: وليد فائق الحسيني
-------------------------------
ويحصل بسبب هذا الأمر كلام كثير وربما تُهمٌ وإنكار وتشهير بأنه تغيير للشرع، وربما تصدر فتاوى ببطلان العبادات ونحو ذلك، وهذا مما لا ينبغي، ولا مبرر لكل ذلك..
وسنبين أقوال العلماء في مسألة اعتماد الرؤية أو الحسابات الفلكية على عجالة مع ذكر أدلتهم إن شاء الله..
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: وجوب رؤية الهلال وعدم اعتماد الحسابات الفلكية التي تتكلم قبل رأس الشهر عن ولادة الهلال وتحدد له يوما.
وهذا قول الجمهور، وبه قال الحنفية (المبسوط للسرخسي: 78/2) ، والمالكية (الذخيرة للقرافي: 493/2) والشافعية (المجموع للنووي: 270/6) والحنابلة (وبل الغمامة لابن قدامة المقدسي: 125/2)
القول الثاني: يجوز اعتماد الحسابات الفلكية، مع اختلاف وتفاصيل أصحاب هذا القول، ما بين جوازه في دخول الشهر او خروجه، ومابين وجود الغيم من عدمه، ونحو ذلك.
وهذا القول مروي عن ابن سريج ومطرف بن عبد الله بن الشخير وابن قتيبة وابن السبكي، ونسب ابن سريج هذا القول للإمام الشافعي، ولكن هذه النسبة لا تصح، فقد رد ابن عبد البر وابن حجر العسقلاني وغيرهم نسبة هذا القول للشافعي، وبينوا أن مذهبه هو مذهب الجمهور في وجوب الرؤية وعدم اعتماد الحسابات الفلكية.
الأدلة ..
*أدلة الفريق الأول:*
1- قوله تعالى : (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)
فمعنى (شهد) أي رأى، والآية واضحة في بيان طريقة إثبات الشهر ووجوب الصيام بالرؤية حصرا.
2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما)
وفي روايات أخرى (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن أغمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين) و (فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) وغيرها
والروايات في الصحيحين على اختلاف بينها في الالفاظ.
وجه الاستدلال أن النص جعل علامة الشهر رؤية الهلال، فإن لم يكن فإتمام الثلاثين، ولم يذكر طريقة ثالثة، وهذا في دخول الشهر وخروجه، فالروايات نصت على عدة شعبان ورمضان.
3- نقل غير واحد من العلماء إجماع الأمة على وجوب الرؤية قبل ظهور الخلاف، والإجماع لا يضره الخلاف بعده .
*أدلة الفريق الثاني:*
احتج القائلون بجواز الاعتماد على الحسابات الفلكية بأدلة، منها:
1- حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأقدروا له) رواه الشيخان.
وجه الاستدلال أن الحديث يصرح بذكر التقدير والحساب (فاقدروا له) فمتى ماتوفرت سبل الحساب والتقدير فنعمل بها، والنص حدد التقدير في حال عدم عدم الرؤية.
2- قوله تعالى (الشمس والقمر بحسبان) وجه الاستدلال أن الله تعالى خلق الشمس والقمر وأمرنا ان نتعلم كيف تجري ونحسب لها، ونقيس فيها السنين والدهور، كما في قوله تعالى (ولتعلموا عدد السنين والحساب) وقوله (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ماخلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون) .
3- حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين) رواه الشيخان
وجه الاستدلال هو أن النبي صلى الله عليه وسلم علل مسألة الاعتماد على الرؤية بعلة، وهي عدم معرفة الحساب، فإذا انتفت هذه العلة، وتمكنا من معرفة الحساب وصار عندنا يقين كيقيننا بالرؤية فيجوز عندئذ، فكيف إذا صار اليقين بها أقوى من الرؤية ؟
4- قياس إثبات الهلال على الشمس في تقدير دخول اوقات الصلوات الخمس، فالصلاة صارت في أغلب بقاع الأرض تعتمد على الحساب فقط دون مراقبة يومية لدخول وخروج وقت الصلاة، دون ان نرى نكيرا من علماء المسلمين عليها.
5- بالنسبة لحديث (صوموا لرؤيته) قالوا: كما ان لفظ (الرؤية) يعطي معنى (الرؤية الحاصلة)، فهي تعطي معنى (تحقق الرؤية) قبل وقوعها، فهذا اللفظ محتمل، كقوله تعالى مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم : (انك ميت وانهم ميتون) مع انه كان لا يزال حيا صلوات ربي وسلامه عليه، انما المعنى (ان موتك متحقق) ، فمتى كانت الرؤية للهلال متحققة فهي تعطي معنى (صوموا لرؤيته) اي اذا تحققتم من رؤيته.
والراجح من حيث الأدلة الصريحة والذي عليه جماهير الأئمة سلفا وخلفا هو الأول، بسبب قوة الأدلة ووضوح معناها وصراحتها .
لكن لا يعني هذا أن نصف من يفتي بالقول الثاني بأنه مبدل لحكم الله تعالى ومغير لنصوص الشريعة، فمادام مستندا على تعليل وفهم؛ فلا يحق لنا ان نحكم عليه بهذه الأحكام المجحفة، انما يكفي أن يقول من لا يرى هذا القول بأنه مرجوح وكفى.
*(حكم الحاكم يرفع الخلاف)*
عند اختلاف الأقوال فإن حكم الحاكم وقضاء القاضي يرفع الخلاف، فإذا حكم الحاكم المسلم او نائبه من قاض ونحوه في قضية خلافية فيجب اتباع الحاكم، والعهدة تكون عليه، غير أن الإمام مالكا رحمه الله لم يجز اتباع الإمام في هذه المسألة، أي مسألة اعتماد الحسابات الفلكية في دخول وخروج رمضان، كما ذكر الحطاب في مواهب الجليل (387/2)
وفي زماننا يكون اتباع الإمام اولى، والإمام هو الجهة الشرعية المخولة بتحديد دخول وخروج رمضان، وإلا لحدث اختلال واختلاف وفوضى لا ترضاها الشريعة، وتكون مفسدة اقوى من قضية تقديم المرجوح على الراجح، فعند وجود ضررين يعمل بأخفهما، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لذلك فمن عاش في دولة مسلمة فيجب عليه اتباع حكم الجهات المعنية في دخول الأشهر وخروجها .
والله أعلم
----------------
---------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق