حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة .... سنة أم سياسة؟!
في البداية نودّ أن نعرف درجة الحديث الذي وضعوا كلّ ثقلهم عليه ، واستندوا عليه في تضليلهم للأمة الإسلامية – بما فيهم خير الدعاة والأئمة وأفضلهم .
وكأنه هو حديث متواترٌ ، لاشك في صحته ، وأنه صادر – بلا ريب – من رسول الله ﷺ ، فمن ردّه ولم يأخذ به ، ولم يعترف بصحة صدوره عن رسول الله ﷺ ، فهو قد ردّ على رسول الله ﷺ ، وخالفه وعصاه !
ففيه كلام كثير في ثبوته وفي دلالته .
أ - فأول ما ينبغي أن يعلم هنا أن الحديث لم يرد في أي من الصحيحين ، برغم أهمية موضوعه ، دلالة على أنه لم يصح على شرط واحد منهما
وما يقال من أنهما لم يستوعبا الصحيح ، فهذا مسلم ، ولكنهما حرصا أن لا يدعا بابا مهما من أبواب العلم إلا ورويا فيه شيئا ولو حديثا واحدا .
ب - إن بعض روايات الحديث لم تذكر أن الفرق كلها في النار إلا واحدة ، وإنما ذكرت الإفتراق وعدد الفرق فقط . وهذا هو حديث أبي هريرة الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وفيه يقول :
" افترقت اليهود على إحدى ـ أو اثنتين ـ وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على إحدى ـ أو اثنتين ـ وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " .
والحديث ـ وإن قال فيه الترمذي : حسن صحيح ، وصححه ابن حبان والحاكم ـ مداره على محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، ومن قرأ ترجمته في " تهذيب التهذيب " ، علم أن الرجل متكلم فيه من قبل حفظه ، وإن أحدا لم يوثقه بإطلاق وكل ما ذكروه أنهم رجحوه على من هو أضعف منه .
ولهذا لم يزد الحافظ في التقريب على أن قال : صدوق له أوهام .
والصدق وحده في هذا المقام لا يكفي ما لم ينضم إليه الضبط ، فكيف إذا كان معه أوهام ؟ ؟ !
ومعلوم أن الترمذي وابن حبان والحاكم من المتساهلين في التصحيح ، وقد وصف الحاكم بأنه واسع الخطو في شرط التصحيح .
وهو هنا صحح الحديث على شرط مسلم ، باعتبار أن محمد بن عمرو احتج به مسلم ، ورده الذهبي بأنه لم يحتج به منفردا ، بل بانضمامه إلى غيره .
على أن هذا الحديث من رواية أبي هريرة ليس فيه زيادة : أن الفرق " كلها في النار إلا واحدة " وهي التي تدور حولها المعركة .
وقد روي الحديث بهذه الزيادة من طريق عدد من الصحابة : عبد الله بن عمرو ، ومعاوية ، وعوف بن مالك وأنس ، وكلها ضعيفة الإسناد ، وإنما قووها بانضمام بعضها إلى بعض .
والذي أراه أن التقوية بكثرة الطرق ليست على إطلاقها ، فكم من حديث له طرق عدة ضعفوه ، كما يبدو ذلك في كتب التخريج ، والعلل ، وغيرها !
وإنما يؤخذ بها فيما لا معارض له ، ولا إشكال في معناه .
وهنا إشكال أي إشكال في الحكم بافتراق الأمة أكثر مما افترق اليهود والنصارى من ناحية ،
وبأن هذه الفرق كلها هالكة وفي النار إلا واحدة منها .
وهو يفتح بابا لأن تدعى كل فرقة أنها الناجية ، وأن غيرها هو الهالك ، وفي هذا ما فيه من تمزيق للأمة وطعن بعضها في بعض ، مما يضعفها جميعا ، ويقوي عدوها عليها ، ويغريه بها .
ولهذا طعن العلامة ابن الوزير في الحديث عامة ، وفي هذه الزيادة خاصة ، لما تؤدي إليه من تضليل الأمة بعضها لبعض ، بل تكفيرها بعضها لبعض .
قال رحمه الله في " العواصم " وهو يتحدث عن فضل هذه الأمة ، والحذر من التورط في تكفير أحد منها ،
قال : وإياك والاغترار بـ " كلها هالكة إلا واحدة " فإنها زيادة فاسدة ، غير صحيحة القاعدة ، ولا يؤمن أن تكون من دسيس الملاحدة .
قال : وعن ابن حزم : إنها موضوعة ، عير موقوفة ولا مرفوعة ،
وكذلك جميع ما ورد في ذم القدرية والمرجئة والأشعرية ، فإنها أحاديث ضعيفة غير قوية .
ج - إن من العلماء قديما وحديثا من رد الحديث من ناحية سنده ، ومنهم من رده من ناحية متنه ومعناه .
فهذا أبو محمد بن حزم ، يرد على من يكفر الآخرين بسبب الخلاف في الإعتقاديات بأشياء يوردونها .
وذكر من هذه الأشياء التي يحتجون بها في التكفير حديثين يعزونهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هما :
1 . " القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة " .
2 . " تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة ، كلها في النار حاشا واحدة ، فهي في الجنة " .
قال أبو محمد : هذان حديثان لا يصحان أصلا من طريق الإسناد ، وما كان هكذا فليس حجة عند من يقول بخبر الواحد ، فكيف من لا يقول به ؟
وهذا الإمام اليمني المجتهد ، ناصر السنة ، الذي جمع بين المعقول والمنقول ، محمد بن إبراهيم الوزير يقول في كتابه " العواصم والقواصم " أثناء سرده للأحاديث التي رواها معاوية رضي الله عنه ، فكان منها
( الحديث الثامن ) : حديث افتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة ، كلها في النار ، إلا فرقة واحدة ،
قال : وفي سنده ناصبي ، فلم يصح عنه ، وروى الترمذي مثله من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقال : حديث غريب .
ذكره في الإيمان من طريق الإفريقي واسمه عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن يزيد عنه .
وروى ابن ماجه مثله عن عوف بن مالك ، وأنس .
قال : وليس فيها شيء على شرط الصحيح ، ولذلك لم يخرج الشيخان شيئا منها .
وصحح الترمذي منها حديث أبي هريرة من طريق محمد بن عمرو بن علقمة ، وليس فيه " كلها في النار إلا فرقة واحدة " وعن ابن حزم : أن هذه الزيادة موضوعة ذكر ذلك صاحب " البدر المنير " .
وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى في سورة الأنعام ( أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ) ، وقد ورد في الحديث المروي من طرق عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار ، إلا واحدة " ولم يزد على ذلك فلم يصفه بصحة ولا حسن ، رغم أنه أطال تفسير الآية بذكر الأحاديث والآثار المناسبة له .
وذكر الإمام الشوكاني قول ابن كثير في الحديث ثم قال :
قلت : أما زيادة " كلها في النار إلا واحدة " فقد ضعفها جماعة من المحدثين ، بل قال ابن حزم : إنها موضوعة .
على أن الحديث ـ وإن حسنه بعض العلماء كالحافظ ابن حجر ، أو صححه بعضهم كشيخ الإسلام ابن تيمية بتعدد طرقه ـ لا يدل على أن هذا الافتراق بهذه الصورة وهذا العدد ، أمر مؤبد ودائم إلى أن تقوم الساعة ، ويكفي لصدق الحديث أن يوجد هذا في وقت من الأوقات .
فقد توجد بعض هذه الفرق ، ثم يغلب الحق باطلها ، فتنقرض ولا تعود أبدا .
وهذا ما حدث بالفعل لكثير من الفرق المنحرفة ، فقد هلك بعضها ، ولم يعد لها وجود .
ثم إن الحديث يدل على أن هذه الفرق كلها جزء من أمته صلى الله عليه وسلم أعني أمة الإجابة المنسوبة إليه ، بدليل قوله : " تفترق أمتي "
ومعنى هذا أنها ـ برغم بدعتها ـ لم تخرج عن الملة ، ولم تفصل من جسم الأمة المسلمة .
وكونها ( في النار ) لا يعني الخلود فيها كما يخلد الكفار ، بل يدخلونها كما يدخلها عصاة الموحدين .
وقد يشفع لهم شفيع مطاع من الأنبياء أو الملائكة أو آحاد المؤمنين وقد يكون لهم من الحسنات الماحية أو المحن والمصائب المكفرة ، ما يدرأ عنهم العذاب .
وقد يعفو الله عنهم بفضله وكرمه ، ولا سيما إذا كانوا قد بذلوا وسعهم في معرفة الحق ، ولكنهم لم يوفقوا وأخطئوا الطريق ،
وقد وضع الله عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] .
ويُضاف إلى ضعف أسانيد هذه الأحاديث ، واختلاف المحدّثين حولها ؛ أي : لم تثبت هذه الأحاديث بدون إشكالات عليها ، ولم يتّفق المحدّثون على تصحيحها ، يُضاف إلى ذلك : أنها تخالف القرآن الكريم من ناحية معانيها !
فالله سبحانه وتعالى يقول : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) .
[ يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ فَقَالَ : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } .
قَـالَ الْبُخَـارِيُّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مَيْسَرة ، عَنْ أَبِـي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ ] .
بينما هذه الأحاديث تقول : كنتم شرّ أمّة أخرجت للناس ، واليهود والنصارى أفضل منكم ، وخير منكم !
فاليهود إفترقت على إحدى وسبعين فرقة .
والنصارى إفترقت على اثنتين وسبعين فرقة .
بينما أمّة محمد افترقت على ثلاث وسبعين فرقة ، فهي شرّ الأمم !
أيريدون إثبات أفضلية اليهود والنصارى على الإسلام ، بإلحاحهم على تصحيح هذا الحديث ؟ !
أم أنّهم موجّهون من حيث لا يدرون ؟ !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق