مقدمة
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله،
والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه؛؛؛ أما بعد:
فالسبب في
كتابة هذه الرسالة؛ هو ما ذاع وشاع بين أوساط السلفيين؛ من أنه ليس كل من وقع في
بدعة؛ يبدع. هكذا بإطلاق؛ ولأن ما تكرر - دون نكير - تقرر؛ صارت هذه القاعدة
الباطلة ديناً يدان به، ويقام عليها الولاء والبراء؛ لا يجوز الكلام فيها؛ بل ولا
الحوم حولها، وإلا رُمي المتكلم بكل بلية ورزية؛ حتى وصل بهم الحال إلى أن حظروا
الكلام في المبتدعة الأصليين الذين تربوا على البدعة، ورضعوا لبانها، والاعتذار
لهم، ووصفهم بالإمامة ([1]) مقرراً أن منهج أهل
السنة عدم تتبع الزلات والعثرات - مهما كانت - وعدم إهدار الحسنات؛ بل جوز بعضهم الاجتهاد
في مسائل الاعتقاد.
قال الألباني:
"اشتهر بين كثير من العلماء قديماً وحديثاً؛ أن المسلم اذا أخطأ فيما يسمي
عند العلماء بالفروع يعذر؛ أما اذا أخطأ في
الأصول - في العقيدة - فلا يعذر. نحن نعتقد أن هذا التفريق - أولاً - ليس له دليل
من الشرع، وثانياً:
نعتقد أن المسلم من الواجب عليه أن يتقصد دائماً وأبداً؛ أن يعرف الحق مما اختلف فيه
الناس؛ سواء كان ذلك متعلقاً في الأصول أو الفروع أو في العقائد أو في الأحكام؛
فاذا أفرغ جهده لمعرفة الحق فيما اختلفوا فيه؛ فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر
واحد ([2])"اهـ
وهذا كلام من
لا يعرف شيئاً عن مذهب أهل السنة والجماعة؛ الذين أجمعوا على أنه لا اجتهاد
في مسائل الاعتقاد؛ فليس على المسلم إلا التسليم والاتباع؛ وأن من خالف في شيء
منها: نابذوه وباغضوه وبدعوه وهجروه". ([3])
قال الحسن البصري: "مر بي أنس بن مالك، وقد بعثه زياد إلى أبي بكرة
يعاتبه؛ فانطلقت معه فدخلنا على الشيخ وهو مريض؛ فأبلغه عنه؛ فقال: إنه يقول: ألم
أستعمل عبيدالله على فارس؟ ألم أستعمل رواداً على دار الرزق؟ ألم أستعمل عبدالرحمن
على الديوان وبيت المال؟ ([4]) فقال أبو بكرة: هل زاد
على أن أدخلهم النار؟ فقال أنس: إني لا أعلمه إلا مجتهداً. فقال الشيخ: اقعدوني؛
إني لا أعلمه إلا مجتهداً! وأهل حروراء قد اجتهدوا؛ فأصابوا أم أخطأوا؟ قال أنس:
فرجعنا مخصومين"اهـ (تهذيب الكمال 7/358)
وقال ابن أبي زيد القيرواني: "ومن قول أهل السنة: إنه لا يعذر من أداه
اجتهاده إلى بدعة؛ لأن الخوارج اجتهدوا في التأويل فلم يعذروا؛ إذ خرجوا بتأويلهم
عن الصحابة؛ فسماهم عليه الصلاة والسلام (مارقين من الدين) وجعل المجتهد في
الأحكام مأجوراً، وإن أخطأ"اهـ (الجامع في
السنن والآداب والمغازي والتاريخ ص
121)
وقال عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ: "وأهل العلم والإيمان لا
يختلفون في أن من صدر منه قول أو فعل يقتضي كفره أو شركه أو فسقه؛ أنه يحكم عليه
بمقتضى ذلك"اهـ (عيون الرسائل والأجوبة على المسائل 2/511)
قلت: "وأنا بفضل الله عز وجل؛ متبع لآثارهم؛ مستضيء بأنوارهم؛ ناصح
إخواني وأصحابي ألا يزيغوا عن منارهم، ولا يتبعوا غير أقوالهم، ولا يشتغلوا بهذه
المحدثات من البدع التي اشتهرت فيما بين المسلمين، وظهرت وانتشرت، ولو جرت واحدة
منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة؛ لهجروه، وبدعوه، ولكذبوه، وأصابوه بكل
سوء، ومكروه". ([5])
وممن تولى كبر
هذا الأمر؛ رجل يشار إليه بالبنان على أنه شيخ السلفية الهمام - وليس كذلك البتة -
تفرق السلفيون بسببه شذر مذر، وضل كثير منهم بتقعيداته الفاسدة، وتقريراته الباطلة؛
فضلاً عن إرجائه الذي بثه بينهم، وأزهم إليه أزاً؛ الأمر الذي دفعني للرد عليه، وبيان
طرف من حاله، وحال أتباعه؛ كما تراه في:
1-
سلسلة (منهج
السلف الصالح في التعامل مع أخطاء العلماء).
2-
ليسكت معور عن
معور.
3-
الغرباء.
4-
إلى الناقمين.
5-
رسلان
والإرجاء غير المذموم.
6-
أبو حنيفة بين
ذم السلف ومدح الخلف.
7-
التعليق على
مقال ]إعلام الدعاة
بسمات المميعة والحدادية الغلاة[.
8-
بين توجيهين.
9-
رداً على سؤال
عاتب.
10-
منهج صحيح
وتطبيق خاطئ.
ولا بأس أن أطلع
من لا زال يحسن الظن بهم؛ على شيء من أقوالهم؛ ليرى مدى تناقضهم. ولله در الحسن إذ
يقول: "اعتبروا الناس بأعمالهم، ودعوا أقوالهم؛ فإن الله لم يدع قولاً إلا
جعل عليه دليلاً من عمل؛ يصدقه أو يكذبه؛ فإذا سمعت قولاً حسناً؛ فرويداً بصاحبه؛
فإن وافق قوله فعله؛ فنعم ونعمة عين".
وغير تقي يأمر الناس بالتقى **** طبيب يداوي والطبيب
عليل
وليعرف أنهم من أعلم الناس بمنهج السلف، وبما كان عليه الأئمة، وأننا لم نأت
بمنكر من القول وزور؛ بل كلامنا هو عين كلامهم، وهو نفسه كلام أئمة السلف؛ إلا
أنهم يخالفون كلامهم؛ بسبب منهج الموازنات الذي وقعوا فيه من حيث لا يدرون؛ رغبة
تارة، ورهبة تارات؛ فصار تقعيدهم في واد، وتطبيقهم في واد آخر.
قال ربيع
المدخلي: "فهذا داود كان من كبار علماء الحديث، وله مؤلفات كثيرة في السنة،
وإليه انتهت رياسة العلم في بغداد، ومع هذا كله؛ لما قال القرآن محدث (أي مخلوق)
بدعه أهل السنة، وما حمل كبار أهل السنة مجمله على مفصله؛ لأنه كان سلفياً؛ كما
يقوله غلاة المداهنين وغلاة التمييع والتضييع. وجاء داود إلى الإمام أحمد معتذراً
ومنكراً أنه قال بهذه البدعة؛ فلم يصدقه، ولم يأذن له بالدخول عليه. فأين حمل
المجمل على المفصل الذي اخترعه أهل الأهواء؛ ثم كفوا عنه، وحمل رايته أدعياء
السلفية وحماة البدع وأهلها من غلاة التمييع؟ وهؤلاء أئمة السنة يؤلفون عشرات
المجلدات في الجرح والتعديل، وهي مليئة بجرح أهل البدع والضعفاء والكذابين، ولا
تجد أثراً لهذا المنهج البدعي، ولم يعارضهم لا أهل السنة ولا أهل البدع بهذا
المنهج الباطل الذي اخترع في هذا العصر للدفاع عن أهل الضلال. فإذا كان هذا المنهج
يمثل العدل؛ فإنه يلزم عليه بأن سلفنا الصالح من محدثين وفقهاء ومؤلفين في العقائد
وغيرها كانوا أهل ظلم وغلو؛ حاشاهم ثم حاشاهم، وكبت الله خصومهم المخالفين لمنهجهم
وأصولهم وكافأهم بما يستحقون"اهـ
وقال: "الألباني
- والذي نعلم - له من أبرز تلاميذه، وأفضلهم في ذلك الوقت -في حياته -
هذا محمد نسيب الرفاعي؛ في مسألة واحدة هجره، وطلب هجره؛ مسألة واحدة! ولم يصبر
عليه ولا أدنى مدة - والله الذي لا إله إلا هو - أنا قلت لكم: مسألة واحدة؛ بمسألة واحدة
فقط؛ هجره؛ وأمر بهجرانه إلى أن مات"اهـ
وقال:
"هل التأصيلات الباطلة لرد الحق، ولمصادمة أصول السلف ومنهجهم؛ من الهفوات
والزلات؟ وهل هذا الطعن الشنيع، والتشويه الظالم لأهل السنة؛ من الهفوات والزلات؟"اهـ
وتعقب عبدالرحمن
عبدالخالق في قوله: لو طبقت هذه الأصول - أي:
منهج السلف في التبديع - فإنه لا يبقى معها مسلم؛ إلا ويثلب، ولا يقام عمل للإسلام؛ إلا
وينهار. فقال: "بل هو أصل أصيل من أصول أهل السنة والجماعة؛ بل أجمعوا عليه،
وقد كان بعض الصوفية يعارضه؛ ثم أخمد هذا الصوت الذي لا سند له إلا الجهل
بالدين، وتقديس الأشخاص، والجهل بمعرفة المصالح العظيمة التي يحققها هذا الأصل،
والمفاسد العظيمة الخطيرة على الدين والأمة التي يدفعها"اهـ
وقال: "ولقد
كان الرجل يزل زلة واحدة في العقيدة على عهد السلف؛ فيسقطه أئمة السلف والحديث؛
فهل هم هدامون مفسدون أعداء الدعوة السلفية؟"اهـ
وقال مخاطباً
فالح: "إنكم سئلتم عن أشخاص معينين مشهورين عند الناس بالسلفية والدعوة إليها،
وفيهم علماء في نظر الناس؛ فأخرجتهم من السلفية، وهذا الإخراج جرح شديد فيهم يحتاج
إلى أدلة؛ فإذا لم تأت بالأدلة وأسباب هذا الجرح؛ رأى الناس أنك قد ظلمتهم وتعديت
عليهم، وطعنت في دينهم بغير وجه حق؛ فصرت متهماً عند الناس؛ فتحتاج إلى استبراء
دينك وعرضك"اهـ ([6])
قلت: قال علي
رضي الله عنه: "لا تكن ممن ينهى، ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، ويصف العبر،
ولا يعتبر؛ فهو على الناس طاعن، ولنفسه مداهن".
يا أيها الرجل المعلم غيره *** هلا
لنفسك كان ذا التعليم
أبدأ بنفسك فانهها عن غيها
*** فإذا
انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما وعظت ويقتدى *** بالعلم منك وينفع التعليم
وسئل زيد
المدخلي: أحسن الله إليكم إذا خالف عالم من العلماء؛ السلف في أصل من أصولهم؛ فهل
يلحق بأهل البدع ولا كرامة له؛ أم تغفر له زلته هذه في بحر حسناته؟
فأجاب: "إذا خالف في شيء يمكن الخلاف فيه فهو يناقش ويعلم
قبل الحكم عليه بالابتداع، وإلحاقه بأهل البدع؛ يناقش في الموضوع بالأدلة القرآنية
والسنة النبوية؛ فإن كان سلفياً حقاً رجع إلى الحق. وإن كان عنده شيء من البدع
وأثرت فيه شبههم فإنه يظل متعصباً؛ فلا حرج أن يلحق بهم إذا كان تعصب لرأيه، ووقف
مع خطئه الخطأ الذي ترده نصوص الكتاب والسنة. قال القارئ: حتى لو كانت له حسنات.
الشيخ: نعم. القارئ: يقول: في بحر حسناته؛ لو كانت له حسنات. الشيخ: حسناته له؛
لكن الوقوع في البدع بعد بيان أهـل العلم لها بأنها بدع؛ لا يجوز له، وخدش في
عقيدته وفي منهجه، ويهجر بسببه؛ لأن من يعرض عليه الحـق فيرفضه صار متكبراً؛ كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الكبر بطر الحق وغمط الناس)؛ أي يعرض عليه الحق بدليله؛
فيرفض ويتعصب لرأيه. هذا ارتكب كبيرة وخطأ يهجر من أجله إذا لم يرجع إلى الحق
والصواب"اهـ
وسئل صالح السحيمي: شيخ أحسن الله
إليك هل يطلق على كل صاحب بدعة مبتدع؟
فأجاب: "من ارتكب بدعة؛ فهو مبتدع؛ لأنه فعل تلك البدعة، ويطلق عليه
أنه مبتدع"اهـ
وقال أحد أتباع
المدخلي: "(قال أبو بكر المروذي: أتيت أبا عبدالله ليلة في جوف الليل؛ فقال
لي: يا أبا بكر؛ بلغني أن نعيماً كان يقول: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فإن كان قاله فلا
غفر الله له في قبره). أقول: نعيم هنا؛ هو نعيم بن حماد الإمام المعروف، وقد كان
شديداً على الجهمية؛ حتى أنه وضع ثلاثة عشر كتاباً في الرد عليهم، وقد ضيق على
نعيم بن حماد بسبب رده عل الجهمية؛ فمات في حبسه أيام المحنة بخلق القرآن. قال
البخاري: (ولقد بين نعيم بن حماد أن كلام الرب ليس بخلق، وأن العرب لا تعرف الحي
من الميت إلا بالفعل؛ فمن كان له فعل فهو حي ومن لم يكن له فعل فهو ميت، وأن أفعال
العباد مخلوقة؛ فضيق عليه حتى مضى لسبيله، وتوجع أهل العلم لما نزل به، وفي اتفاق
المسلمين دليل على أن نعيماً ومن نحا نحوه؛ ليس بمفارق ولا مبتدع؛ بل البدع
والرئيس بالجهل بغيرهم أولى؛ إذ يفتون بالآراء المختلفة مما لم يأذن به الله). ولم
يشفع كل هذا له عند الإمام أحمد؛ لو كان قال بقول اللفظية، ولم يقل الإمام أحمد:
(نتأول كلام نعيم فكيف يوافق الجهمية وقد كان شديداً عليهم)، ولم يقل: (هو سني
إمام والسني إذا أخطأ لم يخرجه ذلك من السنة)؛ كما يقوله بعضهم دونما تفريق بين
أنواع الأخطاء، ولم يقل: (لعله أراد كذا وكذا) ولم يقل: (قد أفضى إلى ما قدم فمالي
وماله). قال ابن تيمية: (والمنصوص عن الإمام أحمد ونحوه من العلماء؛ أن من قال: إن
اللفظ بالقرآن والتلاوة مخلوقة؛ فهو جهمي، ومن قال: إنه غير مخلوق فهو مبتدع؛ لأن
اللفظ والتلاوة يراد به الملفوظ المتلو، وذلك هو كلام الله؛ فمن جعل كلام الله
الذي أنزله على نبيه مخلوقاً؛ فهو جهمي، ويراد بذلك المصدر وصفات العباد؛ فمن جعل
أفعال العباد وأصواتهم غير مخلوقة فهو مبتدع ضال). فالإمام أحمد عند المييعة سائر
على منهج إقصائي صرف؛ يأخذ فيه بالظواهر، ويحاكمهم إليها، ويبني على ذلك التحذير
والتشهير؛ دونما اعتبار لحسنات المحذر منه ([7])
وبقي أن نقول: إن الإمام أحمد علق الحكم على نعيم بالصحة، ولا يصح ذلك عنه إن شاء
الله تعالى، وإن صح فقد روي عنه التراجع. قال الخلال في السنة بعد أثر أحمد
السابق: (أخبرني محمد بن عبدالله الرحبي بالرحبة؛ قال: سمعت مؤملاً - يعني: ابن
إهاب - يقول: قلت لنعيم بن حماد: ما حملك على هذه الكلمة؛ أن قلت: لفظي بالقرآن
مخلوق؟ فقال: والله ما أرى بها إلا الاحتجاج عليهم؛ فقلت: لا تعد؛ فقال: أنا
أستغفر الله منها؛ ما أردت إلا الاحتجاج بها). والمراد هنا بيان منهج الإمام أحمد
في التعامل مع الانحرافات التي من هذا النوع"اهـ ([8])
وقال آخر:
"وإن قلتم: يطالب بمعاملة خاصة؛ قلنا لكم: ليس ذلك بلازم؛ لأننا رأينا
الأئمة يشنعون على من زل بأقل من الكلمة التي قالها الرمضاني
([9])
بل يشنعون على من صدرت منه عبارات مجملة تحتمل حقاً وباطلاً،
وقد ينسبونه إلى البدعة بسبب ذلك؛ فكيف بمن صدرت منه كلمة صريحة القبح؛ ظاهرة
البطلان، وهي منتشرة منذ سنين في الآفاق من غير بيان، ولا نكران؟"اهـ
ونقل أحدهم -
مقرراً - عن الشاطبي قوله: "وكذلك جاء في الحديث: (لا حمى إلا حمى الله
ورسوله)؛ ثم جرى بعض الناس ممن آثر الدنيا على طاعة الله؛ على سبيل حكم الجاهلية؛ }وَمَن
أَحسَنُ مِن اللهِ حُكماً لِقَومٍ يُوقِنُونَ{، ولكن الآية والحديث, وما كان في معناهما؛
أثبتت أصلاً في الشـريعة؛ مطرداً لا ينخرم, وعاماً لا يتخصص, ومطلقاً لا يتقيد,
وهو: أن الصغير من المكلفين والكبير, والشريف والدنيء, والرفيع والوضيع؛ في أحكام
الشريعة سواء؛ فكل من خرج عن مقتضى هذا الأصل؛ خرج من السنة إلى البدعة, ومن
الاستقامة إلى الاعوجاج"اهـ ([10])
وقال حامل
الراية الثاني: "دين الله لا يعرف المجاملات"اهـ ([11])
وقال آخر:
"لقد كان السلف الصالح يمتازون بمعاملتهم لأهل البدع بالشدة والقسوة، وكانوا
يعدون هذه الشدة على أهل الأهواء والبدع من المناقب والممادح التي يمدح بها الرجل
عند ذكره؛ فكم من إمام في السنة قد قيل في ترجمته مدحاً له: كان شديداً في السنة،
أو كان شديداً على أهل الأهواء والبدع. وما كان باعثهم على هذه الشدة إلا الغيرة
والحمية لهذا الدين، والنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .. ولكن والله
المستعان؛ قد انقلبت هذه الموازين، وتغيرت هذه المفاهيم؛ فأصبح اللين والموادعة
لأهل البدع هي المطلوبة؛ بل هي الواجبة والممدوحة، وأصبحت الشدة على أهل البدع يمتاز
بها أناس معينون قليلون، وأهل زماننا لهم عائبون"اهـ ([12])
ثم أرسل لي
أحد الطلبة؛ رابط رسالة ([13])-
بتقديم الحجوري - لواحد من مدرسة؛ لا تختلف كثيراً عن المدرسة المومى إليها؛ فتصفحتها
فرأيته قد قرر فيها مثل ما مضى عن أشياخه وأصحابه؛ فنسخت من قوله ما يلي:
قال: "ودليلُ
هذا الأصلِ الشرعي ما جاءَ في عِدَّةِ أدَلَّةٍ
أفادَت أنَّ الانحِرافَ والهَلكةَ قد تَثبتُ بقولٍ, أو فِعلٍ واحدٍ, كما قالَ
سبحانهُ: ﴿وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ﴾,
وحين قال بعضُ الناسِ: ما نَرى قُرائنا هؤلاءِ إلا أسمنَ بطُوناً, وأكذبَ ألسنةً,
وأجبنَ عندَ اللقاء. أنزلَ سبحانهُ: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا
كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾. ولمَّا
اختلَفَ أبو بكرٍ وعمرَ رضي اللهُ عنهما بحضرةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
فِيمن يجعلُ على بني تميمٍ, فأنزل اللهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا
تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ
بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ
لَا تَشْعُرُونَ﴾. وقال ابنُ أبي مُليكة: كادَ الخِيِّران أن يهلِكا؛ رفَعا
أصواتَهما عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البُخاري. وجاءَ في البخاري ومسلم
من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنهُ؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبدَ
ليتَكلَّمُ بالكَلِمة ما يتبيَّنُ فيها, يهوى بِها في النَّارِ سبعينَ خريفاً».
وأدلة المسألةِ كثيرةٌ. وكانَ السَّلفُ رضوانُ الله عليهم سائرين على ذلكَ, كما
جاءَ عن عبدالله بن عمرَ رضي الله عنهُ؛ لما أُخبرَ بمن يقول: الأمرُ أنفٌ. فقال:
أخبرُوهم أنِّي بريء منهم, وأنهم منِّي بُرءاءُ. أخرجهُ مسلم. وهذا الإمامُ أحمدُ؛
تكلَّمَ في الكَرابيسي في مسألةِ اللفظِ؛ فَسَقطَ!. قال الخطيبُ في تاريخه: وحديثُ
الكَرابيسيِّ يَعزُّ جِدَّاً, وذلكَ أن الإمامَ أحمد كانَ يتكلَّمُ فيه بسببِ مسألةِ
اللفظِ, وكانَ هو - أيضاً - يَتكلَّمُ فيه, فَتجنَب الناسُ الأخذَ عنهُ لهذا السَّببُ.اهـ
وبدَّعهُ الإمامُ أحمدُ, وحذَرَ منهُ لذلكَ. وكذا سلكَ الإمامُ أحمدُ وخلقٌ من أهل
الحديثِ تجاهُ داودَ بنِ عليِّ الأصبَهاني, فقَد روى الخَطيبُ في تاريخ بغداد؛ أنَّ
داودَ بنَ عليِّ قدمَ بغدادُ بعدَ أحدَث مسألةَ حُدوث القُرآن - بِنَيسابُورَ -
وذكر استئذَانَه في الدُّخولِ على الإمامِ أحمدَ, فقالَ أحمدُ: هذا قد كتبَ إليَّ
محمدُ بن يحيى النَّيسابُوريُّ في أمرِه, زعمَ أنَّ القُرآنَ مُحدَثٌ, فَلا
يَقربني. قال الذَّهبيُّ في السِّير قامَ على داودَ خلقٌ من أهلِ الحَديثِ,
أنكَروا قَولَه وبدَّعوهُ.اهـ وقد تكلَّم المُحدِّثونَ, وأئمةُ السُّنةِ في عددٍ
من أهلِ الحَديثِ الثِّقاتِ الأثباتِ, ورواةِ الحديثِ ممَّن عُرفَ بالسُّنةِ,
لكلماتٍ قالوها, تستلزمُ الباطلَ وتَحتَملُه, فأخذوا كلَّ واحدٍ منهم بلازمِ
قَولهِ في قضيَّةٍ واحدةٍ؛ فبدَّعوهم, وحذَّروا منهم, وإن كانَ لبعضهم فيما قالَ
وجهٌ صحيحٌ كانَ هو مقصُودُه, ولكن المَقصودُ توضيحُ اكتفاءَ أهل العلم من
السَّلفِ في تبديع المُخالفِ بُمخالفةِ أصلٍ واحدٍ. فمِن ذلكَ ما ذكرهُ الخَطيبُ
في تاريخِ بغداد عن محمد بن يحيى الذُهليُّ أنهُ قال في البخاريِّ: ألا من يَختلفُ
إلى مَجلسِه لا يَختلف إلينا, فإنَّهم كتبوا إلينا من بغدادَ أنَّه تكلَّم في
اللفظِ, ونهيناهُ فلم ينتهِ, فلا تقربُوه, ومن يَقربْهُ فلا يَقربْنا.اهـ وقال
ابنُ أبي حاتمٍ في الجرح والتَّعديل: سمعَ منهُ - يعني البُخاري - أبي, وأبو
زرعةَ, ثم تركَا حديثَهُ عندما كتبَ إليهِما مُحمدُ بن يحيى النَّيسابُوري أنهُ أظَهرَ
عندَهم أن لَفظَهُ بالقُرآنِ مخلوقٌ.اهـ قال الذَّهبيُّ في السِّير: فَهمَ منهُ
الذُّهليُّ أنهُ يُوجِّهُ مسألةَ اللفظ؛ فَتكلَّمَ فيهِ, وأخذَهُ بلازمِ قَولِه
هوَ وغيرُه.اهـ وإلا فالأمرُ كما ذكر الخَطيبُ في تاريخِ بغداد أن البُخاريَّ قال:
مَن زعمَ أنِّي قلتُ: لفظِي بالقُرآنِ مخلوقٌ, فهو كاذبٌ, إلا أنِّي قلتَ: أفعالَ
العِبادِ مَخلوقةٌ.اهـ ونقلهُ عنهُ الذَّهبيٌّ في السِّير عقبَ قولِهِ السَّابقِ.
ومِن ذلكَ ما ذّكرهُ ابنُ أبي خَيثمةَ في تاريخه؛ فقال: أخبرَني سليمانُ بنُ أبي
شيخٍ, قال: كان عبيدُالله بن الحسن اتُّهمَ بأمرٍ عظيمٍ, ورويَ عنهُ كلامٌ رديءٌ؛ يعني
قولَه: كلُّ مُجتَهدٍ مُصيبٌ.اهـ قال الشَّاطبيُّ: وعبيدُالله بن الحسنِ العنبريُّ
كانَ من ثقاتِ أهلِ الحديثِ, ومن كبارِ العَارفين بالسُّنةِ, إلا أنَّ النَّاس
رمَوْهُ بالبدعةِ, بسببِ قولٍ حُكيَ عنهُ, من أنَّه كانَ يقول بأنَ: كلَّ مُجتَهدٍ
من أهلِ الأديانِ مُصيبٌ؛ حتى كفَّرَهُ القَاضي أبو بَكرٍ وغيرُهُ.اهـ ومن ذلكَ ما
ذكرهُ الخطيبُ في تاريخِ بغداد؛ فقال: الحديثُ الذي حُفظَ على ابنِ عليَّةَ شيءٌ
يتعلَّق بالكلامِ في القُرآن, وساقَ بإسنادِهِ إلى إبراهيمَ الحربيِّ, قال: دخلَ
ابنُ عليَّةَ على محمدِ بن هارون, فقال له: يا ابنَ كذا وكذا - أي: شتَمهُ - أيش
قلتَ؟ فقال: أنا تائبٌ إلى الله, لم أعلمْ ما أخطأتُ فيه, فقال: إنما كانَ حدَّثَ
بهذا الحديثِ: «تجيءُ البقرةُ وآلُ عمرانَ يومَ القيامة, كأنَّهما غمامتانِ, أو
غيايتَان, أو فِرقان من طيرٍ صوافِّ, يُحاجَّان عن صاحبهما, قال: فقيلَ لابنِ
عُليَّةَ ألهما لسانان؟ قال: نعَم, فكيفَ تكلَّما؟. فقيل: إنهُ يقولُ القرآنُ مخلوقٌ,
وإنَّما غلطَ. وروى الخطيبُ في تاريخ بغداد بإسنادِه إلى الإمامِ أحمدَ أنهُ قال:
ما زالَ إسماعيلُ وضيعاً من الكلامِ الذي تكلَّم به إلى أنْ ماتَ. فقالَ الفضلُ
بنُ زيادٍ: أليسَ قد رجعَ وتابَ على رؤوسِ الناسِ؟ فقال: بَلى, ولكن ما زالَ مُبغضاً
لأهلِ الحديثِ بعدَ كلامِه ذاكَ إلى أنْ ماتَ. وروى الخطيبُ - أيضاً - بإسنادِه عن
أبي سلمةَ بن منصور الخُزاعي, أنهُ أرادَ أن يُحدِّث عن زهيرِ بنِ مُعاويةَ,
فسبقهُ لسانهُ فقال: حدَّثنا إسماعيلُ بن عليَّةَ, فقال: لا, ولا كرامةَ أن يكونَ
إسماعيلُ بن عليَّة مثلُ زهيرٍ, ثم قال: أردتُ زهيراً, ثم قال: ليس من قارفَ
الذنبَ, كمن لا يُقارفُه, ثم قال: أنا والله استتبتُه - يعني: إسماعيل -.اهـ هكذا
نهجَ السلفُ في الاكتفاءِ بمُخالفةِ أصلٍ واحدٍ. ومن ذلكَ ما ذكرهُ الخطيبُ في
تاريخ بغداد بسندِه عن أحمد, أنهُ سُئلَ عن يعقوبَ بن شيبةَ, فقال: مُبتدعٌ صاحبُ
هوى. قال الخطيبُ: إنَّما وصفهُ أحمدُ بذلكَ؛ لأنَّهُ كانَ يذهبُ إلى الوقفِ في
القرآن. ثمَّ ساقَ بإسنادهِ إلى أحمدَ بن كاملٍ القاضي؛ أنهُ قال: كان - يعني:
يعقوبَ - يقفُ في القرآنِ. وهذه أمثلة ونماذجُ كافيةٌ في بيانِ منهجِ السلفِ في
الاكتفاءِ بمخالفةِ أصلٍ, وإنما استطردتُ في ذلك – لا استقصاء - لما نلمسُهُ من
توغُّلِ الطَّرقِ الخلفيَّةِ في نفوسِ أناسٍ في هذا الأمرِ, حيثُ أنَّا نجدُ من لا
يرى مخالفةَ أصلٍ واحدٍ كافياً في الحكمِ على المخالفِ بالابتداعِ .. ووجهُ
الاكتفاءِ بمخالفة أصلٍ واحدٍ ما ذكرهُ العلامةُ القرافي في كتاب الفروق؛ حيث
قالَ: ما من معنى مأمورٍ به في الشَّريعةِ, ولا منهيِّ عنه, إلا وهو منقسمٌ إلى:
فِعليِّ, وحكميِّ, ونعني بالفعليِّ وجوده في زمن وجودهِ, وتحقُّقهِ, دونَ زمانِ
عدمِه, - ونعني بالحُكميِّ , حكمُ صاحبِ الشَّرعِ على فاعِلهِ بعدَ عدمِه, بأنهُ
من أهل ذلكَ الوصف, وفي حكم الموصوفِ به دائماً, حتى يُلابسَ ضِدَّهُ! -.اهـ
ومثَّل رحمه الله بالإيمانِ, أو الكفرِ؛ إذا استحضرَهُ الإنسانُ في قلبهِ,
والإخلاصِ والنيَّةِ, تقعُ من العبدِ في أوَّلِ العبادةِ, فكل ذلك فعليُّ, فإذا
غفلَ عنهُ بعد ذلكَ لم يزُل عنهُ حتى يُلابسَ ضدَّهُ. ثمَّ قال: وكذلك جميعُ
المعاني المنهيُّ عنها, والمأمورُ بها, من الكبرِ, والعُجبِ, وحبُّ السُّمعةِ,
والإذلالُ, وقصدُ الفسادِ, وإرادةُ العنادِ, ونحوه من الشُّبهاتِ, وحبُّ المؤمنين,
وبغضُ الكافرين, وتعظميُ ربِّ العالمين, والأنبياءِ والمرسلين, وقصدُ نفعِ
الإخوان, وإرادةُ البعد عن حُرماتِ ربِّ العالمينَ, وغيرُ ذلك من المأموراتِ,
-فكلُّ من خطرَ ببالهِ معنى من هذهِ المعاني, ثمَّ غفلَ عنها, كانَ في حُكمِ
الشَّرعِ من أهلِ ذلكَ المعنى, حتى يُلابسَ ضدَّه؟!! -, فهذهِ قاعدةٌ في هذا الفرق
مجمعٌ عليها, والحكميات - أبداً - في هذا البابِ فرعُ الفعلياتِ.اهـ فتبيَّنَ
بذلكَ أن من خالف أصلاً على وجهٍ لا يُعذرُ فيه, ولم يرجعْ عنه, ولم يتبْ, بقيَ في
حكمِ الفاعلِ له, ولا تُزيلُ الغَفلةِ حُكمهُ عن صاحبِهِ, حتى يتلبَّس بضدِّه
بالتوبةِ والإنابةِ. وبهذا يتبيَّنُ خطأُ من لا يعتبرُ المخالفاتِ القديمةِ, التي
لم يُحدث أهلُها توبةً, وتلبساً بضدِّها, إذ بعدم التَّلبس بالضدِّ فصاحبها في حكم
المتلبِّس بها - فعلاً - والمستمرِّ على فعلها, وهذه قاعدةٌ عظيمةٌ تُزيلُ
إشكالاتٍ كثيرةٍ. ([14]) فاتَضحَ بما سبقَ أنهُ
ليسَ من شرطِ مُخالفةِ الأصولِ تقريرَ ذلكَ اعتقادً ونهجاً, بالكتابةِ, أو القولِ,
بل يكفِي مخالفةُ الأصلِ عملياً، ولو لم يُعلِنهُ ويقرِّرهُ بالكتابةِ والنُّطقِ -
اعتقاداً ومنهجاً -, إذِ العملُ كافٍ, بل هو أبلغُ ([15])
كما قال الشَّاطبيُّ في الاعتصام: فإنَّ العملَ - يُشبههُ التَّنصيصُ بالقول, بل
قد - يكونُ أبلغ منه في مواضعٍ!! -.اهـ وعلى هذا: فمن فرَّقَ جماعةَ أهل الحقِّ,
وسعى في أسبابِ الفُرقةِ بالتَّحريش, ونحوه, أو
ضيَّقَ ولاءهُ على طائفةٍ, ونصبَ العداءَ لطائفةٍ, ممن يجب ولاءهُ, أو والى
مَن يجبُ بغضهُ وعداوتُهُ من أهل الانحرافِ, أو سعى في مُحاربةِ طائفةٍ من أهلِ
الحقِّ, ونصبَ العداءَ لهم, أو آوى المُحدثينَ, وأهلَ الفتنِ, ودافعَ عنهم, وأحسنَ
الظَّنَ بهم, وأساءَ الظنَّ بأهل الحقِّ - وفعلَ ذلكَ تديُّناً, واتَّخذهُ
شَرعاً!! -, أو قرَّرهُ منهجاً له, فقد صارَ صاحبُهُ هادماً لقواعدَ منَ الشريعةِ؛
صادَّاً عن سبيلهَا, فإنَ القرآنَ والسنةَ جاءا بالأمرِ بالائتلافِ والاتفاقِ,
وموالاةِ كافَّةِ من يجبُ ولاؤهُ من أهل الحقِّ, ومعاداةِ من تجبُ معاداتُه من
أهلِ الانحرافِ, والنهي عن إيواءِ المُحدثين ومؤازرتهم, وإحسان الظنِّ بهم,
فمُخالفةُ هذهِ الأصولُ اعتقاداً أو عملاً, هدمٌ لها, وصدٌّ عن سبيلها, يُفضي
بأهلها إلى الابتداعِ. ولقد جهلَ أناسٌ لا بصيرةَ لهم في ضبطِ هذه الأُسسِ
الشرعيَّةِ في الحكمِ على المُخالفِ بالابتداعِ, وتجاهلَهُ آخرون, لا إذعانَ لهم
في التزامِ هذه الثوابتِ الشرعيَّةِ, فلا تكادُ تجدُ لهم موقفاً شرعياً ممَّن
يُخالفُ قواعدِ الشريعةِ الكُليَّة, ويهدمُ أصولَها - عملاً -, ولا تجدُ لهم في
الذبِّ عنها هَمسٌ, فلا يزالُ من حينٍ إلى آخرَ في ودِّ, وولاءٍ, وحسنِ ظنِّ,
ودفاعٍ, وإيواءٍ لمن يسعى بالفرقةِ والولاءِ والبراءِ الحزبيِّ الضيِّقِ, وعدواةِ
أهل الحقِّ, والصدِّ عن سبيلِ الهدى, حتى يُفضيَ به الأمرُ إلى مُضادَّةِ الحقِّ
وأهلهِ, وإساءةِ الظَّنِ بهم, كأنَّ دينَ الله مفوَّضاً إليه, يأخذُ منه ما شاءَ,
ويدعُ منهُ ما شاءَ, فلا يرفعُ لقواعدِ السلفِ, وأصولِ الشرعِ رأساً, فيصيرُ من
جُملةِ المُخالفين لها, الصادينَ عن سبيلها, عافانا الله من الفتن المُضلَّةِ .. ثم تكلم عن وجوبُ تضليلِ المُخالفِ في الأصولِ والبراءةُ منهُ وهتكُ سترِه ..
والفَرقُ بينَ الخَفيِّ والظَّاهِر في إِقامةِ الحُجَّة .. إلى أن قال: وبِما
سبقَ يتَّضحُ أنّ إقامةَ الحُجةِ على المُخالفِ ممَّن ينتسبُ إلى السُّنةِ
وأهلِها, أو أهل الإسلامِ عامَّةً في التَّبديعِ, والتَّكفيرِ, والتَّفسيقِ؛
إنَّما تلزمُ فيما مِن شأنِهِ أنْ يخفَى على المُخالفِ, إمَّا لدِقَّتِه وخفاءهِ,
وعُرضتِه للبسِ والإشكالِ, أو فِيما تقضِي العادةُ بأنَّ مثلَهُ لا يبعُدُ أن
يَجهلهُ المُخالفُ, لقُربِ عهدِهِ بالإسلامِ, أو الاستقامةِ, أو نشوئهُ في باديَةٍ
بعيدةٍ, أو نحو ذلَك"انتهى بتصرف ([16])
قلت: والحجوري
نفسه يقول في كتابه (الثوابت المنهجية ص 32): "المبتدع من أحدث في الدين ما
ليس منه، وقد رأينا بعض أهل العلم يقول: الذي يسهب في مخالفة الفروع؛ يقال له
مبتدع؛ فيبدع الشخص بعد بيان الحجة ودفع الشبهة، وأما من يخالف في الأصول ولو في
مسألة واحدة عمداً وقصداً؛ مثل .. كالقول بالانتخابات، أو المظاهرات، أو الحزبيات؛
فيقال لهم: مبتدعة"اهـ
قال ابن
تيمية: "العلم الحقيقي الراسخ في
القلب؛ يمتنع أن يصدر معه ما يخالفه من قول، أو فعل؛ فمتى صدر خلافه؛ فلا بد من
غفلة القلب عنه، أو ضعفه في القلب بمقاومة
ما يعارضه، وتلك أحوال تناقض حقيقة العلم؛ فيصير جهلاً بهذا الاعتبار"اهـ
(اقتضاء الصراط المستقيم 1/257)
بسم الله الرحمن الرحيم
·
"الاجتماع والائتلاف من أعظم الأمور
التي أوجبها الله ورسوله؛ قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{ }وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا{ إلى قوله: }وَلَا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ
الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{ }يَوْمَ
تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ {قال ابن عباس:
تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة. وكثير من هؤلاء
يصير من أهل البدعة بخروجه من السنة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأمته، ومن أهل الفرقة بالفرقة المخالفة للجماعة التي أمر الله بها ورسوله"اهـ
(مجموع الفتاوى 22/358)
·
"وقد تركنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها؛ لا يزيغ عنها إلا هالك، وأخبرنا أن كل ما
حدث بعده من محدثات الأمور؛ فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة".
·
و "البدعة
في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب، ولا استحباب"اهـ
(مجموع الفتاوى 4/107-108)
·
وبمعنى
آخر؛ هي: "ما خالفت كتاباً، أو سنة، أو إجماعاً، أو
أثراً عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم". ([17])
·
و
"البدعة
مع السنة؛ كالكفر مع الإيمان"اهـ (منهاج السنة 3/199)
·
و
"كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". ([18])
·
وهي
تشتمل على حق وباطل؛ فإن "البدعة لو كانت باطلاً محضاً
لظهرت وبانت ([19])
وما قبلت، ولو كانت حقاً محضاً لا شوب فيه لكانت موافقة للسنة؛ فإن السنة لا تناقض
حقاً محضاً لا باطل فيه"اهـ (درء تعارض العقل والنقل 1/137)
·
لذا "من
صبر من أهل الأهواء على قوله؛ فذاك لما فيه من الحق؛ إذ لا بد في كل بدعة - عليها
طائفة كبيرة - من الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويوافق عليه أهل
السنة والحديث ما يوجب قبولها؛ إذ الباطل المحض لا يقبل بحال"اهـ (مجموع
الفتاوى 4/51)
·
بل وينسبها إلى
الملة، ويستشهد عليها "بدليل شرعي؛ فينزله على ما وافق عقله وشهوته، وهو أمر ثابت
في الحكمة الأزلية التي لا مرد لها؛ قال تعالى: }يُضِلُّ بِهِ
كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا{، وقال: }كَذَلِكَ
يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ{"اهـ (الاعتصام 1/177)
·
وجنس البدعة؛
أعظم من جنس المعصية، و"البدع المغلظة شر من الذنوب التي يعتقد أصحابها أنها
ذنوب"؛ لهذا كان المبتدع في دينه؛ أشر من الفاجر في دنياه.
قال
ابن تيمية: "وبذلك مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث أمر بقتال
الخوارج عن السنة، وأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم، والصلاة خلفهم مع ذنوبهم،
وشهد لبعض المصرين من أصحابه على بعض الذنوب أنه يحب الله ورسوله، ونهى عن لعنته
وأخبر عن ذي الخويصرة وأصحابه - مع عبادتهم وورعهم ([20])
- أنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ([21])"اهـ
(مجموع الفتاوى 28/470-471)
وقال:
"وأئمة أهل البدع أضر على الأمة من أهل الذنوب، ولهذا أمر النبي صلى الله
عليه وسلم بقتل الخوارج، ونهى عن قتال الولاة الظلمة"اهـ (مجموع الفتاوى 7/284)
وقال:
"وقد قررت هذه القاعدة بالدلائل الكثيرة مما تقدم من القواعد؛ ثم إن أهل
المعاصي ذنوبهم فعل بعض ما نهوا عنه من سرقة أو زنا أو شرب خمر أو أكل مال
بالباطل، وأهل البدع ذنوبهم ترك ما أمروا به من اتباع السنة وجماعة المؤمنين"اهـ
(مجموع الفتاوى 20/104)
لذا
قال الإمام الكبير يونس بن عبيد؛ لابنه: "يا بني أنهاك عن الزنا والسرقة وشرب
الخمر؛ فلأن تلقى الله بهن؛ أحب إلى من أن تلقاه برأي عمرو (ابن عبيد) وأصحابه"اهـ
(تاريخ بغداد 14/71)
·
وليس معنى هذا؛
أن كل بدعة هي أعظم من المعصية؛ فزخرفة المسجد - مثلاً - بدعة؛ لكنها ليست أعظم من
معصية الزنا.
قال
ابن تيمية: "جنس البدع، وإن كان شراً؛ لكن الفجور شر من وجه آخر، وذلك أن
الفاجر المؤمن لا يجعل الفجور شراً من الوجه الآخر الذي هو حرام محض؛ لكن مقروناً
باعتقاده لتحريمه، وتلك حسنة في أصل الاعتقاد، وأما المبتدع فلا بد أن تشتمل بدعته
على حق وباطل؛ لكن يعتقد أن باطلها حق أيضاً؛ ففيه من الحسن ما ليس في الفجور ومن
السيء ما ليس في الفجور، وكذلك بالعكس"اهـ (الاستقامة 1/399)
·
و
"بعض البدع أشد من بعض، وبعض المبتدعة يكون فيه من
الإيمان ما ليس في بعض"اهـ (بتصرف من مجموع الفتاوى 12/501)
·
و
"لا
تجد أحداً وقع في بدعة؛ إلا لنقص اتباعه للسنة علماً وعملاً، وإلا فمن كان بها - أي بالسنة - عالماً ولها
متبعاً؛ لم يكن عنده داع إلى البدعة؛ فإن البدعة يقع فيها الجهال بالسنة"اهـ
(جامع المسائل 5/250) ([22])
·
كما "لا
تجد قط مبتدعاً إلا وهو يحب كتمان النصوص التي تخالفه ويبغضها، ويبغض إظهارها
وروايتها والتحدث بها، ويبغض من يفعل ذلك"اهـ (مجموع الفتاوى 20/161) ([23])
·
فـ "صاحب
البدعة يبقى صاحب هوى؛ يعمل لهواه"اهـ (منهاج السنة 5/129)
·
ومع ذلك؛ فليس
كل مبتدع "يكون كافراً؛ بل ولا فاسقاً؛ بل ولا عاصياً"اهـ (بتصرف من
مجموع الفتاوى 12/181) ([24])
قال
ابن تيمية: "الباغي مجتهداً ومتأولاً، ولم يتبين له أنه باغ؛ بل اعتقد أنه
على الحق، وإن كان مخطئاً في اعتقاده؛ لم تكن تسميته باغياً؛ موجبة لإثمه فضلاً عن
أن توجب فسقه"اهـ (مجموع الفتاوى 35/76) ([25])
·
و "كلما
ظهر نور النبوة كانت البدعة المخالفة أضعف؛ فلهذا كانت البدعة الأولى أخف من
الثانية، والمستأخرة تتضمن من جنس ما تضمنته الأولى وزيادة عليها؛ كما أن السنة
كلما كان أصلها أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانت أفضل؛ فالسنن ضد البدع؛
فكل ما قرب منه صلى الله عليه وسلم مثل سيرة أبي بكر وعمر كان أفضل مما تأخر؛
كسيرة عثمان وعلي، والبدع بالضد؛ كل ما بعد عنه كان شراً مما قرب منه"اهـ
(مجموع الفتاوى 28/489-490)
·
و "مذهب أهل
السنة والجماعة؛ مذهب قديم معروف قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد؛
فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم، ومن خالف ذلك كان مبتدعاً عند أهل السنة والجماعة"اهـ
(منهاج السنة 2/287)
·
و "من قال
بالكتاب والسنة والإجماع؛ كان من أهل السنة والجماعة"اهـ (مجموع الفتاوى
3/346)
·
كذلك "من
خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمة؛ خلافاً لا
يعذر فيه؛ فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع"اهـ (مجموع الفتاوى 24/172)
·
و "من
تكلم بما فيه معنى باطل
يخالف الكتاب والسنة؛ ردوا عليه،
ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً
وباطلاً؛ نسبوه إلى البدعة أيضاً"اهـ
(درء تعارض العقل والنقل 1/145)
·
و "من
تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة، وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة؛ فهو ضال مبتدع"اهـ
(مجموع الفتاوى 1/160)
·
وكذلك من "جعل
شخصاً من الأشخاص غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من أحبه ووافقه؛ كان من أهل
السنة والجماعة، ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة - كما يوجد ذلك في الطوائف
من اتباع أئمة في الكلام في الدين، وغير ذلك - كان من أهل البدع والضلال والتفرق"اهـ
(مجموع الفتاوى 3/347) (([26]
·
لذا كان من "طريقة
السلف ([27])
والأئمة؛ أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون أيضاً
الألفاظ الشرعية؛ فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً"اهـ (درء تعارض العقل والنقل 1/145)
·
فمن عدل عن
ذلك، وخالف طريقتهم "كان مخطئاً في ذلك؛ بل مبتدعاً، وإن كان مجتهداً مغفوراً
له خطؤه"اهـ (مجموع الفتاوى 13/361) (([28]
·
وليست هناك قاعدة
مضطردة في التبديع؛ بل مرد ذلك إلى الاجتهاد؛ إلا إذا كانت البدعة ظاهرة ([29])
فـ "كثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا، وفعلوا ما هو بدعة - ولم يعلموا أنه بدعة - إما لأحاديث ضعيفة
ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه وفي المسألة
نصوص لم تبلغهم .. لذا قد تصدر المقالة المخطئة من إمام قديم فتغتفر له؛ لعدم بلوغ
الحجة له، ولا تغتفر لمن وقع بعده في نفس الخطأ؛ لأن الحجة بلغته، ولهذا يبدع من
بلغته أحاديث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك، ولا تبدع عائشة ونحوها ممن لم يعرف
بأن الموتى يسمعون في قبورهم"اهـ (بتصرف من مجموع الفتاوى لابن تيمية 19/191 -
6/61) ([30])
قال
ابن تيمية: "فإن الاختلاف في كثير من التفسير؛ هو من باب المسائل العلمية
الخبرية لا من باب العملية؛ لكن قد تقع الأهواء في المسائل الكبار؛ كما قد تقع في
مسائل العمل، وقد ينكر أحد القائلين على القائل الآخر قوله إنكاراً يجعله كافراً،
أو مبتدعاً فاسقاً يستحق الهجر، وإن لم يستحق ذلك، وهو أيضاً اجتهاد"اهـ
(مجموع الفتاوى 6/60)
·
وقد يجرى فيه
القياس؛ فإذا وجدنا أئمة السلف قد حكموا بالبدعة على معين قال قولاً أو اعتقد
شيئاً مخالفاً لما عليه أهل العلم والسنة ([31])
أو تلبس بما عرف واشتهر بين الناس أنه بدعة ([32])
حكمنا عليه بحكمهم؛ فألحقناه ببدعته، ونسبناه إلى اعتقاده، ومقالته.
قال
اللالكائي: "إذا رأيناهم - أي أئمة السلف من الصحابة والتابعين - قد أجمعوا على شيء؛ عولنا عليه،
ومن أنكروا قوله أو ردوا عليه بدعته أو كفروه؛ حكمنا به واعتقدناه، ولم يزل من لدن رسول الله إلى
يومنا هذا قوم يحفظون هذه الطريقة ويتدينون
بها، وإنما هلك
من حاد عن هذه الطريقة لجهله طرق الاتباع"اهـ
(بتصرف من شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/27)
·
بشرط معرفة قصده ومراده ([33])
وهل تخفى على مثله أم لا؛ علماً بأن الظهور والخفاء أمر نسبي؛ يختلف باختلاف الأزمنة
والأمكنة؛ فالنظر إلى الواقع من الأهمية بمكان.
قال ابن تيمية: "فإذا رأيت إماماً قد غلظ على قائل
مقالته، أو كفره فيها؛ فلا يعتبر هذا حكما عاماً في كل من قالها"اهـ (مجموع
الفتاوى 6/61)
ونبه
على أن كثيراً من أجوبة الإمام أحمد - وغيره من الأئمة - خرج على سؤال سائل قد علم
المسئول حاله، أو خرج خطاباً لمعين قد علم حاله؛ فيكون بمنزلة قضايا الأعيان
الصادرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إنما يثبت حكمها في نظيرها. ([34])
·
علماً بأن الخطأ
قد يوجب إطلاق الاسم والحكم جميعاً؛
كأن لا يعذر بجهله أو بتأويله؛ مع تمكنه من العلم، وظهور المسألة له، وانكشاف
الشبهة، أو كانت المسألة مما لا يسوغ فيها الخلاف. ([35])
·
وقد يوجب
إطلاق الاسم فقط؛ دون الحكم؛ فكل من عدل عن طريق السلف، ووقع في البدعة؛ يجرح ويذم،
ويلحقه اسم البدعة - في الجملة - ويسمى مبتدعاً. فهناك "أصول ذكرها أئمة
الإسلام في كتب العقائد؛ فمن خالفها بدعوه، ومن التزمها وثبت عليها؛ اعتبروه من
أهل السنة"اهـ (بتصرف من كشف زيف التصوف وبيان حقيقته وحال حملته ص 44)
قال الإمام أحمد: "وصلاة الجمعة خلفه - أي: الإمام الجائر - وخلف
من ولي؛ جائزة تامة ركعتين؛ من أعادهما؛ فهو مبتدع ([36])
ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أبغضه لحدث كان منه،
أو ذكر مساوئه؛ كان مبتدعاً"اهـ (بتصرف من شرح أصول اعتقاد أهل السنة
للالكائي 1/311)
وقال
عبدالله بن أحمد: "سألت أبي: ما تقول في رجل؛ قال: التلاوة مخلوقة، وألفاظنا
بالقرآن مخلوقة، والقرآن كلام الله ليس بمخلوق؟ قال: هذا كافر، وهو فوق المبتدع،
وهذا كلام الجهمية. قلت: ما ترى في مجانبته؟ وهل يسمى مبتدعاً؟ فقال: هذا يجانب،
وهو فوق المبتدع، وهذا كلام الجهمية؛ ليس القرآن بمخلوق؛ قالت عائشة: تلا رسول
الله صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ
مُحْكَمَاتٌ}، والقرآن ليس بمخلوق"اهـ (الإبانة لابن بطة 5/208)
وقال
أبو بكر المروذي: "(يقعده معه على العرش)؛ قال: فمن رد حديث عبدالله بن سلام،
وحديث مجاهد في المقام المحمود؛ فقد أزرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد فضله،
وكان عندنا مبتدعاً"اهـ (السنة للخلال 1/334)
وقال السجزي: "معلوم أن القائل بما ثبت من طريق النقل الصحيح عن
الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسمى محدثاً؛
بل يسمى سنياً متبعاً، وأن من قال في نفسه
قولاً، وزعم أنه مقتضى عقله، وأن الحديث المخالف له؛ لا ينبغي أن يلتفت إليه لكونه
من أخبار الآحاد، وهي لا توجب علماً، وعقله موجب للعلم؛ يستحق أن يسمى محدثاً
مبتدعاً"اهـ (الرد على من أنكر الحرف والصوت ص100-101) ([37])
وقال
الشاطبي: "أفعال العباد وأقوالهم لا تعدو هذه الأقسام الثلاثة: مطلوب فعله،
ومطلوب تركه، ومأذون في فعله وتركه. والمطلوب تركه؛ لم يطلب تركه إلا لكونه مخالفاً
للقسمين الأخيرين؛ لكنه على ضربين: أحدهما: أن يطلب تركه وينهى عنه لكونه مخالفة
خاصة مع مجرد النظر عن غير ذلك، وهو إن كان محرماً; سمي فعلاً معصية وإثماً، وسمي
فاعله عاصياً وآثماً، وإلا لم يسم بذلك، ودخل في حكم العفو; حسبما هو مبين في غير
هذا الموضع، ولا يسمى بحسب الفعل جائزاً ولا مباحاً؛ لأن الجمع بين الجواز والنهي
جمع بين متنافيين. والثاني: أن يطلب تركه وينهى عنه لكونه مخالفة لظاهر التشريع;
من جهة ضرب الحدود، وتعيين الكيفيات، والتزام الهيئات المعينة أو الأزمنة المعينة
مع الدوام، ونحو ذلك، وهذا هو الابتداع والبدعة، ويسمى فاعله مبتدعاً"اهـ
(الاعتصام 1/50) ([38])
وقال
ابن تيمية: "مذهب أهل السنة والجماعة أن الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار،
ومن أنكر ذلك كان مبتدعاً"اهـ (منهاج السنة 2/244-245)
وقال:
"فهذا هو الفرقان بين أهل الإيمان والسنة، وأهل النفاق والبدعة، وإن كان
هؤلاء لهم من الإيمان نصيب وافر من اتباع السنة؛ لكن فيهم من النفاق والبدعة بحسب
ما تقدموا فيه بين يدي الله ورسوله، وخالفوا الله ورسوله؛ ثم إن لم يعلموا أن ذلك
يخالف الرسول، ولو علموا لما قالوه لم يكونوا منافقين؛ بل ناقصي الإيمان مبتدعين،
وخطؤهم مغفور لهم لا يعاقبون عليه"اهـ (مجموع الفتاوى 13/63) ([39])
وقال
صالح الفوزان: "الجماعات التي عندها مخالفات للكتاب والسنة؛ يُعتبر المنتمي
إليها مبتدعاً"اهـ (الأجوبة المفيدة ص 15) ([40])
وقال:
ليس لأحد أن يحكم على شيء بأنه بدعة أو سنة؛ حتى يعرضه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم، وأما إن فعله عن جهل، وظن أنه حق، ولم يبين
له؛ فهذا معذور بالجهل؛ لكن في واقع أمره يكون مبتدعاً ([41])
ويكون عمله هذا بدعة، ونحن نعامله معاملة المبتدع، ونعتبر أن عمله هذا بدعة"اهـ
(المنتقى 1/404) ([42])
وقال
ربيع المدخلي: "إن هذا التعريف للمبتدع الذي جاء به الدكتور؛ لا أعرفه عن أحد
من أئمة الإسلام الذين واجهوا البدع والمبتدعين بعلم وعدل؛ بل رأيناهم يبدعون من
كان على أصول أهل السنة ومنهجهم؛ ثم وقع في بدعة من البدع الواضحة؛ كبدعة القدر أو
الرفض أو بدعة الخوارج أو المرجئة أو القول بخلق القرآن. أو حتى التوقف في مسألة
القرآن"اهـ ([43])
(كشف زيف التصوف وبيان حقيقته وحال حملته ص 136)
·
والتأويل لا
يمنع من إطلاق الاسم عليه - قبل قيام الحجة - فإن الذم يلحق المخطئ في المسائل التي لا يسوغ
فيها الخلاف، ويستحق به اسم البدعة عقوبة، ولو كان متأولاً جاهلاً؛ إنما يمنع
التأويل؛ الحكم المستلزم للعقوبة الدنيوية - اللازمة - والأخروية - قبل قيام الحجة -. وإلا
فبإمكان كل أحد أن يدعيه، ومن ثم لا يسلم لنا تبديع أحد، ومن ثم لا يوجد مبتدع على
وجه الأرض.
قال
ابن تيمية: "وهذا الذي ذكرته فيما تركه المسلم من واجب، أو فعله من محرم
بتأويل اجتهاد أو تقليد؛ واضح عندي، وحاله فيه أحسن من حال الكافر المتأول. وهذا
لا يمنع أن أقاتل الباغي المتأول، وأجلد الشارب المتأول، ونحو ذلك؛ فإن التأويل لا
يرفع عقوبة الدنيا مطلقاً؛ إذ الغرض بالعقوبة دفع فساد الاعتداء"اهـ (مجموع
الفتاوى 22/14)
وقال:
"ليس في هؤلاء أحد من سلف الأمة ولا أئمتها ولا فيهم؛ إلا من هو مجروح من المسلمين
ببدعة، وإن كان متأولاً فيها، ومغفوراً له خطأه"اهـ (بيان تلبيس الجهمية
2/358) وقال: "قد يكون كل من المتنازعين مبتدعاً، وكلاهما جاهل متأول"اهـ
(مجموع الفتاوى 23/356)
وقال:
"هذا مذهب فقهاء أهل الحديث؛ كأحمد وغيره: أن من كان داعية إلى بدعة؛ فإنه
يستحق العقوبة لدفع ضرره عن الناس، وإن كان في الباطن مجتهداً"اهـ (مجموع
الفتاوى 7/385)
وقال:
"من اتخذ الغناء والتصفيق عبادة وقربة؛ فقد ضاهى المشركين في ذلك وشابههم
فيما ليس من فعل المؤمنين؛ المهاجرين والأنصار؛ فإن كان يفعله في بيوت الله فقد
زاد في مشابهته أكبر وأكبر واشتغل به عن الصلاة وذكر الله ودعائه؛ فقد عظمت
مشابهته لهم، وصار له كفل عظيم من الذم الذي دل عليه قوله سبحانه وتعالى: (وما كان
صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) لكن قد يغفر له ذلك لاجتهاده أو لحسنات ماحية
أو غير ذلك؛ فيما يفرق فيه بين المسلم والكافر؛ لكن مفارقته للمشركين في غير هذا؛
لا يمنع أن يكون مذموماً خارجاً عن الشريعة؛ داخلاً في البدعة"اهـ (مجموع
الفتاوى 11/596)
وقال:
"الجاهل عليه أن يرجع، ولا يصر على جهله، ولا يخالف ما عليه علماء المسلمين؛
فإنه يكون بذلك مبتدعاً جاهلاً ضالاً"اهـ (مجموع الفتاوى 7/682) ([44])
وقال:
"وسبب ذلك ما أوقعه أهل الإلحاد والضلال من الألفاظ المجملة التي يظن الظان
أنه لا يدخل فيها إلا الحق، وقد دخل فيها الحق والباطل؛ فمن لم ينقب عنها، أو
يستفصل المتكلم بها - كما كان السلف والأئمة يفعلون - صار متناقضاً مبتدعاً ضالاً
من حيث لا يشعر"اهـ (درء تعارض العقل والنقل 1/347)
وقال:
"ومما أنكر عليهم الناس في النفي بطريقة نفي الجسم؛ أن قالوا: إن هذه الطريقة
هي التي ولدت بين المسلمين اختلافهم في القرآن وكلام الله تعالى؛ حتى صار كثير من
الناس، أو أكثرهم في ذلك؛ إما حائراً، وإما مخطئاً مبتدعاً"اهـ (الصفدية
2/40)
·
مع التنبيه
على أن اسم المبتدع لا يطلق إلا على من تلبس ببدعة ظاهرة ([45])
أو انتسب إلى فرقة من فرق الضلال ([46]) أو والى وعادى على
بدعته، أو كان داعية مجاهراً ببدعته؛ فمن كان هذا حاله؛ تعلقت به أحكام المبتدع في
الدنيا والآخرة؛ فيعامل في الدنيا معاملة أهل البدع من جهة الهجر والتنفير ونحو
ذلك، ويكون في الآخرة تحت الوعيد - إن لم تكن بدعته مكفرة -، وقد تكون له حسنات
ماحية، أو شفاعة منجية، أو غير ذلك.
قال
ابن تيمية: "وهذا كسائر الأمور المعلومة بالاضطرار عند أهل العلم بسنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان غيرهم يشك فيها أو ينفيها؛ كالأحاديث المتواترة
عندهم في شفاعته، وحوضه، وخروج أهل الكبائر من النار، والأحاديث المتواترة عندهم
في الصفات، والقدر، والعلو، والرؤية، وغير ذلك من الأصول التي اتفق عليها أهل
العلم بسنته كما تواترت عندهم عنه، وإن كان غيرهم لا يعلم ذلك؛ كما تواتر عند
الخاصة - من أهل العلم عنه - الحكم بالشفعة، وتحليف المدعى عليه، ورجم الزاني المحصن،
واعتبار النصاب في السرقة، وأمثال ذلك من الأحكام التي ينازعهم فيها بعض أهل
البدع. ولهذا كان أئمة الإسلام متفقين على تبديع من خالف في مثل هذه الأصول؛ بخلاف
من نازع في مسائل الاجتهاد التي لم تبلغ هذا المبلغ"اهـ (مجموع الفتاوى
4/425)
·
ونقل عن حرب الكرماني؛
أن من خالف شيئاً من مذهب أئمة العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المعروفين بها؛
المقتدى بهم، أو طعن فيها، أو عاب قائلها؛ فهو مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج
السنة وسبيل الحق"اهـ (بيان تلبيس الجهمية 1/410)
·
أما إذا كانت
بدعته خفية؛ فلا يلحقه شيء مما تقدم - لا الاسم ولا الحكم – إلا بعد إقامة الحجة،
وبيان المحجة. ([47])
·
مع اعتقاد أن
"عقوبة الدنيا غير مستلزمة لعقوبة الآخرة، ولا بالعكس"اهـ (مجموع
الفتاوى 12/500)
قال
ابن تيمية: "قد يقتل الداعي إلى بدعة؛ لإضلاله الناس وإفساده؛ مع إمكان أن
الله يغفر له في الآخرة لما معه من الإيمان"اهـ (الاستقامة 1/97)
وقال:
"الشريعة قد تأمرنا بإقامة الحد على شخص في الدنيا؛ إما بقتل أو جلد أو غير
ذلك، ويكون في الآخرة غير معذب؛ مثل قتال البغاة والمتأولين مع بقائهم على العدالة،
ومثل إقامة الحد على من تاب بعد القدرة عليه توبة صحيحة؛ فإنا نقيم الحد عليه مع
ذلك؛ كما أقامه النبي صلى الله عليه وسلم على ماعز بن مالك، وعلى الغامدية؛ مع
قوله: (لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له) ومثل إقامة الحد على من شرب
النبيذ المتنازع فيه متأولاً؛ مع العلم بأنه باق على العدالة؛ بخلاف من لا تأويل
له؛ فإنه لما شرب الخمر بعض الصحابة، واعتقدوا أنها تحل للخاصة؛ تأول قوله: (ليس
على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا
الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا) اتفق الصحابة مثل عمر بن الخطاب، وعلي
بن أبي طالب وغيرهما؛ على أنهم إن أقروا بالتحريم جلدوا وإن أصروا على الاستحلال قتلوا.
وكذلك نعلم أن خلقاً لا يعاقبون في الدنيا مع أنهم كفار في الآخرة؛ مثل أهل الذمة
المقرين بالجزية على كفرهم، ومثل المنافقين المظهرين الإسلام؛ فإنهم تجري عليهم
أحكام الإسلام، وهم في الآخرة كافرون كما دل عليه القرآن في آيات متعددة .. وهذا
لأن الجزاء في الحقيقة؛ إنما هو في الدار الآخرة التي هي دار الثواب والعقاب، وأما
الدنيا فإنما يشرع فيها من العقاب ما يدفع به الظلم والعدوان"اهـ ( بتصرف من
مجموع الفتاوى 12/498-500)
وقال:
"من أظهر ما فيه مضرة؛ فإنه تدفع مضرته، ولو بعقابه وإن كان مسلماً فاسقاً أو
عاصياً أو عدلاً مجتهداً مخطئاً؛ بل صالحاً أو عالماً؛ سواء في ذلك المقدور عليه،
والممتنع .. وكذلك يعاقب من دعا إلى بدعة تضر الناس في دينهم، وإن كان قد يكون
معذوراً فيها في نفس الأمر لاجتهاد، أو تقليد"اهـ (بتصرف من مجموع الفتاوى
10/375) ([48])
·
والوصف بالمذهب،
أو الرمي بما عرف واشتهر عند العامة أنه بدعة؛ كـ "فلان جهمي، أو أشعري، أو
مرجئ" ونحو هذا؛ ذم وتبديع، وإخراج من السنة؛ لا يقال غير ذلك ([49])
فإنه ليس إلا (سني) ينتسب للسنة، أو ينسب إليها؛ أو (مبتدع) ينتسب إلى البدعة، أو ينسب
إليها؛ بل قد يكون الرمي بالنحلة أو المذهب؛ أشد من الرمي بالبدعة؛ كمن يرمى
بالتجهم مثلاً؛ فمن المعلوم أن الجهمي فوق المبتدع؛ حتى لقد خطأ الإمام أحمد؛ من لم
يجهم اللفظية، واكتفى بتبديعهم، ورماه بالتقصير؛ فقد سئل عمن يقول: (ألفاظنا
بالقرآن مخلوقة)؛ هل يسمى مبتدعاً؟ فقال: (هذا يجانب، وهو فوق المبتدع)؛ لذا تواتر
عنه أنه كان يقول: (من قال لفظي بالقرآن مخلوق؛ فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق؛ فهو
مبتدع) ([50])
قال
عبيد الجابري: "حالان لا ثالث لهما: الشخص المنتسب للإسلام؛ إما على السنة،
أو على البدعة؛ فإذا لم يكن سلفياً؛
فهو حتما مبتدع لا محالة"اهـ (من فتوى له منشورة على الشبكة العنكبوتية)
وقال
ابن قدامة: "كل متسم بغير الإسلام والسنة؛ مبتدع؛ كالرافضة، والجهمية،
والخوارج، والقدرية، والمرجئة، والمعتزلة، والكرامية، والكلابية، ونظائرهم؛ فهذه
فرق الضلال، وطوائف البدع؛ أعاذنا الله منها"اهـ
وقال:
"ولا نعرف في أهل البدع طائفة يكتمون مقالتهم ولا يتجاسرون على إظهارها؛ إلا
الزنادقة والأشعرية"اهـ (المناظرة في القرآن ص 35)
وقال
ابن خويز منداد: "أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا؛ هم أهل الكلام؛ فكل
متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع؛ أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في
الإسلام أبداً، ويهجر، ويؤدب على بدعته؛ فإن تمادى عليها استتيب منها"اهـ
(جامع بيان العلم وفضله 2/96)
وقال
أحمد بن إسحاق المالكي: "أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا؛ هم أهل الكلام؛ فكل
متكلم من أهل الأهواء والبدع؛ أشعرياً كان أو غير أشعري؛ لا تقبل له شهادة، ويهجر، ويؤدب
على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها"اهـ (تحريم النظر في كتب الكلام ص 42)
وقيل
للحسن البصري: ما الحدث؟ فقال: "أصحاب الفتن كلهم محدثون، وأهل الأهواء كلهم
محدثون"اهـ (الإبانة الصغرى 1/117)
وقال
ابن عثيمين: "وإنما المقصود بيان أن وصف (أهل السنة) لا يمكن أن يعطى
لطائفتين يتغاير منهجهما غاية التغاير، وإنما يستحقه من كان قوله موافقاً للسنة
فقط"اهـ (مجموع فتاوى ابن عثيمين 1/115) ([51])
وقال:
"الأشاعرة والماتريدية ونحوهم؛ ليسوا من أهل السنة والجماعة"اهـ (شرح
الواسطية له 2/372)
وقال
ابن تيمية: "مع أن ابن كلاب كان مبتدعاً عند السلف بما قاله في مسألة القرآن،
وفي إنكار الصفات الفعلية القائمة بذات الله"اهـ (الفتاوى الكبرى 6/631) ([52])
وقال:
"لم يدع أحد من الأنبياء وأتباعهم أحداً إلى الاستدلال على معرفة الله بهذا الطريق،
وإنما ابتدعه في الإسلام من كان مبتدعاً في الإسلام من الجهمية والمعتزلة ونحوهم"اهـ
(درء تعارض العقل والنقل 4/348)
وقال: "ابن
كلاب والأشعري وغيرهما؛ ينفونها - أي: قيام الأفعال الاختيارية بالله سبحانه
وتعالى - وعلى ذلك بنوا قولهم في مسألة القرآن، وبسبب ذلك وغيره تكلم الناس فيهم
في هذا الباب بما هو معروف في كتب أهل العلم، ونسبوهم إلى البدعة"اهـ (درء
تعارض العقل والنقل 1/293)
وقال: "وأما الخوارج والمعتزلة؛ فأنكروا شفاعته لأهل الكبائر،
ولم ينكروا شفاعته للمؤمنين، وهؤلاء مبتدعة ضلال"اهـ (مجموع الفتاوى 1/108)
وقال:
"كما يقوله بعض المبتدعة الأشعرية؛ من أن حروفه ابتداء جبرائيل أو محمد؛ مضاهاة
منهم في نصف قولهم؛ لمن قال: إنه قول البشر من مشركي العرب ممن يزعم أنه أنشأه بفضله،
وقوة نفسه، ومن المتفلسفة الذين يزعمون أن المعاني والحروف تأليفه؛ لكنها فاضت
عليه كما يفيض العلم على غيره من العلماء"اهـ (مجموع الفتاوى 2/50-51)
وقال:
"والمعتزلة ينفون عنه اسم الإيمان بالكلية، واسم الإسلام أيضاً، ويقولون: ليس
معه شيء من الإيمان والإسلام، ويقولون: ننزله منزلة بين منزلتين؛ فهم يقولون: إنه
يخلد في النار لا يخرج منها بالشفاعة. وهذا هو الذي أنكر عليهم، وإلا لو نفوا مطلق الاسم، وأثبتوا معه
شيئاً من الإيمان يخرج به من النار؛ لم يكونوا مبتدعة"اهـ (مجموع الفتاوى
7/257-258)
وقال:
"وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين: من الرافضة والجهمية وغيرهم؛ إلى بلاد
الكفار فأسلم على يديه خلق كثير، وانتفعوا بذلك، وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير
من أن يكونوا كفاراً"اهـ (مجموع الفتاوى 13/96)
وقال:
"أهل البدع في غير الحنبلية؛ أكثر منهم في الحنبلية بوجوه كثيرة؛ لأن نصوص
أحمد في تفاصيل السنة، ونفي البدع؛ أكثر من غيره بكثير؛ فالمبتدعة المنتسبون إلى
غيره؛ إذا كانوا جهمية أو قدرية أو شيعة أو مرجئة؛ لم يكن ذلك مذهباً للإمام إلا
في الإرجاء؛ فإنه قول أبي فلان - يقصد أبا حنيفة - وأما بعض التجهم؛ فاختلف النقل
عنه، ولذلك اختلف أصحابه المنتسبون إليه ما بين سنية، وجهمية؛ ذكور وإناث؛ مشبهة
ومجسمة؛ لأن أصوله لا تنفي البدع، وإن لم تثبتها. وفي الحنبلية أيضا مبتدعة؛ وإن
كانت البدعة في غيرهم أكثر، وبدعتهم غالباً في زيادة الإثبات في حق الله، وفي
زيادة الإنكار على مخالفهم بالتكفير، وغيره .. وأما بدعة غيرهم؛ فقد تكون أشد من
بدعة مبتدعهم في زيادة الإثبات والإنكار، وقد تكون في النفي، وهو الأغلب؛
كالجهمية، والقدرية، والمرجئة، والرافضة"اهـ (بتصرف من مجموع الفتاوى 20/186)
وقال:
"خيار ما يوجد في كلام ابن سينا؛ فإنما تلقاه عن مبتدعة متكلمة أهل الاسلام؛
مع ما فيهم من البدعة والتقصير"اهـ (درء تعارض العقل والنقل 5/11)
ونقل
عن ابن رشد؛ أن الأشاعرة من الفرق الضالة، وأقره عليه؛ قال ابن رشد: "وهذه
حال الفرق الحادثة في هذه الشريعة. وذلك أن كل فرقة منهم تأولت في الشريعة تأويلاً
غير التأويل الذي تأولته الفرقة الأخرى، وزعمت أنه الذي قصد صاحب الشرع؛ حتى تمزق
الشرع كل ممزق، وبعد جداً عن موضوعه الأول، ولما علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن
مثل هذا يعرض ولا بد في شريعته؛ قال: ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في
النار إلا واحدة. يعني بالواحدة: التي سلكت ظاهر الشرع، ولم تؤوله تأويلاً صرحت به
للناس. وأنت إذا تأملت ما عرض في هذه الشريعة في هذا الوقت من الفساد العارض فيها
من قبل التأويل؛ تبينت أن هذا المثال صحيح؛ فأول من غير هذا الدواء الأعظم؛ هم
الخوارج؛ ثم المعتزلة بعدهم؛ ثم الأشعرية؛ ثم الصوفية؛ ثم جاء أبو حامد فطم الوادي
على القرى"اهـ (درء التعارض 3/448-449)
وقال:
"الرازي وأمثاله؛ ليس لهم خبرة بأقوال الصحابة والتابعين، وأقوال أئمة
المسلمين في مسائل أصول الدين؛ بل إنما يعرفون أقوال الجهمية والمعتزلة، ونحوهم من
أهل الكلام المحدث، وهؤلاء كلهم مبتدعة عند سلف الأمة، وأئمتها"اهـ (الصفدية
2/268)
لذلك؛
كانوا يقولون: فلان: رافضي، أو جهمي، أو مرجئ، أو خارجي، أو قدري، أو معتزلي، أو
أشعري ([53])
أو سيء المعتقد، أو رديء المذهب، أو كان يرى الإرجاء، أو كان يتشيع، أو كان رأساً
في الاعتزال، أو رمي بالقدر، أو كان يجادل عن بدعته، أو منحرف، أو زائغ، أو ضال، أو
مفتون، أو اتهم بالبدعة، ويعنون بذلك أنه (مبتدع).
فعلى
سبيل المثال:
1-
في ترجمة: إبراهيم
بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي من (العبر في خبر من غبر 1/53)؛ قال الإمام أحمد: "كان
قدرياً معتزلياً جهمياً؛ كل بلاء فيه"، وقال البخاري: "جهمي؛ تركه الناس"اهـ
2-
وفي ترجمة: أبان
بن تغلب من ميزان الاعتدال (1/5)؛ قال الذهبي: "شيعي جلد"، ونقل عن ابن
عدي قوله: "كان غالياً في التشيع، وعن
السعدي قوله: زائغ مجاهر"اهـ
3-
وفي ترجمة:
أشعث ابن عم حسن بن صالح من (ضعفاء العقيلي 1/146)؛ قال: "كان له
مذهب"اهـ يعني: التشيع؛ فهو شيعي جلد.
4-
وفي ترجمة:
عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد من التاريخ الكبير (6/112)؛ قال البخاري:
"يرى الإرجاء"اهـ وهو رأس فيه.
5-
وفي ترجمة:
عمرو بن عبيد (رأس الضلالة) من الكامل (6/195)؛ قال ابن عدي: "معلن بالبدع،
وقد كفانا ما قال فيه الناس"اهـ
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى
آله وصحبه
والحمد لله رب العالمين
[1] - قال السجزي: "وإن زماناً يقبل فيه قول من يرد على الله
سبحانه، وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويخالف العقل، ويعد مع ذلك إماماً؛ لزمان
صغب (أي: لا خير ولا فائدة فيه)، والله
المستعان"اهـ (الرد على من أنكر الحرف والصوت ص 194)
[2] - قلت: هكذا فليكن العلم! قال ابن جرير الطبري: "ثم لن يعدو جميع أمور الدين الذي امتحن الله به
عباده؛ معنيين: أحدهما: توحيد الله وعدله. والآخر: شرائعه التي شرعها لخلقه من
حلال وحرام وأقضية وأحكام. فأما توحيده وعدله: فمدركه حقيقة علمه استدلالاً بما
أدركته الحواس. وأما شرائعه فمدركه حقيقة علم بعضها حساً بالسمع، وعلم بعضها
استدلالاً بما أدركته حاسة السمع. ثم القول فيما أدركت حقيقة علمه منه استدلالاً
على وجهين: أحدهما: معذور فيه بالخطأ والمخطئ، ومأجور فيه على الاجتهاد والفحص
والطلب؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اجتهد فأصاب؛ فله أجران، ومن
اجتهد فأخطأ فله أجر) وذلك الخطأ فيما كانت الأدلة على الصحيح من القول فيه مختلفة
غير مؤتلفة، والأصول في الدلالة عليه مفترقة غير متفقة، وإن كان لا يخلو من دليل
على الصحيح من القول فيه، فميز بينه وبين السقيم منه؛ غير أنه يغمض بعضه غموضاً
يخفى على كثير من طلابه، ويلتبس على كثير من بغاته. والآخر منهما غير معذور بالخطأ
فيه مكلف قد بلغ حد الأمر والنهي، ومكفر بالجهل به الجاهل، وذلك ما كانت الأدلة
الدالة على صحته متفقة غير مفترقة، ومؤتلفة غير مختلفة، وهي مع ذلك ظاهرة
للحواس"اهـ (التبصير في معالم الدين ص 113-114)
[3] - المختار في
أصول السنة لابن البناء الحنبلي ص (66).
[4] - المذكورون هم أبناء أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال أبو عثمان النهدي: "كنت خليلاً لأبي بكرة؛
فقال لي يوماً: أيرى الناس أني إنما عتبت على هؤلاء في الدنيا، وقد استعملوا عبيد
الله - يعني ابنه - على فارس، واستعملوا رواداً - يعني ابنه - على دار الرزق،
واستعملوا عبدالرحمن - يعني ابنه - على الديوان وبيت المال؛ أفليس هؤلاء في دنيا؟
كلا والله إنما عتبت عليهم لأنهم كفروا صراحية، أو صراحاً".
[5] - عقيدة السلف
وأصحاب الحديث للصابوني ص (307)
[6] - هذا النقل، وإن لم يكن له علاقة وكيدة بالمسألة المطروحة؛ إلا
أنني ذكرته؛ لأن ربيعاً أطلق لسانه بالثلب في كثير من الأبرياء؛ فهلا وجه هذا
الكلام لنفسه؟ فليت هذا الرجل يتوب ويرجع عن غيه؛ قبل ألا ينفعه ندم.
[7] - هو - وكل من سار على دربه - كذلك عند أستاذك.
[8] - لكن الذي يقرر ما ذكرت، ويقول به، ويدعو لتطبيقه؛ يكون - عند
أستاذك، وعندكم - حدادياً.
[9] - فلتشنع إذاً على أستاذك؛ فأين أخطاء الرمضاني من أخطائه؛ أو
فلتعتذر له؛ كما اعتذرت لأستاذك.
[10] - الشاطبي نفسه متلبس بغير ما بدعة.
[11] - فصدق، وهو الكذوب.
[12] - جميع هذه الأقوال تجدها على موقهم المسمى بـ (سحاب).
[13] - بعنوان: (ضوابط الحكم بالابتداع).
[14] - فلتبين لنا إذاً المنهج الحق مع النووي وابن حجر، وأضرابهما؟!!
[15] - فهل ستضلل كبيركم الذي خالف السلف
عملياً ونظرياً، وفرق جماعة أهل الحق, وحرش بينهم، وضيق ولاءه على طائفة, ونصب
العداء لطائفة, ووالى من يجب بغضه وعداوته من أهل الانحراف, وسعى في محاربة طائفة
من أهلِ الحق, ونصب العداء لهم؟ وهل ستضلل شيخك القائل: "ظاهرة الإرجاء كانت
في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأول من قال بالإرجاء هو عثمان بن
مظعون". والقائل: "وكم وكم من طلاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من
المنافقين". والقائل: "من تابع
عثمان رضي الله عنه في الأذان الأول فهو مبتدع"؟
[16] - هذه أقوالهم التي لو أعدناها عليهم؛ لأنكروها، ولأرعدوا، وأزبدوا،
وقالوا: هذه أقوال الحدادية الذين يبدعون كل من وقع في بدعة! ألا قاتل الله الهوى.
عزفت
بأعشاش وما كنت تعزف **** وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف
ولج
بك الهجران حتى كأنما **** ترى الموت في البيت
الذي كنت تألف
[17]- ذكره ابن تيمية؛ عن الإمام الشافعي في درء التعارض (1/168)، وهو
في مناقب الشافعي للبيهقي (1/468-469) ونصه هناك: "المحدثات من الأمور ضربان:
ما أحدث يخالف كتاباً، أو سنة، أو أثراً، أو إجماعاً؛ فهذه البدعة ضلالة، وما أحدث
من الخير؛ لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة، قد قال عمر في قيام
رمضان: نعمت البدعة هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذ كانت؛ فليس فيها رد لما مضى"اهـ
وقد استشكل بعضهم؛ قوله: ]أو أثراً عن بعض أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم[، والجواب: أنه يقال لمن خالف السنة: مبتدع؛ لأنه أحدث في الإسلام
ما لم يسبقه إليه أحد من الصحابة رضوان الله عليهم، أو أئمة السلف رحمهم الله؛ من
التابعين، ومن بعدهم.
[18]- رواه النسائي (1578) وابن خزيمة (1785) وسنده صحيح.
[19]- فإن الباطل المحض لا يخفى على أحد.
[20]- ولم يغن ذلك عنهم شيئاً؛ لذلك قيل: أهل السنة إن قعدت بهم أعمالهم؛
قامت بهم عقيدتهم، وأهل البدع وإن كثرت أعمالهم؛ قعدت بهم عقائدهم.
[21]- قال عبدالله بن أحمد: "حدثني أحمد بن إبراهيم؛ حدثنا سعيد
بن عامر؛ حدثنا سلام بن أبي مطيع؛ قال: قال سعيد لأيوب: يا أبا بكر؛ إن عمرو بن
عبيد قد رجع عن قوله - قال سلام: وكان الناس قد قالوا ذلك تلك الأيام: إنه قد رجع
- قال: إنه لم يرجع - قالها غير مرة - ثم قال أيوب: ما سمعت إلى قوله - يعني في
الحديث -: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية؛ ثم لا يعودون فيه حتى
يعود السهم على فوقه" إنه لا يرجع أبداً"اهـ (تاريخ بغداد 14/72)
[22]- انتشرت بين أوساط السلفيين؛ مقولة: "ما ابتدع عالم قط"
- مع أن أكثر البدع؛ إنما جاءت من أناس يتقفرون العلم، وبعضهم بلغ رتبة الاجتهاد -
ومن ثم اعتذروا لكل من وقع في بدعة، ولو كانت ظاهرة؛ بحجة أنه عالم مجتهد؛ بل
وأبعدوا النجعة؛ فاعتذروا لمبتدعة أقحاح أصولهم بدعية صرفة؛ بحجة أنهم نفعوا
الإسلام والمسلمين؛ إما بجهودهم الحديثية، والفقهية، أو بمؤلفاتهم في أبواب العلم
المختلفة، أو بردودهم على أهل الزندقة والإلحاد، أو بموقفهم المحمود من بعض الدعوات،
أو غير ذلك من أسباب، ولو تأملوا قليلاً؛ لعرفوا أن هذا هو عين منهج الموازنات
المخترع الذي طالما نددوا به، وحذروا منه ومن أهله؛ على أنك لو سألتهم: فلان هذا
الذي تدافعون عنه؛ أسلفي هو؟ لقالوا: لا. فإن قلت: أمبتدع هو؟ لقالوا أيضاً: لا؟!
فليت شعري؛ ماذا يكون إذاً؟ فإنه إذا لم يكن سلفياً سنياً؛ كان مبتدعاً ولا بد،
وإلا لكانت هناك منزلة بين السنة والبدعة؛ فإن كان كذلك؛ فليت شعري ماذا يقال: هل
يقال: سني مبتدع، أو يقال: مبتدع سني؟! أو لعله يقال: سني وقع في الإرجاء - مثلاً
-، أو قال بقول المرجئة؛ فإن كان كذلك؛ فمن من أئمة السلف قال بذلك، أو حكم به.
قال ابن عثيمين: "وإنما المقصود بيان أن وصف (أهل السنة) لا يمكن أن يعطى
لطائفتين يتغاير منهجهما غاية التغاير، وإنما يستحقه من كان قوله موافقاً للسنة
فقط"اهـ (مجموع فتاوى ابن عثيمين 1/115) وقال عبيد الجابري: "حالان لا
ثالث لهما: الشخص المنتسب للإسلام؛ إما على السنة، أو على البدعة؛ فإذا لم يكن
سلفياً؛ فهو حتماً مبتدع لا محالة"اهـ (من فتوى له منشورة على الشبكة
العنكبوتية) - وإلا فكيف يكون سنياً سلفياً وقد خالف صريح القرآن والسنة، وإجماع
سلف الأمة؛ كيف يكون سلفياً وقد رد السنة الصحيحة المستفيضة لمجرد أنها لم تبلغ
عقله، أو توافق هواه؛ كيف يكون سلفياً، وهو يقول: {الرَّحْمَنُ
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؛ يعني: استولى، ويقول: الأعمال كلها شرط في كمال
الإيمان، وإن الله تعالى شأنه لا ينزل؛ إنما ينزل أمره؛ وليس في السماء؛ بل في كل
مكان، وينفي عنه صفة وصف بها نفسه، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم؛ كيف يكون
سلفياً من جعل تأصيله الباطل وفهمه القاصر وعقله الفاسد أصلاً يحكم من خلاله على
النصوص الشرعية؛ فلو كان يجهل ما عليه أئمة السلف لعذرناه؛ لكنه يعرف ذلك ويخالفه؛
فكيف نعذره بعد هذا؟! وهل يقر المدافع عن أمثال هؤلاء بقول الهيتمي الضال المبتدع
في الأشعري والباقلاني وابن فورك والجويني والباجي
وغيرهم من رؤوس الأشاعرة؛ لما قال: "هم أئمة الدين وفحول علماء المسلمين؛
فيجب الاقتداء بهم لقيامهم بنصرة الشريعة، وإيضاح المشكلات، ورد شبه أهل الزيغ،
وبيان ما يجب من الاعتقادات والديانات لعلمهم بالله، وما يجب له، وما يستحيل
عليه، وما يجوز في حقه .. والواجب الاعتراف بفضل أولئك الأئمة المذكورين في
السؤال، وسابقتهم، وأنهم من جملة المرادين بقوله صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا
العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) فلا
يعتقد ضلالتهم إلا أحمق جاهل، أو مبتدع زائغ عن الحق، ولا يسبهم إلا فاسق؛ فينبغي
تبصير الجاهل، وتأديب الفاسق، واستتابة المبتدع"اهـ (الفتاوى الحديثية ص 205) وبقول أبي المظفر الإسفراييني المبتدع:
"وأن تعلم أن كل من تدين بهذا الدين الذي وصفناه من اعتقاد الفرقة الناجية -
أي: الأشاعرة - فهو على الحق، وعلى الصراط
المستقيم؛ فمن بدعه فهو مبتدع، ومن ضلله فهو ضال، ومن كفره فهو كافر"اهـ (التبصير
في الدين ص 111) وبقول السفاريني المخلط: "أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية:
وإمامهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه، والأشعرية: وإمامهم أبو الحسن الأشعري،
والماتريدية: وإمامهم أبو منصور الماتريدي"اهـ (لوامع
الأنوار 1/73)
وإلا
فما الفرق بين قوله، وقولهم؟!
قال
سليمان بن سحمان: "هذا مصانعة من المصنف (أي: السفاريني) تعالى في إدخاله
الأشعرية والماتريدية في أهل السنة والجماعة؛ فكيف يكون من أهل
السنة والجماعة من لا يثبت علو الرب سبحانه فوق سماواته، واستواءه على عرشه،
ويقول: حروف القرآن مخلوقة، وإن الله لا يتكلم بحرف ولا صوت، ولا يثبت رؤية
المؤمنين ربهم في الجنة بأبصارهم؛ فهم يقرون بالرؤية
ويفسرونها بزيادة علم يخلقه الله في قلب الرائي، ويقول: الإيمان مجرد التصديق،
وغير ذلك من أقوالهم المعروفة المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة"اهـ
(لوامع الأنوار البهية 1/73)
وقال
السجزي: "فكل مدع للسنة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح بما يقوله؛ فإن أتى بذلك؛ علم صدقه،
وقبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف؛ علم أنه محدث زائغ، وأنه لا
يستحق أن يصغى إليه أو يناظر في قوله. وخصومنا المتكلمون؛ معلوم منهم أجمع؛ اجتناب
النقل والقول به؛ بل تمحينهم لأهله ظاهر، ونفورهم عنهم بين، وكتبهم عارية عن
إسناد؛ بل يقولون: قال الأشعري، وقال ابن كلاب، وقال القلانسي، وقال الجبائي .. ومعلوم أن
القائل بما ثبت من طريق النقل الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم
لا يسمى محدثاً بل يسمى سنياً متبعاً، وأن من قال في نفسه قولاً وزعم أنه
مقتضى عقله، وأن الحديث المخالف له؛ لا ينبغي أن يلتفت إليه، لكونه من أخبار
الآحاد، وهي لا توجب علماً، وعقله موجب للعلم؛ يستحق أن يسمى محدثاً مبتدعاً
مخالفاً"اهـ (الرد على من أنكر الحرف والصوت ص 100-101)
وقال:
"ثم بُلِيَ أهل السنة بعد هؤلاء؛ بقوم يدعون أنهم من أهل الاتباع، وضررهم
أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم، وهم أبو محمد بن كلاب، وأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن
الأشعري .. وفي وقتنا أبو بكر الباقلاني ببغداد، وأبو إسحاق الإسفرائيني وأبو بكر
بن فورك بخراسان؛ فهؤلاء يردون على المعتزلة بعض أقاويلهم ويردون على أهل الأثر
أكثر مما ردوه على المعتزلة .. ثم قال: وكلهم أئمة ضلالة يدعون الناس إلى مخالفة
السنة، وترك الحديث"اهـ (المصدر السابق
ص 222-223)
ثم
بين وجه كونهم أشد من المعتزلة؛ فقال: "لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم
تستقف ولم تموه؛ بل قالت: إن الله بذاته في كل مكان وإنه غير مرئي، وإنه لا سمع له
ولا بصر ولا علم ولا قدرة ولا قوة .. فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدوهم
أعداء. والكلابية، والأشعرية قد أظهروا الرد على المعتزلة، والذب عن
السنة وأهلها، وقالوا في القرآن، وسائر الصفات ما ذكرنا بعضه"اهـ (المصدر السابق
ص 177-178)
والعجيب
أن أكابرهم اعترفوا على أنفسهم بالبدعة والانحراف؛ فها هو الجويني؛ يقول:
"لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذي نهوني عنه،
والآن إن لم يتداركني ربي برحمة منه؛ فالويل لفلان، وها أنا ذا أموت على عقيدة
أمي"اهـ (منهاج السنة 5/141)
وقال الرازي: "رأيت الأصلح والأصوب؛ طريقة القرآن،
وهو ترك الرب؛ ثم ترك التعمق؛ ثم المبالغة في التعظيم من غير خوض في التفاصيل؛
فأقرأ في التنزيه قوله: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ{، وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ}، و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. وأقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى
الْعَرْشِ اسْتَوَى} و}يَخَافُونَ
رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ{ و}إِلَيْهِ
يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ{، وأقرأ في أن الكل من الله؛ قوله:
{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}، وفي تنزيهه عن ما لا ينبغي: }مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا
أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ{، وعلى هذا القانون فقس. وأقول من
صميم القلب من داخل الروح: إني مقر بأن كل ما هو الأكمل الأفضل الأعظم الأجل، فهو
لك، وكل ما فيه عيب ونقص، فأنت منزه عنه. وأقول: إن عقلي وفهمي قاصر عن الوصول إلى
كنه صفة ذرة من مخلوقاتك .. ولقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية؛ فما
رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن؛ لأنه يسعى في تسليم العظمة
والجلالة لله، ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات، وما ذاك إلا للعلم
بأن العقول البشرية تتلاشى في تلك المضايق العميقة، والمناهج الخفية؛ فلهذا أقول:
كل ما ثبت بالدلائل الظاهرة، من وجوب وجوده، ووحدته، وبراءته عن الشركاء في القدم،
والأزلية، والتدبير، والفعالية؛ فذلك هو الذي أقول به، وألقى الله به"اهـ
(تاريخ الإسلام 43/218-221)
قال
ابن تيمية: "ولا ريب أن سبب هذا كله ضعف العلم بالآثار النبوية والآثار
السلفية، وإلا فلو كان لأبي المعالي وأمثاله بذلك علم راسخ، وكانوا قد عضوا عليه
بضرس قاطع؛ لكانوا ملحقين بأئمة المسلمين لما كان فيهم من الاستعداد لأسباب
الاجتهاد، ولكن اتبع أهل الكلام المحدث، والرأي الضعيف للظن وما تهوى الأنفس؛ الذي
ينقض صاحبه إلى حيث جعله الله مستحقاً لذلك، وإن كان له من الاجتهاد في تلك
الطريقة ما ليس لغيره؛ فليس الفضل بكثرة الاجتهاد، ولكن بالهدى والسداد"اهـ
(التسعينية 3/926(
فسبب
هذا الخلط الذي نعيشه؛ هو أن كثيراً من الناس - اليوم - لا يعرفون "اعتقاد
أهل السنة والجماعة كما يجب، أو يعرفون بعضه ويجهلون بعضه، وما عرفوه منه قد لا
يبينونه للناس بل يكتمونه، ولا ينهون عن البدع المخالفة للكتاب
والسنة، ولا يذمون أهل البدع ويعاقبونهم، بل لعلهم يذمون الكلام في السنة وأصول
الدين ذماً مطلقاً؛ لا يفرقون بين ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، وما يقوله أهل
البدع والفرقة، أو يقرون الجميع على مذاهبهم المختلفة كما يقر العلماء في مواطن
الاجتهاد التي يسوغ فيها النزاع"اهـ (مجموع الفتاوى 12/467) هذا وقد نبهني
أحدهم؛ إلى أن مقصود من قال هذه الكلمة: أن البدعة في الأصل لا تقع من عالم - على
الحقيقة - وإنما يتدثر الجاهل بدثار العالم، فيُستفتى، فيبتدع؛ ولا يتنافى هذا مع
وقوع البدعة من العالم حقاً؛ لكن هذا لا يكون إلا على جهة الزلة، والفلتة.
قلت:
لم يغب ذلك عن ذهني - بحمد الله - لكن الواجب عدم التمسك بظاهر القول؛ لتسويغ خطأ،
أو تحقيق مأرب؛ كتمسك بعضهم بمقولة ابن عساكر - الأشعري - (لحوم العلماء مسمومة)
ليضمن عدم المساس بعلماء بأعينهم، ولو كان غارقين في الخطأ؛ بل والضلال.
[23]- لله در هذا الرجل؛ فمن تأمل في ما اختلف فيه السلفيون؛ مع غيرهم؛
في عصرنا هذا - كمسألة جنس العمل مثلاً - لوجد أن المرجئة المعاصرين يكرهون
الاستماع إلى النصوص النبوية، والآثار السلفية التي تدحض مزاعمهم، وتفند شبههم،
ويبغضون من يذكرهم بها، ويحاربونه، ويطعنون فيه، ويحذرون منه؛ فإلى الله المشتكى.
[24]- سماه مبتدعاً؛ مع كونه
قد لا يكون حتى عاصياً.
[25]- الحكم على شخص بالبدعة؛ يكون بناء على الظاهر فحسب؛ فتسميته
مبتدعاً؛ ليست موجبة لإثمه؛ فضلاً عن أن تكون موجبة لفسقه.
[26]- قال ابن تيمية: "كثير من الغلاة في المشايخ؛ يعتقد أحدهم في
شيخه نحو ذلك، ويقولون الشيخ محفوظ، ويأمرون باتباع الشيخ في كل ما يفعل، لا يخالف
في شيء أصلاً، وهذا من جنس غلو الرافضة والنصارى والإسماعيلية؛ تدعى في أئمتها
أنهم كانوا معصومين"اهـ (منهاج السنة 6/95)
[27]- اصطلح العلماء على أن السلف؛ هم أهل القرون المفضلة؛ ففهم البعض
أن المراد بذلك؛ من عاش في الثلاث مئة سنة الأولى، وليس كذلك؛ فإن أهل العلم قد
اختلفوا في تحديد القرن؛ فمنهم من حدده بمئة سنة، وبعضهم بثمانين، وبعضهم بأقل، أو
أكثر، والذي حرره ابن تيمية؛ أن القرن يعتبر بجمهور أهله؛ فمتى انقرضوا؛ فقد انصرم
القرن؛ قال: "فإن الاعتبار في القرون الثلاثة بجمهور أهل القرن، وهم وسطه.
وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة حتى إنه لم يكن بقي من أهل
بدر إلا نفر قليل، وجمهور التابعين بإحسان؛ انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في
إمارة ابن الزبير وعبدالملك، وجمهور تابعي التابعين انقرضوا في أواخر الدولة
الأموية، وأوائل الدولة العباسية"اهـ (مجموع الفتاوى 10/357)
وعلى
هذا؛ فيكون القرن الأول: انتهى بانتهاء خلافة الخلفاء الأربعة؛ سنة (40)، والقرن
الثاني: انتهى - تقريباً - في سنة (70) أو (80)، والقرن الثالث: انتهى في سنة
(130) تقريباً؛ فالمراد إذن بالقرون الثلاثة:
طبقة الصحابة، ثم طبقة التابعين، ثم طبقة تابعي التابعين.
[28]- فسماه مبتدعاً؛ مع كونه مجتهداً مغفوراً له خطؤه.
[29]- قال ربيع المدخلي: "هناك بدع واضحة لا تحتاج إلى علماء كبار
يبدون رأيهم فيها؛ مثل الرفض؛ مثل الاعتزال؛ مثل التجهم؛ مثل القدر والإرجاء؛ مثل
التحزب الموجود الآن؛ مثل الطرق الصوفية .. هذه أمور واضحة لا يخالف فيها عاقل
أبداً؛ فهو يتكلم فيها - أي: يلحق طالب العلم البدعة بمن تلبس بها - هناك أمور
خفية؛ إذا كان لا زال طالب علم، وقد يخفى عليه: هل يبدع هذا،
أو لا يبدع؟ فيتورع؛ يتورع؛ إذا كانت أمور خفية؛ مثلاً إنسان سلفي لكن عنده بعض
الأعمال؛ هل يبدع، أو لا يبدع؟
أرى أنه لا يستعجل"اهـ (من فتوى له منشورة على الشبكة العنكبوتية)
[30]- وهذا الكلام من ابن تيمية؛ يتوافق مع ما روي عن عمر رضي الله
عنه: "لا عذر لأحد في ضلالة ركبها حسبها هدى، ولا في هدى تركه حسبه ضلالة،
فقد بُينت الأمور، وثبتت الحجة، وانقطع العذر"اهـ ذكره البربهاري في شرح السنة
(ص 49)، وقال: "وذلك أن السنة والجماعة قد
أحكما أمر الدين كله، وتبين للناس؛ فعلى الناس الاتباع". قلت: لأن الحجة قد قامت، والمحجة قد بانت، والعذر قد
انقطع.
وكان
أحد المتعالمين - ممن بليت بهم - قد استشهد بكلام ابن تيمية هذا؛ ليقوي به بدعته؛ في
عدم تبديع من وقع في بدعة ظاهرة، ومن ثم صار ينافح عن المبتدعة الأصليين كالنووي،
وابن حجر، أو عمن كان على السنة في بادئ أمره؛ إلا أنه وقع في بدعة - بل بدع - ظاهرة؛
كشيخه ربيع المدخلي. وكنت قد ذكرت له أن كلام ابن تيمية هذا؛ في المسائل الخفية؛
فلم يقبل مني؛ مع أن الواجب على المسلم أن يقبل الحق ممن
جاء به؛ لأن الحق ضالة المؤمن أينما وجده أخذه؛ مع صديقه، أو مع عدوه. ثم إن الأخ
الذي أرسل لي رابط الرسالة التي قدم لها الحجوري، والتي نقلت منها في المقدمة؛
هاتفني بأن ربيعاً المدخلي له شريط بعنوان (سبيل النصر والتمكين) يقرر فيه نحو ما
ذكرت؛ فطلبت منه أن يرسله لي مفرغاً؛ ففعل جزاه الله خيراً، وها هو نص كلامه. قال
المدخلي: "قال ابن تيمية: إن كثيراً من السلف والخلف وقعوا في البدع، ويعتذر
لهم بأنهم قد أُتوا إما من نص لم يفهموه من الكتاب والسنة، أو من أثر ضعيف ظنوه
صحيحاً، أو قياس فاسد ظنوه قياساً صحيحاً؛ فهؤلاء الذين وقعوا في هذا النوع من
البدع الخفية؛ لا نبدعهم؛ نبين لهم الحق؛ فإذا أصروا عليه يبدعون؛ أنا عندي هذا
التفصيل في هذا الأمر، ونسأل الله أن يفقهنا، وإياكم في دينه، وأن يرزقنا النصح
لله، ولكتابه، ولنبيه، والمؤمنين عامة، وخاصة"اهـ
فعساه
يرد كلام شيخه؛ كما رد كلامي، وإني لمتشوف لمعرفة رأيه في منهج شيخه المدخلي الذي
يبدع؛ حتى من وقع في بدعة خفية - لكن بشرط قيام الحجة - وهل سيحكم عليه بأنه حدادي
خبيث؛ أم سيقول: إنه إمام مجتهد؛ جرياً على قاعدة سماحته من أن الاجتهاد مانع من
التبديع!
على
أن قول هذا الرويبضة؛ ليس بأعجب من قول إمامه الألباني الذي لا يبدع حتى صاحب
الهوي؛ إلا إذا كان من عادته الابتداع!! حيث يقول: "لو أن عالماً وقع في بدعة،
وأقام الحجة عليه عالم هو أعلم منه؛ فهل صار ذلك العالم الذي أقيمت عليه الحجة
مبتدعاً؟ سنقول: لا؛ المبتدع الذي من عادته الابتداع في الدين، وليس الذي يبتدع
بدعة واحدة، ولو كان هو فعلاً ليس عن اجتهاد، وإنما عن هوى؛ فهذا لا يسمى مبتدعاً"اهـ
(شريط المدينة 3/2/65و6/2/500)؛ فلا غرو أن يقول تلميذه عبدالرحمن بن عبدالخالق في
منهاجه (83-88): "تفسير الزمخشري رحمه الله؛ يغلب عليه الخير، ونسبة الدس فيه
كبيرة، ولعظيم الفائدة؛ لا يجوز التحذير منه!!"اهـ
فهذا
الذي جناه الشباب؛ من سلفية ربيع، والألباني: قواعد باطلة، وهوى متبع، وتعالم
بغيض.
[31]- ومن أمثلة ذلك؛ ما ذكره ابن تيمية عن أئمة السلف؛ فقال:
"المنصوص عن أحمد تبديع من توقف في خلافة علي، وقال: هو أضل من حمار أهله،
وأمر بهجرانه، ونهى عن مناكحته"اهـ (مجموع الفتاوى 4/438) وقال:
"المنصوص عن الإمام أحمد وعامة أصحابه؛ تبديع من قال: لفظي بالقرآن غير
مخلوق؛ كما جهموا من قال: اللفظ بالقرآن مخلوق"اهـ (مجموع الفتاوى 12/238)
وقال: "تبديع أهل هذا الكلام وذمه وذم أهله، ونسبتهم إلى الجهل وعدم العلم؛
من الأمور المتواترة عن السلف"اهـ (منهاج السنة 2/124)
[32]- كبدعة الخوارج، والرافضة، والقدرية، وغيرها؛ قال ابن تيمية:
"البدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء؛ ما اشتهر عند
أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة؛ كبدعة الخوارج، والروافض، والقدرية،
والمرجئة"اهـ (مجموع الفتاوى 35/414)
[33]- كما هو صنيع الإمام أحمد؛ فقد كان يفرق فيمن وقف في القرآن؛ بين
المتكلم والجاهل؛ قال عبدالله بن أحمد: سمعت أبي يسأل عن الواقفة؛ قال أبي:
"من كان يخاصم ويعرف بالكلام؛ فهو جهمي، ومن لم يعرف بالكلام يجانب حتى يرجع،
ومن لم يكن له علم؛ يسأل ويتعلم". وقال: سمعت أبي مرة أخرى يسأل عن الواقفة؛
فقال: "من كان منهم يحسن الكلام؛ فهو جهمي. وقال مرة أخرى: هو شر من
الجهمية"اهـ (السنة للخلال 4/376-378)
من
ها هنا بدع؛ يعقوب بن شيبة؛ قال أبو بكر المروذي: أظهر يعقوب بن شيبة الوقف في ذلك
الجانب من بغداد، فحذر أبو عبدالله منه، وقد كان المتوكل أمر عبدالرحمن بن يحيى بن
خاقان أن يسأل أحمد بن حنبل عمن يقلد القضاء، قال عبدالرحمن: فسألته عن يعقوب بن
شيبة؛ فقال: مبتدع صاحب هوى. قال الخطيب: وصفه بذلك لأجل الوقف"اهـ (تاريخ
بغداد 14/350)
[34]- انظر مجموع الفتاوى (28/213)
[35]- قال أبو المظفر السمعاني: "فأما الضرب الذي لا يسوغ فيه
الاختلاف؛ كأصول الديانات من التوحيد وصفات الباري عز اسمه، وهي تكون على وجه
واحد؛ لا يجوز فيه الاختلاف، وكذلك فروع الديانات التي يعلم وجوبها بدليل مقطوع
به؛ مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج، وكذلك المناهي الثابتة بدليل مقطوع به؛ فلا
يجوز اختلاف القول في شيء من ذلك. فأما الذي يسوغ فيه الاختلاف، وهي فروع الديانات
إذا استخرجت أحكامها بأمارات الاجتهاد ومعاني الاستنباط؛ فاختلاف العلماء فيه
مسوغ، ولكل واحد منهم أن يعمل فيه بما يؤدي إليه اجتهاده"اهـ (قواطع الأدلة
في أصول الفقه 5/62)
[36]- فلم يذكر شرطاً، أو مانعاً.
[37]- أطلق بعض المعاصرين؛ أن التبديع لا يكون إلا بعد إقامة الحجة
وبيان المحجة، ومن ثم توقف في تبديع كثير من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين؛ ممن
تلبسوا ببدعة ظاهرة منكرة، ولم يُنقل عن أحد من أهل العلم الثقات تبديع أعيانهم؛
لأنه لا يدري هل أقيمت عليهم الحجة؛ أم لا؛ أو كانوا متأولين؛ أم معاندين متبعين
لأهوائهم؛ فلو كان قيد قوله هذا بالمسائل الخفية؛ لقبل منه، ولكنه أطلق، ولم يفرق
بين البدع الخفية - وإن كانت كذلك؛ فهل تخفى على مثله؛ أم لا - والبدع الظاهرة.
فإطلاق القول بأن التأويل مانع من التبديع، أو أن التبديع لا يكون إلا بعد إقامة
الحجة على المخطئ؛ خطأ محض. سئل ربيع: هل يجوز لطالب العلم الذي قطع شوطاً كبيراً
في طلب العلم، ودرس منهج أهل السنة والجماعة في النقد؛ أن يبدع من رآه يستحق
التبديع على حسب علمه؟ فأجاب قائلاً: "فيه بدع واضحة لا تحتاج إلى علماء كبار
يبدون رأيهم فيها؛ مثل: الرفض؛ مثل الاعتزال؛ مثل
التجهم؛ مثل القدر والإرجاء؛ مثل التحزب الموجود الآن؛ مثل الطرق الصوفية؛ التيجانية؛
الفرقلية؛ النقشبندية؛ والقبوريين، وغيرهم؛ هذه أمور واضحة لا يخالف فيها عاقل أبداً؛ فهو
يتكلم فيها؛ هناك أمور خفية؛ إذا كان لا زال طالب علم، وقد يخفى عليه؛ هل يبدع هذا،
أو لا يبدع؟ فيتورع؛ يتورع إذا كانت أمور خفية؛ مثلاً إنسان سلفي لكن عنده بعض
الأعمال؛ هل يبدع، أو لا يبدع؟ أرى أنه لا يستعجل؛ لا يستعجل؛ فهو في السلفية، والحرص عليها
والتمسك بها؛ لكن وقع في أمر؛ يعني إذا قال (كلام غير واضح) وأما الأمور
الواضحة التي ذكرتها لكم؛ فهذه لا ينبغي الاعتراض عليها"اهـ (من شبكة سحاب)
[38]- في هذا الكتاب تقعيد لعلم أصول معرفة البدع؛ الأمر الذي جعل
كثيراً من السلفيين يظنون أن مؤلفه سلفي المعتقد؛ بينما هو أشعري؛ خالف السلف في
كثير من المسائل؛ كالصفات، والقدر، والنبوات، والإيمان، وغيرها.
[39]- فلم يمنعه خطؤهم؛ من إطلاق اسم البدعة عليهم؛ فمن ثم سماهم
(مبتدعين).
[40]- هكذا؛ دون شرط أو قيد.
[41]- فجهله - أو تأويله - لا يمنع من العقوبة الدنيوية، وهي إطلاق
الاسم عليه، وتسميته مبتدعاً؛ إنما يمنع العقوبة الأخروية.
[42]- لأنه ليس لنا إلا المخالفة الظاهرة؛ فنحكم عليه بها؛ فإنا لا
ندري إن كان خالف ذلك متعمداً، أو متأولاً، والقول بأنه متأول فيعذر؛ رجم بالغيب،
ولو صح فليس كل متأول معذرواً.
[43]- رغم أن بعض من وقف؛ وقف تورعاً لا تجهماً، وقال: أسكت كما سكت
القوم قبلي، ومع أن هذا يسعه - في الظاهر - إلا أن أئمة السلف بدعوهم، واعتبروهم
أعظم خطراً من الجهمية. سأل الحسن بن ثواب
المخرمي؛ الإمام أحمد عن الواقفة؛ فأجاب: "هم شر من الجهمية؛ استتروا
بالوقف"اهـ (السنة للخلال 4/374)، وقال أبو الحارث: سألت أبا عبدالله؛ قلت:
إن بعض الناس يقول: إن هؤلاء الواقفة هم شر من الجهمية؛ قال: "هم أشد على
الناس تزييناً من الجهمية؛ هم يشككون الناس، وذلك أن الجهمية قد بان أمرهم، وهؤلاء
إذا قالوا: إنا لا نتكلم؛ استمالوا العامة؛ إنما هذا يصير إلى قول
الجهمية"اهـ (المصدر السابق 4/392)
[44]- فلم يمنعه جهله؛ من تبديعه وتضليله.
[45] - قال السمعاني: "كل ما كان من أصول الدين؛ فالأدلة عليها
ظاهرة, والمخالف فيها مكابر, والقول بتضليله واجب, والبراءة منه شرع"اهـ (قواطع
الأدلة 5/13)
[46]- لا يشترط الموافقة التامة ليستحق الرجل اسم الفرقة؛ بل يكفي
الاتفاق في أصل من الأصول، أو في عدد من الفروع.
[47]- وقد سبق بيان ضابط البدعة الظاهرة، وأنها إذا لم تكن كذلك؛ فهي
خفية.
[48]- فهو في الظاهر: مبتدع داعية لبدعته، وإن كان في نفس الأمر
معذوراً لاجتهاده أو تقليده، ومع هذا؛ فلم يمنعنا عذره (اجتهاده، أو تأويله، أو
تقليده)؛ من عقوبته العقوبة الدنيوية اللازمة لأمثاله؛ فـ "العقوبة في الدنيا
تكون لدفع ضرره عن المسلمين، وإن كان في الآخرة خيراً ممن لم يعاقب".
[49]- إلا إذا عرف بقرائن الحال ودلالة الأحوال؛ أن ظاهر اللفظ غير
مراد، وإنما المراد الحكاية فحسب، أو التوبيخ، أو غير ذلك.
[50]- (فائدة): قال ابن القيم:
"ليس مقصود السلف بأن من أنكر لفظ القرآن يكون جهمياً مبتدعاً؛ فإنه يكون
كافراً زنديقاً، وإنما مقصودهم: من أنكر معناه وحقيقته"اهـ (اجتماع الجيوش
الإسلامية 1/63)
[51] - هذا هو الحق الذي لا مرية فيه؛ أما التعلق بما قاله بعض أهل
العلم - وقد سبقت الإشارة إلى ذلك - من أنه لا يقال عمن خالف منهج السلف في أصل من
أصولهم: "مبتدع بإطلاق، أو سلفي بإطلاق"، أو هو "من أهل السنة فيما
وافق فيه السنة، وليس منها فيما خالف فيه السنة"؛ فليس من العلم في شيء؛
فضلاً عن أن يكون هو منهج السلف. فهذا ابن عثيمين يقول في شرحه
على الأربعين النووية - الحديث الثاني -: "وعلى هذا فجميع المبتدعة في
الأسماء والصفات؛ المخالفين لما عليه السلف
الصالح؛ لم يحققوا الإيمان بالله .. وهم مخطئون مخالفون لطريق السلف، وطريقتهم
ضلال بلا شك، ولكن لا يحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة؛ فإذا قامت الحجة،
وأصر على خطئه وضلاله؛ كان مبتدعاً فيما خالف فيه الحق، وإن كان سلفياً فيما سواه؛ فلا
يوصف بأنه مبتدع على وجه الإطلاق، ولا بأنه سلفي على وجه الإطلاق؛ بل يوصف: بأنه
سلفي فيما وافق السلف، مبتدع فيما خالفهم!! كذا.
فسأل
سائل من أعضاء هذا المنهج الجديد؛ قائلاً: "السؤال أحسن الله إليك: الذي أشكل
علي؛ العبارة التي بالخط الأحمر؛ كيف لا يكون مبتدع مع أنه خالف
أصلاً من أصول السنة، وهو الإيمان بأسماء الله وصفاته؟ وهل إذا كان عنده شيء من السلفية؛
فهذا لا يحملنا على تبديعه؟ فالآن كثير من الذين كانوا سلفيين خالفوا أصل من
أصول السنة؛ فبدعهم العلماء؛ فعلى هذا القول نقول: بأنهم سلفيين فيما وافق السلف؛ مبتدعين
فيما خالفوا السلف. تنبيه مهم جداً: شرح الأربعين النووية للشيخ
العثيمين هو في الأصل دروس مسجلة؛ فرغت ووضعت في كتاب .. وهذا المقطع المكتوب
بالأحمر؛ غير موجود في الشرح الصوتي، وللتأكد ينظر
في الشريط الثاني؛ الدقيقة (56)".
فكان
الجواب كما يلي: "الذي أشكل عليك؛ أشكل عليّ أيضاً عندما مررت عليه قبل سنوات، وكنت
أقول في نفسي: لا يمكن أن يكون هذا من كلام العثيمين نفسه، ولم أقف على الصوتيات لهذا الشرح؛
فجزاك الله خيراً على تعريفك إيانا بوقوفك على الصوتيات، وأن هذا الكلام
غير موجود به؛ لأنه لا يمكن أن يكون رجل مبتدع في باب الأسماء والصفات؛ ضال، ونقول
عنه: (مبتدع في باب الأسماء والصفات، وسلفي في غيره). ما
سمعنا هذا عند السلف أصحاب النبي صلى الله عليه سلم، ولا التابعين،
وتابعيهم؛ إلى يومنا هذا، وعلى سبيل التنزل؛ أن هذا
ثابت عن الشيخ العثيمين؛ فنقول: إن هذا مخالف للصواب، وليس بصحيح، ونعتذر للشيخ؛
لأننا لو قلنا بذلك وسلمنا به؛ لما وجدنا مبتدعاً أبداً، لأن كل واحد عنده مخالفة لمنهج وعقيدة السلف؛ يوجد
لديه ما يوافق السلف في أمور. وقد عرضت كلام الشيخ العثيمين
هذا؛ على الشيخ الفوزان؛ فلم يصوبه".
قلت:
وشهد شاهد من أهلها؛ فليت شعري! هل يقبل أعضاء مدرسة التمييع؛ قول هذا المجيب؟
علماً بأنهم لا يلتزمون بهذا المنهج - منهج الموازنات أو منهج المنزلة بين
المنزلتين - في كل وقت وحين؛ بل تراهم يسارعون في تبديع وتجديع من خالفهم، ولو كان
من السلفية بمكان.
[52] - قلت: مع أنه خالفهم في مسألتين!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق