ، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلّم وتحدّث معهم وكان أعز قريش وأشدها شكيمة ،

فلما مر بالمولاة وقد قام رسول الله صلى الله عليه ورجع إلى بيته قالت له: يا أبا عمارة! لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا قبل أن تأتي من أبي الحكم بن هشام وجده هاهنا جالسا فسبه وآذاه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد ،

فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله من كرامته فخرج سريعا لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالكعبة معدا لأبي جهل إذا لقيه ، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع قوسه فضربه بها ضربة شجّه شجة منكرة ، ثم قال:

أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول ؟ فرد على إن استطعت ، فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل عليه، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فأني والله لقد سببت ابن أخيه سبّا قبيحا، وتم حمزة رضي الله عنه على إسلامه ] ([127]) .

 

         2 –  وأخرج الطبراني رحمه الله عن منيب الأزدي t ، قَالَ :

رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ يَقُولُ لِلنَّاسِ: " قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا

 "، فَمِنْهُمْ مَنْ تَفَلَ فِي وَجْهِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَثَا عَلَيْهِ التُّرَابَ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَبَّهُ ،

حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ ، فَأَقْبَلَتْ جَارِيَةٌ بِعُسٍّ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ وَجْهَهُ أَوْ يَدَيْهِ وَقَالَ:

 « يَا بُنَيَّةُ، لَا تَخْشَى عَلَى أَبِيكِ عَيْلَةً وَلَا ذِلَّةً »

فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ جَارِيَةٌ وَضِيئَةٌ ] ([128]) .

 

3 –  وقال الإمام البيهقي رحمه الله :

[ . . . عن عبد الله بن جعفر قال لما مات أبو طالب عرض لرسول الله سفيه من سفهاء قريش فألقى عليه ترابا فرجع إلى بيته

فأتت امرأة من بناته تمسح عن وجهه التراب وتبكي قال فجعل يقول أي بنية لا تبكي فإن الله عز وجل مانع أباك ] ([129]) .

 

موقفه r مع رأس المنافقين !

         عبد الله بن أُبَي بن سلول ؛ رأس المنافقين ، آذى رسول الله r ؛ عاون اليهود وقريش في عداوتهم وحربهم لرسول الله r .

 كان سبباً من أسباب هزيمة أُحد ؛ حيث أرجع وخذل ثلث الجيش ، فتركوا الساحة ورجعوا إلى بيوتهم .

 هو الذي قال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذلّ ، يقصد بالأذل النبيّ r ، والصحابة الكرام ، رضوان الله عليهم ، ويقصد بالأعز هو وجماعته !

هو الذي تولّى كِبر مسألة الإفك ، وطعن في شرف رسول الله r ، هو . . . هو . . . إلخ

ومع هذا ، أنظر إلى صاحب أطهر قلب ، على وجه الأرض ، في الأولين ، والآخرين r ! أنظر إليه ، وهو في القمة السامقة من الخُلُق ، والأدب ، والرفعة ! كيف هو موقفه منه ؟ ! :

         [  عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ:

لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ دُعِيَ لَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَلِمَا قَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أبيّ ابن سلول وقد قام يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا؟ أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ،

 فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: « أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ» ،

فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ:

 « إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إن زدت على السبعين غفر لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا» ،

قَالَ : فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْصَرَفَ

فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةَ : وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ [التوبة: 84] ، إِلَى قَوْلِهِ : وَهُمْ فاسِقُونَ .

قَــالَ : فَعَجِبْتُ بَعْدُ مــِنْ جُرْأَتِي عَلَــى رَسُــولِ اللَّهِ صَلَّـى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ] ([130]) .

قال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

[  أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يبرأ من المنافقين وأن لا يصلي على أحد منهم إذا مات ،

وأن لا يَقُومَ عَلَى قَبْرِهِ لِيَسْتَغْفِرَ لَهُ أَوْ يَدْعُوَ لَهُ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا عَلَيْهِ

وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ عُرِفَ نِفَاقُهُ ،

وَإِنْ كَانَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ رَأْسِ الْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ :

 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا توفي عبد الله بن أُبَيٍّ

« جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ ،

ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة: 80] وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ »

قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ . قَالَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ ] ([131]) .

 

 

 

 

 

 

موقفه r من أخطاء أصحابه ، ورحمته !

        

[  عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ

بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا

فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا حَاطِبُ مَا هَذَا

قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ صَدَقَكُمْ

قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ

قَالَ إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ] ( [132] ) .

[  قال الطبرى : فى حديث حاطب بن أبى بلتعة من الفقه

أن الإمام إذا ظهر من رجل من أهل الستر على أنه قد كاتب عدوًا من المشركين ينذرهم ببعض ما أسره المسلمون فيهم من عزم، ولم يكن الكاتب معروفًا بالسفه والغش للإسلام وأهله ، وكان ذلك من فعله هفوة وزلة من غير أن يكون لها أخوات ؛ فجائز العفو عنه

كما فعله الرسول بحاطب من عفوه عن جرمه بعدما اطلع عليه من فعله.  

وهذا نظير الخبر الذى روت عمرة عن عائشة أن الرسول قال: ( أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم إلا حدا من حدود الله)

فإن ظن ظان أن صفحه ( صلى الله عليه وسلم ) إنما كان لما أعلمه الله من صدقه ، ولا يجوز لمن بعد الرسول أن يعلم ذلك ، فقد ظن خطأ ؛

لأن أحكام الله فى عباده إنما تجرى على ما ظهر منهم . وقد أخبر الله نبيه عن المنافقين الذين كانوا بين ظهرانى أصحابه مقيمين معتقدين الكفر، وعرفه إياهم بأعيانهم ، ثم لم يبح له قتلهم وسبيهم؛ إذ كانوا يظهرون الإسلام بألسنتهم ،

 فكذلك الحكم فى كل أحد من خلق الله أن يؤخذ بما ظهر لا بما بطن ،

وقد روى مثل ذلك عن الأئمة ، روى الليث بن سعد، عن يزيد بن أبى منصور قال:

( بلغ عمر بن الخطاب أن عامله على البحرين أتى برجل قامت عليه بينة أنه كاتب عدوًا للمسلمين بعورتهم، وكان اسمه: أضرباس، فضرب عنقه وهو يقول: يا عمر، يا عمراه ،

فكتب عمر إلى عامله فقدم عليه فجلس له عمر وبيده حربة، فلما دخل عليه علا لجبينه بالحربة وجعل  يقول: أضرباس لبيك، أضرباس لبيك. .

فقال له عامله: يا أمير المؤمنين، إنه كاتبهم بعورة المسلمين وهمّ أن يلحق بهم .

فقال له عمر: قتلته على هذه، وأينا لم يهم، لولا أن تكون سيئة لقتلتك به ] ([133]) .

 

أعلى أفقر منّي ؟ !

         عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

[ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ

قَالَ مَا لَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لَا

قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا

فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا

قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ

قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ

فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي

فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ ] ( [134] ) .

        

هذا هو قدوتنا ، وأسوتنا ، صلى الله تعالى عليه وآله وسلّم ، وبارك عليه ، وجزاه عنّا أفضل ما يجازي نبيّاً عن أمته !

         عن أبي هريرة رضي الله عنهُ قال : قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس

فقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم ( دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين )) ( [135] ) .

        

قال الشيخ ابن عثيمين ، رحمه الله :

         [  فالحاصل أن الإنسان ينبغي له أن يرفق في الدعوة ، وفي الأمر ، وفي النهي .

وجربوا وانظروا أيهما أصلح ،

ونحن نعلم علم اليقين أن الاصلح هو الرفق ؛

لأن هذا هو الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي أتبعه في هديه صلى الله عليه وسلم ، والله الموفق ] ([136]) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عشر سنين !

        

عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ

فَكَانَ أُمَّهَاتِي يُوَاظِبْنَنِي عَلَى خِدْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَخَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِينَ وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً . . . ( [137] ) .

         عَـنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَـالَ: " خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ ،

وَاللهِ مَا قَالَ لِي : أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟ " ( [138] ) .

 

 

الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه !

نحن ننقل أحسن أقوال الأئمة ، والعلماء ،

وهذا هو المأمور ، حيث مدح الله تعالى عباده المتقين بقوله تعالى :

( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) ( [139] )

ولا شك أن كل إنسان تتقلب عليه الأحوال ، فيقول في بعض الحالات ما لا يرضى هو عنه بعد ذلك ، حاشا رسول الله r .

 فإنه لما كان عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ سَمِعهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَتْه قُرَيْش بحجة أن النبيّ r قد يغضب فيقول غير الحق ، فلما بلّغ النبيّ r ذلك ، قال له r :  أكْتُبْ فو الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْي إِلَّا الْحَق !

         أما غير النبيّ r ، فلا يُؤخذ عنه كل شيء ، فقد يقول الحق ، والصواب ،

وقد يقول الباطل ، والخطأ !

والميزان في ذلك ، هو عرض قوله وفعله على الكتاب ، والسنة ، فما وافقهما فهو الحق ، والصواب ، وما خالفهما فهو الباطل ، والخطأ !

         ونحن – كمسلمين – علينا أن نختـار أفضل ، وأحسن أقوالهم ، التي هي موافقة للكتاب ، والسنة ،

ونعرض عن أقوالهم ، التي هي مخالفة لهما ! وتكون سبباً للعداوة ، والبغضاء ، والتفرق، والشحناء بين المسلمين !

         فالمؤمن التّقي هو كالنحل ، الذي يقع على أحسن الزهور ، وأطهر الزروع ([140]) .

 وليس كالذباب ، الذي لا يقع إلا على الجروح ، والقيح ، والصديد !

         قال تعالى : (  فَبَشِّرْ عِبادِ . الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) [141] .

         [  « فَبَشِّرْ عِبادِ » .. إنها البشرى العلوية يحملها إليهم رسول كريم.

وهذا وحده نعيم !

هؤلاء من صفاتهم أنهم يستمعون ما يستمعون من القول ،

فتلتقط قلوبهم أحسنه وتطرد ما عداه ،

فلا يلحق بها ولا يلصق إلا الكلم الطيب ، الذي تزكو به النفوس والقلوب..

والنفس الطيبة تتفتح للقول الطيب فتتلقاه وتستجيب له .

والنفس الخبيثة لا تتفتح إلا للخبيث من القول ولا تستجيب إلا له ] ([142]) .

 

قولوا الكلمة التي هي أحسن !

         وقد أمر الله تعالى عباده ، أن يقولوا التي هي أحسن ،

حيث قال تعالى : (  وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً ) [143] .

         قال الإمام البيضاوي ، رحمه الله :

         [  وَقُلْ لِعِبادِي يعني المؤمنين . يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الكلمة التي هي أحسن

ولا يخاشنوا المشركين .

إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ يهيج بينهم المراء والشر

فلعل المخاشنة بهم تفضي إلى العناد وازدياد الفساد .

إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً ظاهر العداوة .

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ تفسير ل الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وما بينهما اعتراض

أي قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا تصرحوا بأنهم من أهل النار ،

فإنه يهيجهم على الشر مع أن ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلا الله .

وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا موكولاً إليك أمرهم تقسرهم على الإِيمان

وإنما أرسلناك مبشراً ونذيراً فدارهم ومر أصحابك بالاحتمال منهم . 

وروي أن المشركين أفرطوا في إيذائهم فشكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلت.

وقيل شتم عمر رضي الله تعالى عنه رجل منهم فهم به فأمره الله بالعفو ] ([144]) .

 

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

[  يَأْمُرُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرَ عِبَادَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ ، أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الْأَحْسَنَ وَالْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ ؛

فَإِنَّهُ إِذْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ ، نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمْ ، وَأَخْرَجَ الْكَلَامَ إِلَى الْفِعَالِ، وَوَقَعَ الشَّرُّ وَالْمُخَاصَمَةُ وَالْمُقَاتَلَةُ ،

فَإِنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ لِآدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ امْتَنَعَ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ، فَعَدَاوَتُهُ ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ؛ وَلِهَذَا نَهَى أَنْ يُشِيرَ الرَّجُلُ إِلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِحَدِيدَةٍ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ فِي يَدِهِ ، أَيْ: فَرُبَّمَا أَصَابَهُ بِهَا. . .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ مَنْ بَنِي سَلِيط قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أزْفَلَة مِنَ النَّاسِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ :

 " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا - قَالَ حَمَّادٌ :

وَقَالَ بِيَدِهِ إلى صدرهما تواد رَجُلَانِ فِي اللَّهِ فتفرَّق بَيْنَهُمَا إِلَّا بِحَدَثٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا

وَالْمُحْدِثُ شَر، وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ، وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ" ] ([145]) .

 

 

السلف الصالح وآيات الصفات !

         قبل أن نذكر مواقف السلف الصالح – ولا سيما الصحابة الكرام ، رضوان الله عليهم – حول آيات الصفات ، المذكورة في القرآن الكريم ،

نود أن نذكّر أنفسنا بأن السلف الصالح ليسوا بمعصومين !

فهناك معصوم واحد ؛ وهو رسول الله محمد r ،

وليس عشرة معصومين ، أو مئات وآلاف المعصومين !

         ولم نؤمر – في الكتاب والسنة – بأن لا نفعل ما لم يفعلوه  ، أولا نقول ما لم يقولوه ،

ولا هُم قالوا هذا الكلام !

اللهم إلا أننا أُمِرنا أن لا نخرج عن إجماعهم .

         ولا سيما إذا علمنا أن هذا الدين هو  رحمة للعالمين ، وأن رسالته لكافة الناس ، إلى يوم القيامة !  لا لقوم دون قوم ، ولا لزمان دون زمان !

         مع علمنا بأن الصحابة ، رضوان الله عليهم ، والتابعين ، وتابع التابعين ، رحمهم الله ، هم خير القرون على الإطلاق !

         ولا يعني هذا أن الخير ليس في غيرهم !

ولا يعني أيضاً أن أفراد تلك القرون كلهم ، خير من أفراد غيرهم كلهم !

 

بل منكم !

         قال الإمام ابن عبد البر ، رحمه الله :

         [  وَرَوَى أَبُو ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَمَامَكُمْ أَيَّامًا الْفَائِزُ فِيهِنَّ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ

لِلْعَامِلِ فِيهِمْ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْهُمْ قَالَ بَلْ مِنْكُمْ

وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ بَلْ مِنْكُمْ قَدْ سَكَتَ عَنْهَا بَعْضُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ  قَالَ . . .  عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي حُبًّا لِي قَوْمًا يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لو يعطيى مَالَهُ وَأَهْلَهُ وَيَرَانِي  ]

ففي هذه الأحاديث المباركة الإشادة بالمسلمين ؛ الذين يأتون بعد النبيّ r ، والذين يعيشون في أيامٍ شداد ، حيث إنّ تمسكهم بدينهم ؛ الذي جاء به رسول الله r ، كمن يقبض بيده جمرة من النار ؛ وذلك للشدة التي يعانون منها ، جراء إلتزامهم بالإسلام ، والدعوة إليه .

علماً أنهم لم يروا النبيّ r ، حيث أنّ مجرد رؤيته r ، تبعث على الإيمان والتقوى والثبات ، وترفع المعنويات .

ولهذا جاء في الحديث ، أنّ أجر أحدهم كأجر خمسين صحابيّاً ! !

بل إنّ فيهم ، مَن يعطي مالَه وأهله ، مقابل أن يرى النبيّ r ، مجرد رؤية ! ! 

فالخير في أمة محمد r ، إلى يوم القيامة . 

 

ليس على عمومه !

[ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ عَارَضَ قَوْمٌ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ بِمَا جَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ

 وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنُ الْمَخْرَجِ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِمُعَارَضٍ

لِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ

بدليل مَا يَجْمَعُ الْقَرْنُ مِنَ الْفَاضِلِ وَالْمَفْضُولِ

وَقَدْ جَمَعَ قَرْنُهُ مَعَ السَّابِقِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ جَمَاعَةً مِنَ الْمُنَافِقِينَ الْمُظْهِرِينَ لِلْإِيمَانِ وَأَهْلَ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ أَقَامَ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمُ الْحُدُودَ

وَقَالَ لَهُمْ مَا تَقُولُونَ فِي الشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي

وَقَالَ مُوَاجَهَةً لِمَنْ هُوَ فِي قَرْنِهِ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نِصْفَهُ

وَقَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي عَمَّارٍ لَا تَسُبَّ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ قَالَ مَنْ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ كَانَ مِثْلَهُمْ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ

هُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدُوا بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ

وَهَذَا كُلُّهُ يَشْهَدُ أَنَّ خَيْرَ قَرْنِهِ فَضْلًا أَصْحَابُهُ

وَأَنَّ قَوْلَهُ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي أَنَّهُ لَفْظٌ خَرَجَ عَلَى الْعُمُومِ وَمَعْنَاهُ الْخُصُوصُ  ]

يعرض الإمام إبن عبد البر ، رحمه الله ، آراء :

مَن يذهب إلى أنّ أحاديث أفضلية وخيرية القابضين على الجمر على غيرهم ، وكذلك المفدين أموالهم وأهلهم مقابل أن يروا النبيّ r .

يرون أن تلــك الأحاديث تعارض حديث : (( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )) . . .

ثم يقرر هو : أنه ليس هناك تعارض بين تلك الأحاديث عنده .  

وذلك أنّ حديث : (( خير الناس قرني . . . )) ليس على عمومه ، بل يراد به الخصوص .

أي : ليس جميعهم خير من جميع الذين يأتون من بعدهم . بل هو خاص ببعضهم .

بدليل : أنّ في تلك القرون – ولاسيما في عصر النبيّ r - كان هناك من الناس الفاضل والمفضول . بدليل : (( حديث : لا تسبّوا أصحابي . . . )) .

فقد قال النبيّ r هذا القول لبعض أصحابه . أي : قال لبعض أصحابه ، أن هناك من أصحابه مَن هم أفضل منهم .

وبدليل : قول إبن عباس ، رضي الله عنهما : أنّ الذين هاجروا من مكة إلى المدينة من أصحاب النبيّ r ، والذين شهدوا منهم غزوة بدر ، وصلح الحديبية ، هم أفضل من غيرهم من الصحابة ، رضي الله عنهم جميعاً .

وبدليل قول عمر بن الخطاب t ، عن قوله تعالى (  كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر ) ، قال : مَن فعل مثل فِعلِهم كان مثلهم .   

 

كانوا غرباء !

[ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي الصَّالِحِينَ مِنْهُمْ وَأَهْلُ الْفَضْلِ هُمْ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

قَالُوا وَإِنَّمَا صَارَ أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَيْرَ الْقُرُونِ لِأَنَّهُمْ آمَنُوا حِينَ كَفَرَ النَّاسُ وَصَدَّقُوهُ حِينَ كَذَّبَهُ النَّاسُ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَآوَوْهُ وواسوه بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَقَاتَلُوا غَيْرَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ فِي الْإِسْلَامِ

وَقَدْ قِيلَ فِي تَوْجِيهِ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَعَ قَوْلِهِ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي إِنَّ قَرْنَهُ إِنَّمَا فُضِّلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا غُرَبَاءَ فِي إِيمَانِهِمْ لِكَثْرَةِ الْكُفَّارِ وَصَبْرِهِمْ عَلَى أَذَاهُمْ وَتَمَسُّكِهِمْ بِدِينِهِمْ

وَإِنَّ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِذَا أَقَامُوا الدِّينَ وَتَمَسَّكُوا بِهِ وَصَبَرُوا عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ فِي حِينِ ظُهُورِ الشَّرِّ وَالْفِسْقِ وَالْهَرْجِ وَالْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ كَانُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَيْضًا غُرَبَاءَ وَزَكَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ كَمَا زَكَتْ أَعْمَالُ أَوَائِلِهِمْ

 وَمِمَّا يَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ

 وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي الخُشَنِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أَمْ آخِرُهُ

وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ ( [146] ) قَالَ . . .  عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ

قَالَ أَبُو عُمَرَ فَمَا تِلْكَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَإِظْهَارِ دِينِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَلَيْسَ هُوَ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ لِصَبْرِهِ عَلَى الذُّلِّ وَالْفَاقَةِ وَإِقَامَةِ الدِّينِ وَالسُّنَّةِ ]

وقرر الإمام إبن عبد البر ، رحمه الله ، أنّ هناك مَن قال ، في قول الله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) : أَنَّهُمْ الصالحين وأهل الفضل من أُمَّةُ مُحَمَّدٍ r ، في كل زمان ومكان .

وقالوا أيضاً : إنّ أول هذه الأمة صاروا خير القرون ، لأنهم عاينوا الشدائد ، وأصابهم القرح والعنت ، بسبب إيمانهم بالنبيّ r - في حين كفر الناس – وتعظيمه ، وتصديقه – حين كذّبه الناس – ونصره ، وإيوائه ، وبذل أموالهم وأنفسهم في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى ، في ظروف عصيبة ، أصبحوا فيها غرباء .

فكل مسلم عاين الشدائد ، وعاش وعمل في ظرف مثل ظروفهم ، فأصبح غريباً بين الناس ، فهو مثلهم .

وذلك بشهادة حديث النبيّ r : إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء .

فكما أنّ الإسلام في إبتداء أمره كان غريباً ، وناصروه كانوا غرباء ، وكذلك سيرجع – بعد زمان الأوائل – غريباً ، وناصروه غرباء .

قالوا : ويشهد لذلك أيضاً : حديث : القابضون على الجمر . وحديث : أمتي كالمطر لا يدرى أوّله خير أم آخره ؟

وكذلك الحديث الذي يمدح فيه النبيّ r المسلم ، الذي يعيش في آخر الزمان ، وغاية إيمانه وتقواه ، أن يقول : الله ، الله . وذلك لشدة معاناته ، ومقاساته الظرف العصيب الذي يعيش فيه ! 

  

 

زمانك ليس كزمان عمر !

[ وَرَوَيْنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ كَتَبَ إِلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ اكْتُبْ إِلَيَّ بِسِيرَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِأَعْمَلَ بِهَا

فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَالِمٌ إِنْ عملت بسيرة عمر فإنها فضل عُمَرَ لِأَنَّ زَمَانَكَ لَيْسَ كَزَمَانِ عُمَرَ وَلَا رِجَالُكُ كَرِجَالِ عُمَرَ

قَالَ وَكَتَبَ إِلَى فُقَهَاءِ زَمَانِهِ فَكُلُّهُمْ كَتَبَ إِلَيْهِ بِمِثْلِ قَوْلِ سَالِمٍ

 

التسوية بين أول هذه  الأمة وآخرها !

وَقَدْ عَارَضَ بَعْضُ الْجُلَّةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ

خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ . . .  عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ قَالَ فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ قَالَ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ

 وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم أمتي كالمطر لا يدرى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ فَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ وُجُوهٍ حِسَانٍ

مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا حامد بن يحيى الأبح قَالَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره

وَبِهِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا صَاحِبٌ لَنَا عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَثَلُ أُمَّتِي كَالْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ

 وَذَكَرَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ . . . عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخِرُهُ

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زهير قال سمعت يحيى ابن مَعِينٍ يَقُولُ حَمَّادُ بْنُ يَحْيَى الْأَبَحُّ ثِقَةٌ قال بو عُمَرَ مَنْ قَبْلَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ حُجَّةٌ عِنْدَهُمْ فِي نَقْلِهِمْ

وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ . . . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أُمَّتِي كَالْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ

وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ عَنْهُ هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِّيُّ هَذَا ثِقَةٌ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ

حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ . . .  عَنْ أَنَسٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ

وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الدَّارَ قُطْنِيُّ فِي مُسْنَدِ حَدِيثِ مَالِكٍ لَهُ فَقَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْهَرَوِيُّ قَالَ . . .  عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ

وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا عُرِضَتِ الْأُمَمُ عَلَيْهِ فَرَأَى أُمَّتَهُ سَوَادًا كَثِيرًا فَرِحَ فَقِيلَ لَهُ بِأَنَّ لَكَ سِوَى هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمُ

 فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لِبَعْضٍ مَنْ تَرَوْنَ هَؤُلَاءِ فقالوا ما نراهم إلا قوم وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَعَمِلُوا بِالْإِسْلَامِ حَتَّى مَاتُوا عَلَيْهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ بَلْ هم الذين لا يسترقون وَلَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَالَ عُكَاشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ

 وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي مَعَ تَوَاتُرِ طُرُقِهَا وَحُسْنِهَا التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَآخِرِهَا

وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الزَّمَنِ الْفَاسِدِ الَّذِي يُرْفَعُ فِيهِ الْعِلْمُ وَالدِّينُ مِنْ أَهْلِهِ وَيَكْثُرُ الْفِسْقُ وَالْهَرْجُ وَيُذَلُّ الْمُؤْمِنُ وَيُعَزُّ الْفَاجِرُ وَيَعُودُ الدِّينُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ وَيَكُونُ الْقَائِمُ فِيهِ بِدِينِهِ كَالْقَابِضِ على الجمر

فيستوي حنيئذ أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِآخِرِهَا فِي فَضْلِ الْعَمَلِ إِلَّا أَهْلَ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ] ([147]) .

 

ولمن بعدهم مزية لا يشاركهم الصحابة فيها !

         وقال الإمام الشوكاني رحمه الله :

         [  وَاَلَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ

أَنَّ لِلصَّحَابَةِ مَزِيَّةً لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا مَنْ بَعْدَهُمْ وَهِيَ صُحْبَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُشَاهَدَتُهُ وَالْجِهَادُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَإِنْفَاذُ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ،

وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ مَزِيَّةٌ لَا يُشَارِكُهُمْ الصَّحَابَةُ فِيهَا

وَهِيَ إيمَانُهُمْ بِالْغَيْبِ فِي زَمَانٍ لَا يَرَوْنَ فِيهِ الذَّاتَ الشَّرِيفَةَ الَّتِي جَمَعَتْ مِنْ الْمَحَاسِنِ مَا يَقُودُ بِزِمَامِ كُلِّ مُشَاهِدٍ إلَى الْإِيمَانِ إلَّا مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الشَّقَاوَةُ

وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْأَعْمَالِ فَأَعْمَالُ الصَّحَابَةِ فَاضِلَةٌ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِحَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ

كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ « لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ » الْحَدِيثَ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْمَزِيَّةَ هِيَ لَلسَّابِقِينَ مِنْهُمْ ،

فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاطَبَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُمْ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ السَّبَبُ ، وَفِيهِ قِصَّةٌ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ ،

فَاَلَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ  ذَهَبًا » هُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ تَأَخَّرَتْ صُحْبَتُهُمْ ، فَكَانَ بَيْنَ مَنْزِلَةِ أَوَّلِ الصَّحَابَةِ وَآخِرِهِمْ أَنَّ إنْفَاقَ مِثْلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ لَا يَبْلُغُ مِثْلَ إنْفَاقِ نِصْفِ مُدٍّ مِنْ مُتَقَدِّمِيهِمْ.

وَأَمَّا أَعْمَالُ مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَرِدْ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا أَفْضَلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ،

إنَّمَا وَرَدَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِأَيَّامِ الْفِتْنَةِ وَغُرْبَةِ الدِّينِ حَتَّى كَانَ أَجْرُ الْوَاحِدِ يَعْدِلُ أَجْرَ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَةِ

فَيَكُونُ هَذَا مُخَصِّصًا لِعُمُومِ مَا وَرَدَ فِي أَعْمَالِ الصَّحَابَةِ

 فَأَعْمَالُ الصَّحَابَةِ فَاضِلَةٌ وَأَعْمَالُ مَنْ بَعْدَهُمْ مَفْضُولَةٌ إلَّا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ ،

وَمِثْلِ حَالَةِ مَنْ أَدْرَكَ الْمَسِيحَ إنْ صَحَّ ذَلِكَ الْمُرْسَلُ، وَبِانْضِمَامِ أَفْضَلِيَّةِ الْأَعْمَالِ إلَى مَزِيَّةِ الصُّحْبَةِ يَكُونُونَ خَيْرَ الْقُرُونِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: «لَا يُدْرَى خَيْرٌ أَوَّلُهُ أَمْ آخِرُهُ»

بِاعْتِبَارِ أَنَّ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ يَكُونُ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ مِنْ كَوْنِ أَجْرِ خَمْسِينَ هَذَا بِاعْتِبَارِ أُجُورِ الْأَعْمَالِ ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ غَيْرِهَا فَلِكُلِّ طَائِفَةٍ مَزِيَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ،

لَكِنَّ مَزِيَّةَ الصَّحَابَةِ فَاضِلَةٌ مُطْلَقًا بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الْقَرْنِ لِحَدِيثِ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي»

فَإِذَا اعْتَبَرْتَ كُلَّ قَرْنٍ قَرْنًا وَوَازَنْتَ بَيْنَ مَجْمُوعٍ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ مَثَلًا ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى انْقِرَاضِ الْعَالَمِ، فَالصَّحَابَةُ خَيْرُ الْقُرُونِ ،

وَلَا يُنَافِي هَذَا تَفْضِيلُ الْوَاحِدِ مِنْ أَهْلِ قَرْنٍ أَوْ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ أَوْ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَهْلِ قَرْنٍ آخَرَ

فَإِنْ قُلْت : ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَالَ : « يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا ، أَسْلَمْنَا مَعَكَ وَجَاهَدْنَا مَعَكَ ؟

فَقَالَ : قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَا يَرَوْنِي» يَقْتَضِي تَفْضِيلَ مَجْمُوعِ قَرْنِ هَؤُلَاءِ عَلَى مَجْمُوعِ قَرْنِ الصَّحَابَةِ.

قُلْت : لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُفِيدُ تَفْضِيلَ الْمَجْمُوعِ عَلَى الْمَجْمُوعِ

وَإِنْ سُلِّمَ ذَلِكَ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى التَّرْجِيحِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حَدِيثَ " خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي " أَرْجَحُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَسَافَاتٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا كَوْنُهُ فِي الصَّحِيحِ، وَكَوْنُهُ ثَابِتًا مِنْ طُرُقٍ، وَكَوْنُهُ مُتَلَقًّى بِالْقَبُولِ ، فَظَهَرَ بِهَذَا وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَزِيَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْأَعْمَالِ ، كَمَا ظَهَرَ وَجْهُ الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ الْأَعْمَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَلَمْ يَبْقَ هَهُنَا إشْكَالٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] ([148]) .

 

والقصـد من كل تلك الأقوال : أن نبيّـن أن السـلف ليسـوا بمعصوميـن ، ولا أقوالهـم كقـول النبـيّ r ، حجة على المسلمين ، ما خلا إجماعهم .

وغاية فضلهم ، أنّهم أفضل مَن طبّقوا الإسلام ، ونفّذوا تعاليمه ، فكانوا خير الناس .

أما أن يكونوا معصومين ، وأقوالهم ومواقفهم معصومة ، فحاشا وكلّا – ما عدا إجماعهم !

 

 أمور ومسائل تحتاج إلى بيان وتوضيح

         وقد تستحدث أمور ، وقضـايا ، لـم تكن فـي زمانهم ، تقتضي التصدي لها ، بالبيان ، والتوضيح ، والحكم عليها ، إستنباطاً من المصدرين المعصومين ؛ الكتاب ، والسنة .

         أو تفسير ، وبيان لأمور ، كانت عند الصحابة واضحة جلية ، لا تحتاج إلى سؤال ، أو إستفسار ، بخلاف مَن جاء بعدهم ، ممن ليس مثلهم في الفهم ، ولا نزل القرآن بلغتهم ، فلم يكونوا على السليقة مثلهم !

         وهذا هو سر كثرة أحاديث صغار الصحابة ، وقلة أحاديث كبارهم ، مثل أبي بكر الصدّيق ، رضي الله عنهم .

فعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وأنس بن مالك ، عاشوا ظروفاً ، ورأوا أقواماً ، لم يعشها ، أو لم يرهم أبو بكر الصدّيق ، رضي الله عنهم ، جميعاً .

 فالناس من غير الصحابة كانوا يسألون هؤلاء الصحابة الكرام ، فيجيبون على أسئلتهم ، ويحدّثونهم عن النبيّ r .

         بينمـا أبو بكـر الصدّيق لـم يكـن يُسأل غالبـاً مـن قِبـل الصحابة ، كغيرهم ؛ لأنهم عاشوا مع النبيّ r ، وصـاحبوه ، وسـألوه كالصدّيـق . إلا فـي بعض الحالات النادرة ، عندما كانت تغيب عنهم أمور ، كان الصدّيق يبيّنها لهم .

         فهل يعني هذا أن صغار الصحابة كانوا أعلم من أبي بكر الصدّيق ؟

أو هل أنهم ما كان لهم أن يجيبوا الناس فيما أُحدِثت لهم من أمور ، بحجة أن مَن سبقهم من الكبار لم يخوضوا فيها ؟ !

إحتاج الناس إلى علمهم !

قال الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله :

         [  . . قول علي سلوني قبل أن تفقدوني . . .

         لَا رَيْبَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ يَقُولُ هَذَا بِالْمَدِينَةِ ، بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، الَّذِينَ تَعَلَّمُوا كَمَا تَعَلَّمَ ، وَعَرَفُوا كَمَا عَرَفَ .

وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لَمَّا صَارَ إِلَى الْعِرَاقِ ،

وَقَدْ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، لَا يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الدِّينِ ، وَهُوَ الْإِمَامُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَهُمْ وَيُعَلِّمَهُمْ ، فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ ذَلِكَ لِيُعَلِّمَهُمْ وَيُفْتِيَهُمْ

 كَمَا أَنَّ الَّذِينَ تَأَخَّرَتْ حَيَاتُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى عِلْمِهِمْ، نَقَلُوا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لَمْ يَنْقُلْهَا الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَلَا أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ ؛

لِأَنَّ أُولَئِكَ كَانُوا مُسْتَغْنِينَ عَنْ نَقْلِهَا ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ قَدْ عَلِمُوهَا كَمَا عَلِمُوهَا .

وَلِهَذَا يُرْوَى لِابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ ، وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ ، وَنَحْوِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنَ الْحَدِيثِ مَالَا يُرْوَى لِعَلِيٍّ وَلَا لِعُمَرَ ،

وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ أَعْلَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ ،

لَكِنَّ هَؤُلَاءِ احْتَاجَ النَّاسُ إِلَيْهِمْ ؛

لِكَوْنِهِمْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُمْ ، وَأَدْرَكَهُمْ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ أُولَئِكَ السَّابِقِينَ ؛ فَاحْتَاجُوا أَنْ يَسْأَلُوهُمْ ، وَاحْتَاجَ أُولَئِكَ أَنْ يُعَلِّمُوهُمْ وَيُحَدِّثُوهُمْ .

فَقَوْلُ عَلِيٍّ لِمَنْ عِنْدَهُ بِالْكُوفَةِ : " سَلُونِي " هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، لَمْ يَقُلْ هَذَا لِابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ وَأَمْثَالِهِمْ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ ] ([149]) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التكفير له شروط وموانع !

        هل كل مَن أخطأ في أمور العقيدة يُكَفّر ، أو يُفَسّق ؟

        قال الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله :

[  قَالُوا : مَنْ قَالَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدَ الْمُسْتَمِعُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ شَامِلٌ لِكُلِّ مَنْ قَالَهُ وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا أَنَّ التَّكْفِيرَ لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ قَدْ تَنْتَفي فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ

وَأَنَّ تَكْفِيرَ الْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَكْفِيرَ الْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِعُ

يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَد وَعَامَّةَ الْأَئِمَّةِ : الَّذِينَ أَطْلَقُوا هَذِهِ العمومات لَمْ يُكَفِّرُوا أَكْثَرَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ بِعَيْنِهِ .

فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَد - مَثَلًا - قَدْ بَاشَرَ " الْجَهْمِيَّة " الَّذِينَ دَعَوْهُ إلَى خَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَفْيِ الصِّفَاتِ

 وَامْتَحَنُوهُ وَسَائِر عُلَمَاءِ وَقْتِهِ وَفَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الَّذِينَ لَمْ يُوَافِقُوهُمْ عَلَى التَّجَهُّمِ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَالْقَتْلِ وَالْعَزْلِ عَنْ الْوِلَايَاتِ وَقَطْعِ الْأَرْزَاقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ وَتَرْكِ تَخْلِيصِهِمْ مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ

بِحَيْثُ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ إذْ ذَاكَ مِنْ الْجَهْمِيَّة مِنْ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ: يُكَفِّرُونَ كُلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ جهميا مُوَافِقًا لَهُمْ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ مِثْلِ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ

وَيَحْكُمُونَ فِيهِ بِحُكْمِهِمْ فِي الْكَافِرِ فَلَا يُوَلُّونَهُ وِلَايَةً وَلَا يُفْتِكُونَهُ مِنْ عَدُوٍّ وَلَا يُعْطُونَهُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَقْبَلُونَ لَهُ شَهَادَةً وَلَا فُتْيَا وَلَا رِوَايَةً

وَيَمْتَحِنُونَ النَّاسَ عِنْدَ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالِافْتِكَاكِ مِنْ الْأَسْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .

فَمَنْ أَقَرَّ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ حَكَمُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لَمْ يَحْكُمُوا لَهُ بِحُكْمِ أَهْلِ الْإِيمَانِ

وَمَنْ كَانَ دَاعِيًا إلَى غَيْرِ التَّجَهُّمِ قَتَلُوهُ أَوْ ضَرَبُوهُ وَحَبَسُوهُ ] .

 

أغلظ التجهم !

[ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَغْلَظِ التَّجَهُّمِ

فَإِنَّ الدُّعَاءَ إلَى الْمَقَالَةِ أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِهَا

وَإِثَابَةُ قَائِلِهَا وَعُقُوبَةَ تَارِكِهَا أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الدُّعَاءِ إلَيْهَا

وَالْعُقُوبَةُ بِالْقَتْلِ لِقَائِلِهَا أَعْظَمُ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِالضَّرْبِ .

ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ أَحْمَد دَعَا لِلْخَلِيفَةِ وَغَيْرِهِ . مِمَّنْ ضَرَبَهُ وَحَبَسَهُ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ  وحللهم مِمَّا فَعَلُوهُ بِهِ مِنْ الظُّلْمِ وَالدُّعَاءِ إلَى الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ

وَلَوْ كَانُوا مُرْتَدِّينَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ ؛

فَإِنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَفَّارِ لَا يَجُوزُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ

وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَالْأَعْمَالُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يُكَفِّرُوا الْمُعَيَّنِينَ مِنْ الْجَهْمِيَّة الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ

وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَد مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَفَّرَ بِهِ قَوْمًا مُعَيَّنِينَ فَأَمَّا أَنْ يُذْكَرَ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فَفِيهِ نَظَرٌ أَوْ يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى التَّفْصِيلِ .

فَيُقَالُ : مَنْ كَفَّرَهُ بِعَيْنِهِ؛ فَلِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ التَّكْفِيرِ وَانْتَفَتْ مَوَانِعُهُ وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُ بِعَيْنِهِ؛ فَلِانْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ هَذِهِ مَعَ إطْلَاقِ قَوْلِهِ بِالتَّكْفِيرِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ ] .

 

ليس عليكم جناحٌ فيما أخطأتم به !

[ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ : الْكِتَابُ ، وَالسُّنَّةُ ، وَالْإِجْمَاعُ ، وَالِاعْتِبَارُ .

أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } [150] وقَوْله تَعَالَى { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [151]

وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: قَدْ فَعَلْت [152] لَمَّا دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِهَذَا الدُّعَاءِ } .

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " { أُعْطِيت فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ } " وَ "{ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ بِحَرْفِ مِنْهَا إلَّا       أُعْطِيَهُ } " [153] .

 وَإِذَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ الْمُفَسَّرِ بِالسُّنَّةِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ فَهَذَا عَامٌّ عُمُومًا مَحْفُوظًا

وَلَيْسَ فِي الدَّلَالَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يُوجِبُ أَنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُخْطِئًا عَلَى خَطَئِهِ وَإِنْ عَذَّبَ الْمُخْطِئَ . مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ] .

 

لئن قدر الله عليه !

[ وَ " أَيْضًا " قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 { إنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَقَالَ لِأَهْلِهِ: إذَا مَاتَ فَأَحْرِقُوهُ ثُمَّ اُذْرُوَا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ

فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا بِهِ كَمَا أَمَرَهُمْ فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ .

ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْت هَذَا؟ قَالَ مِنْ خَشْيَتِك يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ؛ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ } " [154] .

وَهَذَا الْحَدِيثُ مُتَوَاتِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَالْأَسَانِيدِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَحُذَيْفَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ يَعْلَمُ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنَّهَا تُفِيدُهُمْ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَشْرَكهُمْ فِي أَسْبَابِ الْعِلْمِ.

فَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ قَدْ وَقَعَ لَهُ الشَّكُّ وَالْجَهْلُ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إعَادَةِ ابْنِ آدَمَ؛ بَعْدَ مَا أُحْرِقَ وَذُرِيَ وَعَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ الْمَيِّتَ وَيَحْشُرُهُ إذَا فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ

وَهَذَانِ أَصْلَانِ عَظِيمَانِ: " أَحَدُهُمَا " مُتَعَلِّقٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَ " الثَّانِي " مُتَعَلِّقٌ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَهُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ يُعِيدُ هَذَا الْمَيِّتَ وَيَجْزِيهِ عَلَى أَعْمَالِهِ

 وَمَعَ هَذَا فَلَمَّا كَانَ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ فِي الْجُمْلَةِ وَمُؤْمِنًا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ يُثِيبُ وَيُعَاقِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا - وَهُوَ خَوْفُهُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى ذُنُوبِهِ - غَفَرَ اللَّهُ لَهُ بِمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ].

 

مثقال حبة من خردل من إيمان !

[ وَأَيْضًا : فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ يُخْرِجُ مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ دِينَارٍ مِنْ إيمَانٍ } "

وَفِي رِوَايَةٍ: { مِثْقَالُ دِينَارٍ مَنْ خَيْرٍ ثُمَّ يُخْرِجُ مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ } "

وَفِي رِوَايَةٍ " منْ خَيْرٍ " " { وَيُخْرِجُ مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ أَوْ خَيْرٍ} " [155] .

وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنْ النُّصُوصِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ مَنْ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْخَيْرِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَأَنَّ الْإِيمَانَ مِمَّا يَتَبَعَّضُ وَيَتَجَزَّأُ ] .

 

السلف أخطأ كثير منهم في العقيدة !

[ وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُخْطِئِينَ مَعَهُمْ مِقْدَارٌ مَا مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ السَّلَفَ أَخْطَأَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ

وَاتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِذَلِكَ

مِثْلُ مَا أَنْكَرَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ نِدَاءَ الْحَيِّ

وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْمِعْرَاجُ يَقَظَةً

وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ مُحَمَّدٍ رَبَّهُ

وَلِبَعْضِهِمْ فِي الْخِلَافَةِ وَالتَّفْضِيلِ كَلَامٌ مَعْرُوفٌ

وَكَذَلِكَ لِبَعْضِهِمْ فِي قِتَالِ بَعْضٍ وَلَعْنِ بَعْضٍ  وَإِطْلَاقِ تَكْفِيرِ بَعْضِ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ.

وَكَانَ الْقَاضِي شريح يُنْكِرُ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ: {بَلْ عَجِبْتُ} وَيَقُولُ: إنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ ؛

فَبَلَغَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِي فَقَالَ : إنَّمَا شريح شَاعِر يُعْجِبُهُ عِلْمُهُ . كَانَ عَبْد اللَّه أُفُقه مِنْهُ فَكَانَ يَقُولُ: {بَلْ عَجِبْتُ}

فَهَذَا قَدْ أَنْكَرَ قِرَاءَةً ثَابِتَةً

وَأَنْكَرَ صِفَةً دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ

وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ إمَامٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ

وَكَذَلِكَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ حُرُوفَ الْقُرْآنِ

مِثْلَ إنْكَارِ بَعْضِهِمْ قَوْلَهُ : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا } وَقَالَ: إنَّمَا هِيَ : أو لَمْ يَتَبَيَّنْ الَّذِينَ آمَنُوا

وَإِنْكَارِ الْآخَرِ قِرَاءَةَ قَوْلِهِ: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ } وَقَالَ: إنَّمَا هِيَ: وَوَصَّى رَبُّك.

 وَبَعْضُهُمْ كَانَ حَذَفَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ

وَآخَرُ يَكْتُبُ سُورَةَ الْقُنُوتِ.

وَهَذَا خَطَأٌ مَعْلُومٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ

وَمَعَ هَذَا فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَوَاتَرَ النَّقْلُ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ لَمْ يُكَفَّرُوا

وَإِنْ كَانَ يَكْفُرُ بِذَلِكَ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ ] .

 

إن الله لا يعذب أحداً إلا بعد الإبلاغ !

[ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إلَّا بَعْدَ إبْلَاغِ الرِّسَالَةِ

فَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ جُمْلَةً لَمْ يُعَذِّبْهُ رَأْسًا

وَمَنْ بَلَغَتْهُ جُمْلَةً دُونَ بَعْضِ التَّفْصِيلِ لَمْ يُعَذِّبْهُ إلَّا عَلَى إنْكَارِ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الرسالية.

وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } [156] وَقَوْلِهِ : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } الْآيَةَ [157] . وَقَوْلِهِ : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ } [158] وَقَوْلِهِ : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ } الْآيَةَ [159] . وَقَوْلِهِ : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } [160] وَقَوْلِهِ : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } [161] وَقَوْلِهِ : { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } [162] { قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ } [163] وَقَوْلِهِ : { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى } [164] وَقَوْلِهِ " {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [165]

وَنَحْوُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ .

 فَمَنْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بَعْضَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ تَفْصِيلًا ؛

إمَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ .

أَوْ سَمِعَهُ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهَا

أَوْ اعْتَقَدَ مَعْنًى آخَرَ لِنَوْعِ مِنْ التَّأْوِيلِ الَّذِي يُعْذَرُ بِهِ .

فَهَذَا قَدْ جُعِلَ فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مَا يُوجِبُ أَنْ يُثِيبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ

وَمَا لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بِهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ مُخَالِفُهَا .

وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ مِنْ الْخَطَأِ فِي الدِّينِ مَا لَا يَكْفُرُ مُخَالِفُهُ؛ بَلْ وَلَا يَفْسُقُ؛ بَلْ وَلَا يَأْثَمُ ؛

مِثْلُ الْخَطَأِ فِي الْفُرُوعِ الْعَمَلِيَّةِ ؛ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهَا آثِمٌ

 وَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ يَعْتَقِدُ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِيهَا مُصِيبٌ

فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ شَاذَّانِ

وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَكْفِيرِ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهَا

وَمَعَ ذَلِكَ فَبَعْضُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَدْ ثَبَتَ خَطَأُ الْمُنَازِعِ فِيهَا بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ الْقَدِيمِ

مِثْلُ اسْتِحْلَالِ بَعْضِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ الرِّبَا

وَاسْتِحْلَالِ آخَرِينَ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْخَمْرِ

وَاسْتِحْلَالِ آخَرِينَ لِلْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ ] .

 

لا يُفَسّق أحدٌ منهم !

[ وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمَعْرُوفِينَ بِالْخَيْرِ

كَالصَّحَابَةِ الْمَعْرُوفِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْجَمَلِ وصفين مِنْ الْجَانِبَيْنِ

لَا يُفَسَّقُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُكَفَّرَ

حَتَّى عَدَّى ذَلِكَ مَنْ عَدَّاهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَى سَائِر أَهْلِ الْبَغْيِ

فَإِنَّهُمْ مَعَ إيجَابِهِمْ لِقِتَالِهِمْ مَنَعُوا أَنْ يُحْكَمَ بِفِسْقِهِمْ لِأَجْلِ التَّأْوِيلِ

كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ : إنَّ شَارِبَ النَّبِيذِ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ مُتَأَوِّلًا لَا يُجْلَدُ وَلَا يَفْسُقُ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } [166] وَقَالَ تَعَالَى : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [167] .

وَثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ العاص وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } " [168] . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ {عَنْ بريدة بْنِ الحصيب أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

إذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ فَسَأَلُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك وَحُكْمِ أَصْحَابِك فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ} " [169]

وَأَدِلَّةُ هَذَا الْأَصْلِ كَثِيرَةٌ لَهَا مَوْضِعٌ آخَرُ ] ([170])

 

مضمون كلام ابن تيمية

ومضمون كلام الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ، هو :

ليس كل من قال كلمة الكفر ، فهو كافر .

فالتكفير له شروط ، وموانع .

وتكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعيّن ، إلا إذا وجدت الشروط ، وانتفت الموانع .

والإمام أحمد ، رحمه الله ، لم يكفر الجهمية ، الذين دعوه إلى خلق القرآن ، ونفي الصفات ، وامتحنوه ، وسائر علماء وقته ، وفتنوا المؤمنين ، والمؤمنات ، الذين لم يوافقوهم على التهجم ، بالضرب ، والحبس ، والقتل ، والعزل عن الولايات ، وقطع الأرزاق ، وردّ الشهادة ، وترك تخليصهم من أيدي العدو .

وكان كثير من أولي الأمر إذ ذاك من الجهمية ، من الولاة ، والقضاة ، وغيرهم : يكفّرون كل من لم يكن جهميا ، موافقا لهم على نفي الصفات ، مثل القول بخلق القرآن . ويحكمون فيه بحكمهم في الكافر .

وهذا من أغلظ التهجم .

ومع هذا فإن الإمام أحمد ، رحمه الله ، دعا للخليفة ، وغيره ، ممن ضربه ، وحبسه ، واستغفر لهم ، وحللهم مما فعلوه به من الظلم ، والدعاء إلى القول الذي هو كفر .

ولو كانوا مرتدين عن الإسلام ، لم يجز الإستغفار لهم .

وقد ثبت أن الله تعالى ، قد غفر لهذه الأمة الخطأ ، والنسيان .

وقد ثبت في الحديث المتواتر : أن رجلاّ جهل ، وشكّ في قدرة الله تعالى ، على إعادة ابن آدم ، وبأن الله تعالى يعيده ، ويجزيه على أعماله . ولكن لما كان مؤمنا بالله في الجملة ، وكان يخشاه ، غفر الله تعالى له ذلك .

وقد ثبت عن النبيّ r : أنه يخرج من النار ، مَن كان في قلبه أدنى من ذرة من إيمان ، أو خير

وأن السلف أخطأ كثير منهم في العقيدة ، وأنكروا بعض مسائله ، واتفقوا على عدم التكفير بذلك

وأن الكتاب ، والسنة قد دلاّ : على أن الله تعالى ، لا يعذب أحداً لم يعلم بعض ما جاء به النبيّ r  ، فلم يؤمن به تفصيلا ؛ إما أنه لم يسمعه ، أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها ، أو اعتقد معنى آخر ، لنوع من التأويل ، الذي يُعذر به .

هذا كان مجمل مضمون قول الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله تعالى .

         فلا كتاب الله تعالى ، ولا سنة رسوله r ، ولا أقوال الأئمة من السلف ، وغيرهم ، الموافقة لهما توجب هذه العداوة ، والشحناء ، والخشونة ، والقساوة بين المسلمين !

         بل إذا دقق المسلم الفطن ، لظهر له واضحاً جلياً ، أن وراء هذه العداوات بين المسلمين في عصرنا ، مؤامرات ومكائد أعداء هذا الدين ، يستخدمون فيها نفوس مسلمين ، لم تستسلم لله تعالى ، حق الاستسلام ! 

         ولربما أصحاب هذه النفوس ، من المسلمين لا يدرون بذلك !

فإن الشيطان له خبرة كثيرة ، في تضليل الإنسان ، وإن النفس لمعقدة شديدة ، وكثيرة الدهاليز ! تحتاج من صاحبها ، أن يكون شديد الحذر منها ، متيقظاً ، متّقياً !

         فإنه لما سأل عمر بن الخطاب t أُبياً بن كعب t عن التقوى ، سأله أبيّ ، عن مشيه في أرض ذات شوك ، إذا فعل ذلك ، ماذا يعمل ؟ قال : أشمر - أي: أرفع ثوبي - وأنظر مواطئ قدمي ، حتى لا أصاب بشوك، قال : فكذلك التقوى

         فالتقوى هو كأن يمشي المسلم في أرض زُرِعت فيها الألغام المميتة ، فماذا يفعل ؟ !

         عن ابن السماك قال: أذنب غلام امرأة من قريش ذنباً ، فسعت إليه بالسوط ، فلما قربت منه رمت بالسوط ، وقالت: ما تركت التقوى أحداً يشفي غيظه ([171]) .

         فالتقوى لا يترك المؤمن يشفي غيظه من المؤمنين عامة ! فكيف من الدعاة ، والصالحين ؟ !

قال الحسن بن علويه : سمعت يحيى بن معاذ يقول :

عمل كالسراب ، وقلب من التقوى خراب ، وذنوب بعدد الرمل والتراب ، ثم تطمع في الكواعب الأتراب ؟

هيهات ، أنت سكران بغير شراب ، ما أكملك لو بادرت أملك ، ما أجلك لو بادرت أجلك ،

ما أقواك لو خالفت هواك ([172])  .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صفات الله تعالى

          هناك صفات تجب في حقه تعالى ، وصفات تستحيل عليه تعالى ، وصفات تجوز في حقه  .

         أولاً : ما يجب في حقه تعالى :

         [  قسم بعض علماء الكلام الصفات الإلهية الواجبة في حقه تعالى إلى ما يأتي :

         1 – الصفة النَّفسيَّة : وهي الوجود .

         2 – الصفات السّلبيّة : وهي خمس : القِدَم ، والبَقَاء ، ومخالفة الحوادث ، والقيام بالنفس ، والوحدانية .

         3 – صفات المَعَانِي : وهي سبع : القدرة ، والإدارة ، والسمع ، والبصر ، والعلم ، والكلام ، والحياة ]

         ومعنى كونها صفات معانٍ : أن كل صفة منها معنى قائم بذات الله تعالى .

         وسميت ذاتية : لأنها لا تنفكُّ عن الذات .

 

         ثانياً : ما يستحيل في حقه تعالى :

         [  يستحيل على الله تبارك وتعالى ، أضداد الصفات الواجبة له ، المتقدمة التي أثبتناها وهي :

 العَدم ضد الوجود ، والحدوث ضد القِدَم ، والمماثلة للحوادث ضد المخالفة للحوادث ، والافتقار إلى المحل والمخصِّص ضد القيام بالنفس ، والتعدد ضد الوحدانية ، والعَجْز ضد القدرة ، والكراهية ضد الإرادة ، والصَّمَم ضد السمع ، والعَمَى ضد البصر ، والجهل ضد العلم ، والبَكَم ضد الكلام ، والموت ضد الحياة .

         الدليل على ذلك :

         وهو تعالى قابل لتلك الصفات الواجبة ، فلو لم يتصف بها لزم أن يتصف بأضدادها ،  وهذه الأضداد نقائص ، والنقص عليه تعالى محال .

         فهذه الأضداد محالة عليه تعالى ]

 

         ثالثاً : ما يجوز في حقه تعالى :

         [  يجوز في حقه تعالى فعل كل ممكن ، أو تركه ، كالخلق ، والرحمة ، والعذاب ، والإماتة ،      والإحياء . . .

         فلا يجب عليه شيء ، فهو الفاعل ، المُخْتَار ، المتصرف في ملكه ، كيف يشاء ، لا يشاركه في التصرف ، ولا يحول دون تصرفه أحد .

         وأفعاله جَميعاً جارية وفقَ الحكمة ، والعَدل ، والصواب ، سواء علمت تلك الحكمة ، أو    جهلت ] ([173]) .

         فصفة القدرة ، تختلف عن صفة الغضب – مثلاً –

حيث أنه لا يُتَصوّر أن تنفك صفة القدرة عن ذات الله تعالى ، ولو لِجزء من ملايين الأجزاء من ِلَحظة !

         أما صفة الغضب ، فإنه يُتَصور أن تنفك عن ذات الله تعالى ، فالله تعالى لا يغضب دائماً ، فهي تختلف عن صفة القدرة ، أو الإرادة ، أو العلم ، أو السمع أو . . . إلخ صفات المعاني .

         وكذلك قول الله تعالى ( استوى ) فهي صفة فعل ، وهي تختلف عن صفات المعاني .

         فقبل خلق العرش ، كان الله تعالى له صفة القدرة ، والإرادة ، والسمع ، والبصر و . . . إلخ

         هل ( إستوى على العرش ) قبل خلق العرش ، مثل صفات المعاني ؟ !

                              والمقصود : أن العلماء ، والأئمة قد فرّقوا بين الصفات ، وقسّموها إلى : صفات نفسية ، وصفات سلبية ، وصفات المعاني  .

         ومن جهة أخرى ؛ قسّموها إلى : صفات ذات ، وصفات أفعال .

         وهناك مَن يخلط بين الأمور ، في هذا الموضوع ، ومن ثم يتهم الأئمة ، والعلماء فيما لا يفهمه هو ، ويتدخل في مواضيع ، فوق مستواه بكثير !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الإمساك عن التصرف فيها !

         قال الإمام أبو حامد الغزالي ، رحمه الله :

         [  حقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق

يجب عليه فيه سبعة أمور : التقديس ، ثم التصديق ، ثم الاعتراف بالعجز ، ثم السكوت ، ثم الإمساك ، ثم الكف ، ثم التسليم لأهل المعرفة ] ([174]) .

         وقال أيضاً ، رحمه الله :

         [  الوظيفة الخامسة : الإمساك عن التصرف في ألفاظ واردة

يجب على عموم الخلق الجمود على ألفاظ هذه الأخبار ،

والإمساك عن التصرف فيها من ستة أوجه :

التفسير ، والتأويل ، والتصريف ، والتفريع ، والجمع ، والتفريق ] ([175]) .

         وقال ، رحمه الله :

         [  التصرف الثالث : الذي يجب الإمساك عنه التصريف ،

ومعناه أنه إذا ورد قوله تعالى : ( استوى على العرش ) .

فلا ينبغي أن يقال مستو ويستوي ،

لأن المعنى يجوز أن يختلف

لأن دلالة قوله هو مستوٍ على العرش على الاستقرار أظهر من قوله : ( رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) [176] .

بل هو كقوله : (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ) [177] .

فإن هذا يدل على استواء قد انقضى من إقبال على خلقه أو على تدبير المملكة بواسطته ،

ففي تغيير التصاريف ما يوقع في تغيير الدلالات والاحتمالات ،

فليجتنب التصريف كما يجتنب الزيادة فإن تحت التصريف الزيادة والنقصان ] ([178]) .

أي : إنّ حقيقة مذهب السلف الصالح ، عن الآيات والأحاديث التي تتحدث عن الله تعالى ، هي :

 وجوب إمساك عوام الناس عن التصرف في ألفاظها .

  وكل مَن لا علم صحيحٍ ، ومعرفة له عن الموضوع ، فهو من العوام  .

فإذا قال الله تعالى ( استوى على العرش ) . فلا ينبغي أن يُقال : هو ( مستو ) على العرش .

لأنه يجوز أن يختلف المعنى . لأنه قد لا يكون ( استوى )  بمعنى هو ( مستو ) !

فـ ( استوى ) هو فعل . بينما ( مستو ) هو إسم !

لأنه إذا ظن ( استوى ) بمعنى : هو مستو ، فسوف يكون المعنى قريب إلى الإستقرار . والذي هو أظهر في قول الله تعالى (  رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش ) ( [179] ) .

ولكـن ( اسـتوى ) يدل على فعلٍ قد انقضى من إقبالٍ على خلقه ، سبحانه ، أو على تدبير المملكة ، بواسطة الإستواء ، والذي هو بمعنى : قصد . الذي هو أظهر في قول الله تعالى (  خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء ) ( [180] ) . 

فلا ينبغي تغيير التصاريف ، لأنه يوقع في تغيير الدلالات والإحتمالات !

فيجب اجتناب التصريف ، كما هو واجب اجتناب الزيادة في المعنى .

فإن تحت التصريف الزيادة والنقصان !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مواقف السلف في آيات ، وأحاديث الصفات !

         قـد ثبت أن السـلف لم يكـن لهم موقف واحد ، من آيات ، وأحاديث الصفات ،

فبعضهم كان يُؤَوِّل ، وبعضهم كان يسكت ويُفَوّض .

         وقبل أن نذكر تأويلاتهم ، وتفويضاتهم ، نذكر السبب ، الذي أدى بهم إلى ذلك :

 

ولو ظهرت في عصرهم شبهة لكذّبوهم !

         قال الإمام العز بن عبد السلام ، سلطان العلماء ، رحمه الله ، في ( فتاويه ) ص 22 :

         [  وإنما سكت السلف عن الكلام فيه [ يعني التأويل ] إذ لم يكن في عصرهم مَن يحمل كلام الله وكلام رسوله على ما لا يجوز حمله ،

ولو ظهرت في عصرهم شبهة لكذّبوهم وأنكروا عليهم غاية الإنكار ،

فقد ردّ الصحابة والسلف على القدرية لما أظهروا بدعتهم ،

ولم يكونوا قبل ظهورهم يتكلمون في ذلك ولا يردون على قائله ،

ولا نقل عن أحد من الصحابة شيء من ذلك إذ لا تدعو الحاجة إليه والله أعلم ] ([181]) .

 

فلا سبيل إلى ترك أمواج الفتن تلتطم !

         وفي (( مرقاة المفاتيح )) ( 1 / 260 ) : قال الإمام ابن حجر الهيتمي ، رحمه الله :

         [ أكثر السلف لعدم ظهور أهل البدع في أزمنتهم يفوّضون عِلْمَها إلى الله تعالى ،

مع تنزيهه سبحانه عن ظاهرها الذي لا يليق بجلال الله ذاته .

         وأكثر الخلف يؤولونها بحملها على محامل تليق بذلك الجلال الأقدس ، والكمال الأنفس ،

 لاضطرارهم إلى ذلك لكثرة أهل الزيغ والبدع في أزمنتهم .

         ومن ثم قال إمام الحرمين :

لو بقي الناس على ما كانوا عليه لم نؤمر بالاشتغال بعلم الكلام ،

وأما الآن فقد كثرت البدع فلا سبيل إلى ترك أمواج الفتن تلتطم ] ([182]) .

 

لو كنا على ما كان عليه السلف لم نخض !

         قال الإمام الهروي ، رحمه الله :

         [ وأما الخلف فيؤولون ولم يريدوا بذلك مخالفة السلف الصالح ، معاذ الله أن يظن بهم ذلك ،

 وإنما دعت الضرورة في أزمنتهم لكثرة المجسمة والجهمية ، وغيرهما من فرق الضلال ،

 واستيلاؤهم على عقول العامة ،

فقصدوا بذلك ردعهم ، وبطلان قولهم ،

ومن ثم اعتذر كثير منهم ، وقالوا :

لو كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفاء العقيدة ، وعدم المبطلين في زمنهم لم نخض في تأويل شيء من ذلك ] ([183]) .

 

 

ارتكبوا التأويل مخافة الكفر !

         وقال الإمام العلاء بن عابدين رحمه الله في (( الهدية العلائية )) ص 471 :

         [ وأما الخلف فلما ظهرت البدع والضلالات ارتكبوا تأويل ذلك وصَرْفه عن ظاهره مخافة الكفر  

فاختاروا بدعة التأويل على كفر الحَمْل على الظاهر الموهِم التجسيم والتشبيه ،

وقالوا : استوى بمعنى استولى . . . واليد بمعنى القدرة ، والنزول بمعنى نزول الرحمة .

         فمن يجد في نفسه قدرة على صنيع السلف فليمشِ على سننهم ،

وإلا فليتبع الخلف ، وليحترز من المهالك ] ([184]) .

 

 

يسعني ما وسعهم لو كنت بمنزلتهم !

         [ ورد عن الإمام أبي حنيفة – رحمه الله – ذمه للكلام حتى قال : "

اني رأيت ممن تنحل الكلام وتجادل فيه قوماً ليس سيماؤهم سيماء المتقدمين ، ولا منهاجهم منهاج الصالحين ،

رأيتهم قاسية قلوبهم ، غليظة افئدتهم " ،

ولكنه بعد هذا يقول :

" اذا قالوا أليس يسعك ما وسع اصحاب النبيّ r ؟

فقل : بلى يسعني ما وسعهم لو كنت بمنزلتهم ، وليس بحضرتي مثل الذي كان بحضرتهم ،

 وقد ابتلينا بمن يطعن علينا ويستحل الدماء منا ، فلا يسعنا ان لا نعلم من المخطيء منا والمصيب وان نذب عن انفسنا وحرمنا " ] ([185]) .

 

كمثل رجلين أحدهما صحيح والآخر مريض !

         وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في (( مجالسه )) ص 12 جواباً على من اعترض بأن الصحابة ، رضوان الله عليهم ، لم يشتغلوا بالتأويل :

[  فمثلك مثال رجل يقول : إن الصحابة كانوا إذا أرادوا أن يقصدوا مكة لا يدخلون الكوفة .

         فَهُمْ لم يدخلوها لأن مقصدهم مكة ، والكوفة ليست على طريقهم ، لا لأن دخول الكوفة في حد ذاته بدعة ،

فكذلك هنا ، فإنهم إن تركوا التأويل فما تركوه ؛ لكونه محظوراً ، بل لأن هذه الشُّبه والبدع لم تكن في ذلك الوقت تفتقر إلى التأويل . . .

         وما ذلك إلا كمثل رجلين أحدهما صحيح والآخر مريض ،

فترك المريض التداوي ، حتى أشرف على الهلاك ،

فقيل له : لماذا لا تتداوى ؟ فقال : هذا لا يتداوى ،

فقيل له : يا مسكين أنت غالط هذا صحيح ، والصحيح لا يفتقر إلى الدواء ] ([186]) 

         إذاً اختـلاف الزمان ، وتغيّر الظروف ، وإحداث أمور جديدة ، تقتضي التصدي لها ، بما يلائمها ، من الأقوال ، والأفعال المبنية على الشريعة ، لإثبات أن هذا الدين يصلح لكل زمان ، ومكان ، بل يصلح كل زمان ، ومكان !

         وليس من المنطق ، ولا من المعقول ، أن يأتي إليك إنسان – في هذا العصر – وهو قد اشتبه عليه فهم حديث نبوي ، أو آية قرآنية ، فتقول له : سكت السلف ولم يخوضوا في معناه ، وأنت عليك السكوت أيضاً .

         أو تقول له : أثبت ظاهر الكلام ، ثم انفِ ذلك بقولك : كما يليق بجلاله !

         فنأخذ بظاهر الكلام ، ولا نأخذ بظاهر الكلام ! هذا هو فهم السلف وموقفه ! ! !

         فظاهر الكلام ، هو تشبيه الله تعالى بخلقه !

         وكما يليق بجلاله ، هو عدم الظاهر المشابه لخلقه !

         وهل هذا إلّا هو التناقض ، الذي يأباه الدين والعقل والمنطق ؟ !

         فكثير من الصحابة ، رضي الله عنهم ، لم يتكلّموا في هذا الموضوع ، لأنه لم يكن هناك مَن يثير الشبهات ، ويطرح التساؤلات .

         ولكن عندما كانت هناك شبهات ، لم يقفوا صامتين ، بل ردَّوْوُا الشبهات ، ووضحوا المبهمات ، وبيّنوا المجملات ، وحلّوا المشكلات . كقضية القدر – على سبيل المثال ! 

         فالجمود على أقوال ، وآراء الرجال ، ولا سيما إذا كانت  وليدة العصر ، والمكان ، ليس من الدين ، الذي يجب أن نخضع له !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السلف وتأويلاتهم ، أو بالأحرى فهمهم للكلام  !

         1 –  يوم يُكشف عن ساق .

قال الإمام ابن أبي حاتم ، رحمه الله ، في تفسيره :

         [  قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ

مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ

قَالَ : إِذَا خَفَى عَلَيْكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَابْتَغُوهُ فِي الشِّعْرِ فَإِنَّهُ دِيوَانُ الْعَرَبِ أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ الشَّاعِرِ

اصْبِرْ عَنَاقُ إِنَّهُ شَرٌّ بَاقٍ ... قَدْ سَنَّ لِي قَوْمُكَ ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ

وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقٍ

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا يَوْمُ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ

عَـنِ ابْـنِ عَبَّـاسٍ يَــوْمَ يُكْشَــفُ عَنْ سَـاقٍ قَــالَ: هُـوَ الْأَمْرُ الشَّدِيدُ الْمُفْظِعُ مِنَ الْهَوْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ] ([187])

        

قال الإمام الطبري ، رحمه الله :

         [  يقول تعالى ذكره ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل : يبدو عن أمر شديد.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن أُسامة بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) قال : هو يوم حرب وشدّة .       

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، عن ابن عباس ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) قال: عن أمر عظيم كقول الشاعر:

وقامَتِ الحَرْبُ بنا على ساقٍ

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) ولا يبقى مؤمن إلا سجد، ويقسو ظهر الكافر فيكون عظما واحدا.

وكان ابن عباس يقول: يكشف عن أمر عظيم ، ألا تسمع العرب تقول :

وقامَتِ الحَرْبُ بنا على ساق

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ )

يقول : حين يكشف الأمر ، وتبدو الأعمال ،

وكشفه : دخول الآخرة وكشف الأمر عنه .

حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن ابن عباس ، قوله : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) هو الأمر الشديد المفظع من الهول يوم القيامة .

حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ وابن حميد، قالا ثنا ابن المبارك ، عن ابن جريج ،

عن مجاهد ، قوله : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ )

قال : شدة الأمر وجدّه ؛ قال ابن عباس : هي أشد ساعة في يوم القيامة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ،

عن مجاهد ، قوله : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) قال: شدّة الأمر،

قال ابن عباس : هي أوّل ساعة تكون في يوم القيامة

غير أن في حديث الحارث قال : وقال ابن عباس : هي أشد ساعة تكون في يوم القيامة .

حدثنا ابن حميد، قال : ثنا مهران عن سفيان ، عن عاصم بن كليب ،

عن سعيد بن جبير ، قال : عن شدّة الأمر .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ،

عن قتادة ، في قوله : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) قال: عن أمر فظيع جليل .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ،

عن قتادة ، في قوله : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) قال : يوم يكشف عن شدة الأمر .

حدثنا عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ،

قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) وكان ابن عباس يقول :

 كان أهل الجاهلية يقولون : شمّرت الحرب عن ساق يعني إقبال الآخرة وذهاب الدنيا ] ([188]) .

 

أصل كشف الساق !

         وحقيقة هذه المسألة هي : أن الله تعالى ، أعظم ، وأجلّ ، وأعلى من أن نرتقي نحن إلى فهم كلامه تعالى ، كما هو في الحقيقة ، ولهذا فهو يتحدث إلينا سبحانه حسب عقولنا ! بل حسب عقول العرب ! وخاصة قريش ! حيث نزل القرآن عليهم ، وبلغتهم !

         عندما أمر ، أمير المؤمنين عثمان بن عفان t ، في زمانه بكتابة القرآن ، على حرف واحد ، قال لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ : « إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ .

         ولهذا من شروط المفسِّر ، الذي يفسّر القرآن ، ليس أن يعلم لغة العرب ( قريش ) فحسب ، بل يجب عليه أن يعرف أساليبهم في المخاطبة ، أيضاً .

         فبعض كبار الصحابة ، من العرب ، لم يكونوا يفهمون أسلوب القرآن في المخاطبة ، أحياناً !

 بل لم يفهموا حتى أسلوب النبيّ r ، في المخاطبة أحياناً ، وبعضهم كان من قريش !

 

الخيط الأبيض من الخيط الأسود !

         عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ } [189]  مِنَ الْفَجْرِ قَلت : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ: عِقَالًا أَبْيَضَ وَعِقَالًا أَسْوَدَ، أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ وِسَادَتَكَ لَعَرِيضٌ، إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ، وَبَيَاضُ النَّهَارِ » [190] .

قال الإمام النووي ، رحمه الله :

[  أما معنى الحديث فللعلماء فيه شروح أحسنها كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى قال :

إنما أخذ العقالين وجعلهما تحت رأسه وتأول الآية به لكونه سبق إلى فهمه أن المراد بها هذا

 وكذا وقع لغيره ممن فعل فعله

حتى نزل قوله تعالى من الفجر

فعلموا أن المراد به بياض النهار وسواد الليل . . .

قال القاضي معناه أن جعلت تحت وسادك الخيطين اللذين أرادهما الله تعالى وهما الليل والنهار فوسادك يعلوهما ويغطيهما وحينئذ يكون عريضا وهو معنى الرواية الأخرى في صحيح البخاري إنك لعريض القفا وهو معنى الرواية الأخرى إنك لضخم ] ([191]) .

[ قَالَ الْقَاضِي وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ فَعَلَهُ وَتَأَوَّلَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِطًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 بَلْ هُوَ مِنْ الْأَعْرَابِ وَمَنْ لَا فِقْهَ عِنْدَهُ

أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ لُغَتِهِ اسْتِعْمَالُ الْخَيْطِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ] ([192]) .

فعدي بن حاتم فهم من قول الله تعالى ( الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) ، الخيط الحقيقي ، وهو العقال ، لأنه – كما ذكر النووي عن القاضي – كان من الأعراب ، ومَن لا فقه عنده !

فكيف بغيره ممن جاء بعده بأكثر من ألف سنة ، وهو ذو مزاج أعرابيّ ، وأدخل نفسه بين الفقهاء ؟

 

أَطْوَلُكُنَّ يداً !

         ومن هذا الباب أيضاً ، نرى نساء النبيّ r ، وفيهن العربيات ، القرشيات ، وقد نزل القرآن بلغتهن ، وأساليبهن في المخاطبة ، ومع هذا لم يفهمن الخطاب – أحياناً – كما ينبغي !

( عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا »

قَالَتْ : فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا،

قَالَتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ ، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ ) [193] .

 

قال الإمام النووي ، رحمه الله :

[  مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُنَّ ظَنَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِطُولِ الْيَدِ طُولُ الْيَدِ الْحَقِيقِيَّةِ وَهِيَ الْجَارِحَةُ فَكُنَّ يَذْرَعْنَ أَيْدِيَهُنَّ بِقَصَبَةٍ

فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ جَارِحَةً

وَكَانَتْ زَيْنَبُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا فِي الصَّدَقَةِ وَفِعْلِ الْخَيْرِ

فَمَاتَتْ زَيْنَبُ أَوَّلُهُنَّ

فَعَلِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ طُولُ الْيَدِ فِي الصَّدَقَةِ وَالْجُودِ

قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ فُلَانٌ طَوِيلُ الْيَدِ وَطَوِيلُ الْبَاعِ إِذَا كَانَ سَمْحًا جَوَادًا

وَضِدُّهُ قَصِيرُ الْيَدِ وَالْبَاعِ وَجَعدُ الْأَنَامِلِ ] ([194]) .

[  أخــرج الطحاوي ، رحمه الله ، في " مشكله " :  عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال النبي - صلى الله عليه وسلم – لأزواجه : " يتبعني أطولكن يدًا "

قالت عائشة : وكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - نمد أيدينا في الجدار نتطاول ،

فلا نـزالُ نفعـلُ ذلـك حتى تُوفيت زينب ابنة جحش ابن رباب ، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكانت امرأة قصيرةً رضي الله عنها ، ولم تكن أطولنا يدًا ،

فعرفنا حينئذٍ إنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - : الصدقة.

قــالت : وكـانت زينبُ امـرأةً صنـاعة اليـد، تذيـع الخيـرَ ، وتجـوز ، وتـتـصدق بـه فــي سبيـل الله ] ([195]) .

لماذا لم يقل النبيّ r ، يتبعني أكثركن صدقة ، بدل أن يقول : أطولكن يداً ؟ !

لمــاذا لم يصرّح بذلك ، حتى تفهمه زوجاته ؟

هل هذا الأسلوب الرائع من النبيّ r ، يُعتبر كذباً ؟

لأنه قال : أطولكن يداً ، وزينب ، رضي الله عنها ، لم تكن أطولهن يداً ؟

حاشا لله تعالى ، وألف كلّا !

هذه هي اللغة العربية ، في روعتها وجمالها !

ولا يقلل النبيّ r ، من شأن هذه اللغة العظيمة ، من أجل بعض مَن لا يفهمون الكلام ، إلا ظاهراً صريحاً !

وكيف يُهبِط النبيّ r ، بتلك اللغة ، العظيمة ، الجميلة ، البليغة ، من أجل أن لا يلتبس الكلام على بعض الذين لا يفهمون غير الظاهر من الكلام ؟

فلينظر الذين يعتبرون المجاز والكناية كذباً ، إلى أين يذهب كلامهم ؟ !

فالمجاز والكناية من روائع اللغة العربية ، وهذا الجمال ، وهذه الروعة قد أخرست الفطاحل من العرب ، عندما تحدّاهم أن يأتوا بمثله .

بل قد جفّت ينابيع بعض الشعراء ، في عهد النبيّ r ، عندما سمعوا القرآن الكريم لأول مرة ، فلم يستطيعوا أن يواصلوا في وضع الأشعار ؛ إنبهاراً ودهشة ، لما سمعوه من البيان والبلاغة !

 

ومن هذا الباب أيضاً نستطيع أن نأتي بهذا المثال التالي :

قال الإمام الخطّابي ، رحمه الله :

[  عَن أبي سعيد الخدري أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ،

ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها.

قلت أما أبو سعيد فقد استعمل الحديث على ظاهره،

وقد روي في تحسين الكفن أحاديث

وقد تأوله بعض العلماء علي خلاف ذلك

فقال معنى الثياب العمل كنى بها عنه

يريد أنه يبعث على ما مات عليه من عمل صالح أوعمل سيء .

قال والعرب تقول فلان طاهر الثياب إذا وصفوه بطهارة النفس والبراءة من العيب

ودنسُ الثياب إذا كان بخلاف في ذلك

واستدل في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم : تحشر الناس حفاة عراة ،

فدل ذلك على أن معنى الحديث ليس على الثياب التي هي الكفن  ] ([196]) .

ويقول تعالى : (  وَثِيَابَكَ فَطَهِّر  ) ( [197] ) .    

[   {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} يحتمل أن المراد بثيابه ، أعماله كلها ، وبتطهيرها تخليصها والنصح بها ، وإيقاعها على أكمل الوجوه ، وتنقيتها عن المبطلات والمفسدات ، والمنقصات من شر ورياء ، [ونفاق] ، وعجب ، وتكبر ، وغفلة ، وغير ذلك ، مما يؤمر العبد باجتنابه في عباداته.

ويدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة، فإن ذلك من تمام التطهير للأعمال خصوصا في الصلاة، التي قال كثير من العلماء: إن إزالة النجاسة عنها شرط من شروط الصلاة.

ويحتمل أن المراد بثيابه ، الثياب المعروفة ، وأنه مأمور بتطهيرها عن [جميع] النجاسات ، في جميع الأوقات ، خصوصا في الدخول في الصلوات ، وإذا كان مأمورا بتطهير الظاهر، فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن  ] ( [198] ) .

وإن كان يُستبعد أن يكون المقصود ، طهارة الثياب المعروفة ، في أول أو ثاني سورة أنزلت بعد أول آيات نزلت في بداية البعثة ! عهد ترسيخ العقيدة والإيمان ، وإخراج الناس من ظلمات الكفر والشرك وخباثة وقساوة القلوب إلى النور والإيمان !

يُستبعد أن تنزل سورة في بداية عهد النبوة ، تتحدث عن شروط وواجبات الصلاة ، ولاسيما لم تُفرض الصلاة بعد !

             

         فالإنسان ، والرجل العاقل – ولله المثل الأعلى – لينزل إلى مستوى الأطفال ، والصغار

فيتحدث بلسانهم ، ليفهموه ، ولا يتحدث معهم بمستواه ،

ولا يحاول رفعهم إلى مستواه ليخاطبهم حتى يفهموه ، ولله المثل الأعلى !

 

 

كخ كخ !

         عن أَبَي هُرَيْرَةَ، قالُ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « كِخْ كِخْ ، ارْمِ بِهَا، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ؟ » ( [199] ) .

 

         قال الإمام النووي ، رحمه الله :

         [  قال القاضي يقال كِخْ كِخْ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَتَسْكِينِ الْخَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا مَعَ التَّنْوِينِ وَهِيَ كَلِمَةٌ يُزْجَرُ بِهَا الصِّبْيَانُ عَنِ الْمُسْتَقْذَرَاتِ

فَيُقَالُ لَهُ كِخْ أَيِ اتْرُكْهُ وَارْمِ بِهِ  ] ([200]) .

         فبدل أن يقال للصغار في شيء مستقذر : أتركه ، وارْمِ به ، ويُخاطبوا خطاب الكبار .

بدل ذلك ، يُنزل إلى مستوى فهمهم ، ويقال لهم : كخ كخ !

         ليس مع الصغار فقط ، بل حتى مع الحيوانات ، فلها لغة خاصة !

 

 

حَلْ حَلْ !

         [ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ . . . وَسَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ ، فَقَالَ النَّاسُ : حَلْ حَلْ فَأَلَحَّتْ ،

فَقَالُوا : خَلَأَتْ القَصْوَاءُ ، خَلَأَتْ القَصْوَاءُ ،

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَا خَلَأَتْ القَصْوَاءُ ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الفِيلِ ] ([201]) .

         قال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله :

         [ حَلْ حَلْ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلنَّاقَةِ إِذَا تَرَكَتِ السَّيْرَ ] ([202]) .

         فبدل أن تقول للناقة : سيري ! تقول لها : حَلْ حَلْ !

         فإنها لا تفهم لغتك ، بل يجب مخاطبتها بلغتها التي تفهم !

 

الصفير ، والإيماءات !

         وكذلك من أراد أن يسقي حماراً ماءً ، فهو يضع له الماء ، ويصفر له ، بدل أن يقول : إشرب !

         ومن أراد أن يطرد قطة ، فهو يقول لها : ( بشت ) ! بدل أن يقول : إذهبي !

         وإذا أراد أن يطعمها ، يقول لها : ( بست بست ) ! بدل أن يقول لها : هلم كلي !

         فللصغار لغة خاصة بهم ، نحن ننزل إلى مستواهم ، فنخاطبهم بلغتهم ، ليفهموا عنّا !

وللحيوانات ، لكل منها ، لغة خاصة ،

إذا أردت أن تفهمه أوامرك ، فما عليك إلا أن تتحدث باللغة التي يفهمون !

         وهذا بديهي ، لا يحتاج إلى أي برهان ، فهو معروف بين العقلاء ، وأولو الألباب !

        

 

 

خاطبنا بما نفهم !

فنقول – ولله المثل الأعلى والأجلّ والأكرم – إن الله عندما خاطبنا في كتابه العزيز ، خاطبنا بما نفهم ، وخاطب قريش بلغتهم ، وأسلوبهم في المخاطبة :

        

( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) [203] .

         قال الإمام الطبري ، رحمه الله :

         [  يقول تعالى ذكره: إنا أنزلنا هذا الكتاب المبين، قرآنًا عربيًّا على العرب، لأن لسانهم وكلامهم عربي ، فأنزلنا هذا الكتاب بلسانهم ليعقلوه ويفقهوا منه، وذلك قوله: (لعلكم تعقلون) ] ([204] ) .

         والله سبحانه وتعالى ، ليس بعربي ، ولا فارسي ولا تركي ولا . . . ولا . . . بل هو ربّ الجميع ولكن كانت حكمته العظيمة ، أن ينزل القرآن باللغة العربية .  

         ويقول تعالى : (   وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم ) ( [205] ) .

         فهذا معلوم في كل اللغات ، هناك كنايات ، ومجاز ، واستعارة ،

فكيف بأعظم لغة ، وهي اللغة العربية ، التي أنزل الله تعالى كتابه الخالد بها ؟ !

ملخص الكلام : أنّ الإنسان عندما يقع في شدة وكرب وخوف وهلع ، ويواجه خطراً عظيماً فوق طاقته ، يبدأ بالهرب منه فيركض .

والعربي – الذي نزل القرآن بلسانه – لا يستطيع الهرب والركض بطلاقة ، طالما هو عليه ثيابه . فيرفع ثيابه ليركض بسرعة وطلاقة فينكشف ساقه ! !

قال الإمام النووي ، رحمه الله :

[  قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ وَمَعْنَى مَا فِي الْقُرْآنِ يَوْمَ يُكْشَفُ عن ساق يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ شِدَّةٍ وَهَوْلٍ عَظِيمٍ أَيْ يَظْهَرُ ذَلِكَ

يُقَالُ كَشَفَتِ الْحَرْبُ عَنْ سَاقِهَا إِذَا اشْتَدَّتْ

وَأَصْلُهُ أَنَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْرِهِ كَشَفَ عَنْ سَاقِهِ مُسْتَمِرًّا فِي الْخِفَّةِ والنشاط له ] ( [206] ) .

 

فكما أنّ العربي الذي نزل القرآن بلسانه ،  عندما يقع في كرب وشدة ورعب وخوف ، يهرب وينكشف ساقه . فإنّ الله تعالى يهدّده ويخوفه ، بأنه سيواجه يوم القيامة ، يوماً شديداً عسيراً . والله أعلم

 

ممن هذا الفهم ؟

هذا الفهم أخذناه من حبر الأمة وبحرها ؛ إبن عم رسول الله r ؛ عبد الله إبن عباس رضي الله عنهما ، الذي دعا له فقال r : اللهم فقّه في الدين وعلّمه التأويل  !

ولقد رأينا أنه قال في تفسير قوله تعالى  ( يوم يُكشف عن ساق ) :هذا يوم كرب وشدة . هو الأمر الشديد المفظع من الهول يوم القيامة .

ليس هو فقط فهم هذا المعنى من الآية الكريمة ، بل حتى تلاميذه الأذكياء العلماء ، قد فهموا كفهمه !

قال مجاهد : شدة الأمر وجدّه .

قال سعيد بن جبير : عن شدة الأمر .

قال قتادة : عن أمر فظيع جليل – عن شدة الأمر .

وكذلك فهم الضحاك كفهمهم .

بل قد ذكر الطبري هذا الفهم للآية ، عن جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التفسير !   

وهذا كقوله تعالى : (  وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْه ) ( [207] ) .

[  عض اليدين والأنامل ، والسقوط في اليد ، وأكل البنان ، وحرق الأسنان والأرم  ، وقرعها: كنايات عن الغيظ والحسرة ،

لأنهــا مـن روادفهـا ، فيذكـر الرادفـة ويـدل بهـا على المردوف ، فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة ،

ويجـد السـامـع عنـده فـي نفسـه مـن الروعـة والاستحسـان مــا لا يجـده عنــد لفظ المكنى عنه ] ( [208] ) .

 

وقد قال الله تعالى : ( يوم يُكشف عن ساق ) .

وجاء عن الأئمة والعلماء ، وفرسان هذا الميدان ، في تفسيرها : عن شدة الأمر ، وعن كرب وشدة ، وعن أمر فظيع جليل . . .

وبناءً على هذا التفسير ، يُقال في شرح حديث البخاري : ( يكشف ربنا عن ساقه ) : يكشف الله عن شدة أمره ! والتي هي أهوال يوم القيامة !

قول العلماء عن رواية البخاري

وقد قال العلماء عن رواية البخاري هذه :

 

[   وَوَقَعَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ

فَأَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ كَذَلِكَ

 

ثُمَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ عَنْ سَاقِهِ نَكِرَةٌ

 

ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ

 

بِلَفْظ يكْشف عَن سَاق

 

قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هَذِهِ أَصَحُّ لِمُوَافَقَتِهَا لَفْظَ الْقُرْآنِ

 

فِي الْجُمْلَةِ لَا يُظَنُّ أَنَّ اللَّهَ ذُو أَعْضَاءٍ وَجَوَارِحٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُشَابَهَةِ الْمَخْلُوقِينَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء ] ( [209] ) .

 

هذا هو تفكير العلماء وتحقيقاتهم ، وتلك كانت تفسيرات الأئمة من الصحابة والتابعين ، عن الكلام في قوله تعالى ( يوم يكشف عن ساق ) .

 

فهم بعض متعصبي مذهب معيّن من الخلف

 

فاعجب الآن ممـن جاء بعدهم بأكثر من ألف سنة ، فيرميهم بالخطأ ، وعدم موافقة الحق ، فيقول :

[ والذي جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما محتمل في الآية ،

 

ولكن جاء في السنة ما يبين أن المراد كشف الله تعالى عن ساقه بلفظ الإضافة ،

 

فيدل على إثبات الساق لله سبحانه ،

 

وهو أولى ما تفسر به الآية ؛

 

فإن سياق الحديث موافق لسياق الآية لفظًا ومعنى ] ( [210] ) .

 

 

وقال آخر منهم :

[ وقوله في هذا الحديث: "يكشف ربنا عن ساقه" نص في إثبات الساق لله تعالى ، والقول فيه كالقول في سائر صفاته تعالى ،

 

والآية وإن لم تكن نصا في إثبات صفة الساق لأنها جاءت بلفظ التنكير فالحديث مفسر لها .

 

وإن صح أن يُختلف في دلالة الآية ، فلا يصح أن يختلف في دلالة الحديث .

 

وتأويل الساق في الحديث بالقدرة هو من سبيل أهل التأويل من النفاة لتلك الصفات، وهم بهذا التأويل يجمعون بين التعطيل والتحريف .

 

وأهل السنة يمرون هذه الصفات على ظاهرها مؤمنين بما دلت عليه ، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته سبحانه بصفات خلقه ] .

 

وقال آخر منهم :

[  أن الله – سبحانه -  يكشف عن ساقه يوم القيامة ، فيعرفه المؤمنون بذلك ، كما صرَّح ذلك الحديث المذكور، أعني حديث أبي سعيد وما جاء في معناه .

 

فالواجب إثبات ذلك لله – سبحانه - على الوجه اللائق بجلاله، بلا كيف ، كسائر الصفات.

 

وهو قول أهل السنة والجماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - وأتباعهم بإحسان . والله الموفق ] .

 

ولا ندري لماذا يكشف الله تعالى ساقه – بالذات – يوم القيامة ؟ تعالى الله عن ذلك .

وأي رعب ( للمنافقين ) ، أو جمال ( للمؤمنين ) ، في الساق  ، دون غيره ؟ !

نريد أن نعرف الحكمة في ذلك ، ولاسيما هم يقولون : إنّ الله تعالى خاطبنا بما هو مفهوم !

 

وإنّهم ليقرّرون بهذا الفهم : أنّ المنافقين يرون جزءاً من الله تعالى ( ساقه ) ، فيريدون أن يسجدوا فلا يستطيعون ! تعالى الله عن ذلك !

 

والعجيب أنهم دائماً يردّدون : الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ! ! !

 

يظهر : إمّا أنّ عبد الله بن عبّاس ، رضي الله عنهما ، وكل أولئك الأئمة – الذين نقلنا أقوالهم في تفسير الآية – ليسوا بالسلف الصالح !

أو أنّ كلام هؤلاء ، هذا ، هو مجرد شعار ، يصطادون به السذج والمساكين !

 

يقولون :

 

[  وإنما الواجب دائما وأبدا الدندنة حول تصفية الإسلام مما علق به من شوائب ثم تربية المسلمين: جماعات وأفرادا على هذا الإسلام المصفى

وربطهم بمنهج الدعوة الأصيل : الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ] . 

[   ندندن أنه في العصر الحاضر لا يكفي أن نقول : أنا مسلم ،

 

بل لا يكفي أن نقول: أنا مسلم على الكتاب والسنة ،

 

لا بد من الأداة المميزة بين طائفة الحق التي أشار إليها الرسول في الحديث المعروف: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق» إلى آخر الحديث ، وبين الطوائف الأخرى التي تدعي أنها على الإسلام وهي بعيدة عن الإسلام كلاً أو جزءً،

 

فلا بد من ضميمة: أنا مسلم على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح ،

 

وهذا من معاني قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115) ] .

 

ويقولون :

 

[ من هنا ، نحن نقول وبخاصة في هذا الزمان ، زمان تضاربت فيه الآراء والأفكار والمذاهب وتكاثرت الأحزاب والجماعات حتى أصبح كثير من الشباب المسلم يعيش حيران، لا يدري إلى أي جماعة ينتسب؟

 

فَهُنا يأتي الجواب في الآية وفي الحديثين المذكورين ، اتبعوا سبيل المؤمنين ،

 

سبيل المؤمنين في العصر الحاضر؟ الجواب: لا، وإنما في العصر الغابر، العصر الأول، عصر الصحابة، السلف الصالح ،

 

هؤلاء ينبغي أن يكونوا قدوتنا وأن يكونوا متبوعنا، وليس سواهم على وجه الأرض مطلقاً .

 

إذن دعوتنا - هنا الشاهد وهنا بيت القصيد- تقوم على ثلاثة أركان على الكتاب والسنة وإتباع السلف الصالح ،

 

فمن زعم بأنه يتبع الكتاب والسنة ولا يتبع السلف الصالح، ويقول بلسان حاله وقد يقول بلسان قاله وكلامه: هم رجال ونحن رجال، فإنه يكون في زَيْغٍ وفي ضلال ،

 

لماذا ؟ لأنه ما أخذ بهذه النصوص التي أسمعناكم إياها آنفاً ، لقد اتبع سبيل المؤمنين ؟ لا ،

 

لقد اتبع أصحاب الرسول الكريم؟ لا ،

 

ما اتبع ؟ اتبع إن لم أقل هواه، فقد اتبع عقله ، والعقل معصوم ؟ الجواب: لا ،

 

إذن فقد ضل ضلالاً مبيناً ،

 

أنا أعتقد أن سبب الخلاف الكثير المتوارث في فرق معروفة قديماً والخلاف الناشئ اليوم حديثاً هو: عدم الرجوع إلى هذا المصدر الثالث : وهو السلف الصالح

 

فكلٌّ يدَّعي الانتماء إلى الكتاب والسنة ، وطالما سمعنا مثل هذا الكلام من الشباب الحيران ، حيث يقول: يا أخي هؤلاء يقولون: الكتاب والسنة، وهؤلاء يقولون: الكتاب والسنة فما هو الحَكَمُ الفصل؟

الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ،

 

فمن اعتمد على الكتاب والسنة دون أن يعتمد على السلف الصالح ما اعتمد على الكتاب والسنة، وإنما اعتمد على عقله، إنْ لم أقل: على هواه

 

من عادتي أن أضرب بعض الأمثلة، لتوضيح هذه المسألة بل هذا الأصل الهام ، وهو على " منهج السلف الصالح" ،

 

هناك كلمة تُرْوى عن الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: إذا جادلكم أهل الأهواء والبدع بالقرآن فجادلوهم بالسنة ، فإن القرآن حَمّالُ وجوه،

 

من أجل، لماذا قال عمر هذه الكلمة؟ أقول: من أجل ذلك قال الله عز وجل مخاطباً نبيه عليه السلام في القرآن بقوله: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44) تُرى هل يستطيع مسلم عربي - هو كما يقال سيبويه زمانه في المعرفة باللغة العربية وأدبها وأسلوبها - هل يستطيع أن يفهم القرآن من غير طريق رسولنا - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ ( [211] ) الجواب: لا، وإلا كان قوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44) عبثاً، وحاشى كلام الله أن يكون فيه أي عبث، إذن، من أراد أن يفهم القرآن من غير طريق الرسول عليه السلام فقد ضل ضلالاً بعيداً ( [212] ) ،

 

ثم هل بإمكان ذلك الرجل أن يفهم القرآن والسنة من غير طريق الرسول عليه الصلاة والسلام (أظن هنا سبق لسان من الشيخ رحمه الله وأظنه يقصد الصحابة رضوان الله عليهم)؟ الجواب - أيضاً -: لا، ذلك لأنهم هم الذين:-

 

أولاً: نقلوا إلينا لفظ القرآن الذي أنزله الله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام .

 

وثانياً: نقلوا لنا بيانه عليه السلام الذي ذُكِرَ في الآية السابقة وتطبيقه عليه الصلاة والسلام لهذا القرآن الكريم ،

هنا لابد لي من وقفة أرجو أن تكون قصيرة،

بيانه عليه السلام يكون على ثلاثة أنواع:

1 – لفظاً .

2 – وفعلاً .

3 – وتقريراً

لفظا ً: من الذي ينقله ؟ أصحابه ،

فعله : من الذي ينقله ؟ أصحابه ،

تقريره : من الذي ينقله ؟ أصحابه ،

 

من أجل ذلك لا يمكننا أن نَسْتَقِلَّ في فهم الكتاب والسنة على مداركنا اللغوية فقط ،

 

بل لابد أن نستعين على ذلك، لا يعني هذا أن اللغة نستطيع أن نستغني عنها، لا، ولذلك نحن نعتقد جازمين أن الأعاجم الذين لم يُتْقِنوا اللغة العربية وقعوا في أخطاء كثيرة وكثيرة جداً،

 

وبخاصة إذا وقعوا في هذا الخطأ الأصولي : وهو عدم رجوعهم إلى السلف الصالح في فهم الكتاب والسنة ] .

 

ويقولون :

 

[   أدندن على قضية قد تخفى على كثير ممن قد يشتركون معنا في هذه الدعوة - دعوة الحق-

 

ألا وهي الكتاب والسنة

قد يخفى على كثير من الذين يشتركون معنا في هذه الدعوة حقيقة جاء الكتاب والسنة يؤكدانها ويلفتان النظر إلى ضرورة التمسك بها ألا وهي ضرورة فهم الكتاب والسنة على منهج سلفنا الصالح رضي الله عنه .

 

هذه الغنيمة وهي أن يكون فهمنا لكتاب ربنا ولسنة نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - على ما كان عليه السلف الصالح . . .

 

ولكنهم لا يزالون بعيدين عنا في منهجنا الذي نلتزمه في فهمنا لكتاب ربنا وسنة نبينا، وذلك أن يكون الفهم لهذين النظيرين على ما كان عليه السلف الصالح .

 

ذلك أن كل الجماعات الإسلامية الموجودة اليوم على وجه الأرض لا يمكن لأحدٍ منها أو واحدة منها أن يعلن عدم اعتزازه بدعوة على الكتاب والسنة ،

 

ولكنهم مع هذا الاعتزاز يفسرون النصوص من الكتاب والسنة حسب ما تقتضيه تكتلاتهم وحزبياتهم، ولا يرجعون في ذلك إلى فهم النصوص على ما كان فهمها سلفنا الصالح . . .

 

لا يمكن للعالم أن يكتفي على دراسة الكتاب والسنة في العصر الحاضر، بل لا بد أن يضم لذلك دراسةً ثالثةً ؛

 

وهي: أن يعرف ما كان عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الهدى والنور ؛

لأنهم قد تلقوا البيان من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالقرآن، وبيان الرسول عليه السلام بالسنة القولية في كثير من الأحيان لفهمه أو لتقريبه هذه الأمور التي لا يمكن الوصول إليها إلا بمعرفة أثار السلف الصالح ] .

 

الله ، الله ، الله ، ما أصدق هذه الأقوال ، وما أروعها ؟ !  لولا . . .

لولا أنها مجرد شعارات ، وأقوال نظرية ، تفتقر إلى الصدق والواقع عند التطبيق !

 

وأقرب مثال : هو موضوعنا هذا .

 

يقول عبدالله بن عباس ، وجماعة من الصحابة والتابعين ، ومجاهد ، وقتادة ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، في تفسير قول الله تعالى : ( يوم يكشف عن ساق ) : عن شدة الأمر .

 

وهـؤلاء – أصحـاب الأقـوال الرائعـة – يقولـون : يكشف الله تعالى عن ساقه ( وهو ساق حقيقي ) ! ! وأنّ تفسير أولئك السلف خطأ !

 

مثال آخر : على أنّ تلك الأقوال الرائعة ، هي مجرد شعارات ، لا رصيد لها من الواقع ! :

 

زكاة الفطر نقداً :

 

قال به كلٌّ من : الحسن البصري ، طاووس ، سعيد بن المسيب ، عروة بن الزبير ، أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، سعيد بن جبير ، الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ، مجاهد ، سفيان الثوري ، الأوزاعي ، الليث بن سعد ، أبي حنيفة ، أبي يوسف ، محمد بن الحسن ، زفر ، وغيرهم .

 

هؤلاء جميعهم ، قالوا بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً ، وهم جميعاً من السلف الصالح !

 

أنظر الآن إلى ما يقوله أصحاب تلك الأقوال الرائعة ( بفهم السلف الصالح ، على منهج السلف الصالح ! ) :

 

[ زكاة الفطر لا تصح من النقود 

والعبــــادات لا يجوز تعدي الشرع فيها بمجرد الاستحسان ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم فرضها طُعمة للمساكين، فإن الدراهم لا تطعم، فالنقود أي الدراهم تُقضى بها الحاجات؛ من مأكول ومشروب وملبوس وغيرها.

ثم إن إخراجها من القيمة يؤدي إلى إخفائها وعدم ظهورها ،

لأن الإنسان تكون الدراهم في جيبه  ، فإذا وجد فقيراً أعطـــاها لـه فلم تتبين هذه الشعيرة ولم تتضح لأهل البيت .

ولأن إخراجها من الدراهم قد يخطئ الإنسان في تقدير قيمتها فيخرجها أقل فلا تبرأ ذمته بذلك، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم فرضها من أصناف متعددة مختلفة القيمة، ولو كانت القيمة معتبرة لفرضها من جنس واحد ، أو ما يعادله قيمة من الأجناس الأخرى ] .

وقال آخر منهم :

[ وزكـــاة الفطـــر عبــادة بإجماع المسلمين ، والعبادات الأصل فيها التوقيف ،

فلا يجوز لأحد أن يتعبد بأي عبادة إلا بما ثبت عن المشرع الحكيم عليه صلوات الله وسلامه ، الذي قال عنه ربه تبارك وتعالى:

وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى  ،

وقال هو في ذلك :

(( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))  ،   

(( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) .

         وقد بيَّن هو صلوات الله وسلامه عليه زكاة الفطر بما ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة : صاعاً من طعام ، أو صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ، أو صاعاً من زبيب ، أو صاعاً من إقط  .

فقـد روى البخاري ومسلم رحمهما الله ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : (( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ))  .

وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : ( كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب ) ، وفــي روايــة (( أو صاعاً من إقط )) متفق على صحته .

فهذه سنة محمد صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر  

ومعلوم أن وقت هذا التشريع وهذا الإخراج يوجد بيد المسلمين وخاصة في مجتمع المدينة الدينار والدرهم اللذان هما العملة السائدة آنذاك ولم يذكرهما صلوات الله وسلامـه عليـه فــي زكــاة الفطــر ، فلو كان شيء يجزئ في زكاة الفطر منهما لأبانه صلوات الله وسلامه عليه ؛

إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولو فعل ذلك لنقله أصحابه رضي الله عنهم .

وما ورد في زكاة السائمة من الجبران المعروف مشروط بعدم وجود ما يجب إخراجه ، وخاص بما ورد فيه ، كما سبق أن الأصل في العبادات التوقيف ، ولا نعلم أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخرج النقود في زكاة الفطر ، وهم أعلم الناس بسنته صلى الله عليه وسلم وأحرص الناس على العمل بها ،

ولو وقـع منهم شيء من ذلك لنقل كما نقل غيره من أقوالهم وأفعالهم المتعلقة بالأمـــور الشرعيـة ، وقـد قال الله سبحانه :  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ   ،

وقال عز وجل : "    وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .

 

ومما ذكرنا يتضح لصاحب الحق أن إخراج النقود في زكاة الفطر لا يجوز ولا يجزئ عمن أخرجه ؛ لكونه مخالفاً لما ذكر من الأدلة الشرعية  .

وأسأل الله أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه ، والثبات عليه والحذر من كل ما يخالف شرعه ، إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ] ! !

 

هل رأينا في هذه الأقوال ، أثارة من : فهم السلف الصالح ، أو على منهج السلف الصالح ؟ !

 

أم رأينا عكس ذلك : رميهم – غير مباشر – بتعديهم للشرع بمجرد الإستحسان ! ومخالفتهم للأدلة الشرعية ! وعدم فقههم ! وعدم ثباتهم عليه ! وأنهم ليسوا بأصحاب الحق !

 

نأتي بآخر مثال لمتابعتهم للسلف الصالح نظرياً وادّعاءً ، ومخالفتهم لهم عملياً !

 

قضية اللحية ، والأخذ منها :

 

( كَــانَ ابْــنُ عُمَرَ: «إِذَا حَــجَّ أَوِ اعْتَمَــرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ » ) ([213]) .

وكان علي بن أبي طالب يأخذ من لحيته مما يلي وجهه .

 

وكان أبو هريرة يقبض على لحيته ، ثم يأخذ ما فضل عن القبضة .

 

 وكان جابر يأخذ من لحيته .

 

 وقال عطاء بن أبي رباح : كانوا ([214]) يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حجٍّ ، أو عمرة .

 

وكان إبراهيم يأخذ من عارض لِحْيَتِهِ .

 

 وكان الإمام طاووس يأخذ من لحيته ولا يوجبه .

 

 وقال الحسن : كانوا يرخصون فيما زاد على القبضة من اللحية أن يؤخذ منها .

 

وكان القاسم : إذا حلق رأسه أخذ من لحيته وشاربه .

 

عن أبي هلال قال : سألت الحسن وابن سيرين فقالا : لا بأس به أن تأخذ من طول لحيتك .

 

وعن إبراهيم قال : كانوا ([215]) يبطنون لِحاهُم ويأخذون من عوارضها ، رضي الله عنهم ،ورحمهم الله تعالى . ([216])

 

وكذلك قال بذلك كلٌ من : ابن عباس ، ومحمد بن كعب القرضي ، ومجاهد ، وابن جريج ، والإمام أحمد .

 

وروي عـن عمـر بن الخطاب r ، أنه رأى رجلاً قد ترك لحيته حتى كثرت فأخذ بحديها ثم قال : ائتوني بجلمين ثم أمر رجلاً فجز ما تحت يده ثم قال : إذهب فأصلح شعرك أو أفسده ، يترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من السباع ([217]) .

 

وأن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهم ، كان إذا أراد أن يحرم دعا بالجلمين فقصّ شاربه وأخذ من لحيته قبل أن يركب وقبل أن يُهل محرماً ([218])

 

قال الشيخ الألباني ، رحمه الله : [  السنة التي جرى عليها عمل السلف من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين إعفاء اللحية إلا ما زاد على القبضة ؛ فيُقص ،

وتأييد ذلك بنصوص عزيزة عن بعض السلف وبيان أن إعفاءها مطلقاً هو من قبيل ما سماه الإمام الشاطبي بـ( البدع الإضافية )  ] ([219]) .

 

وقال ، رحمه الله ، أيضاً : [  فالعجب كل العجب من الشيخ التويجري وأمثاله من المتشددين بغير حق ،

كيف يتجرأون على مخالفة هذه الآثار السلفية ؟

 

فيذهبون إلى عدم جواز تهذيب اللحية مطلقاً ؛ ولو عند التحلل من الإحرام ،

 

ولا حجــة لهــم تذكر سوى الوقوف عند عموم حديث :       (( . . . وأعفوا اللحى )) ، كأنهم عرفوا شيئاً فات أولئــك السلف معرفته ،

 

وبخاصة أن فيهم عبد الله بن عمر الراوي لهذا الحديث ؛ كما تقدّم ؛

 

وهم يعلمون أن الراوي أدرى بمرويه من غيره .

 

وليس هذا من باب العبرة بروايته لا برأيه ؛ كما توهم البعض ،

 

فإن هذا فيما إذا كان رأيه مصادماً لروايته ، وليس الأمر كذلك هنا كما لا يخفى على أهل العلم والنهى . . .   ] ([220]) .

 

هذا ما كان عليه السلف الصالح ، وهذا كان فهمهم ومنهجهم !

 

لِنَرَ الآن ماذا يقول أتباعهم نظرياً ، ومخالفهم عملياً ، في هذا الموضوع ؟ :

 

قالوا :

 

[ القص من اللحية خـلاف ما أمر به النبيّ r ، في قوله : ( وفروا اللحى ) ، ( اعفوا اللحى ) ، ( أرخوا اللحى )

فمن أراد اتباع أمر الرسول r ، واتباع هديه r ، فلا يأخذن منها شيئاً ، فإن هدي الرسول عليه الصلاة والسلام ، أن لا يأخذ من لحيته شيئاً ،

 

وكذلك كان هدي الأنبياء قبله ] !

 

وقالوا :

 

[ أما ما سمعتم من بعض الناس أنه يجوز تقصير اللحية خصوصاً ما زاد على القبضة ،

فقد ذهب إليه بعض أهل العلم فيما زاد على القبضة ،

 

وقالوا : إنه يجوز أخذ ما زاد على القبضة استناداً إلى ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أنه كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما زاد أخذه .

 

ولكن الأَولى الأخذ بما دلّ عليه العموم في الأحاديث السابقة فإن النبيّ r ، لم يستثن حالاً من حال  ] ! .

 

وقالوا :

 

[ مَن احتج بفعل ابن عمر ، رضي الله عنهما ، أنه كان يأخذ من لحيته في الحـــج ما زاد على القبضة .

فهذا لا حجة فيه ، لأنه اجتهاد ( ! ! ! ) من ابن عمر ، رضــي الله عنهما ، والحجة في روايته لا في اجتهاده .

 

وقـد صرّح العلمـاء ، رحمهـم الله : أن روايـة الـراوي مـن الصحابة ومن بعدهم الثابتة عن النبيّ r ، هي الحجة ، وهي مقدمة على رأيه إذا خالف السنة  ] ! !

 

وقالوا :

 

[  ما يفعله بعض الناس من حلق اللحية أو أخذ شيء من طولها وعرضها فإنه لا يجوز ؛

 

لمخالفة ذلك لهدي الرسول r ، وأمر بإعفائها ، والأمر يقتضــي الوجوب حتــى يوجــد صـارف لذلك عن أصله ، ولا نعلم ما يصرفه عن ذلك ]

 

وقالوا :

 

[ فمن أراد اتباع أمر الرسول r ، واتباع هديه r ، فلا يأخذ من لحيته شيئاً ، وكذلك كان هدي الأنبياء قبله ] ! .

 

وقالوا :

 

[ الحجة في روايتــــه ( يقصدون عبد الله بن عمر ) لا في رأيه ، ولا شك أن قول الرسول وفعله أحق وأولى بالاتباع من قول غيره أو فعله ؛ كائناً ما كان ] . 

 

وقالوا :

 

[  وحدّ اللحية كما ذكره أهل اللغة  هي شعر الوجه واللحيين والخدّين ، بمعنى أن كل ما على الخدّين وعلى اللحيين والذقن فهو من اللحية ،

وأخذ شيء منها داخل في المعصية أيـضــاً ، لأن النبـيّ r ، قـال : (( أعفو اللحى )) و (( أرخو اللحى ))  و(( وفروا اللحى . . . )) . و (( أوفوا اللحى . . . ))

 

وهذا يدل على أنه لا يجوز أخذ شيء منها لكن المعاصي تتفاوت فالحلق أعظم من أخذ شيء منها ، لأنه أعظم وأبين مخالفة من أخذ شيء منها ،

 

وهذا هو الحق ، والحق أحق أن يُتّبع ،

 

وتساءل مع نفسك ما المانع من قبول الحق والعمل به إرضاءً وطلباً لثوابه ؟

 

فــــلا تقــدّم رضـــا نفســـك وهــــواك والرفــاق علــى رضا الله ، قال تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى  )   ]  !

 

وقالوا :

 

[ دلّت سنّة النبيّ r ، القولية والفعلية على وجوب إعفاء اللحية ، وعدم جواز الأخذ منها ،

وهو ما دلّ عليه اللفظ النبوي ، وصحّت به السنة في غير ما حديث ] .

 

هل هناك رائحة ، مجرد رائحة ، لفهم السلف الصالح ، أو منهج السلف الصالح ، أو أيّ اعتبار لفهمهم ، أو منهجهم في هذا الموضوع ، من قِبَل هؤلاء ؟ !

 

أم أنهم يصولون ويجولون ، بدون أدنى إلتفات ، إلى رأي وفهم ومنهج السلف الصالح !

 

ألم أقل إن شعار : فهم السلف الصالح ، ومنهج السلف الصالح ، هو مجرد مصيدة ، يصيدون بها المساكين ، ومَن لا علم لهم !

 

 

بين البخل والإسراف

2 - لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك !

         قال تعالى : (  وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا       مَحْسُورًا ) [221] .

         الإنسان العاقل العادي يفهم من هذا الكلام الكريم ، أنه نهي عن البخل ، والتقتير  من جهة ، ونهى عن الإسراف من جهة أخرى ! وليس هناك يدٌ ، ولا أغلال ، ولا أعناق !

         قال الإمام الطبري ، رحمه الله :

         [  وهذا مثل ضربه الله تبارك وتعالى للممتنع من الإنفاق في الحقوق التي أوجبها في أموال ذوي الأموال، فجعله كالمشدودة يده إلى عنقه، الذي لا يقدر على الأخذ بها والإعطاء.

وإنما معنى الكلام : ولا تمسك يا محمد يدك بخلا عن النفقة في حقوق الله، فلا تنفق فيها شيئا إمساك المغلولة يده إلى عنقه ، الذي لا يستطيع بسطها

(وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) يقول : ولا تبسطها بالعطية كلّ البسط ، فتَبقى لا شيء عندك، ولا تجد إذا سئلت شيئا تعطيه سائلك ] ([222]) .

 

         وقال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

         [  يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا بِالِاقْتِصَادِ فِي الْعَيْشِ

ذَامًّا لِلْبُخْلِ نَاهِيًا عَنِ السَّرَف :

{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ } أَيْ: لَا تَكُنْ بَخِيلًا مَنُوعًا، لَا تُعْطِي أَحَدًا شَيْئًا، كَمَا قَالَتِ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ: { يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ } [الْمَائِدَةِ: 64] أَيْ نَسَبُوهُ إِلَى الْبُخْلِ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ الْكَرِيمُ الْوَهَّابُ.

وَقَوْلُهُ: { وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } أَيْ: وَلَا تُسْرِفْ فِي الْإِنْفَاقِ فَتُعْطِيَ فَوْقَ طَاقَتِكَ، وَتُخْرِجَ أَكْثَرَ مِنْ دَخْلِكَ، فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا.

وَهَذَا مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ أَيْ: فَتَقْعُدَ إِنْ بَخِلْتَ مَلُومًا، يَلُومُكَ النَّاسُ وَيَذُمُّونَكَ وَيَسْتَغْنُونَ عَنْكَ كَمَا قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلمى فِي الْمُعَلَّقَةِ:

وَمَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَيَبْخَلْ بِمَالِهِ ... عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ

وَمَتَى بَسَطْتَ يَدَكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ، قَعَدْتَ بِلَا شَيْءٍ تُنْفِقُهُ، فَتَكُونَ كَالْحَسِيرِ،

وَهُوَ: الدَّابَّةُ الَّتِي قَدْ عَجَزَتْ عَنِ السَّيْرِ، فَوَقَفَتْ ضَعْفًا وَعَجْزًا فَإِنَّهَا تُسَمَّى الْحَسِيرَ،

وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْكَلَالِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ } [الْمُلْكِ: 3، 4] أَيْ: كَلِيلٌ عَنْ أَنْ يَرَى عَيْبًا .

هَكَذَا فَسَّرَ هَذِهِ الْآيَةَ - بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْبُخْلُ وَالسَّرَفُ - ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ ] ([223]) .

لم يتحدث أحد المفسرين عن اليد ، وإثبات اليد ونفيها ، أو جعلها في العنق !

بل جميعهم تحدّثوا عن البخل والإسراف !

فهذا من أساليب العرب في المخاطبة .

 

طائره في عنقه !

ومن هذا الباب قوله تعالى : (  كُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا ) [224] .

         قال الإمام الطبري ، رحمه الله :

         [  وكلّ إنسان ألزمناه ما قضى له أنه عامله ، وهو صائر إليه من شقاء أو سعادة بعمله في عنقه لا يفارقه ،

وإنما قوله ( ألْزَمْناهُ طائِرَهُ ) مثل لما كانت العرب تتفاءل به أو تتشاءم من سوانح الطير وبوارحها ،

فأعلمهم جلّ ثناؤه أن كلّ إنسان منهم قد ألزمه ربه طائره في عنقه نحسا كان ذلك الذي ألزمه من الطائر، وشقاء يورده سعيرا، أو كان سعدا يورده جنات عدن ] ([225]) .

         هل تخبرنا الآية الكريمة : أن في عنق كل إنسان طير من الطيور ؟ !

        

 

قال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

         [  وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عَمَلَ ابْنِ آدَمَ مَحْفُوظٌ عَلَيْهِ، قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ، وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، صَبَاحًا وَمَسَاءً ] ([226]) .

وقالت اليهود يد الله مغلولة !

         ومن هذا الباب أيضاً ، قول الله تعالى :

( وَقَـالَتِ الْيَهُـودُ يَـدُ اللَّهِ مَغْلُـولَـةٌ غُلَّتْ أَيْـدِيهِـمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) ( [227] ) .

         [  قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : . . . عَنْ عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: { مَغْلُولَةٌ } أَيْ: بَخِيلَةٌ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ }

قَالَ: لَا يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّ يَدَ اللَّهِ مُوثَقَةٌ وَلَكِنْ يَقُولُونَ: بَخِيلٌ أَمْسَكَ مَا عِنْدَهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة، وَقَتَادَةَ، والسُّدِّي، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ وَقَرَأَ: { وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا } [الْإِسْرَاءِ:29] .

يَعْنِي: أَنَّهُ يَنْهَى عَنِ الْبُخْلِ وَعَنِ التَّبْذِيرِ،

وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْإِنْفَاقِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وعبَّر عَنِ الْبُخْلِ بِقَوْلِهِ: { وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ } .

وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ لِعَائِنُ اللَّهِ .

وَقَدْ قَالَ عِكْرِمَةُ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي فنْحاص الْيَهُودِيِّ ، عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الَّذِي قَالَ: { إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } [آلِ عِمْرَانَ:181] فَضَرَبَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : . . . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، يُقَالُ لَهُ: شَاسُ بْنُ قَيْسٍ: إِنَّ رَبَّكَ بَخِيلٌ لَا يُنْفِقُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ }

وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِمْ مَا قَالُوهُ، وَقَابَلَهُمْ فِيمَا اخْتَلَقُوهُ وَافْتَرَوْهُ وَائْتَفَكُوهُ، فَقَالَ: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا } وَهَكَذَا وَقَعَ لَهُمْ ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ مِنَ الْبُخْلِ وَالْحَسَدِ وَالْجُبْنِ وَالذِّلَّةِ أَمْرٌ عَظِيمٌ . . . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :    { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ }

أَيْ: بَلْ هُوَ الْوَاسِعُ الْفَضْلِ، الْجَزِيلُ الْعَطَاءِ، الَّذِي مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَهُ خَزَائِنُهُ، وَهُوَ الَّذِي مَا بِخَلْقِهِ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الَّذِي خَلَقَ لَنَا كُلَّ شَيْءٍ مِمَّا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فِي لَيْلِنَا وَنَهَارِنَا، وَحَضَرِنَا وَسَفَرِنَا، وَفِي جَمِيعِ أَحْوَالِنَا ] ([228]) .

 

وقال الإمام الطبري ، رحمه الله :

[  يقول تعالى ذكره : " وقالت اليهود "، من بني إسرائيل " يد الله مغلولة

يعنون : أن خير الله مُمْسَك وعطاؤه محبوس عن الاتساع عليهم ،

كما قال تعالى ذكره في تأديب نبيه صلى الله عليه وسلم:  ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) سورة الإسراء: 29 .

وإنما وصف تعالى ذكره " اليد " بذلك ، والمعنى العَطاء،

لأن عطاء الناس وبذلَ معروفهم الغالبَ بأيديهم .

فجرى استعمال الناس في وصف بعضهم بعضًا، إذا وصفوه بجود وكرم ،

أو ببخل وشحّ وضيق ، بإضافة ما كان من ذلك من صفة الموصوف إلى يديه، كما قال الأعشى في مدح رجل:

يَدَاكَ يَدَا مَجْدٍ، فَكَفٌ مُفِيدَةٌ ... وَكَفٌّ إذَا مَا ضُنَّ بِالزَّادِ تُنْفِقُ .

فأضاف ما كان صفة صاحب اليد من إنفاق وإفادة إلى" اليد ".

ومثل ذلك من كلام العرب في أشعارها وأمثالها أكثر من أن يُحْصى .

فخاطبهم الله بما يتعارفونه ويتحاورونه بينهم في كلامهم

فقال :" وقالت اليهود يد الله مغلولةيعني بذلك : أنهم قالوا: إن الله يبخل علينا، ويمنعنا فضله فلا يُفْضِل،

كالمغلولة يده الذي لا يقدر أن يبسطَها بعطاء ولا بذلِ معروف ، تعالى الله عما قالوا، أعداءَ الله!

فقال الله مكذِّبَهم ومخبرَهم بسخَطه عليهم:" غلت أيديهم "، يقول: أمسكت أيديهم عن الخيرات ، وقُبِضت عن الانبساط بالعطيات " ولعنوا بما قالوا " ، وأبعدوا من رحمة الله وفضله بالذي قالوا من الكفر، وافتروا على الله ووصفوه به من الكذب والإفك .

" بل يداه مبسوطتان "، يقول : بل يداه مبسوطتان بالبذل والإعطاء وأرزاق عباده وأقوات خلقه ، غيُر مغلولتين ولا مقبوضتين "

ينفق كيف يشاء " ، يقول : يعطي هذا، ويمنع هذا فيقتِّر عليه ] ([229]) .

هذا هو أسلوب العرب في المخاطبة : الموضوع هو : البخل والجود والكرم ، وليس موضوع اليد ؛ مغلولة أو مبسوطة !

فاحكم على من يترك موضوع البخل والجود ، ويتشبّث باليد !

 

نار الحرب

3 - أوقدوا ناراً !

         وقال تعالى : (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ) [230] .

 

         قال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

         [  أَيْ : كُلَّمَا عَقَّدُوا أَسْبَابًا يَكِيدُونَكَ بِهَا ،

وَكُلَّمَــا أَبْرَمُـوا أُمُـورًا يُحَـارِبُونَكَ بِهَـا يُبْطِلُهَا اللَّهُ وَيَرُدُّ كَيْدَهُمْ عَلَيْهِمْ ، وَيَحِيقُ مَكْرُهُمُ السَّيِّئُ بِهِمْ ] ([231]) .

فالحافظ ابن كثير ، رحمه الله ، قد فسّر : ( أوقدوا ناراً ) ،بـ( عقدوا أسباباً ) و ( أبرموا أموراً )

وفسّر : ( أطفأها ) ، بـ( يبطلها ) و ( يردّ ) و ( يحيق ) .

ولم يذكر النار ، لا من قريب ، ولا من بعيد ! لأنه ، رحمه الله ، قد فهم أسلوب العرب في المخاطبة !

         فليس شرطاً أن تكون هناك ناراً ، توقد ! بل المقصود هو الحرب !

        

قال الإمام الشوكاني ، رحمه الله :

         [  أَيْ كُلَّمَا جَمَعُوا لِلْحَرْبِ جَمْعًا ، وَأَعْدُّوا لَهُ عُدَّةً ، شَتَّتَ اللَّهُ جَمْعَهُمْ ، وَذَهَبَ بِرِيحِهِمْ فَلَمْ يَظْفَرُوا بِطَائِلٍ وَلَا عَادُوا بِفَائِدَةٍ ، بَلْ لَا يَحْصُلُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى الْغَلَبِ لَهُمْ ،

وَهَكَذَا لَا يَزَالُونَ يُهَيِّجُونَ الْحُرُوبَ وَيَجْمَعُونَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ يُبْطِلُ اللَّهُ ذَلِكَ ،

وَالْآيَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى اسْتِعَارَةٍ بَلِيغَةٍ ، وَأُسْلُوبٍ بَدِيعٍ ] ([232]) .

 

 

صاحب القوة والبطش الشديد !

4 - ذا الأَيْدِ !

         وقال تعالى : (  وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) ( [233] ) .

        

قال الإمام الطبري ، رحمه الله :

         [  ويعني بقوله ( ذَا الأيْدِ ) ذا القوّة والبطش الشديد في ذات الله والصبر على طاعته.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد . . . عن ابن عباس (دَاوُدَ ذَا الأيْدِ) قال: ذا القوّة .

حدثني محمد بن عمرو . . . عن مجاهد، قوله ( ذَا الأيْدِ ) قالَ ذا القوّة في طاعة الله .

حدثنا بشر . . . عن قتادة ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ ) قال: أعطي قوّة في العبادة، وفقها في الإسلام .

وقد ذُكر لنا أن داود صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر.

حدثنا محمد بن الحسين . . . عن السديّ، قوله ( دَاوُدَ ذَا الأيْدِ ) ذا القوّة في طاعة الله.  

حدثني يونس . . . قال ابن زيد ، في قوله ( دَاوُدَ ذَا الأيْدِ ) قال : ذا القوّة في عبادة الله ،

الأيد : القوّة ، وقرأ : ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ) قال: بقوة  ] ([234]) .

 

         وقال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

         [  يَذْكُرُ تَعَالَى عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّهُ كَانَ ذَا أَيْدٍ

 وَالْأَيْدُ: الْقُوَّةُ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ زَيْدٍ وَالسُّدِّيُّ: الْأَيْدُ: الْقُوَّةُ

وَقَرَأَ ابْنُ زَيْدٍ: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } الذَّارِيَاتِ: 47

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَيْدُ: الْقُوَّةُ فِي الطَّاعَةِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: أُعْطِيَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قُوَّةً فِي الْعِبَادَةِ وَفِقْهًا فِي الْإِسْلَامِ، وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيْلِ وَيَصُومُ نِصْفَ الدَّهْرِ ] ([235]) .

لا نرى هنا ، ولا واحداً من هؤلاء الأئمة ، يذكر اليد ، والأيد ، بل بدون أي تردد ، أو شك ، أو مناقشة ، يفسر اليد بالقوة !

لماذا لا يضيف أحد – لا من الأئمة فحسب ، بل حتى من عوام الناس – أكثر من يدين لنبيّ الله داود عليه السلام ، علماً بأن النص ظاهر ، بأن له أكثر من يدين ( ذا الأيد ) ؟ !

بل لماذا لايعيرون أي اهتمام لكلمة اليد ، والأيد هنا ، فيفسروها بالجارحة ، بل بدون أي تردد يتحدّثون عن قوته في الطاعة والعبادة ؟ !

فهل هذا تأويل ، وخروج من ظاهر النص   ؟ !

وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، رحمه الله :

[  { ذَا الأيْدِ } أي: القوة العظيمة على عبادة الله تعالى، في بدنه وقلبه ] ([236]) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قدامها وأمامها !

5 - بين يدي رحمته !

وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِه ) ( [237] ) .

قال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

[  وأما قوله : " بين يدي رحمته " ، فإنه يقول: قدام رحمته وأمامها.

والعرب كذلك تقول لكل شيء حدث قدام شيء وأمامه : " جاء بين يديه " ،

لأن ذلك من كلامهم جرى في أخبارهم عن بني آدم، وكثر استعماله فيهم، حتى قالوا ذلك في غير ابن آدم وما لا يَدَ له ] ([238]) .

[ حتى قالوا ذلك في غير ابن آدم ، وما لا يَدَ له ] ! !

 

وقال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

[  وَقَوْلُهُ: { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أَيْ: بَيْنَ يَدَيِ الْمَطَرِ ] ([239]) .

 

وقال الشيخ السعدي ، رحمه الله :

[  يبين تعالى أثرا من آثار قدرته، ونفحة من نفحات رحمته فقال: { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أي:

الرياح المبشرات بالغيث، التي تثيره بإذن الله من الأرض، فيستبشر الخلق برحمة الله، وترتاح لها قلوبهم قبل نزوله ] ([240]) .

 

وقال الإمام القاسمي ، رحمه الله :

[  وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أي قدام رحمته التي هي المطر ] ([241]) .

لم يتحدث أحد من هؤلاء الأئمة ، والعلماء الكرام ، عن يدين للرحمة ، أو يدين للمطر ، ولو مجرد احتمال ، أن تكون للرحمة يدين ، لا ندري نحن كيفيتها !

أو للمطر يدين ، لا ندري نحن ، ولا نراهما !

أليست الرحمة ، والمطر ، من الغيب الذي لا نعرفه ؟ وأليس نص القرآن يثبت يدين للرحمة ؟

بل كلهم فسروا ( بين يدي ) بـ ( قبل ) ! و ( قدام ) !

هل هذا تأويل ، وصرف للفظ عن ظاهره ؟ ! 

ولم يعترض أحد ، ولم يقل أحد : كيف تنكرون أن للرحمة يدين ، أو للمطر يدين ، والقرآن قد أثبت ذلك ؟ !

 

أمام العذاب !

 

6 - يدي عذاب !

قال تعالى : (  إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) ( [242] ) .

قال الشيخ السعدي ، رحمه الله :

[ مما أمامكم من العذاب الشديد ] ([243])  .

قال الشيخ أبو بكر الجزائري :

[  أي ما هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا نذير لكم أمام عذاب شديد قد ينزل بكم وهو مشفق عليكم في ذلك خائف لا يريده لكم ] ([244]) .

وقال الإمام الطبري ، رحمه الله :

[ يقول: ما محمد إلا نذير لكم ينذركم على كفركم بالله عقابه أمام عذاب جهنم قبل أن تصلوها، وقوله: هو كناية اسم محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ] ([245]) .

 

 

قبله !

7 - يدي القرآن !

قال تعالى : (  قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ          يَدَيْهِ ) ( [246] ) .

 

قال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

[  عن ابن عباس . ( مصدقا لما بين يديه ) ، يقول : لما قبله من الكتب التي أنزلها الله ، والآيات ، والرسل الذين بعثهم الله بالآيات ، نحو موسى ونوح وهود وشعيب وصالح، وأشباههم من الرسل صلى الله عليهم.

1631 - حدثنا بشر بن معاذ . . . عن قتادة : (مصدقا لما بين يديه) ، من التوراة والإنجيل.

1632 - حُدثت عن عمار . . . عن الربيع مثله ] ( [247] ) .

قال الشيخ السعدي ، رحمه الله :

[  مع أن هذا الكتاب الذي نزل به جبريل مصدقا لما تقدمه من الكتب غير مخالف لها ولا مناقض ،

وفيه الهداية التامة من أنواع الضلالات، والبشارة بالخير الدنيوي والأخروي، لمن            آمن به ] ([248] ) .

 

 

 

 

أمام !

8 – يدي النجوى !

قال تعالى : (  فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) ( [249] ) .

قال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

[  يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، إذا ناجيتم رسول الله، فقدّموا أمام نجواكم صدقة تتصدقون بها على أهل المسكنة والحاجة ] ( [250] ) .

قال الشيخ السعدي ، رحمه الله :

[   يأمر تعالى المؤمنين بالصدقة ، أمام مناجاة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم تأديبا لهم وتعليما، وتعظيما للرسول صلى الله عليه وسلم ] ( [251] ) .

لا نرى هنا أحداً من الأئمة ، والعلماء ، ينكر هذه التفاسير ، والتأويلات !

فلم يثبت أحد ، حتى العوام ، أن للعذاب يدان ، أو للقرآن يدان ، أو للنجوى يدان .

 بل الجميع لم يلتفتوا إلى حقيقة اليدين هنا أبداً ، والجميع فسروا الآيات بما يلائم السياق ، وعلى أساليب العرب !

إلا أن البعض لا يطبق هذه القاعدة ، عندما تتعلق الآيات بالله تعالى ، بل يثبت اليدين ، أو اليد ، له جل جلاله ! !

فما هو الفرق بين تلك الآيات : ( يدي رحمته ) ، و( يدي عذاب ) ، و( يديه – يقصد القرآن الكريم ) ، و( يدي نجواكم ) . مع الآية الكريمة : ( لا تقدّموا بين يدي الله ) ؟ !

 

لماذا لا يثبتون للرحمة يدين ، وللعذاب يدين ، وللقرآن يدين ، وللنجوى يدين ، ويثبتون لله تعالى يدين ؟ والكل أضيف إليه يدان ؟ !

فالقرآن الكريم ، أضاف للرحمة ، وللعذاب ، وللقرآن ، وللنجوى ، يدين ! وهؤلاء الظاهرية يقولون : ليس لها يدين !

أليس هذا تكذيب للقرآن ؟

يقول تعالى : (  وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِه ) ( [252] ) .

ويقول تعالى : (  وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِه ) ( [253] ) .

ويقول تعالى : (   إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) ( [254] ) .

ويقول تعالى : (  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) ( [255] ) .

ويقول تعالى : (  أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ) ( [256] ) .

ويقول تعالى : (  نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْه ) ( [257] ) .

ويقول تعالى : (  وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْه ) ( [258] )  

ويقول تعالى : (  وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) ( [259] ) .

ويقول تعالى : (  لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) ( [260] ) .

ويقول تعالى : (  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْه ) ( [261] ) .

ويقول تعالى : (  لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد ) ( [262] ).

إنّ تلــك آيـات قرآنيـة ؛ تضيـف اليـد إلـى كـلٍّ مـن : الرحمـة ، والعـذاب ، والنجوى ، والكتاب ( القرآن )  ، والحديث .

وحسب علم وفهم ، الذي نقلنا قوله فيما سبق : فإن الرحمة لها يدان ، وكذلك العذاب له يدان ، والنجوى لها يدان ، والقرآن له يدان ، والحديث له يدان . ولكن لا نعرف كيفيتها !

لماذا ؟ لأنه – حسب قول ذلك العالم ، الذي نقلنا قوله ، حيث قال : ( كشف الله تعالى ساقه بلفظ الإضافة فيدل على إثبات الساق لله ) !

وكذلــك تلك الآيات المباركة ، قد أضافت اليدين إلى كل تلك الأمور ! فدلت على إثبات اليدين لها ! 

ليست الآيات الكريمة ، تضيف اليدين لغير الإنسان فقط ، بل الأحاديث النبوية ، والآثار تضيف اليدين ، لغير الإنسان أيضاً ! :

 

(  سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ :  اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ  ) ( [263] ) .

(  قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا، يَنْزِلُ فِيهَا الجَهْلُ ، وَيُرْفَعُ فِيهَا العِلْمُ ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الهَرْجُ » وَالهَرْجُ: القَتْلُ ) ( [264] ) .

 

(  عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : « بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ ، وَتُقَاتِلُونَ قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ »  ) ( [265] ) .

 

(  خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا ، فَهَتَفَ : « يَا صَبَاحَاهْ »، فَقَالُوا : مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ ؟ قَالُوا : مُحَمَّدٌ ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : « يَا بَنِي فُلَانٍ ، يَا بَنِي فُلَانٍ ، يَا بَنِي فُلَانٍ ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ » ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : « أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟ » قَالُوا : مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا ، قَالَ : « فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ » ، قَالَ : فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ : تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا ، ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ ، كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ) ( [266] ) .

 

(  قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي ، كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً ، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ، وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ »  ) ( [267] ) .

 

(  ثُمَّ رَأَيْتُ بِلاَلًا أَخَذَ عَنَزَةً ، فَرَكَزَهَا وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ ، مُشَمِّرًا صَلَّى إِلَى العَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ العَنَزَةِ » ) ( [268] ) .

 

         (  فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى المِنْبَرِ ، فَلَمَّا سَكَتَ المُؤَذِّنُونَ قَامَ ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا ، لاَ أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي  ) ( [269] ) .

(  عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ القَاسِمِ، حَدَّثَهُ: أَنَّ القَاسِمَ كَانَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الجَنَازَة ) ( [270] ) .

 

(   عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوا نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ ، فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ : « سَلُونِي ، لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ » فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْقَوْمُ أَرَمُّوا وَرَهِبُوا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ أَمْرٍ قَدْ حَضَرَ) ( [271] ) .

 

(  وَكَانَ الْقَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بُيُوتِهِمْ ) ( [272] ) .

 

(  بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ حِينَ عَمَدَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ خَلْفَ الْمَقَامِ ، جَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَابِ ، لَا أَنَّهُ وَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ الْمَقَامِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ يَسَارِهِ ) ( [273] ) .

 

(  عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : « رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْكَبًا لَهُ قَرِيبًا ، فَلَمْ يَأْتِ حَتَّى كَسَفَتِ الشَّمْسُ ، فَخَرَجْتُ فِي نِسْوَةٍ فَكُنَّا بَيْنَ يَدَيِ الْحُجْرَةِ ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَرْكَبِهِ سَرِيعًا ) ( [274] ) .

 

(  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « لَا تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ ، إِلَّا رَجُلًا كَانَ يَصُومُ صَوْمًا ، فَلْيَصُمْهُ » ) ( [275] ) .

 

(  عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : وَقَفْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بَيْنَ يَدَيِ الْجَمْرَةِ فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهَا قَالَ : « هَذَا وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَوْقِفُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ يَوْمَ رَمَاهَا » ، قَالَ : ثُمَّ رَمَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ رَمَى بِهَا ، ثُمَّ انْصَرَفَ ) ( [276] )

 

(  عَنْ مُجَمِّعٍ ، قَالَ : كَانَ لِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ إِلَى أَبِيهِ حَاجَةٌ ، فَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ حَاجَتِهِ كَلامًا ) ( [277] ) .

 

(   قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " إذا أراد الله بعبد خير عَسَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ قِيلَ وَمَا عَسَلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ قَالَ يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يدي موته حتى يرضى عنه " ) ( [278] ) .

 

(  عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: « أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ» ) ( [279] ) .

 

 

         حسب هذه الأحاديث والآثار ، التي أضافت اليدين لتلك الأمور .

         وحسب علم وفهم أولئك ، فإن كلها ذات يدين ! ولكن نحن لا ندري كيفيتها ! :

        

         الساعة ( القيامة ) ، العذاب ، مسيرة ، العنَزَة ، الأجل ، الجنازة ، الأمر ، البيوت ، المقام ، الحجرة ، رمضان ، الجمرة ، الحاجة ، الموت !

 

         ( كشف الله تعالى عن ساقه بلفظ الإضافة فيدل على إثبات الساق لله ) .

         ( وقوله في هذا الحديث : يكشف ربنا عن ساقه نص في إثبات الساق لله تعالى ) .

 

 

قدّموه وأسلفوه !

8 - قدم صدق !

         قال تعالى : (  وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِم ) ( [280] ) .

قال الشيخ السعدي ، رحمه الله :

[ { أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } أي : لهم جزاء موفور  وثواب مذخور عند ربهم بما قدموه وأسلفوه من الأعمال الصالحة الصادقة ] ([281]) .

وقال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

[  واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( قدم صدق ) ، فقال بعضهم : معناه : أن لهم أجرًا حسنًا بما قدَّموا من صالح الأعمال.

* ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي، عن جويبر ، عن الضحاك : (أن لهم قدم صدق عند ربهم) ، قال: ثواب صِدق . . .

قال، حدثنا عبد الله بن رجاء ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير عن مجاهد : ( أن لهم قدم صدق عند ربهم ) ، قال : الأعمال الصالحة  .

حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال، حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ) ، يقول : أجرًا حسنًا بما قدَّموا من أعمالهم  .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يزيد بن حبان ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث ، عن مجاهد : ( أن لهم قدم صدق عند ربهم ) ، قال : صلاتهم وصومهم ، وصدقتُهم ، وتسبيحُهم .

حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( قدم صدق ) ، قال: خير .

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( قدم صدق ) ، مثله .

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين ، قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . . .

قال ، حدثني حجاج ، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، قال : ( قدم صدق ) ، ثواب صدق  (عند ربهم) .

حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .

حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق ) ، قال : " القدم الصدق " ، ثواب الصّدق بما قدّموا من الأعمال .

وقال آخرون : معناه : أن لهم سابق صدق في اللوح المحفوظ من السعادة .

* ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ) ، يقول: سبقت لهم السعادة في الذِّكر الأَوّل .

وقال آخرون : معنى ذلك أنّ محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم شفيع لهم ، قَدَمَ صدق .

* ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن فضيل بن عمرو بن الجون ، عن قتادة  أو الحسن : ( أن لهم قدم صدق عند ربهم ) ، قال : محمدٌ شفيعٌ لهم .

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة، قوله : ( وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ) : أي سلَفَ صدقٍ عند ربهم .

حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق ، قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، عن زيد بن أسلم ، في قوله : ( أن لهم قدم صدق عند ربهم ) ، قال : محمدٌ صلى الله عليه وسلم .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب ، قولُ من قال : معناه : أن لهم أعمالا صالحة عند الله يستوجبون بها منه الثوابَ  .

وذلك أنه محكيٌّ عن العرب : " هؤلاء أهْلُ القَدَم في الإسلام " أي هؤلاء الذين قدَّموا فيه خيرًا، فكان لهم فيه تقديم .

ويقال  : " له عندي قدم صِدْق ، وقدم سوء " ، وذلك ما قدَّم إليه من خير أو شر ، ومنه قول حسان بن ثابت :

لَنَا القَدَمُ العُلْيَا إِلَيْكَ وَحَلْفُنَا ... لأَوّلِنَا فِي طَاعَةِ اللهِ تَابِعُ

وقول ذي الرمة :

لَكُمْ قَدَمٌ لا يُنْكِرُ النَّاسُ أَنَّهَا ... مَعَ الحَسَبِ العَادِيِّ طَمَّتْ عَلَى البَحْرِ

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذًا :

وبشر الذين آمنوا أنّ لهم تقدِمة خير من الأعمال الصالحة عند ربِّهم ] ([282]) .

 

وقال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

[  وَقَوْلُهُ: { أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } اخْتَلَفُوا فِيهِ ،

فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : { أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ }  يَقُولُ :

سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ .

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : { أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } يَقُولُ :

 أَجْرًا حَسَنًا ، بِمَا قَدَّمُوا .

وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ  

وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا } الْكَهْفِ: 2 ، 3

وَقَالَ مُجَاهِدٌ : { أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِم } قَالَ : الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ صَلَاتُهُمْ وَصَوْمُهُمْ وَصَدَقَتُهُمْ وَتَسْبِيحُهُمْ  .

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ أَوِ الْحَسَنِ { أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ }  قَالَ : مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفِيعٌ لَهُمْ  .

وَكَذَا قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ .

وَقَالَ قَتَادَةُ : سَلفُ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ .

وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلَ مُجَاهِدٍ - أَنَّهَا الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الَّتِي قَدَّمُوهَا – قَالَ : كَمَا يُقَالُ: " لَهُ قَدَمٌ فِي الْإِسْلَامِ "

وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

لَنَا القَدَمُ العُليا إِلَيْكَ وخَلْفُنا لأوَّلِنا فِي طاعَة اللهِ تَابعُ ...

وَقَوْلُ ذِي الرُّمة  :

لكُم قَدَمٌ لَا يُنْكرُ الناسُ أَنَّهَا ... مَعَ الحسَبِ العَادِيّ طَمَّت عَلَى البَحْرِ ) ([283]) .

هل رأيتم أحداً من هؤلاء الأئمة ، والعلماء الكرام ، أثبت للصدق قدماً ، ورجلاً ؟ !

بل هل رأيتم أحداً منهم يقترب من القدم ، والرجل ، ويعير لها اهتمامه ؟ أم يذهب مباشرة إلى كلام العرب ، وأساليبهم في تفسير الأيات ، وتأويلها ؟ !

وهذه آيات متواترة ، قطعي الثبوت ، يؤولونها بما يلائم مع السياق ، وعلى أساليب العرب في المخاطبة .

فلماذا يثبت البعض لله تعالى رِجلاً ، وقدماً ، يضعها في نار جهنم ؟ ! سبحانه وتعالى ، وتبارك وتعاظم !

 

وجه النهار !

9 – أول النهار !

قال تعالى : ( وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) ( [284] ) .

قال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

[  هذِهِ مَكِيدَةٌ أَرَادُوهَا ليلْبسُوا عَلَى الضُّعَفَاءِ مِنَ النَّاسِ أمْر دِينِهِمْ ،

وَهُوَ أَنَّهُمُ اشْتَوروا بَيْنَهُمْ أَنْ يُظْهِرُوا الْإِيمَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ ويُصَلّوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ صَلَاةَ الصُّبْحِ ،

 فَإِذَا جَاءَ آخِرُ النَّهَارِ ارْتَدُّوا إِلَى دِينِهِمْ لِيَقُولَ الْجَهَلَةُ مِنَ النَّاسِ : إِنَّمَا رَدّهم إِلَى دِينِهِمُ اطّلاعهُم عَلَى نَقِيصَةٍ وَعَيْبٍ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلِهَذَا قَالُوا : { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } .

قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْيَهُودِ بِهَذِهِ الْآيَةِ : يَعْنِي يَهُودَ، صَلَّت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَكَفَرُوا آخِرَ النَّهَارِ، مَكْرًا مِنْهُمْ ،

 ليُرُوا النَّاسَ أَنَّ قَدْ بَدَتْ لَهُمْ مِنْهُ الضَّلَالَةُ ، بَعْدَ أَنْ كَانُوا اتَّبِعُوهُ .

وَقَالَ العَوْفِي ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ : إِذَا لَقِيتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ أَوَّلَ النَّهَارِ فَآمِنُوا ، وَإِذَا كَانَ آخِرُهُ فَصَلّوا صَلَاتَكُمْ ، لَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ : هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكِتَابِ وَهُمْ أَعْلَمُ مِنَّا .

وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَالرَّبِيعِ وَأَبِي مَالِكٍ ] ([285]) .

 

وقال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

[ عن قتادة في قوله  : " آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره " ،

فقال بعضهم لبعض : أعطوهم الرضى بدينهم أوّل النهار ، واكفروا آخره ،

فإنه أجدر أن يصدّقوكم ، ويعلموا أنكم قد رأيتم فيهم ما تكرهون ، وهو أجدَرُ أن يرجعوا عن دينهم ] ([286]) .

 

وقال الشيخ السعدي ، رحمه الله :

[ أي : ادخلوا في دينهم على وجه المكر والكيد أول النهار، فإذا كان آخر النهار فاخرجوا      منه ] ([287]) .

ولـم نرَ هنـا أحـداً ، أثبت للنهـار وجهـاً ؟ بـل الجميـع – بدون أي تردد – فسر ( وجه النهار ) بـ ( أول النهار ) !

لماذا يا تُرى ؟ أليس هناك أي إحتمال ، أن يكون للنهار وجهاً – ولاسيما النص أضاف الوجه للنهار – لا نعرف نحن كيفيته ؟ !

أليـس الذيـن يثبتـون الوجـه لله تعالى ، يعتمدون ويستدلّون بالآية الكريمة ، التي تضيف الوجه لله ؟ !

 

 

 

 

كلام العرب !

        

وقد لاحظنا في تلك التفاسير للأئمة ، والعلماء ، رحمهم الله تعالى ، أنهم إستندوا إلى كلام العرب  وأساليبهم في بيان ، وتوضيح المعاني !

         ولقد ذكرنا كلام عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما – حبر الأمة ، وترجمان القرآن – عندما   قال :

[ إِذَا خَفَى عَلَيْكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَابْتَغُوهُ فِي الشِّعْرِ فَإِنَّهُ دِيوَانُ الْعَرَبِ ] ! ( [288] ) .

وذكرنا أيضاً كلام الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله ، حيث قال :

[ ومثل ذلك من كلام العرب في أشعارها وأمثالها أكثر من أن يُحْصى . فخاطبهم الله بما يتعارفونه ويتحاورونه بينهم في كلامهم ] !  ( [289] ) .

 

 

يوم يكشف عن ساق !

        

ونعيد ما قلناه عن حقيقة الكشف عن الساق – والله أعلم – :

أن الإنسان عامة ، إذا أصابه رعب وخوف ، من شيء يريد القضاء عليه ، ولا يستطيع ردّه ، لا شك أنه يسلك سبيل الهرب والفرار ، للنجاة بنفسه .

         قال تعالى : ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ . فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ ) ( [290] ) .

         والعرب ثيابهم معروفة ، فكانوا إذا أرادوا أن يفروا من أمر خطير ، عندما تدلهمّ الخطوب ، ما كانوا يستطيعون أن يهربوا مسرعين ، فيضطروا إلى أن يشمروا ثيابهم ، من أجل ذلك ، عندها كانت سيقانهم تنكشف !

        

 

قال الزبير بن العوام t وهو يتحدث عن بداية معركة أُحُد :

         ( لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ) ([291]) .

        

قال الإمام الزمخشري ، رحمه الله :

         [  يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ . خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ .

الكشف عن الساق والإبداء عن الخدام [ الخلخال ] : مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب ،

 وأصله في الروع والهزيمة وتشمير المخدرات عن سوقهنّ في الهرب ، وإبداء خدامهن عند ذلك .

قال حاتم :

أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها ... وإن شمّرت عن ساقها الحرب شمّرا

وقال ابن الرقيات :

تذهل الشّيخ عن بنيه وتبدى ... عن خدام العقيلة العذراء

فمعنى يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ في معنى : يوم يشتدّ الأمر ويتفاقم ،

ولا كشف ثم ولا ساق ، كما تقول للأقطع الشحيح : يده مغلولة ، ولا يد ثم ولا غل ، وإنما هو مثل في البخل .

وأما من شبه فلضيق عطنه  وقلة نظره في علم البيان ،

والذي غرّه منه حديث ابن مسعود رضى الله عنه : « يكشف الرحمن عن ساقه ، فأمّا المؤمنون فيخرّون سجدا  ، وأما المنافقون فتكون ظهورهم طبقا طبقا كأنّ فيها سفافيد »  

ومعناه : يشتد أمر الرحمن ويتفاقم هوله ، وهو الفزع الأكبر يوم القيامة ،

ثم كان من حق الساق أن تعرف على ما ذهب إليه المشبه ، لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده وهي ساق الرحمن .

فإن قلت : فلم جاءت منكرة في التمثيل ؟ قلت:

للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة منكر خارج عن المألوف ،

كقوله يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ

كأنه قيل : يوم يقع أمر فظيع هائل ،

ويحكى هذا التشبيه عن مقاتل :

وعن أبى عبيدة : خرج من خراسان رجلان ، أحدهما: شبه حتى مثل ، وهو مقاتل بن سليمان،

والآخر نفى حتى عطل وهو جهم بن صفوان ،

ومن أحس بعظم مضارّ ففد هذا العلم علم مقدار عظم منافعه .

 وقرئ : يوم نكشف بالنون. وتكشف بالتاء على البناء للفاعل والمفعول جميعا ،

والفعل للساعة أو للحال ، أى : يوم تشتدّ الحال أو الساعة ، كما تقول: كشفت الحرب عن ساقها على المجاز .

وقرئ : تُكشِف بالتاء المضمومة وكسر الشين، من أكشف : إذا دخل في الكشف . ومنه . أكشف الرجل فهو مكشف، إذا انقلبت شفته العليا. وناصب الظرف: فليأتوا. أو إضمار « اذكر »

أو يوم يكشف عن ساق كان كيت وكيت ، فحذف للتهويل البليغ ، وإن ثم من الكوائن ما لا يوصف لعظمه .

عن ابن مسعود رضى الله عنه : تعقم أصلابهم ، أى ترد عظاما بلا مفاصل لا تنثني عند الرفع والخفض .

وفي الحديث : وتبقى أصلابهم طبقا واحدا ، أى . فقارة واحدة .

فإن قلت : لم يدعون إلى السجود ولا تكليف ؟ قلت : لا يدعون إليه تعبدا وتكليفا ، ولكن توبيخا وتعنيفا على تركهم السجود في الدنيا ،

 مع إعقام أصلابهم والحيلولة بينهم وبين الاستطاعة تحسيرا لهم وتنديما على ما فرّطوا فيه حين دعوا إلى السجود، وهم سالمون الأصلاب والمفاصل ممكنون مزاحو العلل فيما تعبدوا به ] ([292]) .

قال الشريف الرضي :      يقبلن كالجيش المغير يؤمه   كَمِشُ الإزار مُقَلِّصٌ عن ساقِ

وقال البوصيري :      فإن شمَّروا عن ساقِ ظلمي  فإنني لِذَمِّهم عن ساق جَدِّي مُشَمِّر

وقال ابن شهاب :         أكرم به من سيد متواضع طبعاً     وعن ساق الفخار مشمّر

فهل للجد والفخار ساق ؟ !

 

أو يأتيَ رَبُّك !

         10 – أمر ربّك !

قال تعالى : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ) [293] .

 

قال الإمام القرطبي ، رحمه الله :

[  قَوْلُهُ تَعَالَى: ( هَلْ يَنْظُرُونَ ) مَعْنَاهُ أَقَمْتُ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ وَأَنْزَلْتُ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ فَلَمْ يُؤْمِنُوا ، فَمَاذَا يَنْتَظِرُونَ .

( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ ) أَيْ عِنْدَ الْمَوْتِ لِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ .

( أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ : أَمَرَ رَبُّكَ فِيهِمْ بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرِهِ ،

وَقَدْ يذكر المضاف إليه والمراد به المضاف ،

كقول تعالى : " وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ " يَعْنِي أَهْلَ الْقَرْيَةِ .

وَقَوْلُهُ : " وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ  "  أَيْ حُبُّ الْعِجْلِ .

كَذَلِكَ هُنَا : يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ، أَيْ عُقُوبَةُ رَبِّكَ وَعَذَابُ ربك .

ويقال : هذا مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله. . .

( أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ) قِيلَ : هُوَ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا .

بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُمْ يُمْهَلُونَ فِي الدُّنْيَا فَإِذَا ظَهَرَتِ السَّاعَةُ فَلَا إِمْهَالَ .

وَقِيلَ : إِتْيَانُ اللَّهِ تَعَالَى مَجِيئُهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا"

وَلَيْسَ مَجِيئُهُ تَعَالَى حَرَكَةً وَلَا انْتِقَالًا وَلَا زَوَالًا ،

لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَ الْجَائِي جِسْمًا أَوْ جَوْهَرًا .

 

وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السنة أنهم يقولون : يجئ وَيَنْزِلُ وَيَأْتِي . وَلَا يُكَيِّفُونَ ،

لِأَنَّهُ" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ] ([294]) .

 

 

أن يأتيَهُم الله !

         قال تعالى : (  هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) ( [295] ) .

         قال الإمام القرطبي ، رحمه الله ، أيضاَ :

         [  قَالَ الْفَرَّاءُ : وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ " هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ" .

قَالَ قَتَادَةُ : الْمَلَائِكَةُ يَعْنِي تَأْتِيهِمْ لِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ ، وَيُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ .

قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ : تَأْتِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ، وَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِيمَا شَاءَ .

وَقَالَ الزَّجَّاجُ : التَّقْدِيرُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ .

وَقِيلَ : لَيْسَ الْكَلَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى يَأْتِيهِمْ أَمْرُ اللَّهِ وَحُكْمُهُ .

وَقِيلَ : أَيْ بِمَا وَعَدَهُمْ مِنَ الْحِسَابِ وَالْعَذَابِ فِي ظُلَلٍ ، مِثْلَ : " فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا  " أَيْ بِخِذْلَانِهِ إِيَّاهُمْ ، هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْأَخْفَشِ سَعِيدٍ .

وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْإِتْيَانِ رَاجِعًا إِلَى الجزاء ، فسمى الْجَزَاءَ إِتْيَانًا كَمَا سَمَّى التَّخْوِيفَ وَالتَّعْذِيبَ فِي قِصَّةِ نُمْرُوذَ إِتْيَانًا فَقَالَ : " فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ

وَقَالَ فِي قِصَّةِ النَّضِيرِ : " فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ " .

وَقَالَ : " وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها  ".

 وَإِنَّمَا احْتَمَلَ الْإِتْيَانُ هَذِهِ الْمَعَانِي لِأَنَّ أَصْلَ الْإِتْيَانِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ هُوَ الْقَصْدُ إِلَى الشَّيْءِ ،

 فَمَعْنَى الْآيَةِ : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يُظْهِرَ اللَّهُ تَعَالَى فِعْلًا مِنَ الْأَفْعَالِ مَعَ خَلْقٍ مِنْ خَلْقِهِ يَقْصِدُ إِلَى مُجَازَاتِهِمْ وَيَقْضِي فِي أَمْرِهِمْ مَا هُوَ قَاضٍ ،

وَكَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَحْدَثَ فِعْلًا سَمَّاهُ نُزُولًا وَاسْتِوَاءً كَذَلِكَ يُحْدِثُ فِعْلًا يُسَمِّيهِ إِتْيَانًا ، وَأَفْعَالُهُ بِلَا آلَةٍ وَلَا عِلَّةٍ ، سُبْحَانَهُ !

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ : هَذَا مِنَ الْمَكْتُومِ الَّذِي لَا يُفَسَّرُ .

وَقَدْ سَكَتَ بَعْضُهُمْ عَنْ تَأْوِيلِهَا ، وَتَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ كَمَا ذَكَرْنَا .

وَقِيلَ : الْفَاءُ بِمَعْنَى الْبَاءِ ، أَيْ يَأْتِيهِمْ بِظُلَلٍ ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ :" يَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَةٍ "  أَيْ بِصُورَةٍ امْتِحَانًا لَهُمْ .

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ وَالْخَبَرِ عَلَى وَجْهِ الِانْتِقَالِ وَالْحَرَكَةِ وَالزَّوَالِ ،

لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْرَامِ وَالْأَجْسَامِ ، تَعَالَى اللَّهُ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْأَجْسَامِ عُلُوًّا  كَبِيرًا ] ([296] ) .

وهل كلمة ( جاءت ) ، في قوله تعالى ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ) ق : 19 بنفس معنى كلمة   ( جاءت ) ، في قوله تعالى ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) القصص : 25 ؟ !

هل المجيئين سواء ؟ !  وكيف نفسر الآيات الكريمة التالية :

(  حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ) ( [297] ) ، ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) ( [298] ) ، ( حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ) ( [299] ) ، (  حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ) ( [300] ) ، (  فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) ( [301] ) ، (  وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ) ( [302] ) ، (  فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) ( [303] ) ، (  وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ ) ( [304] ) ، (  فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ) ( [305] )،(  بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) [306] ، (  قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) ( [307] ) ، (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( [308] ) ، (  جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ ) ( [309] ) ، (حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً ) ( [310] ) ، (   لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا ) ( [311] ) ، (  فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ ) ( [312] ) ،  (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) ( [313] ) ، (  فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ) ( [314] ) ، (  وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) ( [315] ) . . . ؟ !

ولماذا يذهب ذهن البعض ، وتفكيرهم ، في الآيات ، التي تتحدث عن مجيء الله تعالى ، إلى الإنتقال ، من مكان إلى آخر ؟ !

هل كان الله تعالى غائباً عن ذلك المكان ، فجاءَه بعد الغياب ؟ تعالى الله سبحانه ، عن ذلك ، عُلُوّاً كبيراً !

أم أن الله تعالى ، يريد أن يُفهِم الإنسان العاقل الطبيعي ، هول ذلك اليوم ، وشدته ، وكأن الله تعالى ، قد ترك كل شيء ، وجاء ليحاسب الناس على أعمالهم ؟ !

وهذه الأيات ، التي تتحدث عن مجيء الله تعالى ، تشبه قوله تعالى : ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ          الثَّقَلَانِ ) الرحمن : 31 

قال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

[  فإنه وعيد من الله لعباده وتهديد، كقول القائل الذي يتهدّد غيره ويتوعده، ولا شغل له يشغله عن عقابه، لأتفرغنّ لك ، وسأتفرّغ لك ، بمعنى : سأجدّ في أمرك وأعاقبك ،

وقد يقول القائل للذي لا شغل له : قد فرغت لي، وقد فرغت لشتمي : أي أخذت فيه ، وأقبلت عليه ،

وكذلك قوله جلّ ثناؤه : ( سَنَفْرغُ لَكُمْ ) : سنحاسبكم ، ونأخذ في أمركم أيها الإنس والجنّ، فنعاقب أهل المعاصي، ونثيب أهل الطاعة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله :     ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ)  ،

قال : وَعيد من الله للعباد، وليس بالله شغل، وهو فارغ ] ([316]) .

 

 

 

وقال الإمام ابن كثير رحمه الله :

[  وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ السَّمَّاكِ عَنْ حَنْبَلٍ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ تَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: وَجاءَ رَبُّكَ 89: 22 أَنَّهُ جَاءَ ثَوَابُهُ .

ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ  ] ([317]) .

 

وقال الشيخ عبد الفتاح بن صالح اليافعي :

[  في (( مناقب أحمد )) للبيهقي ( مخطوط ) :

( قال : وأنبأنا الحاكم ، قال حدثنا أبو عمرو السماك ، قال : حدثنا حنبل بن إسحاق ، قال : سمعت عمي أبا عبد الله ، يعني الإمام أحمد ، يقول :

احتجوا عليَّ يومئذٍ ، يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين ، فقالوا : تجيء سورة البقرة يوم القيامة ، وتجيء سورة تبارك ! فقلت لهم : إنما هو الثواب ،

قال تعالى : ( وجاء ربّك ) إنما تأتي قدرته وإنما القرآن أمثال ومواعظ .

قال البيهقي : هذا إسناد لا غبار عليه ،

وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب ، والنزول الذي وردت به السنة انتقالاً من مكان إلى مكان ، كمجيء ذوات الأجسام ونزولها ،

وإنما هو عبارة عن ظهور آيات قدرته . . .

وهذا الجواب الذي أجابهم به أبو عبد الله لا يهتدي إليه إلا الحذّاق من أهل العلم المنزَّهون عن التشبيه ]  ([318]) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وقَدِمْنا !

 

11 – عمدنا !

قال الله تعالى : (  وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ) ( [319] ) .

 

قال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

[  قَالَ مُجَاهِدٌ ، وَالثَّوْرِيُّ : { وَقَدِمْنَا } أَيْ : عَمَدْنَا .

وَقَالَ السُّدِّيُّ : ( قَدِمْنَا ) : عَمَدنا . وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : أَتَيْنَا عَلَيْهِ ] ([320]) .

 

وقال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

[  يقول تعالى ذكره : ( وَقَدِمْنَا ) وعمدنا إلى ما عمل هؤلاء المجرمون ( مِنْ عَمَلِ ) ; ومنه قول الراجز :           وَقَدِمَ الخَوَارِجُ الضُّلالُ ... إلَى عِبادِ رَبِّهِمْ وَقالُوا       إنَّ دِمَاءَكُم لَنا حَلالُ

يعني بقوله: قدم : عمد .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال: ثنا الحسـن ، قـال: ثنـا ورقاء ، جميعـا عن ابـن أبـي نجيـح ، عـن مجـاهـد ، قولـه : ( وَقَدِمْنَا ) قال : عَمَدنا ] ([321] ) .

وقال الإمام الزمخشري ، رحمه الله :

[  ليس هاهنا قدوم ولا ما يشبه القدوم ، ولكن مثلت حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم، وإغاثة ملهوف، وقرى ضيف، ومنّ على أسير، وغير ذلك من مكارمهم ومحاسنهم

بحال قوم خالفوا سلطانهم واستعصوا عليه ، فقدم إلى أشيائهم، وقصد إلى ما تحت أيديهم فأفسدها ومزقها كل ممزق، ولم يترك لها أثرا ولا عثيرا [ غبارا ] ] ([322]) .

لا نرى هنا أحداً من السلف ، والأئمة ، يذكر القدوم من مكان إلى مكان آخر !

بل يفسرون ذلك بـ ( عمدنا ) ، أي قصدنا !

 

 

بأيدٍ !

 

         12 – بقوة !

           قال تعالى : ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) ( [323] ) . 

        

قال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

         [  يقول تعالى ذكره : والسماء رفعناها سقفا بقوة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنـي علـيّ ، قال : ثنـا أبو صـالح ، قـال : ثنـي معـاويـة ، عـن علـيّ ، عن ابن عباس ، قوله ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ) يقول : بقوة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( بِأَيْدٍ ) قال : بقوة .

حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ) : أي بقوّة .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور أنه قال في هذه الآية   ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ) قال: بقوة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ) قال : بقوة .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ) قال : بقوة ] ([324]) .

        

وقال الإمام ابن كثير ، رحمه الله :

         [  { بِأَيْدٍ } أَيْ : بِقُوَّةٍ . قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ ] ([325]) .

        

هل هذا تأويلٌ ، وصرفٌ ، لظاهر اللفظ ؟ !

أليس القرآن – وهو كلام الله تعالى – يقول بصريح العبارة ( بأيدٍ ) ، وهي جمع ( يد ) ؟ !  ألم يثبت القرآن ذلك ؟ ! لماذا لم يثبتوا ( أيدٍ ) هنا ؟ !

أم أن الأئمة ، من السلف الصالح ، يعلمون أن الله تعالى يتحدث إلى العقلاء ، وذوي الألباب ، والأيد ، هنا عند العرب ، يقصد بها القوة ؟ !

وقد ذكرنا تفسير الأئمة ، لقوله تعالى : ( داود ذا الأيد ) أي : ذا القوة ! ( [326] ) .

وذكـر الواقـدي ، قـول عـروة بن مسعود ، عند صلح الحديبية ، عندما ردّ عليه أبو بكر الصدّيق t :

[  فَقَالَ عُرْوَةُ : أما والله لولا يدٌ لك عِنْدِي لَمْ أَجْزِك بِهَا بَعْدُ لَأَجَبْتُك!

وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ قَدْ اسْتَعَانَ فِي حَمْلِ دِيَةٍ ، فَأَعَانَهُ الرّجُلُ بِالْفَرِيضَتَيْنِ وَالثّلَاثِ وَأَعَانَهُ أَبُو بَكْرٍ بِعَشْرِ فَرَائِضَ ،

فَكَانَتْ هَذِهِ يَدَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ] ([327] ) .

أي اليدين لأبي بكر الصدّيق t ، كانت عند عروة ؟ اليمنى ، أم اليسرى ؟ ! أم أنه لا يتحدث عن الجارحة ، بل عن النعمة ، والعون ، والمساعدة ؟ !

قال أبو العتاهية  :

إنِّي لأَكرَهُ أنْ يكونَ لفاجِرٍ عِندي يَدُ    فتُجَرَّ مَحْمدَتي إلَيْهِ ولَيسَ ممّنْ يحْمَدُ

وقال أبو الفضل الميكالي :

إن لا أكن بالحادثاتِ ذا يدِ      إني عن الصَّديقِ جدُّ ذائدِ )

وقال أبو العتاهية أيضاً :

تُديرُ يَدُ الدّنْيا الرّدى بَينَ أهلِها          كأنَّهُمُ شربٌ قُعُودٌ عَلَى كاسِ

هل للدنيا يدٌ ، ونحن لا ندري ؟ !

سأذكر الآن من أشعار العرب ، ودواوينهم ، التي نصحنا عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما أن نرجع إليها ، إذا خفي علينا شيء من القرآن ،

لنرَ هل كل ما أضافوا إليه اليد ، هو فعلاً له يد ، كما نفهم نحن عن اليد ؟ !

 

قال أبو الفضل الميكالي : هو السؤال لا يُعطيك وافر منةٍ    يد الدهر إلاّ حينَ أبصرته جلدا

وقال أبو القاسم الشابي :        قَدْ كان له قلبٌ ، كالطِّفْلِ       يدُ الأحلامِ تُهَدْهِدُهُ

وقال أبو هدى الصيادي :      وإذا داركت يد الحفظ عبدا    فدواء مضمونها الأدواء

وقال أيضاً :           وحسام قد أصلتته يد القدرة    بالله باتر مضاء

وقال :                من أبي بكر اجتلته صباحا    يد عزم تجلى به الغماء

وقال :                فرقتهم يد التجلي فطوس    دارهم والبطاح والزوراء

وقال :                قلبتهم يد الرسالة نورا    بعد عتم وهذه الكيمياء

وقال :              قد طوتهم يد الزمان فبادوا    وتواروا تحت التراب وساروا

وقال :                  وديار طالت يد الدين فيها    لعبت فوق سطحها الكفار

وقال :               خذ منه فيما صارعتك يد النوى    معنى فعل تذيعه الأقلام

وقال :              فاصبر فؤادي للنوى وهمومه    فلرب قلب تجتليه يد القلا

وقال :            وتشملني وعائلتي وقومي    يد الرحمن باللطف الخفي

وقال أبو تمام :     بيمنِ أبي إسحاقَ طالتْ يدُ العُلى    وقامَتْ قَناةُ الدينِ واشتدَّ كاهِلُهْ

وقال :                 يَدُ الشَّكوى أَتَتْك على البريدِ      تمدُّ بها القصائدُ بالنشيدِ

وقال :             إِذَا مَا يَدُ الأَيَّامِ مَدَّتْ بَنَانَها    إليكِ بخطبٍ لمْ تنلكَ وشلتِ

وقال :           سكنَ الزمانُ فلا يدٌ مذمومةً    للحادِثَاتِ ولا سَوَامٌ يُذْعَرُ

وقال :                 فردُ جمالٍ سليلُ نورِ    بهِ استقلّت يدُ السرورِ

وقال :        سَهِرْتُ فيكَ فلمْ أجحَدْ يَدَ السَّهَرِ    وطالَ فِكْرِي ولاعَتْبٌ على الفِكَرِ

وقال :         تنبهتْ لبني نبهانَ يومَ ثوى    يَدُ الزَّمانِ فعَاثَتْ فِيهمُ وَفَمُهْ

وقال :          يَرُدُّ أَنفاسَهُ كَرْهاً وتَعْطِفُها    يَدُ المَنِيَّةِ عَطْفَ الريحِ لِلغُصُنِ

وقال :        فلو أن نفسي الفُ نفسِ لما انثنت    يَدُ البَيْنِ أو تُودِي بآخرِها نَفَسا

وقال :                      فردُ جمالٍ سليلُ نورِ    بهِ استقلتْ يدُ السرورِ

وقال :               دارٌ كأَنَّ يَدَ الزَّمانِ بأَن    واعِ البِلَى نَشَرَتْ بِها كُتْبَا

وقال أبو فراس الحمداني :  وَكُنْتُ أقِيكِ ، إلى أنْ رَمَتْكِ    يَدُ الدّهرِ مِن حَيثُ لم أحتَسِبْ

وقال :                               اللَّهُ يُنْقِصُ مَا يَشَاءُ      وَفي يَدِ اللَّهِ الزّيَادَة

وقال :      و لمْ أدرِ أنَّ الدهرَ في عددِ العدا    و أنَّ المنايا السودَ يرمينَ عنْ يدِ

وقال :      إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى    وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ

وقال أبو منصور الثعالبي :  من ذا الذي لا يُذِلُّ الدهرُ صعبَتَهُ    ولا تُلينُ يدُ الأيامِ صَعْدَتَهُ

وقال :   فتوحُ بنُ منصورٍ طوَتْهُ يدُ الرَّدى    على حسراتٍ ضُمِّنَتها الجوانِحُ

وقال أحمد شوقي رحمه الله :   لو لا يدُ الله لم ندفع مناكبها    ولم نعالج على مصراعها الأربا

وقال :             كأن يد الغرامِ زمامُ قلبي    فليس عليه دون هَوىً حِجاب

وقال :    أَخذ الموتُ من يدِ الحقِّ سَيفاً    خالديَّ الغرار ، عضباً ، صقيلا

وقال :       لمسته يدُ السماءِ ، فكان ال    بَرْقَ والرعدَ خَفْقَةً وصَليلا

وقال :    طوتهُ يدٌ للموت ، لا الجاهُ عاصماً    إذا بطشتْ يوماً ، ولا المالُ فاديا

وقال :   كبصر الأَعشى أَصاب في الظلام ، ونبا   وكالسراج في يَدِ الريح ، أضاءَ ، وخَبا

وقال أحمد محرم :     رمتها بوبلٍ من حديدٍ وأسربٍ    تتابع يجري من يد الله صائبه

وقال :               ولولا رجالٌ جاهدوا لبقائها    لما تركت منها يد الدهر باقيا

وقال :                 إذا أنجبت رجلاً عاجلته    يد الموت تفجع فيه البلادا

وقال :              لها في يد التاريخ ما ليس ينطوي    من العير اللائي ملأن النهى بهرا

وقال :                ترمي يد الحدثان منه مروعاً    حل العقاب به وأنت المذنب

وقال :        عاثت يد الشر بالقطرين وانطلقت    في الأمتين عوادي الدهر والنوب

وقال :          ما أطلق الحتف إلا انساب في أجلٍ    مصفدٍ في يد الأقدار مغلول

وقال :                        أما يتهلل المحزون إلا    رمته يد الحوادث بالشحوب

وقال :                لما استبقت القول في أعواده    سيقت إليه يد القضاء الجاري

وقال :                وأدنيت من آمالها الغر ما لوى    يد الدهر جافيه وأعياه نازحه

وقال أسامة بن منقذ :     غالَت يد الأيام من بَعدِكُم    ذَخائِرى ، حتى الإسَى والجَلَدَا

وقال :               طَالتْ يَدُ البَين في تَفريقِ أُلفَتِنَا    فَما لهَا قَصُرَتْ عن جَمعِ ما افْتَرقَا !

وقال :                              أبداً يدُ الأيامِ تَقْرف كلما اندملت كلامه

وقال :       وكم له من يد عندي تزيد على    ما سامه الأمل المشتط واقترحا

وقال :               كم من يد أوليتنيها أثمرت    عِندي ، وما كلُّ الأَيادي تُثمرُ

وقال :               عتاب فتحته    شهدٌ جَنَتْه يدُ الوِدادِ النَّاصحِ

وقال إبراهيم اليازجي :   وقائل صف لنا ما الحسن قلت له  هذا الذي ليس للتعريف فيه يد

وقال :                 جلاها لنا ماضي السليفة بارع    طويل يد في كل فن مثقف

وقال :                  وما العتاب على غدر الزمان وفي    يد النوازل سيف يسبق العذلا

وقال :                          وإذا رمتك يد الزمان بنكبة    فاستنجدي بوزيرنا المقدام

وقال :                 هذا يد الله يسري في أناملها    سر من العرش عن يمن يوافيها

وقال :             غصن لوته يد الأقدار فابتدرت    تبكي عليه حمامات اللوى هزجا

وقال :                على غصن لوته يد المنايا    وفي تأريخها قصفته غدرا

وقال المتني :           وكم لظلام الليل عندك من يد ... تخبران المانوية تكذب

وقال ابن الخياط :             يَدٌ لكَ عِنْدِي لا تُؤَدّى حُقوقُها    بِشُكْرٍ وأيُّ الشُّكْرِ منِّي يُطيقُها

وقال :               إذَا آلُ عَمّارٍ أظَلَّكَ عِزُّهُمْ    فَغَيْرُكَ مَنْ يَخْشَى يَدَ الحَدَثانِ

وقال :                  علِقَتْ يَدُ الآمالِ يومَ ولادِهِ    بمَريرِ حبْلِ المَكْرُماتِ متينِهِ

وقال ابن الرومي :           أنا ذاك الذي سقته يد السُّقْم     كؤوساً من المرار رواء

وقال :              ومن الجَوْر أن تُجازَى يدٌ بي       ضاءُ من مخلصٍ يداً سوداء

وقال :               أيّما روضةٍ رأيتَ يدَ الأيام     في عبقريةٍ خضراء

وقال :             ولا أبتغي عنكم شُخوصاً ورحلةً    يدَ الدهر إلا أن يُفرقَنا الدهر

وقال ابن زقاق البلنسي :   وإن صَفِرَتْ منه يدُ المجدِ والعلا    فكم ملئت من راحتيه الحقائب

وقال ابن القيسراني :     لا يرع في يد الفراق زمان    مر لي من وصالكم مسروق

وقال ابن المعتز :      يومَ يخوضُ الحربَ مني عالمٌ    إنّ يدَ الحتف تصيبُ من طلب

وقال :      ألا ربّ وجهٍ في الثرى كان عابساً    إذا خفتُ بَطشاً من يدِ الدّهرِ أو غمزَا

وقال :                و كانتْ يدُ الأيامِ تقبلُ بزتي    فصارتْ يدُ الأيامِ تنفضني نفضا

وقال ابن النبيه :     والمصابيح أطفأتها يد الصبح    فشابت مفارق الروض ذعرا

وقال ابن زمرك :    وإن طوت البرد اليمانى يد البلى    فقد نشر البرد الجديد المفوف

وقال :       فقد نشأت منها غمائم وكف       وإن صدع الشمل الجميع يد النوى بيوسف فخر المنتدى يتألف

وقال ابن شهاب :                 لقد قطفت يد الأيّام غضا    محل غراسه قلبي العميد

وقال :             ولكن نفتني عن حماها يد النوى    لأرض بها مثلي يطول اغتمامه

وقال ابن عبد ربه :             تخطُّ يدُ البكاءِ به سطوراً    على كبدي ويُمْليها السُّهادُ

وقال :        ولي كَبدٌ مشطورةٌ في يَدِ الأسى    فتحتَ الثرى شطرٌ وفوقَ الثرى شطرُ

وقال ابن معتوق : سمحٌ يدُ التّصويرِ خطّتْ للورى    سبلاً إلى الأرزاقِ في راحاتهِ

وقال :                     وَحَكَمْتُمْ عَلَى اللَّيَالي فَخِلْنَا    مَلَّكَتْكُمْ يَدُ الزَّمَانِ إمَاهَا

وقال :                 وخيرَ دعاءٍ قدْ أصابَ إجابةً    بِسَهْمِ خُشُوعٍ فَوَّقَتْهُ يَدُ الْمَجْدِ

وقال ابن معصوم المدني :            لكَ عندي مودَّةٌ أحكمَتْها    يدُ صدقٍ وثيقةُ الأسبابِ

وقال :                  ونَغدو على رَغم الزَّمان وقد ضَفَتْ    موارِدُ وصلٍ رنَّقتها يدُ البُعْدِ

وقال :                   مسدد الرأي لم يعبأ بحادثةٍ    ولم تخنه يدُ الأيَّام والغِيَرِ

وقال :                سلام محبٍ غادرته يد النوى    يقلب في أجمير قلباً على جمر

وقال :               وهل علمت ماذا جنته يدُ الرَّدى    لقد فتكت ويل أمها أيما فتك

وقال ابن نباتة المصري :      أذكى سنا البرق في أحشائه لهبا    وجاذبتهُ يدُ الاشواقِ فانجذبا

وقال :                   ففاجأتنا يدُ التفريقِ مسفرةً    عن سفرةٍ طال فيها شجوُ مرتقب

وقال :                       يا ثاوياً والثنا والحمدُ ينشره    بقيتَ أنتَ وأفنتنا يد الكرب

وقال :              سلت يد السعد على النحس من    أهل الشقا سكينها فانذبح

وقال الأبيوردي :         كذلكَ الصُّبحُ إن هزَّتْ مناصلهُ    يَدُ السّنا فَقَميصُ اللَّيلِ مَقْدودُ

وقال :                 فأشرقَ العدلُ والأيّامُ داجيةٌ    بَثَّتْ يَدُ الظُّلْمِ في أَرْجائِها الظُّلَما

وقال الشيخ أحمد سحنون :  جعلت لنا النسيان- يارب- رحمة … فلولا يد النسيان حطمنا اليأس

وقال :            خابت يد الجهل في طمس الهدى علنا … لم تخدش علما ولا سنا وأسقاما

وهذا غيض من فيض ، وهذه هي روعة اللغة العربية ، كنايات ، ومجاز ، وإستعارة ، وتشبيه ، . . . إلخ

[ فالأسلوب الأدبي ، الجمال أبرز صفاته ، وأظهر مُمَيِّزاتهِ ، ومَنْشأُ جماله ، لما فيه من خيال رائـع ، وتصويـر دقيق ، وتَلمُّسٍ لوجوه الشَّبه البعيدة بين الاشياء ، وإلباس المعنويّ ثوبَ المحسوس ، وإظهار المحسوس في صورة المعنوي ] ([328]) .

 

وهذه هي أشعار العرب ، ودواوينهم ، فهل القرآن الكريم المعجز ، هو دونها في الفصاحة ، والبلاغة ، والذي تحدى العرب الأقحاح ، أن يأتوا بسورة قصيرة من مثله ، فعجزوا ، وهم فرسان الكلام ، والبيان ؟ !

والمشكلة هنا ، ليست في الفهم العربي للكلام ، بل تكمن المشكلة ، في الفهم العجمي للكلام   العربي ! !

فهؤلاء الشعراء العرب ، الذين أضافوا اليد لكل تلك المعاني ، هل هؤلاء لا يعلمون ما يقولون ؟ وهل يخاطبون العرب بما لا يفهمون ؟

يد الدهر ، والزمان ، والموت ، والمنايا ، والأيام ، والكرب ، والتفريق ، والظلم ، والنسيان ، والجهل ، والأشواق ، والردى ، والنوى ، والصدق ، والبعد ، والمجد ، والبكاء ، و. . و . . إلخ

هل لهذه المعاني أياد ، ونحن لا ندري ؟ ! فإذا كان هذا كلام العرب ، فكيف بالقرآن ، الذي نزل بلغتهم ؟ !

فالقرآن الكريم معجز – أي : يعجز الإنسان أن يأتي بمثله – ولا يعرف مستوى إعجازه إلّا المتناهي في الفصاحة والعلم بالأساليب التي يقع فيها التصافح .

والقرآن قد جذب العرب إلى الإيمان بما فيه من روعة وقوة وبيان ، وإيجاز معجز بالعبارة الناصعة والإشارة الواضحة .

وإنّ العرب أذعنوا للقرآن بإعجازه ، وشهدوا على أنفسهم بالعجز .

ثم إن القرآن لم يخرج عن قواعد اللغة العربية ، ولم يبعد عن أساليب القول التي تواضع عليها العرب وتعاملوا بها .

فلن تجد القرآن الكريم خارجاً على وجه واحد من الكلام العربي وأساليبه ، خروجاً غير مألوف.

وها قد رأينا شعراء العرب ، يضيفون اليد لكل تلك الأسماء .

فهل فهم عاقل منها اليد الحقيقية لها ؟ وهل قال أحد في العالمين : أن لتلك الأسماء يد ، ولكن لا نعرف كيفيتها ؟ !

ولقد رأينا  البعض ، يقول أقوال في سبيل الدفاع عن فهمه ، لا ينتهي منها العجب !

وبعض منهم علماء ، أئمة ، أصحاب عقول كبيرة ، تتعجب من صدور بعض الأقوال عنهم :

ومن ذلك :

[  قولهم : أن تثنية اليد في قوله تعالى : } لما خلقت بيديّ { و } بل يداه مبسوطتان { وغير ذلك يمنع من تأويلها بالقدرة أو النعمة لأن لله قدرة واحدة وأما نِعَمه فلا تحصى

 ثم أن لفظ اليدين بصيغة التثنية لم يستعمل في النعمة ولا في القدرة ( [329] )  ] ( [330] ) .

[ ومع إجلالي الكبير لهؤلاء العلماء فإني لأعجب كيف يصدر هذا الإستدلال من أعلام التفسير والحديث وجهابذة اللغة والأدب .

وأنا لا أرى رأي المؤولين ولكن هل يصح في اللغة مثل هذه اللوازم ؟

وهل تجوز اللغة فعلاً أن أقول : فلان في يدي بمعنى في قدرتي . ولا يجوز أن أقول في يدَيَّ .

 لأن هذا يوهم أنه في قدرتَيَّ وإنما هي قدرة واحدة ؟

والله يشهد أني قد تحرجت كثيراً من ردّ هذا الإستدلال لكثرة القائلين به لولا أني وجدت أمامي مَن تنبه لهذا في المتقدمين والمتأخرين .

فمن المتقدمين الإمام النووي رحمه الله – حيث يقول :

( فإن قيل : فقدرة الله واحدة والإصبعان للتثنية

فالجواب أنه قد سبق أن هذا مجاز واستعارة فوقع التمثيل بحسب ما اعتادوه غير مقصود به التثنية والجمع والله أعلم ) ( [331] ) .

ومن المتأخرين صاحب المنار السيد محمد رشيد رضا حيث قال وهو يرد على الطبري :

( واليد واليدان لم يقصد بلفظهما النعمة ولا القوة ولا الملك وإنما الإستعمال في الموضعين من الكناية .

ونكتة التثنية أفادت سعة العطاء ومنتهى الجود والكرم .

وما سبب ذهول ابن جرير عن نكتة التثنية إلا توجهه إلى الرد على أهل الجدل في المذهب الذي كانوا قد انتحلوه في تأويل الصفات .

ومتى وجه الإنسان همه إلى شيء يكون له منه حجاب ما عن غيره

وتقرير الحقيقة لذاتها غير الرد على من يعدون من خصومها } ما جعل الله لِرَجُل من قَلْبَين في جوفه { الأحزاب / 4 .

ولهذا غلط كثير من أنصار مذهب السلف في مسائل خالفوا فيها المذهب من حيث يريدون تأييده وهذه آفة من آفات عصبية المذاهب لا تنفك عنها ) ( [332] ) .

وعلى أية حال فإن القرآن نفسه قد استخدم تثنية اليدين دون أن يخطر على بال إنسان ما  هذا اللازم .

فقد جاء في القرآن : } بين يدَيْ رحمته { الأعراف / 57 ، } بين يدَيْ عذاب شديد { سبأ / 46 ،     } لا تُقَدِّموا بين يدي الله ورسوله { الحجرات / 1 .

وكلها كناية عن القرب ونحوه ولا يلزم منه وجود قربين لتثنية اليدين .

وإنما هذه اللفظة بمجملها تعني : القرب

وليست العملية عملية جمع ولا طرح .

وهكذا في قولنا فلان بين إصبعيّ أي أني مقتدر عليه . والأمر في تصوري لا يحتاج إلى نظر – والله المستعان  ] ( [333] ) .

وأغرب البعض في الدفاع عن معتقده ، فقال :

[  وأما قوله تعالى : { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } [الذاريات: 47] ، فالأيد هنا بمعنى القوة ، فهي مصدر آد يئيد، بمعنى: قيد ،

وليس المراد بالأيد صفة الله ، ولهذا ما أضافها الله إلى نفسه ، ما قال : بأيدينا ! بل قال : {بِأَيْدٍ}، أي : بقوة ] ! ! ! [334] .

 

 لقد أضاف الله تعالى بناء السماء لنفسه ! ! ! وإلا إلى مَن يضيف بناءها ؟ ولمن هذه القوة ؟

وقد قال تعالى ، في آية كريمة أخرى : (   أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا ) ( [335] ) .

ويقول تعالى : (  أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ) ( [336] ) .

 

فالله تعالى ، أضاف بناء السماء إلى نفسه ، ولم يعتمد على قوة لغيره !

 

وكمــا ذكرنا سابقاً : إنّ الله تعالى ، يخاطبنا بما تواضعنا عليه ، وبلساننا ، حتى نفهم منه سبحانه !

وما ربط اليد بالقوة عندنا ؟ أليس القويّ منّا ، يستخدم يديه غالباً في أعماله ؟

 

[  يُقَالُ : مَا لِي بِهَذَا الأَمر يَدٌ وَلَا يَدانِ لأَن المُباشَرةَ والدِّفاعَ إِنما يَكُونَانِ باليَدِ ، فكأَنَّ يَدَيْهِ مَعْدُومَتانِ لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِه. ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُهُمْ لَا يَدَيْنِ لَكَ بها، معناه لا قُوّة لَكَ بِهَا ] ( [337] ) .

 

 

ثم مــاذا يقول الشيخ هنا عن ( أَيْدٍ ) ، التي جاءت في هذه الآية الكريمة ؟ هل هي : مصدر آد يئيد ؟ :

يقول تعالى : (  أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ) ( [338] )  ؟ ؟

فالله سبحانه ، قد ذكر هنا ، اليد والرِجل والعين والأذن ، التي يمتلكها الإنسان .

وذكر تعالى ، هذه الآلات بصورة الجمع .

 

رِجل وجمعها أرجل .  يد وجمعها أيد  .  عين وجمعها أعين  .  أُذُن وجمعها آذان 

 

قال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

 

[  القول في تأويل قوله : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195) }

 

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين عبدوا الأصنام من دونه ، معرِّفَهم جهل ما هم عليه مقيمون : ألأصنامكم هذه، أيها القوم  ( أرجل يمشون بها ) ، فيسعون معكم ولكم في حوائجكم ، ويتصرفون بها في منافعكم  

( أم لهم أيد يبطشون بها ) ، فيدفعون عنكم وينصرونكم بها عند قصد من يقصدكم بشرّ ومكروهٍ

 

  ( أم لهم أعين يبصرون بها ) ، فيعرفونكم ما عاينوا وأبصروا مما تغيبون عنه فلا ترونه

 

 ( أم لهم آذان يسمعون بها ) ، فيخبروكم بما سمعوا دونكم مما لم تسمعوه؟

 

يقول جل ثناؤه : فإن كانت آلهتكم التي تعبدونها ليس فيها شيء من هذه الآلات التي ذكرتُها ،

 

 والمعظَّم من الأشياء إنما يعظَّم لما يرجى منه من المنافع التي توصل إليه بعض هذه المعاني عندكم ، فما وجه عبادتكم أصنامكم التي تعبدونها ، وهي خالية من كل هذه الأشياء التي بها يوصل إلى اجتلاب النفع ودفع الضر؟ ] ( [339] ) .

 

وقال الشيخ السعدي ، رحمه الله :

 

[  وهذا من نوع التحدي للمشركين العابدين للأوثان ، يقول تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ }

أي : لا فرق بينكم وبينهم ، فكلكم عبيد لله مملوكون، فإن كنتم كما تزعمون صادقين في أنها تستحق من العبادة شيئا { فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ } فإن استجابوا لكم وحصلوا مطلوبكم ، وإلا تبين أنكم كاذبون في هذه الدعوى ، مفترون على الله أعظم الفرية ،

 

وهذا لا يحتاج إلى التبيين فيه ، فإنكم إذا نظرتم إليها وجدتم صورتها دالة على أنه ليس لديها من النفع شيء، فليس لهـا أرجل تمشي بها ، ولا أيد تبطش بها ، ولا أعين تبصر بها ، ولا آذان تسمع بها ، فهي عادمة لجميع الآلات والقوى الموجودة في الإنسان .

 

فإذا كانت لا تجيبكم إذا دعوتموها ، وهي عباد أمثالكم ، بل أنتم أكمل منها وأقوى على كثير من الأشياء ، فلأي شيء عبدتموها ] ( [340] ) .

 

[  { ألهم أرجل يمشون بها أم } بل أ { لهم أيد } جمع يد { يبطشون بها أم } بل أ { لهم آذان يسمعون بها }

اسْتِفْهَـام إنْـكَـارِيّ أَيْ لَيْسَ لَهُـمْ شَيْء مِـنْ ذَلِـكَ مِمَّـا هُوَ لَكُمْ فَكَيْفَ تَعْبُدُونَهُمْ وَأَنْتُمْ أَتَمّ حَالًا مِنْهُمْ ] ( [341] ) .

 

وجاء في تاج العروس :

 

[  ( الأيادي ) جمع أَيْدٍ جمْع يَدٍ فَهُوَ جَمْعُ الجمعِ ،

 

واليَـد أَصـلٌ فِــي الجـارِحـة ، وَتطلـق بِمَعْنـى القُـوّة ، لِأَنَّهَـا بهَــا ، وَبِمَعْنـى النِّعْمَـة لِأَنَّهَــا تُنَاوِلُها  ] ( [342] ) .

 

[  اليد : من المنكب إلى أطراف الأصابع والجمع أيدٍ وجمع الجمع أيادٍ وأكثر استعمالها في يد النعمة ، و"يداً بيدٍ" معناه حاضراً بحاضر ] ( [343] ) .

قال الراغب الأصفهاني ، رحمه الله :"

 

[ الْيَدُ : الجارحة ، أصله : يَدْيٌ لقولهم في جمعه : أَيْدٍ ويَدِيٌّ . وأَفعُلٌ في جمع فَعْلٍ أكثرُ . نحو: أفلُس وأكلُب ، وقيل : يَدِيٌّ نحو :

عَبْدٍ وعَبِيدٍ ، وقد جاء في جمع فَعَلٍ نحو : أَزمُن وأَجبُل . قال تعالى : إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [المائدة/ 11] ،

 

أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها [الأعراف/ 195]

 

وقولهم : يَدَيَانِ على أنّ أصله يَدْيٌ على وزن فَعْلٍ ،

 

ويَدَيْتُهُ : ضربت يَدَهُ ، واستعير اليَدُ للنّعمة ، فقيل : يَدَيْتُ إليه . أي: أسديت إليه ، وتجمع على أَيَادٍ، وقيل: يَدِيٌّ . قال الشاعر :

فإنّ له عندي يَدِيّاً وأَنْعُماً

 

وللحوز والملك مرّة يقال : هذا في يَدِ فلانٍ .

أي : في حوزه وملكه . قال تعالى : إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ [البقرة/ 237] وقولهم : وقع في يَدَيْ عَدْلٍ .

 

وللقوّة مرّةً ، يقال : لفلان يَدٌ على كذا ، ومالي بكذا يَدٌ ، ومالي به يَدَانِ . قال الشاعر :

 

فاعمد لما تعلو فمالك بالّذي ... لا تستطيع من الأمور يَدَانِ

 

 وشبّه الدّهر فجعل له يَدٌ في قولهم: يَدُ الدّهرِ ، ويَدُ المِسْنَدِ ، وكذلك الريح في قول الشاعر:

 

بِيَدِ الشّمال زمامها لما له من القوّة  ومنه ، قيل : أنا يَدُكَ ،

 

ويقال : وضع يَدَهُ في كذا : إذا شرع فيه .

 

ويَدُهُ مطلقة : عبارة عن إيتاء النّعيم ،

 

ويَدٌ مَغْلُولَةٌ : عبارة عن إمساكها . وعلى ذلك قيل : وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ [المائدة/ 64] ،

 

ويقال : نفضت يَدِي عن كذا . أي : خلّيت

 

وقوله عزّ وجلّ : إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ [المائدة/ 110] ، أي : قوّيت يَدَكَ ،

 

وقوله : فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ [البقرة/ 79] ، فنسبته إلى أَيْدِيهِمْ تنبيه على أنهم اختلقوه ، وذلك كنسبة القول إلى أفواههم في قوله عزّ وجلّ : ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ [التوبة/ 30] ، تنبيها على اختلاقهم .

 

وقوله : أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها [الأعراف/ 195] ، وقوله : أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ [ص/ 45] ، إشارة إلى القوّة الموجودة لهم . وقوله : وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ [ص/ 17] ، أي : القوّة .

 

وقوله : حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التوبة/ 29] ، أي : يعطون ما يعطون عن مقابلة نعمة عليهم في مقارّتهم .

وموضع قوله : عَنْ يَدٍ في الإعراب . حال  .

 

وقيل : بل اعتراف بأنّ أَيْدِيَكُمْ فوق أَيْدِيهِمْ . أي : يلتزمون الذّلّ .

 

وخذ كذا أثر ذي يَدَيْنِ ،

 

ويقال : فلانٌ يَدُ فلانٍ أي : وَلِيُّهُ وناصرُهُ ، ويقال لأولياء الله : هم أَيْدِي اللهِ ، وعلى هذا الوجه قال عزّ وجلّ : إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح/ 10] ، فإذا يَدُهُ عليه الصلاة والسلام يَدُ اللهِ، وإذا كان يَدُهُ فوق أيديهم فيَدُ اللهِ فوق أيديهم ،

 

ويؤيّد ذلك ما روي : « لا يزال العبد يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويَدَهُ الّتي يبطش بها »

 

 وقوله تعالى : مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا [يس/ 71] ، وقوله : لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ [ص/ 75] ، فعبارة عن تولّيه لخلقه باختراعه الذي ليس إلا له عزّ وجلّ .

 

وخصّ لفظ اليَدِ ليتصوّر لنا المعنى ، إذ هو أجلّ الجوارح التي يتولّى بها الفعل فيما بيننا

 

ليتصوّر لنا اختصاص المعنى لا لنتصوّر منه تشبيها ،

 

وقيل معناه : بنعمتي التي رشّحتها لهم ،

 

والباء فيه ليس كالباء في قولهم : قطعته بالسكّين ، بل هو كقولهم: خرج بسيفه . أي : معه سيفه ،

 

معناه : خلقته ومعه نعمتاي الدّنيويّة والأخرويّة اللّتان إذا رعاهما بلغ بهما السّعادة الكبرى .

 

وقوله : يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح/ 10] ، أي : نصرته ونعمته وقوّته ،

 

ويقال : رجل يَدِيٌّ ، وامرأةٌ يَدِيَّةٌ . أي : صناع ،

 

وأما قوله تعالى : وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ [الأعراف/ 149] ، أي : ندموا ، يقال : سقط في يَدِهِ

وأسقط : عبارة عن المتحسّر ، أي : عمّن يقلّب كفّيه كما قال عزّ وجلّ : فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها [الكهف/ 42] ،

 

وقوله : فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ [إبراهيم/ 9] ، أي : كفّوا عمّا أمروا بقبوله من الحقّ ،

يقال : ردّ يَدَهُ في فمه . أي : أمسك ولم يجب ،

 

وقيل : ردّوا أَيْدِيَ الأنبياءِ في أفواههم . أي : قالوا ضعوا أناملكم على أفواهكم واسكتوا ، وقيل : ردّوا نعم الله بأفواههم بتكذيبهم  ] ( [344] ) .

 

ومن كلام الإمام الراغب الأصفهاني ، رحمه الله ، نفهم أنّ ( اليد ) أُستعير لمعاني عديدة .

 

وعندما تُذكر في الكلام فلا يعني أنها المراد منه . وليس من الضروري ، أن يكون صاحب الشأن الذي أُضيف إليه اليد ، ذا يدٍ ! 

 

أُستُعير اليد لهذه المعاني التالية :

 

1 – للنعمة :

 

يديتُ إليه : أي : أسديتُ إليه ، وأعطيته نعمة . 

 

وله عندي يد : أي : له عندي نعمة أعطانيها .

 

 فماذا تقول فيمن يفهم من هذا الكلام : أنّ يده الحقيقية – الجارحة – عندي ؟ !

 

2 – للحوز والملك :

 

هذا في يد فلان : أي : في حوزه وملكه . ومنه قول الله تعالى : (   أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاح ) ( [345] ) .

 

3 – للقوة والقدرة  :

 

لفلان يدٌ على كذا : أي : لفلان قوة وقدرة على كذا .

 

مالي بكذا يد : أي : مالي بكذا قوة وقدرة .

 

مالي به يدان : أي : مالي به قوة وقدرة .

 

ومنه : يد الدهر . يد المِسند . يد الشمال ( الريح ) . أنا يدك : أي : أنا قوتك .

4 – للشروع :

 

وضع يده في كذا : أي : إذا شرع فيه .

 

5 – للنعيم :

 

يده مطلقة : أي : نعيمه مطلقة ، كثيرة بدون حساب .

 

 

6 – للبخل والإمساك :

 

يده مغلولة : أي : ممسكة ، وصاحبها بخيل .

 

ومنه قوله تعالى : (  وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) ( [346] ) .

ومنه أيضاً ، قوله تعالى : (   وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْط ) ( [347] ) .

 

7 – للتخلية :

 

نفضت يدي عن كذا : أي : خليت ، وتركت كذا .

 

8 – للتقوية :

 

منه قوله تعالى : (  إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُس ) ( [348] ) . أي : قويت يدك .

 

9 – للإختلاق :

 

منه قوله تعالى : (  فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ) ( [349] ) . أي : إختلقوا وافترَوا .

 

10 – للولاية والنصرة :

 

فلان يد فلان : أي : فلان وليّ وناصر فلان .

 

 

 

11 – لتوليه باختراعه الذي ليس إلّا له :

 

منه قوله تعالى : (  أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا ) ( [350] ) . أي : نحن – فقط -  اخترعناها وخلقناها ، ليس غيرنا .

 

ومنه قوله تعالى : (  قَــالَ يَـاإِبْلِيسُ مَـــا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِين ) ( [351] ) .

[  { قَالَ يَا إبْلِيس مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد لِمَا خَلَقْت بِيَدَيّ } أَيْ تَوَلَّيْتُ خَلْقه وَهَذَا تَشْرِيف لِآدَم فَإِنَّ كُلّ مَخْلُوق تَوَلَّى اللَّه خلقه ] ( [352] ) .

 

[  قالَ : يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ، أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ قال الله له : يـا إبليس مــا الـذي صرفـك وصـدك عـن السجود لآدم ، الذي توليت بنفسي خلقه من غير واسطة أب وأم ] ( [353] ) .

 

12 – صناع :

 

رجل يديّ ، وامرأة يديّة : أي : رجل صنّاع ، وامرأة صنّاعة .

 

13 – للندم :

 

منه قول الله تعالى : (  وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ( [354] ) .

 

قال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

 

[  يعني تعالى ذكره بقوله : " ولما سقط في أيديهم " ، : ولما ندم الذين عبدوا العجل  ] ( [355] ).

 

وقال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

 

[  وَقَوْلُهُ : { وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ } أَيْ : نَدِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا ] ( [356] ) .

 

 

14 – للتحسر :

 

منه قول الله تعالى : (  وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ) ( [357] ) .

 

قال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

 

[  فأصبح هذا الكافر صاحب هاتين الجنتين، يقلب كفيه ظهرا لبطن، تلهفا وأسفا على ذهاب نفقته التي أنفق في جنته  ] ( [358] ) .

 

وقال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

 

[  وَقَالَ قَتَادَةُ: يُصفّق كَفَّيْهِ مُتَأَسِّفًا مُتَلَهِّفًا عَلَى الْأَمْوَالِ الَّتِي أَذْهَبَهَا عَلَيْه ] ( [359] ) .

 

15 – للإمساك وعدم الإجابة :

 

منه قول الله تعالى : (  فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيب ) ( [360] ) .

 

قال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

 

[  وكأنّ مجاهدًا وجَّه قوله : ( فردُّوا أيديهم في أفواههم ) ، إلى معنى : ردُّوا أيادى الله التي لو قبلوها كانت أياديَ ونعمًا عندهم ، فلم يقبلوها ] ( [361] ) .

 

وقال الشيخ السعدي ، رحمه الله :

 

[  { فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ } أي : لم يؤمنوا بما جاءوا به ولم يتفوهوا بشيء مما يدل على الإيمان ] ( [362] ) .

 

[  يَد : ( اسم )

 

الجمع : اليد : أَيْدٍ ، و يدِيٌّ ، و أيادٍ

 

يَدّ ، يَد

اليَدُ : من أَعضاء الجسد ، وهي من المنكب إِلى أَطراف الأَصابع [ مؤنثة ]

اليَدُ من كلِّ شيءٍ : مَقْبَضُه

اليَدُ من الثَّوب ونحوه : كُمُّه

 

اليَدُ : النِّعمةُ والإِحسان  تصطنعهما

 

اليَدُ : السُّلطانُ

 

اليَدُ : القُدرة

 

اليَدُ : القُوَّة

 

اليَدُ : الجماعةُ

هم يَدُهُ : أَنصاره

 

وهم يدٌ على غيرهم : مجتمعون متَّفقون

 

اليَدُ : المِلْكُ

 

اليَدُ : الكَفالةُ في الرَّهن

اليَدُ : الطاعةُ والانقياد والاستسلام

 

وأَعطى بيده : استسلم وخَضَع

أَعطى الجزيةَ عن يد : عن ذلٍّ واستسلام

 

ضرب يَدَهُ في يَدِ كذا : شرع فيه

 

اليد العُليا خيرٌ من اليد السُّفلى : أَي المعطيةُ خيرٌ من الآخذة

 

خرج من تحت يده فلانٌ : خَرَّجَهُ وعلَّمه وربّاه

 

الأَمرُ بِيَدِ فلانٍ : في تصرُّفه

 

هو طويل اليد : سَخِيّ ؛ كطويل الباع ، واستعمله المولَّدون بمعنى المختلس

 

هو أَطولُ يدًا منه : أَكرمُ وأَجود

 

مشى بين يديه : قُدَّامَهُ

 

وسُقِطَ في يده ، أَو في يديه : نَدِمَ وتحسَّر ، أَو أَخذ يقلِّب كفَّيه على ما فات

 

جاءَ فلانٌ بما أَدَّتْ يَدٌ إِلى يد : مُخفِقًا خائبًا ،

 

ولقيتُه أَوَّل ذات يدين : أَوّلَ شيءٍ :

 

وابْتَعْتُ الغنمَ ونحوَها اليدين ، أَو باليدين : بثمنين مختلفين : غالٍ ورخيص

وباعها اليَدَانِ : أَسلمها بيدٍ وأَخذ ثمنَها بيدٍ

 

أَعطاه مالاً عن ظهر يدٍ : تفضُّلاً ، ليس من بيعٍ ولا قَرْضٍ ولا مكافأَة

 

بعتُه يدًا بيدٍ : حاضرًا بحاضر

 

لا أَفعلهُ يَدَ الدَّهْر : أَبدًا

 

غسل يديه من المسئوليّة : تبرَّأ منها ،

 

حقيبة يد : حقيبة صغيرة تحمل في اليد ،

 

أخَذ بهم يد البحر : طريقه ،

 

أخَذ بيده / أعطى يده لفلان : أعانه ، ساعده ،

 

أخَذ على يديه / ضرب على يديه : منعه من التصرُّف ،

 

اليَد السُّفلى : الآخذة ،

 

اليَد الطُّولى : الفضل الكبير والعظيم ،

 

اليَد العاملة : العمَّال المشتغلون بأجسامهم لا بعقولهم ،

 

اليَد العُليا : المعطية ،

 

بَسيط اليَدين / رحب اليَدين / سبط اليَدين / طلق اليَد / طلق اليَدين : كريم ، سمح ، سخيّ ،

 

تبادلته الأيدي : انتقل من شخص إلى آخر ،

 

تداولته الأيدي : أقبل عليه الناسُ ، ذاع وانتشر ،

 

لَهُ فيِ كُلِّ مُنَاسَبَةٍ كَرِيمَةٍ يَدٌ : إِحْسَانٌ

 

رَجُلٌ يَدُهُ قَصِيرَةٌ : أَيْ عَاجِزٌ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى شَيْءٍ  الْعَيْنُ بَصِيرَةٌ وَالْيَدُ قَصِيرَةٌ  ] ( [363] ) .

القرآن معجز !

 

قال الإمام أبو بكر الباقلاني ، رحمه الله : 

[  إن المتناهي في الفصاحة والعلم بالأساليب التي يقع فيها التفاصح ، متى سمع القرآن عرف أنه معجز ، لأنه يعرف من حال نفسه أنه لا يقدر عليه ، وهو يعرف من حال غيره مثل ما يعرف من حال نفسه ، فيعلم أن عجز غيره كعجزه هو ] ([364] ) .

وقال الشيخ محمد أبو زهرة ، رحمه الله :

[  إنَّ القرآن جذب العرب إلى الإيمان بما فيه من روعة وقوة بيان ، وإيجاز معجز ،

وأقوال محكمة ، وقصص تطول وتقصر ، وهي مملوءة بالعبرة في طولها وقصرها،

وإطنابها الرائع وإيجازها الذي لا يدع صغير ولا كبير إلا أوفاها

بالعبارة الناصعة ، والإشارة الواضحة ،

فما كان الإيمان نتيجة تحدٍّ للمقاويل منهم وعجز ، وإن كان العجز ثابتًا ، وإنما كان الإيمان ثابتًا بالقرآن ، فهو الذي جذب إلى الإيمان بما فيه من بيان أدركوا أنَّه فوق طاقة البشر ] ([365]) .

 

العرب أذعنوا للقرآن !

وقال علي الطاهر عبد السلام :

[  تتنافس العربُ أيام الجاهليةِ في نظم القصيد والرجز ، وفي الخطب المنثورة ، ورُويتْ عنهم أمثال وأحاديث ،

وكان ما يفيض من قرائح شعرائها وخطبائها في المفاخرات والمنافرات والمهادنات من دواعي الإعجاب والاغتباط .

 وما كان لكل عربي أن يتفتق لسانه بقول الجيد من الشعر أو النثر ؛ فقد يمر جيل أو جيلان ولا يظهـر في القبيلة شاعرٌ أو خطيبٌ يعلي صوتَها وصيتها ، ويعدد مآثرها ،

ويرهب بسلطانِ بلاغتِهِ عدوَّها ؛ فالبلاغة والبيان والفصاحة أمور لابد منها للقبيلة ؛ مما أدى إلى ظهور فنون القول لدى العرب ونبوغهم فيها .

وعلى الرغم من هذا فإن العرب أذعنوا للقرآن ، وأقروا بإعجازه وشهدوا على أنفسهم بالعجز عن مطاولته في أقصر سورة .

كلامٌ معجزٌ ، ليس ثمة شك في ذلك ؛ إذ قامت الشواهدُ والأدلةُ الواضحةُ و القاطعةُ المتصلةُ أبد الدهر على وقوع الإعجازِ بهذا الكلامِ ،

ولا يعلم الأعجمي أنه معجز إلا إذا علم عجز العرب عنه ؛

إذ هو يحتاج في معرفة ذلك إلى أمور لايحتاجها من كان من أهل اللغة وفصاحتها وبلاغتها نفسها ـ أي العربي - ،

فإذا عرف عجز أهل اللغة والفصاحة والبلاغة حل محلهم وجرى مجراهم في إقرارهم بالإعجاز فيه ، وبالتدرج في مستويات النطق والفصاحة لا يخفى علينا أن المتوسط من أهل اللغة واللسان لا يعرف من إعجاز القرآن ما يعرفه غيره ممن له تَمَكُّنٌ في هذه الصنعة ،

فربما حل في هذا الموضع محل الأعجمي في أنه لا يقف على إعجاز القرآن حتى يعرف عجز المتناهي في الصنعة والفصاحة عنه .

 وكذلك لا يعرف المتناهي والمُجِيدُ في الشعر وحده ، أو من بلغ الغاية في معرفة الخطب أو الرسائل وحدها من غور هذا الشأن ـ أي إعجاز القرآن ـ ما يعرفه من استكمل معرفة جميع تصاريف الخطاب ووجوه الكلام وطرق البراعة .

 فلا يقف المختص ببعض هذه العلوم بانفرادها على الإعجاز دون تحققه من عجز البارع في هذه العلوم كلها عنه ،

فأما من كان متناهياً في معرفة وجوه الخطاب وطرق البلاغة والفنون التي يمكن فيها إظهار الفصاحة

فهو متى سمع القرآن عرف إعجازه ، ووقع في نفسه ما يدهشه ويذهل عقله .

 

 

 

 

 

القرآن لم يبعد عن أساليب قول العرب !

 

 ويطرح السؤال نفسه : من أين لهذا الكلام الإعجاز؟ ، ومن أي جهة يُبحثُ عن دلائل الإعجاز فيه ؟

هل من جهة ألفاظه ؟ وكيف ؟

وألفاظه التي نُظم منها هي نفسها الألفاظ المتداولة المعروفة للعرب ، والتي نظموا منها شعرهم ، وصاغوا منها حكمهم وأمثالهم وخطبهم ،

 هل من جهة تركيب عباراته وجمله ؟ وكيف ؟ والقرآن لم يخرج عن قواعد اللغة العربية ، ولم يبعد عن أساليب القول التي تواضع عليها العرب وتعاملوا بها .

هل من جهة معانيه التي احتوتها آياتُه وألفاظُه وسورُه ؟ كيف ؟ والمعاني التي دارت حولها آيات القرآن كانت معروفة عند العرب في جملتها ، وخاصة الأخلاقيات منها ، وإن لم يستقيموا عليها أو على كثيرٍ من مفاهيمها .

 وإنك أخي القارئ أينما قلبت وجوه الرأي في الكلام العربي وأساليبه

لن تجد القرآن الكريم خارجاً على وجه واحدٍ منها خروجاً غير مألوف ؛ بحيث يعد وجهاً جديداً مفرداً جــاء بـه القـرآن يُـرى منـه وجـهُ الإعجــاز الـذي لا يقـدر الناس على مثله رؤيةً واضحةً محددةً ] ([366]) .

 

إلتمسوا غريب القرآن في الشعر !

[  يروي الأنباري عنه [ عبد الله بن عباس ] أنه قال : إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب .

ولعل أستاذه في هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،

فقد كان عمر يسأل أصحابه عن معنى قول الله تعالى: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ .

فيقوم له شيخ من هذيل فيقول له : هذه لغتنا . التخوف : التنقص .

فيقول له عمر : هل تعرف العرب ذلك في أشعارها . فيقول له نعم ، ويروي له قول الشاعر :

تخوّف الرحل منها نامكا قردا ... كما تخوّف عود النبعة السّفن

فيقول عمر لأصحابه : عليكم بديوانكم لا تضلوا .

قالوا : وما ديواننا ؟ قال :

شعر الجاهلية فإنّ فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم  .

وكما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، كان يرى ابن عباس أن الرجوع إلى الشعر الجاهلي ضروري للاستعانة به على فهم غريب القرآن فيقول :

الشعر ديوان العرب، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا ذلك منه .

وسار التابعون من تلامذة ابن عباس على طريقته اللغوية في التفسير ،

حتى قامت الخصومة بين بعض الفقهاء واللغويين ومن فسّر بهذه الطريقة

فاتهموهم أنهم بذلك يجعلون الشعر الجاهلي المذموم حديثا وقرآنا أصلا للقرآن ،

والحقيقة والواقع ليسا كذلك ، فما الأمر إلا بيان للحرف الغريب من القرآن بالشعر .

والله العلي القدير يقول: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا . ويقول: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ] ([367]) .

 

 

تأتينا بمصداق التفسير من كلام العرب !

 

قال نجدة بن عريم ، لابن عباس ، رضي الله عنهما : فإنك تريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله عزّ وجل ، فتفسره لنا ،

وتأتينا بمصداقه من كلام العرب ، فإن الله عزّ وجل أنزل القرآن بلسان عربي مبين .

قال ابن عباس : سلاني عما بدا لكما تجدا علمه عندي حاضرا إن شاء الله تعالى

فقالا [ نافع بن الأزرق ، و نجدة بن عريم ] : يا ابن عباس : أخبرنا عن قول الله عزّ وجل : عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ  .

قال : عزين : الحلق الرفاق . قالا : وهل تعرف العرب ذلك ؟

قال : نعم ، أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول :

فجاءوا يهرعون إليه حتّى ... يكونوا حول منبره عزينا

قال نافع : يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عزّ وجل : وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ  . قال : الحاجة .

قال : أو تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت عنترة العبسي وهو يقول :

إنّ الرّجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحّلي وتخضّبي

قال : يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً  . قال: الشرعة : الدّين . والمنهاج : الطّريق .

قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب  وهو يقول :

لقد نطق المأمون بالصّدق والهدى ... وبيّن للإسلام دينا ومنهجا . قال: يعني به النبي صلّى الله عليه وسلّم .

قال : يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ  . قال : نضجه وبلاغه .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال: نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول :

إذا ما مشت وسط النّساء تأوّدت ... كما اهتزّ غصن ناعم النّبت يانع

قال : يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل : يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً  . قال: الرياش : المال .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :

فرشني بخير طالما قد بريتني ... وخير الموالي من يريش ولا يبري . . .

قال : يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل : يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ  .

قال: السّنا  الضّوء الذي يدخل في الكوّة  .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟

قال : نعم ، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب  وهو يقول :

يدعو إلى الحقّ لا يبغي به بدلا ... يجلو بضوء سناه داجي الظّلم

قال : يا ابن عباس : أخبرني عن قول الله عز وجل : بَنِينَ وَحَفَدَةً  . قال : ولد الولد .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : أما سمعت الشاعر وهو يقول :

حفد الولائد حولهنّ وأسلمت ... بأكفّهنّ أزمّة الإجمال

قال : يا ابن عباس : أخبرني عن قول الله عز وجل : وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا  . قال : رحمة من عندنا .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت طرفة بن العبد وهو يقول :

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض

قال : يا ابن عباس : أخبرني عن قول الله عز وجل : أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا . قال: أفلم يعلم الذين آمنوا ، بلغة بني مالك .

قال : فهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت مالك بن عوف وهو يقول :

لقد يئس الأقوام أنّي أنا ابنه ... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا

قال : يا ابن عباس : أخبرني عن قول الله عز وجل : ... يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً . قال : ملعونا محبوسا من الخير .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟  قال : نعم ، أما سمعت عبد الله بن الزّبعري وهو يقول :

إذ أتاني الشّيطان في سنة النّو ... م ومن مال ميله مثبورا

قال : يا ابن عباس : أخبرني عن قول الله عز وجل : فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ . قال : فألجأها المخاض  إلى جذع النخلة .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :

إذ شددنا شدّة صادقة ... فأجأناكم إلى سفح الجبل

قال : يا ابن عباس : فأخبرني عن قول الله عز وجل : وَأَحْسَنُ نَدِيًّا . قال : النادي المجلس والتكأة 

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :

يومان يوم مقامات وأندية ... ويوم سير إلى الأعداء تأويب

قال : يا ابن عباس : أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : أَثاثاً وَرِءْياً . قال : الأثاث : المتاع . والري : من الشراب .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :

كأنّ على الحمول غداة ولّوا ... من الرّئي الكريم من الأثاث

قال : يا ابن عباس : أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً . قال : القاع : الأملس . والصفصف : المستوي .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :

بملمومة شهباء لو قذفوا بها ... شماريخ من رضوى إذا عاد صفصفا . . .

قال : يا ابن عباس : أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ . قال : عن شدة الآخرة

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال: نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :

أسلم عصام أنّه شر باق ... قبلك سر الناس ضرب الأعناق

قد قامت الحرب بنا على ساق . . .

قال : يا ابن عباس : أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ  .

قال: بياض النهار من سواد الليل، وهو الصبح إذا انفلق .

قال : فهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت أمية بن أبي الصلت وهو يقول :

الخيط الأبيض ضوء الصّبح منفلق ... والخيط الأسود لون اللّيل مكموم ] ([368] ) .

ولقد ترك بعض الشعراء الشعر  ، لما سمع القرآن . حيث  جف بلاغة القرآن نبعه !

قال الإمام الذهبي ، رحمه الله ، عن الصحابي الجليل لبيد بن ربيعة t :

[   يقَالُ : إِنَّ لَبِيدًا عَاشَ مِائَةً وَخَمْسِينَ سَنَةً ، وَقِيلَ : إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ شِعْرًا بَعْدَ إِسْلَامِهِ ، وَقَالَ : أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِهِ الْقُرْآنَ .

وَيُقَالُ : قَالَ بَيْتًا وَاحِدًا وَهُوَ :

مَا عَاتَبَ الْمَرْءُ الْكَرِيمُ كَنَفْسِهِ ... وَالْمَرْءُ يُصْلِحُهُ الْقَرِينُ الصَّالِحُ ] ([369] ) .

 

 

 

 

 

 

 

 

عيال الله !

 

ثم هل كل ما أضيف ، إلى الله تعالى ، هو صفة من صفاته ؟ !

ففي الحديث : (  أحب العباد إلى الله أنفعهم لعياله  ) ( [370] ) .

قال الإمام الملا الهروي القاري ، رحمه الله :

[   «الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ» ) : عِيَالُ الْمَرْءِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَنْ يَعُولُهُ ، وَيَقُومُ بِرِزْقِهِ وَإِنْفَاقِهِ ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ مَجَازُ صُورَةٍ ،

وَإِلَّا فَهُوَ الرَّزَّاقُ كَمَا أَنَّهُ هُوَ الْخَلَّاقُ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود: 6]

( « فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ مَنْ أَحْسَنَ إِلَى عِيَالِهِ » ) أَيْ : مَنْ هُيِّئَ ، وَوُفِّقَ إِلَى الْإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ تَعَالَى ،

كَمَا وَرَدَ : خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: « الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ ، فَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ » .

وَقَالَ : رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبَزَّارُ عَنْ أَنَسٍ ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ( رَوَى الْبَيْهَقِيُّ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ ) ] ([371]) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إضافة تشريف ، وتعظيم !

        

قال الشيخ ابن عثيمين ، رحمه الله :

         [  والمضاف إلى الله عزّ وجل إما صفة ، وإما عين قائمة بنفسها ، وإما وصف في عين قائمة بنفسها .

الأول الذي من صفات الله عزّ وجل كقدرة الله وعزة الله ، وحكمة الله وما أشبه ذلك .

الثاني : العين القائمة بنفسها مثل : ناقة الله ، مساجد الله ، بيت الله ، فهذا يكون مخلوقاً من مخلوقات الله عزّ وجل لكن أضافه الله إلى نفسه  تشريفاً وتعظيماً .

الثالث : أن يكون عين قائمة بنفسها ولكنها في عين أخرى  مثل : روح الله  كما قال الله عزّ وجل : ( فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ) ( التحريم: الآية 12)

وقال في آدم : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) (الحجر: الآية29 )

فهنا ليس المراد روح الله عزّ وجل نفسه ، بل المراد من الأرواح التي خلقها ، لكن أضافها إلى نفسه تشريفاً وتعظيماً ] ([372]) .

 

الصوم لي !

وقال الإمام ابن الجوزي ، رحمه الله :

[  وَلقَائِل أَن يَقُول : مَا معنى : إِضَافَة الصَّوْم إِلَيْهِ بقوله : (( الصَّوْم لي ))  وَجَمِيع الْعِبَادَات لَهُ ؟ فَالْجَوَاب عَنهُ من خَمْسَة أوجه :

 أَحدهَا : أَنه إِضَافَة تشريف كَقَوْلِه تَعَالَى : { وطهر بَيْتِي } [الْحَج: 26] وَقَوله : { نَاقَة الله } [الْأَعْرَاف: 73] .

وَالثَّانِي : أَنه أَضَافَهُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أحب الْعِبَادَات إِلَيْهِ ، يدل عَلَيْهِ أَن فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة : (( كل عمل ابْن آدم لَهُ إِلَّا الصَّوْم فَإِنَّهُ لي )) وَكَانَ الْمَعْنى هُوَ الْمُقدم عِنْدِي على غَيره .

وَالثَّالِث : لمضاعفته جزاءه ، فَالْمَعْنى : أَن جَمِيع الْأَعْمَال لَهَا جَزَاء مَعْلُوم إِلَّا الصَّوْم فَإِنِّي أضاعف جزاءه إِلَى مَا لَا يُعلمهُ غَيْرِي ، وَيشْهد لَهُ قَوْله : (( وَأَنا أجزي بِهِ ))

وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة : (( كل عمل ابْن آدم يُضَاعف الْحَسَنَة عشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف ، قَالَ الله تَعَالَى : إِلَّا الصَّوْم فَإِنَّهُ لي ، وَأَنا أجزي بِهِ )) ( [373] )  . 

وَالرَّابِع : أَن جَمِيع الْعِبَادَات تظهر، وَقل أَن يسلم الظَّاهِر من شوب ، وَلِهَذَا قَالَ : (( كل عمل ابْن آدم لَهُ )) وَالْمعْنَى : لنَفسِهِ فِيهِ حَظّ لظُهُوره ، وَالنَّاس يثنون عَلَيْهِ بِعِبَادَتِهِ الظَّاهِرَة ، وَالصَّوْم بَاطِن فَهُوَ سليم  .

وَالْخَامِس : أَن الْمَعْنى أَن الإستغناء عَن الْمطعم وَالْمشْرَب صِفَتي ، فَكَأَن الصَّائِم تقرب إِلَى الله عز وَجل بِمَا يشبه صفته وَلَا شبه ] ([374] ) .

 

على سبيل التشريف والتكريم !

 

وقال الشيخ ابن عثيمين أيضاً ، رحمه الله :

[  وقد قال العلماء رحمهم الله المضاف إلى الله نوعان  صفة لا تقوم إلا بمحل فهذه تكون من صفات الله عز وجل مثل عزة الله  قدرة الله  كلام الله  سمع الله  بصر الله هذه صفة لا تقوم إلا بموصوف فتكون من صفات الله عز وجل .

الثاني  شيء بائن من الله عز وجل مخلوق  فهذا ليس من صفات الله وإنما هو مضاف إليه عز وجل على سبيل التشريف والتكريم

مثل مساجد الله بيوت الله ناقة الله  ومثل قوله تعالى في آدم { ونفخت فيه من روحي } كذلك في عيسى ابن مريم فإن الروح شيء بائن من الله تعالى مخلوق من مخلوقاته

لكن أضيف إليه على سبيل التشريف والتكريم ) ([375]) .

ولا أدري لماذا ينكر هنا الشيخ ابن عثيمين ، وغيره ، ما أثبته الله تعالى في كتابه ، ويؤولونه على خلاف ظاهر اللفظ ، والنص ؟ !

أليس يقول الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله – عن عثمان بن سعيد الدارمي مقراً له  عن الله تعالى ( ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة  فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته ) ؟ ! ( [376] ) .

أليس يقول تعالى ، بصريح العبارة : ( بيتي ) ، ( روحي ) ، ( ناقة الله ) ، ( الصوم لي ) ؟ !

قد يقولون : نحن نؤول هذه النصوص الصريحة ، وننكر ظاهر معناها ، إستناداَ إلى آيات القرآن الكريم نفسه ، نحو : ( ليس كمثله شيء ) و ( ولم يكن له كفوا أحد ) و ( هل تعلم له سمياً ) ،

 إضافة إلى أدلة الحس ، والعقل ؛

فنحن نرى الكعبة الشريفة بأعيننا ، ونعرف بعقولنا التي هي مناط التكليف ، أن الظاهر المتبادر من هذه النصوص ، غير مراد ، فنؤوله  بالتشريف ، والتعظيم ،  والتكريم ! !

إذاً لماذا الإنكار على مَن يؤولون ، وهم يستندون على نفس الأدلة ، والبراهين ؟ !

وإذا كان الشيخ ابن عثيمين ، رحمه الله ، يؤمن باستقرار الله تعالى على العرش ، فيقول ( وهو استواء حقيقي معناه العلو والاستقرار ) ([377] ) ،

والعرش مخلوق ، من مخلوقات الله سبحانه ، فلماذا ينكر إذاً بيت الله ، وناقة الله ، وروح الله ؟

أليس هذه الأمور من الغيبيات ؟ ! ثم أليس البيت للسكن ؟ !

لماذا لا يقولون : البيت معلوم ، والكيف مجهول ([378]) ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه    بدعة ؟ !

ونحن نلاحظ ، أن هيبة الله تعالى ، وعظمته ، قد تضاءلت ، في قلوب كثير ، ممن يزعمون أنهم سائرون على منهج السلف ، وهم يؤمنون بنزول الله تعالى – أي بالانتقال من أعلى إلى أسفل ، وبهرولته سبحانه ، ولكن لا يعلمون الكيفية ! !

وكل هذا جراء عدم علمهم بلغة العرب ، وأساليبهم في المخاطبة ، وفهم الكلام وفقهه !

 

 

إقطع لسانها !

 

وهذا يشبه ما ذكره الإمام ابن الجوزي ، رحمه الله ، حيث قال :

[  ولكنّ أقواماً قصرت علومهم ، فرأت أن حمل الكلام على غير ظاهره نوع تعطيل ، ولو فهموا سعة اللغة لم يظنوا هذا .

وما هم إلا بمثابة قول الحجاج لكاتبه وقد مدحته ليلى الأخيلية فقالت :

إذا هبط الحجاج أرضاً مريضة       تتبع أقصى دائها فشفاها

شفاها من الداء العضال الذي بها     غلام اذا هز القناة سقاها

فلما أتمت القصيدة ، قال لكاتبه : إقطع لسانها ، فجاء ذاك الكاتب المغفل بالموسى .

فقالت له : ويلك إنما قال أجزل لها العطاء .

ثم ذهبت إلى الحجاج فقالت : كاد والله يقطع مقولي .

فكذلك الظاهرية الذين لم يسلموا بالتسليم ، فإنه مَن قرأ الآيات والأحاديث ولم يزد ، لمْ ألُمْهُ ، وهذه طريقة السلف .

فأمـا مَن قال : الحديث يقتضي كذا ، ويحمل على كذا ،

مثل أن يقول : استوى على العرش بذاته ، وينزل إلى السماء الدنيا بذاته

فهذه زيادة ( يقصد : بذاته ) فهمها قائلها من الحس لا مِن النقل .

ولقد عجبت لرجل أندلسي يقال له ابن عبد البر ، صنف كتاب التمهيد ،

فذكر فيه حديث النزول إلى السماء الدنيا فقال :

 هذا يدل على أن الله تعالى على العرش . لأنه لولا ذلك لما كان لقوله ينزل معنى .

وهذا كلام جاهل بمعرفة الله عز وجل لأن هذا استسلف من حسه ما يعرفه من نزول الأجسام . فقاس صفة الحق عليه .

فأين هؤلاء واتباع الأثر ؟

ولقد تكلموا بأقبح ما يتكلم به المتأولون ، ثم عابوا المتكلمين .

واعلم أيها الطالب للرشاد ، أنه سبق إلينا من العقل والنقل أصلان راسخان . عليهم مر الأحاديث كلها .

أما النقل فقوله سبحانه وتعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) .

ومن فهم هذا لم يحمل وصفاً له على ما يوجبه الحس .

وأما العقل فإنه قد علم مباينة الصانع للمصنوعات ، واستدل على حدوثها بتغيرها ، ودخول الانفعال عليها ، فثبت له قدم الصانع .

واعجباً كل العجب من رادٍّ لم يفهم طبيعة الكلام ؟ . . .

قلنا له : فقد روي في الصحيح : تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان .

فقال الكلام لا يكون غمامة ، ولا يتشبّه .

قلنا له أفتعطل النقل ؟ قال : لا ، ولكن أقول يأتي ثوابهما .

قلنا : فما الدليل الصارف لك عن هذه الحقائق ؟

فقال : علمي بأن الكلام لا يتشبه بالأجسام ، والموت لا يذبح ذبح الأنعام . ولقد علمتم سعة لغة العرب .

إن أحداً لو صرف الكلام على هذا النحو ما ضاقت أعطانكم من سماع مثل هذا منه .

وإذاً لقال له العلماء : صدقت . هكذا نقول في تفسير مجيء البقرة ، وفي ذبح الموت .

أليس من حقه أن يقول : واعجباً لكم ، صرفتم عن الموت والكلام ما لا يليق بهما ، حفظاً لما علمتم من حقائقهما فكيف لم تصرفوا عن الإله القديم ما يوجب التشبيه له بخلقه ، بما قد دل الدليل على تنزيهه عنه ؟

فما زال يجادل الخصوم بهذه الأدلة . ويقول : لا أقطع حتى أقطع ، فما قطع حتى قطع ] ([379] ) .

 

 

نَنْساهُمْ !

         13 – نتركهم !

قال تعالى : (  فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ) ( [380] ) . 

قال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

[  أي ففي هذا اليوم ، وذلك يوم القيامة " ننساهم " ، يقول : نتركهم في العذاب المبين جياعًا عطاشًا بغير طعام ولا شراب ،

كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا ، ورفضوا الاستعداد له بإتعاب أبدانهم في طاعة الله . . .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

 ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد : " فاليوم ننساهم" ، قال: نسوا في العذاب.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فاليوم ننساهم " ، قال : نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا .

حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ننساهم " ، قال: نتركهم في النار .

حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس :

 " فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا " ، قال : نتركهم من الرحمة ، كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا .

حدثنا محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال، حدثني أبي ، عن أبيه، عن ابن عباس قوله : " فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا " ، الآية ، يقول : نسيهم الله من الخير ، ولم ينسهم من الشرّ .

 

حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا في          قوله : " فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا " ، قال : نؤخرهم في النار ] ([381]) .

 

وقال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

[  قَوْلُهُ  { فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا } أَيْ  : نُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ نَسيهم ؛

لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَشِذُّ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ وَلَا يَنْسَاهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى } [طه:52]

وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى هَذَا مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ ، كَمَا قَالَ: { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [التَّوْبَةِ:67] وَقَالَ : { كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } [طه:126] وَقَالَ تَعَالَى: { وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } [ الْجَاثِيَةِ:34 ]

وَقَالَ العَوْفي ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ { فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا } قَالَ: نَسِيَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَلَمْ يَنْسَهُمْ مِنَ الشَّرِّ .

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : نَتْرُكُهُمْ ، كَمَا تَرَكُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ : نَتْرُكُهُمْ فِي النَّارِ .

وَقَالَ السُّدِّي : نَتْرُكُهُمْ مِنَ الرَّحْمَةِ ، كَمَا تَرَكُوا أَنْ يَعْمَلُوا لِلِقَاءِ يَوْمِهِمْ هَذَا .

 

وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : " أَلَمْ أُزَوِّجْكَ ؟ أَلَمْ أُكْرِمْكَ ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ ، وأذَرْك تَرْأَسُ وتَرْبَع ؟ فَيَقُولُ : بَلَـى . فَيَقُولُ : أَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ ؟ فَيَقُولُ : لَا . فَيَقُولُ اللَّهُ : فاليوم أنساك كما نسيتني " ] ([382] ) .

وقال الشيخ السعدي ، رحمه الله :

[  { فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ } أي : نتركهم في العذاب ] ([383] ) .

 

وقال الشيخ محمد جمال الدين القاسمي ، رحمه الله :

[  فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ أي: نتركهم ترك المنسيّ ، فلا نرحمهم بما نرحم به من عمل للآخرة كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا أي : كما فعلوا بلقائه ، فعل الناسين، فلم يخطروه ببالهم، ولم يهتموا به.

لطيفة :

قال الشهاب : نَنْساهُمْ تمثيل . شبه معاملته تعالى مع هؤلاء بالمعاملة مع من لا يعتدّ به ، ويلتفت إليه ، فينسى .

لأن النسيان لا يجوز على الله تعالى ، أي لأنه تعالى لا يشذ عن علمه شيء ، كما قال : فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى [طه: 52]

والنسيان يستعمل بمعنى الترك كثير في لسان العرب .

ويصح هنا أيضا ، فيكون استعارة تحقيقية، أو مجازا مرسلا ،

وكذا نسيانهم لقاء الله أيضا، لأنهم لم يكونوا ذاكري الله حتى ينسوه ،

فشبه عدم إخطارهم لقاء الله والقيامة ببالهم ، وقلة مبالاتهم - بحال من عرف شيئا ، ثم نسيه .

وليست الكاف للتشبيه، بل للتعليل، ولا مانع من التشبيه أيضا – انتهى - ] ([384] ) .

 

إن الله تبارك وتعالى يقول بصريح العبارة : ( ننساهم ) ! فيقول هؤلاء الأئمة الكرام ، والعلماء الأفاضل : ( إنه يعني : نتركهم ) !

لماذا صرفوا اللفظ عن ظاهره ؟

الجواب : لأن الله تعالى أخبر عن نفسه ، في آيات أخرى ، أنه ( لا ينسى ) !

أفلا يجوز أن نعمل بالنصين ، فنقول : إن الله تعالى ، لا ينسى ، ولا يُفرض عليه النسيان ، كما أخبر تعالى عن نفسه ( لا يضل ولا ينسى ) ،

أمـا إذا أراد هو ، بإرادته سبحانه ، أن ينسى ، فسوف ينسى ، كما أخبر هو ، سبحانه عن نفسه ، ( ننساهم ) ؟ ! !

لا شك أنا لا أقول ينسى ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ،

وأنا مع أولئك الكرام ، من الأئمة ، والعلماء !

ولكني هنا أناقش الذين ينكرون التأويل ، فيسندون ، ويضيفون إلى الله تعالى ، ما تقشعرّ منه الأبدان !

لماذا يفعلون ذلك ؟

لأنهم يقولون : جاء النص بذلك !

فهلاّ قالوا هنا أيضاً : إن النص ( ننساهم ) جاء بذلك ،

فلماذا تركوا ظاهر اللفظ من نص القرآن ؟ !

الجواب : لأن هناك نص بأن الله تعالى لا ينسى !

أليس هناك نص من القرآن الكريم : ( ليس كمثله شيء ) و ( ولم يكن له كفواً أحد ) ؟ !

فلماذا أثبتوا لله تعالى : ساقاً ويدين وأصابع وعينين وحقواً ( موضع الإزار ! ) واستقراراً ( ولو على جناح بعوضة ! ) ونزولاً وصعوداً و . . . و . . . و . . . ؟ !

لماذا لم يؤلوا هذه النصوص ، أو لماذا لم يفسروا هذه النصوص ، على ما تقتضيه لغة العرب وأساليبهم في المخاطبة ( والقرآن نزل بلغتهم ) ، بينما اوّلوا ما لا تقبله عقولهم ؛ من الهرولة ( [385] ) والمرض ( [386] ) والنسيان ( [387] ) ، والنصوص أثبتت كل هذه المعاني بظاهر اللفظ ؟ !   

أليس هذا هو نفس مسلك الذين يؤولون ؟

 

 

 

 

 

 

 

ثم استوى على العرش !

        

         14 - علا عليها علوّ مُلْك وسُلْطان ، لا علوّ انتقال وزَوال !

قال تعالى : (  ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) ( [388] ) .

         لقد رجعنا إلى تفسير الإمـام ابن جرير الطبري ، رحمه الله ،  لننظر كيف فسّر هذه الآية الكريمة ، فرأيناه يقول ما نصه :

         [  وقد ذكرنا معنى" الاستواء " واختلاف الناس فيه ، فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته ]

 

         وقد رأينا الشيخ أحمد محمد شاكر ، رحمه الله ، يقول في هامش هذا الكلام ، ما نصه :

         [ أنظر تفسير " الإستواء " واختلاف الناس فيما سلف   1 : 428 – 431 ] ([389] ) .

         فرجعنا إلى المصدر المذكور أعلاه ، وإذا هو ما يلي :

         [  القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ }

قال أبو جعفر: اختلفوا في تأويل قوله : "ثم استوى إلى السَّماء " .

فقال بعضهم : معنى استوى إلى السماء، أقبل عليها ، كما تقول: كان فلان مقبلا على فلان ، ثم استوَى عليّ يشاتمني - واستوَى إليّ يشاتمني . بمعنى : أقبل عليّ وإليّ يشاتمني .

واستُشْهِد على أنّ الاستواء بمعنى الإقبال بقول الشاعر :

أَقُولُ وَقَدْ قَطَعْنَ بِنَا شَرَوْرَى ... سَوَامِدَ، وَاسْتَوَيْنَ مِنَ الضَّجُوعِ

فزعم أنه عنى به أنهن خرجن من الضّجوع، وكان ذلك عنده بمعنى : أقبلن . وهذا من التأويل في هذا البيت خطأ ، وإنما معنى قوله : " واستوين من الضجوع " ، استوين على الطريق من الضجوع خارجات ، بمعنى استقمن عليه .

وقال بعضهم : لم يكن ذلك من الله جل ذكره بتحوُّل ، ولكنه بمعنى فعله ، كما تقول : كان الخليفة في أهل العراق يواليهم ، ثم تحوَّل إلى الشام . إنما يريد : تحوّل فِعله .

[ وقال بعضهم : قوله  : " ثم استوى إلى السماء " يعني به : استوت ]  . كما قال الشاعر :

أَقُولُ لَهُ لَمَّا اسْتَوَى فِي تُرَابِهِ ... عَلَى أَيِّ دِينٍ قَتَّلَ النَّاسَ مُصْعَبُ

وقال بعضهم : " ثم استوى إلى السماء "، عمدَ لها  . وقال : بل كلُّ تارك عملا كان فيه إلى آخر، فهو مستو لما عمد له ، ومستوٍ إليه .

وقال بعضهم : الاستواء هو العلو، والعلوّ هو الارتفاع . وممن قال ذلك الربيع بن أنس .

 حُدِّثت بذلك عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : " ثم استوى إلى السماء ". يقول : ارتفع إلى السماء  .

ثم اختلف متأوّلو الاستواء بمعنى العلوّ والارتفاع ، في الذي استوى إلى السّماء .

فقال بعضهم : الذي استوى إلى السماء وعلا عليها، هو خالقُها ومنشئها .

وقال بعضهم : بل العالي عليها: الدُّخَانُ الذي جعله الله للأرض سماء  .

قال أبو جعفر [ أي الطبري نفسه ] : الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه :

منها انتهاءُ شباب الرجل وقوّته ، فيقال ، إذا صار كذلك : قد استوى الرّجُل .

ومنها استقامة ما كان فيه أوَدٌ من الأمور والأسباب ، يقال منه : استوى لفلان أمرُه . إذا استقام بعد أوَدٍ، ومنه قول الطِّرِمَّاح بن حَكيم :

طَالَ عَلَى رَسْمِ مَهْدَدٍ أبَدُهْ ... وَعَفَا وَاسْتَوَى بِهِ بَلَدُه  

يعني : استقام به .

ومنهـا : الإقبـال على الشيء  يقال استوى فلانٌ على فلان بما يكرهه ويسوءه بَعد الإحسان إليه .

ومنها .: الاحتياز والاستيلاء  ، كقولهم: استوى فلان على المملكة . بمعنى احتوى عليها وحازَها .

ومنها : العلوّ والارتفاع ، كقول القائل ، استوى فلان على سريره . يعني به علوَّه عليه .

وأوْلى المعاني بقول الله جل ثناؤه : " ثم استوى إلى السماء فسوَّاهن"، علا عليهن وارتفع ، فدبرهنّ بقدرته ، وخلقهنّ سبع سموات .

والعجبُ ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله : " ثم استوى إلى    السماء " ، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع ، هربًا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه - إذا تأوله بمعناه المفهم كذلك - أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها  -

إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر . ثم لم يَنْجُ مما هرَب منه !

فيقال له: زعمت أن تأويل قوله " استوى " أقبلَ ، أفكان مُدْبِرًا عن السماء فأقبل إليها ؟

فإن زعم أنّ ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير ،

 قيل له : فكذلك فقُلْ : علا عليها علوّ مُلْك وسُلْطان ، لا علوّ انتقال وزَوال ] ([390] ) .

         [ علوّ مُلْك وسُلْطان ، لا علوّ انتقال وزَوال ] ! !

        

وقال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

         [  أَيْ: قَصَدَ إِلَى السَّمَاءِ، وَالِاسْتِوَاءُ هَاهُنَا تَضَمَّن مَعْنَى الْقَصْدِ وَالْإِقْبَالِ ] ([391]) .

         وقال أيضاً ، رحمه الله ، في تفسير سورة الأعراف : 54  :

         [  وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ }

فَلِلنَّاسِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَقَالَاتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهَا  .

         وَإِنَّمَا يُسلك فِي هَذَا الْمَقَامِ مَذْهَبُ السَّلَفِ الصَّالِحِ :

مَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، والثوري ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرُهُمْ ، مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا،

وَهُوَ إِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَعْطِيلٍ .

وَالظَّـاهِرُ الْمُتَبَـادَرُ إِلـَى أَذْهَــانِ الْمُشَبِّهِينَ مَنْفِيٌّ عَنِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشُّورَى:11]

بَلِ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْأَئِمَّةُ  - مِنْهُمْ نُعَيْم بْنُ حَمَّادٍ الْخُزَاعِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ - :

" مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ ،

وَمَنْ جَحَدَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ ([392]) ".

وَلَيْسَ فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا رَسُولَهُ تَشْبِيهٌ ،

فَمَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ تَعَالَى مَا وَرَدَتْ بِهِ الْآيَاتُ الصَّرِيحَةُ وَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَنَفَى عَنِ اللَّهِ تَعَالَى النَّقَائِصَ ، فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ الْهُدَى ] ([393]) .

 

 

 

وقال ، رحمه الله ، في تفسير سورة طه : 5 :

         [  وَقَوْلُهُ { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } : تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ ، بما أغنى عن إعادته أَيْضًا ،

وَأَنَّ الْمَسْلَكَ الْأَسْلَمَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَةُ السَّلَفِ ، إِمْرَارُ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَحْرِيفٍ ([394]) ، وَلَا تَشْبِيهٍ ، وَلَا تَعْطِيلٍ ، وَلَا تَمْثِيلٍ ] ([395] ) .

 

 

الضحك يعني الرحمة !

 

         15 – مثل ضربه !

  قال الإمام البيهقي ، رحمه الله :

         [  بَابُ مَا جَاءَ فِي الضَّحِكِ

         أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ . . .  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

        « يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ ؛ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُسْتَشْهَدُ » . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ ( [396] ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ( [397] ) مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ

         وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ. . .  عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « يَضْحَكُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى رَجُلَيْنِ؛ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ» .  قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: « يُقْتَلُ هَذَا فَيَلِجُ الْجَنَّةَ ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْآخَرِ فَيَهْدِيهِ إِلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُسْتَشْهَدُ » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ ( [398] ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ .

 قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَوْلُهُ : « يَضْحَكُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ » . الضَّحِكُ الَّذِي يَعْتَرِي الْبَشَرَ عِنْدَمَا يَسْتَخِفَّهُمُ الْفَرَحُ ، أَوْ يَسْتَنْفِزُهُمُ الطَّرَبُ ، غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهُوَ مَنْفِيٌ عَنْ صِفَاتِهِ ،

وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ لِهَذَا الصَّنِيعِ الَّذِي يَحِلُّ مَحِلَّ الْعَجَبِ عِنْدَ الْبَشَرِ ، فَإِذَا رَأَوْهُ أَضْحَكَهُمْ ،

 وَمَعْنَاهُ فِي صِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْإِخْبَارُ عَنِ الرِّضَى بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا ، وَالْقَبُولُ لِلْآخَرِ وَمُجَازَاتُهُمَا عَلَى صَنِيعِهِمَا الْجَنَّةَ ، مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمَا وَتَبَايُنِ مَقَاصِدِهِمَا .

قَالَ : وَنَظِيرُ هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ

         يَعْنِي مَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ . . .  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ ، فَقُلْنَ : مَا عِنْدَنَا إِلَّا الْمَاءُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ يُضِيفُ هَذَا ؟ » فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا . فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَتْ : مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَانِ . فَقَالَ : هَيِّئِي طَعَامَكِ ، وَأَصْلِحِي سِرَاجَكِ ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا الْعَشَاءَ . فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا ، وَأَصْلَحَتْ سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا ، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تَصْلُحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ ، وَجَعَلَا يُرِيَانِهِ كَأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : « لَقَدْ ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ  ـ  أَوْ عَجِبَ  ـ  مِنْ فَعَالِكُمَا » . وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَـلَّ: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَـى أَنْفُسِـهِمْ وَلَوْ كَـانَ بِهِـمْ خَصَـاصَةٌ } [ الحشر: 9 ] . روَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ ( [399] ) عَنْ مُسَدَّدٍ ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ فُضَيْلٍ ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ( [400] ) مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ ، عَنْ فُضَيْلٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ « عَجِبَ » ، وَلَمْ يَذْكُرِ الضَّحِكَ .

قَالَ الْبُخَارِيُّ : « مَعْنَى الضَّحِكِ الرَّحْمَةُ » .

قَـالَ أَبُو سُلَيْمَـانَ : « قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَرِيبٌ ، وَتَأْوِيلُهُ عَلَى مَعْنَى الرِّضَى لِفِعْلِهَمَا أَقْرَبُ وَأَشْبَهُ ،

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الضَّحِكَ مِنْ ذَوِي التَّمْيِيزِ  يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى وَالْبِشْرِ، وَالِاسْتِهْلَالُ مِنْهُمْ دَلِيلُ قَبُولِ الْوَسِيلَةِ ، وَمُقَدِّمَةُ إِنْجَاحِ الطَّلَبَةِ ،

وَالْكِرَامُ يُوصَفُونَ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ بِالْبِشْرِ وَحُسْنِ اللِّقَاءِ ،  

فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ » يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ " ؛ أَيْ : يُجْزِلُ الْعَطَاءَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُوجَبُ الضَّحِكِ وَمُقْتَضَاهُ قَالَ زُهَيْرٌ :

تَرَاهُ إِذَا مَا جِئْتَهُ مُتَهَلِّلًا ... كَأَنَّكَ تُعْطِيهِ الَّذِي أَنْتَ سَائِلُهْ

وَإِذَا ضَحِكُوا وَهَبُوا وَأَجْزَلُوا، قَالَ كُثَيِّرٌ :

غَمْرُ الرِّدَاءِ إِذَا تَبَسَّمَ ضَاحِكًا ... غَلِقَتْ لِضَحْكَتِهِ رِقَابُ الْمَالِ

وَقَالَ الْكُمَيْتُ أَوْ غَيْرُهُ :

فَأَعْطَى ثُمَّ أَعْطَى ثُمَّ عُدْنَا ... فَأَعْطَى ثُمَّ عُدْتُ لَهُ فَعَادَا

مِرَارًا مَا أَعُودُ إِلَيْهِ إِلَّا ... تَبَسَّمَ ضَاحِكًا وَثَنَى الْوِسَادَا "

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ :  قَوْلُهُ " عَجِبَ اللَّهُ " . إِطْلَاقُ الْعَجَبِ لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، وَلَا يَلِيقُ بِصِفَاتِهِ ،

وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الرِّضَى ،

وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الصَّنِيعَ مِنْهُمَا حَلَّ مِنَ الرِّضَا عِنْدَ اللَّهِ ، وَالْقَبُولِ لَهُ ، وَمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ ، مَحِلَّ الْعَجَبِ عِنْدَكُمْ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ إِذَا رُفِعَ فَوْقَ قَدْرِهِ، وَأُعْطِيَ بِهِ الْأَضْعَافُ مِنْ قِيمَتِهِ » .

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : « وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَعْجَبَ اللَّهُ مَلَائِكَتَهُ وَيُضْحِكَهُمْ ،

وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيثَارَ عَلَى النَّفْسِ أَمَرٌ نَادِرٌ فِي الْعَادَاتِ ، مُسْتَغْرَبٌ فِي الطِّبَاعِ ،  

وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى سَعَةٍ الْمَجَازِ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى مَذْهَبِ الِاسْتِعَارَةِ فِي الْكَلَامِ، وَنَظَائِرُهُ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرَةٌ » . . .

وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ مِنْ كِتَابِهِ :

" أَنَّ الضَّحِكَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ بِمَعْنَى الْبَيَانِ ،

تَقُولُ الْعَرَبُ : ضَحِكَتِ الْأَرْضُ إِذَا أَنْبَتَتْ ، لِأَنَّهَا تُبْدِي عَنْ حَسَنِ النَّبَاتِ وَتَنْفَتِقُ عَنِ الزَّهْرِ، كَمَا يَنْفَتِقُ الضَّاحِكُ عَنِ الثَّغْرِ ،

وَيُقَالُ : ضَحِكْتِ الطَّلْعَةُ إِذَا بَدَا مَا كَانَ فِيهَا مُسْتَخْبِيًا .

قَالَ الشَّاعِرُ :

وَضَحِكَ الْمُزْنُ بِهَا ثُمَّ بَكَى

يُرِيدُ بِالضَّحِكِ إِظْهَارَ الْبَرْقِ ، وَبِبُكَائِهِ الْمَطَرَ"

قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ : وَرُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ . . .  نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ مَعَ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَ فِي الْمَسْجِدِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ جَلِيلٌ ، فِي بَصَرِهِ بَعْضُ الضَّعْفِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ حُمَيْدٌ يَدْعُوهُ ،

قَالَ : فَلَمَّا أَقْبَلَ قَالَ : يَا ابْنَ أَخِي ، أَوْسِعْ لَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، فَإِنَّ هَذَا رَجُلٌ قَدْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ . قَالَ: فَأَوْسَعْتُ لَهُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، فَقَالَ لَهُ حُمَيْدٌ : الْحَدِيثُ الَّذِي سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ أَنَّكَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،

قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ السَّحَابَ فَيَنْطِقُ أَحْسَنَ الْمِنْطَقِ، وَيَضْحَكُ أَحْسَنَ الضَّحِكِ » .

 وَفِي هَذَا تَأْكِيدُ مَا ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ : فَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يَضْحَكُ اللَّهُ » . أَيْ: « يُبَيِّنْ وَيُبْدِي مِنْ فَضْلِهِ وَنِعَمِهِ مَا يَكُونُ جَزَاءً لِعَبْدِهِ الَّذِي رَضِيَ عَمَلَهُ »

         قَالَ الشَّيْخُ : وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ . . .  أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ النَّاسَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ نَرَى رَبَّنَا ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَقَالَ : " أَوَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ ، لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ . فَيَضْحَكُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ ". أَخْرِجَاهُ فِي الصَّحِيحِ ([401] ) مِنِ حَدِيثِ أَبِي الْيَمَانِ كَمَا مَضَى . . .

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ . قَالَ : وَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبْدِي وَيُبَيِّنُ مَا أَعَدَّ لِهَذَا الْعَبْدِ فَيَسْتَكْثِرُهُ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ فَيَقُولُ : مَا فِي الْخَبَرِ؟ فَيَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ : لَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ

 فَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا وَقَعَ التَّرْغِيبُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ، وَمَا وَقَعَ الْخَبَرُ عَنْهُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَلَمْ يَشْتَغِلُوا بِتَفْسِيرِ الضَّحِكِ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِذِي جَوَارِحٍ وَمَخَارِجٍ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَصَفُهُ بِكِشْرِ الْأَسْنَانِ وَفَغْرِ الْفَمِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقِينَ عُلُوًّا كَبِيرًا ] ([402]) .

 

 

لفظ الضحك مشترك المعنى في اللغة !

قال الإمام ابن فورك ، رحمه الله :

[  إعلم أَن هَذَا الحَدِيث من الْأَخْبَار الْمَشْهُورَة عَن أهل النَّقْل وَبَعضهَا يبين معنى بعض

فَمن ذَلِك أَن لفظ الضحك مُشْتَرك الْمَعْنى فِي اللُّغَة

وَيخْتَلف أَحْكَامه بإختلاف من يُضَاف إِلَيْهِ ذَلِك ويوصف بِهِ

وَلَيْسَ هُوَ من الْأَلْفَاظ الَّتِي تخْتَص بِمَعْنى وَاحِد حَتَّى لَا يَلِيق بِهِ غَيره

فَمن ذَلِك أَن الْعَرَب تَقول فِي تكشير أَسْنَان الْإِنْسَان وثغر فِيهِ إِذا وَقع على وَجه مَخْصُوص ضحك

وَكَذَلِكَ تَقول ضحِكت الأَرْض بالنبات إِذا ظهر فِيهَا النَّبَات وانفتق عَن زهره

وَكَذَلِكَ قَالَت الْعَرَب لطلع النّخل إِذا انفتق عَنهُ كافوره الضحك

لأجل أَن ذَلِك يَبْدُو مِنْهُ مَعَ الْبيَاض الظَّاهِر كبياض الثغر

يَقُولُونَ ضحك الطلعة إِذا ظهر مِنْهَا مَا كَانَ مستترا وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَائِل

يضاحك الشَّمْس مِنْهَا كَوْكَب شَرق

وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي ينشد فِي الرّبيع

( أما ترى الأَرْض قد أعطتك زهرتها ... مخضرة فاكتسى بِالنورِ عاليها )

( للسماء بكاء فِي جوانبها ... وللربيع ابتسام فِي نَوَاحِيهَا )

يُرِيد الإبتسام ظُهُور النَّبَات فِيهَا وطلوع النُّور عَلَيْهَا

وَأنْشد بَعضهم فِي معنى ذَلِك

( كل يَوْم باقحوان جَدِيد ... يضْحك الرَّوْض من بكاء السَّمَاء )

كَذَلِكَ وَضحك المزن بهَا يُرِيد بالمزن السَّحَاب ويضحك الْبَرْق الَّذِي ظهر مِنْهُ وببكائه الْمَطَر

وَحكى عَن بَعضهم أَن الْعَرَب تَقول للطريق الْوَاضِح الْبَين هَذَا طَرِيق ضَاحِك وَهَذَا طَرِيق لاحب إِذا أَرَادوا وَصفه بالظهور

وَاعْلَم أَن معنى مرجع الضحك فِي جَمِيع هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِلَى الْبَيَان والظهور

وَأَن كل من أبدى أمرا كَانَ يستره فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ ضحك

وَكَذَلِكَ يُقَال لمن أبرز المكتوم وَأظْهر المستور ذَلِك

فعلى هَذَا معنى الْخَبَر فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يضْحك الله أَي يُبْدِي عز وَجل من فَضله ونعمه وتوفيقه لهذين المقتولين فِي سَبِيل الله اللَّذين قتل أَحدهمَا صَاحبه ثمَّ قتل قَاتله بِالشَّهَادَةِ ثَانِيًا من بعد تَوْبَته من قَتله وَبَين من ثوابهما وَأظْهر من كرامته لَهما

وَكَذَلِكَ معنى مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخَبَر الآخر أَنه قَالَ ضحِكت لضحك رَبِّي أَي

أظهرت أَنا عَن أسناني بِفَتْح فمي لإِظْهَار رَبِّي سُبْحَانَهُ فَضله وَكَرمه لمن قَالَ هَذَا القَوْل وَهُوَ قَوْله اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذُنُوبِي إِنَّه لَا يغْفر الذُّنُوب أحد غَيْرك

وَإِذا كَانَ الضحك مِمَّا اسْتعْمل فِي اللُّغَة على وُجُوه مَخْصُوصَة

مِنْهَا تكشير الْأَسْنَان وَفتح الْفَم

وَمِنْهَا ظُهُور المكتوم من الْأُمُور وبروز المستور من الْفِعْل

وَكَانَ يَسْتَحِيل وصف الله عز وَجل بالجوارح والعينين لحلول الْحَوَادِث فِي ذَاته وَجب أَن يكون مَحْمُولا على مَا يَصح وَيجوز فِي وَصفه وَذَلِكَ هُوَ الْإِبَانَة عَن فَضله والإظهار لنعمه

وَكَذَلِكَ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي رزين الْعقيلِيّ لما قَالَ لَهُ يَا رَسُول الله أيضحك رَبنَا

فَقَالَ لن نعدم من رب يضْحك خيرا وَهَذَا مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِشَارَة إِلَى وصف الله تَعَالَى ذكره وتقدست أسماؤه بِالْقُدْرَةِ على فضل النعم وكشف الكرب والستار عَن الخفيات

والكشف عَن الْأُمُور المستورة فرقا بَينه وَبَين الْأَصْنَام وَالَّتِي لَا يُرْجَى مِنْهَا خير وَلَا شَرّ

وَإِذا كَانَ ذَلِك رُجُوعا إِلَى الْقُدْرَة على الْأَفْعَال بِالدفع والنفع فقد صَحَّ مَا قُلْنَاهُ وَبَين عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بذلك عَمَّا إِلَيْهِ أَشَرنَا

فَأَما مَا بَين لَك من الْخَبَر الْمَرْوِيّ فِي هَذَا الْمَعْنى بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي رزين الْعقيلِيّ

لن نعدم من رب يضْحك خيرا أَي يُبْدِي من فَضله وَيظْهر مِنْهُ مننه  مَا يُبْدِي الضاحك وَمِمَّا يستر عَنهُ  تَشْبِيها فِي معنى إِظْهَار مَا كَانَ مكتما وإبداء مَا كَانَ مخفيا

وَإِذا احْتمل التَّأْوِيل مَا ذكرنَا واستحال وصف الله تَعَالَى بالجوارح والأبعاض وَجب أَن يحمل مَا قُلْنَا ] ([403] ) .

 

يضع رب العزة فيها قدمه !

 

16 – يضع مَوْضِعًا مِنَ الكفار والأمكنة في النار !

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ( [404] ) .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تَحَاجَّتِ النَّارُ ، وَالْجَنَّةُ ، فَقَالَتِ النَّارُ : أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ ، وَالْمُتَجَبِّرِينَ ،

وَقَالَتِ الْجَنَّةُ : فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ ، وَسَقَطُهُمْ ، وَعَجَزُهُمْ ،

فَقَالَ اللهُ لِلْجَنَّةِ : أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي،

وَقَالَ لِلنَّارِ : أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ مِلْؤُهَا ،

فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ ، فَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَيْهَا ، فَتَقُولُ : قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ( [405] ) .

روى الإمام ابن حبان في صحيحه ، رحمه الله :

         [  أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ . . .  عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُلْقَى فِي النَّارِ فَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلَا قَدَمَهُ فِيهَا فَتَقُولُ قَطْ قَطْ "

قال أبو حاتم [ ابن حبان ] : هذا الخبر من الأخبار الَّتِي أُطْلِقَتْ بِتَمْثِيلِ الْمُجَاوَرَةِ

وَذَلِكَ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلْقَى فِي النَّارِ مِنَ الْأُمَمِ وَالْأَمْكِنَةِ الَّتِي عُصِيَ اللَّهُ عَلَيْهَا

فَلَا تَزَالُ تَسْتَزِيدُ حَتَّى يَضَعَ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلَا مَوْضِعًا مِنَ الكفار والأمكنة في النار فتمتلىء فَتَقُولُ قَطْ قَطْ تُرِيدُ حَسْبِي حَسْبِي

لِأَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ فِي لُغَتِهَا اسْمَ الْقَدَمِ عَلَى الْمَوْضِعِ

قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا { لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } يُرِيدُ مَوْضِعَ صِدْقٍ

لَا أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي النَّارِ جَلَّ رَبُّنَا وَتَعَالَى عَنْ مِثْلِ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ  ] ([406] ) .

 

 

أي ما قدم لها من خلقه !

         قال الإمام ابن بطال ، رحمه الله :

         [  وقوله فى حديث أنس : ( يضع فيها قدمه ) أى ما قدم لها من خلقه ، وسبق لها به مشيئته ووعده ممن يدخلها

ومثله قوله تعالى: ( لهم قدم صدق عند ربهم ) أى متقدم صدق  ] ([407]) .

        

وقال الإمام القسطلاني ، رحمه الله :

         [ ( فيها قدمه ) هو من المتشابه

وقيل فيه  هم الذين قدمهم الله لها من شرار خلقه

فهم قدم الله للنار  كما أن المسلمين قدمه للجنة ،

والقدم كل ما قدمت من خير أو شر

وتقدمت لفلان فيه قدم أي تقدم من خير أو شر ،

وقيل وضع القدم على الشيء مثل للردع والقمع  فكأنه قال : يأتيها أمر الله فيكفها من طلب المزيد ،

وقيل أراد به تسكين فورتها  كما يقال للأمر تريد إبطاله وضعته تحت قدمي ( فتقول ) جهنم إذا وضع فيها قدمه   ( قط قط ) ] ([408] ) .

 

وقال الإمام القاضي عياض ، رحمه الله :

         [ كلف العلماء قديما وحديثا الكلام عليه والنظر فى تأويله ،

فمنهم من حمل القدم على السابق المتقدم ، ويقال للمتقدم : قدم ،

فيكون تقدير الحديث : حتى يضع الجبار فيها من قدم لها من أهل العذاب ،

وهذا كقوله تعالى : { أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صدْقٍ { ] ([409]) .

 

 

وتأويلها من أوجه !

        

وقال الحافظ العراقي ، رحمه الله :

         [ وَتَأْوِيلُهَا مِنْ أَوْجُهٍ :

( أَحَدُهَا ) أَنَّ الْمُرَادَ رِجْلُ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ

فَيَعُودُ الضَّمِيرُ فِي رِجْلِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ الْمَعْلُومِ .

( الثَّانِي ) أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا يُسَمَّى بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ .

( الثَّالِثُ ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالرِّجْلِ الْجَمَاعَةُ مِنْ النَّاسِ  كَمَا يُقَالُ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْهُ

( الرَّابِعُ ) أَنَّ الْمُرَادَ بِوَضْعِ الرِّجْلِ نَوْعُ زَجْرٍ لَهَا كَمَا تَقُولُ جَعَلْته تَحْتَ رِجْلِي .

( الْخَامِسُ ) أَنَّ الرِّجْلَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي طَلَبِ الشَّيْءِ عَلَى سَبِيلِ الْجِدِّ وَالْإِلْحَاحِ كَمَا تَقُولُ : قَامَ فِي هَذَا الْأَمْرِ عَلَى رِجْلٍ

وَالْمَشْهُورُ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ وَفِيهَا التَّأْوِيلَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ ،

وَأَشْهَرُ مِنْهَا تَأْوِيلٌ آخَرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ قَدَّمَهُ اللَّهُ لَهَا مِنْ أَهْلِ الْعَذَابِ ،

وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى طَرِيقَةِ التَّأْوِيلِ وَهِيَ طَرِيقَةُ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ ،

وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ فِي تَأْوِيلِهَا بَلْ يُؤْمِنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ ، وَلَهَا مَعْنًى يَلِيقُ بِهَا وَظَاهِرُهَا غَيْرُ مُرَادٍ ،

وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ تَرْكَ التَّأْوِيلِ إنَّمَا هُوَ فِي الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ

 فَأَمَّا الْوَارِدَةُ فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي الْقُرْآنِ أَصْلٌ، فَإِنَّهَا تُؤَوَّلُ ] ([410]) .

 

 

خاض كثير من أهل العلم في تأويل ذلك !

        

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله :

[  وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْقَدَمِ

فَطَرِيقُ السَّلَفِ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ مَشْهُورَةٌ  وَهُوَ أَنْ تَمُرَّ كَمَا جَاءَتْ وَلَا يُتَعَرَّضُ لِتَأْوِيلِهِ

بَلْ نَعْتَقِدُ اسْتِحَالَةَ مَا يُوهم النَّقْص على الله

وَخَاضَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ

فَقَالَ الْمُرَادُ إِذْلَالُ جَهَنَّمَ

فَإِنَّهَا إِذَا بَالَغَتْ فِي الطُّغْيَانِ وَطَلَبِ الْمَزِيدِ أَذَلَّهَا اللَّهُ فَوَضَعَهَا تَحْتَ الْقَدَمِ

وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْقَدَمِ

وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ أَلْفَاظَ الْأَعْضَاءِ فِي ضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَلَا تُرِيدُ أَعْيَانَهَا

كَقَوْلِهِمْ رَغِمَ أَنْفُهُ وَسُقِطَ فِي يَدِهِ

وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَدَمِ الْفَرَطُ السَّابِقُ أَيْ يَضَعُ اللَّهُ فِيهَا مَا قَدَّمَهُ لَهَا مِنْ أَهْلِ الْعَذَابِ

قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْقَدَمُ قَدْ يَكُونُ اسْمًا لِمَا قُدِّمَ  كَمَا يُسَمَّى مَا خُبِطَ مِنْ وَرَقٍ خَبَطًا

فَالْمَعْنَى مَا قَدَّمُوا مِنْ عَمَلٍ

وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَدَمِ قَدَمُ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ فَالضَّمِيرُ لِلْمَخْلُوقِ مَعْلُومٌ

أَوْ يَكُونُ هُنَاكَ مَخْلُوقٌ اسْمُهُ قَدَمٌ

أَوِ الْمُرَادُ بِالْقَدَمِ الْأَخِيرُ

لِأَنَّ الْقَدَمَ آخِرُ الْأَعْضَاءِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ فِي النَّارِ آخِرَ أَهْلِهَا فِيهَا وَيكون الضَّمِير للمزيد

وَقَالَ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ

هَذَا مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي أُطْلِقَتْ بِتَمْثِيلِ الْمُجَاوَرَةِ وَذَلِكَ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلْقَى فِي النَّارِ مِنَ الْأُمَمِ وَالْأَمْكِنَةِ الَّتِي عُصِيَ اللَّهُ فِيهَا فَلَا تَزَالُ تَسْتَزِيدُ حَتَّى يَضَعَ الرَّبُّ فِيهَا مَوْضِعًا مِنَ الْأَمْكِنَةِ الْمَذْكُورَةِ فَتَمْتَلِئُ

لِأَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ الْقَدَمَ عَلَى الْمَوْضِعِ قَالَ تَعَالَى أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صدق يُرِيدُ مَوْضِعَ صِدْقٍ

وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ الْمُرَادُ بِالْقَدَمِ قَدَمُ صِدْقٍ وَهُوَ مُحَمَّدٌ وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى شَفَاعَتِهِ وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ فَيُخْرِجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنَ الْإِيمَانِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا مُنَابِذٌ لِنَصِّ الْحَدِيثِ لِأَنَّ فِيهِ يَضَعُ قَدَمَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَتْ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ وَالَّذِي قَالَهُ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْهَا وَصَرِيحُ الْخَبَرِ أَنَّهَا تَنْزَوِي بِمَا يُجْعَلُ فِيهَا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا

 قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا يُبَدَّلُ عِوَضَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ كَمَا حَمَلُوا عَلَيْهِ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ يُعْطَى كُلُّ مُسْلِمٍ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَيُقَالُ هَذَا فداءك مِنَ النَّارِ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَ إِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ وَأَنَّهُ يَجْعَلُ مَكَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَاحِدًا مِنَ الْكُفَّارِ بِأَنْ يَعْظُمَ حَتَّى يَسُدَّ مَكَانَهُ وَمَكَانَ الَّذِي خَرَجَ وَحِينَئِذٍ فَالْقَدَمُ سَبَبٌ لِلْعِظَمِ الْمَذْكُورِ فَإِذَا وَقَعَ الْعِظَمُ حَصَلَ الْمِلْءُ الَّذِي تَطْلُبُهُ

 وَمِنَ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِالْقَدَمِ قَدَمُ إِبْلِيسَ وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى يَضَعَ الْجَبَّارُ فِيهَا قَدَمَهُ وَإِبْلِيسُ أَوَّلُ مَنْ تَكَبَّرَ فَاسْتَحَقَّ أَنْ يُسَمَّى مُتَجَبِّرًا وَجَبَّارًا وَظُهُورُ بُعْدِ هَذَا يُغْنِي عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ

وَزعم بن الْجَوْزِيِّ أَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي جَاءَتْ بِلَفْظِ الرِّجْلِ تَحْرِيفٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ لِظَنِّهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَدَمِ الْجَارِحَةَ فَرَوَاهَا بِالْمَعْنَى فَأَخْطَأَ

ثُمَّ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالرِّجْلِ إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً الْجَمَاعَةُ كَمَا تَقُولُ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَالتَّقْدِيرُ يَضَعُ فِيهَا جَمَاعَةً وَأَضَافَهُمْ إِلَيْهِ إِضَافَةَ اخْتِصَاص

وَبَالغ بن فُورَكٍ فَجَزَمَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ بِلَفْظِ الرِّجْلِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِثُبُوتِهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَدْ أَوَّلَهَا غَيْرُهُ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَدَمِ فَقِيلَ رِجْلُ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ وَقِيلَ إِنَّهَا اسْمُ مَخْلُوقٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ وَقِيلَ إِنَّ الرِّجْلَ تُسْتَعْمَلُ فِي الزَّجْرِ كَمَا تَقُولُ وَضَعْتُهُ تَحْتَ رِجْلِي وَقِيلَ إِنَّ الرِّجْلَ تُسْتَعْمَلُ فِي طَلَبِ الشَّيْءِ عَلَى سَبِيلِ الْجِدِّ كَمَا تَقُولُ قَامَ فِي هَذَا الْأَمْرِ عَلَى رِجْلٍ

وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عُقَيْلٍ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ أَمْرُهُ فِي النَّارِ حَتَّى يَسْتَعِينَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَاتِهِ أَوْ صِفَاتِهِ وَهُوَ الْقَائِلُ لِلنَّارِ كُونِي بَرْدًا وَسلَامًا فَمَنْ يَأْمُرُ نَارًا أَجَّجَهَا غَيْرُهُ أَنْ تَنْقَلِبَ عَنْ طَبْعِهَا وَهُوَ الْإِحْرَاقُ فَتَنْقَلِبُ كَيْفَ يَحْتَاجُ فِي نَارٍ يُؤَجِّجُهَا هُوَ إِلَى اسْتِعَانَةٍ انْتَهَى ] ([411] ) .

        

 

وأخسس به من مذهب ثالث ابتدعه !

         وقال الحافظ ابن الجوزي ، رحمه الله :

[  وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالتسْعين : (( لَا تزَال جَهَنَّم يلقى فِيهَا وَتقول : هَل من مزِيد حَتَّى يضع رب الْعِزَّة فِيهَا قدمه )) .

كَانَ من تقدم من السّلف يسكتون عِنْد سَماع هَذِه الْأَشْيَاء وَلَا يفسرونها

مَعَ علمهمْ أَن ذَات الله تَعَالَى لَا تتبعض، وَلَا يحويها مَكَان، وَلَا تُوصَف بالتغير وَلَا بالإنتقال .

وَمن صرف عَن نَفسه مَا يُوجب التَّشْبِيه وَسكت عَن تَفْسِير مَا يُضَاف إِلَى الله عز وَجل من هَذِه الْأَشْيَاء فقد سلك طَرِيق السّلف الصَّالح وَسلم ،

 فَأَما من ادّعى سلوك طَرِيق السّلف ثمَّ فهم من هَذَا الحَدِيث أَن الْقدَم صفة ذاتية وَأَنَّهَا تُوضَع فِي جَهَنَّم ،

فَمَا عرف مَا يجب لله وَلَا مَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ ،

وَلَا سلك منهاج السّلف فِي السُّكُوت ،

وَلَا مَذْهَب المتأولين ،

وأخسس بِهِ من مَذْهَب ثَالِث ابتدعه من غضب من الْبدع .

قَالَ أَبُو الْوَفَاء بن عقيل : تَعَالَى الله أَن يكون لَهُ صفة تشغل الْأَمْكِنَة، هَذَا عين التجسيم، ثمَّ إِنَّه لَا يعْمل فِي النَّار أمره وتكوينه حَتَّى يَسْتَعِين بِشَيْء من ذَاته ، وَهُوَ الْقَائِل للنار { كوني بردا وَسلَامًا } [الْأَنْبِيَاء: 69] فَمن أَمر نَارا - أججها غَيره - بانقلاب طبعها عَن الإحراق ، لَا يضع فِي نَار أججها بِأَن يأمرها بالإنزواء حَتَّى يعالجها بِصفة من صِفَاته ،

مَا أسخف هَذَا الإعتقاد وأبعده عَن المكون للأفلاك والأملاك ،

وَقد نطق الْقُرْآن بتكذيبهم ، فَقَالَ تَعَالَى: { لَو كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وردوها } [الْأَنْبِيَاء: 99]

فَكيف يظنّ بِاللَّه تَعَالَى أَنه وردهَا ، تَعَالَى الله عَن تخاييل المتوهمة المجسمة .

وَقد حكى أَبُو عبيد الْهَرَوِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ : الْقدَم : قوم يقدمهم من شرار خلقه .

فَإِن قيل : كَأَن من قبل هَؤُلَاءِ مَا كَانُوا شرارا. فَالْجَوَاب : أَن الَّذِي يَقع فِي هَذَا أَنه إِذا رمي فِيهَا الْكفَّار أَولا بادرت إِلَى إحراقهم عَاجلا ، وَسَأَلت الْمَزِيد ، فيلقي فِيهَا قوما من الْمُؤمنِينَ المذنبين ، فتحس بِمَا مَعَهم من الْإِيمَان فتتوقف عَن إحراقهم وَتقول : قطّ قطّ ، أَي حسبي .

وَقد ورد فِي (( الصَّحِيح )) أَنَّهَا تحرق الْمُؤمنِينَ إِلَّا دارات وُجُوههم لأجل السُّجُود .

فَإِن قيل : كَيفَ يَصح هَذَا التَّأْوِيل وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة : (( يضع فِيهَا رجله ؟ ))

 فَالْجَوَاب : أَن هَذَا من تَحْرِيف بعض الروَاة ، لِأَنَّهُ ظن أَن الْقدَم هِيَ الرجل ، فروى بِالْمَعْنَى الَّذِي يَظُنّهُ ،

وَيُمكن أَن يرجع هَذَا إِلَى مَا ذكرنَا وَهُوَ أَن الرجل جمَاعَة ، كَمَا يُقَال : رجل من جَراد  ] ([412]) .

 

إختلاف العلماء فيها على مَذْهَبَيْن !

        

وقال الإمام النووي ، رحمه الله :

         [  هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مَشَاهِيرِ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ بَيَانُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا عَلَى مَذْهَبَيْنِ

أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وطائفة من المتكلمين أنه لايتكلم فِي تَأْوِيلِهَا بَلْ نُؤْمِنُ أَنَّهَا حَقٌّ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ وَلَهَا مَعْنَى يَلِيقُ بِهَا وَظَاهِرُهَا غَيْرُ مُرَادٍ

وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهَا تُتَأَوَّلُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهَا فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ

فَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَدَمِ هُنَا الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ وَمَعْنَاهُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مَنْ قَدَّمَهُ لَهَا مِنْ أَهْلِ الْعَذَابِ

 قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي هَذَا تأويل النضر بن شميل ونحوه عن بن الْأَعْرَابِيِّ

الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ قَدَمُ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينِ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَدَمِهِ إِلَى ذَلِكِ الْمَخْلُوقِ الْمَعْلُومِ

الثَّالِثُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا يُسَمَّى بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا يَضَعُ اللَّهُ فِيهَا رِجْلَهُ فَقَدْ زَعَمَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنِ فَوْرَكَ أَنَّهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَتَأْوِيلُهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْقَدَمِ

 وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُرَادَ بِالرِّجْلِ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ كَمَا يُقَالُ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْهُ

قَالَ الْقَاضِي أَظْهَرُ التَّأْوِيلَاتِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ اسْتَحَقُّوهَا وَخُلِقُوا لَهَا

قَالُوا ولابد مِنْ صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ الْعَقْلِيِّ عَلَى اسْتِحَالَةِ الْجَارِحَةِ عَلَى اللَّهُ تَعَالَى ] ([413] )  .

هذه هي أقوال بعض أئمة ، وعلماء الأمة ، الذين أناروا الدنيا بعلومهم ، وكانوا مشاعل نور للأمة ، ينيرون لهم الطريق في دياجير الظلام ، على مدى العصور !

واقرأ الآن ، ما كتبه أحدهم في هذا العصر ، وهو يتحدث باسم السلف الصالح المظلوم ! :

[   والرِجل لله - عز وجل -  كما يليق بجلال الله وعظمته ، خلافًا لأهل البدع الذين أنكروا القدم والرجل وبالغوا في الإنكار ، فأولوها وقالوا : إن معنى قوله: ( حتى يضع رب العزة فيها قدمه ): قالوا معنى القدم هنا أي: جماعة من الناس متقدمون يسمون القدم، وكذلك الرجل، تطلق على جماعة من الناس يقال لهم: الرجل، وبعضهم قال: إن هذا من المتشابهات، والحكم فيه إما بالتأويل وإما بالتفويض .

وسبب قولهم هذا أنهم لا يتحملون إثبات الصفات ولا يطيقونها ، فهي شجى في حلوقهم ،

أمـا أهل السنة والجماعة ، فأعطاهم الله البصيرة والطمأنينة وانشراح الصدر ، ونور بصائرهم ، فأثبتوها لله - عز وجل - كما يليق بجلال الله وعظمته

والله – تعالى - لا يضره أحد من خلقه ، والنار من خلقه ، ومع ذلك فلا يضره أحد من خلقه سبحانه وتعالى .

فنؤمن أن الله – تعالى - يضع فيها قدمه على الكيفية التي يعلمها الله ، سبحانه وتعالى ) ! ! !

كان المفروض بصاحب هذا الكلام ، أن لا يدخل هذا المدخل ! ولا يشغل نفسه بأمور ، ليس هو من أهلها ، وأن يشغل نفسه بكسب رزق له ، ولأهله ، عن طريق الدنيا ، ويدَع هذا العلم لأولئك الأئمة العظام ، فيريح ، ويستريح ، ومستريح ، ومستراح منه !

الأئمة : الحسن البصري ، وابن حبان ، والقسطلاني ، والقاضي عياض ، والحافظ العراقي ، والخطابي ، وابن حجر العسقلاني ، والإسماعيلي ، والداودي ، وابن عقيل ، وابن الجوزي ، والنووي ، والمازري ، والنضر بن شميل ، وابن الأعرابي ، وابن فورك ، و . . .

كل هؤلاء الأئمة ، وغيرهم كثير ، كثير ، هم ليسوا من أهل السنة ، ولا يتحملون إثبات الصفات ، ولا يطيقونها ! !  فهي شجى في حلوقهم ! !

ولم يعطهم الله تعالى البصيرة ، والطمأنينة ، وانشراح الصدر ، ولم يُنوّر بصائرهم ! فظنوا أن الله تعالى يضره خلقه ! ! وذلك بنظر ذلك المتقي الورع ، الذي يؤمن بأنّ لله تعالى رِجل يضعها في نار جهنم ! !

إن وضع المسلمين المزري ، الذي يعيشونه الآن ، هو نتيجة هذه الأقوال الفجّة ، التي جرّأَت –  من لا يستطيع أن يكتب اسمه –  على الأئمة والعلماء ، الذين ضحوا بأوقاتهم ، وحياتهم ، وأرواحهم في سبيل هذا الدين !

جرّأَتهم ، بالإستهانة بأولئك الأئمة ، والطعن فيهم ، وعدم احترامهم ، وأكل لحومهم المسمومة ببرودة أعصاب ، وكأنهم يأكلون أشهى ما لذّ وطاب ! !

 

 

يتنزّل أمره !

        

17 - يَنْزِلُ أَمْرُهُ وَتَنْزِلُ رَحْمَتُهُ !

قال الإمام ابن عبد البر ، رحمه الله :

         [  أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ  يَنْزِلُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا

فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ التَّنَازُعَ فِيهِ

وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ يَنْزِلُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُصَدِّقُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يُكَيِّفُونَ

وَالْقَوْلُ فِي كَيْفِيَّةِ النُّزُولِ كَالْقَوْلِ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وَاحِدَةٌ

وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ أَيْضًا إِنَّهُ يَنْزِلُ أَمْرُهُ وَتَنْزِلُ رَحْمَتُهُ

وروى ذلك عن حبيب كاتب مالك وَغَيْرِهِ

 وَأَنْكَرَهُ مِنْهُمْ آخَرُونَ وَقَالُوا هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ أَمْرَهُ وَرَحْمَتَهُ لَا يَزَالَانِ يَنْزِلَانِ أَبَدًا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَتَعَالَى الْمَلِكُ الْجَبَّارُ الَّذِي إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَيَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ مَتَى شَاءَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالُ

وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَبَلِيُّ وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَيْرَوَانِ قَالَ حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ سَوَادَةَ بِمِصْرَ قَالَ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِي اللَّيْلِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا

 فَقَالَ مَالِكٌ يَتَنَزَّلُ أَمْرُهُ

وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ .

عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ تَتَنَزَّلُ رَحْمَتُهُ وَقَضَاؤُهُ بِالْعَفْوِ وَالِاسْتِجَابَةِ وَذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ أَيْ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَلِذَلِكَ مَا جَاءَ فِيهِ التَّرْغِيبُ فِي الدُّعَاءِ وَقَدْ رَوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ قَالَ جَوْفُ اللَّيْلِ الْغَابِرُ يَعْنِي الْآخِرَ

وَهَذَا عَلَى مَعْنَى مَا ذَكَرْنَا

وَيَكُونُ ذَلِكَ الْوَقْتُ مَنْدُوبًا فِيهِ إِلَى الدُّعَاءِ كَمَا نُدِبَ إِلَى الدُّعَاءِ عِنْدَ الزَّوَالِ وَعِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ نُزُولِ غَيْثِ السَّمَاءِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِنَ السَّاعَاتِ الْمُسْتَجَابِ فِيهَا الدُّعَاءُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَقَالَ آخَرُونَ يَنْزِلُ بِذَاتِهِ

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ . . .  سَمِعْتُ نُعَيْمَ بْنَ حَمَّادٍ يَقُولُ حَدِيثُ النُّزُولِ يَرُدُّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ قَوْلَهُمْ قَالَ وَقَالَ نُعَيْمٌ يَنْزِلُ بِذَاتِهِ وَهُوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ

قَالَ أَبُو عُمَرَ [ ابن عبد البر ] لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ هَذَا كَيْفِيَّةٌ وَهُمْ يَفْزَعُونَ مِنْهَا

لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا فِيمَا يُحَاطُ بِهِ عِيَانًا وَقَدْ جَلَّ اللَّهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ

وَمَا غَابَ عَنِ الْعُيُونِ فَلَا يَصِفُهُ ذَوُو الْعُقُولِ إِلَّا بِخَبَرٍ وَلَا خَبَرَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ إِلَّا مَا وَصَفَ نَفْسَهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا نَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى تَشْبِيهٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ تَمْثِيلٍ أَوْ تَنْظِيرٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير

قال أبو عمر أهل السنة مجموعون عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِيمَانِ بِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَحُدُّونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورَةً

وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ كُلُّهَا وَالْخَوَارِجُ فَكُلُّهُمْ يُنْكِرُهَا وَلَا يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُشَبِّهٌ وَهُمْ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهَا نَافُونَ لِلْمَعْبُودِ وَالْحَقُّ فِيمَا قَالَهُ الْقَائِلُونَ بِمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَهُمْ أَئِمَّةُ الْجَمَاعَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ

 رَوَى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ مَنْ وَصَفَ شَيْئًا مِنْ ذَاتِ اللَّهِ مِثْلَ قَوْلِهِ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عُنُقِهِ وَمِثْلَ قَوْلِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فَأَشَارَ إِلَى عَيْنَيْهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ قُطِعَ ذَلِكَ مِنْهُ لِأَنَّهُ شَبَّهَ اللَّهَ بِنَفْسِهِ

ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْبَرَاءِ حِينَ حَدَّثَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا يضحى بأربع من الضحايا وأشار الْبَرَاءُ بِيَدِهِ كَمَا أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ قَالَ الْبَرَاءُ وَيَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهَ الْبَرَاءُ أَنْ يَصِفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِجْلَالًا لَهُ وَهُوَ مَخْلُوقٌ فَكَيْفَ الْخَالِقُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ] ([414]) .

 

إلتباس في الفهم وتخليط !

        

         هناك بعض المسلمين قد إلتبس عندهم الفهم ، واختلطت عليهم الأمور ، فلم يميّزوا بين أهل السنة ( الأشعرية والماتريدية ) ، وبين أهل البدع ( المعتزلة والجهمية والخوارج ) في مسألة صفات الله تعالى .

         فظنوا أنّ موقف الفريقين حول صفات الله تعالى واحد !

         وهذا تخليط وتضليل !

تضليل للمسلمين الذين يثقون بفهم أولئك المختلطون !

فأولئك المبتدعة ( الجهمية والمعتزلة ) ، ينفون صفات الله تعالى ، الثابتة بالكتاب والسنة .

بينما أولئك الأئمة من أهل السنة ( الأشعرية والماتريدية ) لا ينفون صفات الله تعالى الثابتة بالكتاب والسنة .

بل يفسرون القرآن وأحاديث النبيّ r ، على ما تقتضيه لغة العرب ، وأساليب المخاطبة عندهم.

فالمختلطون يعتبرون بعض الأمور صفات لله تعالى ، وهي عند أولئك الأئمة ليست بصفات لله تعالى .

فعلى سبيل المثال :

يقول الله تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاق ) .

قال عبد الله بن عباس ، رضي الله عتهما : [  هو الأمر الشديد المُفظع من الهول يوم القيامة ] . وقال : [ عن أمر عظيم ] . وقال :  [ حين يكشف الأمر ، وتبدو الأعمال . وكشفه : دخول الآخرة وكشف الأمر عنه  ]  . وقال : [  شمّرت الحرب عن ساق يعني إقبال الآخرة وذهاب الدنيا ] .

 

وقال مجاهد : [ شدّة الأمر وجدّه ] .

وقال سعيد بن جبير : [  عن شدة الأمر ]  .

وقال قتادة : [  عن أمر فظيع جليل . يوم يكشف عن شدة الأمر  ]  .

وقال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل : [  يبدو عن أمر شديد ] .

هذا فهم وتفسير السلف الصالح لتلك الآية الكريمة .

بينما فَهْم المختلطون وتفسيرهم للآية الكريمة هو : [ يكشف الله تعالى ساقه ، فيسجد المؤمنون ، وعندما يرى -  الذين في قلوبهم مرض -  ساق الله تعالى ، فيريدون أن يسجدوا فلا يستطيعون ] ! !   

ومثال آخر :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : « الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا ، قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ » . وهو حديث صحيح .

 

فهِم الأئمة وعلماء الأمة من هذا الحديث المبارك ، ما يفهمه العقلاء والكبار وأولوا الألباب !

 

حيث قالوا :

[ معنى هذا الكلام : أنّ الكبرياء والعظمة صفتان لله سبحانه إختص بهما لا يشركه أحد فيهما ولا ينبغي لمخلوق أن يتعاطاها ،

 

لأن صفة المخلوق التواضع والتذلل ،

 

وضرب الرداء والإزار مثلاً في ذلك يقول والله أعلم :

 

لا يشرك الإنسان في ردائه وإزاره أحد ،

 

فكذلك لا يشركني في الكبرياء والعظمة مخلوق والله أعلم ] ( [415] ) .

 

هكذا يفهم العقلاء من الكلام .

 

وقد جاءت كلمة ( الرداء ) في شعر الشعراء – كما سيأتي – ( رداء العلم والحلم والتُقى . رداء الغمام . رداء الشعر والأحلام . رداء السحر . رداء الظلم . رداء المعالي . رداء الملك . رداء الحسن . رداء الموت . رداء . . . ) .

 

ولننظر الآن إلى المختلطين المضللين ، الذين يفترون على السلف الصالح ، ويتفوهون بكلام لا يقوله الصبيان ، ولا المجانين !

لننظر إلى فهمهم العجيب الغريب !

 

يقول أحدهم :

[ وأخطأ العيني لما قال : ( إنّ هذا الحديث من المتشابهات ، إذ لا رداء حقيقة ، ولا وجه )

 

فهذا خطأ  والصواب أنّ الحديث من الواضحات ، وهو رداء حقيقي ، ووجه حقيقي ] ! !

 

ويظهر أن كل تلك المعاني ؛ التي جاءت في شعر الشعراء ، يظهر أن لها أردية حقيقية !

 

والمصيبة هي : أن هذا القائل بهذه العظائم ، يعتبر نفسه من أتباع السلف الصالح ، ومن المثبتين لصفات الله تعالى ، وليس من الذين يعطلون صفات الله تعالى .

 

ويعتبر قوله ذلك ، من إثبات الصفات لله تعالى !

 

أما فهم أولئك الأئمة والعقلاء لكلام العرب ، وأسلوب مخاطبتهم ، فيعتبر ذلك من تعطيل صفات الله تعالى ، ويعتبرهم مبتدعة كالمعتزلة والجهمية ! !          

 

 

فدائمٌ لا يزول !

        

وقال الإمام الذهبي ، رحمه الله :

         [  وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ حَسَّانٍ . . . حَدَّثَنِي مَالِكٌ ، قَالَ :

يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا - تَبَارَكَ وَتَعَالَى – أَمْرُهُ ، فَأَمَّا هُوَ ، فَدَائِمٌ لاَ يَزُولُ .

قَالَ صَالِحٌ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ ، فَقَالَ : حَسَنٌ وَاللهِ ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ .

قُلْتُ : لاَ أَعْرِفُ صَالِحاً ، وَحَبِيْبٌ مَشْهُوْرٌ، وَالمَحْفُوْظُ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللهُ - رِوَايَةُ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ ، أَنَّهُ سَأَلهُ عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَاتِ ، فَقَالَ: أَمِرَّهَا كَمَا جَاءتْ، بِلاَ تَفْسِيْرٍ .

فَيَكُوْنُ لِلإِمَامِ فِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ إِنْ صَحَّتْ رِوَايَةُ حَبِيْبٍ  ) ([416]) .

 

 

لم يكن يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالماً !

وقال أيضاً ، رحمه الله :

[  قَالَ ابْنُ القَاسِمِ : سَأَلْتُ مَالِكاً عَمَّنْ حَدَّثَ بِالحَدِيْثِ : الَّذِيْنَ قَالُوا : ( إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُوْرَتِهِ ) ، وَالحَدِيْثِ الَّذِي جَاءَ : ( إِنَّ اللهَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ ) ، ( وَأَنَّهُ يدْخِلُ يَدَهُ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يُخْرِجَ مَنْ أَرَادَ ) .

فَأَنْكَر مَالِكٌ ذَلِكَ إِنْكَاراً شَدِيْداً، وَنَهَى أَنْ يُحَدِّثَ بِهَا أَحَدٌ  .

فَقِيْلَ لَهُ : إِنَّ نَاساً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يَتَحَدَّثُوْنَ بِهِ .

فَقَالَ: مَنْ هُوَ؟

قِيْلَ: ابْنُ عَجْلاَنَ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ .

قَالَ: لَمْ يَكُنِ ابْنُ عَجْلاَنَ يَعْرِفُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ ، وَلَمْ يَكُنْ عَالِماً ) ([417]) .       

 

وهو معكم أينما كنتم !

18 – شاهد لكم ، يعلمكم !

 قال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

[ ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ ) ( [418] ) يقول : وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم ، ويعلم أعمالكم ، ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سمواته السبع ) ([419]) .

وقال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

[  وَقَوْلُهُ : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

أَيْ : رَقِيبٌ عَلَيْكُمْ ، شَهِيدٌ عَلَى أَعْمَالِكُمْ حَيْثُ أَنْتُمْ ، وَأَيْنَ كُنْتُمْ ، مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ ، فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ، فِي الْبُيُوتِ أَوِ الْقِفَارِ ، الْجَمِيعُ فِي عِلْمِهِ عَلَى السَّوَاءِ ، وَتَحْتَ بَصَرِهِ وَسَمِعِهِ ،

فَيَسْمَعُ كَلَامَكُمْ وَيَرَى مَكَانَكُمْ، وَيَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَنَجْوَاكُمْ ، كَمَا قَالَ : {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [هُودٍ: 5] .

وَقَالَ { سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ } [الرَّعْدِ: 10] ، فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ قَالَ لِجِبْرِيلَ ، لَمَّا سَأَلَهُ عَنِ الْإِحْسَانُ : " أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " ] ([420])  .

 

 

وقال الشيخ السعدي ، رحمه الله :

[ { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } كقوله : { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا }

وهذه المعية، معية العلم والاطلاع ] ([421]) .

 

وقال الإمام القاسمي ، رحمه الله :

[  وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ

قال ابن جرير : أي وهو شاهد لكم ، أينما كنتم ، يعلمكم ويعلم أعمالكم ومتقلبكم ومثواكم ، وهو على عرشه فوق سماواته السبع .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ( شرح حديث النزول ) : لفظ المعية في سورة الحديد والمجادلة ، في آيتيهما ، ثبت تفسيره عن السلف بالعلم . وقالوا :

هو معهم بعلمه .

وقد ذكر الإمام ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، ولم يخالفهم أحد يعتدّ بقوله .

وهو مأثور عن ابن عباس والضحاك ومقاتل بن حيان وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وغيرهم .

قال ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية : هو على العرش وعلمه معهم ، وهكذا عمن ذكر معه .

وقد بسط الإمام أحمد الكلام على المعية في ( الرد على الجهمية ) .

ولفظ المعية في كتاب الله جاء عاما كما في هاتين الآيتين ، وجاء خاصّا كما في قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل: 128] ، وقوله : إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى [طه: 46] ،

وقوله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [ التوبة:40 ] ، فلو كان المراد بذاته مع كل شيء، لكان التعميم يناقض التخصيص ،

فإنه قد علم أن قوله : لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا أراد به تخصيصه وأبا بكر، دون عدوّهم من الكفار.

وكذلك قوله : إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ خصهم بذلك دون الظالمين والفجار.

وأيضا، فلفظ المعية ، ليست في لغة العرب ، ولا شيء من القرآن أن يراد بها اختلاط إحدى الذاتين بالأخرى، كما في قوله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الفتح: 29] ،

وقوله فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء: 146] ، وقوله : اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [ التوبة: 119] ، وقوله : وَجاهَدُوا مَعَكُمْ [الأنفال: 75] ، ومثل هذا كثير .

فامتنع أن يكون قوله : وَهُوَ مَعَكُمْ ، يدل على أن ذاته مختلطة بذوات الخلق .

وأيضا ، فإنه افتتح الآية بالعلم ، وختمها بالعلم ، فكان السياق يدل على أنه أراد أنه عالم به

وقد بسط الكلام عليه في موضع آخر، وبيّن أن لفظ المعية في اللغة ، وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقاربة ، فهو إذا كان مع العباد ، لم يناف ذلك علوّه على عرشه ،

ويكون حكم معيته في كل موطن بحسبه .  فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان .

ويخص بعضهم بالإعانة والنصر والتأييد . انتهى .

وقال الإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي رضي الله عنه في كتاب ( ذم التأويل ) :

فإن قيل: فقد تأولتم آيات وأخبارا ، فقلتم في قوله تعالى : وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ أي بالعلم ، ونحو هذا من الآيات والأخبار ، فيلزمكم ما لزمنا ؟

قلنا: نحن لم نتأول شيئا ، وحمل هذه اللفظات على هذه المعاني ليس بتأويل

لأن التأويل صرف اللفظ عن ظاهره ، وهذه المعاني هي الظاهر من هذه الألفاظ ، بدليل أنه المتبادر إلى الإفهام منها .

وظاهر اللفظ هو ما يسبق إلى الفهم منه ، حقيقة كان أو مجازا .

ولذلك كان ظاهر الأسماء العرفية ، المجاز دون الحقيقة ، كاسم الرواية والظعينة وغيرهما من الأسماء العرفية ،

فإن ظاهر هذا ، المجاز دون الحقيقة ، وصرفها إلى الحقيقة يكون تأويلا يحتاج إلى دليل

وكذلك الألفاظ التي لها عرف شرعيّ ، وحقيقة لغوية، كالوضوء والطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج ، إنما ظاهرها العرف الشرعيّ دون الحقيقة اللغوية .

وإذا تقرر هذا ، فالمتبادر إلى الفهم من قولهم ( إن الله معك ) أي بالحفظ والكلاءة .

ولذلك قال الله تعالى فيما أخبر عن نبيّه إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة: 40] ،

وقال لموسى إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى [طه: 46] ،

ولو أراد أنه بذاته مع كل أحد لم يكن لهم بذلك اختصاص ، لوجوده في حق غيرهم ، كوجوده فيهم ، ولم يكن ذلك موجبا لنفي الحزن عن أبي بكر ، ولا علة له .

فعلم أن ظاهر هذه الألفاظ هو ما حملت عليه ، فلم يكن تأويلا .

ثم لو كان تأويلا فما نحن تأوّلناه ، وإنما السلف رحمة الله عليهم ، الذين ثبت صوابهم ، ووجب اتباعهم ، هم الذين تأوّلوه .  

فإن ابن عباس والضحاك ومالكا وسفيان وكثيرا من العلماء قالوا في قوله : وَهُوَ مَعَكُمْ أي علمه .

ثم قد ثبت بكتاب الله ، والمتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف ، أن الله تعالى في السماء على عرشه ، وجاءت هذه اللفظة مع قرائن محفوفة بها دالة على إرادة العلم منها ، وهو قوله أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [المجادلة: 7] ، ثم قال في آخرها إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . فبدأها بالعلم ، وختمها به ،

ثم سياقها لتخويفهم بعلم الله تعالى بحالهم ، وأنه ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ويجازيهم عليه ،

 وهذه قرائن كلهــا دالة على إرادة العلم ، فقد اتفق فيها هذه القرائن ، ودلالة الأخبار على معناها ، ومقالة السلف وتأويلهم .

فكيف يلحق بها ما يخالف الكتاب والأخبار ومقالات السلف ؟

فهذا لا يخفى على عاقل إن شاء الله تعالى ، وإن خفي فقد كشفناه وبيّنّاه بحمد الله تعالى .

ومع هذا لو سكت إنسان عن تفسيرها وتأويلها لم يخرج ولم يلزمه شيء ،

فإنه لا يلزم أحدا الكلام في التأويل إن شاء الله تعالى.

انتهى كلام ابن قدامة رحمه الله ] ([422]) .

 

وقال الإمام الذهبي ، رحمه الله :

[  وَقَالَ مَعْدَانُ - الَّذِي يَقُوْلُ فِيْهِ ابْنُ المُبَارَكِ : هُوَ مِنَ الأَبْدَالِ - : سَأَلْتُ الثَّوْرِيَّ عَنْ قَوْلِهِ :      { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ } [الحَدِيْدُ: 4] ، قَالَ : عِلْمُهُ ] ([423]) .

 

 

 

إنه معهم بعلمه وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته !

        

وقال الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله :

[  وَذَلِكَ أَنَّ كَلِمَةَ ( مَعَ  ) فِي اللُّغَةِ إذَا أُطْلِقَتْ فَلَيْسَ ظَاهِرُهَا فِي اللُّغَةِ إلَّا الْمُقَارَنَةَ الْمُطْلَقَةَ؛

مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ مُمَاسَّةٍ أَوْ مُحَاذَاةٍ عَنْ يَمِينٍ أَوْ شِمَالٍ ؛ فَإِذَا قُيِّدَتْ بِمَعْنَى مِنْ الْمَعَانِي دَلَّتْ عَلَى الْمُقَارَنَةِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى .

 فَإِنَّهُ يُقَالُ: مَا زِلْنَا نَسِيرُ وَالْقَمَرَ مَعَنَا أَوْ وَالنَّجْمَ مَعَنَا .

وَيُقَالُ : هَذَا الْمَتَاعُ مَعِي لِمُجَامَعَتِهِ لَك ؛ وَإِنْ كَانَ فَوْقَ رَأْسِك .

فَاَللَّهُ مَعَ خَلْقِهِ حَقِيقَةً وَهُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ حَقِيقَةً .

ثُمَّ هَذِهِ " الْمَعِيَّةُ " تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا بِحَسَبِ الْمَوَارِدِ

فَلَمَّا قَالَ : { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } إلَى قَوْلِهِ : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } .

 دَلَّ ظَاهِرُ الْخِطَابِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَعِيَّةِ وَمُقْتَضَاهَا أَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْكُمْ ؛ شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وَمُهَيْمِنٌ عَالِمٌ بِكُمْ .

وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ السَّلَفِ: إنَّهُ مَعَهُمْ بِعِلْمِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ الْخِطَابِ وَحَقِيقَتُهُ .

 

 

معية الاطلاع والنصر والتأييد !

وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ } إلَى قَوْلِهِ : { هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا   كَانُوا } الْآيَةَ .

وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِهِ فِي الْغَارِ: { لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا } كَانَ هَذَا أَيْضًا حَقًّا عَلَى ظَاهِرِهِ وَدَلَّتْ الْحَالُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَعِيَّةِ هُنَا مَعِيَّةُ الِاطِّلَاعِ وَالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ .

وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ : { إنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } . هُنَا الْمَعِيَّةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَحُكْمُهَا فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ النَّصْرُ وَالتَّأْيِيدُ .

وَقَدْ يَدْخُلُ عَلَى صَبِيٍّ مَنْ يُخِيفُهُ فَيَبْكِي فَيُشْرِفُ عَلَيْهِ أَبُوهُ مِنْ فَوْقِ السَّقْفِ فَيَقُولُ : لَا تَخَفْ ؛ أَنَا مَعَك أَوْ أَنَا هُنَا ؛ أَوْ أَنَا حَاضِرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ. يُنَبِّهُهُ عَلَى الْمَعِيَّةِ الْمُوجِبَةِ بِحُكْمِ الْحَالِ دَفْعَ الْمَكْرُوهِ ؛

 فَفَرْقٌ بَيْنَ مَعْنَى الْمَعِيَّةِ وَبَيْنَ مُقْتَضَاهَا ؛ وَرُبَّمَا صَارَ مُقْتَضَاهَا مِنْ مَعْنَاهَا .

فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ .

فَلَفْظُ " الْمَعِيَّةِ " قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي مَوَاضِعَ يَقْتَضِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أُمُورًا لَا يَقْتَضِيهَا فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ؛

فَإِمَّا أَنْ تَخْتَلِفَ دَلَالَتُهَا بِحَسَبِ الْمَوَاضِعِ أَوْ تَدُلَّ عَلَى قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ جَمِيعِ مَوَارِدِهَا - وَإِنْ امْتَازَ كُلُّ مَوْضِعٍ بِخَاصِّيَّةٍ - فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ

لَيْسَ مُقْتَضَـاهَا أَنْ تَكُونَ ذَاتُ الرَّبِّ عَـزَّ وَجَـلَّ مُخْتَلِطَةً بِالْخَلْقِ حَتَّى يُقَالَ قَدْ صُرِفَتْ عَنْ ظَاهِرِهَا ] ([424]).

فالآية الكريمة ، واضحة صريحة ( وهو معكم أينما كنتم ) ولم يقل ( بعلمه ) !

فلماذا أوّلوها ، أو فسّروها بعلمه ؟ ! لأن هناك آية كريمة تقول ( استوى على العرش ) ، وهناك أحاديث ، وأدلة عقلية ، وأساليب الخطاب بين الناس ، أوّلوا الكلام على ضوء تلك الآيات ، والأحاديث ، والأدلة !

فلماذا ينكرون على مَن يُؤوّل الآيات ، والأحاديث ، استناداً على نفس القواعد ، والموازين !

ونلاحظ فـي أقوال الحافظ ابن تيمية ، وابن قدامة رحمهما الله تعالى ، ما هو شبيه بكلام الفلاسفة ، وعلم الكلام ، والرأي !

وكثيراً من احتجاجاتهم عقلية ! وليس كلها تعتمد على نصوص الكتاب ، والسنة !

فلماذا يعيبون على غيرهم ما يفعلونه هم ؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ويبقى وجه ربك !

        

19 – ويبقى ربك !

قال الحافظ ابن الجوزي ، رحمه الله :

[  قال الله تعالى : ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ) الرحمن : 27 .

قال المفسرون : معناه يبقى ربك ،

وكذا قالوا في قوله : ( يريدون وجهه ) الانعام : 52 أي يريدونه .

وقال الضحاك وأبو عبيدة في قوله : ( كل شئ هالك إلا وجهه ) القصص : 88 ، أي إلا         هو ] ([425]) .

 

كل شيء هالك إلا وجهه !

قال تعالى : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ ) [426] .

قال الإمام ابن جرير الطبري ، رحمه الله :

[  واختلف في معنى قوله : ( إِلا وَجْهَهُ )

فقال بعضهم : معناه : كلّ شيء هالك إلا هو .

وقال آخرون : معنى ذلك : إلا ما أريد به وجهه ، واستشهدوا لتأويلهم ذلك كذلك بقول  الشاعر :

أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيهُ ... رَبُّ العِبادِ إلَيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ ] ([427]) .

وقال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

[  وَقَوْلُهُ : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ } : إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ الدَّائِمُ الْبَاقِي الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، الَّذِي تَمُوتُ الْخَلَائِقُ وَلَا يَمُوتُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ } [الرَّحْمَنِ: 26، 27] ، فعبر بالوجه عن الذات ،

وهكذا قوله ها هنا : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ } أَيْ : إِلَّا إِيَّاهُ .

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيَدٍ :

أَلَا كلُّ شَيْء مَا خَلا اللهَ بَاطِلُ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ فِي قَوْلِهِ : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ } أَيْ : إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ ،

وَحَكَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ كَالْمُقَرِّرِ لَهُ .

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَيَسْتَشْهِدُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :

أسْتَغْفِرُ اللهَ ذنبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ ... رَبّ العبَاد، إلَيه الوَجْهُ والعَمَلُ ...

وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُنَافِي الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ، فَإِنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ كُلِّ الْأَعْمَالِ بِأَنَّهَا بَاطِلَةٌ إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمُطَابِقَةِ لِلشَّرِيعَةِ .

 وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مُقْتَضَاهُ أَنَّ كُلَّ الذَّوَاتِ فَانِيَةٌ وَهَالِكَةٌ وَزَائِلَةٌ إِلَّا ذَاتَهُ تَعَالَى ، فَإِنَّهُ الْأَوَّلُ الْآخِرُ الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَبَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ .

قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ "التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ " :  حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. . .  قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَعَاهَدَ قَلْبَهُ ، يَأْتِي الْخَرِبَةَ فَيَقِفُ عَلَى بَابِهَا ، فَيُنَادِي بِصَوْتٍ حَزِينٍ فَيَقُولُ: أَيْنَ أَهْلُكِ ؟ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا                وَجْهَهُ }  ] ([428]) .

 

إلاّ دينه !

قال الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله :

[  رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ  قَالَ : " إلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ وَعَنْ  " جَعْفَرٍ الصَّادِقِ "  إلَّا دِينَهُ  "

وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عبادة بْنِ الصَّامِتِ قَالَ " يُجَاءُ بِالدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: مَيِّزُوا مَا كَانَ لِلَّهِ مِنْهَا. قَالَ : فَيُمَازُ مَا كَانَ لِلَّهِ مِنْهَا ثُمَّ يُؤْمَرُ بِسَائِرِهَا فَيُلْقَى فِي النَّارِ " .

 وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَا يَعُمُّ . فَفِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ  

" أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا . فَقَالَ: أَسْأَلُك بِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ . كَذَبْت لَيْسَ بِوَجْهِ اللَّهِ سَأَلْتنِي إنَّمَا وَجْهُ اللَّهِ الْحَقُّ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ } يَعْنِي الْحَقَّ - وَلَكِنْ سَأَلْتنِي بِوَجْهِك الْخَلَقِ "

وَعَنْ مُجَاهِدٍ  " إلَّا هُوَ  "

وَعَنْ الضَّحَّاكِ  "  كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا اللَّهَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَالْعَرْشَ  "

وَعَنْ ابْنِ كيسان " إلَّا مُلْكَهُ ".

وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ " الْوَجْهِ " يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَصْلِ مِثْلَ الْجِهَةِ كَالْوَعْدِ وَالْعِدَةِ وَالْوَزْنِ وَالزِّنَةِ وَالْوَصْلِ وَالصِّلَةِ وَالْوَسْمِ وَالسِّمَةِ لَكِنْ فِعْلُهُ حُذِفَتْ فَاؤُهَا وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ الْفِعْلِ كَالْأَكْلِ وَالْإِكْلَةِ .

فَيَكُونُ مَصْدَرًا بِمَعْنَى التَّوَجُّهِ وَالْقَصْدِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْت مُحْصِيهِ رَبَّ الْعِبَادِ إلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ

ثُمَّ إنَّهُ يُسَمَّى بِهِ الْمَفْعُولُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْمُتَوَجَّهُ إلَيْهِ كَمَا فِي اسْمِ الْخَلْقِ وَدِرْهَمِ ضَرْبِ الْأَمِيرِ وَنَظَائِرِهِ وَيُسَمَّى بِهِ الْفَاعِلُ الْمُتَوَجَّهُ كَوَجْهِ الْحَيَوَانِ يُقَالُ : أَرَدْت هَذَا الْوَجْهَ أَيْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَالنَّاحِيَةِ .

 وَمِنْهُ قَوْلُهُ : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } أَيْ قِبْلَةُ اللَّهِ وَوُجْهَةُ اللَّهِ

هَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَإِنْ عَدَّهَا بَعْضُهُمْ فِي الصِّفَاتِ ] ([429]) .

يعني : بعض السلف اعتبر ( وجه الله ) من الصفات .

وبعض السلف لم يعتبر ( وجه الله ) من الصفات ، بل فسّر ( وجه الله ) بقبلة الله ووجهة الله ، كما قال الحافظ ابن تيمية .

كل تلك الآيات الكريمة  ، والأحاديث النبوية الشريفة التي ذكرناها ، ثبت تأويل السلف لها ، بما لايدع مجالاً لأدنى شك !

فمن قال : إن السلف كانوا لا يُؤَوِّلون ، فهو على خطأ بيّن قطعاً ! والدليل هو كل تلك الأدلة  والنقول ، التي ذكرناها !

 

 

 

 

 

 

 

 

ومن السلف من أثبت !

        

وإذا كان في السلف مَن أوّل الآيات ، والأحاديث ، فهناك مَن أثبت :

         [ روى البخاري معلقا عن مجاهد في قوله تعالى : (  استوى على العرش ) أي : علا ([430]) .

         ونقل أبو إسماعيل الهروي في كتاب ( الفاروق ) بسنده إلى داود بن علي بن خلف قال : كنا عند أبي عبد الله بن الأعرابي يعني محمد بن زياد اللغوي ، فقال له رجل :

( الرحمن على العرش استوى ) فقال : هو على العرش كما أخبر ([431]) ،

قال : يا أبا عبد الله ! إنما معناه : استولى ، فقال : اسكت ، لا يقال : استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد ([432]) .

         ومن طريق محمد بن أحمد بن النضر الأسدي : سمعت ابن الأعرابي يقول : أرادني أحمد بن أبي دؤاد أحد رؤوس المعتزلة : أن أجد له في لغة العرب : ( الرحمن على العرش استوى ) بمعنى : استولى ، فقلت : والله ما أصبت هذا  

         وقال غيره : لو كان ( أي استوى ) بمعنى استولى لم يختص بالعرش ، لأنه غالب على جميع المخلوقات ([433]) .

         ونقل محيي السنة البغوي في تفسيره عن ابن عباس وأكثر المفسرين : أن معناه : ارتفع [434] .

         وقال أبو عبيد والفراء وغيرهما بنحوه .

         وأخرج أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة من طريق الحسن البصري عن أمه عن أم سلمة أنها قالت : (( الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإقرار به إيمان ، والجحود به كفر )) .

         ومن طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سُئل : كيف استوى على العرش ؟ فقال : (( الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ( [435] ) ، وعلى الله الرســالة ، وعلـى رسوله البلاغ ، وعلينا التسليم )) .

         وأخرج البيهقي بسند جيد عن الأوزاعي قال : كنا والتابعون متوافرون نقول : إن الله على عرشه ( [436] ) ، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته ( [437] ) .

وأخرج الثعلبي من وجه آخر عن الأوزاعي أنه سئل عن قوله تعالى : ( ثم استوى على العرش ) فقال : هو كما وصف نفسه ( [438] ) .

         وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب قال : كنا عند مالك ، فدخل رجل ، فقال : يا أبا عبد الله ( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى ؟ فأطرق مالك ، فأخذته الرُّحَضَاءُ [ عرق يغسل الجلد لكثرته ] ، ثم رفع رأسه ، فقال : الرحمن على العرش استوى كما وصف به نفسه ، ولا يُقال : كيف ؟ و ( كيف ) عنه مرفوع ( [439] ) ، وما أراك إلا صاحب بدعة ، أخرجوه .

         ومن طريق يحيى بن يحيى عن مالك نحو المنقول عن أم سلمة ، لكن قال فيه : (( والإقرار به واجب ، والسؤال عنه بدعة )) .

         وأخرج البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي قال : كان سفيان الثوري ، وشعبة ، وحماد بن زيد ، وحماد بن سلمة ، وشريك ، وأبو عوانة : لا يحددون ولا يشبّهون ، ويروون هذه الأحاديث ولا يقولون : كيف ؟ قال أبو داود : وهو قولنا .

         قال البيهقي : وعلى هذا مضى أكابرنا . . .

         وقال الترمذي في الجامع عقب حديث أبي هريرة في النزول : وهو على العرش كما وصف به نفسه في كتابه ([440]) ، كذا قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات .

         وقال في باب فضل الصدقة : قد ثبتت هذه الروايات فنؤمن بها ولا نتوهم ( [441] ) ولا يقال : كيف ؟ كذا جاء عن مالك وابن عيينة وابن المبارك أنهم أمرّوها بلا كيف ( [442] ) ، وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة ، وأما الجهمية فأنكروها وقالوا : هذا تشبيه ، وقال إسحاق بن راهويه إنما يكون التشبيه لو قيل : يد كيد ، وسمع كسمع ( [443] ) . . .

         وقال ابن عبد البر : أهل السنة مُجْمِعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة ، ولم يكيفوا شيئا منها ؛ وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج ( [444] ) فقالوا : مَن أقر بها فهو مشبه ، فسماهم من أقر بها معطلة  ] ([445]) .

 

لغة العرب واستوى بمعنى استولى !

 

تعقيباً على قول ابن الأعرابي ، الذي أقسم فيه على عدم إصابة إبن أبي دؤاد ، في أنه لا يوجد في لغة العرب ( إستوى ) بمعنى ( إستولى ) :

( أرادني أحمد بن أبي دؤاد أحد رؤوس المعتزلة  : أن أجـد لـه فـي لغة العرب : ( الرحمن على العرش استوى ) بمعنى : استولى ، فقلت : والله ما أصبت هذا )  :

نقول – وليس ذلك دفاعاً عن البدع ، ولكن من باب ، أنه ليس كل كلام أهل البدع خطأ ، كيف وقد قال النبيّ r لأبي هريرة t عن ( الشيطان ) : صدقك وهوكذوب ( [446] ) ! :

         قال اللغوي الفيومي : [ وَاسْتَوَى الطَّعَامُ ، أَيْ نَضَجَ .  وَاسْتَوَى الْقَوْمُ فِي الْمَالِ ، إذَا لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ وَتَسَاوَوْا فِيهِ وَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ . وَاسْتَوَى جَالِسًا وَاسْتَوَى عَلَى الْفَرَسِ ، اسْتَقَرَّ . وَاسْتَوَى الْمَكَانُ ، اعْتَدَلَ . وَسَوَّيْتُهُ ، عَدَّلْتُهُ . وَاسْتَوَى إلَى الْعِرَاقِ ، قَصَدَ . وَاسْتَوَى عَلَى سَرِيرِ الْمُلْكِ كِنَايَـةٌ عَـنْ التَّمَلُّـكِ وَإِنْ لَـمْ يَجْلِسْ عَلَيْـهِ كَمَــا قِيـلَ مَبْسُوطُ الْيَـدِ وَمَقْبُـوضُ الْيَـدِ كِنَايَـةٌ عَـنْ الْجُودِ وَالْبُخْلِ . . . ] ( [447] ) .

         و[ وَقِيلَ : اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ صَعِدَ أَمره إِلَيْهَا ، وَفَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ : أَقْبَلَ إِلَيْهَا ، وَقِيلَ: اسْتَوْلى . الْجَوْهَرِيُّ : اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ أَي قَصَدَ ، واسْتَوى أَي اسْتَوْلى وظَهَر ؛ وَقَالَ : قَدِ اسْتَوى بِشْرٌ عَلَى العِرَاق ، ... مِنْ غَيرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُهْراق   ] ( [448] ) .

و [ وَرَجُلٌ ( سَوِيُّ ) الْخَلْقِ أَيْ ( مُسْتَوٍ ) وَ ( اسْتَوَى ) مِنِ اعْوِجَاجٍ . وَاسْتَوَى عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ أَيِ اسْتَقَرَّ. وَ ( سَاوَى ) بَيْنَهُمَا أَيْ سَوَّى. وَ ( اسْتَوَى ) إِلَى السَّمَاءِ قَصَدَ . وَاسْتَوَى أَيِ اسْتَوْلَى وَظَهَرَ . قَالَ الشَّاعِرُ : قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقٍ  ] ( [449] ) .

و [ الفراء : هذا الشئ لا يساوى كذا ، ولم يعرف يَسْوي كذا . وهذا لا يساويه ، أي لا يعادله . وسويت الشئ فاستوى . وهما على سوية من هذا الأمر ، أي على سواء . وقسمت الشئ بينهما بالسوية . ورجلٌ سَوِيُّ الخَلْقِ ، أي مُسْتَوِ . واسْتَوى من اعوجاجٍ . واستوى على ظهر دابته ، أي علا واستقر . وساوَيْتُ بينهما ، أي سَوَّيْتُ . واسْتَوى إلى السماء ، أي قَصَدَ . واسْتَوى ، أي استولى وظهَرَ . وقال : قد اسْتَوى بِشْرٌ على العِراقِ * من غير سيفٍ ودمٍ مُهْراقِ    واسْتَوى الرجل ، إذا انتهى شبابُه .

وقصدتُ سِوى فلان ، أي قصدت قصده ] ( [450] ) .

 

و [ واستوى على بلد كذا : أي استولى ، قال الله تعالى : الرَّحْمانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ، وقال تعالى : ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ . قال الراجز : قد استوى بِشْرٌ على العراق ... بغير سيف ودم مهراق . . . وقيل : معنى اسْتَوى إِلَى السَّمااءِ* مثل اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ*: أي استولى ] ( [451] ) .

 

و [ استوى على كذا : 1 - استولى وملَك "استوى على سرير الملك - استوى على العرش : تولّى الملك- { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } : علا عليه " . . . عَرْش [ مفرد ] : ج أعراش (لغير المصدر ) وعُروش ( لغير المصدر ) :

1 - مصدر عرَشَ .

2 - سرير المُلْكِ ، قوام المُلْكِ " جلس على العَرْش - { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ } " ° استوى على عَرْشه / تربَّع على العَرْش : ملَك مقاليدَ الحكم ، تولَّى المُلْكَ - اعتزل العَرْشَ : تخلّى عنه - اعتلى العَرْشَ : أصبح مَلِكًا - ثُلَّ عَرْشُه : ذهب عزُّه ووهى أمرُه ]  ( [452] ) .     

 

و [ وقالَ الفرَّاءُ : مِن مَعانِي الاسْتِواءِ أَنْ يقولَ كانَ فلانٌ مُقْبلاً على فلانٍ ثمَّ اسْتَوَى عليَّ وإليَّ يُشاتِمُنِي على مَعْنى أَقْبَل ، فَهَذَا مَعْنى { ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّماءِ } :

(أَو اسْتَوْلَى) وظَهَرَ ؛ نقلَهُ الجوهريُّ ولكنَّه لم يُفَسِّر بِهِ الآيَةَ المَذْكورَة .

قالَ الرَّاغبُ : ومَتَى مَا عُدِّي بعلى اقْتَضَى مَعْنى الاسْتِيلاءِ كقوْلِه ، عزَّ وجلَّ : { الرَّحْمن على العَرْشِ اسْتَوى } ؛ وَمِنْه قَوْل الأَخْطَل أَنْشَدَه الجوهرِيُّ :

قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ على العِرَاق

من غَيرِ سَيْفَ ودَمٍ مُهْراق

ثمَّ قالَ الرَّاغبُ : وقيلَ مَعْناه اسْتَوَى كلّ شيءٍ فِي النِّسْبَةِ إِلَيْهِ ، فَلَا شيءَ أَقْرَب إِلَيْهِ مِن شيءٍ إِذْ كانَ ، عزَّ وجَلَّ ، ليسَ كالأَجْسامِ الحالَّةِ فِي مَكانٍ دُونَ مكان . ] ( [453] ) .

 

         إن هناك مَن يستجدي عواطف بعض المسلمين ، ويحركها ضد مخالفيهم ، زاعماً أنّ مخالفيهم على خطأ وضلال ، وذلك أنهم يعتمدون في تفسير آيات القرىن الكريم ، على شعر نصراني غير ثابت عنه !

         وأنا هنا لا أريد مناقشة هذا الزعم .

         فقط أقول : وإن كان الجميع كفار ، ولكن أليس النصراني ، أفضل من المشرك عابد الوثن ؟

         فانظر بماذا ينصحنا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب t ، وكذلك حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما – وقد سبق نقل أقوالهما :

         قال عمر بن الخطاب t :    

[ عليكم بديوانكم لا تضلوا . قالوا : وما ديواننا ؟ قال : شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم ] ( [454] ) .

وقال عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما :

  إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب  ] ( [455] ) .

فإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هل التفويض هو من مذاهب السلف ؟ !

        

قبل أن نذكر أقوال الأئمة ، والعلماء في ذلك ، يحسن بنا أن نذكر تعريف التفويض ، وهذا التعريف هو ممن ينكر أن يكون التفويض من مذاهب السلف :

         قال : [  التفويض لغة : هو من ردّ الأمر إلى الغير ، تقول : فوضت الأمر إلى فلان يعنى رددته   إليه . قال فى مختار الصحاح فى مادة ف و ض : فوَّض إليه الأمر ردَّه إليه .

وأما فى اصطلاح المفوضة ، فالمقصود بالتفويض : رد معرفة معانى نصوص الصفات فى القرآن والسنة إلى الله عز وجل دون غيره .

ومن عباراتهم فى ذلك : إن المراد بهذا خلاف مدلولها الظاهر المفهوم ، ولا يعرفه أحد ، كما لا يعلم وقت الساعة  ] ([456])  .

والآن لننظر ماذا يقول العلماء :

 

 

إنها حق على ما أراد الله !

        

1 –  قال الإمام بدرالدين العيني ، رحمه الله :

         [  ثمَّ اعْلَم أَن هَذِه الْأَحَادِيث من مشاهير أَحَادِيث الصِّفَات ،

وَالْعُلَمَاء فِيهَا على مذهبين

أَحدهمَا : مَذْهَب المفوضة  وَهُوَ الْإِيمَان بِأَنَّهَا حق على مَا أَرَادَ الله ، وَلها معنى يَلِيق بِهِ وظاهرها غير مُرَاد وَعَلِيهِ جُمْهُور السّلف وَطَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين ،

وَالْآخر: مَذْهَب المؤولة وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين ] ([457]) .

         وكلامه ، رحمه الله ، واضح ، صريح ، قطعي الدلالة ، لا يحتمل أي تأويل ! ( ولها معنى يليق به وظاهرها غير مراد ، وعليه جمهور السلف ) ! !

         ما معاني تلك الأحاديث ؟ الجواب : لا ندري ! إلا أن لها معنى يليق بالله تعالى ! وظاهر اللفظ غير مراد !

         وهذا ما يقول به جمهور السلف .

         فإذا لم يكن هذا تفويضاً ، فما هو التفويض ؟ !

 

 

أَمِرَّهَا كَمَا جَاءتْ، بِلاَ تَفْسِيْرٍ !

        

2 – قال الإمام الذهبي ، رحمه الله :

         [  وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ حَسَّانٍ ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَيُّوْبَ ، حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ ، قَالَ :

يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا – تَبَارَكَ وَتَعَالَى – أَمْرُهُ ، فَأَمَّا هُوَ ، فَدَائِمٌ لاَ يَزُولُ .

قَالَ صَالِحٌ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، فَقَالَ: حَسَنٌ وَاللهِ ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ .

قُلْتُ: لاَ أَعْرِفُ صَالِحاً، وَحَبِيْبٌ مَشْهُوْرٌ، وَالمَحْفُوْظُ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللهُ - رِوَايَةُ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، أَنَّهُ سَأَلهُ عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَاتِ ، فَقَالَ : أَمِرَّهَا كَمَا جَاءتْ ، بِلاَ تَفْسِيْرٍ ] ([458]) .

         وقال أيضاً ، رحمه الله :

         [  فَقَولُنَـا فِـي ذَلِـكَ وَبَـابِهِ : الإِقـرَارُ، وَالإِمْـرَارُ، وَتَفْويضُ مَعْنَـاهُ إِلَـى قَــائِلِه الصَّــادِقِ المَعْصُومِ ] ([459]).

                              وكلام الإمام الذهبي ، رحمه الله ، أيضاً واضح ، صريح ، قطعي الدلالة ، لا يحتمل أي تأويل ! فبعد أن نقل كلام الإمام مالك ، رحمه الله ( بلا تفسير ) ، قال هو : ( وتفويض معناه إلى قائله ) ! !

         وقول الإمام مالك : ( بلا تفسير ) هو تفويض ، إذ التفسير يعني : توضيح ، وبيان المعنى .

         [ فسر : الفَسْرُ : التفسير وهو بيان وتفصيل للكِتاب ] ( [460] ) . [ (الْفَسْرُ) الْبَيَانُ ] ( [461] ) .

        

[ (ف س ر) : فَسَّرْتُ الشَّيْءَ فَسْرًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ بَيَّنْتُهُ وَأَوْضَحْتُهُ وَالتَّثْقِيلُ مُبَالَغَةٌ ] ( [462] ) .

         [ الفَسْر : الإِبَانَةُ وكَشْفُ المُغَطَّى كَمَا قَالَه ابنُ الأَعْرابيّ ، أَو كَشْفُ المَعْنَى المَعْقُولِ ، كَمَا فِي البَصَائر ، كالتَّفْسِير . والفِعْلُ كضَرَب ونَصَرَ يُقَال : فَسَرَ الشيءَ يَفْسِرُه ويَفْسُرُه وفَسَّرَه : أَبَانَهُ ] ( [463] )

         ولماذا بلا تفسير ؟

 

عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ !

        

3 – وقال الحافظ  ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله :

         [  وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْعَقِيدَةِ نقُولُ فِي الصِّفَاتِ الْمُشْكِلَةِ إِنَّهَا حَقٌّ وَصِدْقٌ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ

وَمَنْ تَأَوَّلَهَا نَظَرْنَا فَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ قَرِيبًا عَلَى مُقْتَضَى لِسَانِ الْعَرَبِ  لَمْ نُنْكِرْ عَلَيْهِ

وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا تَوَقَّفْنَا عَنْهُ وَرَجَعْنَا إِلَى التَّصْدِيقِ مَعَ التَّنْزِيهِ وَمَا كَانَ مِنْهَا مَعْنَاهُ ظَاهِرًا مَفْهُومًا مِنْ تَخَاطُبِ الْعَرَبِ  حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ ) ([464]) .

         ما معنى ( على المعنى الذي أراده الله ) ؟ وإذا كان ، رحمه الله ، يعلم معناه ، فلماذا لم يذكره ؟

 

         وقال أيضاً رحمه الله :

         [  وَلِأَهْلِ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ كَالْعَيْنِ وَالْوَجْهِ وَالْيَدِ  ثَلَاثَةٌ أَقْوَالٍ

أَحَدُهَا أَنَّهَا صِفَاتُ ذَاتٍ أَثْبَتَهَا السَّمْعُ وَلَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا الْعَقْلُ

وَالثَّانِي أَنَّ الْعَيْنَ كِنَايَةٌ عَنْ صِفَةِ الْبَصَرِ وَالْيَدَ كِنَايَةٌ عَنْ صِفَةِ الْقُدْرَةِ وَالْوَجْهَ كِنَايَةٌ عَنْ صِفَةِ الْوُجُودِ

وَالثَّالِثُ إِمْرَارُهَا عَلَى مَا جَاءَتْ مُفَوَّضًا مَعْنَاهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ] ([465]) .

        

وقال رحمه الله :

         [  وَقَالَ غَيْرُهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ التَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ تَأْوِيلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا الْمَنْعُ مِنْ ذِكْرِهِ وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِتَبْلِيغِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَيُنْزِلَ عَلَيْهِ الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ ثُمَّ يَتْرُكَ هَذَا الْبَابَ فَلَا يُمَيِّزَ مَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ مِمَّا لَا يَجُوزُ مَعَ حَضِّهِ عَلَى التَّبْلِيغِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ حَتَّى نَقَلُوا أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ وَأَحْوَالَهُ وَصِفَاتِهُ وَمَا فُعِلَ بِحَضْرَتِهِ

فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى الْإِيمَانِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْهَا

 وَوَجَبَ تَنْزِيهُهُ عَنْ مُشَابَهَةِ الْمَخْلُوقَاتِ بقوله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء

فَمَنْ أَوْجَبَ خِلَافَ ذَلِكَ بَعْدَهُمْ فَقَدْ خَالَفَ سَبِيلَهُمْ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ] ([466])  .

فاتفـق الصحـابة ، رضوان الله عليهـم ، على الإيمان بها ، على المعنى الذي أراده الله تعالى منها !

وهذا هو التفويض بعينه ! :

[  رد معرفة معانى نصوص الصفات فى القرآن والسنة إلى الله عز وجل دون غيره . ] .

 

لَا يُتَكَلَّمُ فِي مَعْنَاهَا !

        

4 – قال الإمام النووي ، رحمه الله :

         [   اعْلَمْ أَنَّ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَآيَاتِ الصِّفَاتِ قَوْلَيْنِ

أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ مُعْظَمِ السَّلَفِ أَوْ كُلِّهِمْ أَنَّهُ لَا يُتَكَلَّمُ فِي مَعْنَاهَا

بَلْ يَقُولُونَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِهَا وَنَعْتَقِدَ لَهَا مَعْنًى يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ مَعَ اعْتِقَادِنَا الْجَازِمِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ التَّجَسُّمِ وَالِانْتِقَالِ وَالتَّحَيُّزِ فِي جِهَةٍ وَعَنْ سَائِرِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ

وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِيهِمْ وَهُوَ أَسْلَمُ

وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ مُعْظَمِ الْمُتَكَلِّمِينَ أنها تتأول على مايليق بِهَا عَلَى حَسَبِ مَوَاقِعهَا

 

 وَإِنَّمَا يَسُوغُ تَأْوِيلُهَا لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَقَوَاعِدِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ ذَا رِيَاضَةٍ فِي الْعِلْمِ ] ([467]) .

                              كلام الإمام النووي ، رحمه الله ، واضح ، صريح ، لا لبس فيه ، ولا غبش ( لا يُتكلم في معناها ) ، ( ونعتقد لها معنىً يليق بجلال الله وعظمته ) ! فما هو المعنى ؟ !

         إنه تفويض لا ريب فيه !

السُّؤَال عَن مَعَانِيهَا بِدعَة !

        

5 – قال الإمام الذهبي ، رحمه الله :

         [  قَالَ سَمِعت بعض شُيُوخنَا يَقُول سُئِلَ ابْن سُرَيج رَحمَه الله عَن صِفَات الله تَعَالَى

فَقَالَ حرَام على الْعُقُول أَن تمثل الله وعَلى الأوهام أَن تحده وعَلى الْأَلْبَاب أَن تصف إِلَّا مَا وصف بِهِ نَفسه فِي كِتَابه أَو على لِسَان رَسُوله

وَقد صَحَّ عَن جَمِيع أهل الدّيانَة وَالسّنة إِلَى زَمَاننَا أَن جَمِيع الْآي وَالْأَخْبَار الصادقة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجب على الْمُسلمين الْإِيمَان بِكُل وَاحِد مِنْهُ كَمَا ورد

وَأَن السُّؤَال عَن مَعَانِيهَا بِدعَة وَالْجَوَاب كفر وزندقة مثل قَوْله { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ }

وَقَوله { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } و { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } ونظائرها مِمَّا نطق بِهِ الْقُرْآن

كالفوقية وَالنَّفس وَالْيَدَيْنِ والسمع وَالْبَصَر وصعود الْكَلم الطّيب إِلَيْهِ والضحك والتعجب وَالنُّزُول

 إِلَى أَن قَالَ اعتقادنا فِيهِ وَفِي الْآي الْمُتَشَابه فِي الْقُرْآن أَن نقبلها وَلَا نردها وَلَا نتأولها بِتَأْوِيل الْمُخَالفين وَلَا نحملها على تَشْبِيه المشبهين وَلَا نترجم عَن صِفَاته بلغَة غير الْعَرَبيَّة ونسلم الْخَبَر الظَّاهِر وَالْآيَة الظَّاهِر تنزيلها // كَانَ ابْن سُرَيج إِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي معرفَة الْمَذْهَب بِحَيْثُ أَنه كَانَ على جَمِيع أَصْحَاب الشَّافِعِي حَتَّى على الْمُزنِيّ ] ([468]) .

         كلام الإمام ابن سريج ، رحمه الله ، واضح جدا ( السؤال عن معانيها بدعة ) ! ! ( والجواب كفر وزندقة ) ! !

         [ وقد نقل الإمام الذهبي ، رحمه الله ، هذا القول عن ابن سريج ، رحمه الله ، مختصراً من رسالته ، ونصه كما جاء في (( رسالته )) ص 54 قال عن أخبار الصفات :

         (  يجب على المرء المسلم المؤمن الموقن الإيمان بكل واحد منه كما ورد ، وتسليم أمره إلى الله كما أمر ، وأن السؤال عن معانيها بدعة ، والجواب عن السؤال كفر وزندقة ) اهـ

         ثم ذكر طائفة من الصفات ثم قال ص 86 :

         وغير هذا مما صح عنه r من الأخبار المتشابهة الواردة في صفات الله سبحانه ما بلغناه مما صح عنه ، اعتقادنا فيه وفي الآي المتشابهة في القرآن : أنا نقبلها ولا نردها ولا نتأولها بتأويل المخالفين ، ولا نحملها على تشبيه المشبهين ، لا نزيد عليها ([469]) ولا ننقص منها ، ولا نفسرها ولا نكيفها ، ولا نترجم ([470]) عن صفاته بلغة غير العربية ، ولا نشير إليها بخواطر القلوب ولا بحرجات الجوارح ، بل نطلق ما أطلق الله U ، ونفسر الذي فسره النبيّ r وأصحابه والتابعون والأئمة

المرضيون ، من السلف المعروفون بالديانة والعلم ونجمع على ما أجمعوا عليه ، ونمسك عما أمسكوا عنه ، ونسلم الخبر لظاهره ، والآية لظاهر تنزيلها ([471]) ]  ([472]) .

مُفَوِّضاً مَعْنَاهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ !

        

6 – قال الإمام الذهبي ، رحمه الله :

         [  قَالَ الحَاكِمُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ :

مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللهَ عَلَى عَرشِه قَدِ اسْتوَى فَوْقَ سَبعِ سَمَاوَاتِه ، فَهُوَ كَافِرٌ حَلاَلُ الدَّمِ ، وَكَانَ مَالُهُ فَيْئاً .

قُلْتُ : مَنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ تَصْدِيْقاً لِكِتَابِ اللهِ ، وَلأَحَادِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآمَنَ بِهِ مُفَوِّضاً مَعْنَاهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ ، وَلَمْ يَخُضْ فِي التَّأْوِيْلِ وَلاَ عَمَّقَ ، فَهُوَ المُسْلِمُ المُتَّبِعُ ،

وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ، فَلَمْ يَدْرِ بِثُبُوْتِ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَهُوَ مُقَصِّرٌ وَاللهِ يَعْفُو عَنْهُ ، إِذْ لَمْ يُوجِبِ اللهُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حِفظَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ ،

وَمَنْ أَنكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ العِلْمِ ، وَقَفَا غَيْرَ سَبِيْلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَتَمَعقَلَ عَلَى النَّصِّ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الضَّلاَلِ وَالهَوَى .

وَكَلاَمُ ابْنِ خُزَيْمَةَ هَذَا - وَإِنْ كَانَ حَقّاً - فَهُوَ فَجٌّ ، لاَ تَحْتَمِلُهُ نُفُوْسُ كَثِيْرٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي العُلَمَاءِ .

قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ حَسَّانُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ : سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ :

القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ - تَعَالَى - وَمَنْ قَالَ : إِنَّهُ مَخْلُوْقٌ ، فَهُوَ كَافِرٌ ، يُسْتَتَابُ ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ ، وَلاَ يُدفَنُ فِي مَقَابِرِ المُسْلِمِيْنَ .

وَلابْنِ خُزَيْمَةَ عَظَمَةٌ فِي النُّفُوْسِ ، وَجَلاَلَةٌ فِي القُلُوْبِ ؛ لِعِلمِهِ وَدِينِهِ وَاتِّبَاعِهِ السُّنَّةَ .

وَكِتَابُه فِي ( التَّوحيدِ ) مُجَلَّدٌ كَبِيْرٌ، وَقَدْ تَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ حَدِيْثَ الصُّورَةِ فَلْيَعْذُر مَنْ تَأَوَّلَ بَعْضَ الصِّفَاتِ ،

وَأَمَّا السَّلَفُ، فَمَا خَاضُوا فِي التَّأْوِيْلِ ، بَلْ آمَنُوا وَكَفُّوا ، وَفَوَّضُوا عِلمَ ذَلِكَ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِه ،

وَلَوْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ - مَعَ صِحَّةِ إِيْمَانِهِ ، وَتَوَخِّيْهِ لاتِّبَاعِ الحَقِّ – أَهْدَرْنَاهُ ، وَبَدَّعنَاهُ ، لَقَلَّ مَنْ يَسلَمُ مِنَ الأَئِمَّةِ مَعَنَا ، رَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ ] ([473]) .

يقول الإمام الذهبي ، رحمه الله ، (مُفَوِّضاً مَعْنَاهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ ) ! هل كلامه غير واضح ، ولا يدل على التفويض ؟ ! فإذا كان هذا الكلام غير واضح ، وغير مفهوم ، فأي كلام هو إذاً واضح ، مفهوم ؟

وقال ، رحمه الله : [  وَأَمَّا السَّلَفُ، فَمَا خَاضُوا فِي التَّأْوِيْلِ ، بَلْ آمَنُوا وَكَفُّوا ، وَفَوَّضُوا عِلمَ ذَلِكَ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِه  ] .

أليس هذا هو التفويض ؟ حتى استخدم ، رحمه الله ، حروف : ف ، و ، ض !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ولا خوض في معانيها !

        

7 –  الإمام ابن رجب الحنبلي ، رحمه الله :

         [  قال في كتابه ( فضل علم السلف على الخلف ) ص 29 :

         ( والصواب ما عليه السلف الصالح : من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت   

من غير تفسير لها ولا تكييف ولا تمثيل ،

ولا يصح عن أحد منهم خلاف ذلك البتة ، خصوصاً الإمام أحمد ، ولا خوض في معانيها ولا ضرب مثل من الأمثال لها .

         وإن كان بعض من كان قريباً من زمن الإمام أحمد فيهم من فعل شيئاً من ذلك ؛ اتباعاً لطريقة مقاتل ، فلا يقتدى به في ذلك ،

إنمـا الاقتداء بأئمة الاسلام كابن المبارك ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، ونحوهم ] ([474]) .

                              ( من غير تفسير لها ) ، (  ولا خوض في معانيها ) ! !

        

 

لَا تُفَسَّرُ وَلَا تُتَوَهَّمُ !

        

8 –  وقال الإمام الترمذي ، رحمه الله :

[  وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ مِثْلُ هَذَا مَا يُذْكَرُ فِيهِ أَمْرُ الرُّؤْيَةِ أَنَّ النَّاسَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ وَذِكْرُ القَدَمِ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الأَشْيَاءَ »

وَالمَذْهَبُ فِي هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الأَئِمَّةِ مِثْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، وَابْنِ المُبَارَكِ ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ ، وَوَكِيعٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ رَوَوْا هَذِهِ الأَشْيَاءَ، ثُمَّ قَالُوا : تُرْوَى هَذِهِ الأَحَادِيثُ وَنُؤْمِنُ بِهَا ( [475] ) ، وَلَا يُقَالُ : كَيْفَ ؟

وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ الحَدِيثِ أَنْ يَرْوُوا هَذِهِ الأَشْيَاءُ كَمَا جَاءَتْ وَيُؤْمَنُ بِهَا وَلَا تُفَسَّرُ وَلَا تُتَوَهَّمُ وَلَا يُقَالُ : كَيْفَ ، وَهَذَا أَمْرُ أَهْلِ العِلْمِ الَّذِي اخْتَارُوهُ وَذَهَبُوا إِلَيْهِ ] ([476]) .

[  وَلَا تُفَسَّرُ وَلَا تُتَوَهَّمُ   وَلَا يُقَالُ : كَيْفَ ؟ ] .

لا تُفَسّر . أي : لا تُوضح ولا تُبيّن !

ولا تُتَوهَّم . أي : لاينبغي أن يُجعل له صورة في الوهم والخيال !

ولا يُقال : كيف ؟ لا الآن ولا مستقبلاً ! لأن الكيف عنه – سبحانه – مرفوع ، لا كيف له حتى يُقال : كيف ؟

فالكيف ليس مجهولاً ، بل ليس معقولاً !

أليس هذا تفويضاً ؟

 

أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا تَفْسِيرٍ !

        

9 –  وقال الشيخ المباركفوري ، رحمه الله :

[  وَنُقِلَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ  الْأَوْزَاعِيَّ  وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ  وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ  وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الصِّفَاتُ

فَكُلُّهُمْ قَالُوا لِي أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا تَفْسِيرٍ ] ([477]) .

         فَروِيَ عَن مَالك بن أنس ، وَالْأَوْزَاعِيّ ، وسُفْيَان الثَّوْريّ ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة ، وَمعمر بن رَاشد ، فِي الْأَحَادِيث فِي الصِّفَات ، أمروها كَمَا جَاءَت

وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر ، فِي كتاب الْعلم ، مَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، من نقل الثِّقَات ، وَصَحَّ عَن الصَّحَابَة ، رَضِي الله عَنْهُم ، فَهُوَ علم يدان بِهِ

وَمَا أحدث بعدهمْ ، وَلم يكن لَهُ أصل فِي مَا جَاءَ عَنْهُم ، فَهُوَ بِدعَة ، وضلالة

وَمَا جَاءَ فِي أَسمَاء الله ، وَصِفَاته ، عَنْهُم نسلم لَهُ ، وَلم نناظر ، كَمَا لم يناظروا

وَرَوَاهَا السّلف ، وسكتوا عَنْهَا ، وَكَانُوا أعمق النَّاس علما ، وأوسعهم فهما ، وَأَقلهمْ تكلفا ، وَلم يكن سكوتهم عَن عي

فَمن لم يَسعهُ مَا وسعهم ، فقد خَابَ ، وخسر

وروى مُحَمَّد بن الْحسن صَاحب أبي حنيفَة أَنه أجمع أهل الْعلم فِي الْمشرق وَالْمغْرب على أَن هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَت فِي الصِّفَات لَا تفسر أَو كَمَا قَالَ

وَقَالَ حنبلي سَأَلت أَبَا عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ عَن هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي تروي أَن الله تبَارك وَتَعَالَى يرى وَأَنه ينزل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا وَأَنه يضع قدمه وَمَا أشبه ذَلِك

فَقَالَ أَبُو عبد الله رَضِي الله عَنهُ نؤمن بهَا ونصدق بهَا وَلَا نرد مِنْهَا شَيْئا إِذا كَانَت بأسانيد صِحَاح وَلَا نرد على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله

ونعلم أَن مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حق وَلَا يُوصف الله تَعَالَى بِأَكْثَرَ مِمَّا وصف بِهِ نَفسه بِلَا حد وَلَا غَايَة { لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير }

فَنَقُول كَمَا قَالَ وَنصفه كَمَا وصف نَفسه لَا نتعدى ذَلِك وَلَا نزيل عَنهُ صفة من صِفَاته لشناعة شنعت

نؤمن بِهَذِهِ الْأَحَادِيث ونقرها ونمرها كَمَا جَاءَت  بِلَا كَيفَ وَلَا معنى إِلَى على مَا وصف بِهِ نَفسه تبَارك وَتَعَالَى وَهُوَ كَمَا وصف نَفسه سميع بَصِير بِلَا حد وَلَا تَقْدِير

صِفَاته مِنْهُ وَله لَا نتعدى الْقُرْآن والْحَدِيث وَالْخَبَر وَلَا نعلم كَيفَ ذَاك إِلَّا بِتَصْدِيق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتثبيت الْقُرْآن . . .

وَنحن على طَريقَة سلفنا وجادة أَئِمَّتنَا وَسنة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أحدثنا قولا وَلَا زِدْنَا زِيَادَة بل آمنا بِمَا جَاءَ وأمررناه كَمَا جَاءَ وَقُلْنَا بِمَا قَالُوا وسكتنا عَمَّا سكتوا عَنهُ وسلكنا حَيْثُ سلكوا فَلَا وَجه لنسبة الْخلاف والبدعة إِلَيْنَا ] ([478])  .

[ نؤمن بهَا ونصدق بهَا وَلَا نرد مِنْهَا شَيْئا إِذا كَانَت بأسانيد صِحَاح وَلَا نرد على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله ونعلم أَن مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حق فَنَقُول كَمَا قَالَ وَنصفه كَمَا وصف نَفسه لَا نتعدى ذَلِك وَلَا نزيل عَنهُ صفة من صِفَاته ]

هل هناك مسلم على وجه الأرض لا يقول بهذا الكلام ، ثم يعتبر نفسه مسلماً ؟

هل هناك مسلم يردّ على الرسول t قوله ، ثم يعتبر نفسه مسلماً ؟

هل هنـاك مسـلم لا يعلـم أن ما جاء به الرسول r حق ، بل يعتبره  باطلاً ، ثم يعتبر نفسه مسلماً ؟

هل هناك مسلم يزيل عن الله تعالى صفة من صفاته ، ثم يعتبر نفسه مسلماً ؟

المشـكلة والخلاف ليـس فـي أبجديـات الإيمـان هذه ، بل الخلاف في الفهم عن الله تعالى ورسوله r !

الخلاف هو في اعتبار أي الأمر هو صفة من صفات الله تعالى !

(  بِلَا كَيفَ ، وَلَا معنى ) ، (  وَلَا نعلم كَيفَ ذَاك ) ، (  وسكتنا عَمَّا سكتوا عَنهُ ) !

 

 

ونرد علمه إلى قائله !

        

10 –  قال الامام ابن قدامة المقدسي ، رحمه الله :

[  وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول ، وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل .

وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظا ،

وترك التعرض لمعناه ونرد علمه إلى قائله ،

ونجعل عهدته على ناقله اتباعا لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين بقوله سبحانه وتعالى : { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } [ آل عمران: 7 ] وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } [ آل عمران: 7 ]

فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ ، وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم ،

ثم حجبهم عما أملوه، وقطع أطماعهم عما قصدوه ، بقوله سبحانه: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ }           [ آل عمران: 7 ]

قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله ينزل إلى سماء الدنيا » ، أو « إن الله يرى في القيامة » ، وما أشبه هذه الأحاديث نؤمن بها ، ونصدق بها بلا كيف ، ولا معنى ،

ولا نرد شيئا منها، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق، ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية      { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11] ونقول كما قال ، ونصفه بما وصف به نفسه ، لا نتعدى ذلك، ولا يبلغه وصف الواصفين ، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت ، ولا نتعدى القرآن والحديث، ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم، وتثبيت القرآن .

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: آمنت بالله وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله ] ([479])  .

( وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن ) . ما موقف الإمام ابن قدامة الحنبلي ، رحمه الله ، منها ؟

( وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول ، وترك التعرض له بالرد  والتأويل  والتشبيه والتمثيل ) .

إنه يتحدّث عن ما جاء في القرآن أو صح عن النبيّ r من . . . من أيّ شيء ؟

من صفات الرحمن ! من صفات الرحمن !

وهل هنـاك مسـلم لا يـؤمن بصفات الرحمن ، والتي جاءت في القرآن الكريم ، أو صح عن النبيّ r  ؟ ! ولا يتلقّيها بالتسليم والقبول ؟ !

ولكن بعد الإتفاق على أنها صفة من صفات الرحمن !

حسناً ، وما أشكل من ذلك ، ووقع الخلاف حوله ؟ ما هو موقف ابن قدامة منه ؟ :

( وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظا ، (  وترك التعرض لمعناه ونرد علمه إلى قائله ) !

( ترك التعرض لمعناه ) !

فما هو معناه ؟ ( نرد علمه إلى قائله ) !

فمن هو قائله ؟ الجواب : هو الله تعالى ، ورسوله المصطفى r !

هل هذا الكلام يحتاج إلى تأويل ، ولف ودوران ؟ ! .

وقول الإمام الشافعي ، رحمه الله :

( على مراد الله ) ، ( على مراد رسول الله ) ! ! فما هو مراد الله تعالى ؟ وما هو مراد رسول الله ؟ أليس هذا هو تفويض المعنى ؟ !

وابن قدامة ، رحمه الله ، يمدح الراسخين في العلم ، الذين مدح الله تعالى موقفهم من المتشابهات بقوله : ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ) .

ونقل ذم الله تعالى للذين يتبعون ما تشابه من الآيات ، حيث ختمت الآية الكريمة خطأ وضلال موقفهم بقوله تعالى :  { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } !

هذا كان توجّه الإمام ابن قدامة ، رحمه الله . وهوقد اتبع فيه السلف الصالح ، رحمهم الله .

أما الذين يتحدّثون باسم السلف الصالح – في عصرنا – ويتّهمون مخالفيهم بالحيدة عن طريق السلف فقد قالوا :

[ وليس في مذهبهم ( أي : السلف الصالح ) تفويض علم معاني نصوص الصفات وإنما يفوضون كيفية صفات الله ، فيردّون علم كيفية صفاته – عز وجل – إليه ] .

 

ولنا على هذا الكلام  ملاحظتان :

1 – هذا كلام غير صحيح ( ليس في مذهبهم تفويض علم معاني نصوص الصفات ) . وهو إفتراء على السلف ( من غير قصد ، بل نتيجة سوء الفهم ) .

فقد نقلنا قول الإمام الذهبي ، رحمه الله :

[  قَالَ الحَاكِمُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ :

مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللهَ عَلَى عَرشِه قَدِ اسْتوَى فَوْقَ سَبعِ سَمَاوَاتِه ، فَهُوَ كَافِرٌ حَلاَلُ الدَّمِ ، وَكَانَ مَالُهُ فَيْئاً .

قُلْتُ ( الإمام الذهبي ) : مَنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ تَصْدِيْقاً لِكِتَابِ اللهِ ، وَلأَحَادِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَآمَـنَ بِهِ مُفَوِّضاً مَعْنَاهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ ، وَلَمْ يَخُضْ فِي التَّأْوِيْلِ وَلاَ عَمَّقَ ، فَهُـوَ المُسْــلِمُ المُتَّبِعُ ] ( [480] ) .

(مُفَوِّضاً مَعْنَاهُ ) ! أليس هو ( تفويض علم معاني نصوص الصفات ) الذي نفاه مدّعي اتباع السلف ،عنهم ؟ 

         ونقلنا قول الإمام بدر الدين العيني ، رحمه الله :

         [  هَذِه الْأَحَادِيث من مشاهير أَحَادِيث الصِّفَات ،

وَالْعُلَمَاء فِيهَا على مذهبين

أَحدهمَا : مَذْهَب المفوضة  وَهُوَ الْإِيمَان بِأَنَّهَا حق على مَا أَرَادَ الله ، وَلها معنى يَلِيق بِهِ وظاهرها غير مُرَاد وَعَلِيهِ جُمْهُور السّلف وَطَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين ،

وَالْآخر: مَذْهَب المؤولة وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين ] ( [481] ) .

         ( مذهب المفوضة وَهُوَ الْإِيمَان بِأَنَّهَا حق  (على مَا أَرَادَ الله )

( وَلها معنى يَلِيق بِهِ ) (  وظاهرها غير مُرَاد ) ( وعليه جمهور السلف ) !

أليست هذه الأقوال تكذّب تلك الإدّعاء ؟ !    

ونقلنا قول الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله :

         [  وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْعَقِيدَةِ نقُولُ فِي الصِّفَاتِ الْمُشْكِلَةِ إِنَّهَا حَقٌّ وَصِدْقٌ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ  ] ( [482] ) .  

         (  عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ ) ! أليس هذا هو تفويض علم المعاني ؟

 

         ونقلنا قول الإمام النووي ، رحمه الله :

         [  اعْلَمْ أَنَّ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَآيَاتِ الصِّفَاتِ قَوْلَيْنِ

أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ مُعْظَمِ السَّلَفِ أَوْ كُلِّهِمْ أَنَّهُ لَا يُتَكَلَّمُ فِي مَعْنَاهَا

بَلْ يَقُولُونَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِهَا وَنَعْتَقِدَ لَهَا مَعْنًى يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ مَعَ اعْتِقَادِنَا الْجَازِمِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ التَّجَسُّمِ وَالِانْتِقَالِ وَالتَّحَيُّزِ فِي جِهَةٍ وَعَنْ سَائِرِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ ] ( [483] ) .

        

         ( مَذْهَبُ مُعْظَمِ السَّلَفِ أَوْ كُلِّهِمْ أَنَّهُ لَا يُتَكَلَّمُ فِي مَعْنَاهَا ) . ( لَهَا مَعْنًى يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ ) . (مَعَ اعْتِقَادِنَا الْجَازِمِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ   وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ التَّجَسُّمِ وَالِانْتِقَالِ وَالتَّحَيُّزِ فِي جِهَةٍ    وَعَنْ سَائِرِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ ) .

         إذا لم يكن هذا تفويض المعنى ، فما هو التفويض ؟

 

         ونقلنا قول الإمام الذهبي ، رحمه الله :

         [ قَالَ سَمِعت بعض شُيُوخنَا يَقُول سُئِلَ ابْن سُرَيج رَحمَه الله عَن صِفَات الله تَعَالَى

فَقَالَ حرَام على الْعُقُول أَن تمثل الله وعَلى الأوهام أَن تحده وعَلى الْأَلْبَاب أَن تصف إِلَّا مَا وصف بِهِ نَفسه فِي كِتَابه أَو على لِسَان رَسُوله

وَقد صَحَّ عَن جَمِيع أهل الدّيانَة وَالسّنة إِلَى زَمَاننَا أَن جَمِيع الْآي وَالْأَخْبَار الصادقة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجب على الْمُسلمين الْإِيمَان بِكُل وَاحِد مِنْهُ كَمَا ورد

وَأَن السُّؤَال عَن مَعَانِيهَا بِدعَة وَالْجَوَاب كفر وزندقة مثل قَوْله { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ }

وَقَوله { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } و { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } ونظائرها مِمَّا نطق بِهِ الْقُرْآن

كالفوقيـة وَالنَّفـس وَالْيَدَيـْنِ والسـمع وَالْبَصَـر وصعـود الْكَلــم الطّيـب إِلَيْــهِ والضحـك والتعجب وَالنُّزُول ] ( [484] ) .

         (  السُّؤَال عَن مَعَانِيهَا بِدعَة وَالْجَوَاب كفر وزندقة ) !

         أليس هذا تفويض علم المعاني ؟

 

         ونقلنا قول الحافظ ابن رجب الحنبلي ، رحمه الله :

         [  قال في كتابه ( فضل علم السلف على الخلف ) ص 29 :

         ( والصواب ما عليه السلف الصالح : من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت  

من غير تفسير لها ولا تكييف ولا تمثيل ،

ولا يصـح عـن أحـد منهـم خلاف ذلك البتـة ، خصوصـاً الإمــام أحمـد ، ولا خوض فــي معانيها ] ( [485] ) .

(  ولا خوض فــي معانيها ) . لمــاذا لا يخوضون في معانيها ، إذا هي واضحة ومعلومة عندهم ؟ !

 

2- وقوله ( يفوضون – يعني : السلف الصالح – كيفية صفات الله ، فيردّون علم كيفية صفاته – عزو جل – إليه ) .

وهذا أيضاً غير صحيح ، وسوء فهم لمعتقدات السلف الصالح .

فالسلف الصالح لم يفوضوا علم كيفية صفات الله تعالى . بل أقروا بعدم الكيفية . فقالوا : 

لا كيف . والكيف عنه مرفوع . والكيف غير معقول !

فهؤلاء يثبتون الكيف والكيفية لصفات الله تعالى ، ولكنها مجهولة عندهم . وسيأتي يوم يُعلم هذا المجهول !

أما السلف الصالح ، فينفون الكيف والكيفية عن صفات الله تعالى . فلا كيف ابداً ، وهو مرفوع عن الله تعالى ، بل هو غير معقول ، وليس مجهولاً ! !

وشتان بين المعنيين ! !

 

فقراءته تَفْسِيره !

 

11 –  قال الإمام بدر الدين بن جماعة ، رحمه الله :

[   السّلف الصَّالح فِي حق صِفَات الله تَعَالَى طَائِفَتَانِ

قَالَت الطَّائِفَة الأولى من السّلف

الأَصْل الْإِيمَان بِجَمِيعِ مَا جَاءَ من عِنْد الله تَعَالَى وَصَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حق صِفَات الله تَعَالَى

وإمراره على مَا جَاءَ  وَاعْتِبَار فهمه هُوَ قِرَاءَته  وَعدم الْخَوْض فِيهِ بِشَيْء من الْكَلَام قطّ

قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ تلميذ الإِمَام أبي حنيفَة الثَّانِي رحمهمَا الله تَعَالَى

اتّفق الْفُقَهَاء كلهم من الشرق إِلَى الغرب على الْإِيمَان بِالصِّفَاتِ من غير تَفْسِير وَلَا تَشْبِيه

وَقَالَ مَا وصف الله تَعَالَى بِهِ نَفسه فقراءته تَفْسِيره ذكره اللالكائي فِي شرح السّنة

وَذكر الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى إِسْحَاق بن مُوسَى الْأَنْبَارِي قَالَ سَمِعت سُفْيَان بن عُيَيْنَة يَقُول

مَا وصف الله تبَارك وَتَعَالَى بِهِ نَفسه فِي كِتَابه فقراءته تَفْسِيره لَيْسَ لأحد أَن يفسره بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا بِالْفَارِسِيَّةِ

وَلما سُئِلَ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى عَن حَدِيث الرُّؤْيَة وَالنُّزُول وَنَحْو ذَلِك قَالَ نؤمن بهَا ونصدق بهَا وَلَا كَيفَ وَلَا معنى شرح السّنة للالكائي

قَالَ عبد الْملك بن وهب كُنَّا عِنْد مَالك بن أنس رَحمَه الله تَعَالَى فَدخل عَلَيْهِ رجل فَقَالَ يَا ابا عبد الله { الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى } كَيفَ استواؤه

قَالَ فَأَطْرَقَ مَالك وأخذته الرحضاء ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ { الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى } كَمَا وصف نَفسه  وَلَا يُقَال كَيفَ   وَكَيف عَنهُ مَرْفُوع وَأَنت رجل سوء صَاحب بِدعَة أَخْرجُوهُ

وَفِي لفظ لَهُ رَحْمَه الله تَعَالَى بطرِيق يحيى بن يحيى الاسْتوَاء غير مَجْهُول والكيف غير مَعْقُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَمَا أَرَاك إِلَّا مبتدعا فَأمر بِهِ فَأخْرج

وَرُوِيَ ذَلِك عَن ربيعَة الرَّأْي أستاذ مَالك رحمهمَا الله تَعَالَى فَقَالَ عبد الله بن صَالح ابْن مُسلم سُئِلَ ربيعَة الرَّأْي عَن قَول الله تبَارك وَتَعَالَى { الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى } كَيفَ اسْتَوَى قَالَ الكيف مَجْهُول  والاستواء غير مَعْقُول   وَيجب عَليّ وَعَلَيْك الْإِيمَان بذلك كُله ]   ([486]) .

قول الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله : ( نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ) مَن تأمله بدقة ، لتبيّن له أنه : قمة التسليم والتفويض !

أما الإمام مالك بن أنس ، رحمه الله ، فإنه ينفي عن الله تعالى ، الكيف من الأساس !

فإن الذي يتقوّل على السلف الصالح بأنهم كانوا يقولون : الكيف مجهول . هو – لا ريب – على الخطأ ، وجانب الصواب !

فقد روي عن الإمام مالك ، رحمه الله : لا يُقال كيف . وكيف عنه مرفوع . والكيف غير معقول والسؤال عنه بدعة !  

وكيف عنه مرفوع ، وليس : والكيف مجهول !

ولماذا السؤال عنه بدعة ؟

 

وقال ربيعة الرأي أستاذ مالك : الإستواء غير معقول !

فالإستواء فيما بيننا معلوم ، غير مجهول .

أما الإستواء بالنسبة إلى الله فغير معقول !  

فلا يجوز قياس صفات الله تعالى ، على صفات الإنسان ، بل هو حرام حرام !

فالله تعالى يقول : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء ) ( [487] ) . ويقول سبحانه : ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد ) ( [488] )

 

وقال محمد بن الحسن الشيباني ، تلميذ الإمام أبي حنيفة :

(  اتّفق الْفُقَهَاء كلهم من الشرق إِلَى الغرب على الْإِيمَان بِالصِّفَاتِ من غير تَفْسِير ) .

(  فقراءته تَفْسِيره ) .

أليس هذا هو التفويض ؟

وقال سفيان بن عيينة :

(  مَا وصف الله تبَارك وَتَعَالَى بِهِ نَفسه فِي كِتَابه فقراءته تَفْسِيره لَيْسَ لأحد أَن يفسره بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا بِالْفَارِسِيَّةِ ) .

فماذا يفعل غير العربي ؛ من الفرس والترك والأجانب ؟ أليس هذا هو التفويض ؟ أليس هذا هو : أغمض عينيك ، وتلقى اللفظ ، وصدق به وآمن ، من غير سؤال ؟

 

ويكل الْعلم فِيهِ إِلَى الله عز وَجل !

 

[   وَقَالَ الإِمَام الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة

أهل السّنة يَقُولُونَ الاسْتوَاء على الْعَرْش صفة الله تَعَالَى بِلَا كَيفَ

يجب على الرجل الْإِيمَان بِهِ

 ويكل الْعلم فِيهِ إِلَى الله عز وَجل

وَذكر خبر الإِمَام مَالك رَحمَه الله تَعَالَى ] ([489]) .

( ويكل العلم فيه إلى الله عز وجل ) ! أليس هذا هو تفويض للمعنى ؟ ! إذاً فما هو التفويض ؟ !

( يكل العلم فيه إلى الله عز وجل ) . هذا قول إمام أهل السنة ؛ الإمام البغوي ، وهو يتحدّث عن معتقد أهل السنة ، ومعتقد الإمام مالك بن أنس .

يقول : يفوّضون علم معاني صفة الله تعالى إليه !

الواجب على المسلم : الإيمان به بلا علم عنه !

بينما المتقوّل عليهم يقول : (  ليس في مذهبهم تفويض علم معاني نصوص الصفات ) .

 

 

 

 

 

 

من غير أَن تطالبهم أنفسهم بفهم حَقِيقَة شَيْء من ذَلِك !

 

[   وَقَالَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن مُحَمَّد بن عابدين صَاحب حَاشِيَة ابْن عابدين على الدّرّ الْمُخْتَار رحمهمَا الله تَعَالَى فِي بحث المتشابهات من الكَلَام

وَمن هَذَا الْقَبِيل الْإِيمَان بحقائق مَعَاني مَا ورد من الْآيَات وَالْأَحَادِيث المتشابهات

كَقَوْلِه تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} و { يَد الله فَوق أَيْديهم }

وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ينزل رَبنَا كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا الحَدِيث

مَا ظَاهره يفهم أَن الله تَعَالَى لَهُ مَكَان وجارحة

فَإِن السّلف كَانُوا يُؤمنُونَ بِجَمِيعِ ذَلِك على الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَ الله تَعَالَى وَأَرَادَ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

من غير أَن تطالبهم أنفسهم بفهم حَقِيقَة شَيْء من ذَلِك حَتَّى يطلعهم الله تَعَالَى عَلَيْهِ ] ([490]) .

(  فَإِن السّلف كَانُوا يُؤمنُونَ بِجَمِيعِ ذَلِك على الْمَعْنى الَّذِي . . . ) أي معنى ؟ ( على المعنى الذي أَرَادَ الله تَعَالَى وَأَرَادَ رَسُوله ) . (  من غير أَن تطالبهم أنفسهم بفهم حَقِيقَة شَيْء من ذَلِك ) .

أليس هذه غاية التسليم والتفويض ؟

 

تفويض معناه إلى الله عز وجل !

 

قال الإمام أحمد بن عبد الله المرداوي ( م 1236 ) في (( شرحه للامية ابن تيمية )) ص 93 بعد ذكر آيات في الصفات :

[  ونحو ذلك من الآيات والأحاديث مما يجب الإيمان به ، وتفويض معناه إلى الله عز وجل من غير تأويل ] اهـ .

وقال ص 94 : [ فكل ذلك مما يجب الإيمان بظاهره ، وتفويض معناه إلى الله تعالى ، لا يفسَّر ولا يؤوَّل ، بل تفسيره قراءته وإمراره على ظاهره من غير تعرض لمعناه ، وقد علمت اتفاق السلف على الإقرار والإمرار ) ا هـ ي ([491]) .

(  وتفويض معناه إلى الله عز وجل من غير تأويل ) . (وتفويض معناه إلى الله تعالى ، لا يفسَّر ولا يؤوَّل ، بل تفسيره قراءته وإمراره على ظاهره من غير تعرض لمعناه ،

وقد علمت اتفاق السلف على الإقرار والإمرار ) . (  من غير تعرض لمعناه ) .

ويظهر من هذا الكلام ، واستناداً على هذا الكلام ، أن هناك مذهبين :

أ – مذهب السلف وهو التفويض !

ب – ومذهب غيرهم وهو التأويل !

وهويقول – عن مذهب السلف – صراحة : ( وتفويض معناه إلى الله ) . (  من غير تعرض لمعناه ) .

 

تفويض بيان معناه إلى الله !

        

قال الإمام ابن الأمير الصنعاني ( ت 1182 )  في  (( إجابة السائل شرح بغية الآمل ))          ص 114 :

         [  الأحوط الإيمان بما ورد وتفويض بيان معناه إلى الله ،

وهذا لا بدّ منه في كل صفة له تعالى ثابتة بالنصوص القرآنية والأحاديث الثابتة ،

فإن صفة القادر والعالم وغيرهما كلها لا يعرفها من خوطب بها إلا في الأجسام ، وقد آمنوا بها وأطلقوها عليه تعالى من غير تشبيه ، فليطلق عليه ما ثبت ورودُه وصح سنده ، وتفويض كيفية معناه إلى الربِّ تعالى ) اهـ ] ([492]) .

(  من غير تعرض لمعناه ) . (  وتفويض كيفية معناه إلى الربِّ تعالى ) .

أليس كل هذه الأقوال ، هو ردّ صريح وواضح ، وإثبات خطأ المتقوّل على السلف ( وليس في مذهبهم تفويض علم معاني نصوص الصفات ) ؟ !  

 

 

 

 

 

وردّوا علمها إلى قائلها !

        

[  وقد شهد الله تعالى لأصحاب نبيه - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعهم بإحسان بالإِيمان . . .

فثبت بالكتاب لهم : أن من اتبع سبيلهم فهو على الحق ، ومن خالفهم فهو على الباطل ؛

فمن سبيلهم في الاعتقاد : الإِيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه ، وسمى بها نفسه في كتابه وتنزيله ، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ،

من غير زيادة عليها ، ولا نقصان منها ، ولا تجاوز لها ؛ ولا تفسير ، ولا تأويل لها ، بما يخالف ظاهرها ، ولا تشبيه بصفات المخلوقين ؛ ولا سمات المحدثين ، بل أقروها كما جاءت ،

وردوا علمها إلى قائلها ، ومعناها إلى المتكلم بها ،

 صادق لا شك في صدقه ، فصدقوه ولم يعلموا حقيقة معناها ،

فسكتوا عما لم يعلموه ،

وأخذ ذلــك الآخر عن الأول ، ووصى بعضهم بعضاً بحسن الاتباع ، والوقوف حيث وقف أولهم ، وحذروا من التجاور لها والعدول عن طريقهم ، وبينوا لنا سبيلهم ، ومذهبهم ] ([493]) .

( وردوا علمها إلى قائلها ) . ( ومعناها إلى المتكلم بها ) . ( ولم يعلموا حقيقة معناها ) .         ( وأخذ ذلــك الآخر عن الأول ) . (ووصى بعضهم بعضاً بحسن الاتباع ، والوقوف حيث وقف أولهم ، وحذروا من التجاور لها والعدول عن طريقهم ، وبينوا لنا سبيلهم ، ومذهبهم ) ! ! !

هذا كلام واضح وصريح : يقرّر مذهب السلف ( الصحابة والتابعين ) ، وأن مذهبهم – في صفات الله تعالى وأسمائه – كان التفويض ( وردوا علمها إلى قائلها . ومعناها إلى المتكلم بها . ولم يعلموا حقيقة معناها   )  !

مَن هم الذين يسندون – بكلامهم هذا الذي نقلناه عنهم – مذهب التفويض إلى السلف الصالح

( الصحابة والتابعين ) ؟

هل هم الجهمية ؟ أم المعتزلة ؟ أم هم الأشعرية ؟ أم الصوفية ؟

لا ، بل هم علماء نجد الأعلام من عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى عصرنا هذا ! !

 

التعصب يعمي ويصم !

        

إذا علمنا هذا ، بعد أن نقلنا أقوال الأئمة في ذلك ، فانظر إلى التعصب ، ماذا يفعل بأصحابه ؟ !

         كتب أحدهم – وهو يريد أن يفيدنا –  فيقول :

         [  فائدة:

تعليق على كلام الشارح - رحمه الله – [ يقصد الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله ]  في قوله : (والصواب الإمساك عن أمثال هذه المباحث، والتفويض إلى الله في جميعها...) إلخ .

قلت : هذا غلط واضح . فالمتكلمون لهم طريقتان :

أ - طريقة التأويل .

ب - طريقة التفويض .

فمثلا : قوله تعالى : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ فأهل التفويض ،

يقولون: لا ندري ما معنى اليد كأنها كلمة أعجمية . نفوضها إلى الله .

وأهل التأويل يقولون : اليد معناها القدرة أو النعمة .

وهاتان الطريقتان كلتاهما غلط .

وبعضهم ينسب التفويض إلى أهل السنة  وهذا كذلك غلط .

بل أهل السنة يثبتون اليد لله – تعالى - ويعلمون أنها يد حقيقية .

وأن له يدين - سبحانه وتعالى –

لكن لا نكيف ، فنقول : إن يديه مثل يدي المخلوقين ،

فالذي لا نعلمه الكيفية أما المعنى فمعروف .

كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: ( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) .

فاستواء الله على عرشه معناه معروف ، وهو الاستقرار والعلو والارتفاع والصعود .

لكن كيفية الاستواء هذا ما لا نعلمه ،

فلا نقول : استوى كما يستوي الإنسان على الدابة. فهذا هو التشبيه المحرم .

فالخلاصة أن طريقة أهل التفويض، وطريقة أهل التأويل كلتاهما باطلتان .

وطريقة أهل السنة هي الصواب ، وهو أنهم يثبتون الأسماء والصفات ، ويثبتون المعاني لله تعالى .

وأنها أسماء حقيقية وصفات حقيقية معلومة المعنى .

فالله – تعالى - متصف بالقدرة ، ونعلم أن القدرة ضد العجز، والله تعالى متصف بالسمع وأن السمع ضد الصمم ، وأن البصر ضد العمى كما قال - صلى الله عليه وسلم - : …( إن ربكم ليس بأعور) لكننا لا نعلم الكيفية ] ! !

لا شك أن هذا المسكين – صاحب هذا الكلام – هو ، وأمثاله ، يشبّهون الله تعالى بالمخلوق من حيث يدرون ، أو لا يدرون !

ومن المؤكد أنهم لا يدرون ! وهذا هو حسن الظن بهم ! وإلا لو يعلمون أنهم يشبهون الله تعالى بخلقه ، ما كانوا ليتفوهوا بهذا الكلام ، فهو لا شك كفر ، أصلع ، قبيح ! !

ثم هل قال أحد من الأئمة ، والعلماء : أننا نفوض معنى القدرة ، والسمع ، والبصر ، ولا نعلم معناه ، حتى يصح إيراده له كأمثلة ؟ !

أم تحدثوا عن الإستواء ، والنزول ، واليدين و . . . إلخ ؟ ! وهل المثالين واحد ؟ !

ثم :

1 – أنه يثبت لله تعالى ( الكيفية ) ولكنه يجهل هذه الكيفية ! أي : أن لله تعالى كيفية !

مع أن الأئمة ، نفوا أن يكون لله تعالى كيفية !

 

وَالْمُكَيِّفُ مُشَبِّهٌ !

 

قال الإمام المباركفوري ، رحمه الله :

[  ( وَضَعَ الرَّحْمَنُ قَدَمَهُ فِيهَا )

 وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ رِجْلَهُ

قال القارىء   مَذْهَبُ السَّلَفِ التَّسْلِيمُ وَالتَّفْوِيضُ مَعَ التَّنْزِيهِ

وَأَرْبَابُ التَّأْوِيلِ مِنَ الْخَلَفِ يَقُولُونَ الْمُرَادُ بِالْقَدَمِ قَدَمُ بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَدَمَهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ الْمَعْلُومِ

أَوْ قَوْمٍ قَدَّمَهُمُ اللَّهُ لِلنَّارِ مِنْ أَهْلِهَا وَتَقَدَّمَ فِي سَابِقِ حُكْمِهِ أنهم لاحقوها فتمتلىء مِنْهُمْ جَهَنَّمُ وَالْعَرَبُ تَقُولُ كُلُّ شَيْءٍ قَدَّمْتُهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَهُوَ قَدَمٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ ربهم أَيْ مَا قَدَّمُوهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِمْ فِي تَصْدِيقِهِمْ

وَالْمُرَادُ بِالرِّجْلِ الْجَمَاعَةُ مِنَ الْجَرَادِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا لِجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْجَرَادِ لَكِنَّ اسْتِعَارَتَهُ لِجَمَاعَةِ النَّاسِ غَيْرُ بَعِيدٍ

أَوْ أَخْطَأَ الرَّاوِي فِي نَقْلِهِ الْحَدِيثَ بِالْمَعْنَى وَظَنَّ أَنَّ الرِّجْلَ سَدَّ مَسَدَّ الْقَدَمِ هَذَا

وَقَدْ قِيلَ وَضْعُ الْقَدَمِ عَلَى الشَّيْءِ مَثَلٌ لِلرَّدْعِ وَالْقَمْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ يَأْتِيهَا أَمْرُ اللَّهِ فَيَكُفُّهَا مِنْ طَلَبِ الْمَزِيدِ

وَقِيلَ أُرِيدَ بِهِ تَسْكِينُ فَوْرَتِهَا كَمَا يُقَالُ لِلْأَمْرِ يُرَادُ إِبْطَالُهُ وَضَعْتُهُ تَحْتَ قَدَمَيَّ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ

وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْقَدَمُ وَالرِّجْلُ الْمَذْكُورَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ الْمُنَزَّهَةِ عَنِ التَّكْيِيفِ وَالتَّشْبِيهِ

وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا جَاءَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ كَالْيَدِ وَالْأُصْبُعِ وَالْعَيْنِ وَالْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ وَالنُّزُولِ

فَالْإِيمَانُ بِهَا فَرْضٌ وَالِامْتِنَاعُ عَنِ الْخَوْضِ فِيهَا وَاجِبٌ

فَالْمُهْتَدِي مَنْ سَلَكَ فِيهَا طَرِيقَ التَّسْلِيمِ

وَالْخَائِضُ فِيهَا زَائِغٌ وَالْمُنْكِرُ مُعَطِّلٌ

 وَالْمُكَيِّفُ مُشَبِّهٌ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ انْتَهَى

قال القارىء وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِطَرِيقِ إِمَامِنَا الْأَعْظَمِ عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ فَالتَّسْلِيمُ أَسْلَمُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم انتهى

قلت الأمر كما قال القارىء فَلَا شَكَّ أَنَّ التَّسْلِيمَ وَالتَّفْوِيضَ هُوَ الْأَسْلَمُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ ] ([494]) .

(  التَّسْلِيمَ وَالتَّفْوِيضَ هُوَ الْأَسْلَمُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ ) ! .

 

 

 

 

 

 

 

وَنَفَيْنَا عَنْهُ التَّكْيِيفَ !

 

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله :

[  قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ

إِمَّا الْقَضَاءُ الَّذِي قَضَاهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي أَيْ قَضَى ذَلِكَ

قَالَ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَوْقَ الْعَرْشِ أَيْ عِنْدَهُ عِلْمُ ذَلِكَ فَهُوَ لَا يَنْسَاهُ وَلَا يُبَدِّلُهُ

كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي كتاب لَا يضل رَبِّي وَلَا ينسى

 وَإِمَّا اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ أَصْنَافِ الْخَلْقِ وَبَيَانُ أُمُورِهِمْ وَآجَالِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ

 وَيَكُونُ مَعْنَى فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ أَيْ ذَكَرَهُ وَعَلِمَهُ

وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي التَّخْرِيجِ

عَلَى أَنَّ الْعَرْشَ خَلْقٌ مَخْلُوقٌ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ فَلَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يُمَاسُّوا الْعَرْشَ إِذَا حَمَلُوهُ

وَإِنْ كَانَ حَامِلُ الْعَرْشِ وَحَامِلُ حَمَلَتِهِ هُوَ اللَّهُ

وَلَيْسَ قَوْلُنَا إِنَّ اللَّهَ عَلَى الْعَرْشِ أَيْ مُمَاسٌّ لَهُ أَوْ مُتَمَكِّنٌ فِيهِ أَوْ مُتَحَيِّزٌ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِهِ

بَلْ هُوَ خَبَرٌ جَاءَ بِهِ التَّوْقِيفُ فَقُلْنَا لَهُ بِهِ

وَنَفَيْنَا عَنْهُ التَّكْيِيفَ إِذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ] ([495]) .

(  وَنَفَيْنَا عَنْهُ التَّكْيِيفَ ) . فلا كيف له ! والكيف عنه مرفوع ! والكيف غير معقول !

بعكس الذين يثبتون لله تعالى : الكيف والتكييف ، ولكنه مجهول عندهم ، كجهالة صور وصفات كثير من المخلوقات عندهم !

الفرق الوحيد بين الله تعالى – عندهم – وبين المخلوقات : أنّ صفات الله تعالى ، لا تشبه صفات المخلوقات ! كما أن هناك فرق بين يدي الإنسان ، وبين يدي الغزال ! سبحانه وتعالى وتنزه .

 

 

 

والكيفية عن الله وصفاته منفيّة !

 

وقال الإمام الخطابي ، رحمه الله :

[  هذا الكلام إذا جرى على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية

 والكيفية عن الله وصفاته منفية

فعقل أن ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة ولا تحديده على هذه الهيئة ،

وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله وجلاله سبحانه ،

وإنما قصد به إفهام السائل من حيث يدركه فهمه

إذ كان اعرابياً جلفاً  لا علم له بمعاني ما دق من الكلام وبما لطف منه عن درك الافهام ] ([496])

(  والكيفية عن الله وصفاته منفية  ) .

 ( إذ كان اعرابياً جلفاً ) . ( لا علم له بمعاني ما دق من الكلام وبما لطف منه عن درك الافهام) .

 

ونقل الإمام النووي عن القاضي عياض ، رحمهما الله تعالى :

[  قَالَ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي جَمَعَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَقِّ كُلَّهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَنِ الْفِكْرِ فِي الذَّاتِ كَمَا أُمِرُوا وَسَكَتُوا لِحِيرَةِ الْعَقْلِ

 وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ التَّكْيِيفِ وَالتَّشْكِيلِ

وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وُقُوفِهِمْ وَإِمْسَاكِهِمْ غَيْرُ شَاكٍّ فِي الوجود والموجود

وَغَيْرُ قَادِحٍ فِي التَّوْحِيدِ بَلْ هُوَ حَقِيقَتُهُ ] ([497]) .

( جَمَعَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَقِّ كُلَّهُمْ ) . ( وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ التَّكْيِيفِ وَالتَّشْكِيلِ  ) . ( وَغَيْرُ قَادِحٍ فِي التَّوْحِيدِ بَلْ هُوَ حَقِيقَتُهُ ) !

 

 

 

 

مُنَزِّهًا اللَّهَ تَعَالَى عَنِ الْكَيْفِيَّةِ !

 

وقال الإمام ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله تعالى :

[  قَوْلُهُ يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ أَثْبَتَ الْجِهَةَ وَقَالَ هِيَ جِهَة الْعُلُوّ

وَأنكر ذَلِك الْجُمْهُور

لِأَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ يُفْضِي إِلَى التَّحَيُّزِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى النُّزُولِ عَلَى أَقْوَالٍ

فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَهُمُ الْمُشَبِّهَةُ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ

وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ صِحَّةَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً وَهُمُ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ

وَهُوَ مُكَابَرَةٌ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَوَّلُوا مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ وَأَنْكَرُوا مَا فِي الْحَدِيثِ إِمَّا جَهْلًا وَإِمَّا عِنَادًا

 وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى مَا وَرَدَ مُؤْمِنًا بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ مُنَزِّهًا اللَّهَ تَعَالَى عَنِ الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ

وَهُمْ جُمْهُورُ السَّلَفِ

وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَالْحَمَّادَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَغَيْرِهِمْ

 وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَهُ عَلَى وَجْهٍ يَلِيقُ مُسْتَعْمَلٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ

 وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْرَطَ فِي التَّأْوِيلِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى نَوْعٍ مِنَ التَّحْرِيفِ

وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ مَا يَكُونُ تَأْوِيلُهُ قَرِيبًا مُسْتَعْمَلًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَبَيْنَ مَا يَكُونُ بَعِيدًا مَهْجُورًا

 فَأَوَّلَ فِي بَعْضٍ وَفَوَّضَ فِي بَعْضٍ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مَالك

وَجزم بِهِ من الْمُتَأَخِّرين بن دَقِيقِ الْعِيدِ

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَسْلَمُهَا الْإِيمَانُ بِلَا كَيْفٍ وَالسُّكُوتُ عَنِ الْمُرَادِ إِلَّا أَنْ يَرِدَ ذَلِك عَن الصَّادِق فيصار إِلَيْهِ ] ([498]) .

(مُنَزِّهًا اللَّهَ تَعَالَى عَنِ الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ   وَهُمْ جُمْهُورُ السَّلَفِ   وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَالْحَمَّادَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَغَيْرِهِمْ) .

(وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ مَا يَكُونُ تَأْوِيلُهُ قَرِيبًا مُسْتَعْمَلًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَبَيْنَ مَا يَكُونُ بَعِيدًا مَهْجُورًا  فَأَوَّلَ فِي بَعْضٍ وَفَوَّضَ فِي بَعْضٍ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مَالك  وَجزم بِهِ من الْمُتَأَخِّرين بن دَقِيقِ الْعِيدِ) .

( قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَسْلَمُهَا الْإِيمَانُ بِلَا كَيْفٍ وَالسُّكُوتُ عَنِ الْمُرَادِ ) .

فأوّل في بعض ، وفوّض في بعض ، وهو منقول عن مالك !

فمالك بن أنس ، رحمه الله ، بين التأويل والتفويض !

أليس السكوت عن المراد هو التفويض ؟

 

 

وَلَا يُقَالُ كَيْفَ وَكَيْفَ عَنْهُ مَرْفُوعٌ !

 

وقال أيضاً ، رحمه الله تعالى :

[  وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كَيْفَ اسْتَوَى

فَأَطْرَقَ مَالِكٌ فَأَخَذَتْهُ الرُّحَضَاءُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ

وَلَا يُقَالُ كَيْفَ وَكَيْفَ عَنْهُ مَرْفُوعٌ وَمَا أَرَاكَ إِلَّا صَاحِبَ بِدْعَةٍ أَخْرِجُوهُ ] ([499]) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لِأَنَّ هَذَا كَيْفِيَّةٌ وَهُمْ يَفْزَعُونَ مِنْهَا ! !

 

وقال الحافظ ابن عبد البر ، رحمه الله تعالى :

[  وَقَالَ نُعَيْمٌ يَنْزِلُ بِذَاتِهِ وَهُوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ

 قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ

لِأَنَّ هَذَا كَيْفِيَّةٌ وَهُمْ يَفْزَعُونَ مِنْهَا

لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا فِيمَا يُحَاطُ بِهِ عِيَانًا وَقَدْ جَلَّ اللَّهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ

وَمَا غَابَ عَنِ الْعُيُونِ فَلَا يَصِفُهُ ذَوُو الْعُقُولِ إِلَّا بِخَبَرٍ وَلَا خَبَرَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ إِلَّا مَا وَصَفَ نَفْسَهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَلَا نَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى تَشْبِيهٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ تَمْثِيلٍ أَوْ تَنْظِيرٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير

قال أبو عمر أهل السنة مجموعون عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِيمَانِ بِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ

 إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَحُدُّونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورَةً

وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ كُلُّهَا وَالْخَوَارِجُ فَكُلُّهُمْ يُنْكِرُهَا وَلَا يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ

 وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُشَبِّهٌ وَهُمْ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهَا نَافُونَ لِلْمَعْبُودِ

وَالْحَقُّ فِيمَا قَالَهُ الْقَائِلُونَ بِمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَهُمْ أَئِمَّةُ الْجَمَاعَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَوَى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ

مَنْ وَصَفَ شَيْئًا مِنْ ذَاتِ اللَّهِ مِثْلَ قَوْلِهِ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عُنُقِهِ وَمِثْلَ قَوْلِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فَأَشَارَ إِلَى عَيْنَيْهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ

 قُطِعَ ذَلِكَ مِنْهُ لِأَنَّهُ شَبَّهَ اللَّهَ بِنَفْسِهِ

ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْبَرَاءِ حِينَ حَدَّثَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا يضحى بأربع من الضحايا وأشر الْبَرَاءُ بِيَدِهِ كَمَا أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ قَالَ الْبَرَاءُ وَيَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهَ الْبَرَاءُ أَنْ يَصِفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِجْلَالًا لَهُ وَهُوَ مَخْلُوقٌ

فَكَيْفَ الْخَالِقُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ] ([500]) .

( وَقَالَ نُعَيْمٌ يَنْزِلُ بِذَاتِهِ وَهُوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ ) .

نسأل هنا سؤالاً ، ونريد جوابه من كائن مَن يكون ، ولاسيما ممن يتقوّلون على السلف الصالح . نقـول : مــن أيــن جــاءت كلمـة ( بذاته ) ؟ في أية آية من آيات القرآن ، أو أي حديث من أحاديث النبيّ r ؟

أليس إيراد كلمة ( بذاته ) هو مجرد فهم واجتهاد البعض ، والسلف الصالح بريءٌ من ذلك ؟

أليس هذا فتح باب للخصوم ، لاتهام أهل السنة والجماعة ، بالتجسيم والتشبيه ؟ !

ماذا يتصور المسلم من هذا القول العظيم ، عندما يتخيّل – غصباً عنه – أنّ الله تعالى ينزل وهو على كرسيّه ، من أعلى إلى أسفل ! تبارك وتقدّس وتنزه عن كل وهم وخيال وباطل !

ولقد أحسن الإمام إبن عبد البر ، رحمه الله ، وأجاد ، عندما قَالَ ( لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ )

( ليس هذا بشيء ) ! عند مَن ، هذا الكلام والهذيان ، ليس بشيء ؟

الجواب : ( عند أهل الفهم من أهل السنة ) ! ولماذا ؟ (  لِأَنَّ هَذَا كَيْفِيَّةٌ وَهُمْ يَفْزَعُونَ مِنْهَا ) .

أهل الفهم من أهل السنة يفزعون من الكيفية . والمتقوّلون عليهم يثبتون لله الكيفية ، ولكنهم يجهلونها ! ويفتخرون بذلك ، ويعتبرون أنفسهم من اتباع السلف الصالح ، وغيرهم ضُلّال !

ولماذا ينكر الإمام إبن عبد البر ، رحمه الله ، قول ( نُعيمٌ ) ، ويعتبره لا شيء عند أهل الفهم من أهل السنة ، طالما أنه ( نُعيم ) يعبّر عن معتقد أهل السنة ؟ !

هذا المعتقد الذي كان عليه ( نُعيم ) ، هو معتقد ( السلفيين ) قاطبة ، في هذا العصر !

هذا المعتقد ، الذي يقول عنه الإمام إبن عبد البر ، رحمه الله : ليس بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة ! !

يظهر أن هذا الذي كان عليه ( نُعيم ) – والذي عليه ( السلفيين قاطبة ) – شيء ، وما عليه أهل السنة ، شيء آخر ، حسب قول إبن عبد البر !   

حيث قال الإمام إبن عبد البر ، رحمه الله : (  أهل السنة مجموعون عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِيمَانِ بِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ

إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَحُدُّونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورَةً  ) .

فـإذا كـان حمـل ( ينـزل ) علـى الحقيقة ، لا علـى المجـاز ، هو فهـم ( نعيـم ) والسلفييـن معـه : ( بذاته ) . فلماذا الإنكار ، واعتباره لا شيء عند أهل الفهم من أهل السنة ؟ !

يظهر أن الأخوة ، الذين يطلقون على أنفسهم ( السلفية ) ( [501] ) ، لم يفهموا جيّداً معتقد السلف الصالح ، رحمهم الله تعالى ، فظنوا أنه ما يعبر عنه ( نُعيم ) !

وهذا الذي عبّر عنه ( نعيم ) ، وهويظنه معتقد السلف الصالح ، ومعتقد الفرقة الناجية ، قد قال عنه الإمام إبن عبد البر : ليس بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة !

واعتبره ( كيفية ) ، وأهل الفهم من أهل السنة يفزعون منها ، بينما هؤلاء الأخوة من السلفيين ، لا يفزعون منها ، بل يثبتونها ، ويفتخرون بها ؛ بأنها معتقد السلف الصالح !

[ لِأَنَّ هَذَا كَيْفِيَّةٌ وَهُمْ يَفْزَعُونَ مِنْهَا

لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا فِيمَا يُحَاطُ بِهِ عِيَانًا وَقَدْ جَلَّ اللَّهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ

وَمَا غَابَ عَنِ الْعُيُونِ فَلَا يَصِفُهُ ذَوُو الْعُقُولِ إِلَّا بِخَبَرٍ وَلَا خَبَرَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ إِلَّا مَا وَصَفَ نَفْسَهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَلَا نَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى تَشْبِيهٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ تَمْثِيلٍ أَوْ تَنْظِيرٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير ]

ومما جعل الإمام إبن عبد البر ، يردّ وينكر ما قاله ( نعيم ) : أنّه لا يجوز اتصاف الله سبحانه بصفة ، إلّا بما ثبت في الكتاب والسنة ، وهذا الذي قاله ( نعيم ) لم يثبت لا في الكتاب ولا في السنة ! ولهذا قال ، رحمه الله :   [  وَلَا خَبَرَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ إِلَّا مَا وَصَفَ نَفْسَهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ] .

واعتبر ما قاله ( نعيم ) تعدياً إلى التشبيه أو القياس أو التمثيل أو التنظير .

وهذا ما ينفونه – الأخوة السلفيين – نظرياً ، ويثبتونها عملياً وتطبيقا !

  

 

 

 

 

 

 

 

فَلاَ كَيْفَ !

 

وقال الحافظ الذهبي ، رحمه الله :

[  قَـالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيٍّ الأُبُلِّيُّ : سَمِعْتُ سَهْلَ بنَ عَبْدِ اللهِ بِالبَصْرَةِ فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ يَقُوْلُ :

العَقْلُ وَحَدَهُ لاَ يَدُلُّ عَلَى قَدِيْمٍ أَزَلِيٍّ فَوْقَ عَرْشٍ مُحْدَثٍ ، نَصَبَهُ الحَقُّ دِلاَلَةً وَعَلَماً لَنَا ، لِتَهْتَدي القُلُوْبُ بِهِ إِلَيْهِ وَلاَ تَتَجَاوَزُهُ ، وَلَمْ يُكَلِّفِ القُلُوْبَ عِلْمَ مَاهِيَةِ هُوِيَتَّهُ ، فَلاَ كَيْفَ لاسْتِوَائِهِ عَلَيْهِ ، وَلاَ يَجُوْزُ أَنْ يُقَالَ : كَيْفَ الاسْتِوَاءُ لِمَنْ أَوْجَدَ الاسْتِوَاءَ؟ ] ([502]) .

( فَلاَ كَيْفَ ) . ( وَلاَ يَجُوْزُ أَنْ يُقَالَ : كَيْفَ الاسْتِوَاءُ لِمَنْ أَوْجَدَ الاسْتِوَاءَ ) .

لا كيف أصلاً ، وليس الكيف مجهولاً !

فالسلف الصالح ينفون الكيف ، والمتقوّلون يثبتونه !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء !

 

 منتهى إعتقاد البعض : أن الفرق بين الله تعالى ، وبين مخلوقاته – وخاصة الإنسان – هو في الشكل ، والهيئة ، والصورة ، والصفة !

 وقصارى علمهم ، أنهم لا يعلمون كيفيته ، لأنهم لم يروه ، وهو سبحانه لايشبه شيئاً ، ولا يشبهه شيء ! !

وهذا ضلال ، وخطيئة جسيمة !

وقد وقع في مثل هذا الوهم ، أحد كبار الأئمة ، وهو الحافظ ابن خزيمة ، رحمه الله تعالى ،

ولقد وقع ، رحمه الله ، في بحر علم الكلام ، وهو لا يعرف السباحة فيه .

فإنّ علم الكلام ، هو علم معقد دقيق شائك ، لا يحسنه ، ولا يتقنه ، ولا يفهمه كل أحد . ولاسيما هو علم يبحث في ذات الله تعالى وصفاته ، ويذب الخطأ والضلال ، عنه سبحانه !  

ولقد وقع الإمام إبن خزيمة ، رحمه الله تعالى ، في بعض أخطاء المعتزلة ، نتيجة عدم إحاطته بذلك العلم . وقد رجع عن ذلك ، وندم ندما شديداً .

وهذا هو المأمول ، والمتوقع عن الصالحين ؛ رجوعهم إلى الحق ، حين يتبين لهم من غير أدنى تعصب ، أو عناد ! !

 

فَمَا تُنْكِرُونَ عَلَى فَقِيهٍ رَاوِي حَدِيثٍ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْكَلَامَ !

 

وقد اعترف الإمام إبن خزيمة ، رحمه الله ، أنه لا يحسن الكلام ، فهو راوي حديث ، وليس عالماً بعلم الكلام ودقائقه !

قال الإمام البيهقي ، رحمه الله :

[   . . . كَانَ أَبُو الْفَضْلِ يَحْجُبُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ إِذَا رَكِبَ ـ قَالَ :

خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ يَوْمًا قُرْبَ الْعَصْرِ مِنْ مَنْزِلِهِ فَتَبِعْتُهُ وَأَنَا لَا أَدْرِي أَيْنَ مَقْصِدُهُ ، إِلَى أَنْ بَلَغَ بَابَ مَعْمَرٍ ،

فَدَخَلَ دَارْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ خَرَجَ وَهُوَ مُنْقَسِمُ الْقَلْبِ ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَرْبَعَةَ الصَّغِيرَةَ وَقَرُبَ مِنْ خَانِ مَكِّيٍّ

وَقَفَ وَقَالَ لِمَنْصُورٍ الصَّيْدَلَانِيِّ : تَعَالَ . فَعَدَا إِلَيْهِ مَنْصُورٌ ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ

قَالَ لَهُ : مَا صَنْعَتُكَ ؟ قَالَ : أَنَا عَطَّارٌ  . قَالَ : تُحْسِنُ صَنْعَةَ الْأَسَاكِفَةِ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : تُحْسِنُ صَنْعَةَ النَّجَّارِينَ ؟ قَالَ : لَا .

فَقَالَ لَنَا : إِذَا كَانَ الْعَطَّارُ لَا يُحْسِنُ غَيْرَ مَا هُوَ فِيهِ ،

فَمَا تُنْكِرُونَ عَلَى فَقِيهٍ رَاوِي حَدِيثٍ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْكَلَامَ

وَقَدْ قَالَ لِي مُؤَدِّبِي ـ يَعْنِي الْمُزَنِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ غَيْرَ مَرَّةٍ: كَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهَانَا عَنِ الْكَلَامِ .

قُلْتُ : أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا كَانَ مُعْتَزِلِيًّا أَلْقَى فِي سَمِعِ الشَّيْخِ شَيْئًا مِنْ بِدْعَتِهِ . . .       وَعَرَضَهُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فَاسْتَصْوَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَارْتَضَاهُ

وَاعْتَرَفَ فِيمَا حَكَيْنَا عَنْهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَتَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يُحْسِنِ الْكَلَامَ . . .

عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدَ الزَّاهِدُ الْبُوشَنْجِيَّ يَقُولُ : دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ بِالرَّيِّ

فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا جَرَى بِنَيْسَابُورَ بَيْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ ،

فَقَالَ : مَا لِأَبِي بَكْرٍ وَالْكَلَامِ ؟ إِنَّمَا الْأَوْلَى بِنَا وَبِهِ أَنْ لَا نَتَكَلَّمَ فِيمَا لَمْ نَتَعَلَّمْهُ . . .

 ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى بَغْدَادَ فَلَمْ أَدَعْ بِهَا فَقِيهًا وَلَا مُتَكَلِّمًا إِلَّا عَرَضْتُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْمَسَائِلَ ، فَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يُتَابَعُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيَّ عَلَى مَقَالَتِهِ، وَيَغْتَمُّ لِأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فِيمَا أَظْهَرَهُ .

قُلْتُ : الْقِصَّةُ فِيهِ طَوِيلَةٌ ، وَقَدْ رَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ إِلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ وَتَلَهَّفَ عَلَى مَا قَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ] ([503]) .

 

وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ كِتَابُ الشرك !

         وقال الإمام فخر الدين الرازي ، رحمه الله :

         [  وَاعْلَمْ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَوْرَدَ اسْتِدْلَالَ أَصْحَابِنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ

فِي الْكِتَابِ الَّذِي سَمَّاهُ « بِالتَّوْحِيدِ » ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ كِتَابُ الشِّرْكِ ،

وَاعْتَرَضَ عَلَيْهَا ، وَأَنَا أَذْكُرُ حَاصِلَ كَلَامِهِ بَعْدَ حَذْفِ التَّطْوِيلَاتِ ،

لِأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُضْطَرِبَ الْكَلَامِ ، قَلِيلَ الْفَهْمِ ، نَاقِصَ الْعَقْلِ ، فَقَالَ :

« نَحْنُ نُثْبِتُ لِلَّهِ وَجْهًا وَنَقُولُ : إِنَّ لِوَجْهِ رَبِّنَا مِنَ النُّورِ وَالضِّيَاءِ وَالْبَهَاءِ ، مَا لَوْ كُشِفَ حِجَابُهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ ،

 وَوَجْهُ رَبِّنَا مَنْفِيٌّ عَنْهُ الْهَلَاكُ وَالْفَنَاءُ ،

وَنَقُولُ إِنَّ لِبَنِي آدَمَ وُجُوهًا كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْهَلَاكَ وَالْفَنَاءَ ، وَنَفَى عَنْهَا الْجَلَالَ وَالْإِكْرَامَ ، غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ بِالنُّورِ وَالضِّيَاءِ وَالْبَهَاءِ ،

وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ إِثْبَاتِ الْوَجْهِ لِلَّهِ يَقْتَضِي التَّشْبِيهَ

لَكَانَ مَنْ قَالَ إِنَّ لِبَنِي آدَمَ وُجُوهًا وَلِلْخَنَازِيرِ وَالْقِرَدَةِ وَالْكِلَابِ وُجُوهًا ، لَكَانَ قَدْ شَبَّهَ وُجُوهَ بَنِي آدَمَ بِوُجُوهِ الْخَنَازِيرِ وَالْقِرَدَةِ وَالْكِلَابِ .

ثُمَّ قَالَ :

وَلَا شَكَّ أَنَّهُ اعْتِقَادُ الْجَهْمِيَّةِ

لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ : وَجْهُكَ يُشْبِهُ وَجْهَ الْخَنَازِيرِ وَالْقِرَدَةِ لَغَضِبَ وَلَشَافَهَهُ بِالسُّوءِ ،

فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِلَّهِ إِثْبَاتُ التَّشْبِيهِ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ » .

وَذَكَرَ فِي فَصْلٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ

« أَنَّ الْقُرْآنَ دَلَّ عَلَى وُقُوعِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي صِفَاتٍ كَثِيرَةٍ ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهَا أَنْ يكون القائل مشبها فكذا هاهنا » .

 وَنَحْنُ نَعُدُّ الصُّوَرَ الَّتِي ذَكَرَهَا عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فَالْأَوَّلُ :

أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَقَالَ فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الْإِنْسَانِ: 2] ،

الثَّانِي : قَالَ : وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ [التَّوْبَةِ: 105] وَقَالَ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ [النَّحْلِ: 79]

الثَّالِثُ : قَالَ : وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا [هُودٍ: 37] وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطُّورِ: 48] وَقَالَ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ [الْمَائِدَةِ: 83]

الرَّابِعُ: قَالَ لِإِبْلِيسَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: 75] وَقَالَ : بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ [الْمَائِدَةِ: 64] وَقَالَ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ : ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [آل عمران: 182] ، ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ، [الْحَجِّ: 10] إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ، [الْفَتْحِ: 10]

الْخَامِسُ : قَالَ تَعَالَى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: 5] وَقَالَ فِي الَّذِينَ يَرْكَبُونَ الدَّوَابَّ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ [الزُّخْرُفِ: 13] وَقَالَ فِي سَفِينَةِ نُوحٍ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ [هُودٍ: 44] ،

السَّادِسُ : سَمَّى نَفْسَهُ عَزِيزًا فَقَالَ: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ [الْحَشْرِ: 23] ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الِاسْمَ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ بقوله يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً [يُوسُفَ: 78] ، يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ [يُوسُفَ: 88] ،

السَّابِعُ : سَمَّى نَفْسَهُ بِالْمَلِكِ وَسَمَّى بَعْضَ عَبِيدِهِ أَيْضًا بِالْمَلِكِ فَقَالَ: وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ [يُوسُفَ: 50] وَسَمَّى نَفْسَهُ بِالْعَظِيمِ ثُمَّ أَوْقَعَ هَذَا الِاسْمَ عَلَى الْمَخْلُوقِ فَقَالَ: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التَّوْبَةِ: 129]

وَسَمَّى نَفْسَهُ بِالْجَبَّارِ الْمُتَكَبِّرِ وَأَوْقَعَ هَذَا الِاسْمَ عَلَى الْمَخْلُوقِ فَقَالَ: كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غَافِرٍ: 35]

ثُمَّ طَوَّلَ فِي ضَرْبِ الْأَمْثِلَةِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ ، وَقَالَ وَمَنْ وَقَفَ عَلَى الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَمْكَنَهُ الْإِكْثَارُ مِنْهَا ، فَهَذَا مَا أَوْرَدَهُ هَذَا الرَّجُلُ فِي هَذَا الْكِتَابِ .

وَأَقُولُ هَذَا الْمِسْكِينُ الْجَاهِلُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْمِثْلَيْنِ

 وَعُلَمَاءُ التَّوْحِيدِ حَقَّقُوا الْكَلَامَ فِي الْمِثْلَيْنِ ثُمَّ فَرَّعُوا عَلَيْهِ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ،

فَنَقُولُ الْمِثْلَانِ هُمَا اللَّذَانِ يَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَاهِيَّتِهِ ،

 وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِيهِ مَسْبُوقٌ بِمُقَدِّمَةٍ أُخْرَى فَنَقُولُ :

الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ ،

إِمَّا تَمَامُ مَاهِيَّتِهِ

وَإِمَّا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ مَاهِيَّتِهِ

 وَإِمَّا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّتِهِ ، وَلَكِنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ ،

وَإِمَّا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ

وَهَذَا التَّقْسِيمُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ ذَاتِ الشَّيْءِ وَبَيْنَ الصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِهِ

وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْبَدِيهَةِ  ،

فَإِنَّا نَرَى الْحَبَّةَ مِنَ الْحُصْرُمِ كَانَتْ فِي غَايَةِ الْخُضْرَةِ وَالْحُمُوضَةِ

ثُمَّ صَارَتْ فِي غَايَةِ السَّوَادِ وَالْحَلَاوَةِ ،

فَالذَّاتُ بَاقِيَةٌ وَالصِّفَاتُ مُخْتَلِفَةٌ

وَالذَّاتُ الْبَاقِيَةُ مُغَايِرَةٌ لِلصِّفَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ ،

وَأَيْضًا نَرَى الشَّعْرَ قَدْ كَانَ فِي غَايَةِ السَّوَادِ ثُمَّ صَارَ فِي غَايَةِ الْبَيَاضِ ،

فَالذَّاتُ بَاقِيَةٌ وَالصِّفَاتُ مُتَبَدِّلَةٌ

وَالْبَاقِي غَيْرُ الْمُتَبَدِّلِ ،

 فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الذَّوَاتَ مُغَايِرَةٌ لِلصِّفَاتِ .

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ :

اخْتِلَافُ الصِّفَاتِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الذَّوَاتِ الْبَتَّةَ ،

لِأَنَّا نَرَى الْجِسْمَ الْوَاحِدَ كَانَ سَاكِنًا ثُمَّ يَصِيرُ مُتَحَرِّكًا، ثُمَّ يَسْكُنُ بَعْدَ ذَلِكَ ،

فَالذَّوَاتُ بَاقِيَةٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ وَنَسَقٍ وَاحِدٍ ، وَالصِّفَاتُ مُتَعَاقِبَةٌ مُتَزَايِلَةٌ ،

فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَاتِ وَالْأَعْرَاضِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الذَّوَاتِ ،

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْأَجْسَامُ التي تَأَلَّفَ مِنْهَا وَجْهُ الْكَلْبِ وَالْقِرْدِ مُسَاوِيَةٌ لِلْأَجْسَامِ الَّتِي تَأَلَّفَ مِنْهَا وَجْهُ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ

وَإِنَّمَا حَصَلَ الِاخْتِلَافُ بِسَبَبِ الْأَعْرَاضِ الْقَائِمَةِ وَهِيَ الْأَلْوَانُ وَالْأَشْكَالُ وَالْخُشُونَةُ وَالْمَلَاسَةُ وَحُصُولُ الشُّعُورِ فِيهِ وَعَدَمُ حُصُولِهَا ،  

فَالِاخْتِلَافُ إِنَّمَا وَقَعَ بِسَبَبِ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَاتِ وَالْأَعْرَاضِ ،

فَأَمَّا ذَوَاتُ الْأَجْسَامِ فَهِيَ مُتَمَاثِلَةٌ

إِلَّا أَنَّ الْعَوَامَّ لَا يَعْرِفُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ الصِّفَاتِ ،

فَلَا جَرَمَ يَقُولُونَ إِنَّ وَجْهَ الْإِنْسَانِ مُخَالِفٌ لِوَجْهِ الْحِمَارِ ،

وَلَقَدْ صَدَقُوا فَإِنَّهُ حَصَلَتْ تِلْكَ بِسَبَبِ الشَّكْلِ وَاللَّوْنِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ ،

فَأَمَّا الْأَجْسَامُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا أَجْسَامٌ فَهِيَ مُتَمَاثِلَةٌ مُتَسَاوِيَةٌ ،

فَثَبَتَ أَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي أَوْرَدَهُ إِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَجْلِ

أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْعَوَامِّ وَمَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّمَاثُلِ وَالِاخْتِلَافِ حَقَائِقُ الْأَشْيَاءِ وَمَاهِيَّاتُهَا لَا الْأَعْرَاضُ والصفات القائمة بها . . .  ] ([504]) .

فالعوام ، الذين يشبّهون الله تعالى بالمخلوق ، يظنون أنهم بقولهم : لا نعلم الكيفية ! قد وصلوا إلى قمة التوحيد ! !

فهذا الكلام يشبه ما لو قيل : إن أحمد ينزل كل يوم ، من سطح دارهم إلى الأرض ! ولله المثل الأعلى ! فيقول هؤلاء :

نصدّق أن أحمد ينزل إلى الأرض ، ولكن لا نعلم كيفية النزول ! هل هو ينزل بالمصعد ؟ أو ينزل بالحبل ؟ أو ينزل بالدرج ؟ أو ينزل بالحبل ؟ أو يقفز ؟ أو إلخ . . . لا ندري الكيفية ؟ ! !

يعني أنهم يؤمنون ، أنه ينزل من فوق إلى أسفل ، ولكن الكيفية لا يعرفونها ! !

فإذا كان اعتقادهم في الله تعالى ، هو هكذا ، فإنهم لا ريب مجسمون ، مشبهون ! !

وكذلك في كل ما يقولون : استوى بذاته ، ولكن لا نعلم الكيفية ! إنه سبحانه له يدين ، ولكن لا نعرف الكيفية ! إنه سبحانه خلق آدم بيديه ، ولكن لا نعلم الكيفية ! ! إنه . . . إلخ

فإذا كان الاعتقاد ، هو تشبيه ذاته تعالى بالانسان ، ولكن الاختلاف ، هو في الصفات ، فهو التشبيه ، والتجسيم ، الذي وقع فيه المبتدعة الضلال ! !

فوق أنهم يثبتون الكيفية لله تعالى ، والسلف يقولون : لا كيف ، والكيف عنه مرفوع ، والكيف غير معقول ! !

فيقول أحدهم غفر الله له :

[  فإن قيل : هل لصفات الله كيفية ؟

فالجواب : نعم لها كيفية ، لكنها مجهولة لنا ؛ لأن الشيء إنما تعلم كيفيته بمشاهدته ، أو مشاهدة نظيره ، أو خبر الصادق عنه ، وكل هذه الطرق غير موجودة في صفات الله ، وبهذا عُرف أن قول السلف: "بلا كيف". معناه بلا تكييف، لم يريدوا نفي الكيفية مطلقاً ، لأن هذا تعطيل محض ) ! !

        

         السلف الصالح يقولون : لا كيف ، والكيف غير معقول ، والكيف عنه مرفوع !

وهؤلاء يقولون : لم يريدوا نفي الكيفية مطلقاً ، لأن هذا تعطيل محض !

فإذا ثبت نفي الكيفية عن السلف الصالح ، فمعنى هذا : أن هؤلاء يرمونهم بالتعطيل ، أي تعطيل صفات الله تعالى ! !ّ

         والمشكلة الكبرى هي : الكلام في هذا الموضوع العظيم ( ذات الله تعالى وصفاته ) ، من قبل أناس ، بضاعتهم – في هذا الباب – مزجاة ، ويجهلون علم الكلام ، وقواعده وفهمه وممارسته .

بل ربما اعتبروا علم الكلام أخو الكفر ، إن لم يكن هو الكفر بذاته !  

 

 

 

 

التفويض والتأويل باطلان !

        

إذا كان التفويض ، والتأويل ، باطلان كما ادّعوا ، فليبيّنوا لنا ، معنى هذه الأحاديث الشريفة ، بدون تفويض ، وبدون تأويل ! ! :

 

         1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : « أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي ،

إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ ،

 وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا ، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا ،

وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً » ( [505] ) .

         ما معنى : أتيته هرولة ؟ ! ولكن بدون تفويض ، وبدون تأويل !

         إن الله تعالى ، في هذا الحديث المتفق على صحته ، يقول بصريح العبارة : أتيته هرولة ! فهل يقال : هرولة تليق بذاته ، نؤمن بها ، ولا ندري الكيفية ؟ !

 

         2 –  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي ،

قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ،

قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟

يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي ،

قَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ،

قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ،

يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ ، فَلَمْ تَسْقِنِي ،

قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ،

قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي " ( [506] ) .

         ما معنى : مرضتُ ؟  و لم تعُدني ؟ لوجدتَّني عنده ؟ استطعمتك ؟ فلم تطعمني ؟ لوجدت ذلك عندي ؟ استسقيتُك ؟ فلم تسقني ؟

         وهنا يقول تعالى ، بصريح العبارة ، لا غموض فيها ، ولا غبش : مرضتُ ! ولم تعُدْني ! واستطعمتك ! فلم تطعمني ! واستستقيتك ! فلم تسقني ! لوجدتني عنده !

         هل إن الله تعالى ، يمرض مرضاً ، يليق بجلاله ؟ ! وهل يطلب الطعام ، والشراب ؟ ! وكيف يجد عائد المريض ، الله تعالى عنده ؟ ! تعالى الله عن تلك الأوهام علواً كبيراً !

 

         3 – عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : قَالَ  اللَّهُ تَعَالَى :  يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ( [507] ) .

         فما معنى : يؤذيني ؟ و أنا الدهر ؟

                              هل يتأذى الله تعالى ؟ سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً !

 

                              4 – عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « الْعِزُّ إِزَارُهُ ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ » ( [508] ) .

         قالَ الله تَعَالى : الْكِبْريَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِداً مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ([509]) .

         فما معنى : ردائي ؟ و إزاري ؟ ونازعني ؟

         هل لله تعالى ، رداء ، وإزار ، ولكن لا نعرف كيفيتها ؟ !

         وهل هناك أحد يستطيع ، أن ينازع الله تبارك وتعالى ؟ !

         فمــا معنـى تلـك الأحـاديث ، بدون تفويض ، وبدون تأويل ؟ !

وهل يخاطب الله تعالى ، ورسوله r الناس ، بما لا يفهمون ؟ !

         أم أن العاقل الطبيعي ، يفهم الكلام ، ولا يكون كأصحاب ذي القرنين : لا يكادون يفقهون قولاً ؟

         فهذا الدين ، هو علم كسائر العلوم ، يحتاج إلى مختصون ، فقهاء ، خبراء ( وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) ( [510] ) . (  الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) ( [511] ) .

         وهذا لا يمنع أن يكون هذا الدين للناس كافة ، كما أن كافة الناس يراعون صحتهم ، ومع هذا هناك مختصون ، أصحاب خبرة في الصحة ؛ وهم الأطباء !

فالفهم شيء ، والفقه شيء آخر !

فالفقه في استعمال القرآن يرشد إلى أن المراد منه ليس مطلق العلم ،

بل دقة الفهم ولطف الإدراك ومعرفة غرض المتكلم ،

ومنه قوله تعالى (( قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول )) وقوله تعالى (( فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً )) ([512]) .

         فحرام على أناس ، لا يفهمون كلام الله تعالى ، وكلام رسوله r ،

إلا إعتماداً على عقولهم ، وفهمهم ، بدون أصول ، وقواعد للفهم ،

ولا يرجعون إلى الأئمة ، وعلماء الأمة ، الذين ذكرهم الله تعالى ، في كتابه ، بقوله سبحانه : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .

حرام على أولئك ، أن يفرضوا فهمهم على الكتاب ، والسنة !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التفسير على أربعة أوجه !

        

         فمعرفة دين الإسلام ،  والإحاطة به ، وفهمه بدقة ، ليس كلأ مباحاً لكل مَن هبّ ودبّ !

قال الإمام الطبري ، رحمه الله تعالى :

         [  قال ابن عباس : التفسيرُ على أربعةِ أوجهٍ :

وجهٌ تعرفه العربُ من كلامها ،

وتفسير لاَ يُعذر أحدٌ بجهالته ،

وتفسير يعلمه العلماء ،

وتفسير لاَ يعلمه إلا الله تعالى ذكره  ] ([513]) .

        

فقه وفهم الأئمة والعلماء !

فلننظر الآن ماذا يقول الأئمة ، والعلماء ، في شرح تلك الأحاديث المباركة ؟  

 

يستحيل إرادة ظاهره !

         قال الإمام النووي ، رحمه الله :

         [  وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ

 وَيَسْتَحِيلُ إِرَادَةُ ظَاهِرِهِ

وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ مَرَّاتٍ

وَمَعْنَاهُ : مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِطَاعَتِي  تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بِرَحْمَتِي وَالتَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ

وَإِنْ زَادَ زِدْتُ فَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي وَأَسْرَعَ فِي طَاعَتِي  أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً أَيْ صَبَبْتُ عَلَيْهِ الرَّحْمَةَ وَسَبَقْتُهُ بِهَا وَلَمْ أُحْوِجْهُ إِلَى الْمَشْيِ الْكَثِيرِ فِي الْوُصُولِ إِلَى الْمَقْصُودِ

 

وَالْمُرَادُ أَنَّ جَزَاءَهُ يكون تضعيفه ] ([514]) .

 

 

والهرولة كناية عن سرعة الرحمة !

        

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله :

         [  وَقَالَ بن التِّينِ الْقُرْبُ هُنَا نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى

فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ قُرْبُ الرُّتْبَةِ وَتَوْفِيرُ الْكَرَامَةِ

وَالْهَرْوَلَةُ كِنَايَةٌ عَنْ سُرْعَةِ الرَّحْمَةِ إِلَيْهِ وَرِضَا اللَّهِ عَنِ الْعَبْدِ وَتَضْعِيفِ الْأَجْرِ

قَالَ وَالْهَرْوَلَةُ ضَرْبٌ مِنَ الْمَشْيِ السَّرِيعِ وَهِيَ دُونَ الْعَدْوِ

وَقَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ الْمُرَادُ بِمَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ

سُرْعَةُ قَبُولِ تَوْبَةِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ أَوْ تَيْسِيرُ طَاعَتِهِ وَتَقْوِيَتُهُ عَلَيْهَا وَتَمَامُ هِدَايَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ

وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ

وَقَالَ الرَّاغِبُ قُرْبُ الْعَبْدِ مِنَ اللَّهِ . . .  وَهُوَ قُرْبٌ رُوحَانِيٌّ لَا بَدَنِيٌّ

وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا ] ([515]) .

 

الهرولة مجاز !

         وقال الإمام القسطلاني ، رحمه الله تعالى :

         [  ومن ( أتاني يمشي أتيته هرولة ) إسراعًا

يعني : من تقرب إليّ بطاعة قليلة  جازيته بمثوبة كثيرة ،

وكلما زاد في الطاعة  زدت في ثوابه

وإن كان كيفية إتيانه بالطاعة على التأني  فإتياني بالثواب له على السرعة والتقرب ،

 والهرولة مجاز على سبيل المشاكلة أو الاستعارة أو قصد إرادة لوازمها

وإلاّ فهذه الإطلاقات وأشباهها لا يجوز إطلاقها على الله تعالى إلا على المجاز لاستحالتها عليه    تعالى  ] ([516]) .

 

جزاءه يكون تضعيفه !

        

وقال الإمام المباركفوري ، رحمه الله تعالى :

         [  ( هَرْوَلَةً ) هِيَ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ دُونَ الْعَدْوِ

قَالَ الطِّيبِيُّ هِيَ حَالٌ أَيْ مُهَرْوِلًا أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّ الْهَرْوَلَةَ نَوْعٌ مِنَ الْإِتْيَانِ فَهُوَ كَرَجَعْتُ الْقَهْقَرَى لَكِنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْحَالِ أَوْلَى لِأَنَّ قَرِينَهُ يَمْشِي حَالٌ لَا مَحَالَةَ

قَالَ النَّوَوِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ  وَيَسْتَحِيلُ إِرَادَةُ ظَاهِرِهِ

 وَمَعْنَاهُ : مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِطَاعَتِي  تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بِرَحْمَتِي وَالتَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ

أَوْ إِنْ زَادَ زِدْتُ فَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي وَأَسْرَعَ فِي طَاعَتِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً أَيْ صَبَبْتُ عَلَيْهِ الرَّحْمَةَ وَسَبَقْتُهُ بِهَا وَلَمْ أُحْوِجْهُ إِلَى الْمَشْيِ الْكَثِيرِ فِي الْوُصُولِ إِلَى الْمَقْصُودِ

 وَالْمُرَادُ أَنَّ جَزَاءَهُ يَكُونُ تَضْعِيفَهُ عَلَى حَسَبِ تَقَرُّبِهِ انْتَهَى

وكذا قال الطيبي والحافظ والعيني وبن بطال وبن التِّينِ وَصَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالرَّاغِبُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ   ] ([517])  .

 

صببت عليه الرحمة !

         وقال الشيخ ابن عثيمين ، رحمه الله تعالى :

         [  معنى الحديث : (( من تقرب إلى بطاعتي (( تقربت )) إليه برحمتي، وإن زاد زدت ،

(( فإن أتاني يمشي )) وأسرع في طاعتي (( أتيته هرولة ))

أي : صببت عليه الرحمة ، وسبقته بها ، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود ] ([518])  .

         ومن العجيب  والغريب ،  لـم يقـل الشيـخ ابـن عثيمين – هنا – رحمه الله ، : أن لله هرولة حقيقية ! !

فلم يثبت هذه الصفة ( صفة الهرولة ) !

بل أوّلَها ، وحاد عن ظاهر النص ، فقال قي معناه : [ (( من تقرب إلى بطاعتي (( تقربت )) إليه برحمتي ، وإن زاد زدت ،

(( فإن أتاني يمشي )) وأسرع في طاعتي (( أتيته هرولة )) : صببت عليه الرحمة ، وسبقته بهــا ، ولـم أحوجـه إلى المشي الكثيـر في الوصول إلى المقصود ! ! ] .

علماً أن هذا نص جاء في حديث صحيح ثابت ، وهو من أحاديث الصفات ، يتحدّث عن الله تعالى ، والله تعالى غيب  !

فلماذا استخدم الشيخ ، العقل ، هنا ، في شرح كلام الله تعالى ، الصريح والواضح ، وخرج عن ظاهر النص ؟ !

الشيخ العثيمين وإثباته ظاهر نص الصفات !

علماً أنّ الشيخ العثيمين – رحمه الله – قد قال في لقاء الباب المفتوح الشريط 52 جوابا عن السؤال الآتي :

[ السؤال :

ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله عن الله عز وجل: ( الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري )  هل هذا من أحاديث الصفات   أم تأول ؟

الجواب :

نعم .

هذا الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم هو حديث صحيح نأخذه بظاهره ،

ولكننا لا نتعرض لكيفيته كسائر الصفات ؛

لأن كل ما ورد من صفات الله عز وجل فالواجب على المسلم قبوله واعتقاده ،

لكن دون تكييف و دون تمثيل ،

فهـل نعتقـد أن هـذا الإزار وهـذا الـرداء كأرديتنـا وأزرنـا ؟ لا ؛ أبداً ما نعتقد ، يقيناً أنه ليس كذلك ، لأن الله تعالى يقول: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى:11] . ] .

 

وقال الشيخ العثيمين - رحمه الله – أيضاً ، في الشريط رقم 1 في شرحه للقواعد المثلى جوابا عن السؤال التالي :

[ ما توجيه أهل السنة للحديث القدسي : " العزة ردائي " ؟

الشيخ : أن يؤمنوا به كما جاء في الحديث

السائل : يثبتون الرداء لله عز وجل

الشيخ : نعم ، يثبتون ما أثبت الله لنفسه

السائل : وهل هذا أسلوب من أساليب العرب أن العزة متلبس بها

الشيخ : يعني تقصد أن تكون إزار معنويا و رداء معنويا .

لو أن الله - عز وجل - يوم القيامة سألك ؟ ما تقول ؟

ماذا تقول لله؟

المسألة ما هي باحتمال اللفظ للمعنى .

المسألة كيف تقابل الله عز وجل يوم القيامة إذا كان ظاهر كلامه أنه إزار حقيقي و رداء حقيقي .

ولكن كيف ارتدى به كيف اتزر به ؟

هذه علمها عند الله .

أفهمت ؟

لاحظوا هذه يا جماعة ، المسألة ما هي بشطارة من الإنسان يستطيع أن يصرف النصوص كما شاء أو كما يعقل ، لا .

المسألة خبر محض أخبر الله به عن نفسه ، لا يمكن يوم القيامة أن نقول يا ربنا ليس إزارا لك ولا رداء لك ، ما يمكن  ] .

فلماذا هنا نأخذ بظاهر النص ، حتى لا نصرف النصوص كما نشاء أو كما نعقل ؟ !

وحتى نستطيع أن نقول يوم القيامة : يا ربنا لك إزار ولك رداء ! !

بينما هناك أوّلنا ظاهر النص ؟ !

هل هناك قواعد ثابتة نشترشد بها ، في هذا الموضوع ؟ !

 

 

المراد به مرض العبد المخلوق !

        

وقال القاضي عياض ، رحمه الله تعالى :

         [  قد فسر فى هذا الحديث معنى المرض ، وأن المراد به مرض العبد المخلوق .

إضافة البارى - سبحانه -  ذلك إلى نفسه تشريفأَ للعبد ، وتقريبأَ له .

والعرب  إذا أرادت تشريف أحد حلته محلها ، وعبرت عنه كما تعبر عن نفسها  .

وأما قوله : لو عدته لوجدتنى عنده "  

فإنه يريد ثوابى وكرامتى ،

وعبر عن ذلك بوجوده على جهة التجوز والاستعارة ،

وكلاهما سائغ شائعٍ فى لسان العرب .

وقد قدمنا ذا أمثاله .

وعلى هذا المعنى يحمل قوله تعالى : { وَوَجد اللَّهَ عندَهُ }  مجازاة اللّه - تعالى –

ومثل هذا كثير

          وقد جاء فى آخر الحديث فى الإطعام : " لو أطعمته لوجدت ذلك عندى " وكذلك قال فى السقى أى ثواب ذلك وجزاؤه .

وهذا تفسير : " لوجدتنى عنده ] ([519]) .

 

 

 

 

 

 

 

تنزل في الخطاب !

        

وقال الإمام القرطبي ، رحمه الله تعالى :

         [  وقوله تعالى : " يا بن ادم مرضت فلم تعدني ، واستطعمتك فلم تطعمني ، واستسقيتك فلم تسقني " ) : تنزل في الخطاب ، ولطف في العتاب ،

ومقتضاه التعريف بعظيم فضل ذي الجلال ، وبمقادير ثواب هذه الأعمال .

ويستفاد منه أن الاحسان للعبيد إحسان للسادة ،

فينبغي لهم أن يعرفوا ذلك ، وأن يقوموا بحقه ] ([520]) .

 

يستحيل عليه المرض !

        

وقال الشيخ ابن عثيمين ، رحمه الله تعالى :

         [  هذا الحديث ذكره النووي رحمه الله في رياض الصالحين باب عيادة المريض وتشييع الميت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم

قال يقول الله تعالى يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني

قال كيف أعودك وأنت رب العالمين

يعني وأنت لست بحاجة إلي حتى أعودك

قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما إنك لو عدته لوجدتني عنده

هذا الحديث ليس فيه إشكال في قوله تعالى مرضت فلم تعدني

لأن الله تعالى يستحيل عليه المرض لأن المرض صفة نقص والله سبحانه وتعالى منزة عن كل نقص

قال الله تبارك وتعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون

لكن المراد بالمرض  مرض عبد من عباده الصالحين وأولياء الله سبحانه وتعالى هم خاصته

 ولهذا جاء في الحديث الصحيح القدسي أيضا من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب يعني من يعادي أولياء الله محارب لله عز وجل مع أنه وإن كان لم يعاد الله على زعمه

لكنه عادى أولياءه وحاربهم

كذلك إذا مرض عبد من عباد الله الصالحين فإن الله سبحانه وتعالى يكون عنده

ولهذا قال أما إنك لو عدته لوجدتني عنده ولم يقل لوجدت ذلك عندي كما قال في الطعام والشراب بل قال لوجدتني عنده

وهذا يدل على قرب المريض من الله عز وجل

ولهذا قال العلماء إن المريض حري بإجابة الدعاء إذا دعا لشخص أو دعا على شخص

وفي هذا دليل على استحباب عيادة المريض وأن الله سبحانه وتعالى عند المريض وعند من عاده لقوله لوجدتني عنده وقد سبق لنا كيف تكون عيادة المريض وما ينبغي أن يقوله له العائد

يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني يعني طلبت منك طعاما فلم تطعمني

ومعلوم أن الله تعالى لا يطلب الطعام لنفسه

لقول الله تبارك وتعالى { وهو يطعم ولا يطعم } فهو غني عن كل شيء لا يحتاج لطعام ولا شراب لكن جاع عبد من عباد الله

فعلم به شخص فلم يطعمه قال الله تعالى أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يعني لوجدت ثوابه عندي مدخرا لك الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وفي هذا دليل على استحباب إطعام الجائع وأن الإنسان إذا أطعم الجائع وجد ذلك عند الله

 يا ابن آدم استسقيتك أي طلبت منك أن تسقيني فلم تسقني قال كيف أسقيك وأنت رب العالمين يعني لست في حاجة إلى طعام ولا شراب قال أما علمت أن عبدي فلانا ظمئ أو استسقاك فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي ففيه أيضا دليل على فضيلة إسقاء من طلب منك السقيا

وأنك تجد ذلك عند الله مدخرا الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة والشاهد من هذا الحديث الجملة الأولى منه وهي قوله مرضت فلم تعدني ففيه دليل على استحباب عيادة المريض والله الموفق ) ([521]) .

وهنا أيضاً لم يأخذ الشيخ العثيمين – رحمه الله – بظاهر النص ، بل أوّل الحديث ، وخرج عن ظاهره .

علماً أن الحديث يتحدث عن الله تعالى ، وهو غيب !

أما قول الشيخ ابن عثيمين ، رحمه الله : ( هذا الحديث ليس فيه إشكال ) ! ، فإن كان فهم الكلام على منهج التأويل ، والمؤولين ، وفهم كلام العرب ، حسب أساليبهم في الكلام ، فلا شك أنه ليس فيه أي إشكال !

أما على منهج الذين يأخذون بظاهر النص ، ويفهمون الكلام على ذلك – ويعيبون على الذين يؤولون ، ويفقهون القول على أساليب العرب – كالشيخ ابن عثيمين ، وأمثاله ، فلا شك أن فيه ألف إشكال ، وإشكال ! ! 

كيف وأن الشيخ ابن عثيمين ، رحمه الله ، يقول في الحديث ، الذي جاء فيه : أن الله تعالى يضع رجله في النار : إن لله رجلاً حقيقة ! ! ، ويؤمن باستقرار الله تعالى على العرش .

فكيف يؤول الكلام هنا ، حيث يقول الله تعالى ، بصريح العبارة : مرضتُ ! فيقول الشيخ :  يستحيل عليه المرض ، أليس هذا هو تكذيب لله تعالى ؟ !

وأنا سأشرح الحديث ، حسب منهج ، الذين يعيبون على المؤولين ، ويعتبرونه ضلال وتحريف !

ويأخذون بالظاهر من  النصوص ، ويثبتون لله تعالى ، الكيفية ، ويفوّضونها ( الكيفية ) إلى الله تعالى !  

فالحديث على منهجهم يعني :

عندما يمرض أحد عباد الله الصالحين ، يمرض معه الله تعالى ، ويكون عنده في بيته ، إلى أن يشفى ذلك العبد !

وعندما يجوع ، ويظمأ أحد عباد الله الصالحين ، يجوع ، ويظمأ الله تعالى ، فيطلب الطعام ، والشراب ! ! هذا هو فهم الحديث ، أخذاً بظاهر النص ، بدون تأويل ، وبدون تفويض ! أستغفر الله العظيم .

سبحانه ، وتعالى ، وتعاظم ربنا الكريم ، الأحد ، الصمد ، الذي لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد !

         فإن قالوا : نحن شرحنا الحديث ، حسب ماورد بعده ، وحسب الأيات القرآنية ، وغيرها من الأدلة ، فكذلك يفعل المؤولون ، فلماذا الكيل بمكيالين ؟ !

ثم لماذا الاستقرار على العرش ، ليس صفة نقص ، والعرش مخلوق من مخلوقات الله تعالى؟ والنقص يستحيل على الله تعالى ؟ !

ولماذا ارتدائه سبحانه رداءً حقيقياً ، واتزاره إزاراً حقيقياً ، ليس صفة نقص ، والله تعالى ليس كمثله شيء ، ولم يكن له كفواً أحد ؟ !

قال الشيخ العثيمين – رحمه الله  : [ ظاهر كلامه أنه إزار حقيقي و رداء حقيقي .

ولكن كيف ارتدى به كيف اتزر به ؟

هذه علمها عند الله ] ! !  

يعني نحن فقط  لا نعلم ، كيف لبسهما الله سبحانه وتعالى !

علماً أن الرِّدَاء هُوَ مَا كَانَ على أَعلَى الْجَسَد   والإزار أَسْفَله ! !

 

 

من التوسع في الكلام !

        

وقال الإمام القسطلاني ، رحمه الله تعالى :

         [  ( قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم ) أي يخاطبني من القول بما يتأذى به من يجوز في حقه التأذّي

والله تعالى منزّه عن أن يصير في حقه الأذى  إذ هو محال عليه ،

وإنما هذا من التوسع في الكلام

والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله عز وجل

( يسب الدهر ) يقول إذا أصابه مكروه بؤسًا للدهر وتبًّا له

( وأنا الدهر ) بالرفع في الفرع كالأصول المعتمدة وضبط الأكثرين والمحققين أي أنا خالق الدهر ( بيدي الأمر ) الذي ينسبونه إلى الدهر ( أقلب الليل والنهار ) ] ([522])  .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فإما أن يفوض وإما أن يؤول !

        

وقال الإمام الهروي ، رحمه الله تعالى :

         [  أَيْ يَقُولُ فِي حَقِّي ( ابْنُ آدَمَ ) مَا أَكْرَهُ ، وَيَنْسِبُ إِلَيَّ مَا لَا يَلِيقُ بِي ، أَوْ مَا يَتَأَذَّى بِهِ مَنْ يَصِحُّ فِي حَقِّهِ التَّأَذِّي ؛

وَلِذَا قِيلَ : هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْمُتَشَابِهِ ؛ لِأَنَّ تَأَذِّيَ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ

فَإِمَّا أَنْ يُفَوَّضَ وَإِمَّا أَنْ يُئَوَّلَ كَمَا تَقَدَّمَ ،

وَقَدْ يُطْلَقُ الْإِيذَاءُ عَلَى إِيصَالِ الْمَكْرُوهِ لِلْغَيْرِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِهِ فَإِيذَاءُ اللَّهِ تَعَالَى فِعْلُ مَا يَكْرَهُهُ ، وَكَذَا إِيذَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } [الأحزاب: 57] ] ([523])  .

 

 

فأقيم الْمُضَاف مقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ !

        

وقال الإمام المناوي ، رحمه الله تعالى :

         [  أَي يَقُول فِي حَقي مَا أكرهه ( يسب الدَّهْر ) وَهُوَ اسْم لمُدَّة ( الْعَالم من مبدأ تكوينه إِلَى انقراضه

( وَأَنا الدَّهْر ) أَي مقلبه ومدبره

فأقيم الْمُضَاف مقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ

أَو بِتَأْوِيل الداهر ( بيَدي الْأَمر أقلب اللَّيْل وَالنَّهَار ) أَي أذهب بالملوك

وَالْمعْنَى أَنا فَاعل مَا يُضَاف إِلَى الدَّهْر من الْحَوَادِث

فَإِذا سبّ الدَّهْر مُعْتَقد أَنه فَاعل ذَلِك فقد سبني  ] ([524]) .

 

 

هو مجاز !

        

وقال القاضي عياض ، رحمه الله تعالى :

         [  هو مجاز ، والبارى - تعالى - لا يتأذى من شىء ،

فيحتمل أن يريد : أن هذا عندكم إذا قاله بعضهم لبعض ؛

لأن الإنسان إذا أحب اَخر لم يصح أن يسبه لعلمه أن السب يؤذيه ، والمحبة تمنع من الأذى ، ومن فعل ما يكرهه المحبوب ،

وكأنه قال : يفعل ما أنهاه عنه ، وما يخالفنى فيه ، والمخالفة فيها أذى فيما بينكم ،

فيجوز فيها فى حق البارى – سبحانه ] ([525])  .

 

الرداء استعارة !

        

وقال الإمام القسطلاني ، رحمه الله :

         [  وقال أبو العباس القرطبي :

الرداء استعارة كنى بها عن العظمة

كما في الحديث الآخر "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري"

وليس المراد الثياب المحسوسة

لكن المناسبة أن الرداء والإزار لما كانا ملازمين للمخاطب من العرب عبر عن العظمة والكبرياء بهما اهـ  ] ([526]) .

 

 

 

 

 

المجد بين ثوبَيه !

        

وقال الإمام الهروي ، رحمه الله :

         [  قَالَ فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ :

وَمِنَ الْمَجَازِ قَمَّصَهُ اللَّهُ وَشْيَ الْخِلَافَةِ وَتَقَمَّصَ لِبَاسَ الْعِزِّ ،

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( « الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي » )

وَقَوْلُهُمُ: الْمَجْدُ بَيْنَ ثَوْبَيْهِ وَالْكَرْمُ بَيْنَ بُرْدَيْهِ انْتَهَى ) ([527])  .

 

فلا يقال : إن لله إزاراً !

        

وقال الشيخ عبد المحسن العباد :

         [  وقوله: ( إزاري وردائي ) الشاهد من الحديث أن الله تعالى مختص بها وأنه لا ينازعه أحد فيها ،

كما أن من يكون له إزار ورداء من الخلق فإن ذلك الإزار والرداء مختص به ليس لأحد غيره مشاركته فيه .

ومن صفات الله عز وجل ( صفة العظمة ) و( صفة الكبرياء ) ،

وذكر الإزار والرداء إشارة إلى الاختصاص ، وإلى عدم الأحقية في المنازعة فيها،

فلا يقال : إن لله إزاراً. ويُسْكَت عن التفصيل ،

وإنما يقال : إن لله الكبرياء وله العظمة ، وأن الله عز وجل بين أنه مختص بها

كما أن من يكون من الناس عليه إزار ورداء فإن إزاره ورداءه مختصان به ،

فدل هذا على أن ذلك من خصائص الله سبحانه وتعالى، وأن ليس لأحد أن يتعاطى ذلك أو يتطلب ذلك أو يبحث عن ذلك أو يؤمل أن يحصل له ذلك ؛

لأن هذا خصائص الله سبحانه وتعالى .

وهذا اللفظ الذي جاء في هذا الحديث من جنس اللفظ الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأنصار في غزوة حنين لما وجدوا في أنفسهم أنهم لا يحصل لهم ما حصل للناس ،

فجمعهم في مكان وتحدث معهم ، وقال : بلغني أنكم وجدتم في أنفسكم ، إذ لم يحصل لكم ما حصل للناس ،

قالوا : نعم ، يا رسول الله !

قال : ( أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم ؟

ثم قال : الأنصار شعار ، والناس دثار )

يعني : الأنصار بمنزلة الشعار، وهو ما يلي الجسد من الثياب ، لقربهم منه ولاتصالهم به ،

( والناس دثار ) يعني : مثل الثوب الذي بعد الشعار وليس ملاصقاً للجسد،

فهذا بيان للقرب والاختصاص به ،

وأن لهم الصلة الوثيقة بالرسول صلى الله عليه وسلم .

وهذا الذي في الحديث فيه اختصاص الله عز وجل بالكبرياء ، وأنه ليس لأحد أن ينازعه فيها سبحانه وتعالى ،

فهو الكبير المتعالي ذو الجلال والإكرام والعظمة والكبرياء ، والعظمة لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى ] ([528]) .

قال القاضي عياض ، رحمه الله تعالى :

[  وَجَاء ذكر الرِّدَاء فِي غير حَدِيث وَهُوَ مَمْدُود وَهُوَ مَا كَانَ على أَعلَى الْجَسَد والإزار أَسْفَله . . .  وَفِي الحَدِيث رِدَاء الْكِبْرِيَاء على وَجهه فِي جنَّة عدن والعز إزَاره والكبرياء رِدَاؤُهُ اسْتِعَارَة ومجازا على بلاغة الْعَرَب

أَنَّهَا صِفَاته اللَّازِمَة كملازمة هَذِه الثِّيَاب لَابسهَا ) ([529])  .

وقال الإمام الزبيدي ، رحمه الله تعالى :

[  الرِّداءَ يَقع على المَنْكِبَيْن ومُجْتَمَعِ العُنُقِ  ] ([530])  .

 

 

الشعراء وكلمة الرداء !

        

ولقد استخدم الشعراء ، كلمة الرداء ، وهم الذين نزل القرآن بلسانهم ، وتحداهم القرآن ، أن يأتوا بسورة من مثله ، ولو كانت قصيرة ، فعجزوا .

 والاستعارة ، والكناية ، والمجاز ، والبديع ، و . . . إلخ من أساليبهم ، التي كانوا يتفاخرون بها

قال أبو الفضل الميكالي : 

ويكسى رداء العلمِ والحِلم والتُّقى      فيدرك عُقبَى من تعفّفَ واستحيا  

وقال أبو القاسم الشابي :     

وشمسٌ توشِّي رداءَ الغمامِ         وبدرٌ يضيءُ ، وغَيمٌ يجودْ

وقال :         

فاخلعْ مُسُوحَ الحزنِ تحت ظِلالِهِ        والبسْ رِدَاءَ الشِّعرِ والأَحلامِ

وقال :            

وليلٍ يفرُّ ، وفجرٍ يكرُّ        وغَيْمٍ ، يُوَشِّي رداءَ السحرْ

         وقال أبو الهدى الصيادي :

      وبعدل كالشمس شقوا رداء الظلم        والظلم ظلمة سوداء

وقال :             

واسبل رداء المعالي فوقنا كرما        بحالة لا يشين الدهر علياها

وقال أبو تمام :     

وقَد عَلِمَ الأَفْشِينُ وهْو الذِي بهِ     يُصَانُ رِدَاءُ المُلْكِ عَنْ كل جاذِبِ

وقال :           

تبَدَّلَ غاشِيهِ بريمٍ مُسَلمٍ       تردى رداءَ الحسن طيفاً مسلِّما

وقال :           

 ألا يا أَيُّها المَلِكُ المُرَدَّى     رداءَ الموتِ في جدثٍ خديدِ

وقال :         

  سَرَى رِدَاءَ الهَوَى في حِينِ جِدَّتِهِ      واهاً لهُ منهُ مسروراً وملبوسا !

وقال :             

حُلَّةً سابِريَّةً ورِدَاءً         كَسَحَا القَيْضِ أَو رِدَاءِ الشُّجاعِ

وقال أبو فراس الحمداني :

   تردى رداءَ الذلِّ لمَّا لقيتهُ        كما تتردى بالغبارِ العناكبُ

وقال :    

    لبسنا رداءَ الليلِ ، والليلُ راضعٌ         إلى أنْ تَرَدّى رَأسُهُ بِمَشِيبِ

وقال أحمد محرم :

  لبستم رداء السلم إذ كل أمةٍ          لها من دماء الهالكين جلابب

وقال :           

يشقى به في رداء الحق كل فتى         نزاع أردية في القوم لباس

وقال أسامة بن منقذ :  

وما كنتُ مغتبطاً بالشَّباب       وهل كان إلا رداءً مُعارَا

وقال ابن الخياط :  

فَلا تَزهدْنَ في صالِحِ الذِّكرِ إنَّما         يليقُ رداءُ الفضْلِ بالفُضَلاءِ

وقال :            

أيا بنَ علِيٍّ إنْ تردَّيْتَ فاشتمِلْ      رداءَ المعالِي إنَّهُ بكَ لائقُ

وقال ابن الرومي :

  أمسى الشبابُ رداءً عنك مستلبا       ولن يدومَ على العصرَين ما اعْتقبا

وقال ابن المعتز :      

فقد نشرَ الصباحُ رداءَ نورٍ          وهبّتْ بالنّدى أنفاسُ ريحِ

وقال ابن خفاجة :           

خلعَت عليّ بها رداءَ غمامةٍ        ريحٌ تهلهلُهُ هناك صناعُ

وقال :         

وذَيلُ رِداءِ الغَيمِ يَخفِقُ ، والصَّبا تحُثّ       ومَوجُ النّهرِ ضَخمُ الرّوادِف

وقال ابن دارج القسطلي :  

أوفى به في رداء الحلم لابسه        وعله بلبان الحرب راضعه

وقال :            

 بشراك هذا حباء البر فاحتبه       مني وهذا رداء العز فارتده

وقال :            

ويترك الملك الجبار مختلعا      عنه رداء العلا والعز مستلبا

وقال ابن زمرك :  

وسام اعداءك الاشقين ما كسبوا       ومن تردى رداء الغدر ارداه

وقال ابن زيدون :       

فالبَسِ الصّنعَ ملاءً        وَاسْحَبِ السّعْدَ رِدَاء

وقال ابن سهل الأندلسي :

  تُجْلَى بِفَخْرِكَ فالسماءُ مِنَصَّةٌ      والشُّهبُ حَلْيٌ والصَّبَاحُ رداء

وقال :             

 الأرضُ قد لبِستْ رِداءً أخضَرا     و الطلُّ ينثرُ في رباها جوهرا

وقال ابن شهيد :  

الملحفين رداء الشمس مجدهم        والمنعلين الثريا أخمص القدم

وقال ابن عبد ربه :  

يا مَن عليهِ رداءُ البأسِ والجودِ      من جودِ كفِّكَ يجري الماءُ في العودِ

وقال ابن هانئ الأندلسي :       

لبستُ رداءَ المشيبِ الجديدَ        و لكنّها جدَّةٌ للبلى

 وقال :                  

تكون منَ القُدس حَوباؤه        ونُقْبتُه من رِداء الضُّحى

وقال الأبيوردي :       

وَلَّما رَأَيْنا رِداءَ الدُّجَى         لقىً بيدِ الفجرِ عنا يُشق

وقال :                 

وَكُلُّ رُدَيْنِيٍّ كَأَنَّ سِنانَهُ      يَعُطُّ رِداءَ اللَّيْلِ عَنْهُمْ بِنِبْراسِ

وقال :        

وَتُضيءُ في هَبَواتِهِ صَفَحاتُهُمْ       كَالفَجْرِ يَخْطِر في رِداءِ ظَلامِ

وقال الأخطل :     

هُما أخوانِ يصْطَليانِ ناراً        رداءُ الموت بينهما جديدُ

وقال الباخرزي :       

أعادَ طرازَ رداءِ الهوى          ولكن تردى وشيكَ الهويّ

وقال البرعي :         

أكاتمُ عنهمُ عبراتِ وجدي          و أختلقُ السلوَّ لهمْ رداءَ

وقال الحسن بن هانئ :  

لبسْتَ رداءَ الفَخْرِ في صُلْبِ آدمٍ        فما تنْتَهي إلاّ إليْكَ المفاخِرُ

وقال الحكم بن أبي الصلت :   

بات يسقيني إلى أن تردى    منكب الليل رداء الصباح

وقال السري الرفاء :       

ورُبَّ زَمانٍ سحَبْنا به       رِداءَ البِطالَةِ سَحبَ الرِّداءِ

وقال :                 

رُدَّا عليه رِداءَ اللَّومِ فيهو إنْ        رَدَّ الحنينَ أنيناً و الدموعَ دَما

وقال :                 

و ما لرياحِها العَطِراتِ ردَّت        رِداءَ الحِلمِ ودَّرَعت سَفاها

وقال السيد الحميري :  

اتبصر ما نقول وأنت كهل       تراك عليك من ورع رداء

وقال الشريف الرضي :   

وَشَمسٍ خَلَعناها عَلَيكَ مَرِيضَةً      وكنا لبسناها رداء موردا

وقال :          

علي رداء من جمالك واسع            وعندي عز من جلالك خالد

وقال :           

تحمل الشرف العالي وكم شرف         غَطّى عَلَيهِ رِداءُ العَيّ وَالخَطَلِ

وقال :                

تجللت فيه رداء الظلام       وَسِرْتُ ، وَحَاشِيَتَاهُ الهِمَمْ

وقال الشريف المرتضى :  

أطاعَكَ والشَّبابُ له رِداءٌ         فكيف تراه إذ خلع الشّبابا ؟

وقال :                     

وكم ليلةٍ بِتنا برغمِ رقيبنا         علينا من التّقوى رداءٌ مسهّمُ

وقال حيدر بن سليمان الحلي :    

ضرباً رداءُ الحرب يبدو           الخدرَ آمنةً منيعه

وقال دعبل بن علي :  

إِنَّ المشِيبَ رِداءُ الحِلمِ والأَدبِ       كما الشبابُ رداءُ اللَّهوِ واللعبِ

وقال سبط ابن التعاويذي : 

ليالي لم يُخْلِقْ رداءُ شَبيبَتي      وَلَمْ تُخْلِفِ لْبِيضُ لْحِسَانُ مَوَاعِيدي

وقال صفي الدين الحلي :    

كأنهُ شمسُ النهارِ        في رداءِ الشفقِ

وقال عبدالغفار الأخرس : 

وما زال حتى صوَّب النجم وانطوى      رداءُ ظلام الليل بعد انتشاره

وقال علي الجارم :    

كلامٌ من اللّه المهيمن روحُه    ومن حلل الفُصحى عليه رداءُ

وقال :              

طرحنا رداءَ اليأسِ عنَّا بَوَاسلاً       وإنْ هزّنا يومُ العِراقِ وَإِنْ أدّا

 

رداء حقيقي !

        

ومع كل هذا ، يأتي مَن يتحدث ، باسم السلف الصالح  ، فيقول :

         [  وفي الحديث الآخر : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدًا منهما عذبته فالعظمة إزار الله ، والكبرياء رداؤه .

وأخطأ العَيْنِيّ - رحمه الله - لما قال: ( إن هذا الحديث من المتشابهات، إذ لا رداء حقيقة، ولا وجه ) فهذا خطأ والصواب أن الحديث من الواضحات، وهو رداء حقيقي، ووجه حقيقي ] ! !

ولا أدري حقيقة ، ماذا يعني بقوله : رداء حقيقي ؟ ! هل يقصد : أن لله تعالى رداء ؟ ! تعالى الله عن أن يشبه خلقه علواً كبيراً ! !

وهل لكل تلك المعاني – التي جاءت في أشعار الشعراء – أردية حقيقية ، ولكن لا ندري كيفيتها ؟ !

رداء العلم ، والحلم ، والتقى ، والغمام ، والشعر ، والأحلام ، والسحر ، والظلام ، والمعالي ، والملك ، والحسن ، والموت ، والهوى ، والشجاع ، والذل ، والليل ، و. . . و . . . إلخ ؟ ! 

 

 

شعاره ودثاره الزّهْد والورع !

        

وقال الإمام ابن فورك ، رحمه الله تعالى :

         [  وَأعلم أَن معنى قَوْله الْكِبْرِيَاء رِدَائي وَالْعَظَمَة إزَارِي

أَي ذَلِك صفة من صفاتي وَأَنا الْمُخْتَص بِهِ دون غَيْرِي

فَمن نَازَعَنِي فِي ذَلِك بِأَن تكبر وتعظم على النَّاس أدخلته

وَهَكَذَا كَمَا تَقول الْعَرَب إِن فلَانا شعاره ودثاره الزّهْد والورع

أَي صفته ونعته وَلَيْسَ يُرِيد بذلك نفس الشعار وَلَا عين الدثار

وَأعلم أَن الْعَرَب قد تعبر مرّة بالرداء عَن الدّين

وَمرَّة بالرداء عَن السَّيْف

وَمرَّة بالرداء عَن الْعَطِيَّة

فَيَقُولُونَ فلَان غمر الرِّدَاء إِذا كَانَ وَاسع الْعَطِيَّة وَإِن كَانَ قصير الرِّدَاء

وَكَذَلِكَ يعبرون عَن صِفَاته بالرداء فَيَقُولُونَ رِدَاء فلَان وَإِزَاره الفسوق والمروق عَن الطَّاعَة أَي نَعته وَصفته

قَالَ كثير (غمر الرِّدَاء إِذا تَبَسم ضَاحِكا ... غلقت لضحكته رِقَاب المَال)

وَقد يجْعَلُونَ الرِّدَاء الْحسن والنضارة إِذا كَانَ ذَلِك ونعته صفته كَمَا قَالَ الْقَائِل

( وَهَذَا رِدَائي عِنْده يستعيره ... ليسلبني نَفسِي آمال بن حنظل ) يَعْنِي يَا مَالك بن حَنْظَلَة

وَقد قيل فِي معنى الرِّدَاء الَّذِي هُوَ الدّين مَا حكى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ

من أَرَادَ الْبَقَاء وَلَا بَقَاء فليخفف الرِّدَاء وليباكر الْغَدَاء وَليقل غشيان النِّسَاء

قَالَ بَعضهم أَرَادَ بِهِ الدّين أَو يسمون السَّيْف رِدَاء لِأَنَّهُ يتقلد كَمَا يرتدي بالرداء توسعا ] ([531]) .

 

لا يكادون يفقهون قولاً !

        

فكل لغة في العالم ، فيها الكناية ، والاستعارة ، والمجاز ، و . . . و . . . إلخ ، ولا سيما اللغة العربية ، التي نزل بها القرآن .

         وهذا معروف بداهة ، لا يحتاج إلى أدلة ، وبراهين !

ولكن ماذا تقول لأناس كلهم كأنهم كاتب الحجاج ، لا يكادون يفقهون قولاً ! !

         وإذا كانوا كذلك ، فحرام عليهم التدخل في أمور العلماء ، والأئمة ، والتحدث باسم الإسلام ، ولا سيما في باب العقيدة والإيمان ! !

         وإننا لنرى أردأ المهن ، والأعمال ، لا يتدخل فيها غير أصحابها ، ولا يمتهنها ويعالجها ، إلا ذو خبرة فيها !

ثم هل يستطيع غير الطبيب ، الذي تخرج في كلية الطب ، ودرس ، ومارس مهنة الطب ،  أن يفتح عيادة ، ويطبب الناس ؟ !

         هل يستطيع غير المتخرج في كلية الهندسة ، أن يخطط لبناء الجسور ، والعمارات ، ويتدخل في ذلك ؟

         هل يستطيع الخباز أن يمارس مهنة القصاب ؟ والعكس كذلك ؟ وهل يحسن العطار صنعة النجار ؟

         فلماذا يُحترم الاختصاص في كل ميدان ، إلا في مجال هذا الدين ؟

فقد أصبح الإسلام كلأً مباحاً لكل مَن هبَّ ودبّ ؟

         مَن لا يعرف أن يعرب جملة عربية ، فإذا هو يتبوأ منصب الإفتاء ، والدعوة ، والقضاء ، يشرح الناس ، ويحكم على أئمة ، وعلماء الأمة ، بالبدعة ، والانحراف ، والشرك ، ففطوره ، وغداءه  وعشاءه ، لحوم العلماء ، والصالحين ، المسمومة ! !

         فلذلك تراه ، قاس القلب ، غليظ الكبد ، لا خشوع ، ولا ورع ، ولا تقوى ،

لأن تلك اللحوم المسمومة ، قد قتلت قلبه ، الذي هو منبع التقوى ؛ ( التقوى ههنا ، حيث أشار النبيّ r ، إلى صدره ! ) فجف النبع ، وأصبح قلبه ، صفواناً صلداً ! !

         ولا يحسبنّ أولئك ، أن هذه المعصية تمر بلا حساب ، سواء في الدنيا ، أو في الآخرة ! فإن الله يمهل ، ولا يهمل !

وهذا دين الله تعالى ، ليس لعبة ، بأيد المجازفين ، والغافلين ! !

ولو أنهم اعترفوا ، بأنهم لا يعلمون ، لقلنا معذورين بالجهل ، حتى يتعلموا !

أما أنهم يتعالمون ، ويدّعون العلم ، والمعرفة ! وليس هذا فحسب ، بل يخطئون ، ويضللون الأئمة ، والعلماء ، والصالحين  فهذا هو الذنب العظيم ، الذي لا بد لمحوه ، من الاستغفار الكثير ، والندم ، والتوبة النصوح !

هل يوحّد الله تعالى ، مَن يقول : إن لله رداء حقيقي ؟ !

وهل يوحّد الله تعالى ، مَن يقول : إن الله استقر ،  بمعنى الجلوس على العرش المخلوق ؟ !

رحمة الله تعالى ، على مَن قال ، عن الله تعالى :

         [ لا يماثل موجوداً ، ولا يماثله موجود ، ليس كمثله شيء ، ولا هو مثل شيء ، وأنه لا يحده المقدار ، ولا تحويه الأقطار ، ولا تحيط به الجهات ، ولا تكتنفه الأرضون ، ولا السماوات ،

وأنه استوى على العرش ، على الوجه الذي قاله ، وبالمعنى الذي أراده ، استواء منزهاً عن المماسة ، والاستقرار ، والتمكين ، والحلول ، والانتقال ، لا يحمله العرش ، بل العرش ، وحملته ، محمولون بلطف قدرته ، ومقهورون في قبضته ،

وهو فوق العرش ، والسماء ، وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى ، فوقية ، لا تزيده قرباً إلى العرش ، والسماء ، كما لا تزيده بعداً عن الأرض ، والثرى ، بل هو رفيع الدرجات ، عن العرش ، والسماء ، كما أنه رفيع الدرجات عن الأرض ، والثرى .

 وهو مع ذلك قريب ، من كل موجود ، وهو أقرب إلى العبد ، من حبل الوريد ، وهو على كل شيء شهيد ، إذ لا يماثل قربه ، قرب الأجسام ، كما لا تماثل ذاته ، ذات الأجسام ، وأنه لا يحل في شيء ، ولا يحل فيه شيء ،

تعالى أن يحويه مكان ، كما تقدّس أن يحدّه زمان ، بل كان قبل أن خلق الزمان ، والمكان ، وهو الآن على ما عليه كان ، وأنه بائن عن خلقه بصفاته ، ليس في ذاته سواه ، ولا في سواه ذاته ،

وأنه مقدّس عن التغيّر ، والانتقال ، لا تحله الحوادث ، ولا تعتريه العوارض ، بل لا يزال في نعوت جلاله ، منزهاً عن الزوال ، وفي صفات كماله ، مستغنياً عن زيادة الاستكمال ] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ما الذي دعا رسول الله r إلى إطلاق هذه الألفاظ الموهمة ؟ !

        

قال الإمام أبو حامد الغزالي ، رحمه الله تعالى :

         [  إن قـال قائل : ما الذي دعا رسول الله r إلى إطلاق هذه الألفاظ الموهمة مع الاستغناء عنها،

أكان لا يدري أنه يوهم التشبيه ويغلط الخلق ويسوقهم إلى اعتقاد الباطل في ذات الله تعالى وصفاته ،

وحاشا منصب النبوة أن يخفى عليه ذلك ،

أو عرف لكن لم يبال بجهل الجهال وضلالة الضلال ،

وهذا أبعد وأشنع

لأنه بُعث شارحاً لا مبهماً ، ملبساً ملغزاً ،

وهذا إشكال له وقع في القلوب حتى جرَّ بعض الخلق إلى سوء الاعتقاد فيه

فقالوا : لو كان نبيّاً لعرف الله ولو عرفه لما وصفه بما يستحيل عليه في ذاته وصفاته ،

ومالت طائفة أخرى إلى اعتقاد الظواهر ، وقالوا : لو لم يكن حقاً لما ذكره كذلك مطلقاً ولعدل عنها إلى غيرها أو قرنها بما يزيل الايهام عنها في سبيل حل هذا الاشكال العظيم ] .

 

ما جمعها دفعة واحدة !

         [ الجواب : أن هذا الاشكال منحل عند أهل البصيرة ،

وبيانه : أن هذه الكلمات ما جمعها رسول  الله r دفعة واحدة وما ذكرها ،

وإنما جمعها المشبهة

وقد بيّنا أن لجمعها من التأثير في الايهام والتلبيس على الأفهام ما ليس لآحادها المفرقة ،

 وإنما هي كلمات نهج بها في جميع عمره في أوقات متباعدة

وإذا اقتصر منها على ما في القرآن والأخبار المتواترة رجعت إلى كلمات يسيرة ،

وإن أضيفت إليها الأخبار الصحيحة فهي أيضاً قليلة ،

وإنما كثرت الروايات الشاذة الضعيفة التي لا يجوز التعويل عليها ،

ثم ما تواتر منها إن صح نقلها عن العدول ، فهي آحاد كلمات وما ذكر r كلمة منها إلا مع قرائن وإشارات يزول معها إيهام التشبيه

وقد أدركها الحاضرون المشاهدون ، فإذا نقل الألفاظ مجردة عن تلك القرائن ظهر الإيهام ،

 وأعظم القرائن في زوال الإيهام المعرفة السابقة بتقديس الله تعالى عن قبول هذه الظواهر ،

 ومن سبقت معرفته بذلك كانت تلك المعرفة ذخيرة له راسخة في نفسه مقارنة لكل ما يسمع ، فينمحق معه الإيهام انمحاقاً لا يشك فيه ،

ويعرف هذا بأمثلة : ]

 

يوهم عند الصبيان وعند من تقرب درجتهم منهم !

        

[ الأول : أنه r سمى الكعبة بيت الله تعالى ،

وإطلاق هذا يوهم عند الصبيان وعند من تقرب درجتهم منهم أن الكعبة وطنه ومثواه ،

لكن العوام الذين اعتقدوا أنه في السماء وأن استقراره على العرش ( [532] )  ينحمق في حقهم هذا الإيهام على وجه لا يشكون فيه ،

فلو قيل لهم : ما الذي دعا رسول الله r إلى إطلاق هذا  اللفظ الموهم المخيل إلى السامع أن الكعبة مسكنه

لبادروا بأجمعهم ، وقالوا : هذا إنما يوهم في حق الصبيان والحمقى .

أما من تكرر على سمعه أن الله مستقر ([533]) على عرشه ، فلا يشك عند سماع هذا اللفظ أنه ليس المراد به أن البيت مسكنه ومأواه ،

بل يعلم على البديهة أن المراد بهذه الإضافة تشريف البيت أو معنى سواه غير ما وضع له لفظ البيت المضاف إلى ربه وساكنه .

أليس كان اعتقاده أنه على العرش قرينة أفادته علماً قطعياً بأنه ما أريد بكون الكعبة بيته إنه مأواه ،

وإن هذا إنما يوهم في حق من لم يسبق إلى هذه العقيدة ،

فكذلك رسول الله r خاطب بهذه الألفاظ جماعة سبقوا إلى علم التقديس ونفي التشبيه وإنه منزه عن الجسمية وعوارضها ،

وكان ذلك قرينة قطعية مزيلة للإيهام لا يبقى معه شك ، وإن جاز أن يبقى لبعضهم تردد في تأويله وتعيين المراد به من جملة ما يحتمله اللفظ ويليق بجلال الله تعالى ] .

 

بين يدي الصبي أو العامي !

         [ المثال الثاني : إذا جرى لفقيه في كلامه لفظ الصورة بين يدي الصبي أو العامي

فقال : صورة هذه المسألة كذا وصورة الواقعة كذا ، ولقد صورت للمسألة صورة في غاية الحسن

 ربما توهم الصبي أو العامي الذي لا يفهم معنى المسألة أن المسألة شيء له صورة ،

وفي تلك الصورة أنف وفم وعين على ما عرفه واشتهر عنده ،

أما من عرف حقيقة المسألة

وإنها عبارة عن علوم مرتبة ترتيباً مخصوصاً ، فهل يتصور أن يفهم عيناً وأنفاً وفماً كصورة الأجسام ؟ هيهات .

بل يكفيه معرفته بأن المسألة منزهة عن الجسمية وعوارضها ،

فكذلك معرفة نفي الجسمية عن الإله وتقدسه عنها تكون قرينة في قلب كل مستمع مفهمة لمعنى الصورة في قوله خلق الله آدم على صورته

ويتعجب العارف بتقديسه عن الجسمية ممن يتوهم لله تعالى الصورة الجسمية ، كما يتعجب ممن يتوهم للمسألة صورة جسمانية ] .

 

قال بين يدي الصبي بغداد في يد الخليفة !

        

[ المثال الثالث : إذا قال القائل : بين يدي الصبي بغداد في يد الخليفة

ربما يتوهم أن بغداد بين أصابعه ، وإنه قد احتوى عليها براحته كما يحتوي على حجره ومدره ،

وكذلك كل عامي لم يفهم المراد بلفظ بغداد .

أما من علم أن بغداد عبارة عن بلدة كبيرة هل يتصور أن يخطر له ذلك أو يتوهم

وهل يتصور أن يعترض على قائله ويقول : لماذا قلت بغداد في يد الخليفة ؟ وهذا يوهم خلاف الحق ويفضي إلى الجهل حتى يعتقد أن بغداد بين أصابعه

بل يقال له : يا سليم القلب هذا إنما يوهم الجهل عند من لا يعرف حقيقة بغداد ،

فأما من علمه فبالضرورة يعلم أنه ما أريد بهذه اليد العضو المشتمل على الكف والأصابع بل معنى آخر ولا يحتاج في فهمه إلى قرينة سوى هذه المعرفة ،

فكذلك جميع الألفاظ الموهمة في الأخبار يكفي في دفع إيهامها قرينة واحدة وهي معرفة الله ،

وإنه ليس بجسم وليس من جنس الأجسام ،

وهذا مما افتتح رسول الله r بنيانه في أول بعثته قبل النطق بهذه الألفاظ ] .

 

 

فلما نقل اللفظ مجرداً عن قرينته حصل الإيهام !

        

[ المثال الرابع : قال رسول الله r في نسائه : (( أطولكن يداً أسرعكن لحاقاً بي )) ( [534] ) ،

فكان بعض نسوته يتعرف الطول بالمساحة ووضع اليد على اليد ( [535] ) ،

حتى ذكر لهن أنه أراد بذلك السماحة في الجود دون الطول للعضو ،

وكان رسول الله r ذكر هذه اللفظة مع قرينة أفهم بها إرادة الجود بالتعبير بطول اليد عنه ، فلما نقل اللفظ مجرداً عن قرينته حصل الإيهام ،

فهل كان لأحد أن يعترض على رسول الله r في إطلاقه لفظاً جهل بعضهم معناه ؟ إنما ذلك لأنه أطلق إطلاقاً مفهماً في حق الحاضرين مقروناً مثلاً بذكر السخاوة ،

والناقل قد ينقل اللفظ كما سمعه ولا ينقل القرينة ،

أو كان بحيث لا يمكن نقلها ،

أو ظن أنه لا حاجة إلى نقلها ، وأن من يسمع يفهمه كما فهمه هو لما سمعه ،

فربما لا يشعر أن فهمه إنما كان بسبب القرينة ، فلذلك يقتصر على نقل اللفظ ،

فبمثل هذه الأسباب بقيت الألفاظ مجردة ، عن قرائنها فقصرت عن التفهيم

مع أن قرينة معرفة التقديس بمجردها كافية في نفي الإيهام ،

وإن كانت ربما لا تكفي في تعيين المراد به .

فهذه الدقائق لا بدّ من التنبه لها كالمثال الخامس ] .

 

لم يمارس الأحوال ، ولا عرف العادات في المجالسات !

        

[ إذا قال القائل بين يدي الصبي ومن يقرب منه درجة ممن لم يمارس الأحوال ، ولا عرف العادات في المجالسات :

فلان دخل مجمعاً وجلس فوق فلان

ربما يتوهم السامع الجاهل الغبي أنه يجلس على رأسه أو على مكان فوق رأسه ،

ومن عرف العادات وعلم أن ما هو أقرب إلى الصدر في الرتبة ،

وأن الفوق عبارة عن العلو

يفهم منه أنه جلس بجنبه لا فوق رأسه ، لكن جلس أقرب إلى الصدر ،

فالاعتراض على من خاطب بهذا الكلام وأهل المعرفة بالعادات من حيث أنه يجهله الصبيان أو الأغبياء اعتراض باطل لا أصل له ، وأمثلة ذلك كثيرة .

فقد فهمت على القطع بهذه الأمثلة أن هذه الألفاظ الصريحة انقلبت مفهوماتها عن أوضاعها الصريحة بمجرد قرينة ،

ورجعت تلك القرائن إلى معارف سابقة ومقترنة ،

فكذلك هذه الظواهر الموهمة انقلبت عن الإيهام بسبب تلك القرائن الكثيرة التي بعضها هي المعارف ،

والواحدة منها معرفتهم أنهم لم يؤمروا بعبادة الأصنام ،

وأن من عبد جسماً فقد عبد صنماً

كان الجسم صغيراً أو كبيراً ، قبيحاً أو جميلاً ، سافلاً أو عالياً على الأرض أو على العرش ،

 وكان نفي الجسمية ونفي لوازمها معلوماً لكافتهم على القطع بإعلام رسول الله r المبالغة في التنزيه

بقوله : ( ليس كمثله شيء ) . وسورة الإخلاص وقوله : ( فلا تجعلوا لله أنداداً ) .

وبألفاظ كثيرة لا حصر لها مع قرائن قاطعة لا يمكن حكايتها ، وعلم ذلك إلا علماً لا ريب فيه

وكان ذلك كافياً في تعريفهم استحالة يد هي عضو مركب من لحم وعظم ،

وكذا في سائر الظواهر لأنها لا تدل إلا على الجسمية وعوارضها لو أطلق على جسم

ولو أطلق على غير الجسم على ضرورة أنه ما أريد به ظاهره

بل معنى آخر مما يجوز على الله تعالى ، بما يتعين ذلك المعنى وربما لا يتعين ، فهذا مما يزيل الإشكال ] .

 

 

إنما كلم الناس بلغة العرب !

        

فإن قيل : فلم لم يذكر بألفاظ ناصة عليها بحيث لا يوهم ظاهرها جهلاً ولا في حق العامي والصبي ؟

         قلنا : لأنه إنما كلم الناس بلغة العرب ، وليس في لغة العرب ألفاظ ناصة على تلك المعاني ،

 فكيف يكون في اللغة لها نصوص وواضع اللغة لم يفهم تلك المعاني ، فكيف وضع لها النصوص

بل هي معان أدركت بنور النبوة خاصة أو بنور العقل بعد طول البحث ،

وذلك أيضاً في بعض تلك الأمور لا في كلها ،

فلما لم يكن لها عبارات موضوعة كان استعارة الألفاظ من موضوعات اللغة ضرورة كل ناطق بتلك اللغة ،

كما أنا لا نستغني عن أن نقول صورة هذه المسألة كذا وهي تخالف صورة المسألة الأخرى ، وهي مستعارة من الصورة الجسمانية ،

لكن واضع اللغة لما لم يضع لهيئة المسألة وخصوص ترتيبها إسماً نصاً

إما لأنه لم يفهم المسألة أو فهم ، لكن لم تحضره

أو حضرته لكن لم يضع لها نصاً خاصاً اعتماداً على إمكان الاستعارة

أو لأنه علم أنه عاجز عن أن يضع لكل معنى لفظاً خاصاً ناصاً ،

لأن المعاني غير متناهية العدد

والموضوعات بالقطع يجب أن تناهي

فتبقى معان لا نهاية لها يجب أن يستعار اسمها من الموضع ،

فاكتفى بوضع البعض

وسائر اللغات أشد قصوراً من لغة العرب ،

فهذا وأمثاله من الضرورة يدعو إلى الاستعارة لمن يتكلم بلغة قوم إذ لا يمكنه أن يخرج عن لغتهم .

كيف ، ونحن نجوز الاستعارة حيث لا ضرورة اعتماداً على القرائن ،

فإنا لا نفرق بين أن يقول القائل : جلس زيد فوق عمرو ، وبين أن يقول جلس أقرب منه إلى الصدر ،

وأن بغداد في ولاية الخليفة أو في يده

إذا كان الكلام مع العقلاء ،

وليس في الإمكان حفظ الألفاظ عن إفهام الصبيان والجهال ،

فالاشتغال بالاحتراز عن ذلك ركاكة في الكلام وسخافة في العقل وثقل في اللفظ ] .

 

لو ذكره لنفر الناس عن قبوله !

         [ فإن قيل : فلم لم يكشف الغطاء عن المراد بإطلاق لفظ الإله ولم يقل إنه موجود ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا هو داخل العالم ولا خارجه ولا متصل ولا منفصل ولا هو في مكان ولا هو في جهة ، بل الجهات كلها خالية عنه ([536]) ،

فهذا هو الحق عند قوم ، والإفصاح عنه كذلك ، كما أفصح عنه المتكلمون ممكن ولم يكن في عبارته r قصور ، ولا في رغبته في كشفه الحق فتور ، ولا في معرفته نقصان ؟

         قلنا : من رأى هذا حقيقة الحق اعتذر بأن هذا لو ذكره لنفر الناس عن قبوله ،

ولبادروا بالإنكار وقالوا : هذا عين المحال ووقعوا في التعطيل ([537])

ولا خير في المبالغة في تنزيه ينتج التعطيل في حق الكافة إلا الأقلين ،

وقد بُعث رسول الله r داعياً للخلق إلى سعادة الآخرة رحمة للعالمين . كيف ينطق بما فيه هلاك الأكثرين ،

بل أمر أن لا يكلم الناس إلا على قدر عقولهم ، وقال r : (( مَن حدَّث الناس بحديث لا يفهمونه كان فتنة على بعضهم )) أو لفظ هذا معناه .

         فإن قيل : إن كان في المبالغة في التنزيه خوف التعطيل بالإضافة إلى البعض

ففي استعماله الألفاظ الموهمة خوف التشبيه بالإضافة إلى البعض .

         قلنا : بينهما فرق من وجهين :

         أحدهما : أن ذلك يدعو إلى التعطيل في حق الأكثرين ،

وهذا يعود إلى التشبيه في حق الأقلين ،

وأهون الضررين أولى بالاحتمال ، وأعظم الضررين أولى بالاجتناب .

         والثاني : أن علاج وهم التشبيه أسهل من علاج التعطيل .

إذ يكفي أن يقال مع هذه الظواهر : ( ليس كمثله شيء ) . وأنه ليس بجسم ولا مثل الجسم .

وأما اثبات موجود في الاعتقاد على ما ذكرناه من المبالغة في التنزيه شديد جداً ،

بل لا يقبله واحد من الألف لا سيما الأمة العربية ] .

 

ربما يغلط الأغبياء في فهمها !

         [ فإن قيل : فعجز الناس عن الفهم هل يمهد عذر الأنبياء في أن يثبتوا في عقائدهم أموراً على خلاف ما هي عليها ليثبت في اعتقادهم أصل الإلهية حتى توهموا عندهم مثلاً أن الله مستقر على العرش وأنه في السماء وأنه فوقهم فوقية المكان ؟

         قلنا : معاذ الله أن نظن ذلك أو يتوهم بنبيّ صادق أن يصف الله بغير ما هو متصف به ، وأن يلقى ذلك في اعتقاد الخلق ،

فإنما تأثير قصور الخلق في أن يذكر لهم ما يطيقون فهمه وما لا يفهمونه . فيكف عنه فلا يعرفهم بل يمسك عنهم ، وإنما ينطق به مع من يطيقه ويفهمه ويحسن في ذلك علاج عجز الخلق وقصورهم ولا ضرورة في تفهيمهم خلاف الحق قصداً لا سيما في صفات الله .

نعم ، به ضرورة في استعمال الألفاظ مستعارة ربما يغلط الأغبياء في فهمها ، وذلك لقصور اللغات وضرورة المحاورات .

فأما تفهيمهم خلاف الحق قصداً إلى التجهيل فمحال ، سواء فرض فيه مصلحة أو لم تفرض .

         فإن قيل : قد جهل أهل التشبيه جهلاً يستند إلى ألفاظه في الظواهر تفضي إلى جهلهم ، فمهما جاء بلفظ مجمل ملبس فرضي به لم يفترق الحال بين أن يكون مجرد قصده إلى التجهيل ، وبين أن يقصد التجهيل مهما حصل التجهيل ، وهو عالم به وراض .

         قلنا : لا نسلم أن جهل أهل التشبيه حصل بألفاظه ،

بل بتقصيرهم في كسب معرفة التقديس وتقديمه على النظر في الألفاظ ،

ولو حصلوا تلك المعرفة أولاً وقدموها لما جهلوها ،

كما أن من حصل علم التقديس لم يجهل عند سماعه صورة المسألة ،

وإنما الواجب عليهم تحصيل هذا العلم ،

ثم مراجعة العلماء إذا شكوا في ذلك ،

ثم كف النفس عن التأويل والزامها التقديس . إذا رسم لهم العلماء ،

فإذا لم يفعلوا جهلوا

وعلم الشارع بأن الناس طباعهم الكسل والتقصير والفضول بالخوض فيما ليس من شأنهم ليس رضاً بذلك ولا سعياً في تحصيل الجهل ، لكنه رضاً بقضاء الله وقدره في قسمته حيث قال :        ( وتمت كلمة ربّك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) ( [538] ) . وقال :

( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ) ( [539] ) . ( ولو شاء ربك لآمن مَن في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ( [540] ) .

( وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ) ( [541] ) .

 ( ولا يزالون مختلفين . إلا مَن رحم ربّك ولذلك خلقهم ) ( [542] )  .

فهذا هو القهر الإلهي في فطرة الخلق ولا قدرة للأنبياء في تغيير سنته التي لا تبديل لها ] ([543])

 

 

منهج أهل البدع !

         ومعظم أهل البدع ( أمثال الخوارج ، والقدرية ، والجبرية ، وغيرهم )  – على مدار التاريخ – ظاهر النصوص ، هو مستندهم ، في بدعتهم ، وضلالهم !

         أنظر إلى أدلة الخوارج ، في تكفير أهل الكبائر ، وفرّق بين منهجهم ، ومنهج الذين يأخذون بظاهر الآيات ، والأحاديث المتشابهة ، في صفات الله تعالى ، فهل ترى اختلافاً بين المنهجين ؟ !

         1 – في تكفير القاتل المتعمد ، وخلوده في النار :

          إعتمادهم الأساس في ذلك ، قول الله تعالى : (  وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا  ) ( [544] ) .

         2 – في تكفير تارك الحج ، لمن استطاع إليه سبيلا :

         قول الله تعالى : (  وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) ( [545] ) .

         3 – في تكفير من لم يحكم بما أنزل الله :

         قول الله تعالى : (  وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) ( [546] ) .

         4 – في نفي الإيمان عن الزاني ، وشارب الخمر ، والسارق :

         قول النبيّ r :  (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو   مؤمن )) ( [547] ) .

 

 

 

         5 – قتال المسلم ، كفر :

         قول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : (( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )) ( [548] )  .

وقوله صلى الله عليه وسلم: (( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )) ( [549] )  .

         6 – المنتحر خالد في النار :

         قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً فيها أبداً ،

ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً فيها أبداً ،

ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً )) ( [550] ) .

 

         7 – تارك الصلاة مشرك ، وكافر :

         قول رسول الله r : (( إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ )) ( [551] ) .

         ولقد سقط هؤلاء في هاوية التكفير ، بأخذهم بظاهر هذه الآيات ، والأحاديث ،

ولم يجمعوا جميع النصوص في الموضوع الواحد ، في موضع واحد ،

ولم يرجعوا الفروع إلى الأصول ، والمتشابهات إلى المحكمات , و . . . إلخ من قواعد ، وأصول الفهم ، والاستنباط ، كما فعل العلماء والأئمة !

         فلماذا هؤلاء هم من الضُلاّل ، والمبتدعة ، وهم يأخذون بظاهر النصوص ، وأولئك من أهل السنة والجماعة ، وأتباع السلف الصالح ، والمنهج هو نفس المنهج ؟ !

         وكذلك كان كل أهل الضلال ، والمبتدعة ، على مدار التاريخ ، يأخذون بنصوص متفرقة ، ويقطعونها عن قرائنها ، وأسباب نزولها ، وورودها ! !

         فهـل الذنب هـو ذنب النصوص من الآيات ، والأحاديث ، أم ذنب الفهم السقيم ، لتلك النصوص ؟ !

وإذا كان الذنب ، هو ذنب النصوص ، فلماذا لم يفهم الناس جميعهم منها ذلك الفهم السقيم ؟ ! 

 

 

العقيدة التي جاء بها القرآن عقيدة عملية !

        

قال الدكتور محمد عياش الكبيسي :

         [  إن العقيدة التي جاء بها القرآن عقيدة عملية ،

ونقصد أن القرآن جاء بعقيدة متناسبة مع واقع الإنسان

من حيث قدرته العقلية والروحية والنفسية ،

ومن حيث الوظيفة التي كلف بها هذا الإنسان ،

فمسائل العقيدة كلها في القرآن دافعة للإنسان لتحقيق الغاية التي من أجلها خلقه الله – تبارك وتعالى-

ومن اجلها أنزله على هذه الأرض .

وليس في القرآن ما يذهب بالإنسان بعيداً عن ميدان التكليف ،

نعم قد يتحدث القرآن عن الغيب

لكن لا يتحدث إلا بالمقدار الذي يثمر عملاً صالحاً وسلوكاً حسناً ،

فهو لا يتحدث عن الغيب حديثاً فلسفياً نظرياً ،

ولنأخذ بعض الأمثلة من الغيب القرآني :

1-    في فصل “الأسماء والصفات” لا تجد اسماً لله تعالى أخبرنا الله به إلا وله تأثير عملي

في سلوك الإنسان :

فالعاصي الذي يردد : الله ، الرحمن ، الرحيم ، الغفور الودود ، لا شك أنه يتيقن أن معصيته لن تحول بينه وبين الخير أبداً ، فليستغفر وليتب ولا ييأس ولا يقنط ،

وإذا ردد المكابر المعاند : الله ، القوي ، الجبار ، القهار ، شديد العقاب .. ونحو هذا فإن هيبة هذه الأسماء تحطم كبرياءه في داخله، وتقوده إلى الميدان الصحيح ،

وإذا ردد الجاهل الغافل : الله ، العليم ، السميع ، البصير ، وعرف معنى هذه الأسماء فقد يؤوب لرشده ،

فهذه الأسماء كلها واضحة المعنى بينة التأثير.

ولكن ماذا لو حدثنا الله عن العلم أهو هو ؟ أم هو غيره ؟ أم لا هو هو ولا هو غيره ؟

إن القرآن يستطيع أن يجيبنا عن هذه الأسئلة ، ولكن لماذا يجيبنا ؟ بل لماذا نسأل ؟ ! فإذ لا فائدة عملية فإن القرآن يسكت ] .

 

الصفات الخبرية ليست هي التي فرقت المتكلمين !

 

[ ربما يقول قائل : كيف بالصفات الخبرية ، التي اختلف فيها المتكلمون، وكانت سبباً في

صراعهم ، وشقاقهم ؟...

والحقيقة أن الصفات الخبرية ، ليست هي التي فرقت المتكلمين ، بدليل:

أ‌-      إن أخطر المسائل الخلافية ، وأولها لم يكن في الصفات الخبرية ،

 

بل في الصفات البينة الواضحة ،

 

لقد اختلفوا في صفة “ الكلام ” وصفة “ الإرادة ” ثم في باقي الصفات ومن وجوه

كثيرة ،

فمرة اختلفوا في معانيها وحقائقها ،

ومرة في زيادتها على الذات أو عدم زيادتها ،

ومرة في عددها... وهكذا .

ب - إن الصفات الخبرية نزلت في قوم أجناس وأشتات ، فيهم العلماء وفيهم الأميون،

فيهم المؤمنين المصدقون، وفيهم الكافرون المنافقون، وفيهم أهل البادية وأهل الحضر، وكل

هؤلاء لم يواجهوا هذه المشكلة التي واجهها المتأخرون  ،

وإذا كان المؤمنون سكتوا عنها إيماناً وتصديقاً أو ورعاً وأدباً فما الذي منع مشركي العرب أو أهل الكتاب من أن يثيروا هذه المشكلة ،

سيما أن القرآن تحداهم أيما تحدٍّ، وأظهر عجزهم أمام القاصي والداني ،

فلو كان في القرآن ألفاظ تستعصي على الفهم أو أنها تحتمل معاني بعيدة عن لسان العرب لما سكت هؤلاء عن إثارة هذه المشكلة ،

لكن سكوتهم بل وإقرارهم بفصاحة القرآن وبيانه دليل على أن الذي أحدثه المتكلمون من خلافات حول هذه الألفاظ لم يكن من طبيعة هذه الألفاظ وتركيبها ،

وإنما من فلسفات وتصورات مسبقة حاول المتكلمون أن يقرؤوا من خلالها نصوص القرآن فاضطربت الرؤية وتباينت الآراء .

إن الصفات الخبرية ليست مصطلحاً قرآنياً ،

وإنما هو اصطلاح أطلقه المتكلمون على بعض النصوص المتعلقة بالله – تعالى – ، والتي قد تأتي لقضية بعيدة عن محل التنازع ،

ولكن المتكلمين لا يعدمون وسيلة لإثارة الإشكالات حول هذه الآيات ،

مثلاً:

(  فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ . يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ . وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ . وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ .  ) ( [552] )  .

فإن السياق واضح ، والقضية التي جاء القرآن لبيانها بعيدة كل البعد عما تنازع فيه المتكلمون فيما بعد من قضايا غيبية متكلفة، لا ينبني عليها عمل ،

وليس هنا محل تفصيل هذه النزاعات ،

ونكتفي بما يشير إليه الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله –

« أما النصوص الأخرى فلا تحتاج إلى تأويل لأن المعنى فيها ظاهر، مثل قوله سبحانه :        ( تجري بأعيننا ) ، ( ولتُصنع على عيني ) ، ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا )

فلا يدور بخلد أحد أن السفينة بعين الله – سبحانه – ولا أن محمداً صلى الله عليه وسلم في عين الله ،

وإنما المراد بذلك أن السفينة تجري برعاية الله وعنايته وتسخيره لها وحفظه لها ،

وأن محمداً صلى الله عليه وسلم تحت رعاية مولاه وعنايته وحفظه وكلاءته ،

وهكذا قوله في حق موسى ( ولتُصنع على عيني )  أي تحت رعايتي وحفظي .

وقد أجاد وأفاد ] ([553]) .

 

كان له الأثر الكبير في استقامة الناس وسلوكهم !

 

ويقول الدكتور الكبيسي ، وهو يتحدث عن أسماء الله تعالى :

[  هذه الأسماء كررت في القرآن الكريم بصيغ كثيرة تعمل عملها في نفس القاريء وضميره

 فقد يأتي الاسم لوحده مصدرة به آية من كتاب الله كما في ( الرحمن . علّم القرآن . خلق الإنسان . علّمه البيان ) ( [554] ) 

و ( الله نور السموات والأرض ) ( [555] )

وتارة يختم القرآن آياته بإسمين كريمين يحملان دلالة مقصودة تناسب المقام فانظر مثلاً

( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله . والله عزيز حكيم ) ( [556] ) ،

ثم انظر : ( ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً ) ( [557] ) .

وهذه الأسماء لم تعزل في مبحث مستقل ، وانما بثت في القرآن في جميع أحكامه وقصصه ومواعظه ،

مما كان له الأثر الكبير في استقامة الناس وسلوكهم مسلك القرآن الشامل عقيدة وعبادة وأحكاماً وأخلاقاً .

وهذه الأسماء جاءت من البساطة والوضوح بحيث يفهمها الأمي على أميته ،

وأيم الله لقد كنت متهيباً مثل هذا البحث لأن مبحث الأسماء والصفات مبحث معقد لا يفهمه إلا الراسخون في العلم ، على خلاف بينهم ، وكنت أسأل نفسي لماذا يتضمن القرآن كل هذه المباحث الصعبة المعقدة ؟ !

وكيف فهمها بلال وأبو ذر وصهيب ؟ ! هذه المباحث التي دوّخت الأجيال المتعاقبة من أهل العلم . . كيف ؟ ! ولماذا ؟ !

ولكني حينما فتحت القرآن لأقرأه من جديد لأقرأ وأنا متجرد من مباحث هذه الأجيال ذهب الخوف وزالت الحيرة وأدركت أن الله الذي ملأ كتابه باسمه ( الرحمن ) واسمه ( الرحيم ) حاشاه أن يجعل كتابه نفسه مصدر قلق واضطراب وفرقة وشتات ، وأدركت أن التعقيد ليس من القرآن . . .

ولقد جاءت هذه الأسماء متناسبة مع وظيفة الإنسان على هذه الأرض

فهو مستخلف أجير ، وهذا الأجير بحاجة إلى أن يعرف من هو مالك هذه الأرض – ميدان عمله

وما هو اسمه الذي يناديه به ،

وبحاجة إلى أن يعلم أن الذي استأجره عالم به حتى لا يغش ولا يخادع ،

وأنه قادر عليه حتى لا يستهين ،

وأنه رحيم به حتى لاييأس ولا يقنط

فليس هذا المبحث مبحثاً نظرياً فلسفياً وإنما هو واقعي عملي يتطلبه واقع الإنسان على هذه الأرض ] ([558])  . 

فالله تعالى ، يتحدث لنا عن صفاته ، لنعرفه ، ونحبه ، ونخشاه ، ولا يتحدث لنا عن شكله ، ومكانه ، وهيئته ، سبحانه وتعالى عن ذلك ! !

 

التفريق بين الظاهر القاموسي والظاهر من السياق !

        

وقال الدكتور الكبيسي ، أيضاً :

         [  التفريق بين الظاهر القاموسي والظاهر من السياق ،

فإن لفظة (( أسد )) ظاهرها : الحيوان المفترس المعروف ، لكن هذا ظاهر قاموسي ،

فإذا قلنا : حمزة أسد الله ، فسيكون الظاهر من السياق ليس الحيوان وإنما الشجاعة ،

فتأويل الأسد هنا بالشجاعة هل هو خروجاً عن الظاهر ؟ !

نعم خروج عن الظاهر في القاموس (( الكلمة المجردة )) ولكن ليس خروجاً عن ظاهر النص ،

 ولهذا فقد تأتي نصوص ظاهرها مفهوم إلا أنه ليس بالضرورة أن يكون المعنى المفهوم هو المعنى القاموسي ،

فلو سألت بدوياً على بعيره ما معنى قوله – تعالى – (( فإنك بأعيننا )) فإنه سيقول لك إنها العناية والرعاية ، فهل هذا خروج بالنص عن ظاهره ؟ ! ] ([559]) .

 

فإذا قيل : عمرو أسد .

فهل من المعقول أن يأخذ البعض حيوانية الأسد  ، فيضيفها إلى عمرو ،  فيفهم : أنّ عمراً حيوان ! لأنّ الأسد حيوان ؟ !

أم أنّ العاقل يأخذ صفة الشجاعة ، التي اشتهر بها الأسد ، فيضيفها إلى عمرو ، فيفهم : أنّ عمراً شجاع ، لأنّ الأسد شجاع ؟ !

 

فالتفريق بين الظاهر القاموسي ، والظاهر السياقي مهم جداً .

والخلط بينهما ، وعدم التفرقة ، أربك البعض ، وأبعدهم عن فهم الكلام : فَهُم في وادٍ ، والمراد في وادٍ آخر !

         وذلك : كمثل صديقين ، ذهبا في سفرة لمخيّم في غابة ، فاستيقظ أحدهما عند منتصف الليل ، فأيقظ صاحبه ، وقال له : ماذا ترى ؟

                 قال : أرى نجوماً كثيرة .

       قال له صاحبه : وعلى ماذا تدل رؤيتك لهذه النجوم ؟

        قال : تدل على أن السماء مليئة بالنجوم !

      قال صاحبه : بل تدل على أنّ خيمتنا مسروقة يا مسكين !

     وكذلك الذي يخلط بين الظاهر القاموسي ، والظاهر السياقي !

 

 

 

 

 

 

مثال عن التخليط !

وانظر إلى هذا الخلط بين الظاهر القاموسي ، والظاهر السياقي ، في هذا المثال :           

يقول الله تعالى :

( فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ . يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ . وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ . وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ .  ) ( [560] )  .

        

         قال الإمام الطبري ، رحمه الله :

 

[ وقوله ( فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ )

 

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :

 

فـدع يـا محمـد هـؤلاء المشـركين حتـى يلاقـوا يومهـم الذي فيه يهلكون ، وذلك عند النفخة الأولى . . .

 

يعني جلّ ثناؤه بقوله ( يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ) يوم القيامة ، حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ،

ثم بين عن ذلك اليوم أيّ يوم هو ، فقال : يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئًا ، يعني :

 

مَكرهم أنه لا يدفع عنهم من عذاب الله شيئا ، فاليوم الثاني ترجمة عن الأوّل .

 

وقـولـه ( وَلا هُـمْ يُنْصَـرُونَ ) يقـول : ولا هـم ينصرهم نـاصـر، فيستقيد لهم ممن عذّبهم وعاقبهم . . .

إن الله تعالى ذكره أخبر أن للذين ظلموا أنفسهم بكفرهم به عذابا دون يومهم الذي فيه يصعقون ،

 

 وذلك يوم القيامة ، فعذاب القبر دون يوم القيامة ، لأنه في البرزخ ، والجوع الذي أصاب كفار

 

 قريش ، والمصائب التي تصيبهم في أنفسهم وأموالهم وأولادهم دون يوم القيامة ، ولم يخصص

 

 الله نوعا من ذلك أنه لهم دون يوم القيامة دون نوع بل عمّ فقال ( وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ

 

 ذَلِكَ ) فكلّ ذلك لهم عذاب ، وذلك لهم دون يوم القيامة، فتأويل الكلام : وإن للذين كفروا بالله

 

 عذابا من الله دون يوم القيامة ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) بأنهم ذائقو ذلك العذاب .

 

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ

 

 (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) }

 

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ) يا محمد الذي حكم به

 

 عليك ، وامض لأمره ونهيه ، وبلغ رسالاته ( فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) يقول جلّ ثناؤه :

 

فإنك بمرأى منا  نراك ونرى عملك ،  ونحن نحوطك ونحفظك ، فلا يصل إليك من أرادك بسوء من المشركين ] [561]  .

        

وقال الأستاذ سيد قطب ، رحمه الله :

 

[  يتجه بالخطاب إلى رسول الله r ، لينفض يده من أمرهم ، ويدعهم لليوم الذي ورد ذكره ووصفه في أول السورة .

وللعذاب الذي ينتظرهم من قبله . وأن يصبر لحكم ربه الذي يعزه ويرعاه ويكلؤه .

 

وأن يسبح بحمد ربه في الصباح حين يقوم ، ومن الليل ، وعند إدبار النجوم . . .

        

وهو شوط جديد في الحملة يبدأ بالتهديد ، بذلك اليوم الرعيب ، يوم ينفخ في الصور فيصعقون .

 

 – قبيل البعث والنشور – يوم لا ينفعهم تدبير ولا ينصرهم نصير . فإذا كانوا اليوم يكيدون

 

 ويدبرون ، فهم في ذلك اليوم لا يغني عنهم كيد ولا تدبير . على أن لهم قبل ذلك اليوم عذاباً –

 

 يتركه مجهولاً ولكن أكثرهم لا يعلمون .

 

ويفرغ بهذا التهديد الأخير من أمر المكذبين الظالمين ، الذين طاردهم هذه المطاردة الطويلة

 

العنيفة ، لينتهي بهم إلى موقف المهدد الذي ينتظره العذاب من بعيد ومن قريب . .

 

يفرغ منه ليلتفت إلى النبيّ الكريم الذي تطاول عليه المتطاولون ، وتقّول عليه المتقولون ،

 

 يلتفت إليه r ، يوجهه إلى الصبر على هذا العناء ، وهذا التكذيب ، وهذا التطاول ؛

 

والصبر على طريق الدعوة الشاق الطويل . تاركاً الأمر لحكم الله يفعل به ما يشاء : (( واصبر لحكم ربك )) . .

 

ومع التوجيه إلى الصبر إيذان بالإعزاز الرباني ، والعناية الإلهية ، والأنس الحبيب الذي يمسح

 

 على مشقات الطريق مسحاً ، ويجعل الصبر عليها أمراً محبباً ، وهو الوسيلة إلى هذا الإعزاز الكريم :

(( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا )) . .

 

ويا له من تعبير ! ويا له من تصوير ! ويا له من تقدير !

 

إنها مرتبة لم يبلغها قط إنسان . هذه المرتبة التي يصورها هذا التعبير الفريد في القرآن كله .

 

 حتى بين التعبيرات المشابهة .

 

لقد قيل لموسى عليه السلام : (( وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى )) . . وقيل له : (( وألقيت عليك

 

 محبة مني ولتصنع على عيني )) . . وقيل له : (( واصطنعتك لنفسي )) . .

 

وكلها تعبيرات تدل على مقامات رفيعة .

 

ولكنه قيل لمحمد r  : (( فإنك بأعيننا ))

 

وهو تعبير فيه

 

إعزاز خاص ،

 

وأنس خاص .

 

وهو يلقي ظلاً فريداً أرق وأشف من كل ظل . .

 

ولا يملك التعبير البشري ان يترجم هذا التعبير الخاص .

 

فحسبنا أن نشير إلى ظلاله ، وأن نعيش في هذه الظلال ] ( [562] ) .

 

 

وقال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

 

[  وَقَوْلُهُ :

 

{ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } أَيِ :

 

اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ وَلَا تُبَالِهِمْ ، فَإِنَّكَ بِمَرْأًى مِنَّا وَتَحْتَ كَلَاءَتِنَا ، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ] .

 

وقال الشيخ السعدي ، رحمه الله :

 

[ ولما بين تعالى الحجج والبراهين على بطلان أقوال المكذبين ، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يعبأ بهم شيئا، وأن يصبر لحكم ربه القدري والشرعي بلزومه والاستقامة عليه ،

 

ووعده الله بالكفاية بقوله : { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا }

 

أي : بمرأى منا وحفظ ، واعتناء بأمرك ] ( [563] ) .

 

فهذا هو المفهوم والمراد من الآية الكريمة : ( فَإنَّكَ بِأَعْيُنِنا ) .

 

إنّ الله تعالى أراد أن يقول لرسول الله محمد r :

 

إنّ الله تعالى يراك ، ويرى معاناتك مع الكافرين ، ويرى كيدهم ضدك ، وهو يحوطك بعنايته ورعايته ، فلا يصل إليك مَن أرادك بسوءٍ من المشركين .

 

(  فَإنَّكَ بِأَعْيُنِنا ) :

 

فـي هـذه الآيـة الكريمـة : إعزاز ربّـاني ، وعناية إلهية ، وأُنس حبيب ، وتقدير عظيم لرسول الله r ، يمسح على مشقات طريق الدعوة مسحاً ، ويجعل الصبر عليها امراً محبباً  .

 

وهذه الآية الكريمة : ( فَإنَّكَ بِأَعْيُنِنا ) :

 

تعبير يدل على مقام رفيع للنبيّ r ، عند الله تعالى ، ومرتبة لم يبلغها قط إنسان .

 

ولا يملك التعبير البشري أن يترجم هذا التعبير الخاص .

 

هذا مجمل ما يفهمه متلقي القرآن ، من تلك الآية الكريمة . أو من المفروض أن يفهمه !

 

ولقد فهم النبيّ r ، الكلام ، وكان أعظم سلوان له ، وأعظم تشجيع وحث له ، على المضي في

 

طريق الدعوة الشائك ، والمفروش بالأشواك والجماجم والدماء !

 

وهكذا فهم الصحابة الكرام ، رضوان الله تعالى عليهم .

 

وكذلك فهم العرب ، الذين نزل القرآن بلسانهم !    

 

 

 

فهم الإمام إبن خزيمة للآية الكريمة !

 

بينما فهم الإمام إبن خزيمة ، رحمه الله تعالى ، من هذه الآية الكريمة : (  فَإنَّكَ بِأَعْيُنِنا ) ،

 

وأمثالها من الآيات ، غير ما فهمه كل أولئك .

 

فقال ، رحمه الله :

 

[  بَابُ ذِكْرِ إِثْبَاتِ الْعَيْنِ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا عَلَى مَا ثَبَّتَهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ لِنَفْسِهِ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ ،

 

وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،

 

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ نُوحٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : { وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } [هود: 37] ،

 

وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا : { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } [القمر: 14] :

 

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذِكْرِ مُوسَى { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } [طه: 39]

 

وَقَالَ : { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } [الطور: 48]

 

فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُثْبِتَ لِخَالِقِهِ وَبَارِئِهِ مَا ثَبَّتَ الْخَالِقُ الْبَارِئُ لِنَفْسِهِ ، مِنَ الْعَيْنِ ،

 

وَغَيْرُ مُؤْمِنٍ مَنْ يَنْفِي عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا قَدْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ ،

 

بِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مُبَيِّنًا عَنْهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي قَوْلِهِ :

 

{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [النحل: 44] ،

 

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لِلَّهِ عَيْنَيْنِ ، فَكَانَ بَيَانُهُ مُوَافِقًا لِبَيَانِ مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ ،

 

الَّذِي هُوَ مَسْطُورٌ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ ، مَقْرُوءٌ فِي الْمَحَارِيبِ وَالْكَتَاتِيبِ ] ( [564] ) .

 

 

 

 

 

تفصيل القول لهذا الفهم ، لشارح كتاب إبن خزيمة !

 

وقال شارح كتاب إبن خزيمة ، رحمه الله :

 

[  وصفة العين ثابتة لله جل وعلا ، وهي تليق بجلاله وكماله وعظمته جل في علاه ،

 

وقد ثبتت هذه الصفة بالكتاب والسنة والإجماع .

 

فأما الكتاب : فقد قال الله تعالى : { وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } [هود:37] ،

 

ووجه الشاهد : بأعيننا ،

 

وأيضاً قال الله تعالى : { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } [الطور:48] ،

 

وجه الشاهد : ( بأعيننا ) ،

 

وقوله تعالى : { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } [طه:39] ،

 

وجه الشاهد : ( على عيني ) .

 

ففي هذه الآيات إضافة العين لله جل وعلا ]  .

 

ثم قال :

 

[ فالعين ما نثبتها إلا إذا أضيفت ( [565] ) إلى الله جل وعلا ، وقد أضافها الله لنفسه فقال :       

 

{ بِأَعْيُنِنَا } [هود:37] ،

 

وقال : { بِأَعْيُنِنَا } [الطور:48] ، وقال : { عَلَى عَيْنِي } [طه:39] ، فالعين أضيفت لله جل وعلا من

 

باب إضافة الصفة إلى الموصوف ؛ لأنها معاني وليست أعيان ( [566] ) ، فهذا وجه الدلالة من هذه الآيات .

 

 

وأما السنة ( [567] ) : فقد ورد في البخاري ومسلم وفي غيرهما بسند صحيح عن النبي صلى الله

 

عليه وسلم ( أنه لما حذر أمته من الدجال قال : وسأصفه لكم وصفاً لم يأت به أحد لأمته ، إنه أعور، -

 

ثم قال :-

 

وإن ربك ليس بأعور ) ، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما رأى رعب الصحابة من الكلام

 

 عن الدجال عندما قال لهم : ( أنه يأتي على الخربة فيقول : أخرجي كنوزك فتخرج ، ويأتي إلى السماء

 

 فيقول لها : أمطري فتمطر، ويستدبر الأرض كأنما تستدبره الريح ) يعني : يقطعها في أوقات قليلة ،

 

فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم : كل هذه الأمور التي هي من مظاهر الربوبية وادعائه الإلهية

 

لا تستغربون منها ، فإن فيه علامة تثبت أنه ليس بإله ولا برب ، وهذه العلامة : ( إنه أعور، وإن ربكم

 

ليس بأعور )

 

أي : له الكمال المطلق ، والجلال المطلق ، والعظمة المطلقة ، والعور عيب ، والله منزه

 

ومقدس عن كل عيب ( [568] ) ،

 

فـ الدجال أعور معيب ، (وإن ربكم ليس بأعور) ، يعني : له عين لكن هذه العين ليست معيبة .

 

وهذا محل الشاهد [569] : ( وإن ربكم ليس بأعور ) ،

 

ووجه الدلالة : أنه أثبت لله عيناً وأنها غير معيبة .

 

وأيضاً هناك بعض الآثار التي تثبت عدد العيون لله  ولكنها ضعيفة ، ومنها : ( يسجد المرء

 

بين عيني الرحمن) ، وهذا حديث ضعيف ( [570] ) ، فيستأنس به فقط .

 

وأما الإجماع : فقد أجمع سلف الأمة على أن لله جل وعلا عيناً ( [571] ) تليق بجلاله وكماله

سبحانه وتعالى ، وليست بحدقة ، وليست بجزء منه ( [572] ) ، بل هي صفة ( [573] ) من صفات الكمال تليق بجلال الله جل وعلا .

 

إذا أثبتنا لله جل وعلا عيناً تليق بجلاله وكماله فهي أكثر من عين وليست عيناً واحدة ،

 

وهذه دلالة القرآن ، فقال : ((عَلَى عَيْنِي)) بالإفراد ، وقال : (( بِأَعْيُنِنَا )) بالجمع ،

 

فهل نثبت لله عيناً واحدة أم أكثر من عين ( [574] ) ؟

 

الجواب

 

أن الصحيح الراجح في ذلك أن السنة تفرق لنا بين الجمع وبين الإفراد ، وتبين لنا عدد الأعين

 

التي يتصف الله جل وعلا بها ، فلله عينان ثابتتان كما سنبين .

 

قـال رسـول الله صلـى الله عليـه وسلم : ( إن ربكم ليس بأعور) ، وإذا نظرنا للآية الأولى قال :

 

 (( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي )) ، فجعلها عين واحدة ، ثم قال : { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } [القمر:14] فجعلها جمعاً ،

 

فنقول : إن الإفراد والجمع لا مخالفة بينهما ؛ لأن المفرد هنا مضاف ،

 

والمفرد المضاف - عند الأصوليين - يفيد العموم ، فيشمل أكثر من واحد ( [575] ) ،

 

قال الله تعالى : { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا } [إبراهيم:34] ، فذكرت النعمة هنا بالإفراد ،

 

 مع أن نعم الله تعالى تترى لا تعد ولا تحصى، لكن ( نعمة ) هنا مفردة مضافة إلى الله جل

 

وعلا ، والمفرد إذا أضيف فإنه يشمل ويعم  .

 

وهنا قال : (( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي )) ، إذاً فلا مخالفة بينها وبين ( بأعيننا ) ؛ لأن المفرد

 

المضاف يشمل الجمع.

 

فإذا قيل : إذاً فهذه الآيات تدل على أعين كثيرة .

 

فنقول : تحتمل أنها أعين كثيرة وتحتمل أن الجمع للتعظيم ( [576] ) ، وتكون لله عين واحدة أو

 

أكثر من واحدة ،

 

والذي يبين لنا ذلك هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن ربكم ليس بأعور ) .

 

ووجه الدلالة من هذا الحديث من وجهين :

 

الوجه الأول : أن العور في اللغة ( [577] ) معناه أن يكون الرجل له عينان إحداهما معيبة

 

والأخرى صحيحة ، فيقال : هذا أعور، يعني : له عينان : عين منهما معيبة والأخرى صحيحة، ولذلك

 

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن ربكم ليس بأعور) ، إذاً فله عينان، والأولى ليست معيبة والثانية

 

أيضاً ليست معيبة.

 

وأما الدجال فله واحدة معيبة كما في الحديث السابق ( [578] ) .

 

الوجه الثاني : أن المقام هنا مقام تمدح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الدجال أعور ) ،

 

فهو يبين عيبه ، وهو في موقف مقارنة ومفارقة بين إلهية هذا المدعي المعيب وبين الإلهية الحقة التي

 

تكون لله جل وعلا ، فيقول : ( إن الدجال أعور ) ، فمقام التمدح لله قال : ( وإن ربكم ليس بأعور ) ،

 

فإذا كان المقام مقام تمدح فإن تعدد الصفات يستلزم تعدد الكمالات ، وكلما كثرت الصفات كثر الكمال،

 

أما رأيتم بعض العلماء عندما يقول : الصفة إذا ضمت إليها صفة أخرى ازدادت كمالاً على كمال .

 

فإذا قلت : الغفور الرحيم البر الكريم فهذه أسماء كلها ، وكل اسم منها يتضمن كمالاً ، فضم

 

الصفة إلى الصفة والاسم إلى الاسم يعدد الكمالات ، فكون لله أكثر من عين هذا يدل على كثرة

 

الكمالات ، والمقام مقام تمدح ، فبين لنا أقصى ما يتمدح به أن لله عينين ( [579] ) .

ويستأنس في ذلك - كما قلت لكم - بالحديث الضعيف ( [580] ) الذي جاء عن النبي صلى الله عليه

 

وسلم : ( إن العبد إذا سجد يسجد بين عيني الرحمن ) ، فهما ثنتان ] ( [581] ) .

 

 

 

نفس الكلام والإستدلال !

 

 

وهذا الإستدلال والمناقشة لإثبات : أنّ لله عينين . وإن جاءت آيات : تذكر العين مرة مفردة ،

 

ومرة مثناة ، ومرة جمع .

 

هو بالضبط كالإستدلال والمناقشة لإثبات : أن لله يدين ، من قبل الشيخ العثيمين ، وإن جاءت

 

آيات : تذكر اليد مرة مفردة ، ومرة مثناة ، ومرة جمع !

 

فلا ندري ممن تعلموا هذا الإستدلال ؟ ومَن أخذ ممن ؟ أتواصوا به ؟ أم ماذا ؟

 

أنظر إلى ما يقوله الشيخ إبن عثيمين ، رحمه الله :

 

[  ولكن قد يقول قائل : إن لله أكثر من يدين ، لقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ

 

أَيْدِينَا أَنْعَاماً } [ يس: 71 ] ، فأيدينا هنا جمع ، فلنأخذ بهذا الجمع ، لأننا إذا أخذنا بالجمع ، أخذنا بالمثنى

 

وزيادة ، فما هو الجواب ؟

 

فالجواب أن يقال : جاءت اليد مفردة ومثناة وجمعاً :

 

أما اليد التي جاءت بالإفراد ، فإن المفرد المضاف يفيد العموم ، فيشمل كل ما ثبت لله من يد ،

 

ودليل عموم المفرد المضاف قوله تعالى : { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا } [إبراهيم: 34] ، فـ

 

{ نِعْمَتَ } : مفرد مضاف ، فهي تشمل كثيراً ، لقوله : { لا تُحْصُوهَا } ، إذاً : فما هي واحدة ولا ألف

 

ولا مليون ولا ملايين .

{ يَدُ اللَّهِ } : نقول هذا المفرد لا يمنع التعدد إذا ثبت ، لأن المفرد المضاف يفيد العموم .

 

أما المثنى والجمع ، فنقول : إن الله ليس له إلا يدان اثنتان ، كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة .

 

ففي الكتاب :

 

في صورة ص قال : { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } ، والمقام مقام تشريف ، ولو كان الله خلقه بأكثر من

 

يدين، لذكره ، لأنه كلما ازدادت الصفة التي بها خلق الله هذا الشيء، ازداد تعظيم هذا الشيء .

 

وأيضـاً : فـي سورة المـائدة قال : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } [المائدة: 64] ، في الرد على من قالوا :

 

{ يَدُ اللَّهِ } ، بالإفراد ، والمقام مقام يقتضي كثرة النعم ، وكلما كثرت وسيلة العطاء ، كثر العطاء ، فلو

 

كان لله تعالى أكثر من اثنتين لذكرهما .

 

أما السنة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : " يطوي الله تعالى السماوات بيمينه والأرض

 

بيده الأخرى " .

 

قال صلى الله عليه وسلم : " كلتا يديه يمين " .

 

ولم يذكر أكثر من اثنتين .

 

وأجمع السلف على أن لله يدين اثنتين فقط بدون زيادة ( [582] ) .

 

فعندنا النص من القرآن والسنة والإجماع على أن لله تعالى يدين اثنتين ، فيكف نجمع بين هذا

 

وبين الجمع : { مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا } [ يس: 71 ] ؟ !

 

فنقول الجمع على أحد الوجهين :

 

فإما أن نقول بما ذهب إليه بعض العلماء ، من أن أقل الجمع اثنان ، وعليه ، فـ { أَيْدِينَا } لا تدل

 

على أكثر من اثنتين ، يعني : لا يلزم أن تدل على أكثر من اثنين ، وحينئذ تطابق التثنية : { بَلْ يَدَاهُ

 

مَبْسُوطَتَانِ } ، ولا إشكال فيه ( [583] ) . . .

 

وإما أن نقول : إن المراد بهذا الجمع التعظيم ، تعظيم هذه اليد ( [584] ) وليس المراد أن لله تعالى

 أكثر من اثنتين . . .

 

فعلم الآن أن الجمع بين المفرد والتثنية سهل ، وذلك أن هذا مفرد مضاف فيعم كل ما ثبت لله من يد .

 

وأما بين التثنية والجمع ، فمن وجهين :

 

أحدهما : أنه لا يراد بالجمع حقيقة معناه ـ وهو الثلاثة فأكثر ـ بل المراد به التعظيم كما قال الله

 

تعالى : { إنَّا } و { نَحْنُ } و { وقُلْنَا } .... وما أشبه ذلك ، وهو واحد ، لكن يقول هذا للتعظيم .

 

أو يقال : إن أقل الجمع اثنان ، فلا يحصل هنا تعارض . . .

 

إثبات اليد جاء في القرآن والسنة وإجماع السلف ] ( [585] ) . ! ! !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أعظم آية من كتاب الله تعالى !

 

 

إن توحيد الله تعالى ، وتنزيهه ، وتعظيمه ، ومن ثم حبّه وخشيته سبحانه ، لا يكون كلّ ذلك ،

 

بحفظ بعض الكلمات عن ، صورته ، وشكله ، ومكانه ، وحركاته ( [586] ) – سبحانه وتعالى عما يقولون

 

علواً كبيرا !

 

         فالله تعالى ( ليس كمثله شيء ) ، ( ولم يكن له كفواً أحد ) .

 

         بل يكون ذلك ، بمعرفة أسمائه وصفاته الحقيقية ، التي تورث المحبّة والخشية ، والهيبة

 

والجلال  والجمال ، والخشوع ، والذل له ، والعبودية !

 

         وإن الله تعالى تحدّث لنا – في كتابه الكريم – عن أسمائه وصفاته ، لنعرفه ، ونحبّه ونخشاه .

 

         ولم يتحدث لنا عن صورته وشكله سبحانه !

 

         وإنّ أعظم آية – في القرآن الكريم – عرّفت لنا ، الله تعالى ، وتحدّثت عن صفاته ، بحيث مَن

 

 تدبّرها ، وتأملها ، أورثته معرفة حقيقية بالله سبحانه ، ومن ثم محبّته وخشيته ، هي : آية الكرسي :  

 

عنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

 

« أَبَا الْمُنْذِرِ ، أَيُّ آيَةٍ مَعَكَ مِنْ كِتَابِ الَّلهِ أَعْظَمُ ؟ » قَالَ : قُلْتُ : الَّلهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ .

 

قَالَ : « أَبَا الْمُنْذِرِ ، أَيُّ آيَةٍ مَعَكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ ؟ » قَالَ : قُلْتُ :

 

{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [ البقرة: 255 ] .

 

قَالَ : فَضَرَبَ فِي صَدْرِي ، وَقَالَ : « لِيَهْنِ لَكَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ الْعِلْمُ » ( [587] ) .

 

[  وإنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم " جمعت من أصول الأسماء والصفات

 

من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة ،

 

وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات " ] ( [588] ) .

 

[  وكانت هذه الآية أعظم من غيرها من الآيات لأن التوحيد الذي استفيد منها لم يستفد من غيرها :

فقد اشتملت على أمهات المسائل الدالة على ثبوت الكمالات لله تعالى ونفي النقائص .

 

واحتوت على توحيد الله تعالى وتعظيمه وذكر أسمائه وصفاته العليا .

 

واشتملت على سبعة عشر موضوعًا فيها اسم الله تعالى ظاهرًا في بعضها ومستترا في البعض الآخر

ونطقت بأنه تعالى منفرد بالألوهية  حي واجب الوجود لذاته  موجد لغيره   منزه عن التحيز

 

 والحلول  مبرأ عن التغير والفتور  مالك الملك والملكوت  ذو البطش الشديد  العالم وحده

 

 بجلي الأشياء وخفيها وكليها وجزئيها واسع الملك والقدرة  متعال عن كل ما لا يليق به

 

عظيم لا تصل العقول والأفكار لِكُنْه ذاته وصفاته .

 

فقوله :

 

الله  إشارة إلى ذات الله وجلاله ،

 

والقيوم  الذي يقوم بنفسه ولا يقوم به غيره  وذلك غاية الجلال والعظمة ،

 

ولا تأخذه سنة ولا نوم   تنزيه وتقديس له تعالى عن صفات الحوادث ، والتقديس مما يستحيل

 

عليه أحد اقسام المعرفة.

 

وله ما في السماوات وما في الأرض  إشارة إلى وحدانية الأفعال وأن الأفعال جميعها منه وإليه .

ومن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه  إشارة إلى انفراده بالملك والحكم والأمر وأنه لا يملك

 

الشفاعة عنده في أمر من الأمور إلا من شرفه بها وأذن فيها ،  وهذا نفي للشركة عنه في الملك

 

والأمر .

ويعلم ما بين أيديهم إلى قوله بما شاء   إشارة إلى صفة العلم وتفصيل بعض المعلومات

 

والانفراد بالعلم حتى إنه لا علم لغيره إلا ما أعطاه ووهبه على قدر مشيئته وإرادته

 

ووسع كرسيه السماوات والأرض  إشارة إلى عظم ملكه وكمال قدرته .

 

ولا يؤوده حفظهما   أي لا يثقله  وهو إشارة إلى صفة العزة وكمالها وتنزيهها عن الضعف

 

والنقص .

وهو العلي العظيم  أي  المنزه عن صفات الحوادث المتصف بالكبرياء والعظمة  وهو إشارة

 

إلى أصلين عظيمين في الصفات

 

وحينئذ لا تجد في آية غيرها جميع هذه المعاني حتى آية شهد الله إذ ليس فيها إلا التوحيد ،

 

وقيل اللهم مالك الملك ليس فيها إلا توحيد الأفعال .

 

والإخلاص ليس فيها إلا التوحيد والتقديس ،

 

والفاتحة فيها الثلاثة لكنها مرموزة لا مشروحة .

 

نعم يقرب من آية الكرسي في الاشتمال على ما ذكر آخر سورة الحشر وأول الحديد ولكنها آيات

 

لا آيـة واحـدة

 

علـى أنهــا تميـزت عـن تلــك بالحي القيوم   وهو الاسم الأعظم عند كثيرين  اهـ  من ابن علان  . . .

 

وأخرج الطبراني بإسناد حسن عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال من قرأ آية

 

الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى

 

وأخرج البيهقي من حديث أنس مرفوعًا من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة حفظ إلى

 

الصلاة الأخرى ، ولا يحافظ عليها إلا نبي أو صديق أو شهيد .

 

وأخرج الديلمي عن علي كرم الله وجهه إنه قال لو تعلمون ما فيها لما تركتموها على حال

 

وإن رسول الله صلى آله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أعطيت آية الكرسي من كنز تحت

 

العرش لم يؤتها نبي قبلي .

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم قال سورة البقرة فيها آية سيدة

 

آي القرآن لا تقرأ في بيت وفيه شيطان إلا خرج منه آية الكرسي . رواه الحاكم وصححه ] ( [589] ) .

 

 

         وكذلك سورة الإخلاص ، تورث معرفة الله تعالى ، ومعرفة صفاته سبحانه ، ولهذا قال رسول الله r :

         (( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآن )) ( [590] ) .

 

        

         قال الحافظ إبن كثير ، رحمه الله :

 

         [  هُوَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ ، الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا وَزِيرَ ، وَلَا نَدِيدَ وَلَا شَبِيهَ وَلَا عَدِيلَ ، وَلَا يُطلَق هَذَا

 

 اللَّفْظُ عَلَى أَحَدٍ فِي الْإِثْبَاتِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ؛ لِأَنَّهُ الْكَامِلُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ .

 

وَقَوْلُهُ : { اللَّهُ الصَّمَدُ } قَالَ عِكْرِمَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : يَعْنِي الَّذِي يَصْمُدُ الْخَلَائِقُ إِلَيْهِ فِي حَوَائِجِهِمْ وَمَسَائِلِهِمْ .

 

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ ، وَالشَّرِيفُ الَّذِي قَدْ

 

كَمُلَ فِي شَرَفِهِ ، وَالْعَظِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عَظْمَتِهِ ، وَالْحَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمِهِ ، وَالْعَلِيمُ الَّذِي قَدْ

 

كَمُلَ فِي عِلْمِهِ ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ وَهُوَ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدُدِ ،

 

وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ، هَذِهِ صِفَتُهُ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لَهُ ، لَيْسَ لَهُ كُفْءٌ ، وليس كمثله شيء ، سبحان الله

 

الواحد القهار  ] ( [591] ) .

 

         وقال الشيخ السعدي ، رحمه الله :

        

[  أي { قُلْ } قولا جازمًا به ، معتقدًا له ، عارفًا بمعناه ، { هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أي : قد انحصرت فيه

 

الأحدية ، فهو الأحد المنفرد بالكمال ، الذي له الأسماء الحسنى ، والصفات الكاملة العليا ، والأفعال

 

المقدسة ، الذي لا نظير له ولا مثيل .

 

{ اللَّهُ الصَّمَدُ } أي : المقصود في جميع الحوائج . فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية

 

الافتقار، يسألونه حوائجهم ، ويرغبون إليه في مهماتهم ، لأنه الكامل في أوصافه ، العليم الذي قد كمل

 

فـي علمـه ، الحليم الذي قد كمل في حلمه ، الرحيم الذي كمل في رحمته ، الذي وسعت رحمته كل

 

شيء ، وهكذا سائر أوصافه ،

 

ومن كماله أنه { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } لكمال غناه

 

{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } لا في أسمائه ولا في أوصافه ، ولا في أفعاله ، تبارك وتعالى ] ( [592] )

 

 

فآية الكرسي ، وسورة الإخلاص ، هما من أعظم ما يتحدّثان عن الله تعالى ، وصفاته .

 

فالـذي يريـد أن يتعرف علـى أسماء الله تعالى ، وصفاته الحقيقية ، فعليه أن يتدبّر ، ويتأمل

 

فيهما ، وفي أمثالهما ، لتحصل له معرفة خالقه ، وربّه ، وإلهه ، سبحانه وتعالى .

 

         لا ، أن يبحث عن الآيات المتشابهة ، والآيات التي يخاطب الله بها العرب بلسانهم ، وبأسلوب

 

مخاطبتهم ، فيذهب هو يغرّب ، وموضوع الآيات يشرّق ! ومن ثم يتيه فيغرّد خارج السرب !     

 

 

        

هذا النوع من الفهم لا يمثل جميع أهل السنة !

 

         ونود أن نقول – قبل أن نترك هذا الموضوع الدقيق والمهم :

 

         إن هذا النوع من الفهم عن الكلام – كفهم كاتب الحجاج ، وفهم البعض من الذين يغرّدون خارج السرب ، ويغربون ، والموضوع يشرق –  .

 

         إن هذا النوع من الفهم : لا يمثل جميع أهل السنة والجماعة ؛ فعامة علماء أهل السنة لا توزن عقولهم وفهمهم ، بجميع ذهب الدنيا !

 

         وقد رأينا فهمهم الراقي ، وشرحهم للآيات والأحاديث ، مما يأخذ بالألباب !

 

         فعلماء أهل السنة ، هم شموس الدنيا ، وسفن النجاة ، ومشاعل تنير دياجير الظلام ، ونجوم في السماء ، تهدي الحيارى إلى النور والصراط المستقيم ، في صحراء الظلمات والضلال !

 

         فأولئك المخلطون لا يمثلون إلّا قلة قليلة ، وقد حُشِروا بين العلماء ظلماً وعدواناً .

         وأصبح هؤلاء المخلطون عائقاً ، وسدّاً ، وحجاباً مستوراً ، بين هذا الدّين ، وبين أهل البدع !

        

فأهل البدع يحسبون أن أهل السنة – وعلى رأسهم علماؤهم – هم جميعهم ، على هذا النمط من

 

الفهم والتفكير ، وبالتالي يشجعهم – هذا الحسبان – على الثبات على بدعهم ، ويرون ما هم عليه ، هو

 

خير وأفضل ، مما عليه هؤلاء أهل السنة !

 

         فانظر إلى ما يفعله هؤلاء المخلطون ، بنمط تفكيرهم ، وفهمهم العجيب هذا ، من الصد عن

 

سبيل الله ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً !      

 

         والحليم تكفيه إشارة !

 

وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ختاماً

         إن الله تعالى أنزل القرآن الكريم ، وهو آخر رسالة بعثها الله تعالى ، إلى الناس ، عن طريق

خاتم الأنبياء ، والمرسلين ، سيدنا محمد r .

فيه الشفاء ، والفلاح .

وهو المصدر الوحيد – لاشك مع بيانه ، الذي هو سنة رسول الله r - للخلاص من الشقاء ، والحيرة في الدنيا ، والآخرة .

 والله تعالى ، قد خاطب العقلاء ، وذوي الألباب به ، وأنزله بلسان عربي مبين ، وعلى أساليبهم في المخاطبة ، ولا سيما قريش .

فالعاقل هو مَن يتخذ القرآن الكريم ، سفينة نجاة ، ينقذ بها نفسه من بحر الظلمات ، والهلاك ، إلى بر الأمان ، والنجاة .

         والمؤمن هو ، مَن يعرف ربّه ، وإلهه ، وخالقه ، ورازقه ، بصفاته ، وأسمائه الحسنى ، فيعبده ويطيع أوامره ، وينتهي عن نواهيه .

         والهالك هو مَن يشغل نفسه بالبحث عن شكل الله تعالى ، وصورته ، ومكانه : أين هو ؟ وهو

 جالس على العرش ، وله ساق ، وأصابع ، وحقو ، ويضحك ، ويأتي ، و . . . و . . . إلخ .  سبحانه

وتعالى عما يصفون ! !

         قيل ليحيى بن معَاذ : أخبرنَا عَن الله ، مَا هُوَ ؟ قَالَ : إِلَه وَاحِد ،

قيل : كَيفَ هُوَ ؟  قَالَ : ملك قَادر ،

قيل : أَيْن هُوَ ؟ قَالَ : بالمرصاد ،

قيـل : لَيْـسَ عَـن هَـذَا أَسأَلـك

قَـالَ يحيى : فَذَاك صفـة الْمَخْلُـوق   فَأَمـا صفـة الْخَالِق فَمَا أَخْبَرتك بِهِ   ( [593] ) .

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

                                                                                 يوم الأربعاء 11 / 7 / 2018

فهرس المواضيع

الموضوع                                                                                              الصفحة

مقدمة .................................................................................................    1

السلف ................................................................................................    3

تعريف السلف والسلفية .............................................................................    3

جلسة الإستراحة .....................................................................................   7

إختلاف السلف الصالح في العقيدة ! .................................................................  9

لفظي بالقرآن مخلوق – بين الإمامين أحمد بن حنبل والحسين الكرابيسي ! ......................  9

قول الإمام الذهبي عن الإمام الكرابيسي ............................................................. 12

بين الإمامين البخاري والذهلي ....................................................................... 15       

وقفة ، واعتذار لكل أئمتنا ، وعلمائنا ...............................................................  18

بهداهم لا بهفوات بعضهم ! .........................................................................  18

هذه الحالة لم تكن من الهدى ........................................................................  19

لا تتوهم الطعن والجرح ............................................................................  19

وكذلك يقول الإمام الرازي .........................................................................  20

إبراهيم عليه السلام كان أمة .......................................................................  21

كل بني آدم خطّاء ! ................................................................................  23

النبيّ محمد r هو قدوتنا ........................................................................... 23

إنّ الله عليم بذات الصدور ! ........................................................................ 24

هلّا عُدّ الإرجاء مذهباً ! ............................................................................ 25

إختلاف السلف في الإرجاء .........................................................................25

تعريف الإرجاء ..................................................................................... 25

إنكار رؤية الله تعالى في الآخرة ....................................................................32

أفضل الصحابة ! .................................................................................... 33

إختلاف السلف في تفضيل الصحابة ! ............................................................. 33

القول بالقدر ! ....................................................................................... 35

إختلاف السلف في القدر ! ......................................................................... 35

ينزل القطر من السماء بذكره ! .................................................................... 36

السلفية والإختلاف في العقيدة ! .................................................................... 39

قدم العالم بالنوع وحوادث لا أول لها .............................................................. 39

مخالفة الشيخ الألباني لابن تيمية ................................................................... 41

ردّ الشيخ الألباني لعقيدة ابن تيمية هذه ، وإعلانه رفضها ....................................... 41

دفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه .......................................................... 45

إستقرار الله على العرش ........................................................................... 46

ردّ الشيخ الألباني على هذه العقيدة ................................................................ 46

إنكار الشيخ الألباني لذلك ، وردّه عليه ............................................................ 48

إثبات الحركة لله تعالى ..............................................................................49

الجميع محمودون مأجورون ! .....................................................................51

الإختلاف في فهم آيات وأحاديث الصفات ........................................................ 52

العارف الحارث المحاسبي ، رحمه الله ........................................................... 53

فعل الله به وفعل ! ! ................................................................................ 55

أولياء الله تعالى ! ................................................................................... 56

كلام الأقران لا يعبأ به ! ........................................................................... 58

الحق أحق ان يتبع ! ................................................................................ 62

لحوم العلماء مسمومة ! ............................................................................ 65

الشيطان هو الذي يؤزهم ! ......................................................................... 66

رسول الله r ، هو القدوة ! ........................................................................ 68

القدوة العليا ! ........................................................................................ 68

نماذج من صبره r ، مع الكافرين ! .............................................................. 71

موقفه r ، مع رأس المنافقين ! ................................................................... 72

موقفه r ، من أخطاء أصحابه ، ورحمته ! ..................................................... 74

أعَلى أفقر مني ؟ ! ................................................................................ 75

عشر سنين ! ......................................................................................  77

الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ! ..........................................................  77

قولوا الكلمة التي هي احسن ! ....................................................................  78

السلف الصالح وآيات الصفات ! .................................................................. 80

بل منكم ! ........................................................................................... 80

ليس على عمومه ! ................................................................................. 81   

كانوا غرباء ! .......................................................................................81

زمانك ليس كزمان عمر ! ......................................................................... 84

التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها ! ............................................................. 84

ولمن بعدهم مزية لا يشاركهم الصحابة فيها ! ................................................... 85

أمور ومسائل تحتاج إلى بيان وتوضيح .......................................................... 87

إحتاج النـاس إلى علمهم ! ......................................................................... 88

التكفير له شروط وموانع ! ........................................................................ 89

أغلظ التهجم ! ...................................................................................... 89

ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ! ................................................................ 90

لئن قدر الله عليه ! ................................................................................. 91

مثقال حبة من خردل من إيمان ! ................................................................. 91

السلف أخطأ كثير منهم في العقيدة ! .............................................................. 92

إنّ الله لا يعذب أحداً إلّا بعد الإبلاغ ! ............................................................ 93

لا يُفسق أحدٌ منهم ! ............................................................................... 94

مضمون كلام إبن تيمية ........................................................................... 95

صفات الله تعالى ................................................................................... 98

الإمساك عن التصرف فيها ! ..................................................................... 100

مواقف السلف من آيات وأحاديث الصفات ....................................................... 102

ولو ظهرت في عصرهم شبهة لكذبوهم ! ........................................................ 102

فلا سبيل إلى ترك أمواج الفتن تلتطم ! ........................................................... 102

لو كنا على ما كان عليه السلف لم نخض ! ...................................................... 103

إرتكبوا التأويل مخافة الكفر ! ..................................................................... 103

يسعني ما وسعهم لو كنت بمنزلتهم ! ............................................................. 104

كمثل رجلين أحدهما صحيح والآخر مريض ! .................................................. 104

السلف وتأويلاتهم ، أو بالأحرى فهمهم للكلام ! ................................................. 106

يوم يُكشف عن ساق ............................................................................... 106

أصل كشف الساق ................................................................................. 108

الخيط الأبيض من الخيط الأسود ! ............................................................... 108

أطولكن يداً ! ....................................................................................... 109

كخ كخ ! ............................................................................................ 112

حل حل ............................................................................................. 113

الصفير ، والإيماءات ! ............................................................................ 113

خاطبنا بما نفهم ! .................................................................................. 114

ممّن هذا الفهم ؟ ................................................................................... 115

قول العلماء عن رواية البخاري .................................................................. 116

فهم بعض متعصبي مذهب معين من الخلف ..................................................... 116

بين البخل والإسراف .............................................................................. 126

طائره في عنقه ! .................................................................................. 128

وقالت اليهود يد الله مغلولة ! ..................................................................... 129

نار الحرب ........................................................................................ 131

صاحب القوة والبطش الشديد .................................................................... 132

قدامها وامامها ! .................................................................................. 134

أمام العذاب ....................................................................................... 135

قبله ................................................................................................ 136

أمام  ............................................................................................... 137

قدّموه وأسلفوه ! ................................................................................... 141

وجه النهار ! ....................................................................................... 144

كلام العرب ! ...................................................................................... 146

يوم يكشف عن ساق ! ............................................................................. 146

أو يأتي ربّك ! ..................................................................................... 149

أن يأتيهم الله ! ..................................................................................... 150

وقدِمنا ! ............................................................................................ 154

بأيدٍ ! ............................................................................................... 155

القرآن معجز ! .................................................................................... 174

العرب أذعنوا للقرآن ! ........................................................................... 174

القرآن لم يبعد عن أساليب قول العرب ! ........................................................ 176

إلتمسوا غريب القرآن في الشعر ! ............................................................... 176

تأتينا بمصداق التفسير من كلام العرب ! ........................................................ 177

عيال الله ! ......................................................................................... 181

إضافة تشريف ، وتعظيم ! ....................................................................... 182

الصوم لي ! ....................................................................................... 182

على سبيل التشريف والتكريم ! .................................................................. 183

إقطع لسانها ! .................................................................................... 184

ننساهم ! .......................................................................................... 186

ثم استوى على العر ش ! ....................................................................... 190

الضحك يعني الرحمة ! ......................................................................... 193

لفظ الضحك مشترك المعنى في اللغة .......................................................... 196

يضع رب العزة فيها قدمه ! .................................................................... 198

أي ما قدم لها من خلقه ! ....................................................................... 199

وتأويلها من أوجه ! ............................................................................ 200

خاض كثير من أهل العلم في تأويل ذلك ! ................................................... 201

وأخسس به من مذهب ثالث ابتدعه ! ........................................................ 203

إختلاف العلماء فيها على مذهبين ! .......................................................... 204

يتنزل أمره ! .................................................................................. 206

إلتباس في الفهم وتخليط ! .................................................................... 208

فدائم لا يزول ! ............................................................................... 210

لم يكن يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالماً ! ................................................. 210

وهو معكم أينما كنتم ! ........................................................................ 211

إنه معهم بعلمه وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته ! ............................................. 215

معية الإطلاع والنصر والتأييد ! ............................................................ 215

ويبقى وجه ربّك ! ........................................................................... 217

كل شيء هالك إلّا وجهه ! .................................................................. 217

إلّا دينه ! ..................................................................................... 218

ومن السلف مَن أثبت ! ...................................................................... 220

لغة العرب واستوى بمعنى استولى ! ....................................................... 222

هل التفويض هو مذهب من مذاهب السلف ؟ ! ............................................ 225

إنها حق على ما أراد الله ! ................................................................... 225

أمرها كما جاءت ، بلا تفسير ! .............................................................. 226

على المعنى الذي أراده الله ! ................................................................. 227

لا يتكلم في معناها ! .......................................................................... 228

السؤال عن معانيها بدعة ! ................................................................... 229

مفوضاً معناه إلى الله ورسوله ! .............................................................. 230

ولا خوض في معانيها ! ...................................................................... 232

لا تُفَسَّر ولا تُتَوَهّم ! .......................................................................... 232

أمِرّوها كما جاءت بلا تفسير ! .............................................................. 233

ونرد علمه إلى قائله ! ....................................................................... 235

فقراءته تفسيره ! ............................................................................. 240

ويكل العلم فيه إلى الله عز وجل ! .......................................................... 242

من غير أن تطالبهم أنفسهم بفهم حقيقة شيء من ذلك ..................................... 243

تفويض معناه إلى الله عز وجل ! ........................................................... 243

تفويض بيان معناه إلى الله ! ................................................................. 244

وردوا علمها إلى قائلها ! .................................................................... 245

التعصب يعمي ويصم ! ..................................................................... 246

والمكيّف مشبّه ! ............................................................................. 247

ونفينا عنه التكييف ! ......................................................................... 249

والكيفية عن الله وصفاته منفية ! ............................................................ 250

منزهاً الله تعالى عن الكيفية ! ............................................................... 251

ولا يقال كيف وكيف عنه معروف ! ....................................................... 252

لأن هذا كيفية وهم يفزعون منها ! ! ....................................................... 253

فلا كيف ! ................................................................................... 256

ليس كمثله شيء ! ............................................................................ 257

فما تنكرون على فقيه راوي حديث أنه لا يُحسن الكلام ! .................................. 257

وهو في الحقيقة كتاب الشرك ! .............................................................. 258

التفويض والتأويل باطلان ! .................................................................. 263

التفسير على أربعة أوجه ! .................................................................... 265

فقه وفهم الأئمة والعلماء ! ..................................................................... 266

يستحيل إرادة ظاهره ! ......................................................................... 266

والهرولة كناية عن سرعة الرحمة ! .......................................................... 267

الهرولة مجاز ! ................................................................................. 267

جزاءه يكون تضعيفه ! ......................................................................... 268

صببت عليه الرحمة ! .......................................................................... 268

المراد به مرض العبد المخلوق ! .............................................................. 269

الشيخ العيثيمين وإثباته ظاهر نص الصفات ! ................................................ 269

المراد به مرض العبد المخلوق ! .............................................................. 270

تنزل في الخطاب ! ............................................................................. 272

يستحيل عليه المرض ! ......................................................................... 272  

من التوسع في الكلام ! .......................................................................... 275

فإما أن يفوض وإما أن يؤول ! ................................................................. 276

فأقيم المضاف مقام المضاف إليه ! ............................................................. 276

الرداء إستعارة ! ................................................................................. 277

المجد بين ثوبيه ! ................................................................................ 278

فلا يُقال : إنّ لله إزاراً ! ......................................................................... 278

الشعراء وكلمة الرداء ! ......................................................................... 280

رداء حقيقي ! .................................................................................... 285

شعاره ودثاره الزهد والورع ! ................................................................. 285

لا يكادون يفقهون قولاً ! ........................................................................ 286

ما الذي دعا رسول الله r ، إلى إطلاق هذه الألفاظ الموهمة ؟ ! ............................ 289

ما جمعها دفعة واحدة ! ......................................................................... 289

يوهم عند الصبيان وعند مَن تقرب درجتهم منهم ! ........................................... 290

بين يدي الصبي والعامي ! ..................................................................... 291

قال بين يدي الصبي : بغداد في يد الخليفة ! .................................................. 291

فلما نقل اللفظ مجرداً عن قرينته حصل الإيهام ! ............................................. 292

لم يمارس الأحوال ، ولا عرف العادات في المجالسات ! ................................... 293

إنما كلّم الناس بلغة العرب ! ................................................................... 294

لو ذكره لنفر الناس عن قبوله ! ................................................................ 295

ربما يغلط الأغبياء في فهمها ! ................................................................. 296

العقيدة التي جاء بها القرآن عقيدة عملية ! ..................................................... 300

الصفات الخبرية ليست هي التي فرقت المتكلمين ! ........................................... 301

كان له الأثر الكبير في إستقامة الناس وسلوكهم ! ............................................. 303

التفريق بين الظاهر القاموسي والظاهر من السياق ! .......................................... 304

مثال عن التخليط ! ............................................................................... 306

فهم الإمام إبن خزيمة للآية الكريمة ! ........................................................... 310

تفصيل القول لهذا الفهم لشارح كتاب إبن خزيمة ! ............................................. 311

نفس الكلام والإستدلال ! ......................................................................... 315

أعظم آية من كتاب الله تعالى ! .................................................................. 318  

هذا النوع من الفهم لا يمثل جميع أهل السنة ! ................................................. 322

ختاماً ............................................................................................. 324

فهرس الموضوعات ............................................................................ 325



[1])) هـذا لفظ البخـاري فـــي صحيحه . ولفـظ مسـلم فـــي صحيحه : (( خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم ))

([2]) أخذ أبو حنيفة العلم عن قرابة أربعة آلاف شيخ ، منهم حماد بن أبي سليمان ؛ حيث لازمه ثمانية عشر عاماً . وأخذ حماد العلم عن إبراهيم النخعي . وأخذ إبراهيم عن علقمة . وأخذ علقمة عن عبد الله بن مسعود . وأخذ عبد الله عن رسول الله r .

             [  وكان إبراهيم النخعي شديد الاتباع لأستاذه علقمة، يتبنى الكثير من آرائه، حتى أن الذي يتبع آراء إبراهيم ويقارنها بآراء أستاذه علقمة يجد أن إبراهيم النخعي لا يخالف علقمة إلا في مواقع يسيرة ، ومن المعروف أن علقمة هو التلميذ الملازم لعبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- وقد كان شديد التأثر به، فظهر أثر ذلك في فقهه، ففقه إبراهيم النخعي كان وثيق الصلة بفقه عبد ابن مسعود –رضي الله عنه- وهو الصاحب البار برسول الله (صلى الله عليه وسلم) المقتفي أثره، الناهل من معين النبوة العذب الفياض، وكان النخعي لا يعدل بقول عمر وعبد الله بن مسعود إذا اجتمعا، فإذا اختلفا كان قول عبد الله أعجب إليه؛ لأنه كان ألطف ] أنظر : أعلام الموقعين عن رب العالمين إبن القيّم ( 3 / 14 ) . عن ( لمحة من حياة التابعي الكبير - إبـراهيـم النخعـي رحمـه الله : أبو رفيدة عارف محمود ) .

([3]) حيث [ إن هذا الكون – كما يقرر المنهج القرآني – كون مخلوق حادث ، وليس بالقديم الأزلي ، كما أنه لم ينشأ من ذات نفسه . . لقد خلقه الله – سبحانه – خلقاً ، وأنشأه إنشاءً ، بعد أن لم يكن ، سواء في ذلك مادة بنائه الأساسية أو الصورة التي ظهرت فيها ، ولم يشارك الله - سبحانه – أحد في خلق هذا الكون ، ولا في خلق شيء منه . سواء في ذلك مادته أو صورته . إنّ الله سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه ، وأعطى كل شيء صورته ، وأعطى كل شيء وظيفته :

((  خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون )) . . . ( النحل : 3 )

((   اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل )) . . . ( الزمر : 62 )

((  الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى )) . . . ( طه : 50 )

((  أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ؟ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ؟ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ؟ بَلْ لَا يُوقِنُون )) . . . ( الطور : 35 – 36 )

((  مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا )) . . . ( الكهف : 51 ) [ مقومات التصور الإسلامي – سيد قطب . ص 323 – 324 .

([4]) [ 1 – الحياة ليست إلهاً ! ليست قوة مدبرة في ذاتها تنشأ وتنشيء إرادتها المستقلة ! كذلك هي ليست تلقائية . وجدت مصادفة وتمضي خبط عشواء ! إنما هي خليفة أنشأها الله – سبحانه – بقدر ، وتمضي كذلك وفق قدر ، وهي مودعة خصائص الذاتية التي تفرقها من الموات ، أعطاها هذه الخصائص الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى . والذي يخرج الحي من الميت . ويخرج الميت من الحي . والذي يتوفى الأنفس حين موتها . والذي خلق الموت والحياة والذي يبدأ الخلق ثم يعيده . . .

   2 – كذلك الطبيعة ليست إلهاً . ليست هي التي خلقت الحياة ، كما أنها ليست هي التي خلقت نفسها ! إنما الله - سبحانه – هو خالق كل شيء ، هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى . هو الذي خلق الطبيعة مناسبة لظهور الحياة ، وهيأ الأرض لهذا النوع من الحياة الذي نشأ فيها . وجعل التناسق بين الطبيعة والحياة ، وبين الأحياء بعضها وبعض ، هو الأصل والقاعدة ، وأودع في الأرض أقواتها وأرزاقها ، وجعل الكون كله مسخراً ومساعداً . وهذه الموافقات التي لا تحصى ما كانت لتجيء مصادفة ، وما كانت لتنشئها قوة غير واعية مريدة مدبرة حكيمة .

   3 – كما أنّ الحياة صادرة عن إرادة واحدة – إرادة الله سبحانه – حادثة بقدره ، كذلك هي ناشئة – بتلك الإرادة وهذا القدر – من أصل واحد . . الماء . . ((  وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ )) . . ((  وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاء )) ] مقومات التصور الإسلامي . ص 363 .

([5]) [ الإنسان مخلوق خاص ، ذو كيان متميّز ، تميزه في ازدواج عناصر تكوينه ، مستخلف في الأرض ، مزود بخصائص الخلافة ، وأولى هذه الخصائص : الاستعداد للمعرفة النامية المتجددة . ومجهز لاستقبال المؤثرات الكونية والانفعال بها والاستجابة لها ، ومن مجموع انفعالاته واستجاباته يتألف نشاطه الحركي للتعمير والتغيير والتعديل والتحليل والتركيب والتطوير في مادة هذا الكون وطاقاته . . للنهوض بوظيفة الخلافة .

   . . . وهو كائن كريم على الله ، ذو مركز عظيم في تصميم الوجود – على الرغم من كل ما في طبيعته من استعداد للضعف والخطأ ، والقصور والتردي – ولكن استعداده للمعرفة الصاعدة ، ولحمل أمانة الاهتداء ، وللتبعة ، يجعله كائناً فريداً ، يستحق تكريم الله له ، واختصاصه بمقام الخلافة في الأرض عنه – سبحانه – وقبول توبته ، كما يستحق تلك العناية الإلهية به بإرسال رسله ورسالاته . . وهو أكرم من كل ما هو مادي ، لأن كل ما هو مادي مخلوق له . =

   = . . . وهو كائن يتعامل مع الكون كله ومَن فيه وما فيه . . وهو يتعامل مع ربه كما يتعامل مع الملأ الأعلى من الملائكة ، ومع الجن والشياطين ، ومع نفسه واستعداداته المتنوعة ، ومع سائر الأحياء الكونية ، ومع طاقات الكون الظاهرة والخفية ، ومع مادة هذا الكون وأشيائه . . والكون مهيأ للتعامل معه ، كما أنه مجهز بوسائل التعامل مع الكون ، ومع ربّ الكون ، بما ركب فيه من روح وعقل وحواس وقوى وطاقات تناسب ازدواج عناصر تكوينه .

   وهو مستعد حسب تكوينه الذاتي – لأن يرتفع إلى أرقى من آفاق الملائكة المقربين ، كما هو مستعد لأن ينحط إلى أدنى من درجات الحيوان البهيم . وذلك حسب ما يبذل هو من جهد في تزكية نفسه أو تدسيتها ، وحسبما يلتقي من عون من الله وهداية ورعاية ، مرجعها ما يبذل من جهد ورغبة واتجاه ومحاولة في الارتباط ببارئه ومنهجه وتوجيهه . . فهو من ثم – أعجب كائن وأغرب جهاز ، يحتوي هذه الاستعدادات المتباعدة الآماد . ولا نعرف أن هناك كائناً آخر له هذه الخصائص ! سواء الملائكة أو الشياطين ، أو صنوف الحيوان ، أو عناصر المادة وأجهزتها ] . مقومات التصور الإسلامي . ص 367 – 368 .

([6]) يقول تعالى : (   قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ . . . ) [ الأنعام : 162 ، 163 ]  . فيشمل كافة جوانب حياة الإنسان .

([7]) يقول تعالى : (   قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) [ الاعراف : 158 ]  . فهو للعالمين ، يشمل جميع الناس .

([8]) يقول تعالــى : (  مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء ) [ الأنعام : 38 ] . ويقول تعالـى : (  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم ) [ المائدة : 3 ] . لا نقص فيه ، يستجيب لكل زمان ومكان .

([9]) يقول تعالى : (  وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين ) [  آل عمران : 139 ] . ويقول تعالى : (إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّين )      [ المطففين : 18 ] . فهو يرقى بالمؤمن إلى أفق عالٍ ، ومستوى رفيع .

([10]) [ يهتم بالداعي وبصفاته الأخلاقية والسلوكية ، كالأمانة والصدق والإخلاص والرحمة ، والوعي ، والفقه إلخ . كما يهتم بالوسائل والقواعد التي يتبعها ويطبقها ، والمراحل التي يجب أن يمر بها ] فهم الإسلام في ظلال الأصول العشرين . ص 32 .

([11]) تعريف الإسلام للناس ، وبيانه ، بصورة واضحة صحيحة ؛ بعيدة عن تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين . 

([12]) تكوين جماعة من المؤمنين بهذا الإسلام الصحيح ؛ جماعة متآخية ، مؤتلفة ، متراصة .

([13]) تقوم هذه الجماعة بحمل أمانة الإسلام على عاتقها ؛ بتطبيقها على نفسها ، ونشرها بين الناس .

([14]) رواه الترمذي في سننه ، وقال : هذا حديث حسن صحيح . ورواه أبوداود في سننه بلفظ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» . قال الشيخ الألباني : صحيح .

([15]) أنظر : فهم الإسلام في ظلال الأصول العشرين – جمعة أمين عبد العزيز . ص 84 . مكتبة الرائد . العراق - بغداد

([16]) أي : سبب عدم رفع الأيدي عند الركوع وعند الرفع منه : هو أنه لم يصح – عند أبي حنيفة – حديث عن النبيّ r ، فيه ! لا أنه يردّ حديث النبيّ r ! بسبب الهوى والجهل ، حاشاه !

([17]) يعني : عبد الله بن مسعود t .

([18]) (( حجة الله البالغة )) 1 / 331 ؛ و (( محاسن المساعي في سيرة الأوزاعي )) ص 67 ؛ و (( فتح القدير )) لابن همام 1 / 219 ؛ و (( عقود الجواهر المنيفة )) 1 / 61 . عن : السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي – الدكتور مصطفى السباعي . ص 627 . دار ابن حزم .

([19]) المغني لابن قدامة ( 1 / 380 ) .

([20]) الإنتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء – ابن عبد البر ( 1 / 106 ) .

([21]) مجموع الفتاوى ( 20 / 164 ) .

([22]) منهاج السنة النبوية ( 6 / 259 ) . المحقق: محمد رشاد سالم - الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الطبعة: الأولى، 1406 هـ - 1986 م .

([23]) مجموع الفتاوى ( 12 / 206 – 208 ) .

([24])  قال الإمام الذهبي : [  أبو ثور ( د ، ق )  

إبراهيم بن خالد ، الإمام الحافظ الحجة المجتهد ، مفتي العراق أبو ثور ، الكلبي البغدادي الفقيه ، ويكنى أيضا أبا عبد الله  ولد في حدود سنة سبعين ومائة .

وسمع من : سفيان بن عيينة ، وعبيدة بن حميد ، وأبي معاوية الضرير ، ووكيع بن الجراح وابن علية ، ويزيد بن هارون ، ومعاذ بن معاذ ، وروح بن عبادة ، وأبي قطن ، وأبي عبد الله الشافعي ، وطبقتهم .

حدث عنه : أبو داود ، وابن ماجه . . . وروى عنه أيضا : قاسم بن زكريا المطرز ، وأحمد بن الحسن الصوفي ، وأبو القاسم البغوي ، ومحمد بن إسحاق السراج ، ومحمد بن صالح بن ذريح العكبري ، وخلق سواهم . وجمع وصنف . 

 قال أبو بكر الأعين : سألت أحمد بن حنبل عنه ، فقال : أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة ، وهو عندي في مسلاخ ، سفيان الثوري .

وقال النسائي : ثقة مأمون ، أحد الفقهاء .

وقال أبو حاتم بن حبان : كـان أحـد أئمة الدنيا فقها وعلما وورعا وفضلا . صنف الكتب ، وفرع على السنن ، وذب عنها ، رحمه الله تعالى . ذكره الخطيب ، وأثنى عليه ، وقال : توفي في صفر سنة أربعين ومائتين . 

قلت : عاش سبعين سنة أو أكثر . . .

وقد كان أحمد يكره تدوين المسائل ، ويحض على كتابة الأثر ، فقال عبد الرحمن بن خاقان : سألت أحمد بن حنبل عن أبي ثور ، فقال : لم يبلغني عنه إلا خير ، إلا أنه لا يعجبني الكلام الذي يصيرونه في كتبهم .

وقيل : سئل أحمد عن مسألة ، فقال للسائل : سل غيرنا ، سل الفقهاء سل أبا ثور .

وقال بدر بن مجاهد : قال لي سليمان الشاذكوني : اكتب رأي الشافعي ، واخرج إلى أبي ثور ، ولا يفوتنك بنفسه .

قال الخطيب : كان أبو ثور يتفقه أولا بالرأي ، ويذهب إلى قول العراقيين ، حتى قدم الشافعي ، فاختلف إليه ، ورجع عن الرأي إلى الحديث .

وقال أبو حاتم يتكلم بالرأي ، فيخطئ ويصيب ، ليس محله [ ص: 76 ] محل المسمعين في الحديث . =

= قلت : بل هو حجة بلا تردد .

مات في صفر سنة أربعين ومائتين ] ( سير أعلام النبلاء 9 / 467 – 468 ) .

([25]) سير أعلام النبلاء ( 9 / 471 ) .

([26]) هـذا لفظ البخــاري فــي صحيحه . ولفـظ مسـلم فـي صحيحه : (( خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم ))  .

([27]) قال الإمام الذهبي عنه : [  أحمد بن سلمة الحافظ الحجة أبو الفضل النيسابوري البزاز المعدل رفيق مسلم في الرحلة إلى بلخ وإلى البصرة  ] ( تذكرة الحفاظ 2 / 156 ) .

([28]) سير أعلام النبلاء – الإمام الذهبي ( 12 / 460 – 462 ) .

([29]) نفس المصدر ( 12 / 572 ) .

([30]) سير أعلام النبلاء – الإمام الذهبي ( 12 / 510 – 511 ) .

([31]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الأنبياء ، باب قول الله تعالى } وهل أتاك حديث موسى { ، ( 3 / 1244 ) ، حديث : 3215 . وصحيح مسلم ، كتاب الفضائل ، باب في ذكر يونس عليه السلام . . . ، ( 4 / 1846 ) ، حديث : 167 .

([32]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الأنبياء ، باب قول الله تعالى } وإن يونس لمن المرسلين { ، ( 3 / 1254 ) ، حديث : 3233 . وصحيح مسلم ، كتاب الفضائل ، باب من فضائل موسى r ، ( 4 / 1843 ) ، حديث : 159 .

([33]) تفسير المنار – الشيخ محمد رشيد رضا ( 7 / 497 – 498 ) .

([34]) سورة النحل : 120 -123 .

([35]) سورة مريم : 41 .

([36]) سورة التوبة : 114 .

([37]) سورة هود : 75 .

([38]) سورة الصافات : 109 .

([39]) سورة الشعراء : 86 .

([40]) سورة الممتحنة : 4 .

([41]) سورة التوبة : 114 .

([42]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، ( 1 / 14 ) ، حديث : 13 . وصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير ، ( 1/ 67 ) ، حديث : 71 .

([43]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، واللفظ له ، كتاب الأدب ، باب رحمة الناس والبهائم ، ( 5 / 2238 ) ، حديث : 5665 . وصحيح مسلم ، كتاب البر والصلة والآداب ،  باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم ، ( 4 / 1999 ) ، حديث : 66 .

([44]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر ، ( 5 / 2253 ) ، حديث : 5717 . وصحيح مسلم ، كتاب البر والصلة والآداب ، باب تحريم الظن ، والتجسس ، والتنافس ، والتناجش ونحوها ، ( 4 / 1985 ) ، حديث : 28 .

([45]) قال الفضيل بن عياض رحمه الله: " أخلصه وأصوبه " قيل يا أبا علي: "ما أخلصه وأصوبه " ؟. فقال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا ، لم يقبل . وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل ، حتى يكون خالصا صوابا. والخالـــص: أن يكـــون لوجــه الله، والصواب: أن يكون متبعا فيه الشرع والسنة  ( تفسير السعدي . ص 377 ) .

([46]) موقع ( الدرر السنية ) على الأنترنيت .

([47]) موقع ( شبكة سحاب السلفية ) على الأنترنيت .

([48]) منهج الأشاعرة في العقيدة تعقيب على مقالات الصابوني . ص 5 .

([49]) سيأتي قريباً قوله في ذلك .

([50]) منهج الأشاعرة . ص 7 . ربما يظن الشيخ سفر ، أنّ كل مَن لم يكن حنبلياً – كما هو مذهبه ، ومذهب دولته التي ترعرع فيها ! – فهو من أهل البدع ، وهو ليس على منهج السلف الصالح !

ولا ريب أنّ كل متعصب مذهبي يتشبث بمذهبه ، ويطعن في المذاهب الأخرى ، ويظن أنّ مذهبه هو – فقط – على الصواب ، ويستحق المدح والثقة !

ولاسيما إذا عرفنا العداوة التاريخية والتقليدية بين الأشاعرة والحنابلة !

حيث وصل الأمر – في بعض المرات – إلى الإقتتال والقتل .

ولقد منعوا أن يُدفن الإمام الطبري – المفسر ، المحدّث ، المؤرخ ، العالم ، . . .  – في المقبرة ، فدُفن في بيته !

لماذا ؟ لأنّ الحنابلة – المتعصبين – لم يعجبهم قوله ورأيه !  

([51]) سير أعلام النبلاء – الإمام الذهبي ( 7 / 184 – 187 ) .

([52]) سير أعلام النبلاء – الإمام الذهبي ( 9 / 434 – 436 ) .

([53]) البحر المحيط في التفسير – ابن حيان ( 4 / 270 ) .

([54]) فتح الباري شرح صحيح البخاري – ابن حجر ( 13 / 538 – 539 ) .

([55]) البحر المحيط ( 6 / 294 ) .

([56]) تفسير المراغي – أحمد بن مصطفى المراغي ( 17 / 39 ) .

[57] جامع البيان في تأويل القرآن - محمد بن جرير الطبري ( 18 / 451 ) .

 

([58]) فتح الباري – ابن حجر ( 13 / 425 ) .

([59]) سير أعلام النبلاء ( 16 / 457 ) .

([60]) الإستيعاب – ابن عبد البر ( 3 / 1116 ) .

([61])الإستيعاب – ابن عبد البر ( 3 / 1090 ) .

([62]) المصدر السابق ( 2 / 798 – 799 ) .

([63]) تاريخ ابن معين – رواية ابن محرز ( 1 / 159 ) .

([64]) نفس المصدر .

([65]) طبقات الحنابلة – أبو الحسين بن أبي يعلى ( 2 / 120 ) .

([66]) موسوعة أقوال الإمام أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله ( 4 / 396 ) .

([67]) منهاج السنة – ابن تيمية ( 7 / 287 ) .

([68]) متن الطحاوية بتعليق الألباني ( 1 / 31 ) .

([69]) نفس المصدر ( 1 / 36 ) .

([70]) الإيمان – ابن تيمية ( 1 / 299 ) .

([71]) سير أعلام النبلاء – الذهبي ( 6 / 414 ) .

([72]) فتح الباري ( 1 / 394 ) .

([73]) سير أعلام النبلاء – الذهبي ( 5 / 275 ) .

([74]) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا . . . ) السجدة : 16

([75]) العلز: القلق والكرب عند الموت، وشبه رعدة تأخذ المريض أو الحريص على الشئ كأنه لا يستقر في مكانه من الوجع .

([76]) سير أعلام النبلاء – الذهبي ( 5 / 364 – 367 ) .

([77]) السنة لأبي بكر بن الخلال ( 3 / 533 ) .

([78]) أنظر : السلفية . . . الشيخ حسن بن علي ، ص 90 – 96  .

([79]) جلباب المرأة المسلمة . ص 72 .

([80]) درء تعارض العقل والنقل ( 1 / 388 ) .

([81]) المصدر نفسه ( 2 / 148 ) .

([82]) على حد قول الحافظ ابن تيمية ، فإنّ طائفة من الصحابة والتابعين يقولون بذلك أيضاً !

([83]) لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية ( 2 / 235 ) .

 

([84]) يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار . ص 42 .

([85]) جلاء العينين في محاكمة الأحمدين . ( 488 – 489 ) .

([86]) لا شك أن مَن يؤمن بأن العرش هو مستَقَرّ الرحمن – تعالى الله عن ذلك – فهذا القول من العظائم ؛ ومع ذلك أنه يقعد النبيّ r عليه ! فهو من أعظم العظائم ! !

أما إذا آمن بأن العرش هو مخلوق من مخلوقات الله تعالى – وهو كذلك – بل من أعظم مخلوقات الله تعالى ، وأنه يمثل رمزاً كريماً لسلطان جبار السماوات والأرض ، فلا بأس بهذا القول كرمز لعلو مرتبة النبيّ r  ،و للدلالة على عظمة مكانته ،  وقربه من الله تعالى ، وحبّ الرحمن له ! كما اهتز – العرش – لسعد بن معاذ ! وكما يظلل عباد الله الصالحين يوم القيامة ! والله تعالى أعلم !

([87]) مختصر العلو للعلي العظيم للذهبي . ص 18 .

([88]) درء تعارض العقل والنقل ( 2 / 7 ) .

([89]) البشارة والإتحاف . . . الشيخ حسن بن علي – ص 16 – 24 – بتصرف .

([90]) أمّا الذين يعتبرون أنفسهم من أتباع السلف الصالح دون غيرهم ، ويسمّون أنفسهم بالسلفية – في عصرنا هذا – فهم أشد اختلافاً .وهم فَرق وجماعات ! وكلٌّ يدّعي وصل ليلى !

 

([91]) الصحوة الإسلامية بين الإختلاف المشروع ، والتفرّق المذموم – د . يوسف القرضاوي .

([92]) أبو زرعة ترك البخاري أيضاً وهجره ، بسبب : أنّ الإمام البخاري كان يقول : لفظي بالقرآن مخلوق !

([93]) وهل هؤلاء أنبياء معصومون ، وهل الأنبياء المعصومين قالوا : إذا لم نفعل نحن شيئاً ، فلا يجوز لغيرنا أن يفعله  ؟ !

([94]) وكان الإمامان : البخاري ومسلم يقولان ذلك !

([95]) هل الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، مقياس ، إذا اختلف مع أحد وهجره ، يجب على الأمة هجر ذلك الشخص ؟

([96]) سير أعلام النبلاء – الذهبي ( 9 / 488 ) .

([97]) ميزان الإعتدال – الذهبي ( 1 / 430 ) .

([98]) يقول تعالى ( ولا تنابزوا بالألقاب ) ! فهل يجوز هذا التنابز ، وهو مشهور بالمحاسبي ؟ !

([99]) هل سأل إمامه : لماذا لا أجالسه ، ولا أكلمه ؟ وأين ذهب : كلّ واحد يؤخذ من كلامه ويُردّ إلّا رسول الله r ؟ ! وأين هو من قول رسول الله r : وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ؟

([100]) طبقات الحنابلة – ابن أبي يعلى ( 1 / 233 – 234 ) .

([101]) صحيح البخاري ، كتاب الرقاق ، باب التواضع ، ( 5 / 2384 ) ، حديث : 6137 .

([102]) سورة البقرة : 285 – 286 .

([103]) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان قوله تعالى } وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه { ، ( 1 / 116 ) ، حديث : 200

([104]) متفـق عليـه ؛ صحيـح البخـاري ، كتـاب الإعتصـام بالكتـاب والسنة ،  بـاب أجـر الحاكـم إذا اجتـهد فأصـاب أو أخطـأ ،  ( 6 / 2676 ) ، حديـث : 6919 . وصحيـح مسـلم ، كتـاب الأقضيـة ،  بـاب بيـان أجـر الحـاكـم إذا اجتهد فأصاب ، أو أخطأ ، ( 3 / 1342 ) ، حديث : 15 . كلاهما بلفظ : إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ .

([105]) ألا ينطبق هذا الكلام على كثير من أتباع الإمام أحمد ، رحمه الله ، مع إمامهم ؟ !

([106]) ألا ينطبق هذا الكلام على كثير ، ممن يظنون أنهم من أتباع السلف الصالح ؟ !

([107]) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان – ابن تيمية ( 1 / 144 – 148 ) .

([108]) ميزان الإعتدال – الذهبي ( 1 / 111 ) .

([109]) سير أعلام النبلاء – الذهبي ( 4 / 558 ) .

([110])المصدر نفسه ( 5 / 399 ) .

([111]) سير أعلام النبلاء ( 7 / 40 – 41 ) .

([112]) نفسه ( 7 / 143 ) .

([113]) سير أعلام النبلاء  ( 12 / 61 ) .

([114]) نفس المصدر ( 14 / 505 ) .

([115]) نفسه ( 17 / 462 ) .

([116]) نفسه ( 18 / 81 ) .

([117]) ميزان الإعتدال للإمام الذهبي ( 3 / 607 ) .

([118])المصدر نفسه ( 4 / 303 – 304 ) .

([119]) جامع العلوم والحكم – ابن رجب الحنبلي ( 2 / 267 – 268 ) .

[120] سورة النور : 63 .

([121]) هامش فيض القدير للمناوي – ماجد الحموي ( 4 / 371 ) .

([122]) صحيح البخاري . رقم 6502 .

([123]) شرح رياض الصالحين – ابن عثيمين ( 1 / 256 ) .

([124]) شرح سنن أبي داود – عبد المحسن العباد ( 26 / 447 ) .

[125] سورة الأحزاب : 21 .

([126]) الرسول r - سعيد حوى . ص ( 127 – 128 ) .

([127]) المنمق في أخبار قريش ( 1 / 339 – 340 ) – تحقيق : خورشيد أحمد فاروق .

([128]) المعجم الكبير للطبراني ( 20 / 342 ) .

([129]) دلائل النبوة للإمام البيهقي ( 2 / 350 ) .

([130]) تفسير البغوي ( 2 / 376 ) .

([131]) تفسير ابن كثير ( 4 / 169 ) .

([132]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة الفتح ، ( 4 / 1557 ) ، حديث : 4025 . وصحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة ، ( 4 / 1941 ) ، حديث : 161 .

([133]) شرح صحيح البخاري لابن بطال ( 3 / 162 – 163 ) .

([134]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الصوم ، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر ، ( 2 / 684 ) ، حديث : 1834 . وصحيح مسلم ، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم . . . ، ( 2 / 781 ) ، حديث : 81 .

([135]) صحيح البخاري ، كتاب الوضوء ، باب صب الماء على البول في المسجد ، ( 1 / 89 ) ، حديث : 217 .

([136]) شرح رياض الصالحين – ابن عثيمين ( 3 / 586 ) .

([137]) صحيح البخاري ، كتاب النكاح ، باب الوليمة الحق ، ( 5 / 1982 ) ، حديث : 4871 .

([138]) صحيح مسلم ، كتاب الفضائل ، باب كان رسول الله r أحسن الناس خُلُقا ، ( 4 / 1804 ) ، حديث : 51 .

([139]) سورة الزمر : 18 .

([140]) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . النحل : 69

[141] سورة الزمر : 17 – 18 .

([142]) في ظلال القرآن – سيد قطب ( 5 / 3045 ) .

([143]) سورة الإسراء : 53 .

([144]) تفسير البيضاوي ( 3 / 258 ) .

([145]) تفسير ابن كثير ( 5 / 86 – 87 ) .

([146]) هذا الحديث في صحيح مسلم ، وليس في صحيح البخاري . والله أعلم .

([147]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد – ابن عبد البر ( 20 / 250 – 255 ) .

([148]) نيل الأوطار – الشوكاني ( 8 / 360 – 361 ) .

([149]) منهاج السنة النبوية – ابن تيمية ( 8 / 56 – 57 ) .

[150] سورة الأحزاب : 5 .

[151] سورة البقرة : 286 .

[152]   صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان قوله تعالى } وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه { ، ( 1 / 116 ) ، حديث : 200

[153] أخرج البخاري في صحيحه ، كتاب المغازي ،  باب شهود الملائكة بدرا ، عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم  : ( الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه ) ، ( 4 / 1472 ) ، حديث : 3786 . وأخرج مسلم في صحيحه ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب فضل الفاتحة ، وخواتيم سورة الفاتحة . . . ، عن ابن عباس ، قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: " هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ " ، ( 1 / 554 ) ، حديث : 254 .

[154] صحيح مسلم ، كتاب التوبة ، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه ، ( 4 / 2109 ) ، حديث : 24 .

[155] متفق عليه ؛ عن أنس ، في الحديث الطويل عن الشفاعة ، منها : . . . فَأَقُولُ: رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: انْطَلِقْ، فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ، أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ لِي: انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ إِلَى رَبِّي فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ لِي: انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ . . . فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ لَكَ - أَوْ قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ إِلَيْكَ - وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجلالي، لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، " " وهذا لفظ مسلم . صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ،  باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم ، ( 6 / 2727 ) ، حديث : 7072 . وصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ،  باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها ، ( 1 / 182 ) ، حديث : 326 .

 

[156] سورة النساء : 165 .

[157] سورة الأنعام : 130 .

[158] سورة فاطر : 37 .

[159] سورة الزمر : 71 .

[160] سورة الإسراء : 15 .

[161] سورة القصص : 59 .

[162] سورة الملك : 8 .

[163] سورة الملك : 9 .

[164] سورة طه : 124 .

[165] سورة القصص : 47 .

[166] سورة الأنبياء : 78 -79 .

[167] سورة الحشر : 5 .

[168] متفق عليه ؛ عن عمرو بن العاص ؛ صحيح البخاري ، كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة ،  باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ ، ( 6 / 2676 ) ، حديث : 6919 . وصحيح مسلم ، كتاب الأقضية ،  باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب ، أو أخطأ ، ( 3 / 1342 ) ، حديث : 15 .

[169] صحيح مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها ، ( 3 / 1357 ) ، حديث : 3 .

([170]) مجموع الفتاوى – ابن تيمية ( 12 / 487 – 496 ) .

([171]) صفة الصفوة – ابن الجوزي ( 2 / 113 ) .

([172]) صفة الصفوة – ابن الجوزي ( 2 / 292 ) .

([173]) العقيدة الإسلامية ومذاهبها – د . قحطان عبد الرحمن الدوري ص 338 و 405 – 406 ) .

([174]) إلجام العوام عن علم الكلام – أبو حامد الغزالي . ص 2 .

([175])المصدر  نفسه . ص 7 .

[176] سورة الرعد : 2 .

[177] سورة البقرة : 29 .

([178]) إلجام العوام  . ص 15 .

([179]) سورة الرعد ، آية : 2 .

([180]) سورة البقرة ، آية : 39 .

([181]) المنهجية العامة في العقيدة والفقه والسلوك . . . – عبد الفتاح بن صالح اليافعي . ص 55 – 56 .

([182]) التجسيم والمجسمة وحقيقة عقيدة السلف . . . عبد الفتاح بن صالح اليافعي . ص 249 .

([183])مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ( 3 / 924 ) .

([184]) التجسيم والمجسمة . . . اليافعي . ص 249 .

([185]) العقيدة الإسلامية في القرآن الكريم ومناهج المتكلمين – د . محمد عياش الكبيسي . ص 25 – 26 .

([186]) التجسيم والمجسمة . الشيخ عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي . ص 264 .

([187]) تفسير ابن أبي حاتم – ابن أبي حاتم ( 10 / 3366 ) .

([188]) تفسير الطبري ( 23 / 554 – 555 ) .

[189] سورة البقرة : 187 .

[190] متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الصوم ، باب قول الله تعالى } واكلوا واشربوا حتى يتبين لكم . . . ، ( 2 / 677 ) ، حديث : 1817 . وصحيح مسلم ، كتاب الصيام ، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر . . . ، ( 2 / 766 ) ، حديث : 33 .

([191])  صحيح مسلم بشرح النووي  ( 7 / 200 – 201 ) .

([192])المصدر نفسه ( 7 / 201 ) .

[193] متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الزكاة ، باب أي الصدقة أفضل وصدقة الصحيح الشحيح ، ( 2 / 515 ) ، حديث : 1354 . وصحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، باب من فضائل زينب أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، ( 4 / 1907 ) ، حديث : 101 .

([194]) صحيح مسلم بشرح النووي  ( 16 / 8 – 9 ) .

([195]) هامش فيض الباري على صحيح البخاري – بتحقيق محمد بدر عالم الميرتهي ( 3 / 101 ) .

([196]) معالم السنن – الخطابي ( 1 / 301 – 302 ) .لب

([197]) سورة المدثر ، آية : 4 .

([198]) تفسير السعدي . ص 895 .

([199]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الزكاة ، باب ما يذكر في الصدقة للنبيّ r ، ( 2 / 542 ) ، حديث : 1320 . وصحيح مسلم ، كتاب الزكاة ، باب تحريم الزكاة على رسول الله r وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم ، ( 2 / 751 ) ، حديث : 161 .

([200]) شرح النووي على مسلم ( 7 / 175 ) .

([201]) فتح الباري ( 5 / 333 ) .

([202]) نفس المصدر ( 5 / 335 ) .

([203]) سورة يوسف : 2 .

([204]) تفسير الطبري ( 15 / 551 ) .

([205]) سورة إبراهيم ، آية : 4 .

([206]) شرح النووي على مسلم ( 18 / 77 ) .

(([207] سورة الفرقان ، آية : 27 .

(([208] تفسير الكشاف للزمخشري ( 3 / 276 ) .

(([209] فتح الباري شرح صحيح البخاري ( 8 / 664 ) .

 

([210]) أنا لا أسمي صاحب هذا الكلام ، لأنه ليس قصدي أشخاص ، بل أناقش فكرة لها أنصارها !

(([211] نحن الآن لسنا بصدد الردّ على هذا التخريف !

([212]) لا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم . [  قال ابن عباس: " التفسير على أربعة أوجه : وجه تعرفه العرب بكلامها ، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل " وهذا صحيح.

أما الذي تعرفه العرب بكلامها، فهو حقائق اللغة وموضوع كلامهم .

وأما الذي لا يعذر أحد بجهالته ، فهو ما يلزم الكافة في القرآن من الشرائع وجملة دلائل التوحيد .

وأما الذي يعلمه العلماء، فهو وجوه تأويل المتشابه وفروع الأحكام.

وأما الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل، فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة.

وهذا التقسيم الذي ذكره ابن عباس صحيح ] تفسير الماوردي - النكت والعيون ( 1 / 36 ) .   

 

([213]) صحيح البخاري .

([214]) عطاء ، رحمه الله ، كان تابعياً . ويقصد بقوله : ( كانوا ) : الصحابة وكبار التابعين وأتباعهم .

([215]) وإبراهيم ، رحمه الله ، أيضاً من التابعين . [وَكَانَ بَصِيْراً بِعِلْمِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَاسِعَ الرِّوَايَةِ، فَقِيْهَ النَّفْسِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، كَثِيْرَ المَحَاسِنِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ( سير أعلام النبلاء – الذهبي  4 / 521 )  ] . ويقصد بقولــه : ( كانوا ) : الصحابة وكبار التابعين .

([216]) أنظر : مصنف ابن أبي شيبة ( 8 / 374 – 376 ) .

([217]) شرح صحيح البخاري لابن بطال ( 9 / 146 – 147 ) .

([218]) الإستذكار – ابن عبد البر ( 4 / 317 – 318 ) .

([219]) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة ( 5 / 5 ).

([220]) أنظر سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 13 / 439 – 443 ) .

([221]) سورة الإسراء : 29 .

([222]) نفس المصدر ( 17 / 433 ) .

([223]) تفسير ابن كثير ( 5 / 70 ) .

[224] سورة الإسراء : 13 .

([225]) تفسير الطبري ( 17 / 397 ) .

([226]) تفسير ابن كثير ( 5 / 51 ) .

([227]) سورة المائدة : 64 .

([228]) تفسير ابن كثير ( 3 / 146 ) .

([229]) تفسير الطبري ( 10 / 450 – 452 ) .

[230] سورة الإسراء : 64 .

([231]) تفسير ابن كثير ( 3 / 147 ) .

([232]) فتح القدير للإمام الشوكاني ( 2 / 66 ) .

[233] سورة ص : 17 .

([234]) تفسير الطبري ( 21 / 166 – 168 ) .

([235]) تفسير ابن كثير ( 7 / 57 ) .

([236]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ( 1 / 711 ) .

([237]) سورة الأعراف : 57 .

([238]) تفسير الطبري ( 12 / 492 ) .

([239]) تفسير ابن كثير ( 3 / 430 ) .

([240]) تيسير الكريم . . . ( 1 / 292 ) .

([241]) محاسن التأويل – القاسمي ( 5 / 106 ) .

([242]) سورة سبأ : 46 .

([243]) تيسير الكريم . . للشيخ السعدي ( 1 / 682 ) .

([244]) أيسر التفاسير – أبو بكر الجزائري ( 4 / 331 ) .

([245]) تفسير الطبري ( 20 / 418 ) .

([246]) سورة البقرة : 97 .

([247]) تفسير الطبري ( 2 / 392 ) .

([248]) تيسير الكريم ( 1 / 60 ) .

([249]) سورة المجادلة : 12 .

([250]) تفسير الطبري ( 23 / 247 ) .

([251]) تفسير السعدي . ص 846 .

 

([252]) سورة الأعراف ، آية : 57 .

([253]) سورة الفرقان ، آية : 48 .

([254]) سورة سبأ ، آية : 46 .

([255]) سورة المجادلة ، آية : 12 .

([256]) سورة المجادلة ، آية : 13 .

([257]) سورة آل عمران ، آية : 3 .

([258]) سورة المائدة ، آية : 48 .

([259]) سورة الأنعام ، آية : 92 .

([260]) سورة يوسف ، آية 111 .

([261]) سورة سبأ ، آية : 31 .

([262]) سورة فصلت ، آية : 42 .

(([263] صحيح البخاري .

(([264] متفق عليه .

(([265] متفق عليه .

(([266] صحيح مسلم .

(([267] صحيح مسلم .

(([268] متفق عليه .

(([269] صحيح البخاري .

([270]) صحيح البخاري .

([271]) صحيح مسلم .

([272]) المصدر نفسه .

([273]) صحيح ابن خزيمة .

([274]) المصدر نفسه .

([275]) مسند الإمام أحمد بن حنبل :المحقق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون .

([276]) المصدر نفسه .

([277]) نفسه .

([278]) صحيح ابن حبان .

([279]) صحيح البخاري .

(([280] سورة يونس ، آية : 2 .

([281]) المصدر السابق ( 1 / 357 ) .

([282]) تفسير الطبري ( 15 / 14 – 16 ) .

([283]) تفسير ابن كثير ( 4 / 246 ) .

([284]) سورة آل عمران : 72 .

([285]) تفسير ابن كثير ( 2 / 59 ) .

([286]) تفسير الطبري ( 6 / 507 ) .

([287]) تيسير الكريم . . ( 1 / 134 ) .

([288]) أنظر ص 106 ، من هذه الرسالة .

([289]) أنظر ص 130 ، من هذه الرسالة .

([290]) سورة الأنبياء : 11 – 12 .

([291]) سيرة ابن اسحاق ( 1 / 327 ) .

([292]) تفسير الكشاف للزمخشري ( 4 / 593 – 595 ) .

([293]) سورة الأنعام : 158 .

([294]) تفسير القرطبي ( 7 / 144 – 145 ) .

([295]) سورة البقرة : 210 .

([296]) تفسير القرطبي ( 3 / 25 – 26 ) .

([297]) سورة المؤمنون : 99 .

([298]) سورة الأعراف : 34 .

([299]) سورة التوبة : 48 .

([300]) سورة هود : 40 .

([301]) سورة الإسراء : 5 .

([302]) سورة العنكبوت : 10 .

([303]) سورة محمد : 18 .

([304]) سورة يوسف : 19 .

([305]) سورة النازعات : 34 .

([306]) سورة الزمر : 59 .

([307]) سورة الأعراف : 73 .

([308]) سورة يونس : 57 .

([309]) سورة يونس : 22 .

([310]) سورة الأنعام : 31 .

([311]) سورة الأنعام : 109 .

([312]) سورة الأعراف : 131 .

([313]) سورة النساء : 174 .

([314]) سورة عبس : 33 .

([315]) سورة الفجر : 22 .

([316]) تفسير الطبري ( 23 / 41 ) .

([317]) البداية والنهاية – ابن كثير ( 10 / 327 ) .

([318]) التجسيم والمجسمة . . . عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي . ص 258

([319]) سورة الفرقان : 23 .

([320]) تفسير ابن كثير ( 6 / 103 ) .

([321]) تفسير الطبري ( 19 / 256 – 257 ) .

([322]) الكشاف ( 3 / 274 ) .

([323]) سورة الذاريات : 47 .

([324]) تفسير الطبري ( 22 / 438 ) .

([325]) تفسير ابن كثير ( 7 / 424 9 ) .

([326]) أنظر ص 132 ، من هذه الرسالة .

([327]) المغازي للواقدي ( 2 / 595 ) .

([328]) جواهر البلاغة – السيد أحمد الهاشمي . ص 45 .

([329]) أنظر : الرسالة المدنية في تحقيق المجاز والحقيقة في صفات الله تعالى : ابن تيمية / مطبعة الزمان ، بغداد ، 1989 م .

([330]) الصفات الخبرية عند أهل السنة والجماعة : محمد عيّاش الكبيسي . ص 280 .

([331]) صحيح مسلم بشرح النووي : 16 / 204 .

([332]) تفسير المنار : 6 / 456 .

(([333] الصفات الخبرية عند أهل السنة والجماعة : محمد عيّاش الكبيسي . ص 280 – 281 .

([334]) وماذا يقول الشيخ عن قول الله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ) [ سورة يس ، آية 71 ] ؟ .

(([335] سورة ق ، آية : 6 .

([336]) سورة النازعات ، آية : 27 .

([337]) لسان العرب : ابن منظور ( 15 / 424 ) .

([338]) سورة الأعراف ، آية : 195 .

([339]) تفسير الطبري ( 13 / 322 ) .

([340]) تفسير السعدي . ص 312 .

([341]) تفسير الجلالين . ص 224 .

([342]) تاج العروس من جواهر القاموس - مرتضى، الزَّبيدي ( 1 / 51 ) .

([343]) التعريفات الفقهية : محمد عميم الإحسان المجددي البركتي . ص 244 .

 

([344]) المفردات في غريب القرآن . ص 889 – 891 .

([345]) سورة البقرة ، آية : 237 .

([346]) سورة المائدة ، آية : 64 .

([347]) سورة الإسراء ، آية : 29 .

([348]) سورة المائدة ، آية : 110 .

([349]) سورة البقرة ، آية : 79 .

([350]) سورة يس ، آية : 71 .

([351]) سورة ص ، آية : 75 .

([352]) تفسير الجلالين . ص 605 .

([353]) التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج : د وهبة بن مصطفى الزحيلي ( 23 / 231 ) .

([354]) سورة الأعراف ، آية : 149 .

([355]) تفسير الطبري ( 13 / 118 ) .

([356]) تفسير ابن كثير ( 3 / 476 ) .

([357]) سورة الكهف ، آية : 42 .

([358]) تفسير الطبري ( 18 / 27 ) .

([359]) تفسير ابن كثير ( 5 / 160 ) .

([360]) سورة إبراهيم ، آية : 9 .

([361]) تفسير الطبري ( 16 / 534 ) .

([362]) تفسير السعدي . ص 422 .

([363]) موقع ( المعاني ) - على الإنترنيت .

([364]) إعجاز القرآن للباقلاني ( 1/ 26 ) .

([365]) المعجزة الكبرى القرآن – الشيخ أبو زهرة ( 1 / 53 – 54 ) .

([366]) الإعجاز البلاغي في قصة يوسف عليه السلام – علي الطاهر عبد السلام ( 1 / 18 – 19 ) .

([367]) مقدمة غريب القرآن في شعر العرب ( 1 / 19 – 20 ) .

([368]) غريب القرآن في شعر العرب ( 1 / 27 – 43 و 147 و 163 ) .

([369]) تاريخ الإسلام – الذهبي ( 2 / 436 ) .

[370] مسند البزار ، ومسند الحارث ، والمعجم الكبير للطبراني ، وشعب الإيمان للبيهقي ، ومسند أبي يعلي ، وغيرهم .قال الشيخ الألباني ، رحمه الله ، عنه : حسن .

([371]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ( 8 / 3130 ) .

([372]) شرح الأربعين النووية للعثيمين ( 1 / 365 ) .

([373]) صحيح مسلم ، كتاب الصيام ، باب فضل الصيام ، ( 2 / 807 ) ، حديث : 164 .

([374]) كشف المشكل من حديث الصحيحين – ابن الجوزي ( 3 / 166 – 167 ) .

([375]) شرح رياض الصالحين – ابن عثيمين ( 4 / 706 ) .

([376]) أنظر ص 21 ، من هذه الرسالة ؟

([377]) أنظر ص 46 ، من هذه الرسالة .

([378]) هذا على روايتهم ، وإلا فالرواية الصحيحة الثابتة : والكيف غير معقول ! وفي الروايات الأخرى : ولا يقال كيف ؟ والكيف عنه مرفوع !

([379]) صيد الخاطر لابن الجوزي . ص 91 – 93 .

([380]) سورة الأعراف : 51 .

([381]) تفسير الطبري ( 12 / 475 – 476 ) .

([382]) تفسير ابن كثير ( 3 / 424 – 425 ) .

([383]) تيسير الكريم . . . السعدي ( 1 / 290 ) .

([384]) محاسن التأويل للقاسمي ( 5 / 65 ) .

([385]) أتيته هرولة !

([386]) عبدي مرضت فلم تعدني !

([387]) ننساهم – فنسيهم !

([388]) سورة الأعراف : 54 .

([389]) تفسير الطبري ( 12 / 483 ) .

([390]) تفسير الطبري ( 1 / 428 – 430 ) .

([391]) تفسير ابن كثير ( 1 / 213 ) .

([392]) ولا أدري ، هل هذا الحكم ، يشمل مَن جحد ما وصف الله به نفسه ، ( ننساهم ) ؟ !

([393]) نفس المصدر ( 3 / 426 – 427 ) .

([394]) ولا ندري هل تأويل ( ننساهم ) بـ ( نتركهم ) يعتبر تحريفاً ؟ ! وكذلك ( أيدٍ ) بـ ( قوةٍ ) ؟ و( استوى ) بـ ( علا عليها علو مُلك وسلطان ، لا علو انتقال وزوال ) ؟ !

([395]) تفسير ابن كثير ( 5 / 273 ) .

([396]) صحيح البخاري ، كتاب الجهاد والسير ، باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل ، ( 3 / 1040 ) ، حديث : 2671 .

[397] صحيح مسلم ، كتاب الإمارة ، باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة ، ( 3 / 1504 ) ، حديث : 128 .

[398] صحيح مسلم ، كتاب الإمارة ، باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة ، ( 3 / 1505 ) ، حديث : 129 .

([399]) صحيـح البخـاري ، كتـاب فضـائل الصحـابة ، بـاب قول الله } ويؤثرون علـى أنفسـهم ولـو كـان بهـم خصـاصة { ، ( 3 / 1382 ) ، حديث : 3587 .

([400]) صحيح مسلم ، كتاب الأشربة ، باب إكرام الضيف وفضل إيثاره ، ( 3 / 1624 ) ، حديث : 172 .

[401] متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى } وجوه يومئذ ناضرة . إلى ربها ناظرة { ، ( 6 / 2704 ) ، جديث : 7000 . وصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب معرفة طريق الرؤية ، ( 1 / 163 ) ، حديث : 299 .

([402]) الأسماء والصفات للبيهقي ( 2 / 401 – 413 ) .

([403]) مشكل الحديث – ابن فورك ( 1 / 136 – 141 ) .

[404] صحيح البخاري ، كتاب الأيمان والنذور ، باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته ، ( 6 / 2453 ) ، حديث : 6284 .

[405] صحيح مسلم ، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء ، ( 4 / 2186 ) ، حديث : 35 .

([406]) صحيح ابن حبان ( 1 / 501 – 502 ) .

([407]) شرح ابن بطال لصحيح البخاري ( 6 / 120 ) .

([408]) إرشاد الساري – القسطلاني ( 9 / 384 ) .

([409]) إكمال المعلم شرح صحيح مسلم – القاضي عياض ( 8 / 188 ) .

([410]) طرح التثريب في شرح التقريب – الحافظ العراقي ( 8 / 176 – 177 ) .

([411]) فتح الباري شرح صحيح البخاري – ابن حجر ( 8 / 596 – 597 ) .

([412]) كشف المشكل من حديث الصحيحين – ابن الجوزي ( 3 / 244 – 245 ) .

([413]) صحيح مسلم بشرح النووي ( 17 / 182 – 183 ) .

([414]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد – ابن عبد البر ( 7 / 143 – 146 ) .

([415]) معالم السنن – شرح سنن أبي داود للخطابي ( 4 / 196 ) .

([416]) سير أعلام النبلاء – الذهبي ( 7 / 183 ) .

([417]) سير أعلام النبلاء ( 7 / 183 ) .

([418]) سورة الحديد : 4 .

([419]) تفسير الطبري ( 23 / 169 ) .

([420]) تفسير ابن كثير ( 8 / 9 ) .

([421]) تيسير الكريم . . . ( 1 / 837 ) .

([422]) محاسن التأويل – القاسمي ( 9 / 138 140 ) .

([423]) سير أعلام النبلاء ( 7 / 274 ) .

([424]) مجموع الفتاوى – ابن تيمية ( 5 / 103 – 104 ) .

([425]) دفع شبه التشبيه – ابن الجوزي . ص 113

[426] سورة القصص : 88 .

([427]) تفسير الطبري ( 19 / 643 ) .

([428]) تفسير ابن كثير ( 6 / 261 – 262 ) .

([429]) مجموع الفتاوى – ابن تيمية ( 2 / 427 – 429 ) .

([430]) قال في الفتح : ( 13 / 416 ) وصله الفريابي من رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد .

([431]) إن الله تعالى لم يخبر في القرآن أنه على العرش ! بل أخبر أنه : ( على العرش استوى ) ! واختلفوا في معنى ( استوى )

([432]) و ( علا ) أليس له مضاد ؟! هل كان في أسفل العرش ثم علا عليه ؟ سبحانه وتعالى !

([433]) قال الإمام ابن القيّم : رحمه الله : ( فَاسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ ، لِأَنَّ الْعَرْشَ مُحِيطٌ بِالْمَخْلُوقَاتِ قَدْ وَسِعَهَا ، وَالرَّحْمَةُ مُحِيطَةٌ بِالْخَلْقِ وَاسِعَةٌ لَهُمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأعراف: 156 ] فَاسْتَوَى عَلَى أَوْسَعِ الْمَخْلُوقَاتِ بِأَوْسَعِ الصِّفَاتِ ) مدارج السالكين ( 1 / 57 ) . ثم أليس هو ، سبحانه ، عالٍ على جميع المخلوقات ؟

([434]) الإعتراضات على تفسير ( استوى ) بـ( استولى ) تنسحب على ( علا ) و ( ارتفع ) أيضاً ! فهل كان ، سبحانه وتعالى ، في إنخفاض ثم علا وارتفع ؟ !

([435]) هذا هو الصحيح : والكيف غير معقول . وليس : الكيف مجهول ! وهناك فرق كبير بين المعنيين : فالمجهول سيعرف مستقبلاً ! أما غير المعقول فسيبقى غير معقول أبد الدهر ! !

([436]) وأين كان ، سبحانه ، قبل خلقه العرش ؟ !

([437]) الجميع – ولله الحمد – يؤمنون بما وردت به السنة من صفات الله تعالى ، لا خلاف في ذلك ! الخلاف هو في أي ذلك هو من صفاته ؟ !

([438]) الجميع يؤمن بأنه تعالى ، هو كما وصف نفسه ! !

([439]) ( وكيف ) عنه مرفوع ! أي لا كيف له ! بعكس من يفتري على السلف ، ويتحدث باسمهم ويقول : لا نعرف الكيفية ! يعني : ( كيف ) عنه غير مرفوع ، وسيعلم في حينه !

([440]) لا أدري أين وصف الله تعالى نفسه في كتابه : أنه على العرش ؟ ! فقد جاء في القرآن : ( الرحمن على العرش استوى ) ، ( ثم استوى على العرش ) ! ! وقد اختلفوا في معنى استوى على عدة أقوال ، أحدها : علا وارتفع !

([441]) صدقوا ، رحمهم الله تعالى ، وأصابوا : لا نتوهم !

([442]) ( بلا كيف ) . وهذا هو الصحيح والصواب . وليس إثبات الكيفية ، ولكنها مجهولة عندهم ! ( والكيف مجهول ) !

([443]) فالإمام إسحاق بن راهويه ، رحمه الله ، يدافع – هنا – عن أهل السنة والجماعة ، وينفي عنهم التشبيه ؛ بأنهم ليسوا مشبهة كأهل البدع ! إعتماداً على قول الله تعالى : ( ليس كمثله شيء ) في كل شيء ، وليس فقط في النوعية !

([444]) فمن أقحم ( الأشعرية والماتريدية  ) في أهل البدع هؤلاء ، فعليه من الله ، تعالى ، ما يستحق !

([445]) فصول في العقيدة بين السلف والخلف . د يوسف القرضاوي .ص 80 – 83 .

([446]) صحيح البخاري .

([447]) المصبـاح المنيـر في غريب الشرح الكبير : أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس ( 1 / 298 )  .

([448]) لسان العرب – إبن منظور ( 14 / 413 ) .

([449]) مختار الصحاح – الرازي . ص 158.

([450]) الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية : أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي ( المتوفى : 393هـ ) : تحقيق أحمد عبد الغفور عطار ( 6 / 2385 ) .

([451]) شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم : نشوان بن سعيد الحميرى اليمني ( المتوفى: 573هـ ) ( 5 / 3283 ) .

([452]) معجم اللغة العربية المعاصرة : د أحمد مختار عبد الحميد عمر (المتوفى: 1424هـ) بمساعدة فريق عمل ( 2 / 1141 ) و 1480.

([453]) تاج العروس من جواهر القاموس - مرتضى، الزَّبيدي ( 38 / 331 – 332 ) .

([454]) أنظر ص 176 – 177 من هذه الرسالة .

([455]) أنظر ص 106 من هذه الرسالة .

([456]) تبرئة السلف من تفويض الخلف . محمد بن إبراهيم اللحيدان ( 1 / 14 ) أو ص 17

([457]) عمدة القاري شرح صحيح البخاري – البدر العيني ( 19 / 188 ) .

([458]) سير أعلام النبلاء – الذهبي ( 8 / 105 ) .

([459]) نفس المصدر .

([460]) كتاب العين : أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (المتوفى: 170هـ)، المحقق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي : دار ومكتبة الهلال ، ( 7 / 247 ) .

([461]) مختار الصحاح : زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي (المتوفى: 666هـ)، المحقق: يوسف الشيخ محمد : المكتبة العصرية - الدار النموذجية، بيروت – صيدا ، الطبعة: الخامسة، 1420هـ / 1999م ( 1 / 239 )

([462])  المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس (المتوفى: نحو 770هـ) : المكتبة العلمية – بيروت ، ( 2 / 472 ) .

[463] تاج العروس من جواهر القاموس : محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفى: 1205هـ)، المحقق: مجموعة من المحققين: دار الهداية ، ( 13 / 323 ) .

([464]) فتح الباري – ابن حجر ( 13 / 383 ) .

([465]) نفس المصدر ( 13 / 390 ) .

([466]) فتح الباري – ابن حجر ( 13 / 390 ) .

([467]) صحيح مسلم بشرح النووي ( 3 / 19 ) .

([468]) العلو للعلي الغفار – الذهبي ( 1 / 208 ) .

([469]) كما زاد بعضهم كلمة ( بذاته ) على قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) فقال : استوى بذاته ! ! وقوله r : ( إن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ) فقال : ينزل بذاته ! ! فمن أين جاء بكلمة ( بذاته ) ؟ ! من النص ؟ ! أم من تأويلاته ؟ !

([470]) إذا كان المعنى معروفا ، ظاهرا ، لماذا لا نترجم ؟ ! وماذا يقال في معناها للعجم ، غير العرب ؟! هل الواجب عليه الإيمان ، بدون فهم ، وسؤال ؟ !

([471]) إذا كان الظاهر هو المراد ، وهو معلوم ، فلماذا إذاً لا نفسر ولا نترجم ولا . . . ؟ !

([472]) التجسيم والمجسمة -  الشيخ عبد الفتاح اليافعي . ص 200 .

([473]) سير أعلام النبلاء – الذهبي ( 14 / 373 – 376 ) .

([474]) التجسيم والمجسمة – الشيخ عبد الفتاح اليافعي . ص 218 .

([475]) ليس الخلاف في : الإيمان بها ، أو عدم الإيمان بها – عند أهل السنة والجماعة ، فيما بينهم – بل الخلاف في : ما المراد منها ؟ وهل هي صفات لله تعالى ، أم لا ؟

([476]) سنن الترمذي ( 4 / 691 ) .

([477]) تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي – المباركفوري ( 3 / 267 ) .

([478]) تحريم النظر في كتب الكلام – ابن قدامة المقدسي ( 1 / 38 – 39 ) .

([479]) لمعة الاعتقاد – ابن قدامة المقدسي ( 1 / 5 – 7 ) .

([480]) أنظر ص 230 من هذه الرسالة .

([481]) أنظر ص 225 من هذه الرسالة .

([482]) أنظر ص 227 من هذه الرسالة .

([483]) أنظر ص 228 من هذه الرسالة .

([484]) أنظر ص 229 من هذه الرسالة .

([485]) أنظر ص 232 من هذه الرسالة .

([486]) إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل – أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الشافعي، بدر الدين (المتوفى : 733هـ) ( 1 / 40 – 41 ) .

([487]) سورة الشورى ، آية : 11 .

([488]) سورة الإخلاص ، آية : 4 .

([489]) نفس المصدر ( 1 / 41 ) .

([490])   إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل – ( 1 /  41 ) .

([491]) التجسيم والمجسمة – الشيخ عبدالفتاح اليافعي . ص 223 .

([492]) التجسيم والمجسمة – الشيخ عبدالفتاح اليافعي . ص 223 .

([493]) الدرر السنية في الكتب النجدية تأليف: علماء نجد الأعلام من عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى عصرنا هذا

دراسة وتحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ( 4 / 30 ) .

([494]) تحفة الاحوذي بشرح جامع الترمذي – المباركفوري  ( 7 / 233 – 234 ) .

([495]) فتح الباري – ابن حجر  ( 13 / 413 ) .

([496]) معالم السنن – شرح سنن أبي داود –  للخطابي  ( 4 / 328 ) .

([497]) صحيح مسلم بشرح النووي ( 5 / 25 ) .

([498]) فتح الباري – ابن حجر ( 3 / 30 ) .

([499]) فتح الباري – ابن حجر  ( 13 / 406 – 407 ) .

([500]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد – ابن عبد البر ( 7 / 144 – 146 ) .

([501]) يعلم الله تعالى ، أنه ليس قصدنا الطعن والتجريح ، بل وضع النقاط على الحروف ، حتى نستفيد جميعاً ! 

([502]) سير أعلام النبلاء – الذهبي ( 13 / 331 ) .

([503]) الاسماء والصفات للبيهقي ( 2 / 21 – 23 ) .

([504]) تفسير الرازي  ( 27 / 582-584 ) .

([505]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى } ويحذركم الله نفسه { ، ( 6 / 2694 ) ، حديث : 6970 . وصحيح مسلم ، كتاب الذكر والدعاء  والتوبة والإستغفار ، باب الحث على ذكر الله تعالى ، ( 4 / 2061 ) ،       حديث : 2 .

([506]) صحيح مسلم ، كتاب البر والصلة والآداب ، باب فضل عيادة المريض ، ( 4 / 1990 ) ، حديث : 43 .

([507]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى } يريدون أن يبدلوا كلام الله { ، ( 6 / 2722 ) ، حديث : 7053 . وصحيح مسلم ، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها ، باب النهي عن سب الدهر ، ( 4 / 1762 ) ، حديث : 2 .

([508]) صحيح مسلم ، كتاب البر والصلة والآداب ، باب تحريم الكبر ، ( 4 / 2023 ) ، حديث : 136 .

([509]) قال الشيخ الألباني :  (صحيح) انظر حديث رقم: 4311 في صحيح الجامع .

([510]) سورة يوسف ، آية : 76 .

([511]) سورة الفرقان ، آية : 59 .

([512]) الوجيز في أصول الفقه – د . عبد الكريم زيدان . ص 6

([513]) تفسير الطبري ( 1 / 75 ) .

([514]) صحيح مسلم بشرح النووي ( 17 / 3 ) .

([515]) فتح الباري – ابن حجر ( 13 / 513 ) .

([516]) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري – القسطلاني  ( 10 / 382 ) .

([517]) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ( 10 / 47 ) .

([518]) شرح رياض الصالحين – ابن عثيمين ( 3 / 305 ) .

([519]) إكمال المعلم شرح صحيح مسلم - للقاضي عياض ( 8 / 18 ) .

([520]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم – القرطبي ( 21 / 93 ) .

([521]) شرح رياض الصالحين – ابن عثيمين (4 / 466 – 468 ) .

([522]) إرشاد الساري – القسطلاني ( 7 / 338 – 339 ) .

([523]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح – الملا الهروي ( 1 / 96 ) .

([524]) التيسير بشرح الجامع الصغير – المناوي ( 2 / 185 ) .

([525]) إكمال المعلم شرح صحيح مسلم - للقاضي عياض ( 7 / 93 ) .

([526]) ارشاد الساري – القسطلاني ( 10 / 410 ) .

([527]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح – الملا الهروي ( 9 / 3924 ) .

([528]) شرح سنن أبي داود –  عبد المحسن العباد ( 23 / 117 – 118 ) .

([529]) مشارق الأنوار على صحاح الآثار – القاضي عياض ( 1 / 287 ) .

([530]) تاج العروس من جواهر القاموس – الزبيدي ( 38 / 145 ) .

([531]) مشكل الحديث وبيانه – ابن فورك ( 1 / 316 – 317 ) .

([532]) إستقراره على العرش ، سبحانه وتعالى ، لم يثبت ، لا في الكتاب ، ولا في السنة . وهو كذلك عند العوام !

([533]) الإمام أبو حامد الغزالي يذكر هنا اعتقاد العوام ، وليس اعتقاده ، واعتقاد العلماء ، والأئمة !

([534]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الزكاة ، باب أي الصدقة أفضل وصدقة الشحيح الصحيح ، ( 2 / 515 ) ، حديث : 1354 . وصحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، باب من فضائل زينب أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، ( 4 / 1907 ) ، حديث : 101 .

([535]) أنظر ص 109 فما بعدها من هذه الرسالة .

([536]) بعض الناس عندما يسمع هذا الكلام يقول : هذا ليس وصف الله تعالى ، بل هو وصف المعدوم ! ! يقول هذا الكلام لأنه يقيس الله تعالى بالمخلوق ! ! فهو لا يعرف المخلوق إلا أن يكون جسماً أو جوهراً أو عرضاً ، داخل العالم أو خارج العالم ، أو هو متصل أو منفصل ، أو في مكان أو جهة ! !  وبما أن الله تعالى ليس كذلك فإذاً هو معدوم غير موجود ! ! ! كأنه لم يقرأ أبداً ولم يؤمن بقوله تعالى : ( ليس كمثله شيء ) ، ( ولم يكن له كفواً أحد ) ، ( فلا تجعلوا لله أنداداً )  ! !

([537]) صدق الإمام الغزالي رحمه الله فقد حدث ما توقعه ، وممن يزعمون أنهم سائرون على منهج السلف  وأعداء للمعطلة ! !

([538]) سورة هود : 119 .

([539]) سورة هود : 118 .

([540]) سورة يونس : 99 .

([541]) سورة يونس : 100 .

([542]) سورة هود : 118 – 119 .

([543]) إلجام العوام عن علم الكلام – أبو حامد الغزالي . ص 68 – 74 .

([544]) سورة النساء : 93 .

(([545] سورة آل عمران : 97 .

([546]) سورة المائدة : 44 .

([547]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب اللقطة ، باب النهبى بغير إذن صاحبه ، ( 2 / 875 ) ، حديث : 2343 . وصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان نقصان الإيمان ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله ، ( 1 / 76 ) ، حديث : 100

([548]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب العلم ، باب الإنصات للعلماء ، ( 1 / 56 ) ، حديث : 121 . صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب (( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )) ، ( 1 / 81 ) ، حديث : 118 .

([549]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتـاب الإيمان ، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر ، ( 1 /27 ) ، حديث : 48 . وصحيح مسلم ، كتـاب الإيمـان ، باب بيان قول النبيّ r (( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )) ، ( 1 / 81 ) ، حديث : 116

([550]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الطب ، باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث ، ( 5 / 2179 ) ، حديث : 5442 . وصحيح مسلم ، كتـاب الإيمان ، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه ، وأنه من قتل نفسه بشيء عذب به في النار ، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، ( 1 / 103 ) ، حديث : 175 .

([551]) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان إطلاق إسم الكفر على من ترك الصلاة ، ( 1 / 88 ) ، حديث : 134 .

[552] سورة الطور : 45 – 49 .

([553]) المحكم في العقيدة – د . محمد عياش الكبيسي . ص 25 -27 .

[554] سورة الرحمن : 1 – 4 .

[555] سورة النور : 35 .

[556] سورة المائدة : 38 .

[557] سورة الأحزاب : 73 .

([558]) العقيدة الإسلامية في القرآن الكريم ومناهج المتكلمين – د . محمد عياش الكبيسي . ص 118 – 119 .

([559]) نفس المصدر . ص 150 .

([560]) سورة الطور : 45 – 49 .

([561]) تفسير الطبري ( 22 / 486 – 488 ) .

([562]) في ظلال القرآن ( 6 / 3401 – 3402 ) .

([563]) تفسير السعدي . ص 818 .

([564]) كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل : أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري (المتوفى: 311هـ) المحقق : عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان : مكتبة الرشد - السعودية – الرياض الطبعة : الخامسة ، 1414هـ - 1994م ( 1 / 96 – 97 ) .

 

([565]) وقد أضيفت الناقة إلى الله جل وعلا ، أيضاً : ( ناقة الله ) ، إذاً نثبتها صفة لله تعالى ، على هذا الفهم العظيم !

          ليس الناقة فقط ، بل البيت الحرام ( الكعبة المشرفة ) ، أيضاً : ( بيتي ) !

([566]) لأنها معاني وليست أعيان ! هل هذه التفرقة بين المعاني والأعيان : قاعدة مأخوذة من الكتاب أو السنة ، أم من أين ؟

          ثم هل اليد والعين والساق والأصابع والقدم والرداء والإزار و . . . من المعاني ، أم من الأعيان ؟ فإذا كانت من المعاني ، فيعني : الإقرار بالتأويل ، والخروج من الظاهر القاموسي ! و( مرضتُ ) أضيف إلـى الله تعــالى ، فهل المرض من المعاني أم من الأعيان ، فيكون المرض صفة من صفات الله تعالى ؟ ! أم هذا تلاعب بالألفاظ ، للهروب من الحق ، والتقوقع داخل التمذهب ؟

([567]) يعني : نثبت على النبيّ r ، أنه قد قال : إنّ لله عينين ! نحن هنا نناقش الفهم فقط ، ونوع وكيفية الإستدلال . أما موضوع العين والعينين ، فهذا ليس موضوعنا هنا !

([568]) هذا هو معنى كلام (  إن ربكم ليس بأعور ) . وهو كلام جميل ، فلماذا لم يثبت عليه ؟ !

([569]) بل محل الشاهد ، ووجه الدلالة هو : أن الله تعالى كامل ، لا نقص فيه ولا عيب !

([570]) الغريب الذي لا ينتهي منه العجب ، أنّهم لا يأخذون بالأحاديث الضعيفة في الأعمال الصالحة ، وفي الترغيب والترهيب ، بينما يستأنسون بها في ذات الله تعالى وصفاته ! ! !

([571]) إنّ الله تعالى قد أثبت لنفسه في كتابه الكريم ، صفة السمع والبصر ، وليس الأذن والعين ، فيقول تعالى : ( وهو السميع البصير ) [ الشورى : 11 ] . أم ليس هناك فرق بين العين والبصر ؟ !

([572]) لقد أثبتّ لله عيناً ، فلماذا تنفي عنه الحدقة ، وأنها جزء منه ، تليق بجلاله وكماله ؟ ! ولا نعرف الكيفية ، فهي مجهولة عندنا ! !

([573]) هل العين من المعاني ، أم من الأعيان ؟

([574]) يجب أن نتنبّه جيداً ، فإنه لا يتحدّث عن شخص تاريخي مجهول ، بل يتحدّث عن ذات الله تعالى وصفاته ! ! !

([575]) هذا عند البعض : فبعض الأصوليين قالوا بالعموم : قالوا : المفرد المضاف يفيد العموم . أما عند جمهور الأصوليين فلا يفيد العموم ! ثم هل تطبق هذه القاعدة عند قول الله تعالى : (  طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود ) . فهو مفرد مضاف ، والمفرد المضاف – عند الأصوليين – يفيد العموم ، فيشمل أكثر من واحد ! فلا يشمل كعبة واحدة ، بل أكثر من كعبة ! وكذلك قول الله تعالى : ( ناقة الله ) . فهو مفرد مضاف . والمفرد المضاف – عند الأصوليين – يفيد العموم ، فيشمل أكثر من واحد ! فلا يشمل ناقة واحدة ، بل أكثر من ناقة !

([576]) إذا كان للتعظيم ، وله – سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا – عين واحدة ، فيقول : عيننا ! أما إذا كان له عينين ، فللتعظيم يقول : عينينا ! وليس : أعيننا ! 

([577]) عجباً يعتمد على اللغة ، في بيان صفات الله تعالى !

([578]) فالفرق – إذن – بين الله تعالى ، وبين الدجال : أن الله له عينان سليمتان ، ليستا معيبتين ، أما الدجال فله عين واحدة سليمة ، أما الأخرى فمعيبة ! وهذا إعتماداً على كلام سيد ولد آدم r ! ! !

([579]) وهذا كله إعتماداً – طبعاً – على الكتاب والسنة ! وليست للأمور العقلية ، والمجادلات البيزنطية ، أية دخل في الكلام عن ذات الله تعالى ، وإثبات صفة من صفاته سبحانه ! 

([580]) يستأنس في إثبات صفة لله تعالى ، إعتماداً على حديث ضعيف ! !

([581]) شرح كتاب التوحيد لابن خزيمة : محمد حسن عبد الغفار . مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية  http://www.islamwe ( 11 / 2 – 7 ) .

 

 

([582]) ؟ ؟ ! ! ليس هنا مجال مناقشة هذا القول !

([583]) لا إشكال فيه ؟ بكل هذه السهولة !

([584]) هذه أول مرة نسمع : تعظيم اليد ، وليس صاحب اليد ! !

([585]) شرح العقيدة الواسطية . خرج أحاديثه واعتنى به : سعد بن فواز الصميل : دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع ، المملكة العربية السعودية . الطبعة: السادسة، 1421 هـ ( 1 / 299 – 304 ) .

([586]) وهذا ما لم يرد ، ولا أريد ذلك ، في الكتاب والسنة ! من أنّ لله : عينين ، ويدين ، وأصابع ، وساق ، ورداء ، وإزاراً ، ورِجلاً ، وهو في السماء ، وينزل مع كرسيه ، وأنه عالج الطين بيديه ، فخلق منه آدم عليه السلام ، و . . . و إلخ  

([587]) سنن أبي داود . قال الشيخ الألباني عنه : صحيح .

([588]) شرح سنن أبـي داود : بـدر الدين العينـى . المحقـق : أبـو المنـذر خـالد بـن إبـراهيـم المصـري : مكتبة الرشد – الرياض الطبعة : الأولى ، 1420 هـ - 1999 م ( 5 / 376 ) .

([589]) المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود : محمود محمد خطاب السبكي . عني بتحقيقه وتصحيحه: أمين محمود محمد خطاب ( مِن بعد الجزء 6 ) ( 8 / 109 – 112 ) .

([590]) صحيح مسلم .

([591]) تفسير إبن كثير ( 8 / 527 – 528 ) .

([592]) تفسير السعدي 937 .

([593]) طبقات الصوفية : أبو عبد الرحمن السلمي ( المتوفى : 412هـ ) المحقق : مصطفى عبد القادر عطا  ( 1 / 102 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق