الخميس، 16 يناير 2025

"فهم الإسلام في ظلال الأصول العشرين" للإمام الشهيد حسن البنا - الاصل الرابع.

 

الأصل الرابع

المنكر التي يجب محاربته

"والتمائم والرقى والودع والرمل والكهانة وادعاء معرفة الغيب وكل ما كان من هذا الباب منكر تجب محاربته إلا ما كان آية من قرآن أو رقية مأثورة "

تكلمنا من قبل عن قول الإمام ابن القيم t:"إن للا إله إلا الله قلب وقالب"، فقالبها علمها وهذا يشترك فيه المؤمن والكافر على حد سواء ثم قال أما قلبها فهو أثرها وهذا هو الذي يتميز به المسلم عن غيره.

ولذلك ركز الإمام البنا على أثر لا إله إلا الله في بناء الرجال، فالتركيز على أثر العقيدة في البناء والتربية أمر من الأهمية بمكان إلا أن الإمام البنا رضوان الله عليه وأرضاه لفت نظرنا إلى أن حركة القلب قد تتجه اتجاهاً خاطئاً حين تعتمد على الإلهام والخواطر والكشف والرؤى وهي أمور تتصل بالقلب والتي قد تحدث التأثير الخاطئ البعيد عن تأثير عقيدة لا إله إلا الله المطلوبة، أما الكشف والرؤى والخواطر فهي من الأمور التي لا يعتد بها البتة .

والذي نريد أن نؤكد عليه هو أن الإلهام لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يعتد به إذا اصطدم بقاعدة شرعية أو نص صريح من نصوص الدين، ولذلك كان هذا الأصل الذي يوضح هذه المعاني ويركز على حماية التوحيد والعقيدة من أن يشوبها شائبة وأن لله I سنن مبثوثة في الكون والإنسان والحياة فيجب أن تراعى هذه السنن وأن توضع في موضعها دون إهمال ودون إفراط أو تفريط.

فرعاية سنن الله في الخلق والاجتماع البشرى واحترام نظم الأسباب والمسببات فإذا كان من سنن الله التداوى فذلك لا يتعارض مع الرقى الشرعية التي علمنا الرسول r إياها بعيداً عن الشركيات والمناكير.

ولذا فقد ارتكز هذا الأصل على قاعدتين في غاية الأهمية :

1-القاعدة الأولى وهى تجريد التوحيد لله I حتى لا نركن للأسباب، نحن نأخذ بالأسباب ولكن لا نعتقد في أنها هي التي تفعل بل الله I هو الذي يفعل فإذا أخذنا بالأسباب كما أمرنا الله اعتقدنا فإننا يجب علينا أن نعتقد بأن الشافي هو الله وليس الرقية حتى نجرد التوحيد من أى شيء شابه أو لحق به إلا أن يكون لله I لأن من الإيمان أن نعتقد أن الضار والنافع هو الله I والذين من دونه لا يملكون لا حياة ولا موتاً ولا نشورا ويقول ربنا (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) (قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ) .

2- القاعدة الثانية وهى رعاية سنن الله تعالى في الخلق والحياة والإنسان واحترام نظام الأسباب والمسببات لتنقية التوحيد مما لحق به من شوائب من الدَخَن والدَخَل هذا هو الأمر الأول.

والأمر الثانى أننى أرعى الأسباب والمسببات ولابد من الأخذ بها عبادة لله I -كما قلنا- لأنه شاع جو من الشرك والوثنية حينما دب الضعف في الجسد المسلم فدخل الدجالون بالشعوذة والسحر والكهانة والاتصال بالجان ولا أقول قديماً بل وحديثاً، وانتشرت الأباطيل والخرافات مما أحدث خللاً في فهم العقيدة ومنكراً في المجتمع يجب محاربته، فتصدى العلماء لهذه المنكرات والتي منها التمائم والرقى والودع والرمل والكهانة وادعاء معرفة الغيب وكل ما كان من هذا الباب.

قواعد وأصول محاربة المنكر:

هذا الأصل يعتبر استكمالاً للأصل الثالث فهو ينفى من مصادر التشريع ما ليس منها، ليتحدد الفهم السليم تحديداً دقيقاً، ولقد تعرض الإمام البنا لهذه الأمور لأنها كانت منتشرة في زمانه فكان من الطبيعي أن يقدم العلاج لمشاكل عصره وزمانه.

والغريب أن بعض الناس حتى يومنا هذا يدَّعون معرفة الأسرار والغيبيات ومع  تقدم العلم وانتشاره إلا  أن بعضهم تراه يتشاءم من أماكن معينة وأيام محددة بل وأشياء بعينها وهذا لون من الجهل حاربه الإسلام منذ نزوله ووجه العباد إلى الله وحده كي يعتمدوا عليه في تذليل ما قد يعترضهم (قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام :71

حب الإنسان لمعرفة الغيب:

يرجع حب الإنسان لمعرفة الغيب إلى أمرين يتملكان الإنسان:

أولاً- رغبته الملحة في سرعة اكتشاف الغيب وخاصة فيما يتعلق بمستقبله ومستقبل من يتصل به (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ) (وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً). 

ثانياً-خوفه الشديد من اعتراض ما يعوقه عن أهدافه التي يتجه إليها ويعزم عليها ولذلك أخذ يتسمع لما يجرى بين الناس من الوهم والخيال عن طريق معرفة الغيب في خيره وشره، وهذا قدح في التوكل والتفويض لله I فما على الإنسان إلا أن يأخذ بالأسباب ثم يتوكل على (الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ، الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ،وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) ومن هنا وجب البعد عن الوهم والخيال.

ومن هذه الطرق الشاذة: الولاية، الكهانة، التنجيم، ضرب الحصى، والودع، وخطوط الرمل، الفنجان، المندل، استخارة المسبحة، استخارة القرآن، التشاؤم بالزمان والمكان سواء كان في الساعة أو اليوم أو الشهر أو الأشخاص والأشياء والكلمات وأضغاث الأحلام وأضف إلى كل هذا تحضير الأرواح وحظك اليوم في زماننا هذا.

وهذا الدجل وهذه الشعوذة التي أشرنا إليها تعطل الأعمال وتهمل سنن الله التي وضعها للسعادة والشقاء وتتعامى عن الأخذ بالأسباب فكم من ابنة منعوها من الزواج دجلاً وكم من تاجر قعد عن السفر وأهمل تجارته اعتماداً على نبوءة دجال كاذب وكم من مريض أهمل الأطباء والعلاج وأخذ بهذه الشعوذات والخزعبلات وكم تنشر الصحف والمجلات من هذا الدجل الكثير وهى التي يفترض فيها أن تكون مصدراً للثقافة والعجيب أننا سمعنا عن قرارات سياسية في دول عظمى صدرت بعد استشارة منجمة كان يستشيرها الحاكم الأمريكي.


موقف الإسلام من التشاؤم:

لقد أنكر الإسلام التشاؤم، ونهى عنه بشكل قاطع وبين أنه لا يجوز أبداً للمسلم أن يتشاءم، كما تشاءم قوم موسى (فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ) [الأعراف:131] أو تشاؤم قوم صالح الذين (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ) [النمل :47] أو تشاؤم أهل القرية برسلهم (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ) [يس:18] فكان الرد عليهم أن الشر جاء من قبلكم ومن عند أنفسكم بكفركم وعنادكم وإهمالكم سنن الله (أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ) [الأعراف:131]

والغريب أن هؤلاء المتشائمين يستشهدون بالقرآن للتدليل على صوابهم في مثل قوله تعالى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ) [فصلت:16] (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ) [القمر:19] (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) [الحاقة:7]

إن الإمام الألوسي وضح هذا اللبس الذي لديهم وهذا الفهم المعكوس حين تسائل عن قول الله تعالى (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) فقال فإذا كانت نحوسة الأيام لذلك فقل لى : أى يوم من الأسبوع خلا منها، والحق كما قال إن كل الأيام سواء ولا اختصاص ليوم بنحوسة ولا لآخر بسعد وأنه ما من ساعة من الساعات إلا وهى سعد على شخص ونحس على آخر باعتبار ما يقع فيها من خير على هذا ومن شر على ذاك وهكذا.

الغيب:

والإنسان المسلم من صفاته أنه يؤمن بالغيب وهو ما استتر عنه وغاب عنه وهو لا يستطيع أن يتوصل للغيب إلا وحياً لأنه لا يعرف شيئاً عن الغيب إلا عن طريق الوحى فإذا كنا نؤمن بالغيب فإننا نؤمن به لأنه جاء من عند الله I فعندما يخبرنا القرآن ويكلمنا عن الملائكة فنحن نؤمن بها بالرغم من أنها غيب بالنسبة لنا وإيماننا بها يرجع إلى تصديقنا بالكتاب والسنة لأنه لا يمكن أبداً للمسلم أن يؤمن بالغيب إلا  عن طريق الكتاب والسنة المطهرة التي بينها رسول الله r .

والذي نريد أن نؤكد عليه أن الفرق بين الإنسان والحيوان هو الإيمان بالغيب، والإيمان بالغيب أمر حسي ومعنوي يدركه الإنسان بعقله وإن كان لا يصل إليه يشعر أن وراء هذا الكون الكثير مما يغيب عنه والعلماء يبذلون كل الجهد ليدركوه وذلك من خلال سنة من سنن الله التي تتكشف لهم عن طريق العلم، ومهما اكتشفوا فسيستمر قول الله (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) فكلما اكتشفوا سنة من سنن الله المبثوثة في الكون بحثوا عن غيرها لحاجتهم إليها بالرغم من كل ما اكتشفوه فستبقى هناك أمور لا يدركها العقل،هذا هو الإدراك  الحقيقي يقول سيدنا على t كلمة لطيفة في هذا المعنى وهى: (عدم الإدراك إدراك) فاعترافى بعجزى عن إدراك ما في الكون هو الإدراك بعينه (عرفت ربى بربى ولولا ربى ما عرفت ربى ) نحن لم نعرف الله بعقولنا فحسب، يمكن أن نكون قد عرفنا التوحيد ووصلنا إليه بعقولنا (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) ( قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) كل هذه قضايا عقلية  وبعد كل ذلك يتساءل العقل أسئلة كثيرة : ماذا يريد ربنا ؟ ماذا يحب ؟ماذا يكره ؟ ماذا بعد الموت؟ إلى آخر هذه الأسئلة.

أسئلة كلها عقلية تريد إجابة ولا يستطيع العقل أن يجيب عنها فيأتي الوحي فيجيب عن هذه الأسئلة ولذلك سيأتى يوم يقول ويعرف السائل الهدى ويمسك لسانه ويحترم عقله وسيرى من أنكروا وجود الإله يوم القيامة وهم يقولون (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ) فإذاً إدراك وجود المجهول أمر لا يستطيع أن ينكره عاقل ولكن محاولة إدراك العقل لهذا الغيب لون من ألوان العبث ، لماذا؟ لأن استخدام الحاسة في غير ما خلقها الله له لون من ألوان العبث فعلاً فالأذن مهمتها السمع فلا يمكن أن نسأل لماذا لا ترى ؟ بل إن حاسة السمع نفسها لها مدى معين لا تستطيع أن تسمع ما فوقه وما دونه، فالعقل نفسه حاسة خلقها ربنا I للإنسان لكن في إدراك الماديات والعلاقات بين الأمور بعضها ببعض أما ما وراء المادة فلا يملك العقل إلا التسليم به إن آمن بربه واهتدي (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) حتى ولو كان هذا الأمر غير معقول المعنى.

فصلاة الصبح ركعتان والعقل يقول الزيادة أفضل فهل نستطيع أن نصليها أربع أو خمس كلا إنه التسليم لأمر الله فالغيب أمر اختص الله به نفسه أو من ارتضى من رسول (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) ولذلك فإن رسول الله r أمره الله I بأن يقول (لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ)

والإيمان بالغيب صفة من صفات المؤمنين(يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة) فهم يصدقون بما غاب عنهم وما لم تدركه حواسهم من البعث والجنة والنار والصراط والحساب وغير ذلك مما أخبر عنه القرآن أو النبى صلى الله عليه وسلم

يقول تعالى (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان:34] .

وصدق الله القائل (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ) [الجن:26-27]، لذا وجدنا يوسف عليه السلام يقول لصاحبى السجن (لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) [يوسف:37]، وترى اعتراف الجن بعجزهم حين خر سيدنا سليمان (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) .

فيجب على المسلم أن يفرق بين ما يخبر به الوحي من غيب من عند الله نزل به الروح الأمين وبين من يخبر به من المشعوذين والدجالين عن طريق الكهانة والعرافة والدجل والشعوذة ، فالتصديق بالأول إيمان وأما التصديق والإيمان من هؤلاء المشعوذين شرك قد يؤدي إلى الكفر، يقول الرسول r :"من أتى عرافاً سأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً " رواه مسلم ،ويقول:" من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " رواه الترمذي .

أبعد هذا يدعى مدع أنه يعلم الغيب ...إنه لكاذب بل يفتري على الله الكذب.

لهذا فإننا سنبين بوضوح ما هي التمائم، والرقى، والكهانة، والسحر، التي أشار إليها الإمام البنا في هذا الأصل.

ما هي التميمة ؟

عرفها العرب في الجاهلية وهى عبارة عن  خرزة يعلقها العربى في رأسه أو رقبته لتدفع عنه الضر والشر ومن التمائم أيضاً ما يُعلق على الأبواب مثل الكفين الأزرقين والخرزة الزرقاء وما يعلق في السيارة وغيرها، وكانوا يعتقدون في الخرزة بينما لا يعتقدون في الله النافع الضار، كما كانوا يعتقدون في العين والحسد وأن تعليق مثل هذه الأشياء تدفع عنهم الضرر، ولا يصبهم أذى بفضلها يقول المولى I (قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) [الزمر:38] وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر مرفوعاً "من علق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له" وفى رواية "من تعلق تميمة فقد أشرك" والمعنى من علق هذه الأشياء متعلقاً بها قلبه في طلب خير أو دفع شر فلا أتم الله له، وهو دعاء عليه بعدم حصوله ما أراد.

ولقد بين لنا الرسول r أن هذا الأمر لون من ألوان الشرك ، يقول الإمام أحمد في مسنده عن عقبه بن عامر أن الرسول r أقبل إليه رهط يبايعونه فبايع تسعة وترك العاشر ، فقالوا له : يا رسول الله بايعت تسعة وتركت هذا،قال إن عليه تميمة فأدخل يده فقطعها فبايعه الرسول r وقال :من علق تميمة فقد أشرك "، ويقول r :"من علق تميمة فلا أتم لله له" أى لا أتم الله له ما أراد ،" ومن علق ودعة فلا ودع الله له " أى لا جعله الله في دعة وسكون ولقد ذكر العلماء حكم التميمة أنها لون من ألوان الشرك يربأ المؤمن عن فعله، وعن عمران بن حصين أن الرسول r رأى في يد رجل حلقة فقال : ما هذا ؟ قال اتخذتها من الواهنة (الواهنة عرق في القدم أو اليد يصيب الإنسان بشيء من المرض) قال :ما تزيدك إلا وهناً انبذها عنك فإنك إن مت وهى عليك وكلت إليها".

إلى هذا الحد يكره الرسول r ويأمر الرجل بأن ينزع هذه عن يده لأنه يعتقد أنها سبب في شفائه ، وفى رواية أخرى في مسند الإمام أحمد " إن مت وهى عليك ما أفلحت أبداً " وفى الآية القرآنية (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ) وفى الصحيحين عن أبى بشر الأنصارى أنه كان مع رسول الله r في بعض أسفاره فأرسل رسولاً ألا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر إلا قطعت " متفق عليه .

ويذكر الإمام بن الجوزى أن هناك ثلاثة أقوال في هذا الموضوع (البعير) فيقول:

1-كانوا يضعونها خشية أن تصيبها عين فتدفع القلادة العين .

2-كانوا يضعونها خشية أن البعير عندما يشرب ويرفع رقبته أن يختنق فحرصًا من  الرسول r على حياة البعير أمر برفعها من رقبته .

3-كانوا يضعون فيه الأجراس حتى إذا غابت البعير عرفوا مكانها .

والحقيقة أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتميزون بخشيتهم من الشرك الأصغر فضلاً عن الشرك الأكبر فكانوا  يتحرون في ذلك كل الأمور خاصة وأن الرسول r حذرهم من الشرك ووصفه بأنه أدق من دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء ، فقالوا يا رسول الله كيف نتقيه؟ قال :"قولوا : اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه"

ويروى ابن مسعود t قصة سمعها من زوجته زينب، كانت زينب تقول:"إن عبد الله إذا جاء من حاجة عند الباب تنحنح كراهية أن يهجم منا على شيء نكرهه، وقالت أنه جاء ذات يوم فتنحنح وكانت عندى عجوز ترقينى من الحمرة فأدخلتها تحت السرير فدخل فجلس جانبى فرأى في عنقى خيطاً فقال ما هذا الخيط؟ قلت خيط رُقىَ لى فيه فأخذه فقطعه وقال:"إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله r يقول:" إن الرقى والتمائم والتولة شرك".

والرقى هنا المقصود بها الرقى التي بها ألفاظ شركية وأما التولة فهي شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب الزوجة إلى زوجها والزوج إلى زوجته وهو نوع من السحر وإنما كان من الشرك لما يراد من جلب المنافع ودفع المضار من غير الله.

موقف الصحابة والتابعين والعلماء:

أحاديث رسول الله r التي سبقت وقف منها الصحابة والتابعون بل وأصحاب المذاهب موقفين:

1-قسم من أهل العراق تلاميذ ابن مسعود أصحاب المذهب الحنفى كانوا يكرهون التمائم كلها سواء كانت من القرآن أم من غير القرآن ولا يجوزونها على الإطلاق .

2-أما عبد الله بن عمرو لم يكن يمانع ذلك، روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان رسول الله r يعلمنا كلمات نقولهن عند الفزع من النوم (بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن شر الشياطين وأن يحضرون ) قال : فكان عبد الله بن عمرو يعلمهن من بلغ من ولده أن يقولها عند نومه ومن كان منهم صغيراً لا يعقل أن يحفظها كتبها له فعلقها في عنقه ، فالمسألة كما ترى خلافية ، و(المختلف فيه لا إنكار فيه ) كما قال الإمام النووى.

-يقول ابن حجر العسقلانى في فتح البارى أنه يميل إلى الرأى الذي يقول بجواز تعليق التميمة إذا كانت من قرآن أو سنة يقول :هذا في ما ليس فيه قرآن فأما ما فيه ذكر الله فلا نهي فيه وإنما يجعل للتبرك بأسمائه وذكره، أما العراقيون وعلماؤهم فقالوا بكراهة ذلك فيما فيه القرآن وما ليس فيه قرآن، فإذا تركنا هؤلاء وجئنا إلى الإمام محمد بن عبد الوهاب الذي يعتبره البعض متشدداً فإنه يقول في كتاب "التوحيد" تعليقاً على هذا الحديث :" إن الرقى والتمائم والتولة شرك" يقول : إن هذا رخص فيه بعض علماء السلف وبعضهم لم يرخص فيه وجعله من المنهى عنه وللمسلم إذاً في هذه القضية أن يأخذ ما يطمئن له قلبه.

أما أستاذنا وشيخنا الدكتور القرضاوي فهو من الذين لا يجوزون، وأيد رأيه بأمور أربعة فيقول إني أرجح كراهية التمائم كلها للأسباب الآتية:

1-عموم النهى عن التمائم حيث لم تفرق النصوص بين بعضها وبعض ولم يوجد مخصص وأن النصوص التي قالها الرسول r واضحة في أن فيها عموم وليس فيها مخصص يخصصها .

2-سد الذريعة حتى لا يفضى لتعليق ما ليس كذلك حتى لا يتصور بعض الجهلة أن الجواز مصروف للكل .

3-أنه إذا علق ذلك لابد أن يمتهنه (من المهانة) كحمله في قضاء الحاجة ودورة المياه مثلاً .

4-أن القرآن أنزل ليكون هداية ومنهاجاً للحياة لا أن يكون تمائم وحجباً وما إلى ذلك .

ونحن نلخص حكمها في الآتي:

1-إما أن تكون بألفاظ شركية وهذا مجمع عليه بعدم الجواز مع كراهيته وحرمته .

2-تميمة فيها أدعية أو قرآن أو اسم من أسماء الله الحسنى هذه كما حدث من عبد الله بن عمرو.

والإمام ابن حجر والإمام ابن عبد الوهاب قالوا بالجواز في هذه المسألة أيضًا، وهذا يدل على أنها خلافية في حكمها.

الرقى:

جمع رقية وهى العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع ولدغ الثعبان ويضاف إليها الرقية من العين .

والرقية ليست على إطلاقها قال تعالى (كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ، وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) والاستفهام هنا استنكارى إذا بلغت الروح الحلقوم من يرقيهم ومن يحميهم ، وهذه الرقى كانت معروفة عند العرب وقبل مجيئ الإسلام وكان فيها شركيات ظاهرة كذا قال رسول الله r :"إن التمائم والرقى والتولة شرك" إلا أن الرقى منها ما كان بأسماء الله وهي الرقية المشروعة لأنها بأسماء الله وصفاته وأمرها مطلوب مرغوب وسنة عن الرسول حين تقول "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق " أو تقول "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما أجد وأحاذر " أو تقول "اللهم رب الناس أذهب البأس واشفه أنت الشافى لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً"، أو تقرأ الراقية فاتحة الكتاب والمعوذتين وغير ذلك من الأدعية والرقى المأثورة، وقد رقى جبريل رسول الله r ورقى رسول الله r نفسه ورقى بعض الصحابة ، فالرقية مشروعة ومأمور بها ما لم يكن بها شرك ، هذا إجماع على غير التميمة.

يقول الإمام ابن تيمية: إن هناك بعض رقى بألفاظ غير عربية، ولا معنى لها في كلام العرب وكل اسم مجهول ليس لأحد أن يرقى به فضلاً عن أن يدعو به، ومكروه بل ممنوع الرقية بغير العربية، أما لغير الناطقين بالعربية فقد جوزوا الرقية بالمعنى، لكن الأصل أن يرقى بالعربية.

يقول ابن حجر: أجمع العلماء على جواز الرقى عند توافر ثلاثة شروط :

1-أن تكون بكلام الله وأسمائه وصفاته .

2-أن تكون باللسان العربى وبما يعرف معناه ويرخص لغير العرب بالترجمة باللسان .

3-أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله .

والرقية كالدواء، والدواء من عند الله I والذى يؤمن بأن الدواء من عند الله يؤمن بأن الرقية يتم الشفاء بقدر الله لا فرق بين الاثنين بل إن بعض العلماء يقول إن الطب الروحانى لا يمنع من الطب الجسمانى ولا يمنع الطب الجسمانى أبداً الطب الروحانى، لأن رسول الله r الذي شرع الرقية قال إن "لكل داء دواء"، ولا تعارض بينهما ويقول الإمام بن القيم في زاد المعاد (واعلم أن الأدوية الطبيعية الإلهية تنفع من الداء قبل حصوله وتمنع من وقوعه وإن وقع لم يقع وقوعاً مضراً وإن كان مؤذياً وإنما الأدوية الطبيعية تنفع بعد حصول الداء)

والتعوذات والأذكار إما أن تمنع من وقوع هذه الأسباب أو تحول بينها وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقدره، وذلك يرجع لصفاء النفس وحسن العلاقة بالله تعالى، يقول ابن خذيمة سألت رسول الله r : يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ قال هي من قدر الله.

فالرقية مجمع عليها بين العلماء وهي سنة رسول الله r وقد أمر فيها بقراءة المعوذتين يقول r :"من نزل منزلاً فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله "، ويقول سهل بن أبى صالح عن أبيه قال: سمعت من رجل من أسلم قال : جاء رجل من أصحابه r فقال : يا رسول الله لدغت الليلة فلم أنم حتى أصبحت ، قال :ماذا؟ قال :عقرب ، قال أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك إن شاء الله " رواه مسلم.

تقول عائشة رضى الله عنها كان سول الله r إذا آوى إلى فراشه نفث في كفه ثم قرأ قل هو الله أحد ،والمعوذتين ،ثم يمسح بها وجهه وما بلغت يده من جسده ،  وكانت تقول أيضًا أنه r كان يقرأ آخر آيتين من سورة البقرة في ليلته .

وكان في سفره r يقول :"يا أرض ربى وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما يدب عليك أعوذ بالله من أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن ساكن البلد ومن والد وما ولد " رواه الإمام أبو داود في سننه.

وأفضل الرقى هي الصيغة المأثورة عن رسول الله r  وما رقى بها جبريل الرسول r وهى أفضل الرقى لوجهين :

1-أنها ذكر ودعاء واستعانة بالله .

2-إتباع المأثور عنه r وهذا أمر مطلوب فنأخذ أجر الذكر وأجر الإتباع.

تقول السيدة عائشة رضى الله عنها :"كان رسول الله r إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال :اللهم أذهب الباس رب الناس اشفى أنت الشافى لا شفاء إلا شفاءك شفاء لا يغادر سقما، فلما مرض r وسقم أخذت بيديه لأصنع به نحو ما كان يصنع فنزع يده وقال اللهم اغفر لى واجعلني مع الرفيق الأعلى لأنه r كان يعلم أن المنية قد اقتربت"، وأما حديث العين الذي رواه مسلم فكان الرسول r يقول فيه :" اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ،ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً ، اللهم إنى أعوذ بك من شر نفسى ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ،إن ربى على كل صراط مستقيم " ومن المعلوم أنه يجوز للرجل والمرأة على حد سواء أن ترقى، إلا أن المرأة ترقى المحارم فحسب، ولا يجوز لها أن ترقي المحارم على التأقيت، بل المحارم المقطوع بهم ويكفيها أن ترقى أختها وبنات جنسها .


الكهانة :

هى ادعاء علم الغيب والأصل في هذا الموضوع استراق الجن السمع من كلام الملائكة ثم يأتون في أذن الكاهن ويقولون ما سمعوه من كلام في الملأ الأعلى .

والكاهن : هو العراف أو المنجم أو من يضرب بالحصى وكل من يرجم بالغيب .

وكانت الكهانة فاشية في الجاهلية تماماً وهى على أنواع متعددة ومنها ما يتلقونه من الجن فلقد كان الجن يركب بعضهم البعض ليتسمّع في الوقت الذي لم يحُل المولى I بينهم وبين السمع فكان كل واحد يلقي ما يسمعه للآخر حتى يصل للكاهن وكان الكاهن يزيد عليه أو ينقص منه بل يضيف إليه ما يشتهيه (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) وهذا كله كان قبل رسالة الرسول r .

فكان الجن نفسه يخبر وليّه بما يسمع ويصبح الجن مصدر المعلومة للكاهن أو من يتصل به.

أو عن طريق الظن والتخمين والحدس وهذا فيه كثير من الكذب والاستنتاج أو يكون للكاهن خبرة وتجربة يستند إليها من تراكم المواقف فيدعى علم الغيب .

وعلى كلٍ فهو لون من ألوان السحر، تقول عائشة رضى الله عنها سُئل رسول الله r عن الكهانة فقال :" ليسوا بشيء " فقالوا يا رسول الله إنهم يحدثوننا فيكون حقاً ، فقال :تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة "

لذلك قال r " من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" وفى رواية "لا تقبل صلاته أربعين يوماً "،ولقد ذكر الرسول r في حديث السحر، اجتنبوا السبع الموبقات "الشرك بالله والسحر …".

ولنا وقفة مع الجن.

الجن غيب من الغيب وما عرفنا الجن إلا عن طريق الوحى قال تعالى (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ،يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ) كما عرفنا الوحي أن مع الجن الذين خُلقوا من نار الملائكة الذين خلقوا من نور، والجن أرواح عاقلة مريدة (عندها إرادة) يحاسبون مثل الإنس ، لذلك بُلغ القرآن والرسالة لهما وهم مجردون عن المادة البشرية لديهم القدرة على التستر عن الحواس لا نراهم على طبيعتهم ولا على صورتهم الحقيقية بل لهم القدرة على التشكل .

ولقد علمنا الكتاب الكريم مادة خلقهم فقال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ، وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ) ،وهم طوائف منهم المؤمن كامل الاستقامة، ومنهم العاصى ومنهم الكافر (كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) أنواع وطرائق متعددة وكل هذه الأصناف لا نعرفها إلا عن طريق الوحى (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا، وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) ولقد روى لنا ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان مع رسول الله r وانطلق معه حتى إذا وصلا إلى مكان معين قال له r :"لا تتجاوزه" ثم ذهب رسول الله r إلى وادى الجنة وبلغهم رسالة ربه (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ،يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ)، ولقد بين لنا القرآن تسخير الجن لسيدنا سليمان u وقصتهم معه معروفة ، والجدير بالذكر أن أشد أنواع الجن خروجاً على طاعة الله I إبليس اللعين وهو أبو الشياطين، والشياطين هم المتمردون من الجن، ولذلك عندما نستعيذ فنحن نستعيذ من الشيطان ولا نستعيذ من الجن؛ لأن فيهم المسلم والمؤمن، ولكن نستعيذ بالله من الشيطان لأن الشيطان هو المتمرد الكافر منهم ، فالشياطين هم المتمردون على الله ، ولذلك كانت العداوة بيننا وبين الشيطان الذي أمرنا المولى باتخاذه عدوا (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) فمطلوب من الإنسان تعبد الله أن يحذر ألاعيب إبليس وكلما اقترب الإنسان من الله واتقاه I ، ابتعد عنه الشيطان ولا يستطيع أن يفرض سلطانه علينا يقول ربنا (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ،إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ،إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) إذاً لا سلطان للشيطان على الإنسان و تبين لنا السيرة أن الفاروق عمر t كان إذا رآه الشيطان يسير في فج سار في فج آخر من مهابته، وهذا اللعين لا ينجو من مسه أحد حتى الذين اتقوا لا ينجون من مس الشيطان يقول المولى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) إلا أن صاحب التقوى تنجيه منه، لقد جاء اللعين لسيدنا عيسى u وهو يسير في الطريق وقال يا  عيسى ألم تقل إن ربك قادر على أن يحيى الموتى وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ؟ قال :بلى ، قال فاصعد هذا الجبل وألق بنفسك من فوقه وأرني كيف يصنع الله بك؟ ، قال عيسى عليه السلام : خسئت يا عدو الله يا لئيم، لله أن يختبر العبد وليس للعبد أن يختبر ربه، و لذالك حذرنا المولى من اتباع خطوات الشيطان فهو يستدرج الإنسان خطوة بعد خطوة حتى يقول اكفر ( فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) وهكذا يستدرج الإنسان الساحر خطوة خطوة حتى يكفر بالله.

إننا ولا شك نؤمن بالسحر ولكن في نفس الوقت نؤمن بأن النفع والضر من الله ومن شاء أن يتحصن من الشيطان فلا يضره إلا بإذن الله فعليه بأمور ثلاثة :

1-قراءة القرآن لأن الإنسان الذي يقرأ القرآن ويلجأ إلى الله تعالى تصفو نفسه وتصبح نفساً مطمئنة صافية لا يمسها السوء في الدنيا ويناديها ربها من علٍ (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ،ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ،فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ،وَادْخُلِي جَنَّتِي).

2-الاستعاذة الدائمة بالله من الشيطان الرجيم.

3-الإيمان بالله والتوكل عليه.

والسحر من الأمور التي يشارك فيها الجن بل يتولى كبرها وما قصة طالوت منا ببعيد يقول ربنا U (وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ).

لقد أرسل الله تعالى ملكين إلى قوم انتشر فيهم السحر في عهد سليمان u وأرسل الله الملكين حتى يعلموا الناس السحر لرد كيد هؤلاء السحرة فكانوا يعلمون الناس السحر لرد كيد السحرة عن الناس فكان الذي يتعلم هذا السحر يستخدمه في الضرر ولذلك أصبح فتنة له يقول المولى (وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) وعندما كانا يعلمان أحد يحذرونه ويقولون له (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ) نحن نعلمك لاستخدامه في دفع المضرة واستخدامه في الخير لتجزى خيراً واستخدامه في الشر فتنة وكفر ، ولذلك كان تعلم السحر فتنة وبلاء وامتحان يقول ربنا (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ).

ولذلك كان للعلماء حكم على الساحر.

حكم الساحر :

وقف العلماء أمام حديث رسول الله r الذي يقول "من أتى كاهناً أو عرافاً أو ساحراً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " وهنا اختلف أيضًا العلماء واختلفوا في تأويله.

قال أبو حنيفة: يقتل ولا يستتاب حتى لو قال سأترك السحر فحكم الساحر حكم المرتد.

أما الإمام مالك فقال : يقتل ولا يستتاب إلا أن يكون من أهل الكتاب وإذا كان يؤذى المسلمين يقتل وإذا كان إيذاؤه بعيداً عن المسلمين فهو وشأنه .

أما الإمام الشافعى فقال : لا يكفر بسحره إلا أن يكون متعمداً لذلك .

وللإمام أحمد روايتان في توبته : قال يكفر بسحره وإن كان له روايتين في توبته رواية تقول تقبل توبته ، ورواية أخرى تقول لا تقبل توبته .

وعن عقبة بن نافع قال :قال رسول الله r :"ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) تقول عائشة رضى الله عنها كان رسول الله r يقرأ بهن وينفث في كفيه ويمسح بكفيه على جسده.

وتقول السيدة عائشة رضى الله عنها أخذ رسول الله r بيدى فأرانى القمر حين طلع وقال تعوذى بالله من الغاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد " هذا فضلاً عن الحديث الذي أخبرنا أن جبريل عليه السلام أتى النبي r وقال:اشتكيت يا محمد فقال نعم فقال بسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك من شر كل حاسد وعين الله يشفيك.

فكيف نحارب هذه المنكرات؟

أول أمر نهتم به في محاربة هذه المناكير العمل على إزالة الجهل وتوضيح الأمر بالتثقيف وبث الوعي والتعريف بالإسلام الصحيح والدعوة بالحكمة الموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن فإذا لم يفد ذلك فبالزجر وبالتعنيف وهذا يدعونا إلى أن نتكلم عن كيفية إنكار المنكر.

كيفية إنكار المنكر:

قد يظن القارئ حينما يسمع ما قاله الإمام البنا "وكل ما كان من هذا الباب منكر تجب محاربته " أن الأمر يحتاج إلى  استخدام العنف والقوة والإرهاب لأنه يقول: "تجب محاربته" هذا نظر من لا فقه عنده أما من يرجع إلى علماء الأمة الثقات وصحيح أن العلماء اتفقوا على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولكنهم اختلفوا في تحديد هذا الواجب من وجهين :

1-فى صفة الواجب.

2-فيمن يلزمهم هذا الواجب.

فقال بعض الفقهاء في صفة الواجب أنه فرض عين على كل مسلم ولو كان هناك من هو أقدر منه، وأما الجمهور على أنه فرض كفاية لأن الله تعالى يقول (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ) و(من) هنا للتبعيض .

وأما فيمن يلزمهم الواجب فالجمهور على أنه كل أفراد الأمة (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ...) وغيرهم قالوا القادرين عليه وهم علماء الأمة دون غيرهم وحجتهم أن الجاهل ربما نهى عن المعروف أو أمر بمنكر وقد يغلظ في مواطن اللين والعكس وربما عرف الحكم في مسالة وجهل الأخرى ولذلك فهم يقولون إنه فرض على العلماء دون البعض ولقد رد عليهم العلماء وقالوا : إن الواجب لا يسقط بتحميله للبعض دون البعض وإنما يسقط بالأداء فإذا لم يقم به العلماء فهو فرض على غيرهم لأن فرض الكفاية يقتضى أن يلزم به الكل أولاً حتى يقوم به من يكفيهم، ولذلك وضعوا شروطاً يجب أن تتوفر في الآمر بالمعروف.

الشروط الواجب توافرها في الآمر بالمعروف:

1-أن يكون مكلفاً أى مدركاً مختاراً رجلاً وهذا أمر له فقهه وقواعده فالعبرة ابتداءً ليست في إيذاء من يرتكبون المنكر ولكن الداعي بفقهه وخلقه يصرف الذين يرتكبون المنكر بحكمته عنه فينتهوا .

2-أن يكون مؤمناً بالدين الإسلامي بشموله وعمومه ومنهاجه.

3-القدرة - بمعنى أن يكون صاحب ولاية عليه - فإن كان عاجزاً فلا وجوب عليه بل يغيره بقلبه.

4-العدالة وهذه مختلف فيها.

5-الإذن: وهو مختلف فيه أيضًا بين العلماء فهل يأذن له الإمام أم لا علماً بأن الجمهور لا يشترط هذا فضلاً عن العلم والورع وحسن الخلق.

ويشترط عند النهى عن المنكر لتغييره:

1-وجود منكر وهو –كما عرفه العلماء - كل معصية حرمتها الشريعة أو كل ما كان محذوراً في الشرع.

2-أن يكون معلوماً دون اجتهاد أى من الأمور القطعية المجمع عليها؛ لأن المختلف فيه ليس فيه أمر بالمعروف ولا نهى عن المنكر.

3-أن يكون موجوداً في الحال – أى وقت ارتكاب المنكر.

4-أن يكون ظاهراً دون تجسس ولا تفتيش لأن الرسول نهى عن تتبع عورات المسلمين وقال لمعاوية "إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم" وهناك قصة معروفة مشهورة حدثت مع عمر بن الخطاب t فقد اعتلى بيت رجل ليضبطه متلبساً بجريمته فقال له الرجل : إن كنت قد ارتكبت منكراً واحداً فقد ارتكبت ثلاثة مناكير يا عمر : تجسست والمولى يقول (وَلَا تَجَسَّسُوا) وأتيت البيت من ظهره والمولى يقول (وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) ولم تستأذن والله يقول (لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا) فتركه عمر واشترط عليه التوبة .

5-دفع المنكر بأيسر ما يندفع به لا بأقل فلا يقف عند القليل من الدفع إن كان يقدر على الأكثر ولا بأكثر إن كان الأيسر لا يحتاج إلا القليل .

وسائل تغيير المنكر:

1-التعريف: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ويقول المولى (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فوجب التعريف أولاً.

2-النصح والوعظ: فالدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .

3-التعنيف: ويكون عند العجز عن المنع باللطف ويوجه إلى المصر المستهزئ بالوعظ والنصح ويشترط في التعنيف شرطان:

    أ-ألا يقدم عليه إلا عند الضرورة والعجز بعد اللطف.

    ب-ألا ينطق المعنف إلا بالصدق ولا يسترسل بالتعنيف بما لا يحتاج إليه.

4-اليد: وتكون لمن له ولاية ولها شروط:

    أ-لا يكون إلا في المعاصى التي تقبل بطبيعتها التغيير المادى أما معاصى اللسان والقلب فليس في الاستطاعة تغييرها مادياً بعكس كسر أوانى الخمر أو إخراجه من الدار المغصوبة.

    ب-لا يباشر التغيير باليد طالما استطاع أن يحمل فاعل المنكر على التغيير فليس له أن يريق الخمر مثلاً بنفسه إذا استطاع أن يكلف شاربها بإراقتها وهكذا.

    ج-أن يقتصر فيه على القدر المحتاج إليه؛ لأنه إذا زاد ظلم واعتدى، بمعنى لا يشده من لحيته إن كان يستطيع أن يجذبه من يده أو يحرق أدوات الملاهى إن استطاع كسرها أو يكسر أوانى الخمر لأن الأصل في التغيير لا يقصد منه عقوبة فاعل المنكر ولا زجر غيره.

5-التهديد بالضرب والقتل: التهديد يسبق الضرب كلما أمكن أى استخدام اللسان ويشترط فيه أن لا يهدد بوعيد لا يجوز تحقيقه كقوله : لأنهَبَنَّ دارك أو لأضربن ولدك أو لأسجنن والدك، أو لأسبين زوجتك إلخ.

وكل هذه الوسائل في حق الكافة عدا:

    أ-الوالدين : فالولد ليس على والديه إلا التعريف ثم النهى بالوعظ والنصح وليس له أن يعنفهما أو يهددهما أو يضربهما (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) .

ب  -الزوجة: حكمها مع زوجها حكم الولد مع أبويه لقول الرسول r "لو جاز السجود لمخلوق لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها " فلا تؤذى الزوجة زوجها.

ج-الحاكم: ليس للرعية على الحاكم المسلم الذي يحكم بما أنزل الله إلا التعريف والنهى بالموعظة والنصح أما التغيير باليد فالرأى الراجح أنه غير جائز لأنه يفضى إلى خرق هيبته وإسقاط حرمته وذلك محظور لقول الرسول r :"من كانت عنده نصيحة لذى سلطان فلا يكلمه بها علانية وليأخذ بيده فليخل به فإن قبلها قبلها وإلا قد أدى الذي عليه والذى له" وقوله "من أهان سطان الله في الأرض أهانه الله في الأرض"

تغيير المنكر وابن القيم:

جعل ابن القيم إنكار المنكر أربع درجات ، فأنت حين تفكر في التصدى لإنكار المنكر تحدث إحدى الاحتمالات الأربعة الآتية :

الأولى- إذا استطاع الإنسان أن يزيله بالكلية دون مضرة وجب عليه أن يزيله.

الثانية- إذا استطاع أن يزيل جزء من المنكر دون مضرة، وبقى جزء فيه مضرة، يزيل الجزء الذي ليس فيه مضرة ويترك الذي به مضرة .

الثالثة- إذا أزاله ونتج عنه منكر مساوٍ له، فله الخيار إن شاء تركه وإن شاء أزاله.

الرابعة- إذا أزاله وحل محله منكر أشد يكون آثماً إن غيره ويبقيه على ما هو عليه.

وهكذا ترى الإمام الشهيد رضوان الله عليه يضع القواعد والضوابط والأصول حتى يكون سلوك المسلم منضبطاً ودعوته مؤصلة وخطواته ممنهجة ووعيه بعصره دقيق ثم يدعو إلى الله على بصيرة لتقوية الروح الإنسانية والسمو بها عن مزالق الأوهام والخرافات إلى ميدان الحقائق والسنن الإلهية الثابتة التي بنى عليها صرح هذا العالم ينقى العقائد مما شابها إذ أن العقيدة الصحيحة ما جاءت إلا لتخلص الإنسان من هذه الأوهام فبين – رحمه الله – دجل الدجالين وشعوذة المشعوذين، ونبه إلى عبث العابثين حتى تصفو العقيدة فيجمع المسلم بين صحة الاعتقاد وصدق الإتباع ثم ينطلق في طريقة متوكلاً على الله متحملاً الإيذاء في سبيله يقول : (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)

 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق