المفارقة التي اعتادت أن تدخلنا كل سنة في جدال في مسألة مختلف فيها بين العلماء.
مما اعتدناه انه قبل حلول عيد الفطر من كل سنة تخرج العديد من التعليقات و المنشورات المتباينة عن مسألة زكاة الفطر لتكتسح الفضاء الازرق بين رأي منساق لراي العلماء المتشبثين بعدم جوازها متمسكين بالاصل و هو اخراجها طعاما من قوت اهل البلد كما امر به النبي صلى الله عليه و سلم،
و سار الأمر كذلك في عهده و في عهد الخلفاء الراشدين من بعده ؛ و حسب راي هؤلاء ان اخراج الزكاة قيمة لا تجزئ لانّ النبيّ صلى الله عليه و سلم لم يأمر بها و قد كانت النقود موجودة في عهده و هي الدينار البزنطي و الدرهم الساساني ،
و بين رأي منساق الى رأي العلماء الذين رؤوا بأن اخراجها نقدا هو جائز مراعاة للضرورة و المصلحة العامة للفرد، و كان لهم في ذلك حججهم في استنباط الاحكام .و قد كانت من بين الحجج انّ الدراهم لم تكن موجودة في كلّ البيوت ولا متيسّرة لكلّ الأيدي ولا يجري استعمالها في كلّ المعاملات، بخلاف الطّعام الذي كان موجودا ومتوفّرا في أغلب البيوت، فلا يعقل حسبهم أن يأمر النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بإخراج النّقود –العزيزة- مع الأصناف الأخرى المتوفّرة، فيحتاج من يريد إخراجها إلى بيع الطّعام لتحصيلها، وهي المفارقة التي يقع فيها من يختار إخراج الطّعام في زماننا هذا،
حيث يحتاج إلى حمل النّقود ليشتري بها طعاما يعطيه الفقراء، ليظلّ الفقراء في حاجة إلى سلع وأشياء أخرى ليست مشمولة بالأصناف التي تخرج منها الزّكاة، لينضج طعامه.
و لهذا اقتنع الكثير في عصرنا الحال بالراي الثاني المجيز لاخراج الزكاة نقدا نظرا للوضع المتغير حالا و زمانا و مكانا.اذ لو سلّمنا جدلا أنّ الفقير يحتاج إلى الطّعام فقط لترتفع عنه مذلّة الحاجة؛ فهو سيكون في حاجة إلى شراء الزّيت والطّماطم لطبخ طعامه، وفي حاجة إلى النّقود لدفع فاتورة الغاز الذي لا بدّ منه لطهو الطّعام، بينما كان الفقير في زمن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لا يحتاج إلى كلّ هذا؛ إنّما كان يكفيه أن يطحن القمح ويصنع به خبيصا لذيذا مع بعض السّمن المتوفّر في أغلب البيوت على نار لا يكلّفه إيقادها دينارا ولا درهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق