السبت، 29 يونيو 2024

معالم التجديد عند الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله

 

معالم التجديد عند الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله

معالم التجديد عند الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله

معالم التجديد عند الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله

فائز شبيل

الوحدة الشرعية -مركز المجدد للبحوث والدراسات

مقدمة:

لطالما سمع طلاب العلم باسمه واجتهاداته وجهاده وتجديده، ولطالما تابعه الناس في برامج الفتاوى وفي الشريعة والحياة، كانت كتبه وما زالت من المراجع المحققة والدقيقة، وأهمها كتاب الزكاة.

كرس حياته في خدمة الإسلام والمسلمين والأمة، والعيش والتفكير في قضاياها الكبرى.

تفكير متواصل وإنتاج مستمر، وحياة مع الأمة في كل مراحلها وأطوارها.

بحث وتدقيق، ونفس طويل، وسهر الليالي، وتقليب للكتب، وكتابة ونسخ وتعليق وتحليل وبحث وراء الحق.

حشْد الأدلة وتمحيصها دلالة وسندا، ودراسة الواقع وتحقيق المناط، وسبر الأقوال، والنظر إلى المقاصد الكلية، والاعتماد على الأصول والقواعد، ومراعاة حال السائل وظرفه.

قلمٌ سيَّال، وتأليف نافع، ولسان صادق، وشعر ساطع، ومواقف مشرفة، ورجوع إلى الحق، قال: كان علماء الحجاز أكثر فهما مني ومعرفة بالخطر الرافضي([1]).

عالم الوسطية  )وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ ‌أُمَّةٗ ‌وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ( [البقرة: 143]، قال رحمه الله: وقد نذرت لهذا المنهج نفسي وعمري، وأعطيته فكري ووجداني، ودعوت إليه بلساني وقلمي: إذا حاضرت أو خطبت، وإذا فقّهت أو أفتيت، وإذا علَّمت أو ربَّيت، في كل آليات اتِّصالي بالناس: على المنبر في المسجد، أو في قاعة المحاضرة، أو في حلبة التأليف، أو على شاشات الفضائيات، أو على الأنترنت([2]).

صاحب التجديد في الفكر والفقه، والتعلق بالعلم والتعليم والتدريس، والكتابة والتأليف بما يتجاوز مئة كتاب([3]).

صاحب المواقف الحاسمة والجازمة في الملف الفلسطيني والأقصى، وميله إلى جانب الشعوب المقهورة والمظلومة، في زمن تساقط الكثير من العلماء على أبواب الظالمين والمعتدين، وكان يستطيع أن يجني مالا أو جاهلا أو سلطة ومنصبا كحال غيره، ولكنه آثر الحرية والكرامة والوقوف مع الحق، وإن حصل لها ابتلاء أو ظلم أو جور أو احتقار أو تضييق، فهذا حال الحياة الدنيا، فهي دار ابتلاء وتمحيص، حتى يعلم الله من يصدق ممن يجبن ويخور ويضعف.

معالم التجديد في مسيرة الشيخ القرضاوي:

يرى الشيخ القرضاوي أن التجديد مطلوب في الأمة، بل هو أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة ‌من ‌يجدد لها دينها”([4]).

ويرى رحمه الله أن التجديد لا بد أن يستند على ماضي الأمة وأصولها الثابتة، الكتاب والسنة وفهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان، ولا بد في التجديد من محاور وهي:

  1. الاحتفاظ بجوهر القديم، وإبراز طابعه وخصائصه.
  2. ترميم ما بلي منه، وتقوية ما ضعف من أركانه.
  3. إدخال تحسينات عليه، لا تغير من صفته، ولا تبدل من طبيعته”([5]).

ويقول أيضاً: ولا يعني تجديده: إظهار طبعة جديدة منه ولا هدمه وتبديده، بل يعني: العودة به إلى حيث كان في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – وصحابته، ومن تبعهم بإحسان”([6]).

وقد تجلى التجديد في مسيرة الشيخ القرضاوي رحمه الله في عدة محاور وهي:

معلم التجديد الفقهي والبحث العلمي:

تميز الشيخ القرضاوي بطول النفس، والمرابطة في التحقيق والبحث عن الحق، وخير دليل على هذا كتبه الفقهية وإنتاجاته الفكرية والعلمية.

معلم الاجتهاد الجماعي([7]):

كانت أكثر آراء الشيخ القرضاوي تعرض في مجمع الفقه الإسلامي فهو نموذج حي للاجتهاد الجماعي، ولذا قال رحمه الله: الاجتهاد الذي نحتاج إليه في عصرنا هو «الاجتهاد الجماعي» الذي يقوم في صورة مجمع فقهي عالمي، يضم الكفايات العلمية العالية، ويصدر أحكامه بعد دراسة وفحص، بشجاعة وحرية. ومع هذا أؤكد أنه لا غنى عن الاجتهاد الفردي الذي ينير الطريق أمام الاجتهاد الجماعي”([8]).

معلم الاتزان والوسطية الشرعية:

تميز الشيخ القرضاوي في تمسكه بالوسطية الشرعية لا الغربية، والمنهج الشرعي المتزن في كل مجالاته ومواقفه، سواء في التأليف أو الفتاوى أو المواقف أو الخطب أو غيرها، ولذلك يقول: فقد وفقني الله تعالى -منذ دخلت ميدان الدعوة والإفتاء والتعليم- بفضله ومنَّته، إلى الالتزام بالمنهج الوسطي المجدِّد المتوازن، الذي يمثل منهج الأمة الوسط، كما سمَّاها كتاب الله الكريم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} (البقرة:143) بعيداً عن تحريف الغالين المتنطعين، وتزييف المتسيّبين المفرّطين. وهو منهج النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} (الفاتحة:6-7)، وهو الدعاء القرآني الذي يجب على كل مسلم أن يكرره في صلواته كل يوم سبع عشرة مرة على الأقل إذا اقتصر على الفرائض”([9]).

معلم التيسير والتخفيف:

من المعالم الظاهرة في سيرة الشيخ القرضاوي هي تحسسه لمواطن التيسير ورفع الحرج على الأمة، وإحياء هذه القاعدة في هذا الزمن الأمور الهامة التي وفقه الله لها، قوله تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا). ويقول: (إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين). ويقول: (إنما بعثت بحنيفية سمحة). وكان منهجه التخفيف والتيسير في الفتاوى، والتخفيف والتيسير في إيصال العلم لعوام المسلمين.

معلم الشمولية:

قد ينشغل العالم في بعض التخصصات ويطغى بعضها على بعض، ولكن ما برز فيه الشيخ القرضاوي هو الشمول في الدعوة والشمول في التأليف والشمول في البناء العلمي والمعرفي، ويكفي لتتضح الصورة قراءة العناوين التي كتب وألف، فمنها ما يتعلق بالعبادة ومنها ما يتعلق بالغرب والعلمانيين، ومنها ما يتعلق بالمرأة المسلمة، والشباب، ومنها ما له صلة بالشعر والأدب ومنها ما له صلة الإيمان والتوكل على الله، وغير ذلك الكثير في شتى المجالات.

معلم تعظيم السنة وجعلها الركن الثاني بعد القرآن في الاستدلال:

فقد كان يعتمد على الحديث النبوي، ثم يبحث في صحيحه من ضعيفه، ويتحرى ذلك، وكان يرجع ويسأل أهل الاختصاص في معرفة الحكم على بعض الأحاديث، ثم ينطلق إلى معرفة معانيه ودلالاته حتى يتعرف على مطلقه من مقيده، وعامه من خاصه([10]).

معلم النقد والتصحيح للعلم الحركي الإسلامي:

وقد تجلى هذا الاتجاه النقدي البناء المنصف في عدد من كتبه وبحوثه ومقالاته ومحاضراته، ولقاءاته الصحفية. كما في كتاب “الحل الإسلامي فريضة وضرورة” الباب الأخير منه، ومقالات مجلة الأمة تحت عنوان “أين الخلل؟” وقد جمعت في رسالة مستقلة، وكتاب “أولويات الحركة الإسلامية”. قدمته سلسلة كتاب الأمة في كتابها الأخير: “فقه الدعوة: ملامح وآفاق” الذي جمعت فيه مجموعة حوارات “الأمة” مع كبار العلماء والمفكرين المسلمين، وكان حوارها معه حول: الاجتهاد والتجديد بين الضوابط الشرعية حاجات العصر”. ويرى أن الصحوة الإسلامية تمثل فصائل وتيارات متعددة كلها تتفق في حبها للإسلام، واعتزازها برسالته، وإيمانها بضرورة الرجعة إليه، والدعوة إلى تحكيم شريعته، وتحرير أوطانه، وتوحيد أمته. ويعتبر أهم تيارات الصحوة وأعظمها هو التيار الذي أسماه “تيار الوسطية الإسلامية” لأنه التيار الصحيح القادر على الاستمرار، ذلك أن الغلو دائما قصير العمر وفقاً لسنة الله. ويرى أن أهم المحاور التي يقوم عليها هذا التيار، والمعالم التي تميزه:

  1. الجمع بين السلفية والتجديد.
  2. الموازنة بين الثوابت والمتغيرات.
  3. التحذير من التجميد والتجزئة والتمييع للإسلام
  4. الفهم الشمولي للإسلام([11]).

وهذا أحرف سريعة حاول الباحث سرد أهم ما يميز الشيخ القرضاوي من ناحية التجديد، وقد سبق الكثير من العلماء الأفذاذ الحديث عنه والكتابة فيه، وقد جمع كتاب ضخم لبيان مكانة الشيخ القرضاوي بما بقارب 1000 صفحة عندما بلغ الشيخ السبعين من عمره فمن أحب الاستزادة فعليه بالرجوع له.

والحمد لله

الهوامش والمراجع

([1]) https://2u.pw/N171W، على اليوتيوب تاريخ الزيارة: 26-9-2022م.

([2]) موقع القرضاوي على الرابط: https://2u.pw/eOdAS، تاريخ الزيارة: 26-9-2022م.

([3]) https://2u.pw/AYPEW.

([4]) أخرجه أبو داود، (4291) والحاكم في المستدرك، (4/ 567) من حديث أبي هريرة، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم، (599).

([5]) الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد، للدكتور يوسف القرضاوي، ط: 2، مكتبة وهبة، القاهرة (1424هـ)، (ص 29 – 30).

([6]) من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا، للدكتور يوسف القرضاوي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط: 1، 1998 م، (ص 28)

([7]) التجديد في فكر الشيخ القرضاوي، لمعمر محمد أمين، (ص: 72).

([8]) على صفحته في تويتر: https://2u.pw/jNj5D، تاريخ الزيارة: 26-9-2022م.

([9]) https://2u.pw/eOdAS.

([10]) انظر شريعة الإسلام صالحة للتطبيق للشيخ القرضاوي (ص: 91).

([11]) التجديد في فكر الشيخ القرضاوي، لمعمر محمد أمين، (ص: 132).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق