شرح لمعنى كلمة ( الحزب ) وهل
هي كلمة شرعية لاضير في استخدامها ؟!
أم هي كلمة شرّ وبدعة لا يجوز استخدامها والتسمي
بها ؟
معنى كلمة ( الحزب
) : جماعة الناس ، والجمع أحزاب ، والأحــزاب : جنود الكفار تألبوا وتظاهروا على حزب
النبي ، وهم : قريش وغطفان وبنو قريظة . وقوله تعالى : يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم
الأحزاب ، الأحزاب هاهنا : قوم نوح وعاد وثمود ومن أهلك بعدهم . وحزب الرجل : أصحابه
وجُنده الذين على رأيه والجمع كالجمع .
والمنافقون والكافرون : حزب الشيطان
، وكلّ قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم فهم أحزاب وإن لم يلق بعضهم بعضاً بمنزلة عادٍ وثمود
وفرعون أولئك الأحزاب . كلّ حزب بما لديهم فرحون : كلّ طائفة هواهم واحد . . . والحزب
: الصنف من الناس ، قال ابن الأعرابي : الحزب : الجماعة . . . والحزب : الطائفة .
وعرف الإمام الشوكاني
كلمة ( الحزب ) فقال :
" . . . والحزب
: الصنف من الناس ، من قولهم : حزبه كذا : أي نابه كذا ، فكأنّ المتحزبين مجتمعون كاجتماع
أهل النائبة التي تنوب . وحزب الرجل أصحابه ، والحزب : الوِرد ، وفي الحديث : (( فمن
فاته حزبه من الليل . . )) ، وتحزبوا : اجتمعوا ، والأحزاب الطوائف " .
ونستطيع من خلال التعريفين
السابقين أن نقول :
الحزب هو جماعة من
الناس أو صنف أو طائفة اجتمعوا وتشاكلت قلوبهم وأعمالهم ، وهم أصحاب الرجل وجنده الذين
على رأيه ، وهواهم واحد .
ومن خلال التعريف نستنبط هذه المفردات :
1- اجتماع مجموعة من الناس
.
2- لهم غاية واحدة وهدف واحد
( هواهم واحد ) .
3- لهم صفات مشتركة ( تشاكلت
قلوبهم وأعمالهم ) .
4- لهم آراءهم وأفكارهم الخاصة
بهم ( أصحاب الرجل وجنده الذين على رايه ) .
5- مجندين أنفسهم لتحقيق
هدفهم وغايتهم ( وجنده الذين على رأيه ) .
6- وبما أنّ هواهم واحد
، وتشاكلت قلوبهم وأعمالهم ، وعلى رأي قائدهم فهم - إذاً - لهم منهج خاص يسيرون ويتربون
عليه ، وإلاّ كيف تتوحد مفاهيمهم وصفوفهم ؟
فالحرمة تنصبّ على
أيّ من هذه المفردات ؟ :
(1) - إنّ إجتماع الناس ليس بحرام إذا لم يكن هذا الإجتماع على
أمر حرمه الشارع ونهى عنه وكان فيه ضرر للبلاد والعباد . بل بالعكس إنّ الشرع أمر بالإجتماع
وحض عليه ونهى عن التفرق وعن الإنفرادية . . قال رسول الله : (( يد الله مع الجماعة
)) ، وفي حديث معاذ بن جبل : (( إنّ الشيطان
ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية وإياكم والشعاب ، وعليكم بالجماعة
والعامة )) . وفي الأثر : أخرج أحمد عن جابر
بن سمرة أن عمر بن الخطاب قال في خطبته المشهورة التي خطبها بالجابية : " عليكم
بالجماعة ، وإياكم والفرقة ، فإنّ الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد ، ومن أراد
بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة " .
(2) - إنّ وجود غايات وأهداف للناس والجماعات ليس بحرام ولا ممنوع
إذا لم تكن هذه الغايات والأهداف خبيثة شريرة مما نهى الشارع عنها ، بل على العكس فوجود
الإنسان في الدنيا بلا غاية ولا هدف هو الحرام وهو الذي أنكره الشرع ونهى عنه : أفحسبتم
أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلـينـا لا تـرجعـــون ، أيحسب الإنسان أن يترك سدى ، لهم
قلوب لا يفقهون بها ولهم آذان لا يســـــــــمعون بها . . . إن هم إلاّ كالأنعام بل
هم أضلّ .
(3) - إنّ وجود صفات مشتركة للناس ليس بحرام إذا كانت هذه الصفات
غير ذميمة وغير منهية شرعاً بل على العكس إنّ الإسلام أمر المسلمين بالتوحيد قلباً
وقالباً : (( من تشبّه بقوم فهو منهم )) ، (( خالفوا المشركين . . )) ، (( خالفوا اليهود
والنصارى )) .
(4) - إنّ وجود آراء وأفكار خاصة للجماعة ليس بحرام إذا كانت هذه
الآراء والأفكار ليست بالباطل ولا بالتي تخالف الشرع والتي تدخل في باب الإجتهاد في
خدمة الإسلام والمسلمين ، وأوضح دليل على ذلك وجود المذاهب الأربعة المعترفة بها من
جميع الأمة الإسلامية على مدى قرون طويلة من غير إنكار معتبر .
(5) - إنّ الجندية في سبيل تحقيق الغايات والأهداف ليست بحرام
إذا لم تكن في سبيل الشيطان والطاغوت ، بل على العكس هي واجبة لتحقيق الغايات والأهداف
النبيلة السامية التـي تخـدم الإسلام والمسلمين : وإنّ جندنا لهم الغالبون ، ياأيها
الذين آمنوا كونوا أنصار الله . . .
(6) - إنّ وجود منهج للسير والتربية ليس بحرام إذا لم يكن هذا
المنهج باطلاً يؤدي إلى الكفر والفسوق والضلال ، بل على العكس إنّ المنهج واجب ، والتنظيم
أوجب ، حتى إننا نرى في شعيرة الصلاة وهي عبادة محضة كيف أنّ الشارع حثّ على أدائها
جماعة بصورة منظمة لايجوز الدخول فيها قبل الإمام ومن رفع رأسه قبل الإمام معرض أن
يجعل الله رأسه رأس حمار ، ومن خرج منها قبل الإمام بطلت صلاته و . . . وهكذا . وقد
قال الله سبحانه وتعالى مادحاً للمسلمين : وأمرهم شورى بينهم وقال : وشاورهم في الأمر
، فأي من هذه المفردات التي ذكرناها هي حرام لذاتها ؟
فإذا اجتمعت مجموعة من الناس على خير ، وكان
المنهج الذي يسيرون عليه حقاً ، والفكرة التي يحملونها طيبة ، والصفات المشتركة التي
بينهم حسنة ، وجهادهم وجنديتهم كانت في سبيل الله ، ورافق ذلك كله تجرد للحق وحبّ للخلق
، فهل هناك مسلم يستطيع أن يقول إنّ ذلك حرام أو مكروه ؟
إذن فاستخدام كلمة ( الحزب ) المجردة ليس بحرام
ولا مكروه ، بل هو على أقل تقدير مباح شرعاً ، وذلك لمجيئها في القرآن الكريم ووصف
عباد الله المسلمين المؤمنين بها من الله سبحانه وتعالى .
قال تعالى : أولئك
حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون .
وقال تعالى : فإن حزب الله هم الغالبون .
فقد ذكر الله سبحانه
في تلك الآيات الكريمات صفات حزب الله وهم :
قوم آمنوا بالله واليوم
الآخر تشاكلت قلوبهم وأعمالهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، وينصرون الله ورسوله والمؤمنين
، ويؤثرون الله ورسوله على الأهل والعشيرة و. . . الخ .
ومقابل هؤلاء هناك
حزب الشيطان :
قال تعالى : أولئك
حزب الشيطان ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون
.
وهم قوم اجتمعوا على
الباطل ومحاربة الله ورسوله والنفاق والكذب والفساد و . . . الخ .
فلاشكّ هؤلاء ( حزب
الشيطان ) غير أولئك ( حزب الله ) وإن كانت الطائفتان تشملهما كلمة ( الحزب ) .
ويستدل بتلك الآيات
التي أوردناها أنّ كلمة ( الحزب ) ليست محمودة أو مذمومة في ذاتها ، بل تكون محمودة
إذا أضيفت إلى الحق كما في قوله تعالى : حزب الله ، ومذمومة إذا أضيفت إلى الباطل
: أولئك حزب الشيطان .
ولـهذا لم ير أئمتنا
وسلفنا الصالــح أي حــرج فــــي اســــتخدام كلمة ( الحزب ) . فمن ذلك :
1- قالت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : " إنّ
نساء رسول الله كنّ حزبَيْن فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة ، والحزب الآخر أم سلمة
وسائر نساء رسول الله . . " .
2- قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره جامع البيان
في تأويل آي القرآن ( 25 / 148 ) :
" وقوله أم حسب
الذين اجترحوا السيئات يقول تعالى ذكره : أم ظنّ الذين اجترحوا السيئات من الأعمال
في الدنيا وكذبوا رسل الله وخالفوا أمر ربهم وعبدوا غيره أن نجعلهم في الآخرة كالذين
آمنوا بالله وصدقوا رسله وعملوا الصالحات فأطاعوا الله وأخلصوا له العبادة دون ما سواه
من الأنداد والآلهة ، كلاّ ما كان الله ليفعل ذلك لقد ميّز بين الفريقين فجعل حزب الإيمان
في الجنة وحزب الكافرين في السعير . . " .
وقال أيضاً ( 6 /
272 ) :
" . . . فتبين
حينئذ كلّ حزب عياناً المحق منهم من المبطل " .
وقال عن حزب الله
وحزب الشيطان ( 28 / 25 - 27 ) :
" يعني تعالى
ذكره استحوذ عليهم الشيطان : غلب عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، أولئك حزب الشيطان
: يعني جنده واتباعه ، ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون : يقول : ألا إنّ جند الشيطان
وأتباعه هم الهالكون المغبونون في صفقتهم ، أولئك حـــزب الله يقول أولئك الذين هذه
صفتهم جند الله وأولياؤه ، ألا إنّ حـــزب الله يقول : ألا إنّ جند الله وأولياؤه
، هم المفلحون يقول هم الباقون ، المنجون بإدراكهم ما طلبوا والتمسوا ببيعتهم في الدنيا
وطاعتهم ربـــــهـم . . . " .
3- قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره الجامع لأحكام القرآن
( 8 / 20 ) :
" . . يوم الفرقان
، أي اليوم الذي فرقت فيه بين الحق والباطل وهو يوم بدر ، يوم التقى الجمعان ، حزب
الله وحزب الشيطان . . . " .
وقال أيضاً ( 18
/ 1 ) :
" . . . أولئك
حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون قال سعيد بن أبي سعيد الجرجاني عن بعض مشايخه
قال داود : " إلهي ! منْ حزبك وحول عرشك ؟ فأوحى الله إليه : يا داوود الغاضّة
أبصارهم ، النقية قلوبهم ، السليمة أكفهم أولئك حزبي وحول عرشي . . " .
4- قال الإمام ابن تيمية رحمه الله :
" وأما لفظ
( الزعيم ) فإنه مثل لفظ الكفيل والقبيل والضمين ، قال تعالى : ولمن جاء به حمل بعير
وأنا به زعيم ، فمن تكفل بأمر طائفة فإنه يقال : هو زعيم . فإن كان قـد تكفل بخير كان
محموداً على ذلك ، وإن كان شراً كان مذموماً على ذلك .
وأما ( رأس الحزب
) فإنه رأس الطائفة التي تتحزب ، أي تصير حزباً ، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله
به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون ، لهم ما لهم ، وعليهم ما عليهم . وإن
كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا ، مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل والإعراض
عمن لم يدخل في حزبهم ، سواء كان على الحق والباطل ، ، فهذا من التفرق الذي ذمه الله
تعالى ورسوله فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والإئتلاف ، ونهيا عن التفرقة والإختلاف
وأمرا بالتعاون على البر والتقوى ، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان
" .
5- وقال الإمام الشوكاني رحمه الله :
" . . . أولئك حزب الله ، أي جنده الذين
يمتثلون أوامره ويقاتلون أعداءه وينصرون أولياءه ، وفي إضافتهم إلى الله سبحانه تشريف
لهم عظيم وتكريم فخيم . . . " .
وقال أيضاً ( 5 /
193 ) :
" . . . حزب
الشيطان أي جنده وأتباعه ورهطه ، ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون ، أي الكاملون في
الخسران حتى كأنّ خسران غيرهم بالنسبة إلى خسرانهم ليس بخسران لأنهم باعوا الجنة والهدى
بالضلالة وكذبوا على الله وعلى نبيه وحلفوا الأيمان الفاجرة في الدنيا والآخرة . .
" .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق