الأربعاء، 2 أغسطس 2023

العلامة الشيخ / محمود غريب - تَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيم

 

http://www.shamela.ws

تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة

 

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الطَّلاق تَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيم
المؤلف : العلامة الشيخ / محمود غريب
( أسلم على يدي المؤلف خمسةٌ من علماء أوربا في فترة السبعينيات )
الناشر : دار القلم للتراث - القاهرة
الطبعة : الثانية - 1423 هـ - 2004 م
تنبيه :
[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ]
جَزَى اللَّهُ كَاتِبَهُ وَمَنْ تَحَمَّلَ نَفَقَةَ الْكِتَابَةِ خَيرَ الجَزَاءِ وَأَوفَاهُ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الطَّلاق تَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيم
المؤلف : العلامة الشيخ / محمود غريب
( أسلم على يدي المؤلف خمسةٌ من علماء أوربا في فترة السبعينيات )
الناشر : دار القلم للتراث - القاهرة
الطبعة : الثانية - 1423 هـ - 2004 م
تنبيه :
[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ]
جَزَى اللَّهُ كَاتِبَهُ وَمَنْ تَحَمَّلَ نَفَقَةَ الْكِتَابَةِ خَيرَ الجَزَاءِ وَأَوفَاهُ.

(1/2)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، وسلام على النبي المصطفى
أمّا بعد
فكثير من موضوعات الفقه الإسلامي تحتاج إلى إعادة الاجتهاد فيها وعمق الدراسة ، حتى تعرض عصرنا بما يسد حاجة المسلم ويعالج مشكلاته الحياتية.
وأخص بالذكر موضوع الطلاق لخطورة الآثار التي تترتب عليه في المجمتع. فبعض الناس يعتبرونه هيناً وهو عند الله عظيم.
والمجتمع المسلم بحاجة إلى دعاة فقهاء. لأن الدعاة يجيدون عرض ما يعلمون. ولكنَّ كثيراً منهم يهتم بالأسلوب وفن الإلقاء والتأثير عن البضاعة التي يعرضها. وحصيلة البعض منهم - في عصرنا - من الفقه وأدلته فيها ندرة "الفيتامين" في الطعام.
وحاجتنا إلى دعاة فقهاء كحاجتنا إلى فقهاء دعاة يجيدون فن الدعوة لما انتهوا إليه من قضايا معاصرة أو تراثية تعرض بلغة العصر. وَقَلِيلٌ مَا هُمْ.
وفي مطلع محاولتي لعرض بعض قضايا الفقه في موضوع الطلاق اعترف أنني لست سباحاً ماهراً في بحور الفقه ولا حتى في أنهاره.
ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله.
وحسبي من هذه الدراسة خدمة ما فيها من آيات القرآن الكريم ، فقد عشت كل حياتي في الدعوة وما رافقت فيها من قلمي لخدمة التفسير الموضوعي للقرآن الكريم. وما يلزمها من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .

(1/3)


آيات القرآن في الموضوع.
ومجموع آيات القرآن في الموضوع الواحد يكمل بعضه بعضاً ويُفسره.
وقد أفرد القرآن سورة باسم (الطلاق) سبقتها أحكام في سورة البقرة والنساء والأحزاب وأحكام أخرى متفرقة في سور.
دور السنة في الموضوع.
وقد بينت السنة كثيراً من الأحكام المتعلقة بالموضوع كبيان طلاق السُنَّة متى يقع الطلاق ومتى يحرم.
في حديث طلاق ابن عمر - رضي الله عنهما - وحكم من طلَّق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد ومن طلق امرأته وهو في مرض يغلب فيه أنه مرض الموت. وبينت السنة أحكام العدة للمطلقة ومتى تنتهي عدة الحامل المتوفي زوجها وعدة المطلقة ، والمصالحة بين المرأة وزوجها في أن تتنازل لزوجته الأخرى عن حقها في المبيت ولا يطلقها.
وأحكام أخرى كثيرة بينتها السنة في موضوع الأسرة عامة وموضوع الطلاق. مما يؤكد حاجة الدارس للسنة.
* * *
تعدد الآراء خير من الرأي الواحد
التزمت في هذه الدراسة باختيار الرأي الذي أشعر بأنه الأقوى دليلاً على قدر الطاقة في التزجيح للأدلة ، وسبق أن قلت : إنني لست سباحاً ماهراً في بحار الفقه ولا حتى في أنهاره. ولكنها المحاولة والاجتهاد والله أسأل أن يرزقنا الصواب.
ولا يشك عاقل أن تعدد الحلول للمشكلة الواحدة خير من حتمية الحل الواحد. وهذا ما أنعم الله به على الأمة الإسلامية مما جعل علماءها يقولون اختلاف الأئمة رحمة.
وأئمتنا لم يتعمَّدوا الاختلاف. ولكن طبيعة اللغة العربية ، ومحاولة العمق في فهمها ، وسعة عطاء الجمل والمفردات بسبب اختلاف الإعراب وغير ذلك مما سبب اختلاف الأئمة.
وقد بينت هذا بإسهاب في كتابي "شريعة الله يا ولدي"

(1/4)


كتاب وفقيه انتفعت بهما
انتفعت كثيراً في موضوع الأسرة بناؤها ودوامها بموسوعة أخي الأستاذ الفقيه الدكتور عبد الكريم زيدان "المفصل في أحكام المرأة" (12 مجلداً)
عرض فيها الفقه الإسلامي على جميع مذاهب السنة وغيرها ، وأدلة كل رأي ، وحاول بيان الرأي الراجح من آراء المذاهب الثمانية.
أما الفقيه الذي نفعني الله بمصاحبته فهو الأستاذ الدكتور أحمد محمود كريمة - أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف والمدرس بجامعة السلطان قابوس بصلالة.
وقد جاورته ولازمته عدة أعوام مباركة يحضر لي درس التفسير الموضوعي للقرآن الكريم كل أسبوع ثم نذهب في رفقة طيبة إلى البحر - في صلالة - فننتفع بكل ما يقول حتى مداعباته وإشاراته وتعليقاته على الأحداث. نفع الله به وبمثله من الفقهاء.
* * *
منهجي في كتاب الأسرة بناؤها ودوامها
الرسالة ليست فقهاً مذهبياً ولا فقهاً مقارناً ولكنها محاولة لعرض المسائل الفقهية في صورة قصة أو حوار تيسر لذلك السبيل.
وقد سبق أن كتبت "سلسة يا ولدي" لطلاب الجامعات في بغداد ومصر بهذه الطريقة ثم طلب مني أخي المرحوم الدكتور / كمال مصطفى الأستاذ بكلية الدعوة بالأزهر الشريف أن أتم مشروع سلسلة يا ولدي بأسلوب العرض العلمي عميق الفكرة واضح الأسلوب بجانب أسلوب الحوار لنصل إلى ما نريد من أقرب طريق.
والله أسأل أن يجعل عملي نافعاً فهو - سبحانه - يتحقق مراده بمجرد أن يريد. وتيسيره لنا عَلامةٌ على القبول منا.
محمود غريب
صلالة ص ب 593 رمز بريد 211
سلطنة عمان ت 295179
والزقازيق طريق بنايوس 2355287

(1/5)


أنواع الطلاق
* الطلاق الرجعي هو الأصل
* الطلاق البائن بينونة صغرى
* الطلاق البائن بينونة كبرى
* الخلع - وهو الطلاق بعوض
* التفريق قضاء

(1/6)


الطلاق الرجعي وحكمه
ذكرت في الحديث عن الطلاق السني أنه طلقة واحدة رجعية.
هو الطلقة الأولى أو الثانية. وله أحكام نوجزها.
1 - يملك الزوج أن يراجع زوجته بدون موافقتها وبدون عقد جديد أو مهر جديد ما دامت في العدة. لأنَّ العدة في الطلاق الرجعي امتداد للزوجية.
أو هي عطلة زوجية تعود الحياة بعدها أكثر نشاطاً ورغبة في البقاء.
فكلاهما عروس جديد. وقد استفاد كلاهما من التجربة.
2 - لا يجوز للزوج أن يُخرجها من بيته ، ولا يجوز لها أن تخرج ، ليبقى كلاهما بجوار الآخر مدة العدة فلعل قربهما يُحدث بعد ذلك أمراً ، فتعود الحياة أحسن مما كانت.
وقد أمر الله بهذا {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} ففي العدة لا يجوز بُعدها عن بيت الزوجية وفراش الزوجية ، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً من الحب بعد الكره ، والرغبة في العودة بعد الطلاق.
وقد نسب البيت لهن {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} مع أن البيت غالباً مِلْكٌ الزوج ، حتى تعيش في راحة نفسية فلا تطلب الخروج.
أما إِن سلكت الفحش في القول أو في العمل فلا حكمة من بقائها فخروجها أفضل.
فالزوجة الفاحشة لا حرص عليها ولا خير في بقائها.
إذا ذهب الحمار بأمِّ عمرو ... فلا رجعت ولا رجع الحمار

(1/7)


3 - إذا مات أحد الزوجين في العدة ورثه الآخر لأن الزوجية قائمة حكماً في أثناء العدة.
4 - الطلاق الرجعي يُنقص عدد الطلقات التي شرعها الله سبحانه.
5 - ينتهي الطلاق الرجعي بانتهاء العدة.
فليسارع لردها ويتحول بعد انتهاء العدة إلى طلاق بائن بينونة صغرى وله أحكام تختلف عن الطلاق الرجعي.
6 - والأصل في الطلاق أن يكون طلاقاً واحداً رجعياً فما زاد عنها فإسراف نهينا عنه. لأنه لا فائدة منه. وإغلاق لباب لم يغلقه الله.
7 - قد يطلق الرجل زوجته وهو في مرض الموت ليحرمها من الميراث ومن هنا أوجب الشرع لها أن ترث ما دام العدة مستمرة.
8 - الطلاق الرجعي هو الأصل
الأصل في الطلاق هو الحظر ، وقد أبيح لضرورة ، فيقدر بقدر الضرورة.
وقد دعا الله للمراجعة فلا نعطل دعوة الله {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (سورة البقرة آية : 229)
والمرتان دليل على المراجعة مرة بعد مرة {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} (سورة البقرة آية : 228)
فزوجها الأول أحق بردها حتى لا تنكشف كل مرة أمام رجل جديد ، ولعل لها منه أولاداً فترجع لأولادها.
9 - والطلاق رجعي بالنسبة للعدة
فإن انتهت العدة فطلاق بائن : فليسارع إلى ردها.

(1/8)


وإن خلا الطلاق من العدة أصلاً فطلاق بائن ويخلو الطلاق من العدة إن طلقها قبل الدخول بها عند الشافعي والحنفي والمالكي. أو قبل الخلوة عند أحمد.
10 - والطلاق المتمم للثلاثة تبين به بينونة كبرى وله أحكام سنذكرها.
أمر يغيب على بعض الناس :
أحكام الطلاق الرجعي لا تشمل الطلاق بعوض لأنها لو شملت الطلاق بعوض ربما يأخذ الأزواج المال ويطلقها على هذا المال فتشعر أنها افتدت نفسها من سجنه النفسي ، ثم يقوم بمراجعتها في العدة. من هنا كان الطلاق على مال - الخلع - طلاقا بائنا. فلا يراجعها إلا بعقد جديد ومهر جديد.
كيف يراجعها في العدة ؟
اخترت مذهب الإمام أبي حنيفة.
والرجعة عنده قول أو عمل دال على المراجعة في أثناء العدة.
القول أن يقول لها : راجعتك.
والعمل أن يعاشرها في العدة (المفصل في أحكام المرأة جـ 8 ص 19) واشترط القرآن الكريم حُسن القصد في الرجعة. {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} (سورة البقرة آية : 228).
وسبب هذا الشرط أنه قد يراجعها بقصد أن يطيل عليها العدة. فهو يراجعها قبل أن تنتهي العدة بيوم ، ثم يطلقها فتبدأ عدة جديدة فتطول العدة عليها وهكذا {إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} شرط بين العبد وبين الله. والله - وحده - يحاسب على النيات.
وقال تعالى : {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} (سورة البقرة آية : 231).
وفي أحكام القرآن للجصاص : "ودل على أن إباحة هذه الرجعة مقصورة على حال إرادة الإصلاح ، ولم يرد بها الإضرار" (أحكام القرآن للجصاص جـ 1 ص 373).

(1/9)


وقد شاهدت في مجالس الصلح التي حضرتها ما جعلني أوقن أن قوله تعالى : {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} نافذة من الغيب يطلع الله النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلالها على كثير من أمراض المجتمعات المعاصرة مما لم يكن له وجود في عصر السلف - رضي الله عنهم -
هل يجب إعلامها بالرجعة ؟
ربما يختلف أمر الناس اليوم عن أمرهم أيام الأئمة - رضي الله عنهم - مما يجعلني أميل إلى الرأي القائل بضرورة إعلامها بالرجعة إن كان قد أعلمها بالطلاق. فربما مرت العدة ولم يراجعها ثم يدعي أنه راجعها في العدة ليفلت من العقد الجديد والمهر الجديد وحريتها في القبول والرفض.
الإشهاد على الرجعة
القرآن الكريم ذكر الإشهاد على الرجعة ، وطلب إشهاد العدل من الشهود.
واختلف المفسرون في المراد من الأمر هل هو الوجوب أم الندب.
وأوامر الله في القرآن تحتمل الأمرين وغيرهما من المعاني.
والأصل في الأمر الوجوب ، ويجوز أن يُحمل الأمر على الندب لقرينة تبيح هذا.
جاء في الإشهاد على الرجعة قوله تعالى : {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}
وحملوا الأمر على الندب قياساً على الأمر في قوله تعالى : {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (سورة البقرة آية : 282)
إذ يتم البيع بدون إشهاد. فالأمر للندب وقاسوا الأمر في الإشهاد على الرجعة بالأمر بكتابه الدين في أطول آية في القرآن ، إذ قال الله بعدها {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} (سورة البقرة آية : 283)

(1/10)


ومع أنه الأمر في الإشهاد محمول على الندب إلى أن ما يندب إليه - سبحانه - يستوجب الطاعة.
والإشهاد يمنع المشكلات فقد تنكر الزوجة أنه راجعها في العدة فراراً من الزوجية.
ولكي يصبح لها أن تقبل أو لا تقبل العودة ما دامت العدة قد انتهت.
ويصبح لها مهر جديد إن أراد أن يعقد عليها.
ولكن الإشهاد ينفي كل هذه المشكلات. وتوثيق العقود في أيامنا يمنع هذه المشكلات.
وأكثر الأئمة على جعل الإشهاد مندوباً. فلو راجعها من غير إشهاد تم قصده ، خلافا للظاهرية الذين قالوا بوجوب الإشهاد. فكل من طلق ولم يُشهد ذوي عدل أو راجع ولم يشهد ذوي عدل متعدياً لحدود الله تعالى.
وقال - صلى الله عليه وسلم - "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" (البخاري. 1997)
وقد رجح أستاذي عبد الكريم زيدان الإشهاد على الرجعة ، وجعله شرطا لصحتها ، وواجباً على الزوج المطلق.
وهذا يمنع الخلاف بين دعوته ردها في العدة ودعوتها عدم الرد للأسباب التي سبق ذكرها.
وبعد
جمعا للموضوع في سطور
1 - المراجعة حق للزوج في أثناء العدة لأن الزوجية قائمة في العدة.
وشرط المراجعة أن يكون الطلاق على غير مال مدفوع منها وهو ما يسمى (خلع) لأن الخلع يُعدُّ طلاقا بائنا.
2 - المراجعة تكون في مدة العدة فقط فإن انتهت العدة فلا بد من عقد جديد ومهر جديد {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (سورة البقرة آية : 231)

(1/11)


{فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} هنا معناها قاربن بلوغ الرحيل وسيأتي للتعبير نفسه معنى آخر في الآية 132 من البقرة {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أي راجعوهن إذا كنتم لا تريدون الإضرار بهن - كما سبق أن قلت.
{أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} اتركوهن حتى تنتهي العدة وينتهي معها حق الزوج في المراجعة.
وفي الموضوع نفسه جاء قوله تعالى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} معنى بلوغ الأجل هنا يختلف عن الآية التي قبلها فالمعنى هنا انتهاء العدة فعلاً.
لفظ واحد جاء مرة مجازاً بمعني المقاربة.
وجاء مرة حقيقة لغوية. بمعنى الانتهاء فعلاً.
وعلى الذين ينكرون المجاز في القرآن أن يبينوا لنا كيف نفرق بين اللفظ الواحد في الموضعين.
فالمراجعة في العدة
ومن لا عدة عليها لا مراجعة لها.
التي تطلق قيبل أن يدخل بها لا عدة عليها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (سورة الأحزاب آية : 49)
وما يلزم غير هذا فموضعه كتب الفقه وكتب التفسير التي تهتم بأحكام الفقه كتفسير القرطبي جـ 3 وكتاب المفصل في أحكام المرأة جـ 8 وفقه الظاهرية المحلي جـ 10 وغيرها.
البينونة الصغرى
لا أريد أن أسهب في الأحكام الفقهية فلها كتبها ولكن أحدد فقط متى يكون الطلاق بائناً بينونة صغرى. وماذا تعني البينونة الصغرى.

(1/12)


1 - الطلاق قبل الدخول بها
سبق أن بينت ذلك. والآية التي حددت هذا الحكم الآية 49 من سورة الأحزاب.
2 - الطلاق على مال - الخلع -
سبق أن بينت أن الطلاق على مال طلاق بائن حتى لا يأخذ منها المال ثم يراجعها.
3 - انتهاء العدة قبل المراجعة يجعلها بائنة
4 - يمكن لمن بانت بينونة صغرى أن يراجعها بعقد جديد ومهر جديد.
وهو الفارق بين الطلاق الرجعي والطلاق البائن بينونة كبرى.
والبائنة بينونة كبرى لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
الطلاق البائن بينونة كبرى
هو العقوبة الكبرى لمن أسرف في الطلاق.
فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجاً آخر. نكاحاً كاملاً يُقصد به المعيشة.
فإن مات أو طلقها يجوز للزوج الأول أن يراجعها.
هل ستقبل نفسه مراجعتها ؟
وهل ستقبل هي أن ترجع له بعد أن مارست الحياة الزوجية مع غيره ؟
ربما كانت راضية به في الزواج الأول لأنها تزوجته بكراً ولم تعرف غيره من الأزواج ؟
وهو ... هل سيعيش على أمل أن تفشل في زواجها الجديد حتى يجوز له مراجعهتا. هل هذا دليل على حبه ؟ ألم تكن في عصمته ؟
سوف ندع لكل أسرة ما أحلّه - صلى الله عليه وسلم - لها. ما قدّره.

(1/13)


الطلاق الثلاث في مجلس واحد
صورة لما شرعة الشيطان من طلاق.
فقد تجاوز ما شرعه الله من جواز السنة.
إن الله أخبر أن الطلاق مرتان. ولم يقل طلقتان وقال : {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} والطلاق الثلاث قطع هذا الأمل.
طلاق الكناية ماذا يراد به ؟
ومن طلاق الكناية ما عرض على محكمة الاستئناف الشرعي بالمملكة الأردنية الهاشمية في 14/3/1974.
ادعت الزوجة أن زوجها قال لها : "لا اعتبرك زوجة بعد الآن ، وبعد الذي حصل منك".
قال الزوج إنه لم يقصد الطلاق. وإنما أراد أنها لم تعد بعد الذي عملته زوجة مثالية.
وقالت المحكمة : هذا القول من الكنايات التي تحتمل الطلاق وغيره ، ولا يقع به الطلاق إلا بالنية.
ويقبل قوله عدم إرادة الطلاق ، وعليه اليمين.
وهذا ما يوافق ما ذكره ابن عابدين في رد المحتار على الدر المختار في باب الكنايات جـ2 وما جاء في بهجة المشتاق ص 42.
واعتبرت المحكمة الابتدائية بعد أن سمعت الشهود أنه قال : لقد طلقت زوجتي. اعتبرت هذا القول طلقة رجعية لشهادة الشهود وردت محكمة الاستئناف الحكم.
"المبادئ القضائية التي استقر عليها الاجتهاد".

(1/14)


ما يجب أن يسبق الطلاق
الطلاق الذي شرعه الله يختلف اختلافاً كبيراً عن الطلاق الذي ابتدعه السفهاء.
الطلاق الذي شرعه الله لا بُدَّ أن يسبقه وعظهن. وهجرهن في المضاجع وليس هجر المضجع وآخر الدواء الكي إن كانت مريضة بالقسوة الجنسية ثم تتدخل الأسرة فتبعث حكما من أهله وحكما من أهلها.
ما هي الحدود المشروعة للحكمين ؟
هل لهما إيقاع الطلاق إن رأى الحكمان ذلك ؟
أم تقف المسألة عند اقتراح ذلك للقاضي ؟
المسألة خلافية.
وبيان الرأي الراجح.

(1/15)


احذروا سيتصدع البناء
صاح المهندس كثيراً : احذروا سوف يتصدع البناء واستعمل مكبر الصوت الذي بالمسجد.
وقليل من سكان البيت من استجاب فنجا. والأعمار - بعد ذلك - بيد الله.
إن إحساس المهندس بالخطر خبرة ودراية ولغير المهندس فطرة وكمال.
وقد وصف الله بها السيد المسيح - عليه السلام - {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} (سورة آل عمران آية : 52).
وبناء الأسرة فوق كل بناء ، وأهم من كل بناء ، لأنه بناء مقدس.
فهل يمكن لولي الأمر أن يحس مستقبلها قبل أن يتصدع البناء ؟
من هنا عبر القرآن بقوله تعالى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} مجرد الخوف (سورة النساء آية : 34).
{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (سورة النساء آية : 35).
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} (سورة النساء آية : 128).
مجرد الخوف يستدعي الإسراع في إنقاذ الأسرة
{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} (سورة النساء آية : 34) مجرد الخوف يستدعي الأخذ بأسباب العلاج
* * *
النشوز - عصيانها فيما أمر الله من طاعة الزوج ، وما أوجبه عليها حق الزواج كما لو امتنعت من فراشه أو خرجت من دارة وترفعها عليه ، وإظهار كراهيته ، بما يهدد دوام الزوجية واستمرارها.

(1/16)


وقد تخاف المرأة العاقلة البصيرة من زوجها نشوزاً أو إعراضاً فلتعالج نفسها وبيتها بالمصالحة مع زوجها قبل الطلاق ، ودفعاً للطلاق.
وقد عالجت السيدة سودة بنت زمعه - رضي الله عنها - أمرها عندما كبر سنها واستغنت عن الرجال فتنازلت عن ليلتها للسيدة عائشة.
وحسبها أن تبقى من أمهات المؤمنين {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (سورة النساء آية : 128).
فعظوهن - الوعظ خطاب للعاطفة
والمرأة أكثر عاطفة من الرجل من هنا كان خطاب العاطفة للمرأة أقرب للمشاعر ، وأهدى للنفس.
(وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ)
جاء في كتاب "التاج المذهب" في فقه الزيدي :
والهجر في المضجع لا في الكلام. لأن الهجر في الكلام منهي عنه إذا زاد عن ثلاثة أيام ، أمَّا الهجر في المضجع فقد يستمر شهراً.
والهجر في المضجع يجعل الذين يعيشون معهما لا يشعرون بشيء.
وخصوصاً الأولاد حفاظاً عليهم من العُقد النفسيّة. وحتى لا تتدخل الأسرة كحماته وأمه في الموضوع.
(وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ). فيخطئ من يفهم من الآية الكريمة هجر المضجع. والمبيت في مكان آخر. فالمطلوب هي في المضجع.
وهجرها في المضجع عقوبة للزوجين من الناحية الجسدية ولكنه من الناحية النفسية للمرأة أشد.
لأنها على يقين من ضعفها ، لذلك تستخدم فتنتها بدلاً من القوة ، وهي مطمئنة أن سلاح الفتنة أقوى ، فإذا قاربت الرجل مضاجعة له ، وهي في أشد حالاتها إغراء ، ثم لم يستجب لها فسوف ترى الرجل في أقدر حالاته ، ويكون جديراً بهيبتها وإذعائها. فهذا تأديب نفسي وليس تأديباًَ جسدياً لها.

(1/17)


[المرأة في القرآن - عباس محمود العقاد ص 115] ثم آخر الدواء الكي.
واضربوهن. وليس كلُّ النساء يصلحهن الضرب.
فبعضهن مصاب بمرض نفسيّ "القوة الجنسية" وبعض الأئمة تعتبر ترتيب العقوبة حسب الآية الكريمة.
فلابد من الوعظ أولاً : فإذا لم ينفع فالهجر في المضاجع.
فإذا لم ينفع فالضرب.
راجع تفسير ابن عاشور جـ 5 ص 41.
وناقش الإمام أحمد : هل يُسأل الزوج عن سبب ضرب زوجته "قضاء".
قال الإمام أحمد : ربما سكون الضرب من أجل الفراش فيستحي أن يجيب وإن أخبر بغير الحقيقة (من الحياء) فقد كذب ففضل الإمام أحمد ألا يُسأل.
والضرب - كما سبق أن قلت - ضرب غير مبرح.
لقوله - صلى الله عليه وسلم - "فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ". (مسلم. 2137).
قد اشترط العلماء أن يكون الضرب مشروطاً بالسلامة وله أن يستعمله أو يتركه.
[المغني جـ 10 ص 349 والتشريع الجنائي جـ 1 ص 517]
وقد تكرر نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الضرب.
حتى قال بعض الشافعية إن الضرب قد نُسخ بالسنة. ولكن النسخ لا يثبت إلا بدليل.
والغرض من العقوبة هو استمرار الحياة الزوجية وعلاج المشكلات ، والإسلام دين لكل العالم ، والنساء طبائع متباينة.
فمنهن من تُغنيها الابتسامة ، ومنهن من تقول : [ضرب الحبيب كأكل الزبيب] عبارة باللهجة المصرية - ومن الحماقة أن نقول : إن العلاج بمشرط الطبيب يسبب الألم ، ولكن الموت لا يشعر معه الميت بألم.
فهو أرحم بالمريض. ومن يقل هذا نقول له "قل موتوا"

(1/18)


(فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا)
إذا لم تنجح وسائل العلاج الثلاثة السابقة.
الوعظ. والهجر في المضجع. والضرب بشروطه التي ذكرتها ، فليتدخل حكماء المجتمع حفاظاً على الأسرة. وذلك حتى لا نُحقق لإبليس أكبر ما يأمل.
روي مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ". (مسلم. 5032).
من هنا يقوم المجتمع بجهود حكيمة حليمة لينقذ البيت.
{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (سورة النساء آية : 35).
{وَإِنْ خِفْتُمْ} مُجرّد الخوف - كما سبق أن قلت. وقبل أن تشتعل النار. والشقاق من الشق لأن كل واحد يكون في ناحية ومنه شق عصا الطاعة ومنه قوله تعالى {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ}
ونسأل : لمن الخطاب في الآية الكريمة ؟
أولاً : المأمور هو القاضي لأنه نائب الوالي.
والأمر للوجوب ، كما هو الأصل في أوامر الله - سبحانه - جاء في أحكام القرآن لابن العربي المالكي : "إذا علم الإمام من حال الزوجين الشقاق لزم عليه أن يبعث إليهما حكمين.
[أحكام القرآن جـ 3 ص 261]

(1/19)


وعلى أن الأمر للوجوب فقهاء الجعفرية من شيعة آل البيت والمالكية - كما عرفنا - والشافعية - في كتاب الأم جـ 3 ص 261.
ورجح هذا الرأي الدكتور عبد الكريم زيدان لأنه الأصل ، ولبيان حرص الشريعة على الوفاق بين الزوجين.
[المفصل جـ 8 ص 416]
وشدد الإمام ابن العربي المالكي في الأمر عندما أوجب على القاضي أن يرسل الحكمين بمجرد أن يعلم بالشقاق سواء رفُع إليه الأمر أم لم يُرفع.
يقول : لأنه انتظار رفع الأمر إليه يُضيع من حقوق الله من لا جبر له.
[أحكام القرآن القرطبي جـ 1 ص 427]
ولعل الأقرب إلى الواقع ما ذكره الجصاص في أحكام القرآن من ضرورة إرسال الحكمين بعد أن يُرفع للقضاء.
فلعل بعض الأسر تعالج مشكلاتها في سرية ، ولا تحب أن يطلع أحد عليها. وواضح من الآية الكريمة أن يكون الحكمان من أسرة الزوجين. {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}
هذا إن تيسر من أهلهما. فإن تعسر ذلك فمن جيرانهما ، لأن الجار أدرى بجاره ، أو ممن نظن فيهما الخير. كالمجالس النيابية في عصرنا. والأئمة والدعاة. ولا يشترط الإمام الشافعي الذكورة. فيجوز إرسال النساء إن وثقن في قدرتهن. [مغني المحتاج جـ 3 ص 261]
مهمة الحكمين
ومع إيجاز الآية الكريمة فقد بينت مهمة الحكمين.
وهي إرادة الإصلاح : {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} ومنهج الإصلاح واحد في أصله. وإن كان يختلف في طرق العلاج من أسرة إلى أخرى.

(1/20)


فيذكر الرجل بحسن العشرة ، وكون الزوجة أمانة أودعها الله عنده.
وخير الرجال خيرهم لأهله وأنا خيركم لأهلي.
كما قال - صلى الله عليه وسلم - وما ينفقه على زوجته صدقه له أجرها ومعرفة سبب الشقاق تيسر وسيلة العلاج.
ويقول للزوجة مل يرقق حسها - وما يُعرفها بحقّ الزوج عليها ، والكلمة الطيبة من الزوجة تُدخل السرور على زوجها وتعيش في قلبه.
والرجل بطبعه يحب العطاء لزوجه وأولاده أكثر من أي جهة أخرى وما يعجز عنه اليوم قد ييسره الله غداً. والزوجية لا بد منها. والحياة في ظلها خير من الحياة بدون زوج ، وتعدد التجربة في الحياة الزوجية شيء لا تقبله النفوس الكريمة إلا لضرورة.
ومن الأدب الرمزي.
كان الناس يستخدمون الإبريق من الفخار في دوراة المياه.
وشعرت إحدى الأمهات أن ابنتها تريد أن تترفع على زوجها تريد مفارقته.
فتعمدت الأم كسر الإبريق. ثم أظهرت حزنها عليه.
فتعجبت ابنتها. إن ثمنه ليس غالياً. فلماذا الحزن ؟
قالت لها : أتريدين أن تنكشف عورتي كل يوم على إبريق جديد ؟
فعلمت الابنةُ مراد أمها.
هل للحكمين أن يفرقا بين الزوجين ؟
إذا تعذر العلاج وبان للحكمين أن الزجاج قد انكسر ،
وأن النفوس قد تنافر ودها ، فهل لهما أن يفرقا بين الزوجين ؟
هل لهما إيقاع الطلاق عليها بدون توكيل من الزوج ؟
والحُكم بالخُلع على مبلغ من المال بدون توكيل منها ؟
رأي الأحناف والظاهرية ومذهب الجعفرية من الشيعة أن هذا الأمر يختلف عن مهمتهما في العلاج والإصلاح.
فليس لهما ذلك. ليس لهما إلا محاولة الإصلاح.

(1/21)


وذهب مالك والأوزاعي ورواية عن الإمام أحمد ومن قبلهم من السلف علي بن أبي طالب وابن عباس وسعيد بن جبير. يرون أن للحكمين إيقاع الفُرقة بين الزوجين إن تعسر الصلح.
[مغني المحتاج جـ 3 ص 261. والمغني لابن قدامة جـ 7 ص 49 والمفصل جـ 8 ص 427]
والرأي الأول ينبني على أن الحكمين وكيلان عن الزوجين فإذا تعذر الصلح فعليهما رد الأمر إلى القاضي ليتصرف في حدود اجتهادهما.
ولأن الفُرقة قد تكون خلعاً إذا كانت المرأة هي الناشز ، والخلع طلاق على مال تدفعه المرأة لتفتدي نفسها.
والحكمان لا يملكان التصرف في مالها بدون توكيل منها.
ومهُمهة الحكمان في الآية الكريمة هي الصلح {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}
وجاء في كتاب المغني لابن قدامة جـ 7 ص 49 ما يؤيد الرأي الأول قال : البضع حقه. أي المعاشرة والحياة الزوجية حق الزوج والمال حقها.
وأي حق الزوجة. وهو يعني المال الذي يمكن أن تدفعه للمخالعة.
وهما رشيدان. فلا يجوز لأحد غيرهما التصرف في ملكهما إلا بوكالة منهما ، أو ولاية عليهما.
[المغني لابن قدامة الحنبلي]
فعليهما رفع الأمر للقضاء. والقاضي يفعل ما يري فيه المصلحة.
وأضيف أن الحكمين قد يكونان تطوعاً بهذا العمل بتكيف من شعورهما الديني ، ورغبتهما في الإصلاح فليس لهما إلا رفع الأمر للقاضي ويكونان شاهدان على ما عرفا من السبب في الشقاق. عالمان بالظالم منهما.
والذي أرتاح له (ولستُ من علماء الفقه الإسلامي)
هو أن الأمر في الفُرقة يجب أن يكون بيد القاضي.

(1/22)


لأن كثرة مران القاضي في مثل هذه القضايا تجعل من طبعه الأناة وعدم التسرع في الحكم. فالطبيب الجراح أضبط لأعصابه من والد المريض الذي يرى ولده تحت المشرط.
ولكثرة ما نشاهده في الناس من عدم الصبر في مثل هذه القضايا ، وسرعة الانفعال ، بل وعدم علمهم بالأحكام الشرعية ، فليست كل أسرة لديها الدارس الفاهم من جهة الرجل ، والدارس الفاهم من جهة المرأة.
وشدة التصاق الحكمين بالزوجين قد يُحرك أموراً قديمة في النفس ، وأسباب أخرى كثيرة قرأتها في صفحات المجتمع الذي عشت فيه بمصر والبلاد العربية التي خالطت أهلها.
تجعلني أؤكد ضرورة أن يكون التفريق بيد القاضي ، وليس وللحكمين سوى الشهادة بعد مهمتهما الأولى وهي محاولة الصلح.
وقد ذكر صاحب المفصل في أحكام المرأة دراسة واسعة في هذا الموضوع يحسن للدارس أن يرجع إليها. ولكنني عبرت عن الرأي الذي أرتاح له في عصرنا لما عمَّتْ به البلوى.
وللشاعر العربي الأستاذ محمد مصطفى حمام شعر في الموضوع
لا تخافوا شقاقا في بيوتكمو ... بل اضمروا الحبُّ يبقى الحبُّ منتصراً
فإن تعاظمكم خلف وأعضلكم ... فخالفوا آمر التفريق إن أمرا
واستخلصوا حكما من أهلكم وخذوا ... من أهلها حكماً واسترحموا القدرا
ولستُ أرضى سوى الأهلين محكمة ... وليبق سري وسرُّ البيت مدَّخرا
فإن قضى الله تفريقا فنازلة ... إن تلق صبرا فطوبى للذي صبرا
وربما كان في التفريق منفعة ... قد يبرأ الجسم من عضو قد انبترا
الطلاق عزيمة
لست من الذي يخلطون بين الفتوى والورع ، فالورع خاص بمن يفتى به.
وخصوصاً في مثل موضوع الطلاق.

(1/23)


فيحكمون على الطلاق بالوقوع. وعلى البيت بالخراب ، وعلى الأولاد بالشتات لمجرد كلمة تخرج من الأب في ساعة انفعال كلمة يعرف معناها ولكنه لا يدرك - ساعتها - أبعادها كما أنني لست مع الذين لا يوقعون الطلاق الكامل الأركان ، المستوفى الشروط ، الصادر من عقل كامل لمجرد أنه في غير ساحة القضاء - كما يحدث في بعض البلاد.
وأرجو الله أن يوفق المجتهدين من علماء الفقه والفقه المقارن أن يجتهدوا في هذه الأمور فإن الجموع البشرية الأن تختلف عنها منذ نصف قرن ، فكيف بأيام أئمتنا المجتهدين - رضي الله عنهم - .
لقد قرأت كتاباً يدرس في إحدى كليات الشريعة في بلد عربي لا يكاد مؤلفه يسمع كلمة (ط ل ق) حتى يوقع الطلاق. حتى قال بالحرف الواحد : لو قال : الحقي بأهلك وقع الطلاق لأنه كناية عن الطلاق. صحيح أنا لست من أهل الاجتهاد ، ولم أبلغ نصابهم.
ولكنني زوج وأب وبشر قد ينفعل وقد يخطئ.
والذي أؤمن به أن الطلاق كما أن الزواج عزيمة {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} (235 سورة البقرة)
فالزواج عزيمة
بحث عن الزوجة. وخطبة لها ، واتفاق مع وليها ، وصداق ثم زفاف. والطلاق عزيمة كذلك
{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (226 سورة البقرة)
فالطلاق عزيمة كذلك.
أعني الطلاق الذي شرعه الله. وليس طلاق (الحشاشين والسفهاء) الذي يخالف شرع الله ويحسبونه على الإسلام.
الطلاق عزيمة. لا بُدَّ أن يسبقه ما سبق

(1/24)


أن فصلته من مقدمات نص عليها القرآن الكريم.
عظوهن - لأن الوعظ خطاب للعاطفة. والمرأة أعلى عاطفة من الرجل.
{وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} ولا تهجروا مضاجعهن. ولا تهجروهن خارج المضجع لأن الهجر خارج المضجع لا يزيد عن ثلاثة أيام.
{وَاضْرِبُوهُنَّ} ضرب حبيب. يريد الإصلاح.
{ابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} وقد ناقشت هذه القضية.
سلام على عمر بن الخطاب
فهم عمر مقاصد الإسلام
أليس عمر من تلاميذ النبي - صلى الله عليه وسلم - المقربين.
وقد وجدت هذه القصة في قراءتي
قالت امرأة لزوجها : سمّنى. أي اختر لي اسماً.
فقال لها : أنت طيبة.
قالت : لا. اختر لي اسماً آخر.
قال : اختاري أنت.
فقالت : خليّة طالق. أو خليلة طالق.
فقال لها : أنت خليّة طالق.
فذهبت إلى عمر وقالت له : إن زوجي طلقني.
قال لي أنت خليّة طالق.
فأتى الرجل وقص عليه الخبر.
فأوجع عمر رأسها.
وقال الرجل : خذ امرأتك وأرجع رأسها.
إن فقه عمر - رضي الله عنه - جعله لا يتسرع في الحكم للمرأة بأنّها قد طلقت.

(1/25)


والرجل الذي فقد ناقته في الصحراء وعليها طعامه وشرابه وتيقن الموت ، ثم نام مستسلماً للموت. ثم استيقظ فوجدها ، أسرع في شكر الله.
أراد أن يقول : اللهم أنت ربي وأنا عبدك. فقال : اللهم أنت عبدي وأنا ربك.
لم يؤاخذه الله. فليراجع علماء الفقه في عصرنا ما يسمى بطلاق الكناية ولهم الأجر من الله.
وذكرت أن زواج السنة والبدعة في المدخول بها فقط ، أما التي لم يدخل بها فليس لها عدة فيجوز طلاقها حائضاً.

(1/26)


{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
ليس بالعيش وحده يحيا الإنسان.
السيد المسيح
* لمن الغلبة في معركة الإغراء ؟
* العبادة عندما تُضعف الزوج عن واجبه
* صوم النافلة عندما يمنع الزوج حق
* المعاشرة كالطعام
* عندما يتحول وقت المعاشرة إلى وقت طلبات
* الفرار إلى زوجة ثانية

(1/27)


لا ضرر ولا ضرار
الحياة الزوجية شرمة عالية الروابط أخذ كل من الزوجين على الآخر ميثاقاً غليظاً. فلا بُدَّ أن تبقى في ظلال هذا الميثاق.
بيَّن القرآن فيها ما على كل طرف وماله بالمعروف. {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} "228 سورة البقرة" وكرر القرآن ضرورة أداء كل واحد من الزوجين واجبة بالمعروف في الحب وفي الكره. {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} "19 سورة النساء"
حتى عندما تنتهي الحياة الزوجية بالطلاق {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} "49 الأحزاب" والحياة الزوجية - كما قلت - حقوق وواجبات النفقة والسكنى والحقوق المادية شغلت مساحة واسعة من كتب الفقه.
والحقوق الزوجية الأخرى لا تقل في أهميتها وفي اهتمام علماء الإسلام بها عن هذه الحقوق.
لقد كره العلماء أن يجهد الزوج نفسه في العبادة حتى تضعفه العبادة عن القيام بحق الزوجة من الكسب لها ومعاشرتها. حتى قال الإمام مالك : إن كان هجرها بغير ضرورة أُلزم به أي بالجماع والمعاشرة أو يفرق بينهما (صحيح البخاري بشرح العسقلاني حـ 9 ص 299)
وإذا كان المبيت عندها يفضى عادة إلى جماعها فإن عمر بن الخطاب أقر قضاء كعب بن سوار بإلزام رجل أن يبيت عند زوجته ليلة كل أربع ليال ، وعلق بن قدامة الحنبلي على هذه القضية بأنها انتشرت فلم ينكرها أحد فكانت إجماعاً (المغني حـ 7 ص 29) وناقشوا المدة التي يجب أن يباشرها الزوج فيها ، قال ابن حزم "وفرض على الرجل أن يجامع امرأته ، وأدنى ذلك مرة كل طهرٍ ، إن قدر على ذلك ، وإلا فهو عاص لله تعالى وبرهان ذلك {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} "الآية 222 سورة البقرة ثم قال ويجبر على ذلك من أبى بالأدب لأنه أتى منكراً من العمل" المحلي حـ 10 ص 40 ورأى العلماء أن الأمر في الآية للإباحة ، وليس للوجوب ، وقال بعضهم يجب

(1/28)


كل ستة أشهر إن كان مسافراً أخذا برأي عمر بن الخطاب عندما أمر قادة الجيوش ألا يباعدوا بين الجنود وبين أزواجهن أكثر من ستة أشهر.
(المغني لابن قدامة حـ 7 ص 31)
واختار أستاذي الدكتور عبد الكريم زيدان رأي الإمام ابن تيمية بعدم تحديد مدة لهذا الأمر وردّ الأمر لكفايته وقدرته على ذلك ، وإن تنازعا فينبغي أن يفرضه الحاكم كالنفقة. هذا رأي ابن تيمية "الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية صـ 246"
وقال الدكتور عبد الكريم زيدان : الراجح ما ذهب إليه ابن تيمية لأنه المطلوب تحصين المرأة ضد الفاحشة بوطئها من قبل زوجها بقدر كفايتها وبقدر ما يحصل به هذا التحصين ، وهذا في الأحوال الاعتيادية والزوج حاضر يعيش مع زوجته. (المفصل جـ 7 ص 242)
عندما تسوق دلالها عليه.
عادة ما يستغل الضعيف كل ما يملك من سلاح ليغلب خصمه ، أو ليفرض رأيه.
وكثيراًَ ما نستخدم بعضهن دلالها وتحاول منه نفسها عنه عندما تعلم رغبته في جسدها لتؤكد مطالبها التي لا تنتاهي.
وقت الفراش يحاول الرجل أن يجعله لحظات سُكر من مشكلات الحياة وتحاول بعض النساء أن تجعله لطلب ما تعسر طلبه في أوقات أخرى.
وإذا كان لكل فعل رد فعل - كما يقولون - فلا بُدَّ أن يأتي اليوم الذي يشعر فيه الزوج أن حاجتها إليه لا تقلّ عن حاجته إليها.
فلماذا لا يتعودّ الردّ عليها بالسهام نفسها. أليس أمراً عاديا أن يرد على محاولة دلالها بمحاولة هجرها. وقد يطول الهجر لاستغنائه بزوجة أخرى فيميل إليها كلَّ الميل. ويترك صاحبة الدلال كالمعلقة. وكان لا بُدَّ من نزول قرآن ينظم الدلال والهجر أقرَّ مبدأ التأديب حفاظاً على استمرار الحياة.

(1/29)


ولكن منع العناد. وأباح القَسَمْ على عدم اقترابها. ولكن له أربعة أشهر : وبعدها إما أن يفيء وإما أن تطلق.
{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (226 البقرة)
شرع له القرآن الحق في هجر جسدها رداً على محاولة استعمال جسدها لدلالها ، ومحاولتها إرغامه على تحقيق ما وكان يريد هذا معتادا.
وللرجل فيه مطلق الحرية قبل نزول الآيات الكريمة.
وكان الرجل يقصد به الإذلال. وكان بعض الرجال يستعين على إزائها بزوجة أخرى ، أو بالصبر على بُعدها وهجرها فيطيل المدة ، ولكن الله - سبحانه - حدّد المدّة من الزمن لا يجوز للزوج أن يتجاوزها وهو يقصد الإضرار بالزوجة. فإن قصد مجرد التأديب والهجر في المضجع فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد حلف على نسائه شهراً وأتمه. وقد أقره القرآن.
وإن قصد جانباً طبياً كعدم الرغبة في الحمل حتى يتم فطام طفلها فلا إثم.
وإن كان العلم الحديث قد عالج هذه الأمور علاجاً مأموناً - غالباً. بالموانع من وصول النطفة أو إلغاء مفعولها بالعقاقير.
أربعة أشهر وبعدها إما أن يفيء وإما أن يطلق. ما دام الزوج مقيماً غير مسافر ، صحيحا غير مريض. وللمريض بعد ذلك رأيان.
رأى يرى أن مجرد مرور الأشهر الأربعة يوقع طلقة بائنة عليه عقوبة له.
وهذا رأي الأحناف.
والإمام الشافعي والمالكي والإمام أحمد يرون ضرورة تدخل القاضي لإيقاع الطلاق.
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} "227 البقرة"
وهذا الشرط "وهو العزم على الطلاق" يكاد ينتفي في مذهب الأحناف.

(1/30)


والرأي الثاني أكثر نظاماً ، وقد اخترته لما فيه من تسجيل الإدارة القضائية للحادثة فلا تتكرر ، ولإثبات وقوع الطلقة بائنة فلا يستطيع أن يراجعها إلا بعقد جديد ومهر جديد ، وباستشارتها ، وهذا أن كان له رصيد من الطلقات. ووقع الأمر للقضاء حقا ، فلها أن تصبر وتحتسب ، ومع هذا فالمعاشرة لا تثبت قضاء إلا بشهادتها.
وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عمرو بن العاص عن مواصلة الصيام نهاراً وقيام الليل لما فيه من ظلم للمرأة كما نهى الإسلام المرأة أن تصوم النافلة وزوجها حاضراً إلا بإذنه {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (228 سورة البقرة)
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (19 النساء)
" خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي". (الترمذي. 3830).
الطلاق وعلاقته بالمهر والعدة
الطلاق قضية كبيرة {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} "النور 15"
يترتب عليه أمور كبيرة ، هدم للأسرة وضياع للنشئ ، ومعانات وفراغ نفسي ، وشماتة من الحاقدين.
وأخشى ما أخشاه أن الحياة الزوجية كانت تسد حاجة الجسد الجنسية فلتتدخل السماء باللطف والعفة لحفظ المتفارقين من الانحراف الجنسي.
ولكنني هنا أتحدث عن آثاره الشرعية من المهر والعدة والمتعة والنفقة.
أولاً : الطلاق قبل الدخول بها وقد حدد لها صداقاً.
بين القرآن الكريم أن لها نصف المهر الذي حدده لها. {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (237 سورة البقرة)
فلها نصف المهر الذي اتفقا عليه ما دام لم يذكر أي الجهتين المطالبة بالعفو في قوله تعالى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} "يعفون يعني النساء

(1/31)


لاخلاف في هذا. والنون نون النسوة. ولها أن تتنازل عن حقها وما لها لمن تشاء {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (5 النساء).
أما قوله تعالى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}
فالمعنى يحتمل زوجها ووليها فهو يشملها.
وقد ذكر ابن العربي الأندلسي أدلة ترجيح احتمال كل واحد منهما فأجاد وأفاد ، ورجح أن يكون الولي هو المقصود (أحكام القرآن جـ 1 ص 219)
لها نصف المهر وإذا لم يكن دخل بها قبل الطلاق وليس عليها عدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} "الأحزاب 49"
ثانياً : إذا طلقها من قبل الدخول بها ولم يحدد لها صداقاً في العقد فليس لها شيء من الصداق لأن الصداق مجهول والمجهول لا يُنصف ولكن لها "المتعة" حق لازم يحدده لها القضاء.
لأن بقية الآية الكريمة {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (49 الأحزاب) والمتعة على الموسع قدره وعلى المقتر قدره {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} "336 البقرة"
وهي شكر للمطلقة ، ووفاء لها على ما قدمت أيام الحياة الزوجية.
وقد أمر الله النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُقدم مثل هذا العطاء لزوجاته عندما خيرهن بين البقاء مع الرضا بضيق العيش وبين الفراق الجميل إن رغبن في الدنيا. ولكنّهنّ جميعاً اخترن الله ورسوله.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (28 الأحزاب).
وهل المتعة واجبة لكل مطلقة لعموم قوله تعالى : {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} "241 سورة البقرة".
أم أن الأمر للندب كما ذهب الإمام مالك وأصحابه والقاضي شريح وغيرهم.

(1/32)


والظاهر أن الأمر الوجوب للشعور بالملكية في قوله تعالى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} ولقوله تعالى {عَلَى الْمُتَّقِينَ} ولكلّ عصر تحديد المبلغ الذي يليق بالمتعة ، ولكل أسرة فلا ضرورة لنقل آراء القدامي في تحديدها.
وقد روي القرطبي أن الإمام الحسن لما بايعه الناس بالخلافة بعد استشهاد الإمام علي قالت له زوجته عائشة الخثعميّة تهنئه بالخلافة.
وكان الإمام الحسن مصاباً باستشهاد والده فاعتبر هذه التهنئة شماتة فطلقها.
فلما قضت عدتها بعث إليها بعشرة الآف متعة.
فقالت : "متاع قليل من حبيب مفارق"
فلما علم بذلك ندم على طلاقها وقال لولا أنها. الثالثة لرددتها.
فليتق الله من يسرع بالطلاق ويعط لنفسه فرصة {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}.
ثالثا - لو طلقها بعد الدخول بها.
لها الصداق كاملاًَ إن كان قد حدده لها. ولها مهر المثل إن كان لم يحدد لها صداقا.
وقد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بمهر المثل في قضية بنت واشق الأشجعية. (أبو داود والترمذي)
وقال بمهر المثل الأئمة الأحناف والشافعية والحنابلة والأباضية في الرأي الراجح عندهم.
والعلماء يلجؤن إلى مهر المثل إذا عقد عليها ولم يُسمّ لها مهراً أو سمّى لها مهراً فاسداً كالخمر والخنزير.
أو سمَّى لها مهراً مجهولاً كالبيت الذي لد يحدد مكانه ولا عدد غرفه ، أو سيارة ولم يحدد نوعها وسنة صنعها. وغير هذا.
ومهر المثل يقاس بإخواتها وعماتها وبنات أعمامها ويشترط التقارب بينهن في الدرجة العلمية. وتقارب العصر والبلد ، وعلماء الأحناف يطلبون مراعات سن الخاطب شاباً أم شيخاً ، ودرجته العلمية والوظيفة.

(1/33)


بهذا الدقة أفتى علماء الإسلام منذ قرن.
وكما يقولون : يبدأ الفقه عندما ينتهي التخصص العلمي.
لها مهر مثل كما قلنا وعليها العدّة.
رابعاً : الفراق بالخلع
الرأي الراجح ليس لها متعة. وعليها العدة إن كان قد دخل بها لعموم قوله تعالى في عدة المدخول بها.
خامساً الفراق بموت الزوج
أمّا عدّة من مات زوجها فواجبة عليها وفاء وعزاء وسلوى لأهله سواء دخل بها أو مات قبل الدخول.
لعموم قوله تعالى : {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} "234 سورة البقرة"
وهذا الحكم متفق عليه لصريح النص الكريم.
وفي الموضوع آية أخرى حددت المدة بسنة كاملة. {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (240 الآية)
هل موضوع الآيتين واحد كما يفهم من النظرة الشريعة ؟
وهل إحداهما ناسخة للأخرى ؟
وإذا قلنا بالسنخ فآية الأشهر الأربعة هي المتقدمة في ترتيب الآيات فلماذا لم يقل أحد إن لآية المتأخرة في ترتيب الآيات نسخة المتقدمة ؟
أليس من الأفضل أن تكون الآية الثانية محكمة كالأولى ؟ ولكل واحد منهما موضوع مختلف ؟

(1/34)


السلف الصالح - رضي الله عنهم - كثرت أقوالهم في الآيتين سأل عبد الله بن الزبير عثمان بن عفان - رضي الله عنهما - عن آية الحول لماذا كتبها عثمان متأخرة وهي - في فهمه منسوخة فالأصل أن تتقدم.
فأجاب عثمان : لا أغير شيئاً منه - من القرآن - عن مكانه يا ابن أخي "البخاري كتاب التفسير"
وقال العلامة ابن عاشور في "التحرير والتنوير"
جعل الله لها وصية أن تقيم في بيت الزوجية وأن يُنفق عليها سنة كاملة قبل تشريع الميراث. وهي حرة في أن تسكن أو تخرج.
فالأشهر الأربعة والأيام العشر عدّة واجبة تقضيها في بيت الزوجية ولا تخرج منه إلا لضرورة. فقد أخرج الإمام علي ابنته أم كلثوم من بيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - بعد استشهاد عمر.
أما بقية العام فوصية من الله لها إن شاء قبلتها وإن شاءت خرجت.
فهي تتعلق بالسكني ولا تتعلق بالعدة ويبدوا أن هذه الوصية رُفعت بالميراث. لقوله إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" "أبو داود وصايا 6 ، ترمذي وصايا 5 ، وابن ماجة وأحمد 4 "186"
{فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} "البقرة آية 240"
والمعروف هو ألا تخطب ولا تتزين ولا تتزوج في أيام العدة.
وأسأل : ما علاقة أهل الميت بتصرفاتها بعد خروجها من بيتهم حتى يقول القرآن الكريم {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} إن الآية الكريمة ترمي إلى شيء بعيد لم يتنبه إليه كثير من الدعاة وهو المسؤولية الجماعية عن تصرًّف الأفراد وخصوصاً النساء. كالجسد الواحد إذا فسد فيه عضو كله.
عدة المتوفي عنها زوجها.
عرفنا عدّة المرأة إذا مات زوجها. وقد بينها القرآن صراحة وهي أربعة اشهر وعشرة أيام. ما لم تكن حاملاً. فإن كانت حاملاً فعدتها أن تضع حملها {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 4 الطلاق.

(1/35)


وقد بينت السنة المطهرة أن عدتها تنتهي بوضع الحمل لأن الأصل في العدة الاستدلال على براءة الرحم. والوضع يسبب علم اليقين بلذلك ورأى بعض العلماء أن عدتها تنتهي بأطول الأجلين. إما بوضع الحمل وإما بالأشهر ، الأبعد منهما.
وهي عزاء ووفاء وطهارة رحم. وحق لله - سبحانه.
حديث سُبيعة بنت الحارث الأسلميّة
يستدل العلماء بحديثها على انتهاء عدة من مات زوجها بوضع حملها ، ولو كان بعد أيام من موت زوجها. فقد مات زوجها سعد بن خولة في حجة الوداع وهي حامل فلم تلبث أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما طهرت من الوضع تجملت للخطاب.
فقال لها أبو السنابل بن بعكك مالي أراك تجملتي للخطاب ترجين النكاح ؟ فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر أربعة أشهر وعشر. فذهبت وسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفتاها بأنها قد حلَّتْ حين وضعتْ حملها وأمرها بالزواج إن بدا لها. (البخاري كتاب المغازي ومسلم كتاب الطلاق)
مجموع ما قرأته من كتب الأئمة يؤكد إجماع الأئمة على وجوب عدة المتوفي عنها زوجها ، ووافقهم المفسرون للآية الكريمة.
تجب العدة على المرأة مسلمة أو كتابية ، قابلة للحمل أو يائسة ، صغيرة لا يحمل مثلها أو كان الزوج صغير لا يتصور منه حدوث الحمل لعموم قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (البقرة 234)
حتى ولو كانت مطلقة طلاقاً رجعياً فإنها تنتقل إلى عدة المتوفي عنها زوجها - أي أربعة وعشراً ما لم تكن حاملاً فعدتها وضع الحمل - وهو رأي الجمهور - أو طول الأجلين - كما قال بعضهم.
أما أن طلقها بائنا فليس عليها عدة المتوفي عنها زوجها ، لأن الطلاق البائن ينهي الزوجية (المغني لابن قدامة جـ 7 صـ 474 والبدائع حـ 3 صـ 200)

(1/36)


- وإذا ثبت أنه يريد الفرار من ميراثها فطلقها تعتد بأطول العدتين لترث منه. ومعلوم أن الطلاق قبل الدخول بها طلاق بائن لعدم وجوب العدة عليها بنص القرآن. إلا إذا كان يريد من طلاقها حرمانها من الميراث فلها الميراث قال العلامة الدردير في كتابه الشرح الصغير : ولمن توفى زوجها ولو كانت مطلقة طلاقاً رجعياً ليس بائناً ولا غير مدخول بها أربعة أشهر وعشرا "الشرح الصغير جـ 1 ص 500".
وقد بين حكم البائن إذا أراد بطلاقها الفرار من الميراث.
عدة المطلقة لماذا ؟
عقد الزواج يختلف - في الإسلام عن أي عقد آخر. فهم عقد مقدّس.
من أصل ذلك قدّم له الإسلام بأحكام الخطبة ، وأبقى بعده بأحكام العدّة لاستبراء الرحم مما يترتّب عليه حفظ الأنساب. وثبوت النسب أول حقوق المولود.
وفي العدة امتداد للحياة الزوجية وتمهيد للعود إليها بعد الطلاق الرجعي ومن أجل ذلك طلب الله بقاء المطلقة في بيت الزوجية وحرم خروجها منهجتي يؤلّد القرب الرغبة في العودة {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ} (الطلاق)
وهذا حكم شرعي غاب عن كثير من المجتمعات الإسلامية فالمرأة كثيراً
ما تلتحق ببيت أهلها وتبقى فيه قبل أن يحدث الطلاق فكيف يتصور رجوعها بعد الطلاق لبيتها لقضاء العدّة فيه ؟
وهذا مما ساهم في ارتفاع عدد الطلاق البائن بينونة كبرى.
وكثير من أحكام الإسلام في الأسرة قد هجرها المسلمون جهلاً بها.
وهذه مسؤولية المسجد والإعلام وأجهزة التعليم.
فالعدة امتداد للحياة الزوجية ، وتحريض على العودة ، واستبراء للرحم وقد تكون العدة لحفظ حقوق الزوجة إذا طلقها في مرض موته ليمنعها من حقها في الميراث. فيجعل الإسلام عدتها امتداداً للحياة الزوجية فيجب لها الميراث ويسمى طلاق الفار.
وإذا كانت العدة من موت الزوج فهي مع ما ذكرنا وفاء للحياة الزوجية ، وعزاء لأهله.

(1/37)


والعدة قبل كلّ هذا حق لله - سبحانه - فالالتزام بأحكامها تعظيم لشعائر الله.
- ما يحل وما يحرم في العدة
الأحكام الشرعية يجب أن يسأل عنها أهل الذكر من العلماء. {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (7 الأنبياء)
أما أن تسأل المرأة جدتها عن أحكام الشرع فهذا سبب بقاء الخرافات والخلط بين العادة والعبادة.
في بعض بلاد الخليج يتوارث النساء أحكام العدة للمرأة التي توفي عنها زوجها من "حواديت جدتي"
يقولون بلسان حالهم {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} "74 الشعراء"
يحكمون على المرأة بدخول العدة - على حد تعبيرهم.
والعدة تعني عندهم دخول كالسجن يُحرّمون عليها أن ترى رجلاً أو يراها رجل أجنبي.
ولا يحل لها أن تشاهد الشاشة الصغيرة ، ولا تخرج لبيت أحد ، ولا لعمل ولا لسوق.
وتعتقد المرأة أن العدة تبدأ من وقت ما تريد هي فيمكن لها أن تؤخر العدة أياماً معدودات أو حتى أشهر حتى تتهيأ لدخولها.
وبعضهن يتسأل : إن زوجها قد مات ولم تجد وقتا لدخول العدة فماذا تفعل ؟ وهذا جهل بأحكام الله تجلس المرأة أربعة أشهر وعشرا في سجنها تجلس تسبح على مجموعة من الحصى ، فلما تنتهي العدة بهذا الحصى في البحر.
هذا ما يفعلونه. وما سمعته منهن.
والعجيب أنهن يفعلن هذا على أنه أوامر الله.
بعض أحكام العدة
لم نبتعد كثيراً عن موضوع عدة المطلقة عندما نذكر بعض أحكام عدة المتوفي عنها زوجها - مع اختلاف في الأحكام بين عدة المطلقة طلاقاً رجعياً.
وعدة المطلقة بائناً. وعدة من مات زوجها فماذا عن عدة المطلقة رجعياً ؟

(1/38)


أولاً : العدة في الطلاق الرجعي امتداد للحياة الزوجية فيجوز فيها ما يجوز بين الزوجين. من ذلك - وأهم شيء ثبوت نسب المولود إذا حملت في العدة من طلاق رجعي.
الطلاق الرجعي لا يمنع الميراث بينهما. فأي الزوجين مات يرث الآخر نصيبه منه.
ثالثاً : يمنع الشارع الحكيم خروج المطلقة رجعياً من بيتها. وإذا كان الزوج قبل الطلاق يجوز له أن يأذن لها في الخوج فإن احتباسها بعد الطلاق وهي في العدة بأمر الله سبحانه فلا هو يخرجها ولا هي تخرج.
وقد نص القرآن على منها من الإخراج أو الخروج في الآية الأولى من سورة الطلاق.
(أحكام القرآن لابن عربي حـ 4 صـ 1819)
(وكشاف القناع حـ 3 صـ 277)
وليس لها أن تحج أو تعتمر في أيام العدة (المغني لابن قدامة حـ 7 ص 521)
الطلاق البائن هل يمنع الميراث ؟
القياس أن الطلاق البائن يمنع الميراث. كان يكون الطلاق الثالث.
أو الطلاق على عوض "الخلع" أو طلاق يوقعه القاضي بناء على طلبها.
ويستثنى من هذا أن يطلقها طلاقاً بائناً في مرضه الأخير - مرض الموت - ليفر من ميراثها. فيعاقبه الإسلام بعكس قصده ، أو تسعى هي للطلاق منه في مرض موتها بخدعه أو خلع أو حكم القاضي في مرض موتها فيعاقبها الإسلام بعكس قصدها.
والمطلقة طلاقاً بائنا إذا ما تزوجها في عدتها وثبت أنه أراد بالطلاق الفراء من ميراثها تعتد بأطول العدتين. لأنه لا يتصور أن نحكم لها بالميراث وهي بائن عقوبة له على فراره ونحكم لها بانتهاء عدتها بأقرب العدتين باعتبارها مطلقة طلاقاً بائنا الغنُم بالغرم. وهذه بتلك.
واعتقد أنها لو كان سيؤذيها إطالة العدة وترى أن الميراث لا يعوضها لقلته أو لثرائها فلها أن تطلب من القضاء اعتدادها بالقروء أو بالأشهر الثلاثة حسب

(1/39)


سنّها وحالها. ولا ترث لأن الأصل في البائن عدم الميراث وميراثها استحسانا فلها التنازل.
عدة المتوفي عنها زوجها والحداد.
تلزمها أحكام العدة ويلزمها الحداد على زوجها - بكسر الحاء - تبقى مدة العدة في البيت الذي عاشت فيه مع زوجها ولا تخرج منه إلا لضرورة مادية أو نفسية - كما سنعرف
خروجها لضرورة
لم يختلف الأئمة في لزوم سكني المعتدة في بيت الزوجية وأجمعوا على أن الضرورة تبيح لها الانتقال إلى مسكن آخر
* فعندما قتل - رضي الله عنه - نقل علي ابنته أم كلثوم زوجة عمر لأنها كانت في بيت بإيجار.
سبحان الله.
ابنة علي وزوجة أمير المؤمنين ينقلها أبوها في العدة لأن البيت إيجار.
ولو تيسر الإيجار ما نقل عليٌّ ابنَته !!
* وعائشة - رضي الله عنها - نقلت أختها أم كلثوم بنت أبي بكر - رضي الله عنهم - لما قتل طلحة - رضي الله عنه - فدل ذلك على جواز الانتقال لعذر (البدائع حـ 3 ص 205)
* والرسول - صلى الله عليه وسلم - أذن لفاطمة بنت قيس أن تنتقل إلى بيت إلى بيت ابن أمِّ مكتوم لأنه رجل أعمى يمكن أن تضع ثيابها "صحيح مسلم" لأنها كانت في مكان موحش والأعذار المبيحة عند الأئمة متقاربة عجز المطلق أو أسرة المتوفي عنها زوجها عن إعداد سكن لها.
* ومن الأعذار أن تخشى على نفسها من سقوط البيت أو عدم.
المعتدة العاملة
الآن قل أن تستقر المرأة في بيتها خالية من العمل الصعوبة الحياة ولحاجة البيت إلى عملها. {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}
"الآية 23 القصص"

(1/40)


ذكاء فائق وعقل راجح ، وعلّة للسبب الدافع لخروجهما {أَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} فالبيت بحاجة لعملنا.
أو لعل المرأة - في عصرنا - عالمة بتخصص لا يجيده كثير من الرجال.
أو كان العمل بحاجة لامرأة فإنها أرفق بالطفل في سنوات الدراسة الأولى ، ولابد منها مدرسة للبنات أو قابلة لتوليد المرأة.
المهم هل نكلفها في العدة أن تبقى في البيت مدة قد تصل إلى تسعو أشهر حتى تنتهي عدتها بوضع الحمل.
أليس من الممكن أن تفصل من العمل فتصبح الأسرة قد مات كاسبها وفصلت أمها.
لا. إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لخالة جابر بن عبد الله أن تخرج وتجذ نخلها.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : طُلّقت خالتي فأرادت أن تجذّ نخلها فزجرها رجل أن تخرج ، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : بلى. فجذي نخلك. فإنك عسى أن تتصدقي أو تفعلي معروفاً "فيجوز خروج المعتدة من طلاق بائن في النهار وعند الشافعي وأحمد وآخرين يجوز لها الخروج في عدة المتوفي عنها زوجها. (صحيح مسلم بشرح النووي صـ 10 صـ 108).
وفي سنن البيهقي عن مجاهد قال :
" اسْتُشْهِدَ رِجَالٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَآمَ نِسَاؤُهُمْ وَكُنَّ مُتَجَاوِرَاتٍ فِى دَارٍ فَجِئْنَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْنَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَوْحِشُ بِاللَّيْلِ فَنَبِيتُ عِنْدَ إِحْدَانَا فَإِذَا أَصْبَحْنَا تَبَدَّرْنَا إِلَى بُيُوتِنَا فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- :« تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إِحْدَاكُنَّ مَا بَدَا لَكُنَّ فَإِذَا أَرَدْتُنَّ النَّوْمَ فَلِتَؤُوبَ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ إِلَى بَيْتِهَا ". (السنن الكبرى للبيهقي حـ 9 ص 213).
يقول أخي الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان. فالجواز الخروج ليس من أجل الحياة المادية الضرورية فقط بل يشمل الجانب النفسي كالاستيحاش من الوحدة. (المفصل حـ 9 صـ 213)
فلا حرج على المرأة العاملة من ذهابها للعمل بشرط أن ترجع إلى بيتها ، وهذا عند أئمة السنة كالإمام الشافعي الأمن من اللصوص أو لا تجد إيجار البيت "ما تكترى به البيت" "المفصل في أحكام المرأة حـ 9 صـ 202 وما بعدها"

(1/41)


ماذا عن الحداد على الزوج ؟
يجب على المتوفي عنها زوجها ما يسمى "بالحداد" على الزوج.
وهو ترك الزينة بأنواعها. مدة العدّة أربعة أشهر وعشراً.
* الطِّيب. وهو كل ما حُرّم على المحرم في الحج من طيب
* والاكتحال إلا للعلاج فأباح لها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تضعه في الليل وتمسحه في النهار.
(المغني حـ 7 صـ 51 والبدائع حـ 3 صـ 208)
واستدلوا بحديث أم حكيم بنت أسد عن أمها أن زوجها توفى وكانت تشتكي عينها فتكتحل بالجلاء فلما سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها : لا تكتحلي إلا لما لا بُدَّ منه. يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتمسحيه بالنهار. وهذا الحديث يتفق مع روح الإسلام الذي يبيح للعلاج ما لا يبيحه للزينة. وقد منع النبي امرأة من الاكتحال منعاً باتاً لحديث البخاري ثم خفف في الحكم للضرر.
* زينة الثياب
لا تلبس المعتدة من وفاة زوجها ثوباً مصبوغاً بالزعفران والألوان شديدة لزينة وهي ألوان تختلف من سن إلى سن ومن عهد إلى عهد. وعند الضرورة تلبس ما تيسر لها.
* الزينة بالحلي
وحرم الأئمة عليها لبس حلي الذهب كبيرا كان أو صغيراً.
وروي الشافعي في هذا حديثا
"المتوفي عنها زوجها لا تلبس الحلي ولا تكتحل ولا تخضب.
(أبو داود والنسائي) وإذا لبست الذهب للخوف عليه من السرقة فالإمام الشافعي يطلب منها أن تخلعه نهاراً.
ولا يجوز لغير المتوفي عنها زوجها الحداد على أحد إلا ثلاثة أيام لقوله - صلى الله عليه وسلم - " لا يحل لمرأة تؤمن باله واليوم الآخر أن تحتد على ميت فوق ثلاث ليالي إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً". (البخاري بشرح العسقلاني ح 9 صـ 484)

(1/42)


الحداد على الزوج يمنع المعتدة من الخطبة
لا يتصور أن يفرض الإسلام عليها الحداد على زوجها ثم يأذن لخاطب أن يتقدم لخطبتها.
لأن قدوم الخاطب يدفعها للزينة. فيحرم عليها الزواج لأنها في العدة ويحرم على من يرغب في خطبتها أن يهيج عواطفها. ويخرجها نفسياً من حال الحداد. من أجل ذلك منع القرآن خطبتها.
ولكن قد تكون المعتدة فرصة يتسابق عليها الراغبون فيها وقد يسب إليها أحدهم بمجرد انتهاء العدة.
من أجل ذلك احترم القرآن رغبة الطرفين وأباح التعريض بالخطبة.
التعريض فقط. وهي من الزكاة ما يجعلها تحول التعريض إلى فهم عميق.
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} (البقرة 235) وفي السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض بخطبة فاطمة بنت قيس عندما طلقها أبو حفص بن عمرو فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" لا تسبقني بنفسك. فزوجها أسامة بن زيد ". رواه مسلم.
وفي رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها :
" إذا حللت فأذنينى ". (رواه النسائي)
وقد بين ابن عباس التعريض بأن يقول : أريد التزوج. ووددت زوجة صالح" (رواه البخاري)
وواضح أنه كلام عام فيه معنى التعريض.
* وعن سفينة بنت حنظلة قال : استأذن علي محمد بن علي ولم تنقض عدتي من مهلكة زوجي.
فقال : قد عرفتي قرابتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرابتي من علي ، وموضعي من العرب.
قلت غفر الله لك يا أبا جعفر. إنك رجل يؤخذ عنك الفقه وتخطبني في عدتي.
قال : إنما أذكر منزلتي في المسلمين.

(1/43)


فقال : إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن علي ثم قال لها : لقد دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة فقال :
" لقد علمت أني رسول الله وخيرته من خلقه ، وموضعي من قومي ".
(رواه الدارقطني)
مدة العدة
لا أريد الحديث عن دليل كل مذهب على ما ذهب إليه من القول بأن القرء هو الحيض كما قال أبو حنيفة أو القرء هو الطهر كما قال غيره.
لأنني ذكرت هذا في كتاب "شريعة الله يا ولدي ولكن الخلاصة في مدة العدة هي.
الأحناف قالوا : ثلاثة حيضات وما بينهما من أطهار ثلاث حيضات والحيضة عندهم تصل إلى عشر أيام على الأكثر تساوي ثلاثين يوماً.
وبين الحيضات الثلاثة طهران وكل طهر عندهم خمسة عشر يوماً يساوي ثلاثين يوماً وعلى هذا فالعدة عند الأحناف ستون يوماً.
ويزاد مقدار الغسل من الحيضة الثالثة.
العدة عند الشافعية
واعتبروا الأقراء الثلاثة وما بينهم من حيضات أثنان وثلاثون يوماً.
لا تقل عن ذلك.
وحسبوها هكذا : تطلق قبل انتهاء الطهر بلحظة ثم تحيض يوماً وليلة -
أقل مدة الحيض عند الشافعية.
ثم تطهر خمسة عشر يوماً - أقل الطهر عندهم فهذا قرءان - ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوماً - وهذا هو القرء الثالث وبه تنتهي العدة ثم تحيض الثالثة وهي ليست من العدة ولكن يحدث بها اليقين على انتهاء العدة فهي اثنان وثلاثون يوماً.
وقريب من هذا مذهب المالكية.

(1/44)


* ومعلوم أن عدة الحامل تنتهي بوضع الحمل. سواء في الطلاق أو في وفاة الزوج - كما بين القرآن الكريم
* وعدة التي لا تحيض ليأس أو صغر أو مرض ثلاثة أشهر.
* وعدة التي مات عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ما لم تكن حاملاً.
أحكام متفرقة في ميراث المعتدة
المطلقة قبل الدخول بها لا عدة عليها بنص القرآن الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (الأحزاب)
ومن طلقها في مرض موته أو عند غرق سفينة هو فيها وكان الطلاق بائناً ينفذ الطلاق. ولكن هل ترث لا خلاف في ميراثها إذا كان الطلاق رجعياً.
أما من كان طلاقها طلاقاً بائناً قل ترث لو مات زوجها في العدة ؟
الزوج الفارَّ.
* يُطلق السلف على هذا الطلاق اسم طلاق الفارِّ ، لأن الغالب أنه طلاقها لحرمانها من الميراث الذي شرعه الله لها.
والأصل في الطلاق البائن يقطع الطلاق ويجعل كل واحد منهما أجنبياً عن الآخر ، ولكم الحكم هنا من باب الاستحسان تفويتاً على الفار قصده.
الزوجة الفارة.
ويتصور أن تكون المرأة فارة من ميراث زوجها إذا تسببت في فسخ العقد في مرض موتها كمن ترتد عن الإسلام لمنع ميراثه أو يكون قد تزوجها وهي دون البلوغ ثم بلغت فأصبح لها الخيار فاختارت نفسها ، أو تعمدت أن تمكن أحداً من فروع زوجها منها أو أصوله لتحرم عليه.
الأصل أي أن الفُرقة تمنع الميراث ولكن الحكم عليها بأنها فعلت ذلك فراراً من ميراثه يعاقبها قصدها.

(1/45)


أمور تدفع الحكم عليه بالفرار
هناك أمور تدفع عنه سوء الظن به وتبطل الاعتقاد بالفرار من ميراثها.
أ - من ذلك أن تكون المطلقة هي صاحبة الطلب للطلاق كمن طلبت الخلع أو من رفعت الأمر للقاضي فحكم لها بالطلاق.
ب - أن يكون الزوج غير مكره على طلاقها.
لأن طلاق المكره لا يقع كما سبق أن قلنا ولأن ثبوت الإكراه ينفي قصد الفرار من ميراثها.
* واستدل الأحناف على هذا الرأي بأن عبد الرحمن بن عوف طلق زوجته "تماضر" طلاقاً مكملاً للثلاثة في مرضه الذي مات فيه فحكم لها عثمان بالميراث وقال عثمان : ما اتهمت عبد الرحمن ولكنني أقمت السنة.
* وقد روي أن عبد الرحمن قال : ما طلقتها فراراً ولا ضراراً.
* وحدث أن عثمان نفسه طلق زوجته "أم البنين" بنت عيينة بن حصين الفزازي طلقها وهو محاصر في داره فلما قتل - رضي الله عنه - رفعت الأمر إلى علي - رضي الله عنه - فقضى لها بالميراث
وقالت عائشة - رضي الله عنها - : أن امرأة الفارِّ ترث ما دامت في العدة" (المبسوط جـ 6 صـ 155 وفتح القدر حـ 3 صـ 151)
الإمام أحمد - رضي الله عنه -
يورثها ما كانت في العدة ولو كان الطلاق بائناً حتى بعد العدة يُورثها ما لم تتزوج هذا مذهب الحنابلة لأن أبا سلمة ابن عبد الرحمن روى أن أباه طلق أمه في مرض الموت فورثته بعد انقضاء عدتها ، وعند الإمامية والمشهور من رأي الإمام أحمد أنها ترث بعد انتهاء العدة ما لم تتزوج.
أما المالكية فأجازوا لها الميراث حتى لو انتهت عدتها وتزوجت.
وروى هذا الرأي عن الليث بن سعد إمام مصر (بداية المجتهد لابن رشد الحضير حـ 2 صـ 82 التركات والوصية للدكتور أحمد الحصري صـ 104)

(1/46)


الظاهرية يرفضون ميراث المبتوتة.
ابن حزم شدد القول في رفض ميراث المبتوتة وأطال في المناقشة.
وقال : أعجب أن بعض الأئمة لم يعترف بزواج الرجل في مرض الموت ، ويمنعون الزوجة التي تزوجها في مرض من الميراث ، بينما يورثون المطلقة المبتوتة (المحلى جـ 10 صـ 243)
هل الموت بعد الطلاق يتبعه تغيير في العدة ؟
كتب الأحناف تبيح لها أن تلتزم بعدة المطلقة المبتوتة ولا تنتقل لعدة من مات عنها زوجها (المغني حـ 7 ص 272)
العدة واجبة على المرأة. فهل على الرجل عدة ؟
نعم أحياناً يحب على الرجل أن ينتظر مدة تساوي عدة امرأته التي كانت تحته فلا يجوز أن يعقد فيها.
أولاً. إذا تزوج أربعة من النساء فلا تحل له امرأة خامسة حتى يُطلق واحدة من نسائه. ثم ينتظر حتى تنتهي عدتها ، ثم يعقد على الزوج الجديدة.
ولا يحل له أن يتزوج الخامسة في مدة العدة لأن الزوجة الرابعة ما زالت في العدة فالزوجية قائمة. ويعرف الدراسون أن العدة هنا هي العدة من طلاق رجعي.
أما العدة من طلاق بائن بينونة صغرى أو كبرى فالحنفية والحنابلة يحرمون الجمع بين الأختين ومن يأخذ حكمهما كالعمة والخالة لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين" (الدار المختار حـ 2 صـ 90 والقوانين الفقهية صـ 209)
ولأن في الزواج منهما قطعا للرحم الذي أمر الله أن يوصل أما المالكية والشافعية فيحرمون الجمع في العدة من طلاق رجعي. لأن الزوجية قائمة.
أما الطلاق البائن فيجوز عندهما العقد على الأخت وذوي أرحامها لانقطاع

(1/47)


أثر الزواج السابق ، فالقول باجتماعهما في زواج واحد غير صحيح.
لانتهاء أحكام الزواج بالطلاق البائن. (الفقه الإسلامي وأدلته)
وذوي قرابة المرأة اللاتي لا يصح أن يجمع بينهن في زواج واحد وفي عدة من الزواج الزواج الواحد هن من إذا فرضنا أن واحدة منهن كانت رجلاً لا يحل الزواج بها من هذه المرأة. وقد بين القرآن تحريم الجمع بين المرأة وابنتها أو المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها.
"حديث أبي هريرة رواه الجماعة سبل السلام حـ 3 صـ 124 ، ونيل الأوطار حـ 6 صـ 146
الفرقة بسبب الموت.
ويجوز الجمع بين المرأة وأختها ومحارمها فيما إذا كانت الفرقة بسبب الموت. فعند موت الأخت يتزوج أختها فالموت يختلف عن الطلاق.
وقد قضت المحاكم الشرعية في مصر بالسجن سبعة أعوام على رجل عقد على الخامسة في يناير 2002 قبل انتهاء عدة الرابعة.
وفي كتاب المحلي بالآثار في الفقه الظاهري حـ 9 صـ 67 : ولا يحل لأحد أن يخطب امرأة معتدة من طلاق أو من وفاة.
فإن تزوجها قبل تمام العدة فسخ العقد أبداً سواء دخل بها أو لم يدخل ، طالت المدة معها أو لم تطل ، ولا توارث بينهما ، ولا نفقة عليه ، ولا مهر لها.
"لأن العقد عليها عقد فاسد"
وزاد ابن حزم :
إذا كان أحدهما عالماً فعليه حدّ الزنى من الرجم أو الجلد ، ولا يلحق الولد به إن كان عالماً بالحكم.
وزاد ابن حزم.
إذا كان أحدهما عالماً فعليه حدّ الزنى من الرجم أو الجلد ، ولا يلحق الولد به إن كان عالماً بالحكم. وإن كانا جاهلين فلا شيء عليهما من الحدّ وحرمان النسب.

(1/48)


ثم قال : وقولنا لا توارث ولا نفقة ولا كسوة ولا صداق لأنه ليس بنكاح ، لأن الله أحل النكاح ولم يحل هذا العقد.
وأما وجود الحد على من يعلم فذلك لأنه عاشرها بدون زوجية.
وقد ذكرت في كتابي "شريعة الله يا ولدي" أن الشبهة تُذهب الحدّ. وتسقطه. ونسأل : وتفسر الشبهة - دائماً - لصالح المتهم.
إذا عقد عليها أثناء العدة فالعقد فاسد هذا حكم ثابت.
فهل يجوز له أن يعقد عليها عقداً جديداً بعد انتهاء العدّة ؟
أبو حنيفة وجماعة من العلماء يرون جواز العقد الجديد.
ويستدلون على ذلك بأن القرآن لم يذكر مثل هذه الحالة في المحرمات من النساء. ولا ذكرتها السنة فالعقد الجديد صحيح.
والشافعي مع أبي حنيفة في هذا الرأي من جواز العقد الصحيح.
وذهب مالك والليث والأوزاعي إلى تحريمها عليه تحريماً مؤبَداً. لأنَّ من تعجل شيئاً قبل وقته حرمه الله منه.
كمن تعجل الميراث فقتل مورثه فالإسلام يمنعه من الميراث.
وصحَّ في السنة "لا ميراث لقاتل"
وقد ذكر صاحب "المحلى بالآثار" دليل كل جماعة وناقش الأدلة في الجزء 9 صـ 70 لمن أراد المزيد.
الذين أباحوا أكثر من أربع زوجات
مذاهب السنة وال
إباضيّة وبعض مذاهب الشيعة لم يبيحوا للرجل إلا زوجات أربع في زواج واحد.
فإن عزم على ضمّ زوجته خامسة إليهن فلا بُدَّ من طلاق واحدة منهن ثم ينتظر حتى تنتهي عدتها فتحل له الزوجة الخامسة.
ولم يخالف في جعل المباحات أربعة فقط سوى الظاهرية والشيعة الإمامية. فرفعوا العدد إلى تسع زوجات ووجهة نظر الظاهرية والشيعة الإمامية أنهم

(1/49)


جمعوا العدد الموجود في الآية "مثنى" يعني اثنان. "وثلاثة" أي أصبح العدد خمسة "ورباع" أي يصبح العدد تسعة من هنا أباحوا للرجل أن يجمع تسعاً.
ورأى مذاهب السنة أن العدد للتخيير وليس للجمع.
وقد ورد هذا في قوله تعالى في وصف الملائكة
{جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} أول سورة فاطر
أي منهم ملائكة ذو جناحين "مثنى"
ومنهم ملائكة ذو ثلاثة أجنحة "وثلاث" ومنهم ملائكة ذو أربعة أجنحة "ورباع"
ويؤخذ على أصحاب هذا الرأي أنهم لم يدخلوا في حسابهم الزوجة الواحدة كأنها غير مشروعة مع أنها الأكثر ولا سلم عند خوف الجور. ولو أدخلوها في حسابهم لكن عشر نساء.
وليس لهم حجة في جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - تسع نساء.
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع هذا العدد قبل نزول آية سورة النساء التي حددت الزوجات بأربع. بحوالي ثلاث سنوات.
خلاصة القول.
سورة الأحزاب - حوالي الستة الخامسة هجرية نزل فيها {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} "52 الأحزاب" وسورة النساء بعد فتح مكة حوالي السنة الثامنة هجرية نزل فيها "مثنى وثلاث ورباع" فهي نزلت بعد أن جمع النبي تسع نساء في بيته.
يبقى سؤال لماذا لم يطلق النبي الزائدات عن أربعة ؟
وأجيب بأنّ من تُطلّق من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس لها الحق في زواج جديد {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} "53

(1/50)


الأحزاب" وأما من عنده أكثر من أربعة من الصحابة اختار أربعة وطلق الباقيات مثل : أسلم بن غيلان الثقفي وقيس بن الحارث ، ونوفل بن معاوية.
ومن تطلق تتهيأ لزواج جديد.
أما زوجات النبي فهن أمهات المؤمنين {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} "6 الأحزاب"
من هنا أبقاهن الله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} "الأحزاب"
وقد عالجت هذا الموضوع في كتابي "هذا نبيك يا ولدي"
* أما هذه فوالله إن في النفس منها لشيء
ربما هذا لشيء الذي في نفسي لأنني لست سباحاً ماهراً في محيطات الفقه الإسلامي ولا حتى أنهاره أقول : ربما ...
وربما لأنني اقرأ آراء المفتين المعاصرين ، بعد التقدم العلمي الكبير في مجال الأشعة والتحاليل المعملية إن في النفس لشيء من عدم تجديد الاجتهاد في موضوع المطلقة إذا انقطع عنها دم الحيض لمرض أو علة جسدية أخرى.
* من العلماء القدامى من قال ، تتربص تسعة أشهر ثم تعتد ثلاثة أشهر.
وعلى هذا فعدتها سنة كاملة.
ومنهم من بالغ في الحيطة فقال : تتربص أربع سنوات وقال : هذه أطول عدة الحمل ، وفيما رواه القرطبي من آراء تتربص خمسة أعوام وقالوا ، وهذا أطول عدة للحمل.
ولستُ أدري ما دليل من قال عدة الحمل أربع أعوام أو خمسة أعوام ؟
معنى هذا أن الرجل يموت وتقول زوجته : لا توزعوا التركة حتى تضع حملها فينتظرها الورثة عدة أعوام. وهل يثبت نسب ولد أتت به بعد موت والده بأربعة أعوام ؟ ولماذا لا تدعي المطلقة الحمل عدة أعوام فيلتزم المطلق بالسكن والإنفاق عليها هذه المدة ثم تعتذر بأنه كان حملاً كاذباً.
ومعلوم أن عدة الحامل أن تضع حملها.
وأهم من السكن والإنفاق أن الزوج إن مات في

(1/51)


السنوات الأربعة - سنوات الحمل الموهوم - فيجب لها الميراث.
والذي أتيقن منه أن هذه اجتهادات من العلماء يثابون عليها ولا أعرف لها دليلاً من كتاب أو سنة. إلا من بعض الأقوال نسبت لسلف الأمة. الله أعلم بصحتها.
والذي عليه القانون الشرعي المصري الآن هو أن أطول مدة للحمل سنة شمسية كاملة 365 يوماً. وهذا رأي بعض الأطباء الشرعيين من باب الاحطيات في ثبوت النسب.
وهذا يفصل الحلافات من الذين قالوا بأن أطول مده الحمل أربع سنوات. وأعجب من هذا قول من قال : إن المرأة إذا اعتدت بالحيض وانقطع حيضها لأي سبب طبي ، تنتظر سنة ثم تعتد بالأشهر الثلاثة.
وأعجب منه من قال : تنتظر أربع سنوات أطول مدة حمل ولا أكاد أصدق قول بعضهم تنظر حتى تبلغ سن اليأس ثم تعد بالأشهر - وقد حكى الإمام القرطبي هذه الآراء كما سبق أن قلت - وروي أن عمر - رضي الله عنه - قال تنتظر تسعة أشهر مدة حمل ثم تعتد بثلاثة اشهر - ولم يخالفه أحد "التحرير والتنوير جـ 8 صـ 318"
المسألة في تصوري أسهل من هذا بكثير.
امرأة كانت تحيض ثم انقطع حيضها لسبب مرض ننقلها إلى حكم {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} 4 الطلاق والآية الكريمة حددت أن من بلغت سن اليأس واللائي لم يحضن - لأي سبب غير الحمل - عدتهن ثلاثة أشهر. {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} "4 الطلاق" أي واللائي لم يحضن كذلك وقوله تعالى في الآية الكريمة {إِنِ ارْتَبْتُمْ} فيه اجتهاد واسع واختلاف كثير في كتب التفسير راجع المصدر السابق.
والأقرب إلى الفهم والأيسر هو أن سورة البقرة ذكرت العدة بالقروء الثلاثة لمن تحيض. وذكرت عدة التي لا تحيض لسبب

(1/52)


الحمل بقى حكم التي لا تحيض بسبب بلوغها سن اليأس أو لا تحيض بسبب آخر كصغر السن - وفي اجتهادي أو بسبب مرض فبينته سورة الطلاق والمعنى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} في حكم من لا تحيض بينا لكم حكمهن ويمكن في عصرنا أن نستمع للطب كلمته في انقطاع سبب الحيض والطبيب مستشار مؤتمن.
الاحتياط في ثبوت النسب عند أبي حنيفة
كنت شآبا في العشرين عندما نشرت جريدة مصرية حكماً قضت به محكمة شرعية يثبت نسب طفل من زوج استطاع أن يثبت لأنه لم يدخل البلاد منذ عدة أعوام ولم يلتق بزوجته ونقلت الصحيفة أن المحكمة قالت : ربما حملة عفريت إليها فحملت منه.
وكانت هذه الأيام بداية لدخول الفكر الشيوعي للبلاد وكثر غمز الشريعة الإسلامية بسبب هذا الخبر في الصحف من باب قول المصريين : "حزينة واشتهت نائبة - أي مصيبة لتبكي فيها وتريح صدرها. وما قضت به المحكمة هو قول لأبي حنيفة. وسببه هو حرص الإمام على ثبوت نسب المولود. وقد علل ابن الكمال هذا الرأي بأن كرامات الأولياء كمعجزات الأنبياء أمور خارقة للعادة. وقد حكى القرآن قصة نقل العرش من اليمن إلى الشام لسليمان - عليه السلام أقول والمتيقن منه هو حرص الإمام على مستقبل المولود وثبوت نسبه. وكل إمام يؤخذ منه ويرد عليه إلا المعصوم وفي عصرنا لعل الأب دخل إلى البلاد بجواز سفر آخر. أو نقل بوسيلة طبية أنا لا أثبت أو أنفي فلست مستشاراً شرعياً.
ومذهب الشافعي والمالكي وهماً من أئمة الشريعة - كما يعلم الجميع - لا يثبتان النسب حتى يتحقق اللقاء بين الزوجين وقد أخذ القانون بقولهما.
ومنع قبول الدعوة إذا لم يثبت إمكان اللقاء بين الزوجين لرجحان التزوير في مثل هذه القضية.
ونشرت جريدة "عقيدتي" قضية مثل الأولى في بعد الوقوع ولكنها وقعت.

(1/53)


امرأة أثبتت طبياً أنها احتفظت بنطفة زوجها الذي مات بعد ذلك واستعملت النطفة عندما تم علاجها فأتت بمولود بعد العام من موت الزوج.
وكان الرأي الوسط لأحد العلماء قبول ثبوت النسب للطفل من أبيه الذي مات ولكنه لا يرث منه. سنة ثم نعتد بالأشهر الثلاثة
عليَّ الطلاق
يقولون كثيراً : يلزمه الطلاق إن فعل كذا. وتقول العوام : عليَّ الطلاق.
هل هذه صيغة. للطلاق. أم صيغة للحلف واليمين ؟
أقول : من يرغب في الطلاق فصيغ الطلاق معروفة ولا داعي للبحث في كل كلمة يُشم فيها رائحة الفُرقة لنجعلها طلاقاً.
وما يُطلقون عليه كلمة "طلاق كناية" يجب على أئمتنا المجتهدين أن يعيدوا فيه النظر في عصرنا.
فعمار البيت على مذهب مرجوح خير من خرابه على مذهب أو رأي راحج - كما سبق أن قلت وسوف أجمع الفتوى في هذا الموضوع من عدة صفحات من كتاب ، أعلام الموقعين" قال ابن قيم الجوزية : واختلفوا في اليمين بالطلاق أهو طلاق فيلزم أو هو يمين فلا يلزم ؟
وحكى رأي الإمام ابن تيمية بأنه حكى عن جماعة من العلماء الذين سمت همهم عن التقليد المحض إلى أوج النظر والاستدلال. وخلاصة قولهم : أن اليمين يختلف عن الطلاق ، وأن الإمام علي بن أبي طالب قال هذا ، ولم يخالفه أحد من الصحابة. فكان سكوتهم إجماعاً.
لا يلزم بها شيء. وروي عن شريح قاضي أمير المؤمنين عليّ مثل ذلك.
وروي عن طاووس مثل ذلك.
ونقل عن عكرمة - من التابعين أن رجلاً قال لغلامه : إن لم أجلدك مائة سوط فامرأتي طالق. قال عكرمة : لا يُجلد غلامه ولا تطلق زوجته. (117 أعلام الموقعين) وذكر ابن قيم الجوزية أن القفال أفتى : أن من قال : "الطلاق يلزمني" لا يقع به طلاق وإن نواه.

(1/54)


وحكى هذا عن تلاميذ أبي حنيفة.
ولعل ما أصاب بعض الأئمة من تعذيب بعض الخلفاء لهم كالإمام مالك والشافعي بسبب هذه الفتوى سكت بعضهم فقد كان خصوم الأئمة الحاقدين عليهم ينقلون للخلفاء أن فتوى عدم وقوع يمين الطلاق معناه خروج الجماهير من البيعة للخليفة. لأن الناس بايعوهم مضطرين. وكان من صيغة اليمين. الذي يؤخذ على بعض الناس "كل امرأة أتزوجها فهي طالق"
فأفتى الإمام الشافعي أن اليمين بالطلاق قبل عقد الزواج لا أثر له. ولا تُطلق المرأة إن تزوجها بعد هذا اليمين.
وقد جرت هذه الفتوى التعذيب والمتاعب للإمام مالك والشافعي وابن تيمية ومن أفتى بها غيرهم.
سيدي الشيخ أفتنا
تربى كثير من شبابنا بعيداً عن المساجد وأكثرهم لا يعرف شيئاً عن الحلال والحرام ، ويجرى على لسان بعضهم عندما يريد فعل شيء أو منع نفسه عن فعله أن يحلف بالطلاق. جاهلاً بأدب النبوة الذي حرم الحلف بغير الله "من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله" رواه أبو عبيد بن عمر.
وقد تكون المرأة أبعد الناس عن القضية فعلاً أو تركاً.
نفعنا الله بعلمائنا آمين.
وأجاب الشيخ : الذي عليه الأئمة الأربعة هو وقوع الطلاق المعلق عند وقوع ما عُلق عليه ، وعمت البلوى ، وكثر حلف الناس على الكبير والصغير بالطلاق. فهل نلزم الناس بما اتفق عليه أئمتهم ؟
أم نتركهم يعيشون مع أزواجهم وهم يعتقدون حرمة هذه الحياة. فيعوده هذا على الخروج على أحكام الله. لم يكن الناس في عهد الصحابة - رضي الله عنهم - يحلفون بالطلاق. وعندما ظهر هذا الفعل الشائن أفتى كثير من السلف بأنه لا شيء ولا يقع ..
وقد روى عن عكرمة - مولى عبد الله ابن عباس

(1/55)


أنه قال في أيمان الطلاق : إنها من خطوات الشيطان لا يلزم بها شيء.
وروي عن شريح قاض أمير المؤمنين على مثل ذلك وروي عن طاووس مثل ذلك وبهذا أخذ داود الظاهري ، والقفال عن الشافعية بعض أصحاب أحمد "الأحوال الشخصية للإمام محمد أبو زهرة 302" والفتوى في أيامنا في أكثر البلاد العربية والتي أخذ بها قانون 25 لسنة 1929 في مصر ما خلاصته
إذا قصد الحالف بالطلاق الفعل أو الترك لشيء أو حلف من أجل تخويف الزوجة وفي نفسه عد إرادة الطلاق كان الأمر أمر يمين طلاق وليس الأمر طلاقاً وإذا كان يريد المفارقة والطلاق فهو وما يريد.
فالمرجع هو معرفة قصد الحالف.
هل يريد تقوية الكلام باليمين أم يريد هدم الأسرة بالطلاق.
وكفارة اليمين معلومة.
والظاهرية والشيعة الإمامية لا يرون في الحلف بالطلاق شيء لا طلاقاً ولا كفاره. لأن حلف بغير الله فهو باطل. ولأنه لم يرد قرآن ولا سنة في الحلف بالطلاق المعلق ووقوعه.
* فالأئمة الأربعة يوقعونه طلاقاً إذا وقع.
* والظاهرية والإمامية لا يرونه شيئاً أصلاً.
والرأي المختار في كثير من لجان الفتوى الآن اعتباره يميناً وعليه أن وقع كفارة يمين وهو رأي ابن تميمة وتلميذه ابن القيم.
يراجع الفقه الإسلامي وأدلته حـ 7 صـ 450
ومما يعرف الناس عن الطلاق
الإغراء لأداء الواجب
الإنفاق على الزوجة حق شرع ومع ذلك أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يثاب على اللقمة يرفعهتا إلى فم امرأته.
أما أن يقضي حاجته معها ويثاب على ذلك فهذا ما تعجب منه الصحابة.
قال - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر "مباضعتك أهلك صدقة "
فتعجب أبو ذر : يا رسول الله أنصيب شهوتنا ونؤجر ؟
قال - صلى الله عليه وسلم - : أرأيت لو وضعته في غير حقه كان عليه وزر قلت : بلى. أتحسبون بالسيئة ولا تحسبون بالخير" ؟

(1/56)


إنها ليست شهوة فقط.
إنها عفة لزوجته ، وإعفاف لنفسه ، وغض لبصره ، وطلب للولد.
عليه أن يتحرى أوقات حاجتها أو حالات رغبتها ، وإن كان عاجزاً أو رأى نفسه عاجزاً من إقامة حقها يقول الإمام القرطبي "يأخذ أدوية تزيد من مائة ، ويقوي شهوته حتى يعفها" تفسير القرطبي حـ 3 صـ 124
ويذهب ، الإسلام إلى أبعد من هذا يذهب إلى التسمية "بسم الله الرحمن الرحيم" اللهم جنبنى الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنى ، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً"
وسمعت فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي يقول : لا يؤثر السحر في هذا المولود.
وماا يجدر الإشارة إليه في هذا المقام ضرورة العمل على إعداد الزوجة نفسياً قبل المعاشرة.
ونترك لكل زوج أن يصل إلى تحقيق ما يريد بطريقته.
وقد فهم أحد العلماء هذا الأمر من قوله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} "223 من سورة البقرة"
{قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} طلب المولود الصالح.
{قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} فلا تسرفوا في شبابكم على أنفسكم
{قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} أي أعدوا الزوجة لهذه المعاشرة نفسياً حتى يحدث الإشباع من أقرب طريق. وواضح دور المداعبة والملاعبة في إعداد المرأة نفسياً لما تريد وما يراد بها.

(1/57)


الطلاق عطلة زوجية هذا هو الطلاق الذي شرعه الله.
عطله زوجية يرجع بعدها كل واحد منهما "عريساً" جديداً والمشكلات التي يجرها الطلاق على الأسرة والمجتمع يصعب علاجها.
فهي هدم للأسرة هدم قل أن يعود البناء تحته.
وضياع للوالدين والأولاد وقد يفتح باباً للخطيئة إذا لم يعالج بزواج سريع لأن الجسد قد اعتاد على حياة لها متطلبات معينة.
وخصوم الإسلام يخلطون بين الطلاق الذي شرعه الله وبين ما يوقعه العامة من طلاق.
ومن الإعجاز التشريعي أن الذين منعوا الطلاق في مجتمعاتهم دفعتهم نتائج الأحداث في بلادهم إلى محاولة إعادته.
لقد عانت مجتمعاتهم من ترك الأزواج لدينهم أو تركهم للحياة بالانتحار ، أو الانفصال داخل البيت الواحد. وسوف نحاول التعرف على الطلاق الذي شرعه الله. والطلاق الذي صنعته أهواء الناس.
الطلاق الذي شرعه الله.
الطلاق الذي شرعه الله عُطلة للحياة الزوجية يجدد النشاط ، والرغبة في العيش الأسري - كما قلت من قبل وقد سبق أن تكلمة عن أمور لا بُدَّ أن تحدث قبل الطلاق ليكون الطلاق {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} "عزيمة" (227 البقرة)
فالطلاق الذي شرعه الله (عزيمة) كما أن الزواج عزيمة {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} (235 البقرة)
فالزواج عزيمة ، والطلاق عزيمة كذلك وعزيمة الرجل هي المقدمات التي حددهل القرآن للطلاق من وعظه وهجر في المضجع وغير ذلك.
ويمكن أن تكون المبادرة من المرأة الفطنة الألمعية أو من المجتمع والقضاء على ما بيناه قبل ذلك.

(1/58)


وإلا فآخر الدواء الكي "والكيّ آخر ما تأتي العقاقير" ويكتفي من ذلك بأقله. فهو لا يشوي دجاجاً يتمتع بريحها وأقله طلقة واحدة رجعية.
فما زراد عن واحدة فتعسف في استخدام الحق. وأسرف نحاسب عليه.
* الطلاق الذي شرعه الله حتى يقع ؟
هو الطلاق الذي وافق أمر الله - تعالى - وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - يسميه علماء الفقه "الطلاق السني"
والأصل فيه الآية الأولى من سورة الطلاق. فهو لا يطلقها في حيض.
حتى لا تطول عدتها.
ولا في طهر جامعها فيه - لأنها قد تكون قد حملت. فيندم عندما يعلم بحملها.
يطلقها وهو في حالة من الرغبة فيه أو الأمل في الولد منها كان تكون حاملاً. لأنَّ من يطلق في هذا الوقت يتأكد عزمه على الطلاق وإصراره عليه.
والحديث الذي أخذنا منه هذه الأحكام هو حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عندما طلق امرأته حائضاً.
فسأل عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - مُره فليراجعها ، ثم ليمسكها حتى تطهر. ثم تحيض ، ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق قبل أن يمسها. فتلك العدة التي أمر الله أن تُطلق لها النساء"
ويفهم من الآية الكريمة ومن حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن الطلاق يحرم في الحيض.
كما يحرم في طهر جامعها فيه. لكن إن طلقها يقع الطلاق مع الإثم.
فإن طلقها وهي حائض وجب عليه أن يراجعها ، وأن يُمسكها حتى تطهر ،
ثم يظل يمسكها في الطهر الذي جاء بعد الحيض ، ثم يمسكها في الحيض الثاني حتى تطهر ثم إن شاء أمسكها مدة أطول ، فلعل طول المدة يجعله يجامعها في الطهر الذي يلي الحيضة الثانية ، فيحرم عليه أن يطلقها في طهر جامعها فيه ، فتبقى الحياة الزوجية ومرُور الأيام مع دوام المجاوة يعالج جراح النفس.

(1/59)


آراء العلماء طلاقها في الطهر الذي يلي الحضة التي طلقها فيه.
قال ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري صـ 9 صـ 339 "واختلف في جواز تطليقها في الطهر الذي يلي الحيضة "التي طلقها قفيه" فالراجح عند الشافعي المنع. ومنعه ابن تيمية واعتبره بدعة. ومنعه أبو يوسف ومحمد من أصحاب أبي حنيفة. وأجازه أبو حنيفة والإمام أحمد ووجه من جوزه أن المنع كان من أجل الحيض وقد زال.
من ينطبق عليها الطلاق السني والبدعي ؟
لا يفوتني أن أذكر أن ما مضى بيانه من أحكام الطلاق السني والبديعي ليس عاماً في كل مطلقة ولكن خاص بالمطلقة المدخول بها لأنها هي التي يمكن أن تطول عدتها بالطلاق البدعي.
أما التي لم يدخل بها فليس عليها عدة فلا تتأثر زمنياً بوقوع الطلاق في الحيض.
وهذا الحكم يشمل المطلقة الحامل التي ظهر حملها.
لأن عدتها بوضع الحمل. فلا تطول العدة فيجوز تطليقها حائضاً ومن يئست من المحيض لأن عدتها ثلاثة أشهر قال تعالى {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (4 الطلاق)
{وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} لصغر سنهن أمرهن كذلك فيجوز طلاقه وهي حائض أو في طهر جامعها فيه.
يبقى الطلاق البدعي والسني من ناحية عدد الطلقات. هل هو طلقة واحدة أو أكثر. فما زاد على الواحدة فهو بدعي مهما كانت المطلقة.
الطلاق البدعي هل يقع ؟
أئمة الفقه الحنفي والمالكي والشافعي والإمام أحمد يعتبرون الطلاق في الحيض أو في طهر واقعها فيه طلاقاً واقعاً. وينقص به عدد الطلقات.

(1/60)


وأدلتهم على ذلك كثرة سنذكر بعضها
أولاً : أنه طلاق وقع من صاحب حق في الإيقاع.
ثانياًَ : لعموم الآيات التي تكلمت عن الطلاق ولم تحدد حال من وقع عليها الطلاق.
ثالثاً : ما تبت عند الأئمة الأربعة من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر : مره ليراجعها. والمراجعة لا تكون إلا من طلاق.
رابعاً : ما رواه البخاري من قوله ابن عمر "حسبت عليّ بتطليقة. (صحيح البخاري جـ 7 صـ 53 - كتاب الطلاق)
أما الذين قالوا بعدم وقوع الطلاق في الحيض أو في طهر واقعها فيه. فلهم أدلة في مجموعها لا تعطي اليقين أو غلبة الظن.
وهم ابن حزم وابن تيمية وابن القيم - رضي الله عنهم - وذلك كقولهم : أن الطلاق بدعي ، والرسول يقول : من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد. فهذا الطلاق مردود. فلا يقع.
قالت الدكتورة وفاء معتوق حمزة في كتابها "الطلاق وآثاره".
لو لم يقع الطلاق البدعي لكان الطلاق البدعي أحق على فاعله من السني الحلال وإذا كان الرسول قد الزم الهازل بالطلاق تغليظاً عليه فمن باب أولى أن يلزم القاصد له مع تحريمه.
كما أننا لو أبطلنا الطلاق البدعي للزم من ذلك إبطال كثير من الطلاق فإن أكثره طلاق بدعي. (الطلاق وآثاره صـ 93)
القائلون بعدم وقوع الطلاق البدعي
عرفنا أن الأئمة الأربعة قالوا بوقوع الطلاق البدعي وفاعله آثم.
وخالف في هذا الشيعة الإمامية.
وجمع من العلماء مثل إبن تيمية وتلمذه ابن القيم. ق
ال العلامة محمد أبو زهرة : وحجتهم مستمدة من الآثار وأقوال الصحابة والتابعين مثل قول ابن عمر لرجل طلق امرأته وهي حائض : "لا يعتد به" وروي أن عبد الله بن مسعود كان يقول "من أتى الأمر أتى الأمر على وجهه فقد بين

(1/61)


الله له - أي الحكم. وإلا فوالله ما لنا طاقة بمل ما تُحدثون ،
ثم قال العلامة أبو زهرة : والآثار على ذلك مستفيضة.
ونقل العلامة محمد أبو زهرة رأي ابن القيم وما استدل به.
* من خذا قوله : الطلاق المحرم - لأنه بدعي - لا يرفع النكاح المتيقن. لأن المتيقن لا يُرفع إلا بمتيقن مثله.
* النكاح شرعه الله والطلاق البدعي لم يُشرعه الله ولا أذن فيه وقالوا :
لا يقع من الطلاق إلا مالكه الله للمطلق بدليل أنه لا يملك الطلاقة الرابعة لأن الله لم يملكه إياها. والله لم يملكه لا طلاق المحرم ولم يأذن له فيه فالشارع قد حجر على الزوج أن يطلق في الحيض أو في طهر جامعها فيه ، فلو صح طلاقه لم يكن لي الشارع معنى. وبذلك يكون هو القاضي مكا استدلوا بأن النكاح المنهي عنه لا يصح لأجل النهي عنه فما الفارق بين النكاح المنهي عنه والطلاق المنهي عنه.
* {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}
قال القرطبي : أي ينُقلب قلبه من بُغضها إلى محبتها ، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها ، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه ، فيراجعها. ثم قال : وهو تحريض على طلقة والواحدة ، والنهي عن الثلاثة ، فإنه إذا طلّق ثلاثاً اخرّ بنفسه عند الندم على الفراق ، والرغبة في الإرتجاع ، فلا يجد سبيلاً. (المجامع لأحكام القرآن جـ 18 صـ 156)
(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ)
الطلقة الواحدة هي التي تتفق مع تعدد المرات الذي ذكره القرآن. طلقتان - أي مرتان - مرّة بعد مّرة. والثالثة التي تنهي الحياة الزوجية بها.
فالمنهج القرآني يُفيد أن الطلاق مرات. فمن طلق الثلاثة مرة واحدة فقد خالف طلاق السنة وخالف منهج القرآن.
أما مخالفته لطلاق السنة فلقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه - مُره فليراجعها. فطلاق ابن عمر طلاق رجعي. طلقة واحدة يمكن أن يعقبها مراجعة وأما مخالفته لروح القرآن فلما ذكرناه من أن الطلاق مرات. فإن طلق ثلاثة فقد أضاع حقه في الإرجاع.

(1/62)


التي لم يدخل بها
ما معنى من أحكام الطلقات الثلاثة هل تقع واحدة أو ثلاثة فذلك لمن دخل بها.
أما إذا طلق التي لم يدخل بها فإنها تعتبر بائناً منه بمجرد أن يقول لها : أنت طالق إنها لا عدة لها. فإذا قال بعد ذلك : ثلاثا. فكلمت ثلاثا لا أثر لها لأنها وقعت على امرأة بائن.
(زاد المعاد لابن القيم - حـ 4 صـ 155 ونيل الأوطر للشوكاني حـ 7 صـ 20)
* الطلاق الثلاثة في مجلس واحد.
للإنسان مجموعة أعصاب.
تهدأ فيشعر أنه سيد الكون. ويصيبها التلف والتوتر فتوصله إلى الانتحار. وهو مسؤول عن كل ما يقع. فما حكم الطلاق ؟ أعني الطلاق الثلاثة في مرة واحدة.
هل يُحل المشكلة أن يزيد في عدد الطلقات حتى يأتي على رصيده ؟ "الثلاثة" مرة واحدة الذي تُحدثه الطلقات الثلاثة يمكن أن تحدثه طلقة واحدة. ويصبح عنده رصيد يمكنه من العودة لإصلاح ما أفسد.
إن منهج القرآن ظاهر في قوله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ثم قال تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ولم يقل الطلاق طلقتان.
لابد من مرة بعدها مرة ثم الثالثة.
ومنهج القرآن هو الطلاق الرجعي {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (سورة الطلاق)
والمخرج - كما يقول العلماء - أي فرصة للرجوع بعد الندم.
فكيف يكون المخرج لمن طلق ثلاثا ؟
رأي ابن الخطاب لماذا ؟
يضيق صدري ولا ينطق لساني من شدة ما أعاني من هذه المشكلات التي تأتيني بعد وقعها : وأكثرهم يسأل عن الحكم الشرعي بعد الوقوع فيه.

(1/63)


ذكر ابن القيم في زاد المعاد أن الأئمة الأربعة حكموا بوقوع هذا الطلاق ثلاثاً. ومع وقوعه ففاعله آثم ، لأنه خالف منهج القرآن وخالف السنة عندما طلق ثلاثاً.
واستدلَّ الأئمة الأربعة على وقوع الطلقات الثلاث كما نطق بها
استدلوا بحديث عُويمر العجلاني الذي طلّق زوجته في حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثاً عندما لعنها واتهمها بالزنا. وسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر ذلك.
وذكر صاحب (المفصل في أحكام المرأة) مجموعة من الأدلة لإثبات وقوع الثلاثة كما نطق بها. (حـ 8 صـ 65) المفصل وقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غضب عندما علم أن رجلاً قد طلق زوجته ثلاثاً في مرة واحد ، وقال : أيُلْعب بدين الله وأنا بي أظهركم ؟ حتى قام رجل فقال : يا رسول الله ألا أقتله ؟ لكبر ما فعل من عبث بشريعة الله ؟
وجاء في كتاب "ضوابط في الشريعة الإسلامية صـ 151 دراسة جادة للدفاع عن رأي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما أفتى بأن الطلقات الثلاثة في المرة الواحدة تقع ثلاثا.
وقد قال عمر في سبب فتواه : إن الناس قد استعجلوا أمراًَ كانت لهم فيهم أناة. فحكم بلزوم الثلاث. وعمر لم يخالف نصاً من القرآن ولا حديثاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن أحوال الناس في عهده اختلفت عن حالهم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - (محمد سعيد رمضان / ضوابط المصلحة) وإجماع الصحابة على قبول رأيه وعدم من عمر - رضي الله عنه -
* الذين قالوا بوقوع الطلاق الثلاثة طلقة واحدة.
قالوا : إن طلاق عمير العجلاني لامرأته ثلاثاً أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وسكوت النبي على ذلك حادث خاص. لأن عميرا اتّهمها بالزنا. فبانت منه بالملاعنة ، فالطلاق بعد ذلك لا أثر له.
وأما إمضاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الطلقات الثلاثة بلفظ واحد. فقال عنه الإمام ابن تيمية :

(1/64)


إن عمر لما رأى الناس قد أكثروا مما حرمه الله عليهم من جمع الثلاثة رأي أنهم لا ينتهون عن ذلك إلا بعقوبة ، رأي عقوبتهم بإلزامهم بها لئلا يفعلوها وهذا من باب التعزير العارض الذي يُفعل عند الحاجة.
* واستدلوا بأن الطلاق كان على عهد عمر كانت الثلاثة تقع طلقة واحدة. وهذا قول ابن عباس رواه عن مسلم واستدلوا بما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس أن ركانه بن عبد يزيد طلق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - : كيف طلقتها ؟ قال : طلقتها ثلاثا وأقسم للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ما أراد إلا واحدة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس واحد ؟
قال : نعم. قال : فإنما تلك واحدة فأرجعها - إن شئت
ومن أقسم بالله ثلاثا اعتبر يميناً واحداً.
وفي اللعان يقسم كل من الزوجين أربع مرات على صدقه فيما يدعي ولا يصح أن يقول : أقسم بالله أربعاً ولو قال ذلك فهو يمين واحد لا أربعة.
ونحن عندما نقول في لجان الفتوى في كثير من الأوطان العربية والإسلامية إن الطلقات الثلاث تعد واحدة فهذا هو يسر الإسلام ودفعاً للزوجين من اللجوء لحيلة.
- أعني المحلل الذي لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وهو زواج
- في أغلب الأحيان باطل لخلوه من نية التأبيد وهي شرط في العقد ، وأقرب إلى زواج المتعة وكل أئمة السنة تحرمه ولا يبيح الزواج المؤقت سوى مذهب واحد من مذاهب الشيعة وليس كل الشيعة كما يتصور بعض الناس.
وقد ناقش أخي الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه (المفصل في أحكام المرأة) أدلة كل رأي مناقشة واسعة "في الجزء الثامن صـ 63 إلى صـ 88 المفصل في أحكام المرأة" ثم ذكر ما يميل إليه وهو أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد أو بتكرار لفظ "أنت طالق" مرات في مجلس واحد يقع طلقة واحدة رجعية.

(1/65)


وهذا القول القول أرفق بعامة المسلمين ، وأقرب إلى تحقيق المصلحة المشروع للأسرة المسلمة. بالإضافة إلى ما لهذا القول من مستند شرعي قوي بينَّا وجوهه فيما سبق - والله أعلم كما ناقشتْ الدكتورة وفاء معتوق هذا الموضوع فأفاضتْ وأجادتْ.
المراجع العلمية للموضوع
المفصل لأحكام المرأة حـ 8 صـ 88. نيل الأوطار للشكاني حـ 7 ص)
جمع الفوائد لمحمد بن سليمان المغربي حـ 1 صـ 350 ، الطلاق ووأثاره صـ 1174 وما بعدها للدكتور وفاء معتوق.
*{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (الطلاق)
قلوب العباد بيد الله يقلبها كيف يشاء
وسمُي القلب بهذا الاسم لتقلبه. وربما ينقلب البعض القاتل حباً وتفتني وعطاء بلا حدود. وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان في طريقه لقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يعلم أنه في طريقه لتفجير طاقة من الخير لم تشهد الدنيا مثلها. فقد وسع الناس خيراً وكثير من العظماء تحولت حياتهم عندما تقلبت قلوبهم.
من هنا طلب القرآن من المسلم عدم التسرع في اتخاذ قرارات كبيرة بدون مراجعة حتى في الثوابت الكونية {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} (الملك 4) إن الأمور الكبيرة لا تؤخذ في لحظات الانفعال والغضب وإذا كان الزواج يتم في شهور وربما أعوام فلا نتصور أن يتم الطلاق في لحظة انفعال وإغلاق عقلي. إن القرآن الكريم جعل الزواج عزيمة. وجعل الطلاق عزيمة أيضاً.
{وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} "235 البقرة" والطلاق عزيمه {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} كما سبق أن ذكرت "227 البقرة" ومعلوم ما سبق الزواج من مقدمات ومدارسات ومناقشات حتى يصل إلى العزيمة {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159 آل عمران)

(1/66)


والمقدمات في الطلاق أطول إذا نفدنا الطلاق الذي شرعه الله ويحسن أن أذكر قصة أمير تعجل زوجته مع أن الإمارة علمته الحكمة وحسن تدبير الأمور إنه كما ذكر صاحب كتاب الأغاني - الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان - من أمراء المسلمين.
وكا زوجاً لسُعدة بنت سعيد بن خالد - صهر هشام بن عبد الملك - أعني أنه مجتمع أمراء.
وقعت عينه على سلمى أخت سُعدة - فوقعت في قلبه. فسارع لطلاق سعدة لتقضي عدتها أولاً ثم يتزوج أختها لقارئ الطريم يعلم أنه لا يجوز أن يجمع الإنسان بين الأختين في زواج واحد ، ولا في عدة أختها حتى تنتهي العدة. لأن العدة امتداد للزواج. وشاء الله عدم إتمام الزواج.
وأنشد شوقه لسعدة ، وخصوصاً بعد زواجها ، فكتب هذه الأبيات ، وأعطى أشعب عشرة آلاف درهم ليبلغها هذه الأبيات :
أسُعدة هل إليك لنا سبيل ... بلى ولعل دهرك أن يؤاتى
فأصبح شامتاً وتقرّ عيني ... وهل حتى القيامة من تلاقى
بموت من حليلك أو بالطلاق ... ويجمع شملنا بعد افتراق
فرددت عليه
أتبكي على لبني وأنت تركتها ... فقد ذهبت لبني فما أنت صانع ؟
ويذكر صاحب الأغاني أن الشوق قد زاد عليه فلبس ملابس بائع الزيت.
وساق حماراً ليدخل قصرها وليراها.

(1/67)


فلما رآها أنشد
إنني أبصرت شيخا ... حسن الوجه مليح
ولباسي ثوب شيخ ... من عباء ومسوح
وأبيع الزيت بيعاً ... وخاسراً غير ربيح
صدق الله العظيم {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (أول سورة الطلاق)
فكم من أشياء لا تعرف قدر النعمة فيها حتى تضيع.
الذين أباحوا أكثر من أربع زوجات.
مذاهب السنة والإباضية وبعض مذاهب الشيعة لم يبيحوا للرجل إلا زوجات أربع في زواج واحد. فإن عزم على ضم زوجة خامسة إليهن فلا بُدَّ من طلاق واحدة منهن ثم ينتشر حتى تنتهي عدتها فيحل له الزوجة الخامسة.
ولم يخالف في جعل المباحات أربعة فقط سوى الظاهرية والشيعة الإمامية. فرفعوا العدد إلى تسع زوجات ووجهة نظر الظاهرية والشيعة الإمامية أنهم جمعوا العدد الموجود في الآية "مثنى" يعني اثنان. "وثلاث" أي أصبح العدد خمسة "ورباع" أي يصبح العدد تسعة من هنا أباحوا للرجل أن يجمع تسعاً.
ورأى مذاهب السنة أن العدد للتخيير وليس للجميع.
وقد ورد هذا في قوله تعالى في وصف الملائكة.
{جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} "أول سورة فاطر"
أي منهم ملائكة ذو جناحين "مثنى" ومنهم ملائكة ذو ثلاثة أجنحة "وثلاث"
المعتدة من وفاة زوجها لا يجوز خطبتها تصريحاً.
وإن جاز التعريض - كما سبق

(1/68)


من الجانب الإلهي في التشريع والذي يأخذ حكم العقيدة ما نص عليه القرآن الكريم في موضوع المعتدة من وفاة زوجها. حرم القرآن التصريح بخطبتها. وأجاز التعريض {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} (235 البقرة) وقد سبق الحديث وسقت بعض النصوص.
ومنهم ملائكة ذو أربعة أجنحة ... ورباع"
ويؤخذ على أصحاب هذا الرأي أنهم لم يدخلوا في حسابهم الزوجة الواحدة كأنها غير مشروعة مع أنها الأكثر والأسلم عند خوف الجور. ولو أدخلوها في حسابهم لكن عشر نساء.
وليس لهم حجة في جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - تسع نساء. لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع هذا العدد قبل نزول آية سورة النساء التي حددت الزوجات بأربع. بحوالي ثلاث سنوات.
خلاصة القول.
سورة الأحزاب - حوالي الستة الخامسة هجرية نزل فيها {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} "52 الأحزاب" وسورة النساء بعد فتح مكة حوالي السنة الثامنة هجرية نزل فيها "مثنى وثلاث ورباع" فهي نزلت بعد أن جمع النبي تسع نساء في بيته.
يبقى سؤال لماذا لم يطلق النبي الزائدات عن أربعة ؟
وأجيب بأنّ من تُطلّق من نساء النبي ليس لها الحق في زواج جديد {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} "53الأحزاب" وأما من عنده أكثر من أربعة من الصحابة اختار أربعة وطلق الباقيات مثل : أسلم بن غيلان الثقفي وقيس بن الحارث ، ونوفل بن معاوية ومن تطلق تتهيأ لزواج جديد.

(1/69)


أما زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - فهن أمهات المؤمنين {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} "6 الأحزاب" من هنا أبقاهن الله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} "الأحزاب"
وقد عالجت هذا الموضوع في كتابي "هذا نبيك يا ولدي"
الإسلام حدد الطلقات بثلاث
كان الطلاق مباح إباحة مطلقة.
يطلقها متى شاء ثم يردها عندما يريد. وقد يطلقها فتعتد.
فإذا قاربت انتهاء العدة ردها. ثم طلقها فتعتد وهكذا تعيش المرأة معلقة لا زوجة ولا حرة هذا ما روته عائشة - رضي الله عنها - من قصة المرأة التي قال لها زوجها : والله لا أطلقك فتبيني مني ، ولا آويك أبداً.
فنزل قوله تعالى : {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} "226 سورة البقرة" وبهذا عالج الإسلام مشكلة من مشكلات الجاهلية ورفعن المرأة مظلمة يدركها كل من كان له قلب أو عاطفة.
ذكريات لجامع البنية ببغداد :
كنت شديد الحرص على تزويج بناتي المحجبات لتلاميذ القرآن كما كان يسميهم أهل العراق وتزوج شاب الداعي المجاهد (م. ع. ف) بإحدى بناتي وأصر والده - لأمر عشائري - أن يطلقها.
وقال لوالده : إن عمر بن الخطاب أمر ولده فطلق امرأته.
فقال ولده الداعي : كن عمر تراني أطلق زوجتي.
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وكان الحق في تصوري مع الابن.
طلاق المكره.
أئمة المذاهب المالكية والشافعية والحنابلة قالوا : إن طلاق المكره لا يقع.
وقد جدت عليهم هذه الفتوى متاعب وتعذيب لم يزل يذكره التاريخ.
لأن بعض الأمراء كان يأخذ على الناس في بيعة الخلافة أن امرأته طالق وكل امرأة

(1/70)


يتزوجها طالق إذا خالف الخليفة أو خرج عن طاعته تحمل الأئمة وأعلنوا ما رأوه حقاً من أن طلاق المكره لا يقع لما ثبت عندهم من أدلة.
من هذه الأدلة كقوله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
المرفوع بهذا الحديث هو الأثر الدنيوي للأحكام والمسؤلية في الآخرة.
وأقوى ما استدل به أصحاب المذاهب الثلاثة أن المكره على النطق بالكفر لا يُعدُّ كافرا بنص القرآن الكريم.
{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ} (سورة النحل 106) ومعلوم أنها نزلت ترخيصا ومعذرة لعمار بن ياسر وأمثاله إذا اشتد عليهم الكفار قفالوا كلمة الكفر بلسانهم وشهد القرآن بسلامة قلوبهم من الشرك.
ذكر العلامة ابن عاشور في "التحرير والتوير حـ 14 ص 293" "الإكراه الإلجاء إلى فعل ما يكره فعله ويكون ذلك بفعل ما تضيق عن تحمله طاقة الإنسان من إيلام بالغ أو سجن أو قيد أو نحوه.
وقد رخصت هذه الآية للمكره على إظهار الكفر بشيء من مظاهرة التي يُطلق عليها أنها كفر في عُرف الناس من قول أو فعل. كالسجود لصنم وشرب الخمر. والإكراه على الكفر فقد تحفظ العلماء منه.
والأحناف يُقسمون الإكراه إلى درجات ثلاث وبيان ذلك في كتب الفروع.
ومما روى في طلاق المكره وعدم وقوعه من الآثار ما ذكره الدكتور / دعبس زكي شقرة في كتابه "الإكراه وأثره في التصرفات ص 167 أن رجلاً تدلى ليشتري عسلاً فوقفت امرأته على الحبل وقال : طلقتني ثلاثا وإلا قطعت الحبل. فكرها الله والإسلام فقالت : لتفعلن أن أو لأفعلن. فطلقها ثلاثاً. فلما رفع الأمر إلى عمر قال "ارجع إلى أهلك فليس ذلك بطلاق"
وما روي عن الإمام عليّ - رضي الله عنهما - لا طلاق لمكره.
وابن عباس لم يجز طلاق المكره. وقال : ليس بشيء وفسر بعضهم
"لا طلاق في إغلاق" فسر الإغلاق بالإكراه.
لأن المكره كمن أغلق عليه أبواب الاختيار

(1/71)


وفي سند الحديث كلام ، لأن الغازي بن جبلة منكر الحديث ، كما قال صاحب نصب الراية في تخرج أحاديث الهداية حـ 3 ص 223 الزيلعي.
وفي البخاري عن علي - كرم الله وجهه قال :
كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمكره.
واستدل على ذلك بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع القلم عن ثلاث المجنون حتى يفيق ، والصبي حتى يدرك والنائم حتى يستيقظ ؟
بعد الطلاقة الثالثة لا تحل له وتتزوج غيره فإن مات الثاني أو طلقها ؟
الزوج الثاني طلقها أو مات. ورجعت للزوج الأول ، هنا نسأل : ما حكم الطلقات الثلاثة في الزواج الأول ؟
إجماع الأئمة على أن الزواج الجديد يبدأ - كما يقولون - من الصفر وعفا الله عما سلف ، وكفاه من التأديب على الإسراف في الطلاق أنه رأي زوجته في أحضان زوج آخر ، وليت الأمر يقف على الأحضان ، بل يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته.
وكانت في الزواج الأول معه لا تعرف فراش غيره.
فكانت راضية به ، أما بعد أن جربت فراش غيره فالأمر يختلف.
عقوبة شديدة هي ثمن سوء استعمال الحق وإسرافه فيه.
ولكنها ترجع إليه بثلاث طلقات.
هذا رأي جميع الأئمة. أما إذ طلقها طلقة وانتهت عدتها أو طلقتين وانتهت عدتها قبل أن يراجعها ، وتزوجت غيره وطلقها الزوج الجديد أو مات ورجعت للأول فهنا أجد اجتهاداً غريباً لا أعرف دليله الشافعي والمالكي والحنابلى ومحمد بن الحسن وزفر من تلاميذ أبي حنيفة كلهم يقولون : ترجع إلى الزوج الأول بما بقى لها من عدد الطلقات.
إن كان قد طلقها طلقة واحدة رجعت بطلقتين ، وإن كان قد طلقها طلقة واحدة رجعت بتطليقتين.
وإن كان قد طلقها طلقتين رجعت بواحدة.
هل يمكن بعد كل العذاب النفسي الذي تحمله وهي في فراش.

(1/72)


الزوج الثاني.
وبعد دعائه لها طوال الليل أن تفشل في زواجها الثاني لترجع إليه. وتحقق الأمل. وعادت إليه. هل يمكن أن ترجع بزواج شبه مستهلك ويكون كمن اشترى ثوباً نصف عمر ؟
هنا كان اجتهاد الإمام أبي حنيفة وتلميذه أبي يوسف والإمامية من الشيعة يباركون له ثوباً جديداً خالياً من رقع الماضي. وبقعه النفسية.
ترجع بطلقات ثلاث. وعليهما الحفاظ على ما وهبهما الله ولعل "العود أحمد"

(1/73)


الطلاق في السُّنَّة وآثار السلف
من طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد أخرج أبو داود عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : "إذا قال الرجل : أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة" وعنه أنه قال : "إِذا قال : أنت طالق .أنت طالق. أنت طالق. ثلاث مرات فهي واحدة, إن أراد توكيد الأولى. وكانت غير مدخول بها".
روى الترمذي وأبو داود عن عبد الله بن يزيد عن أبيه عن جده قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله ، إني طلقت امرأتي ألبتة. فال : ما أردت بها ؟ قال : واحدة. قال : آلله قلت آلله. قال فهو ما أردت. ومعنى طلقتها أي في مجلس واحد.
* إن طلق بلفظ ليس صريحاً في الطلاق ولكن أراد به الطلاق.
يسمى الطلاق بالكناية. ولا يقع به الطلاق إلا إذا قصد إيقاع الطلاق. فالنية مدار المؤاخذة.
تقول عائشة - رضي الله عنها - خيرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخترانه ، فلم يكن ذلك طلاقاً" البخاري ومسلم.
* ومن أعطى لها حرية الاختيار فاختارت نفسها فهي طلقة واحدة رجعية.
قال رجل لابن عمر - رضي الله عنهما - : إني جعلت أمر امرأتي بيدها فطلقت نفسها فقال ابن عمر : أراه كما قالت.
وقال له : أنت فعلته" الموطأ وتقع طلقتها له طلقة واحدة رجعية.
هذا ما أفتى به زيد بن ثابت لمحمد بن عتيق "ارتجعها إن شئت فإنها هي واحدة ، وأنت أملك بها. (الموطأ عن خارجة بن زيد)
ووردت آثار توقع الكنايات ثلاث تطليقات. فمن قال لامرأته أنت علي حرام فالإمام علي بن أبي طالب كان يقول : إنها ثلاث تطليقات (جاء في المؤطأ)
ولا أعرف العلة لهذا التشديد من الإمام علي - كرم الله وجهه - إلا تأديب القائل وتخويفه.

(1/74)


وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنه - إذا حرم الرجل امرأته عليه فهي يمين يكفرها.
ثم قال : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ووجه الاستدلال بآية الأسوة هنا هو ما جاء في أول سورة التحريم {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} ؟ ثم قال بعدها {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}
* من خير امرأته فاختارت الحياة معه لا يعتبر طلاقاً. لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خير نسائه بين الحياة معه راضيات بما قسم الله لهن من عيش وبين أن يُردن الحياة الدنيا وزينتها فاخترن الله ورسوله.
وفي السنة المطهرة
" لا يحل لأمرأة أن تسأل طلاق أختها لتستفرغ في ما في صحفتها. ولتنكح. فإنُما لها ما قُدر لها"
(جامع الأصول من أحاديث الرسول) (البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي)
فإن اشترطت المرأة عند زواجها أن يطلق زوجته الولى فالشرط باطل. لأنه لا ضرر ولا ضرار.
أما إذا اشترطت لنفسها عند العقد عليها إلا يتزوج عيلها فلها ما أخذت من شرط.
المحلل والمحلل له.
بينت السنة المشرفة موضوع المحلل. وهو أن يطلق الرجل زوجته ثلاثاً في ثلاثة أطهار فتبين منه بإجماع المذاهب ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً شرعياً كاملاً ويدخل بها دخولاً كاملا لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
" حتي تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك : كما في حديث امرأة رفاعة القرظي التي جاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ - (أي في الإسترخاء) فَقَالَ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ". رواه الجماعة عن عائشة - رضي الله عنها -.

(1/75)


ومعناه : أن القليل من الجماع يكفي فما حكم الزوج الثاني ؟
* هو إما عازم على الزواج الدائم ، وهذا بارك الله له ، فإن طلقها فلا إثم عليه.
* وإما متطوع بهذا الزواج وفي نبته أن يطلقها لترجع إلى زوجها وأولادها ، فزواجه مكروه عند الأحناف والشافعية ؛ لأن الزواج شرعا لا بد فيه من نية الدوام.
وإلا أشبهَ زواج المتعة.
وهذا زواج باطل فاسد عند المالكية والحنابلة ، فلو طلقها لا تحل للأول.
* الزواج الثالث : أن يتزوجها بشرط أن يطلقها.
وهذا زواج باطل وفاعله ملعون لحديث : " لعن الله المحلل والمحلل له ".
أخرجه النسائي والترمذي وصححه.
وحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ بلى يارسول الله.
قال : هو المحلل. لعن الله المحلل والمحلل له ".
رواه ابن ماجة والحاكم.
هل رأى الحب سكارى مثلهم ؟!
قد يكون الواقع أعجب من الخيال.
خيال الشاعر في هذه القصيدة واسع وخصب ، ولكن الواقع أعجب .
اشترى زوجها سيارة من مصنع اليابان ، واشترى أخوها سيارة من مصنع بلد آخر.
وجلس كلاهما (يشرب) ويمدح سيارته ويثني على اختياره ، واشتدَّ أثر الشراب فاقترح واحد منهما أن يركب كل واحد منهما سيارته وأن يقفا على بعد مائة متر مثلاً ، وأن ينطلق كل واحد بسيارته بسرعه فيدخل في الآخر فيتبين كل واحد منهما أي السيارتين أقوى.
يتبين بتجربة عملية ، فالجانب العملي ينهى عن الجدل ، وتيقنت المرأة أنها ستدفع الثمن وحدها. فسوف تفقد زوجها وأخاها.
إنهما في سكر وسوف يفيقان على يد ملك الموت ، قامت فاستدرجت زوجها إلى غرفة النوم ، ثم أغلقت عليه الباب ، وحاول ثم حاول الخروج فلم تستجب له.

(1/76)


فلم يجد ما يقذفها به سوى كلمات الطلاق.
فلما ذهبت عنه السكرة وجاءت الفكرة ، جاءني يلتمس حكم الله في الطلاق!!
جاءت معه لأنها لا تثق في إخباره ، وكثرا أولئك الذين يكذبون على العلماء في مثل هذه القضايا. هكذا لعمل الخمر في عقول شاربيها إن بقيت فيهم عقول.
وأجاب الشيخ :
من رحمة الله أن حرم الخمر ، فالخمر مهلكة للعقل ولخلايا المخ وشبكة الأعصاب.
والدارس لخلايا الجسم يرى أن خلايا الجسم كلها تتغير كل عدة سنوات إلا خلايا المخ والأعصاب تبقى تالفة حتى يموت.
وأنت يا بنيتي قد أحسنت صنعا ، وذلك على رجحان عقلك.
فحفظ الشرع الحكيم لك زوجك ، ولم يقع الطلاق ، فالرأي الراجح أن طلاق السكران لا يقع.
لا يقع طلاق السكران لأنه لا يعلم ماذا يقول!
(لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ).
وسيدنا حمزة - رضي الله عنه - وقبل تحريم الخمر - سكر فبقر بطن البعير فلما عاتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمل حمزة واحمرت عيناه - أي غلبه الشراب.
فقال : هل أنتم إلا عبيد لآبائي ؟ فعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ثمل فخرج معه.
وقد أفتى سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بعدم وقوع طلاق السكران ، وأفتى ابن عباس - رضي الله عنهما - بذلك ، ورجع الإمام أحمد إلى هذا الرأي.
واستلوا على عدم وقوع طلاق السكران بالآية الكريمة السابقة ، وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يطلب من حمزة - رضي الله عنه - أن يجدد إسلامه لقوله في سكره - أنتم عبيد أبي ، ولانتفاء القصد.
فارجعي بزوجك فالطلاق لم يقع.

(1/77)


وبعد : ما ذكرته في القصة السابقة هو رأي الأئمة الثلاثة الشافعي والمالكي والحنبلي لأن الطلاق أمر شرعي ما شرعه الله إلا لحكمة والسكران لا يستطيع أن يتصرف بحكمة. فلا يقع طلاقه.
وخالفهم الإمام الحنفي إذا كان السكر من شراب محذور أما إذا كان من أمر لا إثم فيه كالبنج لإجراء عملية جراحية فلا إثم فيه ولا يقع طلاقه.
ومعلوم أن وقوع طلاق السكران يؤذي الزوجة بدون ذنب منها.
روي البخاري عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - : ليس لسكران ولا مجنون طلاق.
والطلاق - في الإسلام - أمر عظيم فلا نبحث للناس عن كلمة نهدم بها البيت فقد قال عقبة بن عامر : لا يجوز طلاق الموسوس" رواه البخاري.
من تجاربي في فندق
كان النزيل "ع. م. ا. ع" يقيم إقامة كاملة بالفندق وكان في سلوكه طيب لا يخالط أحداً وفوجئت برجوعه يوماً في حالة سكر شديد - على غير عادته. والتف حوله عمال الفندق وبعض النزلاء الشباب يصفقون ورجل الأعمال يرقص!! حتى تطاول عليه أحد الشباب وأراد أن يسقط "البنطال" عنه واعتبروها سهرة سعيدة.
وفي الصباح لقينى وألقى عليّ التحية. وتعمدت عدم الرد بصوت يسمعه ولما راجعني عرضت عليه الشريط المؤلم الذي سجلته له. كاد لا يصدقني لولا وضوح الصوت وضحك الشباب واستخفافهم به.
إنه تاجر الذهب بوسط القاهرة. وهو صاحب اليد السخية على العمال وبعض النزلاء. كيف تجعله زجاجة الخمر في هذه المهانة ؟
إنها المرة الأخيرة يا شيخ محمود
مرَّتْ سنوات أنهيت فيها دراستي الجامعية. وذهبت لزيارة أستاذي الدكتور كمال شلال بالفندق - عليه رحماتُ الله - وفاء لما كان يخصني به من خلاصات

(1/78)


عبقريته وأنا طالب. وشاهدت الأخ الكريم ساجداً بين يد الله يطيل السجود. الضراعة. لقد تاب توبة أسعدتني.
فلو سجلنا لمن يغيب عقله بالسكر ما يحدث منه في سكره فلن يقبل لنفسه أن يعود. هذه تجربتي. التسجيل لعلاجه في منح الشريط بعد أداء دوره فلا حاجة لنا في الحفاظ عليه.
ولدي الحبيب. أين ذهبت ؟
عشت حياتي قبل أن أرزق بك. عشت أنتظرك وتحملت متاعب السهر والدراسة من أجل أن يقال لك ابن الأستاذ.
ومن أجلك تحملت رق الوظيفة ومتاعبها حتى يقال عنك : ابن المدير.
وصارعت رغباتي وأهوائي حتى أوفر لك رخاء العيش وسعته. وما تأخذه من مالي أحب إلي مما أنفقه أنا من أجلك يا ولدي تخيرت سيدة الحي لتكن أمك وأشهد بالله أنها قدمت أكثر مما قدمت لك.
وفي ساعة مظلمة بل ظالمة توقف عقلي وفكري ونطقت بكلمة هدمت كل شيء كيف نطقت بكلمة جعلت زوجتي حراماً علي ؟
وقع الطلاق الأول. واعتبرته إجازة من الحياة الزوجية ثم عادت الحياة.
وتكرر الخطأ. بل تكررت الخطيئة.
الخطيئة التي أنهت رصيدي. وحرمت زوجتي للأبد بالطلقة الثالثة.
هل تقبل نفسي أن أنتظر لها فشلاً جديداً في حياتها ؟ مع الزوج الجديد فيطلقها لترجع إلى فراشي ؟
ليست هذه أخلاقي يا ولدي. ولعلك تعرف ذلك.
سوف أتحمل تكاليف خطئي بل خطيئتي.
وأغلاها أني خسرت زوجتي.
ولو كل النساء كمثل هذي ... لفضلت النساء على الرجال.
فلا التأنيث في اسم الشمس عيب ... ولا التذكير فخر للهلال

(1/79)


ولكن ماذا جنيت أنت يا ولدي حتى حكمت عليك أن تعيش مع زوج أبيك بدلاً من أمك ؟ إنها امرأة طيبة. ولكنها تشعر أن ما أقدمه لك أقدمه لغير ولدها.
وإن عشت مع أمك فهي أقرب وداً لك. ولكن زوجها لا يحب أحداً يشاركه فراشه. وهي بينها وبين زوجها مودة ورحمة.
وأنت يا بنيتي
هل وافقت على أول خاطب لرغبة صادقة فيه ؟
هل هو - في تصورك - الفارس صاحب الفرس الأبيض الذي يطير بك إلى عش السعادة ؟! أخشى يا بنيتي أن تكوني أردت الفرار من زوجة أبيك.
أو ضاق صدرك من بعض الدلال التي عاملها به لأنها تخدم غير أولادها ولفارق العمر بيننا. أو لحقها عليّ كزوجة. أرجو أن تكوني قد حظيت باختيار الله في هذا الشاب فاختيار الله للإنسان خير من اختيار الإنسان لنفسه
الطلاق بلاء {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} "15 النور"
فاحذره يا ولدي.
وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا
وربما كانت هي السبب. فقد انشغلت بالفليم الأجنبي ونسيت الطعام على الطباخ فتلف كل شيء ولكنى الحياة الزوجية فنون. ألم يحرق هو القميص عندما عزم على كيه ؟
هذه بتلك.
كان يمكن للمشكلة أن تنتهي ولكن من حوله ومن حولها لا بُدَّ أن يشعلوا النار إنها - كما يقولون - ضريبة السعادة أو نار في ليلة لكنها أحرقت كل شيء وانتهى الأمر بالطلاق العاجل - طلاق السفهاء.
طلاق لم يسبقه عزم ولم يحكمه ما شرعه الله من الطلاق في طهر لم يجامعها فيه فلا طلاق في حيض. ولا في طهر عاشرها فيه هذا ما شرعه الله.

(1/80)


جاءني يريد أن يرد زوجته إلى عصمته - أن يراجعها.
سألته : كم يتكلف الطلاق في هذه الأيام ؟
كان يتوقع أي سؤال غير هذا السؤال قال : لو ذهبنا إلى المأذون القاضي سيأخذ رسوماً للطلاق ورسومها للمراجعة "هذا في بعض البلاد العربية"
قلت له : ما عن كل هذا اسأل.
إنني اسأل عن ثمن الطلقة الواحدة الآن.
إن أقل زواج الآن يتكلف ثلاث الآف دولار مثلاً ، والإسلام يعطيك ثلاث تطليقات. وهذا من باب رحمة الله. فالطلقة الواحدة تتكلف ثلث تكاليف الزواج تتكلف ألف دولار على الأقل.
إن تكلف الزواج ثلاثة الآف دولار فهل لمن الطعام الذي تلف قريب.
من هذا المبلغ ؟
قال : عجباً أسمع هذا الكلام لأول مرة
قلت : لو أن الدعاة يسألون الناس هذا السؤال على المنابر وفي المحاضرات لتراجع كثير من النساء بسبب الغلاء الشديد في ثمن الطلاق.
إنني أعمل ألف حساب لإشارة المرور. لأن العزم كبير هذا بخلاف ما يجره الطلاق على الأسرة من ضياع الأولاد والوالدين وهو أكبر من كل أموال الدنيا. الطلاق {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} "15 النور"
أنصفتني يا شيخ عارف
كانت هذه كلمتها الأخيرة التي ودعتني بها : أنصفتني يا شيخ عارف
وابتسم زوجها الطبيب الشاب وقال : عندما يتصدى للفتوى من لم يدرس الشريعة دراسة عميقة تتعقد حياة الناس.
قلت لهما : إن الله خلق العنب. غذاء وشفاء ولكن يد البشر تتدخل في العنب فتجعله خمراً.

(1/81)


خرجت هي وزوجها الطبيب وبقيت في بيتي أراجع ما حدث فما قصة الضيف ؟
جاء يسألني عن الطلاق الذي أوقعه عليها. ويطلب إرجاعها لعصمته.
إنها ما زالت في العدة.
وكنت أشعر أن هذه المشكلات تحتاج إلى معالجة أكثر من حاجتها إلى فتوى. فإن عدم علاجها جيداً هو السبب في تكرارها.
إن الطبيب الذي يعالج أمراض الجلد من الظاهر يختلف عن الطبيب المتخصص الذي يحلل الدم ويعالج ما تحت الجلد فيغيب المرض إلى الأبد. أو يغيب طويلاً.
درست سبب المشكلات وحاولت تقريب وجهات النظر.
إن أمة لها ما أعطاها الإسلام من حقوق وتكريم. ولكن هذه الحقوق يجب ألا تتعدى ولدها ولو كان وحيداً إلا من باب التطوع. والمتطوع أمير نفسه. والكريم يتطوع {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} "34 النساء"
وليس "واهجروا مضاجعهن" حتى لا يعلم من في البيت شيئاً عن الخلافات. فيموت الخلاف في حجم ولادته.
عتبت عليها لأنها تلميذتي. ولكرمها وفي مثل هذه الحالة نعتب على الكريم. عتبت عليها فصرخت وقالت : دائماً المرأة هي المخطئة ؟ لقد حمل إناء الطعام وضربني به وطلقني كان الإناء ساخناً.
والله كان الإناء ساخناًَ. نظرت إليه وسألته :
هل صحيح ما قالته يا دكتور ؟
قال في حياء : زحام العمل يشد أعصابنا حتى أصبح الإنسان لا يدري ما يفعل ؟
والطبيب يحتاج إلى طبيب أجل لا أدري كيف فعلت هذا ولكنه حدث ؟
ضحكت حتى ظن أنني أضحك من تصرفه

(1/82)


وقلت له : قم يا دكتور خذ زوجتك وارجع إلى بيت الزوجية السعيد.
الطلاق لم يقع يا دكتور. أجل الطلاق لم يقع.
الطلاق ليس كلمة تخرج من فم إنسان منفعل لا يدري ماذا يقول ؟
روت السيدة عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
"لا طلاق في إغلاق"
قال أبو داود : الإغلاق الغضب الشديد (أعلام الموقعين جـ 4 ص 42)
وإذا كان طلاق السكران لا يقع حتى تكون عقوبة لها من غير ذنب فطلاق الغضبان عند إغلاق العقل لا يقع.
وعلماء الإسلام هم الذين يجدون الطلاق الذي يقع والذي لا يقع.
وسيدنا موسى - عليه السلام - عند غضبه على بني إسرائيل ألقى التوراة التي كتبها الله بيده في الألواح. فلما سكت عنه الغضب أخذ الألواح.
والرجل الذي فقد ناقته في الصحراء وتيقن الموت والهلاك. ثم نام فاستيقظ فرأى الناقة فأراد أن يشكر الله فقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك. لم يؤاخذه الله على سبق لسانه.
الطلاق لم يقع يا دكتور فالطلاق عزيمة
كلمات للأئمة في طلاق الغضبان
بعد أن عرضت على القارئ الكريم قصة الطبيب العراقي وزوجته والتي سبق أن نشرتها بمجلة "رسالة الأزهر" نأتي إلى بعض الأحكام الفقهية في الموضوع.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" رواه أبو داود.
وقال : الإغلاق أظنه الغضب (عون المعبود حـ 6 صـ 261
وكثير من الناس في أيامنا تخالط المخدرات والمهدئات دمهم وأكثر منهم من يؤثر هموم العيش وتكاليف الحياة والسعي في طلب الكماليات في أعصابه مما يجعل الانفلات في الكلام لا يحكمه قصر. ولا يقول ما يريد.
وهؤلاء يدخلون في حكم الإغلاق رحمة بأطفالهم ونسائهم. بل ورحمة بهم لأن الطلاق - كما ذكرت. عزيمة وليس كلمة طائشة تنفلت من اللسان.

(1/83)


* الزواج عزيمة {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} "235 البقرة"
والطلاق عزيمة {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} "227 البقرة"
ولا وزن لصيحات وانفعال لا يدري أحدهم ساعتها ما يقول.
وعندما طلق الرجل زوجته ثلاث ثم ندم وقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - والله ما أردت إلا واحدة أعتبرها النبي - صلى الله عليه وسلم - واحدة.
وكثيراً ما أقول : عمار البيت على رأي مرجوح خير من خرابه على رأي راجح يقول الإمام ابن تيمية في الإغلاق "أن يغلق على الرجل قلبه فلا يقصد الكلام أو لا يعلم به كأنه إنغلق عليه قصره وإرادته فيدخل في ذلك كل من لا قصد له ولا معرفة له بما قال.
أبو حنيفة وطلاق المخطئ يوقع الأحناف طلاق من أراد كلمة فخرجت كلمة الطلاق. يوقعها قضاء - أمام القاضي - ومن الناحية الدينية يسأل أمام الله عن نيته. إغلاق لباب التراجع وادعاء الخطأ ولكن الأئمة مالك والشافعي والحنابلة والظاهرية والزيدية والجعفرية فيشترطون القصد في الألفاظ ولا يوقعون طلاق المخطئ.
ورأي الجمهور أولى بالفتوى.

(1/84)


الخلع
* الزوج يطلق. فماذا للزوجة ؟
* كل خسارة مادية بعد المودة والرحمة هينة
* الإسلام حفظ المرأة مالها إلا عن طيب نفس منها
* لا يجوز للزوج أن يضيق على زوجته حتى يرغمها على الخلع
* خذ الحديقة وطلقها تطليقة.
* هل يجوز أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ؟
* هل الخلع طلاق أم فسخ لعقد ؟
* وماذا ينبني على هذا الخلاف ؟

(1/85)


الزوج من حقه أن يطلق ، فماذا لها ؟
المطلق غارم لأنه دفع الصداق وتحمل النفقات.
وغرمه قد يمنعه من تكرار الطلاق. أو حتى مجرد التفكير فيه.
أما الزوجة فماذا تفعل إن فسدت الحياة الزوجية ، وأذهب الله المودة والرحمة من قلبها ؟
شرع الإسلام لها فداء نفسها من طوق لا تطيقه. وغلّ لا تقوى عليه. وزواج لا تؤدي حق الله فيه وهذا ما جاء في كتب الشريعة بعنوان "الخلع"
قال ابن الأثير (الخلع) من خلع الثوب. كما في النهاية وإن كان القرن لم يستخدما الخلع إلا مرة واحدة في حديثه - سبحانه وتعالى - مع موسى عليه السلام.
{إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} 12 طه).
واستعمل القرآن كلمة {افْتَدَتْ بِهِ} أي افتدت به نفسها {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (229 سورة البقرة)
فالرجل له أن يطلق وهو غارم وتكاليف الطلاق كبيرة وهي تعدل ثلث تكاليف الزواج وضياع الأسرة أكبر.
والمرأة تفتدي نفسها إذا أصبحت الحياة الزوجي أغلالاً وإذا فسدت الحياة الزوجية وخلت من المؤدة والرحمة فكل خسارة مادية بعد المودة والرحمة هينة.
والآن مع بعض أحكام القرآن الكريم وفقه الفداء أو الخلع
* في فقه الأحناف "الخلع إزالة ملك النكاح المتوفقة على قبول الزوجة بلفظ الخلع أو ما في معناه "الدر المختار حـ 3 ص 439"
* أما في القرآن الكريم فلقد حرم الله على الزوج أن يأخذ من مال زوجته شيئاً إلا عن طيب نفس منها {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (4 النساء)
الهنيء ما يصاغ مضغه. والمريء ما يفيد الجسد.

(1/86)


* ومرة ثانية حرم القرآن مال المرأة على زوجها مع الاحتفاظ بالاستثناء في الآية الأولى أعني "طيب النفس"
{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (226 سورة البقرة) شرع الله الطلاق وجعله تسريحاً بإحسان ومن إحسان التسريح أن يكون بدون عوض. وهذا ما يتفق مع النفوس الكريمة.
وقد خاطب الله به النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ما خير زوجاته {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (الأحزاب)
فالتسريح بإحسان. والسراح الجميل يقتضيان عدم أخذ مال على طلاقها.
ولكن النفوس تختلف ، والمثالية ثمنها كبير لا تقوى عليه الجموع من الناس ، والتشريع للخاص والعام فلا بُدَّ أن يتسع للجميع.
ومن ناحية المرأة قد تكون بالغت في طلب الطلاق وأرهقت الزوج فلا يتصور أن يتنازل عن غرمه عندما تطلب الطلاق ، من هنا شرع القرآن أن تفدي نفسها بمالها - كما قلت : كل شيء بعد خسارة المودة والرحمة أمر سهل.
* ثالثاً :
وحرم القرآن أن يعضل الزوج زوجته بأن يسيء معاملتها ويضيق عليها حتى يرغمها إلى طلب فداء نفسها من قيد الزواج به {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} "19 النساء"
وإذا حرم القرآن أخذ بعض ما أتاها فإن أخذ كل ما أتاها حرام باب أولى. وأشد في التحريم أن يأخذ أكثر مما آتاها "تفسير المنار حـ 4 صـ 456 للسيد رشيد رضا"
وفي موضع رابع في القرآن الكريم
جاء التحريم في محاولة يرغب فيها بعض أصحاب النفوس الصغيرة أن يجعله على المرأة خستين.

(1/87)


خسة أن يستبدل بها زوجة أخرى سواء معها أو يطلقها ، وخسة أن يأخذ مالها ليدفعه مهراً لزوجة أخرى أمران أحلاهما مرٌّ.
أما ان يجمع الأمرين {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} "20 النساء"
وهذا استفهام إنكاري وتوبيخ على أخذ مال المرأة ظلماً.
ثم يستنكر عليه مرة ثانية {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} "21 النساء"
كل هذه الآيات تفيد تحريم إكراه الزوجة على أن تفتدي نفسها بمالها.
والكاره في كل هذه الأحوال هو الرجل. أو المنتفع في هذه الأحوال هو الرجل.
وقد شاهدت في بعض البلاد العربية ما يقوم به بعض الذين يعملون في مهنة المحاماة من جعل الانتصار القضائي على المرأة ولها حقوقها فن من فنون المهنة مع أنها مهنة شريفة : يحاول أن ينتصر لموكله فيجرد المرأة من حقوقها التي شرعها الله.
مؤخر الصداق.
النفقة والمتعة.
وينسى أن بعد القضاء في الدنيا قضاء آخر يوم يقول الحق - سبحانه ...
{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا}
ويقول سبحانه لكثير من المدافعين عن الباطل {هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} (النساء 109)
كما حرم الله أن يجعلها تعيش مكرهة مظلومة لا تملك الصبر على البقاء ، لا تملك المال للفداء {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} "231 سورة البقرة" إن بعد الدنيا حساباً كبيراً.

(1/88)


* يبقى بعد ذلك آية تتحدث عن رغبة الزوجة في (الخلع) في فداء نفسها. هنا هي الكارهة ، وهي صاحبة المصلحة في الفداء لقد انتهى من في قلبها من الود له ، والصبر على متاعبه ، فهي إن عاشت في بيت تخاف ألا تقيم حدود الله من طاعة لزوجها ، ورضى به ، وتمكيناً له من نفسها.
وصحبته ولو لم يكرها هو ، ولم ير منها ما يقتضي فراقها ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل ثابت بن قيس ، هل أنت كاره لها أم لا ؟
وقد أجمع الصحابة على هذا.
* طلب الخلع بدون ضرورة
الذي يجمع عليه العلماء والأئمة أن الطلاق بدون سبب مُلح عليه حرام أو مكروه. لأن فيه إضرار بالطرف الآخر وهو هدم لما شرعه الله ، وأبغض الحلال عند الله الطلاق. ولا يفرح إبليس بشيء كما يفرح بالطلاق.
والخلع كذلك فإذا حلت الحياة الزوجية من الضرورة ، وإذا أمكن دفع الرغبة في الانفصال ، بالصبر والقدرة على التحمل ، فيجب عليها الصبر حفاظاً على الأسرة. وربما رعاية للأولاد إن وجدوا.
* يقول ابن قدامة : والحجة مع من حرمه في حالة الوئام والوفاق بين الزوجين واستشهدوا بالآية الكريمة {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ} وقدموها على قوله تعالى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (المغني حـ 7 ص 54)
* مقدار ما يجوز لها أن تقدمه
محاولة وضع تسعير في مثل هذا الموضوع شيء لا يتفق مع تقلب الأحوال واختلاف القدرة الشرائية غالباً. وحال الأسر من الإعسار واليسار وعكس هذا.
من هنا كان الرأي الراجح رأي جمهور العلماء وهو ما تراضيا عليه ، سواء قلَّ عن الصداق أو ساواه أو زاد. وهذا ما حكاه ابن كثير (حـ 1 صـ 274)
وفي المحلي من فقه الظاهرية : لها أن تخلى بجميع ما تملك وواضح أن أسعار العملات والأعيان غير ثابتة ويحدث فيها تباين كبير. وهجرت أحد الزوجين

(1/89)


وما يصحبها من اختلاف في اليسار والإعسار كل هذا ربما لم يكن في عصر أئمتنا - رضي الله عنهم - .
فالأمر متروك للعرف والقضاء وما يطرأ على مستوى معيشة الطرفين في الأسرة. فقد يكون الألف من الدراهم عند العقد مالاً كثيراً وعند الرغبة في المخالعة لا تساوي شيئاً ولا يعارض هذا مع قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - خذ الحديقة وطلقها تطليقة. لقرب الزمن بين العقد والخلع فلم تتأثر القيمة الشرائية للأشياء. ولأن القيمة العينية كالحديقة يقل التباين في ثمنها بخلاف العملة الورقية في عصرنا.
كما لا مانع من احتمال زيادة قمية الحديقة عند الخلع عنها يوم عقد القرآن بسبب نمو شجرها ونضج ثمارها.
* واختلفوا هل يجب رفع الأمر للسلطان ؟
قال بهذا بعض العلماء ولا أعرف دليلاً لهم.
والخلع قريب في أحكام من الطلاق. ولا يجب رفع الطلاق إلى الحاكم. فالخلع كذلك. لأنه طلاق على عوض. كما استدلوا بوقوع الخلع للربيع بنت معوذ في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، فلم يرفعوا الأمر لعثمان ولم ينكر عليهم عثمان ، وهو رأي عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -
* هل الخلع طلاق أم فسخ ؟
موضع طال فيه الخلاف بين الأئمة واختلافهم رحمة بهذه الأمة وسوف أبين معنى الرحمة. في اختلاف الأئمة إن شاء الله.
أولاً : القول بأن الخلع يقع طلاقا رجعيا قول لا يرقى إلى المناقشة فهو باطل بلا خلاف فالمرآة دفعت مالها لتفتدي نفسها.
فلو كان الخلع طلاقاً رجعياً لأخذا الرجل العوض ثم ردها بدون اختيار منها فهو قول مردود.
أما القول بأن الخلع طلاق بائن فلو سلم هذا الرأي من الاعتراض الموجه إليه لقبلناه. لأن الرأي من الاعتراض الموجه إليه لقبلناه لأن كبار الأئمة قالوا به.

(1/90)


ولا ظلم فيه للمرأة ولا مضرة.
الأحناف اعتبروه طلقة بائنة رجعية ، يعني بينونة صغرى (المبسوط حـ6 صـ 171)
وعند المالكية يقع الخلع طلاق بائنا "بداية المجتهد لابن رشد حـ2 صـ 268".
وللإمام الشافعي رأيان.
رأي وافق الأحناف والمالكية. ورأي قديم قال إنه فسخ (مغنى المحتاج حـ3 صـ268)
والظاهرية حصروا البينونة في الطلقة ثلاثا ، أو التي طلقها من قبل المساس بها لأنها ليس عليها عدة. فأي طلاق غير الاثنين يجب أن يكون رجعيا.
ولكن قال فن راجها فعليه رد ما أخذ منها "فإن لم يتم لها مرادها فما لها الذي لم تعطه إلا لذلك مردود عليها".
* والمذهب الجعفري. يقع الخلع طلاقا بائنا إذا دفعت الفداء في العدة.
وإذا لم تدفع الفداء في العدة يمكن أن يرجع في العدة. فإذا انتهت العدة فلا رجوع بعدها (المختصر النافع في فقه الجعفرية صـ280)
* أدلة من اعتبر الخلع فسخا.
اعتبر ابن عباس الخلع فسخا, وهو قول مجموعة من أصحاب كطاووس وعكرمة وأحد قولين للشافعي وأحمد بن حنبل وبعض علماء الحديث.
واستدل ابن عباس على أن الخلع فسخ بأن الآية الكريمة ذكرت "الطلاق مرتان" ثم تكلمت عن الخلع {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الآية229 سورة البقرة)
فالقرآن تكلم عن طلقتين ثم تكلم عن الخلع.
ثم قال بعدها {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (229 سورة البقرة).

(1/91)


فلو حسبنا الخلع طلاقا يصبح الطلاق أربعة. من هنا كان دليل من قال :
إن النكاح فسخ أقوى. لأن الأمة وعلماء الفقه والسنة أجمعوا على أن الطلاق ثلاث.
وقد اختار الإمام الشافعي هذا الرأي في أحد مذهبيه ، والإمام أحمد في الرأي الظاهر عنده ، وتبناه ودافع عنه الإمام ابن تيمية في الفتاوى حـ3 صـ32) واختاره ودلك عليه الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان في موسوعته العظيمة "المفصل في أحكام المرأة حـ 8 صـ220".
* جانب الرحمة في اختلافات الأئمة.
اعترفت المؤتمرات العالمية بما أحدثه الاختلاف بين علماء المسلمين من ثراء في الفقه الإسلامي وقد ذكرت آراءهم في كتابي (شريعة الله يا ولدي) بما يغني عن التكرار والذين يظهرون ضيقهم باختلاف المذاهب يريدون أن ما ذهبوا إليه من آراء أئمتهم لا يقبل المناقشة. على أي حال ليس هذا موضوعي. ضربت لهذا مثلا.
مسافر من صلالة إلى جدة. وصل إلى مسقط "1000 ك" فجاء ضابط آخر وقال "الكمبيوتر" يغني عن السفر. أليس في اختلافهم رحمة ؟
ولكن ما علاقة اختلاف الأئمة بموضوعنا ؟
عرضت على قضية لأسرة يكثر الزوج فيها الطلاق طلق امرأته طلقة أولى ثم طلقها طلقة ثانية ، وهو بصدد الطلاق الثالث.
وسألت أستاذي وشيخي الدكتور عبد العال أحمد عبد العال رئيس قسم التفسير والحديث بالأزهر - غفر الله له فقال لي : إن عزم على الطلقة الثالثة فلا يتعجل يطلب منها أن تفتدي نفسها منه بمبلغ تدفعه له. ويخالعها. ويقينا هي كارهة لتصرفاته فلها أن تفتدي نفسها فإنما رغب في مراجعتها فالباب أمامه مفتوح لأن الخلع فسخ للعقد. فإذا رجع إليها رجع بثلاث طلقات. وليس بطلقة واحدة لأنه عقد جديد.
رحم الله علماء الأمة وأئمتها.
فما نجحت في شيء في حياتي إلا كان رحمه الله أستاذي الدكتور / عبد العال أحمد - بعد الله سببا في هذا النجاح.

(1/92)


الظهار
* كان الظهار طلاقا في الجاهلية.
* أوس بن الصامت أول من ظاهر.
* الظهار كذب وزور حذر الإسلام منه ، وعاقب عليه.
* المرأة تجادل النبي - صلى الله عليه وسلم - وسبحان من يسمعها من فوق سبع سماوات.
* متى تجب الكفارة ؟ وما هي ؟ والتنوع فيها رحمة.
* آيات الظهار دليل على نزول القرآن من عند الله والنبي - صلى الله عليه وسلم - يجتهد والله يراقب اجتهاده.

(1/93)


الظهار
التعريف الفقهي تشبيه الزوجة بأنثى لم تكن حلالاً ، وهذا التعريف في مذهب الشافعي وقد جاء حكمه وكفارته في مطلع سورة المجادلة {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
وكان الإيلاء والظهار طلاقا في الجاهلية فجعل القرآن الإيلاء مدة يراجع الزوج نفسه فيها {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (227 البقرة).
ومدة الإيلاء أربعة أشهر. وجعل القرآن الظهارة كفارة كما بينت سورة المجادلة.
* أول ظهار وقع في الإسلام.
عن هاشم بن عروة عن أبيه عن عائشة. أن وس بن الصامت كان رجلاً به لمم ، وكان إذا اشتد به لممه ظاهر من امرأته ، فنزل الله آية الظهار قال الخطابي ومعنى اللمم هنا شدة الإلمام بالنساء ، وشدة الحرص عليهن وشدة التوقان إليهن (عون المعبود في شرح سنن).
سبحان من سمع للمرأة.
قالت عائشة - رضي الله عنها "تبارك الذي وسع سمعه كلام خولة بنت ثعلبة ، وإني لأسمع بعض كلامها ويغيب عني بعضه.
وهي تقول : يا رسول الله أكل شبابي ، ونثرت له بطني ، حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكوا إليك.

(1/94)


وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لها : ما أراك إلا قد حرمتي عليه فنزل جبريل بمطلع سورة المجادلة.
الظهار كذب وزور
هكذا سماه القرآن فلا يباح فعله. ويتعلق الحكم الشرعي إن صدر الظهار من الزوج ولا حكم له إن صدر منها لانها لا تملك الطلاق فلا تملك الظهار. ورأي بعض الحنابلة أن عليها كفارة يمين.
ورجح أستاذي الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه "المفصل" أنه لا يلزمها كفارة.
* تكريم الإسلام للمرأة.
امرأة تجادل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يسمع لها ولا يضيق بها إن لي أولادا إن ضممتهم إلى جاعوا. وإن ضممتهم إليه ضاعوا.
والرسول يقول لها : لا أراك إلا قد حرمتي عليه. فترفع المرأة شكواها إلى الله ، وهو يسمعها ويراها.
أشهد أن هذا القرآن من عند الله.
أشهد ينتهي إليها كل من أعمل فكره الحر وجرد نفسه من هواه فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يردد : لا أراك إلا قد حرمتي عليه.
والقرآن ينزل بحل جديد للمشكلة.
في المجلس نفسه ينزل تشريع يختلف تماما عن رأي النبي - صلى الله عليه وسلم - عما كان العربي الجاهلية يعتقده ففي المسألة مغايرة بين الموحى إليه والموحي - سبحانه -
* وماذا عليها لو استجابت ؟
لا أعتب على السيدة خولة فقد لقيت ربها. وما حدث بسببها كان سببا في تشريع يحمل ملامح الرحمة فقد شرع الكفارة بدلاً من وقوع الطلاق.
واختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.
ولكنني أقول لكل زوجين : إن المعاشرة الزوجية استعداد نفسي من الطرفين لا بُدَّ أن يتهيأ كل طرف لها.
إن أوس دخل على خولة وهي تصلي فأجهده جسدها فامتنعت ليحكم الإنسان نفسه بعض الوقت حتى يتهيأ الطرف الآخر ومع ذلك فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يعالج الأمر بواقية الإسلام.

(1/95)


يقول إن الشيطان يقبل في صورة امرأة ويدبر ، فمن رأى من ذلك شيئا فليأت زوجته. فإن الذي لها مثل الذي لها "أبو داود"
متى تجب الكفارة ؟
هل تجب بقوله لامرأته : أنت على كظهر أمي أو أختي ؟
أو تجب الكفارة في العود عن هذا القول لقوله تعالى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} الرأي الذي عليه أكثر الأئمة أن العود بالعزم على وطئها هو الموجب للكفارة وللإمام إبن حزم رأي غريب وذكي في فهم الآية.
يقول : العود يعني العود في الظهار مرة ثانية بأن يكرر ما قاله مرة ثانية ويقول : ولا يعقل في اللغة غير هذا وهو بهذا التأويل يخالف كل الأئمة. (المحلي جزء 10 ص 50)
والذي عليه الأئمة أن الرجوع يعني طلبي وطئها بعد أن ظاهرها.
يقول الإمام القرطبي في تفسير الآية الكريمة "وهذا يدل على أن كفارة الظهار لا تلزم بالقول حتى نضم إليه العود" (أحكام القرآن للقرطبي جـ 7 صـ 280)
ومعنى هذا من قال لامرأته كلمة الظهار ثم احتجب عنها ولم يرغب في معاشرتها لا تلزمه الكفارة حتى تحدث الرغبة في معاشرتها فيكفر "يؤدي الكفارة"
كفارة الظهار
جعلها القرآن عتقا لرقبة من قبل أن يتماسا.
أو صوم شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا.
أو كفارة إطعام ستين مسكيناً.
فعند القدرة يتعين عتق الرقبة حيث قدمته الآية الكريمة.
وقدمه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه مع أوس بن الصامت.
الصوم

(1/96)


وعند عدم القدرة على الغداء تنتقل الكفارة إلى الصوم والصوم في كفارة الظهار شهران متتابعان.
وقد شددت فيه فتاوى الأئمة فحرموا فيه الجماع ليلاً من الزوجة التي ظاهر منها.
وإن جامعها أعاد الصيام.
ولكنهم قالوا : إذا أفطر لمرض أو لأمر شرعي كيوم عيد لا يمنع الإتمام
الإطعام
فمن غلب على ظنه عدم القدرة على الصيام لمرض أو لشدة رغبة في الحياة الزوجية تمنعه من الصبر شهرين فعليه إطعام ستين مسكيناً واحدا ستين يوم فقد تمت الكفارة. لأن الحاجة تجدد كل يوم.
لم يقبل ابن قدامى الحنبلي إطعام مسكين واحد ستين يوماً وقال : إن الله ذكر عدد المساكين ولم يذكر عدد الأيام.
وربما تعسر جمع ستين مسكينا في بعض بلادنا الآن.
أو الحصول على المكان الذي يجتمعون فيه.
وعند أبي حنيفة يجوز أن يجوز أن يأخذ المساكين ثمن الطعام وجبتان لكل يوم. ومذهب الأحناف أيسر.
**********
تّمَّ الكتاب ولله الحمد والمنَّة.

(1/97)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق