يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ:
1-فرضية مفتي السهرة أن الحجاب من العادات:
افترض مفتي حجاب السهرة أن الحجاب من العادات، كغطاء رأس الرجل، وحكمه حكم العادات المتغيرة، كتصميم الملابس الحديثة للرجل والمرأة، بينما أخطأ بعض الغيورين، فقال: إن الحجاب من العبادات، مما يعني أنه لا يصح لُبسُه إلا بنية، وغير معقول المعنى، وأصله التوقيف، ومعنى أصله التوقيف أي موقوف على بيان الشارع ولا يزاد عليه ولا ينقص كالصلاة، ويترتب على أنه تعبدي أنه غير معقول المعنى، أي لا تدرك العقول علته كعدد ركعات الصلاة، فالعقل لا يدرك ذلك وهو مسلم للشارع، بينما تدرك العقول الحكمة من الحجاب.
2-ماذا لو اعتبرنا الحجاب عبادة:
ولو اعتبرنا الحجاب عبادة، لبطل لُبسه بلا نية التقرب التي هي ركن العبادات كلها، ولناقضنا أنفسنا بأنه غير معقول المعنى، بل هو معقول المعنى في الوقاية من الشرور الكثيرة، ولقلنا أيضا بالاقتصار على صورة الحجاب في القرن الأول، وحولنا التاريخ دينا أثناء ردِّنا على من اعتبر الدين تاريخا، ووقعنا في تناقضات هي نفس تناقضات منكري فرضية الحجاب، بمعنى أن الخلل في ردِّنا عليهم، لا يقل عن الخلل في دعواهم الباطلة، وهذا يفسر حالة بقاء الشبهة وفشوها بالرغم من تلك الردود الهزيلة.
3-الحجاب حكم شرعي من النوع العادي:
فكما أن العبادات ركنها النية، ولا تصح إلا بينة التقرب، فإن المعاملات تصح دون نية التقرب، وتكفي الإرادة نحو عقد العقد دون نية التقرب إلى الله تعالى، فنجد أن المعاملات ركنها الإيجاب والقبول وليس النية، والتروك تصح دون نية التقرب، فمن ترك جريمة شرب الخمر والزنا خشية على صحته، لا يعاقب يوم الدين على الزنا وشرب الخمر، لأن الترك صحيح بلا نية، ولكنه لا أجر له لعدم قصد التقرب، فمدار صحة العبادة على وجود نية، والعادة تصح دون نية، ولا أجر في العادات إلا مع النية، وهي معادلة مهمة في فهم الشريعة.
4-العادي الشرعي غير العادي في أعراف الناس:
وحجاب المرأة واجب من العادي الشرعي، فهو يصح بلا نية، ويفهم العقل الحكمة من وجوبه، وهو متوقف على الشرع الثابت بالخطاب وهو الآية الكريمة، لا على العادات والأعراف المتغيرة، فمن حيث إنه يجب أن يستر العورة ومنها الرأس، ولا يصف العورة، ولا يشف عنها، ويغطي جميع الجسد، وليس فيه الشهرة والخيلاء والتشبه بالرجل، فهذا شرعي ممتد في الزمان والمكان، وليس تاريخا، وليس كغطاء رأس الرجل الذي هو من العرف المطلق والعادة المتغيرة.
ويكون غطاء الرأس للمرأة من العادي الشرعي الثابت، وأما غطاء رأس الرجل من العادي العرفي المطلق المتغير، ويتضح الشرع هنا، في التمييز بين ما هو عرف مطلق متغير، وبين العادي الشرعي المقيد بالخطاب كتحريم الربا، والقمار، وتطبيق الحدود الشرعية، الممتدة في الزمان والمكان، ولا ينسخها شرع من بعدنا بدعوى التجديد! وهذه أٍيضا حدود فاصلة بين المتغير بالزمان والمكان والمجمَع على بقائه عبر الزمان والمكان.
5-الباطنية الجدد واستغلال الفراغات العلمية:
إن استغلال الفراغ في المرجعية الفقهية والأصولية أدى إلى اقتحام الباطنية الجدد من على دين الإسلام، وساعدهم في ذلك شيوع أنماط تفكير ديني يغلب عليها طابَع العاطفة والشعور والذوق، والحالة الفكرية والثقافية باديَ الرأي حيث استخدام القواعد الأصولية الفقهية قطع غيار لدعم الفكر اللاديني المتهافت، وليبث الروح من جديد في جسد الباطنية القديمة التي عفا عليها الزمن.
ثالثا: ذلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ:
1-توضيح المنطوق والمفهوم بمثال:
أوضح معنى المنطوق بمثال: فلو قلت: معي دينار، فالمنطوق يقول معي دينار، والمفهوم يقول ليس معي زيادة على دينار، وإذا نجح خالد أكرمه، فالمنطوق هو استحقاق خالد للجائزة بشرط نجاحه، والمفهوم هو عدم استحقاق الجائزة إذا رسب، وإذا قلت إذا رسب خالد لا تعطه جائزة، فالمنطوق عدم استحقاق خالد الجائزة إذا رسب، والمفهوم أعطه جائزة إذا نجح، ودلالة المفهوم ضعيفة لأنها ليست في قوة المنطوق الذي سيق اللفظ لبيانه، بخلاف المفهوم.
2- دلالة المنطوق والمفهوم في الآية:
تبين الآية الكريمة في منطوقها (ذلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) الوصف الذي بني عليه حكم إيجاب الحجاب، وهو للتمييز بين الأمة التي جاز لها أن تكشف رأسها، وبين الحرة التي يحرم عليها أن يتكشف رأسها، وهذا هو منطوق الآية، أما مفهومها فهو إن لم يكن أذى لهن فلا تؤمر الحرة بالحجاب، وهو محتمِل سأبين لاحقا سبب ضعف مفهوم المخالفة هنا، وأنه خرج مخرج الواقع، وليس قيدا في الحكم، وأن أمتنا اتبعت المحكم وهو المنطوق المتفق على اعتباره.
أما أتباع شرع مَن بعدنا فاتبعوا مفهوم المخالفة المتشابه المحتمِل، وهو أن مفهوم المخالفة يقضي أنه إذا لم تبق إماء، فلا داعي لغطاء رأس الحرة، لعدم بقاء الحاجة لتمييز الحرة من الأمة، وهنا تظهر قيمة المتشابه في الشرع، باستدراج أصحاب القلوب المريضة، وكشفهم للمسلمين، وهي ميزة في كتاب الله تعالى تفضح المنافقين إلى يوم الدين.
2-الباطنية مع دلالة المفهوم غير المعتبر:
فدلالة المنطوق تقول بوجوب الحجاب على المرأة للتمييز بين الحرة والأمة، وهو يخالف دلالة المفهوم بأنه إذا لم تبق أمة زال وجوب غطاء الرأس، وهنا لا بد من البحث في دلالة المفهوم وهي عدم الوجوب لغطاء الرأس لعدم الإماء، فحكم المفهوم هو نقيض حكم المنطوق.
رابعا: ما خرج لبيان الواقع لا يعتبر قيدا في الحكم فيبقى الحجاب فرضا ولو لم تبق إماء:
1-الحكم المتعلق بوصف في الواقع:
إن قوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) جاء لبيان الواقع الذي كان عليه الحال في وقت التنزيل، وللتنبيه على حالة خاصة من حالات فرض الحجاب، ، ولم ينفِ الحالات الأخرى، كما سيأتي في الأمثلة الكثيرة الآتية.
2-خطورة الغلو في ظاهر النص:
إن تطبيق الطريقة اللوثرية في النظر في نصوص الشريعة أدى، ودعوى ظواهر الكتاب والسنة دون منهجية أصولية يكاد يكون ظاهرة فاشية سواء في الوسط الديني أم فيما يسمى بالقراءات الحداثية للنص الشرعي، فمفهوم المخالفة له تأثير في كليهما، ويعدون مفهوم المخالفة ظاهرا متبادرا، ويهدمون به المنطوق، مع أن من موانع العمل بدلالة المفهوم، إذا جاء المنطوق معبرا عن الواقع، ومن المهم الاطلاع على الـمُثُل الآتية.
3-الأمثلة من الكتاب العزيز على ما خرج مخرج الواقع وأن مفهوم المخالفة باطل:
أ-(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) (130) الأحزاب.
فمنطوق الآية يحرم الربا أضعافا مضاعفة، وهو ما كان عليه واقع العرب في الجاهلية، ولكن من المعلوم بالضرورة عدم اعتبار مفهوم المخالفة وهو جواز الربا إذا لم يكن أضعافا مضاعفة، وقد سقط في هذا المفهوم مَن سقط من أسرى مفهوم المخالفة، ويدل على إبطال مفهوم المخالفة هنا، قوله تعالى: (فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم) وهذا شاهد من الشرع على إبطال مفهوم المخالفة في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً)، ويحرم الشرع الربا سواء كان أضعافا مضاعفة أم لا، ولو كان الربا يسيرا فهو حرام أيضا، ولكن نبه الشارع على حالة خطرة أكثر من غيرها وهو مضاعفة الربا.
ب-(وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) (101) سورة النساء.
منطوق الآية أن قصر الصلاة مشروط بالخوف من فتنة الذين كفروا، وهو واقع حياة الصحاب رضي الله عنهم في علاقتهم مع من يحيط بهم من الأعداء، ومعلوم بالإجماع عدم صحة مفهوم المخالفة وهو عدم صحة قصر الصلاة في الأمن، مع أنه يجوز لنا أن نقصر الصلاة ولو كنا آمنين ما دامت شروط القصر موجودة.
ج-(وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ) (283) البقرة.
منطوق الآية أننا إذا كنا في سفر ولم نجد كاتبا فيجوز الرهن، ولكن السفر أو عدم وجود الكاتب ليسا شروطا في صحة الرهن، لأن واقع السفر يدل على غلبة عدم وجود الكاتب، فخرج السفر وعدم وجود الكاتب مخرج الواقع، ومعلوم باتفاق عدم صحة مفهوم المخالفة وهو أن الرهن ممنوع في الحضر مع وجود الكاتب، وهو باطل باتفاق.
د- (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) (3) النساء
في الآية بيان لواقع وهو أنه من كانت عنده يتيمة يتولاها وأراد الزواج، فليتزوج من غيرها إن شاء، وأن هذا وصف وجود اليتيمة جاء للتنبيه على حالة في الواقع، وليست لبيان وصف مقيِّد للحكم، وباتفاق عدم صحة مفهوم المخالفة وهو اشتراط وجود يتيمة يخاف ظلمها لجواز الزواج الثاني.
هـ-(وربائبكم اللاتي في حجوركم) (23) النساء:
منطوق الآية أنه تحرم الربيبة في على زوج أمها وتربت في حجر زوج أمها، وهي حالة واقعية غالبا، وخرجت الربيبة مخرج الواقع الغالب، أما مفهوم الآية فإنه يجوز زواجه من ابنة زوجته إن كانت غير ربيبة، وهو مفهوم باطل اتفاقا.
و-وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ (117) المؤمنون:
منطوق الآية يحرم اتخاذ إله آخر مع الله لا برهان عليه، وقد خرج مخرج الواقع وهو تنبيه على تحريم الإله الآخر مع الله، كما هو واقع المشركين، ولكن لا مفهوم لإله آخر، بأنه يجوز اتخاذ أكثر من إله آخر، ومن الملاحظ أنه يمتنع القول بجواز اتخاذ إلها آخر له برهان عليه، ولكن الواقع أنه لا برهان على تلك الدعوى، ولو تعددت الآلهة الكثيرة، وهذا يؤكد بطلان مفهوم المخالفة.
ز-وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد(51) النحل
المنطوق تحريم اتخاذ إلهين، فهل يجوز المفهوم وهو يجوز اتخاذ ثلاثة آلهة، أم أنه نهي عن تعدد الإله وهو خارج مخرج الواقع لا مفهوم له، فهل سيجيز الواقعون تحت تأثير المفهوم ثلاثة آلهة بناء على المفهوم؟ أم أننا أمام اضطراب في دلالات الألفاظ .
4-إن لم يكن الواقع قيدا في الحكم فما فائدة ذكره؟!
أ-لا حَشْو في كتاب الله:
من المسلَّم أنه لا حَشْو في كتاب الله تعالى، ومعنى الحشو هو وجود زيادة بلا معنى،قال في المراقي:
تواتر السبع عليه أجمعوا…ولم يكن في الوحي حَشْو يقع
مما يعني أن هناك معنى إضافيا من ذكر تلك الأوصاف، التي قلنا إنها ليست قيدا ولا مفهوم لها، وهو أن الشارع يريد أن ينبه على حالات بخصوصها لما تحتاجها من عناية خاصة، فهو من باب التنبيه على أحد الأفراد التي يتناولها الحكم، مثل قوله تعالى: (ولا تقل لهما أف) فهو ذاكر للأدنى ويريد النهي عن كل ما فوقه، وهو ما يعرف بدلالة التنبيه.
ب-العناية بواقع الجيل الأول من المؤمنين:
كما أن الجيل الأول من الصحابة هم جيل الاتِّباع فهم بحاجة إلى التنبيه على خصوص تلك الحالات التي يعيشونها، أما من بعدهم فإنهم ينتفعون بالأسوة الذين عاشوا فترة النهي للصحابة وأنهم استجابوا للأوامر بالرغم من معيقات الواقع أمامهم، فيضفي ذلك مزيدا من الاقتداء في قلوب التابعين، لما رأوه من امتثال الجيل الأول وهم الصحابة، ولا أريد الإطالة هنا بذكر الأمثلة السابقة وما يفيده كل مثال من بيان امتثال الجيل الأول من المؤمنين الذين يستحقون بجدار لقب القدوة والأسوة لمن بعدهم، بذكر الوقائع التي كانوا يعيشونها.
خامسا: ثبوت أدلة الأصول بالشرع وبالاستقراء أيضا:
1-كيف تثبت القواعد الأصولية:
أ-بالاستقراء:
وددت أن أستثمر أصوليا في هذه المسألة، وهي أن النصوص التي سردتها جميعا جاءت لبيان الواقع، ولبيان أن الاستقراء وهو أقوى المناهج،و هو من أصول تلك القواعد الأصولية التي تبين أن ما خرج مخرج الواقع لا مفهوم له,.
ب-شاهد من الشرع:
بل ويشهد لذلك شاهد من الشرع، وهو أن الشرع نفسه هو الذي أسقط المفهوم كما جاء في الحديث الحسن الصحيح في سنن الترمذي عن يعلى بن أمية، قال: قلت لعمر بن الخطاب: إنما قال الله: {أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم} وقد أمن الناس، فقال عمر: عجبت مما عجبت منه. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته.
2-القواعد الأصولية ليست من وضع الأصوليين:
ولا تنس الشاهد السابق الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر بمراجعة زوجته، وهو مستند الإجماع أن أمر الثاني أن يأمر ثالثا هو أمر للثالث إن كان الأمر على جهة البلاغ، وهنا تضع يدك على شواهد علم الأصول من المنقول والمعقول، وأنها ليست من وضع الشافعي رضي الله عنه، بل هي وضع الشارع وصدقه العقل.
فالعقل والنقل هم الشهود العدول على قواعد الأصول، في إسقاط المفهوم لما جاء مبينا للواقع الذي بينته سابقا في أمثلة القرآن الكريم، وذكرت من الأمثلة ما يكفي لبيان وجه الاستقراء في أدلة الشريعة في كيفية التعامل مع المفاهيم، وذكرت من أمثلة القضاء في العالم بما لا يختلف فيه اثنان ولا تتناطح عَنْزان.
3-خرافات التجديد بالهدم والمستهلك الرديء للثقافة:
ولكننا أمام قوم بلا منقول ولا معقول ولا مسؤول، حالة من الـخَرف الثقافي والتسكع المعرفي باسم الحداثة، تعيش هوس الجديد ولو كان بالبول في ماء زمزم، وتجد هذه الخرافة طريقها إلى المستهلك الرديء للثقافة، بعد حَقْنه بجرعة عواطف زائدة: استعمل عقلك، لا تسلم عقلك للفقهاء، الجمود الفقهي، والكتب الصفراء، نبذ التقليد، روح العصر، نحن نريد أن نعيش عصرنا، إلى غير ذلك من أنواع الحشيش الإعلامي المغشوش المقدم في برامج فتاوى السهرة.
4-أصول الفقه يتجدد بالبناء لا بالهدم:
يقوم التطور في الفكر الغربي على التطوير بالحذف، بمعنى يهدم ثم يطور، لأنه قام تاريخيا على دين باطل، وسلطان رجال الدين، فكان الهدم ضروريا للتطور، وأين هذا من علم أصول الفقه الذي يتجدد بالبناء والتراكم على السابق، حيث بدأه الشافعي رحمه الله، ثم أئمة أهل السنة العظام قاموا على التجديد بالبناء والتراكم على الحق البين، حيث طالت هذا العلم يد التجديد بالبناء على السابق، ولا ننس جهود أئمة السنة في ذلك: كالباقلاني، والجويني، والغزالي، والتاج السبكي، وغيرهم.
5- قال الشاطبي(من خرج من حد الشارع لم يعد له حد ينتهي إليه):
أ-ما الدليل على وجوب عطاء الذراعين والساقين:
بينت في مقالة سابقة حكم المصافحة بين الرجل والمرأة، بأنه على فرض جواز المصافحة ولا دليل على تحريمها أنه لا يحرم مس بقية أجزاء الوجه مثلا، وهنا نقول بناء على ما يقرره الشاطبي سابقا ما الحد الذي ينتهي إليه عدم وجوب الحجاب، فإن جاز للمرأة كشف رأسها، لعدم وجود دليل شرعي موجب لغطاء الرأس، فما الدليل الموجب لغطاء الذراعين أو الساقين أو الخ…!
ب-المال الحرام في خدمة الفكر الحرام:
لنعلم أننا لسنا أمام مسألة غطاء الرأس، بل أكثر من ذلك، وهو تذويب الأمة الإسلامية في مستنقعات العولمة ليس إلا، وأن كتائب التجسس الثقافي هي طلائع العولمة، وهي تمارس العمالة الثقافية، التي تجمع بين الفكر الحرام والمال الحرام.
سادسا: الوسط الديني يعاني من اضطرابات مفهوم المخالفة:
1-اضطرابات مفهوم المخالفة من الداخل أيضا:
إن الاضطراب في مفهوم المخالفة ليس مقتصرا على المقتحمين من خارج الأسوار فقط، بل تجد أمثلة كثيرة مشابهة في الوسط الديني وقعت في شَرَك المتشابه، وهو مفهوم المخالفة، فقد تم إسقاط فرائض قضاء الصلوات على من تركها عمدا، بمفهوم المخالفة، وكذلك تم إسقاط صدقة الفطر بعد صلاة العيد بمفهوم المخالفة أيضا.
بمعنى أن إسقاط الفرائض من داخل الوسط الديني نفسه بمفهوم المخالفة، وهو نفس منطق الفهم من خارج الوسط الديني الذي أسقط فرضية الحجاب، وهذا يفسر قصور الوسط الديني عن متطلبات المرحلة التي نعيشها، بسبب تشابه الطريقة في المتشابه! ولكن حدثت ضجة حول إسقاط الحجاب أما إسقاط قضاء الصلاة فقد تم بهدوء، لأنه جاء من داخل الوسط الديني بالرغم مما نقلته من اتفاق المدارس الفقهية السنية على وجوب قضاء المسلم المتعمد لتركها، وكذلك صدقة الفطر.
ناهيك عن هدم الشهادتين بترك الصلاة تكاسلا، وتم تكفير جماهير من المسلمين، وكان القصف الخارجي هو الحكم بإيمان من أشرك بالله وجعل له ولدا وزوجة بظواهر الكتاب العزيز، مما يعني أن التفجير الداخلي والقصف العشوائي من الخارج، جاء نتيجة للغلو في الظاهر، الذي أدى إلى نشأة الفرق والطوائف في صدر الإسلام .
2-الغزو من الخارج والهدم من الداخل:
إن ما فعله مسقطو فريضة الحجاب كان مجرد محاكاة لما يفعله بعض المفتين في الوسط الفقهي السني، لذلك تشعر المجتمعات بشلل فكري تجاه الشبه الغازية من الخارج، والسبب بسيط أن طريقة الغزو الخارجي في الهدم لا تختلف كثيرا عن طريقة الوسط الديني نفسه في الفتوى حيث اختلفت النتيجة واتحدت الطريقة.
وتشتركان جميعا في دعوى التجديد والتشكيك في المدرسة الفقهية السنية في المذاهب الأربعة، بشقيها الفَرعي والأصولي، واستعمال الحقن العاطفية، بتهييج الدهماء على العلماء، بدعوى الإبداع وذم التقليد، وإخضاع الشريعة للرأي والرأي الآخر على طريقة العولمة.
3-السؤال الأصولي وتصحيح المسيرة:
من أسقط قضاء فرائض الصلاة، وصدقة الفطر بعد العيد، ادعى كعادته، لا دليل على على وجوب قضاء الصلاة ولا صدقة الفطر، ولكن السؤال الصحيح، بعد ثبوت وجوب الصلاة وصدقة الفطر أن يكون السؤال: أين الدليل المسقط للوجوب، وليس أين الدليل الموجب للقضاء، لأن القضاء واجب بمجرد انشغال الذمة بالواجب، ولا يسقطها إلا دليل من الشرع، وليس عدمَ الدليل في زعم من أسقط فريضة قضاء الصلاة وصدقة الفطر.
4-تصحيح الأسئلة، أين الدليل المسقط لفريضة الحجاب:
وقد صححت سابقا سؤالا خطأ، وهو أين الدليل على تحريم مصافحة الأجنبية، وقلت إن تصحيح السؤال وهو واجب المفتي ليصبح السؤال: أين الدليل على جواز مصافحة الأجنبية، لأن الأصل فيها التحريم، وتصحيح السؤال في مسألة الحجاب، إذا ثبتت فرضية الحجاب بإجماع أين الدليل الشرعي المسقط لهذه الفريضة؟.
5-خاتمة لا بد منها مع الإمام القرافي الفقيه الأصولي المالكي:
قال في أهمية علم الأصول: (وما علموا أنه لولا أصول الفقه لم يثبت من الشريعة قليل ولا كثير، فإن كل حكم شرعى لا بُدَّ له من سبب موضوع، ودليل يدل عليه وعلى سببه، فإذا ألغينا أصول الفقه ألغينا الأدلة، فلا يبقى لنا حكم ولا سبب، فإن إثبات الشرع بغير أدلته، وقواعدها بمجرد الهوى خلاف الإجماع، ولعلهم لا يعبئون بالإجماع، فإنه من جملة أصول الفقه، أو ما علموا أنه أول مراتب المجتهدين، فلو عدمه مجتهد لم يكن مجتهدا قطعا، غاية ما في الباب أن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم لم يكونوا يتخاطبون بهذه الاصطلاحات، أما المعاني فكانت عندهم قطعا)، انظر: نفائس الأصول في شرح المحصول.
هذا ما حضر وما غاب أكثر
والطريق إلى السنة إجباري
ملاحظة: بالرغم من الإجماع حاسم في المسألة هذه، لكنني لم أتطرق له في هذه المقالة، رغبة في أن تكون هذه المقالة مؤسِّسة لمقالة قادمة تبين كيف يتشكل الإجماع؟ وكيف يثبت؟ وكيف يعترض عليه؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق