تأليف
: عبد الرحمن عمر محمد اسبينداري
نشر : المنظمة
الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة
الفهرس :
تقديم
ملخص البحث
الفصل الأول : مقدمة البحث
الفصل الثاني : الخط العربي وانتقال
الكتابة إلى الحجاز
الفصل الثالث : حالة الكتابة في الجزيرة
العربية
الفصل الرابع : الأدلة على كتابة القرآن
الكريم في العهد المكي
الفصـل الخامـس : أدوات الكتابة ومصير
القرآن المكي المكتوب
خاتمة
المراجع
تقديم
للقرآن الكريم أهمية عظمى ومكانة سامية
في نفوس المسلمين، وله أثر قوي في عقولهم وأرواحهم، فهو أساس العقيدة، ومصدر
الشريعة، ومنهج التربية، حيث شكَّل للعلماء والفقهاء المصدر الأساس للتشريع،
والدافع القوي للنظر والاجتهاد، فدرسوا أحكامه، واجتهدوا في فهم نصوصه، واستخلصوا
منه المبادئ الأصيلة للفقه الإسلامي وللتفسير. كما وجد علماء الكلام في آياته مادة
لدراسة العقيدة، عرفوا بها الله ورسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر، فتجاوزوا حيرة
الفلاسفة وأبحاثهم البشرية فيما وراء الطبيعة، لتتفرغ عقول البشر إلى التفكر في
خَلْق الله عوض التفكّر في ذاته، بما يناسب مستوى إدراكاتهم. ووجد اللغويون فيه
ثروة لسانية غنية، وحصل البلاغيون على
كنوز بيانية تدلّ على إعجازه، وتبرهن على صدوره عن الذات العلية، فضلاً عن إعجازه
العلمي الذي حقق في هذا العصر تقدماً ملموساً يدركه الذين يعلمون { إنما يخشى الله
من عباده العلماء }.
ولما كانت المنظمة الإسلامية للتربية
والعلوم والثقافة تتشرف بأن يكون القرآن
الكريم مرجعها الأول، ومنارتها الهادية لخطواتها، فقد عملت على خدمته بأنشطة
مختلفة، منها :
1. إصدار معجم لتفاسير القرآن الكريم.
2. إصدار دليل لمناهج المدارس القرآنية.
3. تنظيم مسابقات لتحفيظ القرآن الكريم.
4. عقد ندوات دولية حول ترجمة معاني القرآن
الكريم.
5. إصدار ثلاثة كتب بالعربية و الإنجليزية
والفرنسية، في تصحيح أخطاء الموسوعة الإسلامية التي تصدر عن دار بريل بهولندا
باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية، حول القرآن الكريم، والعقيدة الإسلامية،
والسيرة النبوية الشريفة.
وتعميقاً للبحث في مجال الدراسات
القرآنية، تصدر المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة هذا الكتاب الجديد تحت
عنوان "كتابة القرآن الكريم في العهد المكي"، هادفةً من وراء ذلك إلى
التعريف بالجهود التي بذلها العلماء المسلمون منذ بداية نزول الوحي حتى آخر مراحل جمعه
وكتابته، مع تركيز خاص على كتابة القرآن الكريم
في العهد المكي، وهو ما يدحض المزاعم التي تجعل الكتابة مقتصرةً على العهد
المدني، بهدف إثارة الشبهات حول سلامة النص القرآني الشريف وحفظه في تلك الحقبة
المبكرة من نزول الوحي، وهي في الواقع حقبة مهمة جداً، لأن ما نزل فيها يمثل حوالي
ثلثَيْ القرآن الكريم.
ويشتمل هذا الكتاب الذي تقدمه المنظمة
الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إلى القارئ، على مقدمة وخمسة فصول، تحدث فيها
المؤلف عن أهمية البحث، وعن الخط العربي وانتقال الكتابة إلى الحجاز، وعن حالة
الكتابة في الجزيرة العربية في فجر الإسلام، وعن الأدلة الدامغة والبراهين القاطعة
المستمدة من القرآن والسنة والسيرة النبويةعلى كتابة القرآن الكريم في العهد
المكي، كما عرض المؤلف لأدوات الكتابة، وللقرآن المكي المكتوب، ووثَّق الكتاب
بطائفة من المصادر والمراجع، فجاء بحثاً علمياً أصيلاً ينهج المنهج التاريخي
التوثيقي.
ولقد استطاع المؤلف أن يجمع من الأدلة
والبراهين على القضايا التي ناقشها، ما جعل الكتاب غنياً ومفيداً في توصيل حقيقة
كتابة ما نزل من القرآن الكريم في العهد المكي بما لا يدع مجالاً للشك.
وبإصدار هذا الكتاب تكون المنظمة
الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة قد وفرت دراسة جديدة لكتاب الله العزيز، تُغني
هذا الجانب المهم من دراسات توثيق الوحي الإلهي وحفظ القرآن الكريم، وهي إذ تُزجي
الشكر إلى المؤلف الأستاذ عبد الرحمن بن محمد اسبينداري، على جهده في تأليف هذا
الكتاب، تسأل الله تعالى أن يثيب العاملين على خدمة كتابه المجيد، وأن يجعل عملنا
خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به الأمة الإسلامية.
الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري
المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية
والعلوم والثقافة
ملخص البحث
يهدف البحث إلى توضيح مسألة كتابة
القرآن في العهد المكي، ومن ثم بيان نوعية الأدوات التي كتب عليها القرآن في العهد
النبوي (المكي والمدني).
وقد استلزم كل هذا من الباحث أن يتبع
المنهج التاريخي، بالعودة إلى واقع الأحداث في العهد النبوي، وإتباع ذلك بدراسة
تحليلية جادة للأحداث والنصوص التي وردت في هذا المجال، ومن ثم محاولة إجراء
مقارنة نقدية لتلك النصوص.
فقد خرجت الدراسة بجملة نتائج، كان
أهمها : أن حالة الكتابة في مكة والمدينة لم تكن مرثيا لها كما وصفها المؤرخون،
وأن القرآن المكي قد كتب كله في مكة، وتم نقله من مكة إلى المدينة عن طريق الصحابة
الذين كانوا ينتقلون بينهما من المهاجرين والأنصار أمثال رافع بن مالك. كما أن
المسلمين قد استخدموا الجلد الرقيق، ونوعا من الورق ـ الورق البردي ـ قبل ظهور
الورق الصيني لكتابة القرآن الكريم وغيره، فما يروى من أن القرآن قد جمع من العسب
واللخاف والأكتاف...الخ، إنما ورد في مجال التتبع
والجمع الذي أريد به إشراك كل من عنده شيء من المكتوب في عهد أبي بكر رضي
اللَّه عنه، ومن باب الاحتياط لزيادة توثيق النص القرآني، وذلك لورود ما يفيد
صراحة بأن القرآن كان يؤلف من الرقاع بإشراف الرسول#، وهي إما من جلد أو ورق.
الفصل الأول : مقدمة البحث
توطئة
أهمية البحث
الدراسات السابقة
أسئلة البحث
منهجية البحث
توطئة
الحمد اللّه رب العالمين والصلاة
والسلام على رسوله الأمين، أما بعد :
فقد أنزل اللَّه سبحانه وتعالى القرآن
الكريم على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم
، ليكون الرسالة الأخيرة، والدستور الدائم للناس جميعاً، بحيث لاتحده حدود
الزمان والمكان، فلقد كفل اللَّه سبحانه وتعالى حفظ لفظه ومعناه بحيث لايتطرق إليه
احتمال نقص أوزيادة أو تحريف أو تغيير بقوله تعالى : { إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا
لَهُ لَحَافِظُون }(1).
وتحقق وعد اللَّه سبحانه بحيث حفظ لهذه
الأمة معجزتها الخالدة على ما كانت عليه يوم أنزلت على الرسول الكريم صلى الله
عليه وسلم ، وهيأ لحفظ هذا النص طرقاً
ووسائل عدة لا يجدها الباحث قد توفرت لكتاب من الكتب أو لنص من النصوص سواء أكان
سماوياً أم وضعياً في تاريخ البشرية جمعاء، وإلى جانب ذلك فقد بذل العلماء
المسلمون في العصور المختلفة جهوداً جبارة في كتابة البحوث وإجراء الدراسات
الكثيرة حول القرآن الكريم، حيث فَصَّـلوا القول في كل مايتعلق بالقرآن الكريم من
علوم وموضوعات، من نزول وتاريخ، وتدوين، وجمع، وترتيب، وإعجاز، ومكي ومدني، وناسخ
ومنسوخ .. الخ.
ولم يكن القرآن الكريم محل اهتمام
العلماء والباحثين المسلمين فقط، وإنما أخذ القرآن الكريم مكانة بارزة في دراسات
المستشرقين، الذين اهتموا بدراسة الأديان والكتب المقدسة والإسلاميات على مختلف
مشاربهم وجنسياتهم، وعلى رأسهم جولد زيهر، ونولدكه، وبلاشير، وغيرهم كثير، حيث
أثار بعضهم من الشبهات الشيء الكثير حوله، وكان ذلك عن سوء نية في حين أثار بعض
آخر منهم الشبهات لأسباب منهجية أو لغوية فكانت النتيجة أن وقع الفريقان في أخطاء
كثيرة.
ومما يؤسف له هو انخداع الكثير من
الكتاب المسلمين بدراساتهم القرآنية بما يشاع من أن العلماء أو الباحثين الغربيين
أو بالأحرى المستشرقين متَّصفون بصفة البحث العلمي وبالموضوعية وتحري الصِّدق
والدقة في الاستنتاج وعدم التعصب للآراء والأفكار.
إلا أنه عند دراسة ما كتبه المستشرقون
بإمعان حول القرآن الكريم بصفة خاصة، وحول الإسلام بصفة عامة، يجد الباحث
أنهم ابتعدوا كثيراً عن هذه الحقيقة، حيث
يحاولون بكل الوسائل طمس الحقائق الثابتة والواضحة وضوح الشمس في كبد السماء فيما
يتعلق بالقرآن والإسلام. فهم مغرضون تدفعهم إلى الكتابة حول الإسلام دوافع وأغراض
تجعلهم خارجين عن دائرة العلماء طلاب الحقيقة العلمية فيها، وتتحكم فيهم الأهواء
والتعصب ضد الإسلام.
قد يكون من بين المستشرقين من هو متصف بالموضوعية وتحري
الصدق والأمانة العلمية، أو هناك من يتصف بالإنصاف إذا كان البحث دائراً حول موضوع
لاعلاقة له بالإسلام والمسلمين، ولكنهم عندما يأتون إلى الإسلام والمسلمين نجد أن
أغلبهم يحاولون تشويه صورة الإسلام الصافية والنقية، والتشكيك في مصدريه الأصليين
: القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.
إلى جانب التقليل من القيمة الذاتية للفقه وأصوله القائِمَيْنِ عليها.
ولايعني هذا أنه لا يوجد على الإطلاق
مستشرقون منصفون، وإنما المقصود أن الصفة العامة والمشتركة بين المستشرقين هي عدم
الإنصاف وعدم الموضوعية في الإسلاميات. ولكن لابد أن يشار في هذا المجال إلى حقيقة
تاريخية وهي أن كثيراً من المؤرخين تغلب عليهم صفة إطلاق الأحكام العامة والشاملة
وعدم الدقة في بعض من الأحيان في إصدار الأحكام، أو في نقل الروايات المتناقضة في
الحادثة الواحدة من غير تمييز الصحيح منها من السقيم، فربما يأخذ بواقعة معينة
ويبني عليها حكماً عاماً تخالفه وقائع أخرى، وهو ما سيظهر في الدراسة هذه بشكل جلي
وواضح، وقد مهّد هذا التوجه لأن يبني المستشرقون على ماصدر من المؤرخين المسلمين
من هذا القبيل شبهات خطيرة وافتراءات تمس صلب الإسلام والقرآن الكريم وشخصية
الرسول صلى الله عليه وسلم ، فنجد أن جل
الشبهات والافتراءات التي تمسك بها المستشرقون قد كان لها أصل في بعض كتب
المسلمين.
ومن الأخطاء التي صدرت عن بعض
المستشرقين من أمثال بلاشير(2)
ادعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم
يعط أهمية لكتابة النص القرآني في حياته، ولاسيما في العهد المكي الذي امتد حوالي
ثلاثة عشر عاماً، وبقي مفهوم القرآن المكي النازل بمكة والمحفوظ في ذاكرة المسلمين
المكيين. وإنما بدأ بكتابة المقاطع الهامة من القرآن المنزل عليه في السنوات
الأولى من العهد المدني.
وبما أن هذا الموضوع لم تتم دراسته من
قبل بشكل مستقل ومفصل فقد صدر من عدد من الباحثين المسلمين ما يفهم منه بأن القرآن
المكي لم يكتب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم
قد بدأ بكتابة القرآن بشكل فعلي في أوائل العهد المدني.
ومن جانب آخر حاول بعض الباحثين
المسلمين إثبات كتابة القرآن الكريم في العهد المكي والرد على مثل هذه الادعاءات،
إلا أنه لم تتضح الصورة عند بعضهم، وصرح بعضهم بأن المسألة لا تزال غير واضحة
عندنا(3)، وقال آخرون إن النصوص التي بين
أيدينا لا تثبت الكتابة في العهد المكي على وجه قاطع(4).
أهمية البحث
تكمن أهمية هذا البحث في نقاط عديدة منها :
1. توضيح مسألة كتابة القرآن الكريم في العهد
المكي، وفي الوقت نفسه الرد على من ذهب إلى أن القرآن الكريم لم يكتب إلا في
السنوات الأولى من العهد المدني، بقصد
إثارة الشبهات حول سلامة النص القرآني وحفظه من الضياع، بناء على أن القرآن
المكي يمثل ثلثي القرآن الكريم تقريباً.
2. محاولة إزالة اللبس والغموض حول مسألة
كتابة القرآن الكريم في مكة، وذلك لأن أغلب الذين كتبوا في علوم القرآن وتاريخه،
ولاسيما من القدماء لم يشيروا إلى مسألة كتابة القرآن في العهد المكي.
وفي العصر الحديث أشار قلة من الباحثين
إلى هذه المسألة، على أنها لم تكن واضحة عند بعضهم حتى ذهب بعضهم ـ سبق الإشارة
إليه ـ إلى القول : >إننا لانستطيع أن نجزم أن القرآن لم يدون في الفترة
المكية..”، وقال آخر ـ قد سبق ذكره ـ إن
المسألة غير واضحة.
3. بيان الأسباب التي أدت إلى غموض حركة
الكتابة في العهد المكي مقارنة بما كان عليه الحال في العهد المدني.
4. تسليط الضوء على نوعية الأساليب والأدوات
التي بها وعليها تمت الكتابة في العهد النبوي بصورة عامة، لما لذلك من أهمية كبيرة في تحديد مصير القرآن
المكي المكتوب. وتوضيح مدى صحة المقولة الشائعة بأن القرآن الكريم كان يكتب على
العُسُب وقطع الأحجار والعظام وبيان نسبة الحقيقة في ذلك.
5. السعي لبيان الطريقة التي تم بها نقل
القرآن المكتوب من مكة إلى المدنية.
الدراسات السابقة
لم يجد الباحث عند بحثه وتصفحه لكتب
علوم القرآن وما يتعلق بها مَنْ أَخَذَ من الباحثين بالدراسة موضوع "كتابة
القرآن الكريم في العهد المكي" دراسة شاملة تحيط بجميع جوانب الموضوع. بل إنه
لم يجد من تناوله ولو في فصل واحد أو مبحث مستقل، حيث إن أكثر الذين كتبوا في علوم
القرآن وتاريخه من القدامى لم يشيروا إلى موضوع كتابة القرآن الكريم في العهد
المكي، إنما تناولوا موضوع جمع القرآن الكريم وكتابته على إطلاقه في العهد النبوي،
ولا يشيرون أو لا يذكرون شيئاً عن المرحلة المكية.
وفي العصر الحديث وجد الباحث أن بعض
المؤلفين في كتبهم ـ ولا سيما الكتب ذات العلاقة نوعاً ما بالرد على المستشرقين ـ
يشيرون إلى موضوع كتابة القرآن الكريم في مكة، من خلال إشارات تكاد تكون غير
واضحة، حيث إنهم في معرض كلامهم عن سلامة النص القرآني من الضياع، وتحت باب الجمع
الكتابي للقرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يشيرون
إلى الموضوع بإشارات طفيفة.
فمن هؤلاء الباحثين محمد حسين هيكل في
كتابيه : "حياة محمد"(5)،
و"الصديق أبو بكر"(6)،
ومن خلال أسطر قلائل يشير إلى أن القرآن الكريم كان يكتب في العهد المكي، ويستشهد
بقصة إسلام عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه والصحيفة المشهورة التي كانت سبباً في
إسلامه، ولايتجاوز ما كتبه في الكتابين عشرة أسطر.
ومنهم الأستاذ محمد صبيح في كتابه :
"بحث جديد عن القرآن الكريم"، حيث يشير إلى الموضوع وتحت عنوان
"النبي والقرآن"، ولا يتجاوز ما كتبه صفحة واحدة، إلا أن المسألة تبدو
غير واضحة عنده تمام الوضوح حيث يقول : "لا نستطيع أن نجزم بأن القرآن الكريم لم
يدون في الفترة المكية، ونلجأ إلى بعض الفروض ونستند إلى إشارات خفيفة مفرقة في
بعض المراجع كقصة إسلام عمر بن الخطاب، للاستدلال على كتابة القرآن الكريم في
مكة..." (7).
ثم يعود في فصل آخر وتحت عنوان : "التدوين بين النبي صلى الله عليه
وسلم والصحابة" فيقول : "إن
النصوص التي بين أيدينا لا تقطع بأن القرآن كان يدون في العهد المكي”، ثم يقول بعد
عدة أسطر : " وكل مانرجحه أن صحفاً معينة كانت تكتب
من الـقرآن ويـتداولها المسلـمون سـراً ليـتدارسوها فـي بـيوتهم بعـيداً عـن أعين
قريش...”(8).
ويشير بدوره إلى نوعية الأدوات التي تمت
الكتابة عليها، وهل الصحيح أنها كانت بدائية كما أشارت إليه كثير من المصادر. ولكن
مثله مثل غيره لم يعط الموضوع حقه من البحث، إضافة إلى أنه يترك القارىء في حيرة
من أمره، حيث لا يأتي بأدلة كافية وشافية.
وأشار الأستاذ محمد علي الأشيقر في
كتابه : "لمحات عن تاريخ القرآن"(9)،
إلى الأدوات التي تمت الكتابة عليها، وحاول تحقيق مدى صحة المقولة المشهورة أن
القرآن الكريم كان يكتب على العُسُب واللخاف والأكتاف(10).
وقلما تجد من يتطرق إلى هذا الموضوع ممن كتب في علوم القرآن، وهو ما سيأتي عليه
الباحث في هذه الدراسة ويجمع الأدلة عليه بتفصيل أكثر، وسيبيِّن مدى الصحة في
إطلاق هذا القول.
ومنهم الأستاذ محمد خليفة في كتابه :
"الاستشراق والقرآن العظيم"(11).
تحت عنوان : "كتابة القرآن وحفظه المبكر"، حيث استشهد ببعض الآيات
القرآنية المكية، وكذلك ببعض الألفاظ التي وردت فيها كالقلم والكتاب، وكذا بقصة
إسلام عمر بن الخطاب ولبيد الشاعر على إثبات كتابة القرآن في العهد المكي، ولكنه
لم يفصل في الموضوع ولم يعطه حقه من البحث ولم تكن أدلته كافية.
وقد تطرق الدكتور محمد عزة دروزة في
كتابه : "القرآن المجيد"(12) إلى موضوع كتابة القرآن في العهد المكي في عدة
صفحات أثناء حديثه عن كتابة القرآن ومسألة ترتيب الآيات والسور في العهد النبوي.
ومن خلال الإشارة إلى آيات قرآنية مكية احتوت على كلمات مثبتة للكتابة، أو تلهم
حسب تعبيره ـ دروزة ـ بأن القرآن كان يكتب بموازاة نزوله في العهد النبوي سواء في
العهد المكي أو العهد المدني.
وتطرق أيضاً إلى مسألة الأدوات التي
كانت تتم كتابة القرآن عليها بصورة عامة. وأن ما اشتهر من أن القرآن الكريم كان
يكتب على أدوات بدائية مختلفة لا تمثل كل
الحقيقة. وأشار إلى أن العرب قد عرفوا أدوات الكتابة اللينة القابلة للطي
والسهلة الحمل من خلال إشارات وردت في نفس تلك الآيات القرآنية المكية، ومن خلال
الواقع التاريخي الذي يثبت معرفة العرب لأدوات الكتابة اللينة مثل الجلود والورق
البردي المصري. وقد جاء حديث الدكتور عرضاً ولم يكن شاملاً أو كافياً للإجابة على ما يطرح من أسئلة حول
كتابة ومصير القرآن المكي المكتوب بعد الهجرة النبوية، حيث اقتصر على بعض الآيات
القرآنية المكية فقط.
ويشير الدكتور غانم قدوري الحمد في
كتابه : "رسم المصحف"(13)،
إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
مهتماً بتسجيل النص القرآني في العهد المكي، ولكنه يقتصر فقط على الإشارة إلى قصة
إسلام عمر بن الخطاب وإلى خبر عبد اللَّه بن أبي سرح أول كاتب للوحي في مكة.
ومن الذين أشاروا إلى الموضوع من غير
سرد للأدلة وتفصيل : محمد حميد اللَّه في
كتابه باللغة التركية : "تاريخ القرآن"(14)،
ومحمود راميار في كتابه باللغة الفارسية : "تاريخ القرآن"(15). حيث ذكر أول آيات قرآنية مكية تضمنت
ألفاظا مثبتة للكتابة، في حين تطرق الثاني إلى ذكر عدد من كُتَّاب القرآن في العهد
المكي.
وفي الدراسة التي نشرتها الإيسيسكو تحت
عنوان "القرآن الكريم دراسة لتصحيح ما ينشر عن الإسلام والمسلمين من معلومات
خاطئة رقم 2"(16)،
محاولة لإثبات كتابة القرآن الكريم في العهد المكي، من خلال سرد بعض الآيات
القرآنية المكية، وقصة عبد اللَّه بن أبي سرح، محاولة منها الرد على دائرة المعارف
الإسلامية الصادرة في ليدن.
وفي
كتاب "المستشرقون والقرآن" يحاول الأستاذ إسماعيل سالم عبد العال
في صفحة واحدة الرد على بلاشير بعد أن يعرض لكلامه في نفي كتابة القرآن المكي،
ولكنه بدلا من أن يأتي بأدلة مقنعة على الكتابة في مكة يسأل الكاتب بلاشير بأنه لا
دليل له في نفي الكتابة، ويصف ما صدر منه على أنه تخرصات وافتراءات صدرت من مراكز
الاستشراق ليس إلا. ثم يحاول إثبات الكتابة في مكة من خلال الاستشهاد بأنه كان
للنبي صلى الله عليه وسلم عدد من الكتاب
المكيين. والغريب أن الكاتب ذكر أسماء لعدد من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم المكيين والذين تأخر إسلامهم إلى ما بعد
الهجرة وبعضهم إلى قريب من فتح مكة حيث يقول : >إنه ـ بلاشير ـ يعلم أن هناك
كتبة للوحي، بل يعلم أن منهم مكيين كالخلفاء الأربعة ومعاوية وخالد بن الوليد وعبد
الله بن الزبير”(17).
ومعلوم أن إسلام خالد ومعاوية رضي اللَّه عنهما كان بعد الهجرة بسنوات.
ويبدو أن المسألة كانت غامضة عند
الدكتور فاروق حمادة في كتابه :
"مدخل إلى علوم القرآن والتفسير"، حيث يقول ما نصه : >ولا
يفوتني أن أشير إلى أن القرآن الكريم قد لقي نفس المنهج من الحفظ والتدوين في مكة،
وإن كانت عملية التدوين لما تتضح لي بعد كثيراً، إلا أنه ورد في بعض الآثار ما يدل
على ذلك منها قصة إسلام سيدنا عمر.. “(18).
هذا كل ما كتبه عن الموضوع.
ولإزالة هذا اللبس والغموض عن موضوع ذي
أهمية بالغة، حيث يتعلق بثلثي القرآن الكريم وهو مانزل في العهد المكي، ولجمع
المادة بعد التقاطها واستخراجها واستنباطها من بطون أمهات الكتب في مكان واحد يسهل
الرجوع إليه، ولإعطاء القارىء صورة كاملة وشاملة وواضحة حول عملية كتابة القرآن
الكريم في العهد المكي ومصير القرآن المكي المكتوب، يجتهد الباحث في دراسة هذا
الموضوع بعد التوكل على البارىء عز وجل، ومن خلال دراسة بعض الألفاظ التي وردت في
القرآن المكي، وتحليل الآيات المكية والأحاديث النبوية وسرد أحداث السيرة النبوية
وتتبعها.
أسئلة البحث
يتتبع الباحث في هذه الدراسة مسألة
كتابة القرآن الكريم في العهد المكي ويدرسها دراسة تحليلية نقدية، من خلال الرجوع
إلى أمهات كتب التاريخ الإسلامي، والسيرة النبوية، وعلوم القرآن، والتفاسير، وكتب
الحديث، والتراجم، واللغة، والكتب المتعلقة بتدوين وحفظ الشعر الجاهلي، محاولاً
إزالة اللبس والغموض عن هذا الموضوع المهم، وأن يجمع كل ما يتعلق بموضوع كتابة
القرآن الكريم في العهد المكي في مكان واحد، مما هو متناثر في بطون الكتب، محاولاً
الإجابة على سؤال مركزي شغل الباحث وهو
: هل كتب القرآن الكريم في العهد
المكي أم بدىء بكتابته بعد الهجرة النبوية ؟ ويتبع هذا السؤال المركزي أسئلة فرعية
وهي : هل تمت كتابة كل ما نزل من القرآن
الكريم في العهد المكي، وهو ما يمثل ثلثي القرآن الكريم، أو أنه كتب بعضه ولم يكتب
بعضه الآخر؟ وما هي الوسائل والأدوات التي تمت الكتابة عليها في العهد النبوي ؟.
أسئلة تضع مقولة المستشرق الفرنسي بلاشيرBlachere
عند حديثه عن مراحل تكوين المصحف :
"خلال المرحلة الأولى المشتملة على الأعوام العشرين من الدعوة
الإسلامية التي قام بها محمد نفسه، لم تزل المنزلات بكاملها تودع الذاكرة، وتنقلها
الألسن إلى الآذان، ولا شك أن مفهوم النصّ المكتوب كان حاضراً في أذهان المهتدين
المكيين الذين لم يتجاوز عددهم المئة إبان الهجرة سنة 622م. ويبدو أن فكرة تدوين
مقاطع الوحي الهامة التي نزلت في السنوات السالفة على مواد خشنة من الجلود
واللخاف، لم تنشأ إلا بعد إقامة محمد في المدينة(19).
أقول تضع تلك الأسئلة مقولة بلاشير هذه تحت محك الدراسة والتحليل، كما تضع ترديدات
دائرة المعارف الإسلامية الصادرة في ليدن لمقولة المستشرق بلاشير عند تناولها لمادة القرآن(20).
وكذا ما ردده بعض الكتاب المسلمين من أقوال تدور في هذا الفلك، مثل محمود عباس
حمودة حيث يقول : >ويمكن القول إن التدوين الفعلي للقرآن قد بدأ في المدينة بعد
الهجرة ـ وحتى بالنسبة للمدينة نجد أن الروايات تختلف ـ فمنها من(21) ينكر أن القرآن دوِّن فـي عـهد
النـبي، ومنـها من(22)
يـقول إن الـقرآن كـان في صحائف وراء فراش النبي...”(23).
منهجية البحث
المنهج الذي يتبعه الباحث في معالجة هذا
الموضوع هو المنهج التاريخي القائم على التحليل والنقد. وفي سبيل ذلك تهتم الدراسة
بتتبع الآيات القرآنية المكية المثبتة لألفاظ التدوين : (الكتاب ـ الصحف ـ القرطاس ـ الرق ـ السجل)،
ودراستها دراسة تحليلية ثم الرجوع إلى
أمهات المصادر في التاريخ والسير والتفاسير والحديث النبوي وعلوم والقرآن والكتب
المتعلقة بالاستشراق. ومن ثم مناقشة الآراء الواردة حول كتابة القرآن الكريم في
العهد المكي، ولاسيما من قبل بعض المستشرقين وبعض الباحثين المسلمين المعاصرين.
(1) سورة الحجر، الآية
9.
(2) بلاشير، ريجيس : القرآن نزوله وتدوينه
وترجمته وتأثيره، ترجمة: رضا سعادة، (بيروت: دار الكتاب، ط 1، 1974م) ص 29-27. وهو ما سيذكر لاحقا.
(3) حمادة، فاروق : مدخل إلى علوم القرآن
والتفسير، (د.م: مكتبة المعارف، ط 1، 1979م) ص 72.
(4) صبيح، محمد : بحث جديد عن القرآن الكريم،
( القاهرة: دار الشروق، ط 8، 1983م) ص 68.
(5) هيكل، محمد حسين : حياة محمد، القاهرة،
مكتبة النهضة المصرية، ط 13، 1968م، ص 33-32.
(6) هيكل، محمد حسين : الصديق أبو بكر، د.م،
مطبعة مصر، د.ط، 1942م، ص 308 ـ 309.
(7) صبيح : بحث جديد عن القرآن الكريم، ص 68.
(8) المرجع السابق، ص 167.
(9) الأشيقر، محمد علي : لمحات عن تاريخ
القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي، ط 2، 1988م، ص 28-25.
(10) العُسُـب : وهـو جـريد النـخل يكـتب في
الطرف العريض منه، واللخفة : صفائح الحجارة الرقيقة. والكتف : عظم الحيوان.
(11) خليفة، محمد : الاستشراق والقرآن العـظيم،
ترجمة : مروان عبد الصبور شاهين، القاهرة، دار الاعتصام، ط 1، 1944 م، ص 79.
(12) دروزة، محمد عزة : القرآن المجيد،
بيروت، المكتبة العصرية، د. ط. ت، ص 98-91.
(13) الحمـد، غـانم قدوري : رسـم المصحف
دراسة لغوية تاريخية، العراق، اللجنة الوطنية، ط 1، 1982م، ص 97-96.
(14) Muhammad Hamidullah : Kurصani
kerim Tarihi, Ceviri : Salih Tug. (Istanbul. 1993). pp. 41-42.
(15) راميار، محمود : تاريخ قران، تهران،
مؤسسة انتشارات أمير كبير، د. ط، 1369، ص 65.
(16) القرآن الكريم دراسة لتصحيح الأخطاء
الواردة في الموسوعة الإسلامية الصادرة عن دار ليدن، رقم 2، المنظمة الإسلامية
للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ مطبة المعارف الجديدة، الرباط، 1997م، ص 63.
(17) عبد العال، إسماعيل سالم : المستشرقون
والقرآن، د.م، رابطة العالم الإسلامي، العدد120، 1991م، ص 24.
(18) حمادة، د. فاروق : مدخل إلى علوم القرآن
والتفسير، ص 72.
(19) بلاشير : القرآن نزوله وتدوينه وترجمته
وتأثيره، ص 29-27.
(20) Bosworth C.E, van Donzel,
lewis, B,& pellat, CH, (eds). 1986, the Encyclopaedia of Islam,
(21) والصحيح ما، وليس من.
(22) والصحيح ما، وليس من.
(23) حمودة، محمود عباس: تاريخ الكتاب
الإسلامي المخطوط، الرياض: دار ثقيف، ط 2، 1991م، ص 100.
الفصل الثاني :
الخط العربي وانتقال الكتابة إلى الحجاز
المبحث الأول :
الخط العربي
المبحث الثاني
: انتقال الكتابة إلى الحجاز
المبحث الأول :
نشأة الخط العربي
من البديهي عند
الباحثين أن انتشار الخط العربي قبل ظهور الإسلام كان محدوداً جداً لم يتجاوز شبه
الجزيرة العربية وما يحاذي أطرافها المطلة على العراق وبلاد الشام، وكان استخدامه
قليلاً حيث لم تكن الحاجة تدعو إلىه إلا في مجالات محدودة، ولاسيما في المدن، أما
في البوادي فقد كانت البداوة هي الغالبة على حياة العرب.
والخط العربي
والكتابة به انتشرا في العالم وخرجا من الجزيرة العربية بعد مجيء الإسلام ونزول
القرآن الكريم بلغة العرب، فلولا نزول القرآن الكريم وكتابته به لما كانت للعربية
تلك الشهرة وذاك الانتشار في الآفاق، حتى غدا كثير من الشعوب الإسلامية يكتبون
لغاتهم بالحرف العربي تبركاً بلغة القرآن الكريم التي أصبحت لغة العلم والثقافة
لقرون عدة، ومن تلك الشعوب : الكرد والفرس والأفغان والملايو والترك إلى عهد قريب
وغيرهم.
نعود إلى الآراء
في نشأة الخط العربي والكتابة به. فنظراً للتحولات الكبيرة والتطورات السريعة
المتلاحقة التي شملت ميادين كثيرة من حياة العرب بعد مجيء الإسلام في شبه الجزيرة
العربية، نجد أنه من الصعب تحديد ومعرفة أول من وضع الخط العربي. أو متى وكيف نشأ
الخط العربي ؟ ومدى انتشار الكتابة في الجزيرة العربية قبل الإسلام ؟ وعليه يحاول
الباحث خلال الصفحات القادمة القليلة تحديد أو بيان الرأي الأقرب للصواب في ذلك،
دون إسهاب وتفصيل حتى لا يخرج الباحث عن حدود البحث المرسومة له، حيث يعتبر هذا
الفصل بمثابة تمهيد للدخول في موضوع البحث - وهو كتابة القرآن الكريم في العهد
المكي -. فقد اختلف الباحثون في ذلك اختلافاً كبيراً، فهناك أكثر من عشرين رأياً
في المسألة(1)، إلا أن الدراسة سوف تقتصر على أهمها، وبإيجاز وكما يقول الدكتور
خليل يحيى نامي وهو يتلخص في رأيين اثنين هما(2) :
الرأي الأول :
يرى معظم اللغويين والإخباريين العرب مثل : ابن فارس، وابن النديم والصولي، وابن
عبد ربه، والقلقشندي وغيرهم أن الخط توقيف(3). أي أنه ليس من وضع البشر، بل إن
اللّه سبحانه وتعالى قد علمه لآدم فكتب الكتب كلها، فلما أصاب الأرض الغرق وجد كل
قوم الكتابة التي يكتب بها، وكان من نصيب إسماعيل الكتاب العربي.
ويستدل أصحاب
هذا الرأي بروايات وأخبار بعيدة عن الحقيقة وبطلانها ظاهر للعيان، فمنها : ما يروى
عن كعب الأحبار (تـ 32هـ) أنه قال : >أول من وضع الخط العربي والسرياني وسائر
الكتب آدم عليه السلام، قبل موته بثلاثمائة سنة، كتبه في الطين ثم طبخه، فلما انقض
ما كان أصاب الأرض من الغرق، وجد كل قوم كتابهم به، فكان إسماعيل عليه السلام وجد
كتاب العرب”(4).
وربما ذهب
أصحاب هذا الرأي إلى ما ذهبوا إليه لإثبات أبوة إسماعيل للعرب المستعربة، وأنه أول
من تكلم منهم بالعربية التي تعلمها من العرب العاربة، أو لإعطاء نوع من القدسية
للغة والخط العربي وحروفه، حيث إنه لما كثر الوضع في الحديث حاول أصحاب كل حرفة
إعطاء الشرعية لحرفته، وإضفاء القدسية عليها سواء بوضع الأخبار أو أخذها من أهل
الكتاب، وإن كانت لا تقوم على حقائق علمية، فمرةً ذهبوا إلى أن العربية لغة أهل
الجنة، ومرةً أخرى إلى أن الحروف العربية نزلت من السماء، وأن من لم يؤمن بها
كاملةً وهي (29) حرفاً يكفر، إلى غير ذلك من الكلام غير المبني على أسس علمية أو
أخبار صحيحة، فمن تلك الـروايات ما ينـقله القلقـشندي : (قـال الشيخ أبو العباس
البوني رحمه اللّه في كتابه : (لطائف الإشارات في أسرار الحروف المعلومات) : يروى
عن أبي ذر الغفاري أنه قال : (سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول اللّه، كل نبي مرسل بِمَ
يُـرسل ؟ قـال : بكـتاب مُـنـزل. قــلـت: يا رسول اللّه، أي كتاب أُنزل على آدم ؟
قال : أ ب ت ث ج إلى آخره. قلت : يا رسول اللّه، كم حرف ؟ قال : تسع وعشرون. قلت :
يا رسول اللّه، عددت ثمانية وعشرين، فغضب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى احمرت عيناه، ثم قال : يا أبا ذر، والـذي
بعـثني بالحـق نبيّاً ! ما أنزل اللّه تعالى على آدم إلا تسعة وعشرين حرفاً. قلت :
يا رسول اللّه، فيها ألف ولام. فقال عليه السلام : لام ألف حرف واحد، أنزله على
آدم في صحيفة واحدة، ومعه سبعون ألف ملك، من خالف لام ألف فقد كفر بما أنزل على
آدم ! ومن لم يعد لام ألف فهو بريء منه ! ومن لا يؤمن بالحروف وهي تسعة وعشرون
حرفاً لا يخرج من النار أبداً)(5). وهي رواية موضوعة لا أصل لها(6).
ويعقب صاحب
الأعشى على هذا الخبر بقوله : وهذا الخبر ظاهر في أن المراد منه حروف اللغة
العربية فقط، إذ قد أجاب صلى الله عليه وسلم
أبا ذر بحروف : أ ب ت ث وأثبت منها لام ألف، وليس ذلك في غير حروف العربية.
وسذاجة هذا الرأي واضحة فلا حاجة إلى مناقشته أو الوقوف عليه.
الـرأي الثـاني
: أن الخـط اخـتراع، ولهم في ذلك روايتان مشهورتان وهما :
أولاً : أن
العرب قد أخذت خطها عن الحيرة، والحيرة أخذته عن الأنبار(7)، والأنبار عن اليمن ثم
نقل إلى مكة وتعلمه من تعلمه وكثر في الناس وتداولوه.
وينقل ابن
النديم ما يلي : >وقال ابن عباس(8) أول من كتب بالعربية ثلاثة رجال من بولان،
وهي قبيلة سكنوا الأنبار، وأنهم اجتمعوا فوضعوا حروفاً مقطعةً وموصولةً. وهم :
مرامرة بن مروة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جذرة، ويقال : مرة وجـذلة. فأمـا مـرامر
فوضع، وأما أسلم، ففصل ووصل، وأما عامر، فوضع الإعجام : وسئل أهل الحيرة ممن أخذتم
العربي، فقالوا من أهل الأنبار”(9). ويقول الفيروز آبادي : >لذلك تسمى العرب
خطها بالجزم، لأنه جُزِمَ واقْتُطِعَ من المسند الحميري”(10). ويقول ابن خلدون :
>وقد كان الخط العربي بالغاً من الإحكام والإتقان والجودة في دولة التبابعة لما
بلغت من الحضارة والترف، وهو المسمى بالخط الحميري، وانتقل منها إلى الحيرة لما
كان بها من دولة آل المنذر نسباء التبابعة في العصبية والمجددين لملك العرب بأرض
العراق، ومن الحيرة لقنه أهل الطائف وقريش فيما ذكر، ويقال إن الذي تعلم الكتابة
من الحيرة هو سفيان بن أمية ويقال حرب بن أمية، وأخذها من أسلم بن سدرة، وهو قول
ممكن”(11).
وملخص هذا
الرأي أن الكتابة العربية اشتقت من الخط المسند الحميري الذي يعرف أيضاً بالخط
العربي الجنوبي، وأن هذا الخط وصل إلى موطن المناذرة وبلاد الشام عن طريق القوافل
التجارية التي كانت تتنقل بين الجزيرة العربية وشمالها، ثم انتقل عن طريق الحجاز
إلى بقية الجزيرة العربية(12).
وهذا الرأي
ضعيف كسابقه ومن عدة وجوه أهمها :
1. إننا نلحظ
أثر الصنعة والاختراع في الأسماء. فهي موزونة ومقفاة ـ مرة ـ سدرة ـ جذرة ـ، وهذا
يدل على أنها قد وضعت وضعاً، وليست من نتيجة المصادفة والاتفاق.
2. هذه
الرواية تقول : بأن ابن جدرة هو الذي وضع الإعجام، أي أن الخط العربي في نشأته كان
يكتب بالتنقيط. وهذا يخالف الواقع، لأن الخط العربي في نشأته كان يكتب من غير
تنقيط كما يظهر من النقوش العربية القديمة مثل نقش زبد و حران.
3. أن الخط
العربي لم يقتطع من المسند الحميري كما تقول الرواية، وليس هناك أي علاقة بينهما
سوى أنهما قد اشتقا من أصل سامي واحد(13).
أما تسمية
العرب خطها بالجزم، لأنه جزم واقتطع من المسند الحميري، فليس بصحيح. والمصادر تقرر
أن خط الجزم خط إسلامي نشأ بعد تأسيس الكوفة في عهد عمر بن الخطاب، فهو ليس خطاً
جاهليّاً(14).
وبتتبع المراحل
المختلفة ومن خلال النقوش التي اكتشفت حتى الآن لتطور الكتابة العربية الشمالية
التي تنتمي إليها الكتابة العربية اليوم أضعف هذا الرأي(15).
إضافةً إلى أن
أهل اليمن كانوا يكتبون بالمسند، والمسند بعيد عن هذا القلم الذي يسميه أهل
الأخبار : القلم العربي أو الكتاب العربي بعداً كبيراً. وقد بقوا يكتبون بقلمهم
هذا زمناً في صدر الإسلام(16).
يضاف إلى كل ما
سبق أننا لا نستطيع أن نقول إن هؤلاء هم أول الذين كتبوا، أو أول الذين وضعوا
الكتابة العربية فعلاً وذلك : لأنه أمر ينفيه ما تم اكتشافه من نقوش عربية تعود
إلى وقت سابق على الوقت الذي يُقَدَّر أنهم عاشوا فيه، وهو نهاية القرن الخامس أو
بداية القرن السادس الميلادي في أماكن بعيدة عن الأنبار والعراق، كذلك فإن وضع
الخطوط واختراعها عمل ليس من اليسير نسبته إلى أفراد بأعيانهم(17).
ولعل في
الانتشار الواسع لاستخدام المسند - في الجزيرة العربية وغيرها - وما تخلف عنه في
أذهان الناس، ما يفسر لنا ما ذهبت إليه المصادر العربية من الاعتقاد بأن الخط
العربي متطور عنه، لكن المقارنة بين كلا الخطين وما يمتاز به كل واحد منهما تنفي
ذلك الاعتقاد(18).
ولكن مع ما
ذكرنا لا يستبعد أن يكون لهؤلاء الأشخاص المذكورين يدٌ ما في تطوير الخط والكتابة
العربية، بأن ساهموا بطريقة ما في تطوير تلك الكتابة، فقاموا مثلاً بتعديل الحروف
المتداولة آنذاك، ذات الأصل النبطي حتى تبدو في شكلها الحالي.
ثانياً : أن
العرب قد أخذت خطها من ملوك مدين الذين كانوا من العرب العاربة.
يقول ابن
النديم : >اختلف الناس في أول من وضع الخط العربي. فقال هشام الكلبي : أول من
وضع ذلك، قوم من العرب العاربة نزلوا في عدنان بن إد، وأسماؤهم : أبو جاد، هوز،
حطي، كلمون، سعفص، قريسّات، هذا من خط ابن الكوفي بهذا الشكل والإعراب وضعوا
الكتاب على أسمائهم. ثم وجدوا بعد ذلك حروفاً ليست من أسمائهم وهي : الثاء والخاء
والذال والظاء والشين والغين، فسموها الروادف. قال : وهؤلاء ملوك مدين، وكان
مهلكهم يوم الظلة في زمن شعيب عليه السلام. قرأت بخط ابن أبي سعد على هذه الصورة
وبهذا الإعراب : أبجاد، هوز، حاطي، كلمون، صاع، فض، قرست. قالوا هم الجبلة الآخرة.
وكانوا نزولاً في عدنان بن إدد. وأشباهه، فلما استعربوا وضعوا الكتاب العربي.
واللّه أعلم”(19).
وهذا الرأي غير
مستقيم كذلك، ولا يقبله المنطق السليم : >وليس أدل على الخرافة في هذا الرأي من
أن صاحبها قد أخذ الترتيب الأبجدي للحروف وجعله أسماءً لملوك من العرب العاربة.
زاعماً بأنهم كانوا في مدين، وأنهم هم الذين وضعوا الخط العربي. كما أنها تدل
أيضاً على أن الخط العربي كان يكتب في نشأته بالتنقيط، وهذا يخالف الواقع”(20).
يقول الدكتور
أنيس فريحة : >... إن هذه الأسماء ليس لها مسميات، هي ترتيب حروف الهجاء
الآرامية القديمة بشكل يسهل على الصغار حفظها. فالحروف الآرامية ـ وعددها اثنان
وعشرون ـ قد جمعت بحسب ترتيبها في كلمات ـ أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرست ـ. وذلك
بغية حفظها على هذا الترتيب، لأنها كانت تستخدم أيضاً للأرقام قبل اقتباس الأرقام
الهندية ـ المعروفة بالعربية الآن ـ”(21).
ومما يدل على
أن هذه الأسماء لا علاقة لها بنشأة الخط العربي، وأنها جاءت من قصص شعبية كانت
منتشرةً بين الناس وبصيغ مختلفة، ما ينقله الإمام الطبري في تاريخه عند حديثه عن
الأيام الستة التي خلق اللّه فيها السماوات والأرض، حيث يقول : >وقيل : إن اسم
أحد تلك الأيام الستة : أبجد، واسم الآخر : هوّز، واسم الثالث منهن حطي، واسم
الرابع منهن : كلمنْ، واسم الخامس منهن : سعفص، واسم السادس منهن : قرست”(22).
وهذا الرأي وإن
بات غير مقبول عند الباحثين المعاصرين، إلا أنه يدل على أن العرب قد أخذت خطها من
الأنحاء الشمالية واقتطعه من كتابة شعب كان يسكن في مدين وما يجاورها من الأنحاء
الشمالية للبلاد العربية.
وهذه الكتابة
عرفت فيما بعد ولا سيما في القرن التاسع عشر الميلادي، بأنها الكتابة النبطية،
وذلك بجهود المستشرقين الذين قاموا برحلات علمية إلى تلك الأرجاء، فعثروا على نقوش
وكتابات تحمل اسم جماعة تعرف بالنبط كانت تسكن في مدين وما يجاورها من الأنحاء
الشمالية للبلاد العربية. وأول من عثر من المستشرقين على نقوش نبطية، المستشرق John Lewis Burkhardt وذلك في
سنة1882 م(23).
ويضاف إلى ما
سبق أنه : >ليس هناك ما ينفي أن تكون الكتابة العربية قد دخلت الحجاز من
الأنحاء الشمالية مباشرةً، خاصةً أن العديد من الكتابات النبطية جاءت من الإقليم
الشمالي لبلاد الحجاز، من الحجر ـ مدائن صالح ـ والعلا وتيماء، هذا إضافةً إلى
الاتصال التجاري المستمر بين أهل الحجاز وبلاد الشام. فارتباط الحجاز بالطرف
الجنوبي من بلاد الأنباط، وكون الكثير من النقوش النبطية من ذلك الإقليم، والاتصال
المستمر كلها عوامل مشجعة لتطور كتابة عربية في ذلك الإقليم”(24).
وعليه نصل إلى
الرأي الثالث، وهو الرأي الغالب على دراسات الباحثين المعاصرين وهو : أن الكتابة
العربية المستعملة اليوم قد اشتقت من الكتابة النبطية(25)، بل وأثبتوا أن الأولى
اسمترار متطور للثانية التي انحدرت من الكتابة الآرامية المـتطورة عن الكـتابة
الفينيقية، اعتماداً على أهم النقوش والمكتشفات الأثرية وهي : نقش أم الجمال
(250م)، ونقش النمارة (328م) وهما نبطيان لغةً وخطّاً، على أن العرب فضلوا استخدام
الحروف النبطية في كتابتهم، وأن العربية فرضت نفسها لغةً للكتابة، ثم نقش أسيس
(528م)، ونقش حران (568م) اللذان لا تختلف كتابتهما كثيراً عن الكتابة العربية
بصورها التي كانت عليها عند ظهور الإسلام(26).
وقد حملت هذه
النقوش مجموعة العناصر التي تألفت منها الكتابة سواء في رسمها أو إملائها أو اتصال
حروفها وانفصالها. وقد رجح الباحثون أن الكتابة نشأت ونمت بين عهد نقش النمارة
ونقش زبد، واعتبروا أن نقش حران يمثل آخر مراحل الانتقال من الكتابة النبطية إلى
الكتابة العربية(27).
وقد قام
الدكتور خليل يحيى نامي بدراسة تحليلية لحروف الكتابة النبطية، عبر الكثير من
النقوش التي ترجع إلى قرون مختلفة، متتبعاً صور الحروف وتطورها، منذ أقدم الكتابات
النبطية حتى أخذت شكلها الأخير في الكتابات العربية الجاهلية، بما لا يدع مجالاً
للشك في انحدار الكتابة العربية من النبطية التي تطورت عن الكتابة الآرامية قبل
عدة قرون من ذلك(28).
ويقول الدكتور
جواد علي : ومع صعوبة الحكم على أصل الأبجديات حكماً قاطعاً، لأن أحداً لا يستطيع
أن يدعي أن العلماء قد عثروا على كل ما دون من كتابات قديمة(29). فإن دراسة ترتيب
الحروف العربية وأسمائها، وأشكال الحروف وصورها وتطورها، يتيح لنا أن نرى بوضوح
معالم تطور الكتابة العربية وانحدارها من الكتابة النبطية التي ترتبط بالكتابات
السامية الأخرى بأقوى الصلات(30). والخط العربي أخذ شكله المتميز منذ القرن الرابع
الميلادي، لكن النقوش الخطية الباقية من آثار القرون السابقة لظهور الإسلام قليلة
في عددها، ومحدودة في مادتها(31).
وكل ما ذكر عن القلم
النبطي لا ينفي احتمال استخدام العرب للقلم الحميري أو المسند، وإنما يرى الباحث
أن الخط العربي أو الكتابة العربية المستخدمة اليوم إنما اشتقت وتطورت من الكتابة
النبطية وليس من القلم الحميري، وفي هذا الصدد يقول الدكتور جواد علي : >وتبين
من دراسة النصوص الجاهلية، أن العرب كانوا يدونون قبل الإسلام بقلم ظهر في اليمن
بصورة خاصة، هو القلم الذي أطلق عليه أهل الأخبار "القلم المسند" أو
"قلم حمير". وهو قلم يباين القلم الذي نكتب به الآن. ثم تبين أنهم صاروا
يكتبون في الميلاد بقلم آخر، أسهل وألين في الكتابة من القلم المسند أخذوه من
القلم النبطي المتأخر وذلك قبيل الإسلام على ما يظهر. وكما تبين أن النبط وعرب
العراق وعرب بلاد الشام كانوا يكتبون أمورهم بالآرامية وبالنبطية، وذلك لشيوع هذين
القلمين بين الناس”(32).
المبحث الثاني
: انتقال الكتابة إلى الحجاز
لا يزال مكان
وزمان تطور الكتابة العربية موضع خلاف بين الباحثين لسببين وهما(33) :
1. قلة
النقوش العربية من عهد الجاهلية.
2. غموض
تاريخ الخط العربي عند مؤرخي العرب القدماء، وتضارب الروايات عندهم.
والمصادر
العربية بصورة عامة تربط انتقال الكتابة إلى الحجاز ولا سيما إلى مكة بأسماء أشخاص
معينين وأشهرهم في ذلك : بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن
الكندي ثم السكوني صاحب دومة الجندل(34)، وكلها تذكر أنه تعلم الكتابة في الحيرة،
وقد تعلم منه سفيان بن أمية بن عبد شمس، وأبو قيس بن عبد المناف بن زهرة بن كلاب.
أو حرب بن أمية، وأنه تعلم من عبد اللّه بن جذعان، وقد تعلم هو بدوره من أهل
الأنبار(35).
وتفيد هذه
الروايات أن الكتابة انتقلت إلى مكة من خلال جيل أو جيلين قبل الإسلام حيث إن هذه
الأسماء معروفة وعاشت قريباً من ظهور الإسلام، وعليه : >ربما ذهبت المصادر
العربية استناداً إلى هذه الأخبار إلى أن حدوث الكتابة العربية كان قريباً من نزول
القرآن، وقبل الإسلام بقليل”(36).
وينبني عليه أن
مكة والحجاز كانتا خاليتين من الكتابة قبل ذلك التاريخ، وهو ما تخالفه أخبار أخرى
ومنها : أن قصيّاً كتب إلى أخيه رزاح في أطراف الشام ـ في حدود سنة 440 ب.م ـ
بالقلم العربي أو النبطي أو بغير ذلك. وعليه فإن هذه الأخبار المقصود منها انتقال
الكتابة وليس تحديد تاريخ نشوء الخط والكتابة العـربية حـيث إنـه : >اعتماداً
على النقوش العربية الجاهلية أن الكتابة العربية بدأت تتميز بخصائص معينة منذ مطلع
القرن الرابع الميلادي ـ تاريخ نقش النمارة 328م ـ، ونجد كتابةً عربيةً متميزة
الخصائص في نقش زبد ـ 512م ـ وعلى ذلك يرجح كثير من الباحثين أن الخط العربي نشأ
ونما بين نقش النمارة وزمن نقش زبد ... ويقدم لنا نقش حران ـ 568م ـ كتابةً عربيةً
كاملة الخصائص”(37).
ويضاف إلى ماسبق،
ما ذكر من كلام الدكتور جواد علي من أن العرب كانوا يدوِّنون بقلم ظهر في اليمن
بصورة خاصة، وهو القلم المسند، ثم أبدلوه فيما بعد بقلم آخر، أخذوه من القلم
النبطي.
(1) انظـر :
عـلي، جـواد : المـفصل فـي تاريخ العـرب قبـل الإسـلام، (بيروت : دار العلـم للمـلاييـن،
ط 2، 1978م) ج 162-157/8. يذكر وجهات نظر العلماء المسلمين في نشأة الخط العربي،
ويشير إلى أكثر من عشرين رأياً.
(2) نامي،
خليل يحيى : أصل الخط العربي وتاريخ تطوره إلى ما قبل الإسلام، مجلة كلية الآداب،
جامعة القاهرة، مجلد 3، مايو -1935م، ج 2/1.
(3) ابن
فـارس، أحـمد بـن زكـرياء : الصـاحبي فـي فـقه اللغة، تحقيق : أحمد صقر، (القاهرة
: مطبعة عيسى البـابي الحـلبي، د. ط، 1977م) ص 9-6. وابن النـديم، محـمد بن إسـحاق
: الفهـرست، تحقيق : رضا، (د. م : دار الميسرة، ط 3، 1988م) ص 8-7، والصولي، محمد
بن يحيى : أدب الكتاب، تعليق : محمد بهجة الأثري، (القاهرة : المطبعة السلفية، د.
ط، 1341 هـ) ص 28، وابن عبد ربه، أحمد : العقد الفريد، تحقيق : عبد المجيد
الترحيني، (بيروت : دار الكتب العلمية، ط 3، 1987م) ج 239/4. والقلقشندي، أبو
العباس أحمد : صبح الأعشى في صناعة الإنشا، (القاهرة : الهيئة المصرية العامة
للكتاب، نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية، د. ت) ج 8-7/3.
(4)
الجهشياري، أبو عبد اللّه محمد : كتاب الوزراء والكتاب، تحقيق : مصطفى السقا،
وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي، (مصر : مطبعة البابي الحلبي، ط 2، 1980م) ص
1. وابن عبد ربه : العقد الفريد، ج 239/4. والصولي : أدب الكتاب، ص 28. وابن
النديم : الفهرست، ص 7. والسيوطي، جلال الدين : المزهر في اللغة، شرح وتعليق :
محمد أحمد جاد المولى بك وعلي محمد إبراهيم، (بيروت : المكتبة العصرية، د. ط،
1986م) ج 341/2. والسيوطي : الإتقان في علوم القرآن، تحقيق : محمد أبو الفضل
إبواهيم، بيروت : د. ن. ط، 1988م) ج 145/4.
(5)
القلقشندي : صبح الأعشى، ج 8-7/3.
(6) ابن
عـراق، عـلي بـن محـمد : تنـزيه الشـريعة المـرفوعة عـن أخـبار الشـنـيعة
المـوضوعـة، تحــقيق : عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد اللّه محمد الصديق، (بيروت :
دار الكتب العلمية، ط 2، 1981م) ج 250/1.
(7)
البلاذري، أحمد بن يحيى : فتوح البلدان، مراجعة : رضوان محمد رضوان، (بيروت : دار
الكتب العلمية : د. ط، 1983م) ص 457-456. والقلقشندي : صبح الأعشى، ج 8/3.
والسجستاني، عبد اللّه بن أبي داود : كتاب المصاحف، تحقيق : محب الدين عبد السبحان
واعظ، (قطر : وزارة الأوقاف، ط 1، 1995م) مج 163/1. وابن قتيبة، عبد اللّه بن مسلم
: المعارف، تحقيق : ثروت عكاشة، (د. م : دار المعارف، ط 4، د. ت) ص 553-552.
والصولي : أدب الكتاب، ص 30. والجهشياري : كتاب الوزراء والكتاب، ص 1. وابن النديم
: الفهرست، ص 8-7، وانظر : علي : المفصل، ج 159-158/8. والحمد، غانم قدوري : رسم
المصحف دراسة لغوية تاريخية، ص 33. ونامي : أصل الخط العربي وتاريخ تطوره إلى ما
قبل الإسلام، ص 2. والموسوعة العربية العالمية، (الرياض : مؤسسة أعمال الموسوعة، ط
1، 1996م) ج 130/19. وجمعة، إبراهيم : دراسة في تطور الكتابات الكوفية، (د. م :
دار الفكر العربي، د. ط. ت) ص 17. ويعقوب، أميل : الخط العربي، (طرابلس : د. ن، ط
1، 1986م) ص 18. ومحمد، عبد العزيز عبد اللّه : سلامة اللغة العربية، (د. م : د.
ن، ط 1، 1985م) ص 114.
(8) هذه
الرواية ضعيفة عن ابن عباس. انظر : السجستاني : كتاب المصاحف، مج 163/1.
(9) ابن
النديم : الفهرست، ص 9-8.
(10) الفيروز
آبادي، محمد بن يعقوب : القاموس المحيط، (باب الميم - فصل الجيم، (بيروت : دار
الفكر، د. ط، 1983م) ج 90/4.
(11) ابن
خلدون، عبد الرحمان : مقدمة ابن خلدون، تحقيق : علي عبد الواحد وافي، (القاهرة :
دار نهضة مصر، د. ط. ت) ج 962/2.
(12) نامي :
أصل الخط العربي وتاريخ تطوره إلى ماقبل الإسلام، ص 3. وعبد الباسط، حسين : نشأة
اللغة العربية والخط العربي قبل الإسلام، مجلة كلية الآداب، مطبعة جامعة
الإسكندرية، 1984م، مجلد 33، ص 101. والموسوعة العربية العالمية، ج 129/19.
(13) نامي :
أصل الخط العربي وتاريخ تطوره إلى ما قبل الإسلام، ص 3. وعبد الباسط : نشأة اللغة
العربية والخط العربي قبل الإسلام، ص 100.
(14) عبد
الباسط : نشأة اللغة العربية والخط العربي قبل الإسلام، ص 98.
(15)
الموسوعة العربية العالمية، ج 30/19.
(16) علي،
جواد : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج 168/8.
(17) الحمد،
غانم قدوري : رسم المصحف، ص 36-35.
(18) المرجع
السابق، ص 40.
(19) ابــن
الـنـديـم : الفهـــرسـت، ص 7. والقلـقـشـندي : صــبح الأعـــشــى، ج 9/3.
والسـيـوطي : المـزهر فـي اللــغة، ج 248-247/2. وابن عبد ربه : العقد الفريد، ج
239/4. والصولي : أدب الكتاب، ص 29. وانظر : نامي : أصل الخط العربي وتاريخ تطوره
إلى ماقبل الإسلام، ص 5. والحمد : رسم المصحف، ص 30. ويعقوب : الخط العربي، ص 18.
وفريحة، أنيس : نظريات في اللغة، (بيروت : دار الكتاب اللبناني، ط 1، 1981م) ص
90-89.
(20) نامي :
أصل الخط العربي وتاريخ تطوره إلى ماقبل الإسلام، ص 6.
(21) فريحة :
نظريات في اللغة، ص 90.
(22) الطبري،
محمد ابن جرير : تاريخ الطبري، (بيروت : دار الكتب العلمية، ط 1، 1407هـ) ج 34-33/1.
(23) نامي :
أصل الخط العربي وتاريخ تطوره إلى ما قبل الإسلام، ص 6.
(24) الحمد :
رسم المصحف، ص 54.
(25) نامي :
أصل الخط العربي وتاريخ تطوره إلى ما قبل الإسلام، ص 84-26. وانظر : جمعة : دراسة
في تطور الكتابات الكوفية، ص 17. ويعقوب : الخط العربي، ص 19-18. وعبد الباسط :
نشأة اللغة العربية والخط العربي قبل الإسلام، ص 109. وفريحة : نظريات في اللغة، ص
90. والجبوري، يحيى وهيب : الخط والكتابة في الحضارة العربية، (بيروت : دار الغرب
الإسلامي، ط 1، 1994م) ص 22. والخطاط، يحيى سلوم العباس : الخط العربي تاريخه
وأنواعه، (بغداد : مكتبة النهضة، ط 1، 1984م) ص 53.
(26)
الموسوعة العربية العالمية، ج 130/19.
(27) المرجع
السابق، ج 130/19.
(28) الحمد :
رسم المصحف، ص 49. وانظر : نامي : أصل الخط العربي وتاريخ تطوره إلى ما قبل
الإسلام، ص 84-26.
(29) علي :
المفصل، ج 69/8.
(30) الحمد :
رسم المصحف، ص 50.
(31) الحـمد،
غـانم قـدوري : الخـط العـربي تطــوره وأنـواعه، مجـلـة الحكـمة، ليـدز، العـدد :
12، 1418هـ، ص 425.
(32) علي :
المفصل، ج 153/8.
(33) نامي :
أصـل الخـط العـربي وتـاريخ تطـوره إلـى ما قبـل الإسـلام، ص 102. والحمد : رسم
المصحف، ص 51-50.
(34)
البلاذري : فتوح البلدان، ص 457.
(35)
القلقشندي : صبح الأعشى، ص 10. وابن خلدون : المقدمة، ج 963/2.
(36) الحمد،
رسم المصحف، ص 55.
(37) الحمد :
رسم المصحف، ص 57-56.
الفصل الثالث :
حالة الكتابة في الجزيرة العربية
..................................................................................................................................
المبحث الأول :
مفهوم الأميين في القرآن الكريم
المبحث الثاني
: حالة الكتابة في مكة والمدينة
المبحث الثالث
: مجالات استخدام الكتابة عند العرب
..................................................................................................................................
المبحث الأول :
مفهوم الأميين في القرآن الكريم
الذي يطالع
المصادر العربية القديمة التي تشير في طياتها إلى مكانة الكتابة عند العرب في العصر
الجاهلي وفي صدر الإسلام، يجد أنها تتفق إلى حد كبير في وصف العرب قبل الإسلام
بالأمة الأمية الجاهلة التي لا حظ لها من علم أو معرفة أو كتابة، بل يغالي بعض
الإخباريين القدماء في لصق هذه الصفة ـ الجهل بالكتابة والقراءة ـ بالعرب إلى حد
غير معقول، ناهيك عن البحث العلمي القائم على استقراء واقع العرب قبل الإسلام
وصدره. وهذه المصادر تناقض نفسها في مواضع كثيرة، حيث يذكر أحدهم في موضع ما أن
الجهل كان مطبقاً على العرب بل والمسلمين في العهد النبوي، وإنه لم يكن منهم مَنْ
يعرف الكتابة والقراءة إلا الواحد أو الاثنان، ثم يذكر في مواضع أخرى أسماء لعدد
كبير من الذين كانوا يحسنون الكتابة والقراءة وهكذا. وعلى رأس هؤلاء الإمام ابن
قتيبة الدِّينَوَري ـ رحمه اللّه ـ حيث يقول في معرض كلامه عن سماح الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد اللّه بن عمرو بكتابة الحديث : >خص
بهذا عبد اللّه بن عمرو، لأنه كان قارئاً للكتب المتقدمة، ويكتب بالسريانية
والعربية وكان غيره من الصحابة أميين، لا يكتب منهم إلا الواحد أو الاثنان، وإذا
كتب لم يتقن ولم يصب التهجي ...<(1).
ومعلوم أن هذا
الكلام لم يكن مبنيّاً على الجرد والاستقراء. وقد درج على هذا المنهج أغلب الذين
تحدثوا عن مكانة الكتابة عند العرب، وربما نتج ذلك عن إشارات وردت في نصوص قرآنية
وحديثية، مثل لفظة : (الأميين، والأمي) في القرآن الكريم، ولفظة (أُمِّيَّة) في
الحديث النبوي الذي سيأتي. ومعلوم أن القرآن الكريم قد وصف العرب بهذا الوصف في
ثلاثة مواضع. وهي قوله تعالى : { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ }(2). وقوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ }(1)، وقوله تعالى : { هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وِإِنْ كَانُوا مِنْ
قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ }(2).
ولكن كما هو
واضح من سياق الآيات السابقة، فإن هذا الوصف لا يعني الجهل بالكتابة والقراءة، حيث
إن الآيات الثلاث نزلت في المدينة ذات المناخ المعروف المكون من اليهود وهم أهل
كتاب، ومن عرب لم يكن لهم كتب دينية منزلة، وعليه فإن الأمية هنا الأمية الدينية،
أي الأمة التي تملك كتاباً سماويّاً كاليهود والنصارى لا الأمية بمعنى الجهل
بالكتابة والقراءة، وقد أشار إلى هذا المعنى بعض المفسرين القدامى، منهم الإمام
ابن جرير الطبري فقد أشار إلى ذلك في تفسيره للآية : { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ؟ فَإنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا
}(3). حيث يقول : >يعني جل ثناؤه، وقل يا محمد للذين أوتوا الكتاب من اليهود
والنصارى والأميين : الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب أأسلمتم ...<(4).
يقول الدكتور
جواد علي تعليقاً على ما ذكره الإمام الطبري : >فالمسلمون أهل كتاب، والمجوس
أميون كمشركي مكة وبقية العرب المشركين، لا لكونهم لا يقرؤون ولا يكتبون، بل لأنهم
لم يؤمنوا بالتوراة والإنجيل<(5).
وفي تفسيره
لقوله تعالى : { آ لم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا
وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَليَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }(6).
يقول : >حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين، قال : ثنى حجاج، عن أبي بكر بن عبد
اللّه، عن عكرمة، أن الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض، قالوا : أدنى الأرض يومئذ
أذرعات بها التقوا، فهزمت الروم فبلغ النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم
بمكة، فشق ذلك عليهم، وكان النبي صلى الله
عليه وسلم يكره أن يظهر الأميون من
المجوس على أهل الكتاب من الروم، ففرح الكفار بمكة وشمتوا، فلقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب،
ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب<(1). وقد
ذكر الواحدي النيسابوري ذلك أيضاً في أسباب نزول الآية(2).
ويـقول الإمـام
القرطـبي في تفسيره للآية : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً
مِنْهُمْ }(3)، بعد أن عرض عدة آراء : >قال ابن عباس : الأميون العرب كلهم، من
كتب ومن لم يكتب، لأنهم لم يكونوا أهل كتاب<(4). وفي المفردات يقول الراغب
الأصفهاني : قال الفراء : >إن الأميين هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب<(5).
وقد أشار
الإمام الآلوسي إلى ذلك في تفسيره للآية بقوله : >إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يظهر الأميون من المجوس على أهل
الكتاب من الروم<(6).
ولا يقول عاقل
إن اليهود والنصارى كلهم أو حتى أغلبهم كانوا يعرفون الكتابة والقراءة، لأن القرآن
سماهم أهل الكتاب، وإنما أطلق القرآن الكريم عليهم هذه التسمية لأنهم أصحاب كتاب
منزل من السماء بخلاف العرب. أو أن المصريين الذين اشتهروا بالكتابة كان كلهم
يعرفون الكتابة والقراءة، أو فارس ... إلخ، وإنما المسألة نسبية.
ومعروف أن من
عادة اليهود إطلاق تسميات خاصة على من يخالفهم في الدين وإلى يومنا هذا، وذلك
لتمييز أنفسهم. يقول الدكتور جواد علي : >ولا يعقل أن يكون اليهود أو غيرهم قد
أطلقوا الأمية على العرب، بسبب جهل العرب الكتابة والقراءة ـ ذلك بأنهم قالوا ليس
علينا في الأميين سبيل ـ فقد كان سواد يهود ونصارى جزيرة العرب أميّاً أيضاً، لا
يقرأ ولا يكتب، إلا أن القرآن الكريم أخرجهم من الأميين، واستثناهم، وأطلق عليهم
(أهل الكتاب)، وذلك يدل دلالةً واضحةً على أن المراد من (الأميين) العرب الذين ليس
لهم كتاب، أي العرب الذين لم يكونوا يهوداً ولا نصارى، لا من لا يحسن الكتابة
والقراءة. والقرآن الكريم هو الذي هدانا إلى لفظة (الأميين)، فلم ترد اللفظة في نص
من نصوص الجاهلية وبفضله أيضاً عرفنا مصطلح (أهل الكتاب) دلالةً على أهل
الديانتين<(1).
بـل إن قــولـه
تعـالى : { ومنـهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون }(2). لا
يفيد معنى الأمية بالكتابة والقراءة، رغم أن المقصود به اليهود. وتتضح الصورة أكثر
مع قوله تعالى مبيناً مهمة الرسول والهدف من بعثته في سورة الجمعة : { هو الذي بعث
في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن
كانوا من قبل لفي ضلال مبين }. فهل يصح لأحد أن يدعي أن الأمـية هـنا، معنـاها
الجـهل بالكـتابة والقـراءة، وأن الـرسول
صلى الله عليه وسلم ، قـد بـعث
ليعـلم الناس القراءة والكتابة، لأنه عز وجل قال إنهم أميون، وأنه صلى الله عليه وسلم جاء يعلمهم الكتاب !
وينقل الإمام
الطبري في هذا الصدد : >وعن قتادة هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم قال :
كان هذا الحي من العرب أمة أمية ليس فيها كتاب يقرؤونه فبعث اللّه نبيه
محمداً صلى الله عليه وسلم رحمةً وهدى يهديهم به. حدثنا ابن عبد الأعلى
قال ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم قال : كانت
هذه الأمة أميةً لا يقرؤون كتاباً، فبعث اللّه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم رحمةً وهدى يهديهم به. حدثني يونس قال أخبرنا
ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم قال : إنما
سميت أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم الأميين لأنه لم ينزل عليهم كتاباً. وقال جل
ثناؤه رسولاً منهم يعني من الأميين. وإنما قال منهم لأن محمداً صلى الله عليه وسلم كان أميّاً وظهر من العرب. وقوله ويعلمهم
الكتاب ويعلمهم كتاب اللّه وما فيه من أمر اللّه ونهيه وشرائع دينه والحكمة يعني
بالحكمة : السنن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل<(3).
وقال الإمام
الشوكاني : >هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم : المراد بالأميين العرب من
كان يحسن الكتابة منهم ومن لا يحسنها لأنهم لم يكونوا أهل كتاب<(1).
وقد ورد لفظ
(الأمي) مرتين في السور المكية، ولكن يلاحظ أن الآيتين المكيتين، خاصتان
بالرسول صلى الله عليه وسلم . الآية الأولى جاءت في معرض كلام اللّه سبحانه
وتعالى لموسى في بيان وصف المستحقين لعفوه ومغفرته، فقال تعالى : { الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً
عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ }، والآية الأخرى : { فَآمَنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ }(2).
وللعلماء كلام
طويل في سبب إطلاق الأمي على الرسول صلى
الله عليه وسلم ، هل من أنه نسبة إلى
العرب الذين ليس لهم كتاب سماوي، أو نسبةً إلى أمه باعتبار حاله حال الذي يولد من
أمه لا علم له بالكتابة والقراءة، أو نسبة إلى العرب الذين لم يكن لهم حظ من العلم
والمعرفة حسب رأي البعض، إلى غير ذلك من الآراء والأقوال التي لا تدخل ضمن نطاق
هذا البحث. ومع كل ذلك فإن وصف الرسول صلى
الله عليه وسلم بالأمي وصف ينطبق عليه
واقعاً. فقد كان صلى الله عليه وسلم أميّاً لا يعرف القراءة والكتابة، أما سياق
الآيات السابقة فلا يفهم بحال من الأحوال أن المقصود بهم العرب الذين لا يعرفون
الكتابة والقراءة بخلاف ما ذهب إليه الأستاذ أحمد محمد شاكر رحمه اللّه في تعقيبه
على مقال الأمي في دائرة المعارف الإسلامية بقوله : >سياق هذه الآيات كلها يدل
على أن المراد بالأمي هو مَنْ لا يعرف القراءة والكتابة، كما هو المعنى المعروف في
لغة العرب<(3).
وعليه يتبين
وبوضوح أنه بمراجعة سياق الآيات التي أطلق فيها لفظ الأميين على العرب، أنها لا
تفيد هنا معنى الجهل بالقراءة والكتابة، وإنما تعني الأمية الدينية، إلا أنه تجدر
الإشارة إلى أمر مهم، وهو ما ذكره الأستاذ عبد الصبور شاهين بقوله : >فإذا نحن
قررنا أن حديث القرآن عن (النبي الأمي) وعن (الأميين) لا يعني في التفسير الراجح
سوى (الوثنيين غير أهل الكتاب)، فلن يمنع ذلك من أن نقرر أن الأمية، بمعنى الجهل
بالقراءة والكتابة، كانت سمة المجتمع العربي الغالبة في تلك الفترة
الحضارية<(1).
وأما الحديث :
>إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب<، وتكملته >الشهر هكذا، وهكذا<، يعني
مرةً تسعة وعشرين، ومرةً ثلاثين<(2). فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في حديث الصيام عن رؤية الهلال، وعليه
فهذا الحديث لا يعني إلا ضرباً خاصّاً من الكتابة والحساب، وهو حساب النجوم،
وتقييد ذلك بالكتابة لمعرفة مطلع الشهر، فقد أخبر أن هذا الضرب من العلم المدون
المسجل القائم على الحساب والتقويم لم يكن للعرب عهد به، ومن هنا علق الحكم بالصوم
وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير.
ويبين الإمام
القسطلاني في إرشاد الساري ذلك عند شرحه للحديث بكلام قيم حيث يقول : >... لا
نعرف حساب النجوم وتسييرها فلم نكلف في تعريف مواقيت صومنا ولا عبادتنا ما نحتاج
فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة، وإنما ربطت عبادتنا بأعلام واضحة وأمور ظاهرة لائحة
يستوي في معرفتها الحُسَّاب وغيرهم. ثم تم
صلى الله عليه وسلم هذا المعنى
بإشارته بيده من غير لفظ إشارة يفهمها الأخرس والأعجمي (الشهر هكذاو هكذا)، قال
الراوي : يعني صلى الله عليه وسلم مرةً تسعة وعشرين ومرةً ثلاثين<(3).
ويشير الإمام
ابن كثير إلى هذا المعنى بقوله : >وقال
صلى الله عليه وسلم : (إنا أمة
أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا، وهكذا). أي لا نفتقر في عباداتنا
ومواقيتنا إلى كتاب ولا حساب<(4).
ومن ناحية أخرى
: >هذا الحديث لا يعني نفي الكتابة والحساب نفياً عامّاً شاملاً، وذلك لأن عرب
الجاهلية قد كانوا يكتبون ويحسبون، وإنما هو نفي لأن تكون الكتابة وأن يكون الحساب
نظاماً عامّاً متبعاً في كل الشؤون كما كان ذلك عند بعض الأمم الأخرى ذات التقاويم
الفلكية<(1).
والغريب أن
الكثيرين من الباحثين يستشهدون بالمقطع الأول من الحديث على إثبات عدم معرفة العرب
للكتابة والقراءة، وأن الجهل كان مطبقاً عليهم، وأنهم كانوا على درجة من الجهل
بذلك، بحيث يتم الاعتماد في كل شيء على الحفظ والسماع. وعليه كان الحفظ هو الطريق
الأول والأساسي لحفظ القرآن الكريم ونقله، ولم تكن الكتابة إلا شيئاً ثانويّاً لا
يلتفت إليه. ولم يكتف هؤلاء في ادعائهم هذا في إلصاق صفة الأمية التامة بالعرب قبل
الإسلام فقط، بل إن كلاماً مثل ما قاله الإمام ابن قتيـبة ـ رحـمه اللّـه ـ ليـس
المقـصود بـه العـرب فـي الجاهليـة أو المسلميـن في العهد المكي. وإنما صدر ذلك
منه في معرض تعليقه على سماح الرسول صلى
الله عليه وسلم لعبد اللّه بن عمرو
بكتابة الحديث. ولا شك أن ذلك كان في العهد المدني ـ وربما في السنوات المدنية
الأخيرة ـ حيث قال : وكان غيره من الصحابة أميين لا يكتب منهم إلا الواحد أو
الاثنان(2).
وحمل الحديث
على معنى الجهل بالكتابة والقراءة، لا يحتمله ظاهر الحديث، هذا من ناحية، ومن
ناحية أخرى فإنه يخالف ما كان عليه واقع العرب من معرفة عدد كبير منهم الكتابة
والقراءة. وواقع المسلمين كذلك في مكة، فإنه من المعروف أن عدداً لا بأس به من
الصحابة ـ رضي اللّه عنهم ـ والذين أسلموا قديماً في مكة كانوا من الكتبة، وأغلبهم
قد اشتهروا فيما بعد بكُتَّاب النبي صلى
الله عليه وسلم . وكذلك فإن واقع المسلمين
في المدينة كان على نقيض ذلك بالتمام، ولا سيما بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وغزوة بدر، حيث كثرت الكتابة في الناس أكثر
مما كانت عليه من قبل، فكيف يصح بعد كل هذا أن يقول أحد إن الحديث يفيد معنى الجهل
بالكتابة والقراءة بصورة عامة. وأن المسلمين لم يكونوا يعتمدون على الكتابة
والتسجيل إلا نادراً ! أو أنهم كانوا أميين لا يكتب منهم إلا الواحد أو الاثنان !.
وعليه فإن الاستشهاد بهذا الحديث على جهل العرب والمسلمين بالكتابة والقراءة، بل
وبالحساب بصورة عامة استشهاد غير سليم وفي غير محله، ويدل على الجهل بواقع العرب
والمسلمين في صدر الإسلام.
يضاف إلى كل ما
سبق أن حمل الحديث على العموم يعارض مضمون القرآن الكريم الذي حثَّ وفي أول آية،
بل في أول كلمة نزلت منه على الكتابة والعلم. يقول الدكتور عبد الصبور شاهين بعد
أن يذكر حديث القرآن الكريم عن الخط ومتعلقاته : >وكل ذلك موجه إلى أولئك العرب
الذين لصقت بهم صفة الأمية خلال التاريخ، فلا ريب أنها لم تكن أمية جهل بالقراءة
والكتابة، وإنما هي وثنية كانوا يدينون بها، لا علاقة لها بعلم أم جهل<(1).
وكيف يفهم أمر القرآن الكريم بضرورة كتابة الديون في المعاملات التجارية اليومية
إذا ما حمل الأمية في الحديث على الأمية العامة بالكتابة والحساب ؟!.
وكذلك يخالف
أحاديث أخرى ثبتت عن النبي صلى الله عليه
وسلم تأمر بالكتابة، ومنها : >قيدوا
العلم بالكتابة<(2). وتبين من حال الصحابة ولا سيما في المدينة أنهم كانوا
يكتبون كل شيء يصدر عن الرسول صلى الله
عليه وسلم إضافةً إلى كتابتهم للقرآن
الكريم، وخير دليل على ذلك الحديث الذي علق عليه الإمام ابن قتيبة نفسه بما سبق،
وكذا في سنن الدارمي وغيره : >عن عبد اللّه بن عمرو، قال : كنت أكتب كلّ شيء
أسمعه من رسول اللّه صلى الله عليه
وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا :
تكتب كلّ شيء سمعته من رسول اللّه صلى
الله عليه وسلم . بشر يتكلم في الغضب
والرضاء، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فأومأ بأصبعه إلي فيه، وقال : اكتب فوالذي
نفسي بيده ما خرج منه إلا حق<(3). وغير ذلك من الآثار التي ثبتت وتدل على وجود
الكتابة في تلك المرحلة.
وبعد أن توضح
معنى لفظة الأمية والأميين، يود الباحث أن يأتي بعينات ونماذج من العصر الجاهلي
وصدر الإسلام، من الذين كانوا يكتبون ويقرؤون والتي تدل دلالةً واضحةً وضوح الشمس
في كبد السماء، على أن ما ذهبت إليه أغلب المصادر العربية القديمة، وتبعها بعض
الدراسات المعاصرة، من أن الأمية بمعنى عدم معرفة القراءة والكتابة كانت مطبقةً
على العرب ليس بصحيح، وأن الكتابة كانت موجودةً ومنتشرةً إلى حد لا بأس به ولا سيما
في مكة، المركز الديني المرموق والتجاري المزدهر في قلب الجزيرة العربية.
والأمر الذي لا
شك فيه أن الكتابة : >كانت معروفة في مجتمع المدن، وبخاصة التجارية، ففي مثل
هذه المدن تكون الكتابة أمراً حيويّاً لا بد منه لقيام حياة اقتصادية منظمة بها
... وإذا اتخذنا مكة مثلاً لهذه المدن التجارية، فإننا نستطيع أن نقرر صحة هذا
التوجه، فقد كانت الكتابة عنصراً أساسيّاً من عناصر الحياة في مكة، وحقيقة ثابتة
من حقائق تاريخها القديم لا يوجد اليوم بين الباحثين من يجادل فيها<(1).
ولا يذهب
الباحث بقوله هذا إلى أن العرب كلهم كانوا يجيدون الكتابة، وأنها كانت شغلهم
الشاغل، وإنما ما يريد إثباته كتمهيد لإثبات كتابة القرآن الكريم في العهد المكي،
وأن الكتابة كانت منتشرةً إلى حد لا بأس به بين العرب، ولا سيما في مكة والمدينة،
بحيث لا يظن ظان أن حالة الكتابة كانت متدنيةً إلى درجة لم يكن معها بإمكان
المسلمين كتابة القرآن الكريم الذي نزل في مكة، وكان بعضهم قد أجادوا الكتابة حتى
لقبوا بالكملة(2)، وتعدى بعض آخر ذلك إلى تعلم الكتابة بلغات أخرى كالفارسية،
والعبرية والسريانية. وذلك لأنه لم يكن هناك شعب من الشعوب فـي تلك الفتـرة متعلم
تعلماً كلياً سواء الروم أو الفرس أو غيرهم، بل وفي عصرنا هذا لا يوجد شعب متعلم
مائة في المائة ولا سيما العرب فكيف بتلك العصور ؟ والمسألة نسبية لكل عصر.
وأحسن من أشار
إلى هذا ابن فارس حيث يقول : >إنا لم نزعم أن العرب كلها مدراً ووبراً قد عرفوا
الكتابة كلها، والحروف أجمعها، وما العرب في قديم الزمان إلا كنحن اليوم، فما كل
يعرف الكتابة والخط والقراءة<(3).
المبحث الثاني
: حالة الكتابة في مكة والمدينة
المطلب الأول :
حالة الكتابة في مكة وما حولها
قد تم التطرق
فيما مضى إلى أن الخط العربي والكتابة به قد عُرفا قبل مجيء الإسلام. وعليه سيأتي
الباحث لذكر عدد ممن ذكرتهم المصادر القديمة ممن اشتهروا بمعرفتهم الكتابة
والقراءة في الجاهلية وصدر الإسلام، كنماذج، وليس القصد هنا الحصر والإحاطة بجميع
الأسماء التي ورد ذكرها في الكتاب. وذلك لأنه يحتاج إلى قراءة متأنية لكل كتب
التراث، وهذا لا شك يحتاج إلى وقت طويل لا يتناسب مع هذا البحث.
فمن الذين
كانوا يعرفون الكتابة في مكة في الجاهلية قصي حيث ورد أنه : >كتب إلى أخيه من
أمه رزاح بن ربيعة بن حرام ـ وهو ببلاد قومه ـ يدعوه إلى نصرته، والقيام معه، فقام
رزاح بن ربيعة في قضاعة، فدعاهم إلى نصر أخيه والخروج معه إليه، فأجابوه إلى
مادعاهم من ذلك<(1).
وممن كان يكتب
عبد المطلب بن هشام. ففي الفهرست : >وكان في خزانة المأمون كتاب بخط عبد المطلب
بن هشام، في جلد أدم فيه ذكر حق عبد المطلب بن هشام من أهل مكة، على فلان بن فلان
الحميري، من أهل وزل صنعاء، عليه ألف درهم فضة كيلاً بالحديدة، ومتى دعاه بها
أجابه، شهد اللّه والملكان<(2).
وفي تاريخ
الطبري : >إن عبد المطلب كتب إلى أخواله كتاباً يصف فيه ما جرى بينه وبين نوفل
وكتب فيه :
بَلِّغْ بَنِي
النَّجَّارِ إِنْ جِئْتُهُمُ
أَنِّي مِنْهُم وابنُهم والخَمِيس<(1).
وكذلك كان
أولاد عبد المطلب يعرفون الكتابة ففي سيرة ابن هشام : >قال ابن إسحاق : وكان
عبد المطلب بن هشام قد نذر حين لقي من قريش ما لقي عند حفر زمزم، لئن ولد له عشرة
نفر، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه، لينحرنَّ أحدهم عند الكعبة، فلما توافى بنوه عشرة.
وعرف أنهم سيمنعونه، جمعهم ثم أخبرهم بنذره، ودعاهم إلى الوفاء للّه بذلك، فأطاعوه
وقالوا : كيف تصنع ؟ قال : ليأخذ كل واحد منكم قدحاً ثم يكتب فيه اسمه، ثم ائتوني،
ففعلوا ...<(2). وفي طبقات ابن سعد : فقال : >ليكتب كل واحد منكم اسمه في
قدحه، ففعلوا ...<(3).
ومنهم : اُسيد
بن أبي العيص، يقول ابن النديم : >ومن كُتّاب العرب، اُسيد بن أبي العيص، أصيب
في حجر بمسجد السور عند قبر المريين، وقد حسم السيل عن الأرض، فيه أنا اُسيد بن
أبي العيص، ترحم اللّه على بني عبد مناف<(4).
وكان الشاعر
لقيط بن يعمر الإيادي كاتباً عند كسرى حيث إنه : >كتب صحيفةً إلى قومه إياد،
يحذرهم من كسرى، وكان يكتب من الفارسية إلى العربية ومن العربية إلى الفارسية،
فلما أراد كسرى الانتقام من قومه، كتب إليهم قيصدةً في صحيفة فيها :
سلام في
الصحيفة من لقيط إلى من بالجزيرة من
إياد<(5).
وكان رجلان من
بني فهد بن زيد يكتبان ويقرءان، يقال لهما (حزن) و(سهل)، وكانا قد زارا (الحارث بن
مارية الغساني) ... فاجتباهما الملك ونزلا بالمكان الأثير منه، فحسدهما زهير بن
جناب، فقال : >أيها الملك، هما واللّه عين لذي القرنين عليك (يعني المنذر
الأكبر جد النعمان بن المنذر)، وهما يكتبان إليه بعورتك وخلل ما يريان منك<(6).
وكان حماد بن
زيد بن أيوب بن محروف بن عامر بن عصية ابن امرئ القيس كاتباً حيث إنه : >أول من
كتب من بني أيوب، فخرج من أكتب الناس، وطلب حتى صار كاتب الملك النعمان
الأكبر<. وكان ابنه زيد بن حماد كاتباً قد حذق الكتابة العربية، وكذا عدي بن
زيد بن حماد الشاعر، طرحه أبوه في الكُتّاب، حتى حذق، وتعلم الكتابة والكلام
بالفارسية أيضاً ... وكان من أفصح الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية ... وعدي أول
من كتب بالعربية في ديوان كسرى(1). وكان أخوه ـ أخو عدي بن زيد ـ واسمه أُبي يكتب
بالعربية(2).
وقد اشتهر عدد
من شعراء الجاهلية بالكتبة، منهم : سويد بن الصامت الأوسي، صاحب مجلة لقمان(3)،
والربيع بن زياد العبسي، وأخوته، وقد كتب إلى المنذر بن النعمان شعراً يعتذر إليه
فيه، وكان مجاوراً لبني فزارة، ولم يكن من العرب مثله ومثل أخوته، وكان يقال لهم
الكملة(4). والزبرقان بن بدر والحطيئة، حيث إن الزبرقان قال له : >سر إلى أم
شذرة وهي أم الزبرقان، وهي أيضاً عمة الفرزدق، وكتب إليها أن أحسني إليه، وأكثري
له من التمر واللبن<(5).
وقد اشتهر بعض
العرب بلقب المعلمين، ذكر ابن حبيب بعضهم في حديثه عن أشراف المعلمين وفقهائهم
فقال : >منهم : بشر بن عبد الملك السكوني، أخو أكيدر صاحب دومة الجندل، جاهلي،
سفيان بن عبد شمس، جاهلي، أبو قيس بن عبد مناف، جاهلي، غيلان بن معتب الثقفي،
مخضرم، عمر بن زرارة بن عدس بن زيد، جاهلي، كان يسمى الكاتب ...<(6).
وممن اشتهر
بمعرفة الكتابة عبد اللّه بن جذعان، حتى إن روايةً قد وردت بأن حرب بن أمية قد
تعلم منه(7).
ومنـهم أبـو
قيس بن عبد مناف بن زهرة(1). وحرب بن أمية، وسفيان بن حرب(2). وأبو سفيان وأبناؤه
معاوية ويزيد وحنظلة، ويدل على هذا أن حنظلة بعث لوالده كتاباً، حيث خرج هو
والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم في تجارة إلى اليمن، يخبره فيه أن محمداً
يدَّعي أنه رسول اللّه(3).
وكان كعب بن
زهير وأخوه بجير بن زهير يعرفان الكتابة والقراءة. وهذا ما ينقله لنا ابن قتيبة :
>وكان زهير جاهليّاً لم يدرك الإسلام وأدركه ابناه كعب وبجير وأتى بجير فأسلم
فكتب إليه كعب ... فبلغ رسول اللّه شعره هذا فتوعده ونذر دمه. فكتب إليه بجير ...
فلما ورد عليه الكتاب ضاقت عليه الأرض برحبها وأرجف به من كان بحضرته من عدوه،
فقال قصيدته التي أولها : بانت سعاد ...<(4)، وكان لبيد الشاعر المعروف يجيد
الكتابة، وكانت ابنته تجيد الشعر والكتابة ... (5).
والذي يتتبع
أخبار الحنيفيين أو الذين كانوا على نوع دين في الجاهلية. يجد أنهم كانوا يعرفون
الكتابة، وذلك لأنهم كانوا يطلبون الدين في الآفاق، ويقرأون الكتب الدينية، ومنهم
: ورقة بن نوفل، يروي الإمام البخاري : >وكان أمرأً تنصر في الجاهلية، وكان
يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء اللّه أن يكتب ...<(6).
ويقال إن أخته
قتيلة بنت نوفل كانت تنظر في الكتب(7).
وأمية بن أبي
الصلت الثقفي، وكان قد قرأ الكتب، ورغب عن عبادة الأوثان(1). وزيد بن عمر بن نفيل،
ورئاب بن البراء، وقس بن ساعدة الإيادي، وأبو قيس حرمة بن البراء، وخالد بن سنان
بن غيث(2).
ولم يكن أمر
ظهور الكتابة مقتصراً على المدن فقط، بل تسربت إلى البادية أيضاً فعرفها : أكثم بن
صيفي حكيم العرب وخطيبها، وابن أخيه حنظلة بن الربيع الأكبر(3).
ومن النساء
الكاتبات في الجاهلية وهي مخضرمة : الشفاء بنت عبد اللّه العدوية، وهي التي علمت
حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة(4).
ومن الكتاب في
مكة منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي وهو الذي كتب
صحيفة قريش(5). ويقال إن النضر بن الحارث هو الذي كتبها لأنه هو بدوره كان كاتباً
أيضاً.
ومن الذين
كانوا يعرفون الكتابة في مكة : سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نضر بن مالك
بن عامر حسل بن لؤي بن غالب القرشي العامري، أحد الأشراف من قريش وساداتهم في
الجاهلية، وكان خطيب قريش(6). وهو الذي فاوض المسلمين يوم الحديبية.
ومنهم الوليد
بن الوليد وأخوه خالد بن الوليد. ففي الاستيعاب : >وكان الوليد بن الوليد ممن
يكتب ويقرأ، وكان (خالد بن الوليد) ممن يكتب كذلك. وكان الوليد سبب إسلام خالد.
وكان الوليد قد فرَّ من مكة ولحق بالرسول، وشهد عمرة القضية. وكتب إلى أخيه خالد أن
الرسول صلى الله عليه وسلم قال له : >لو أتانا لأكرمناه، وما مثله سقط
عليه الإسلام في عقله، فوقع الإسلام في قلب خالد. وكان سبب هجرته<(7).
ومن أهل مكة
ممن كان يكتب ويقرأ : الحكم بن أبي أحيحة سعيد بن العاصي، وهو الذي سماه رسول
اللّه صلى الله عليه وسلم (عبد اللّه)، وهو من الذين أمرهم الرسول أن
يعلِّموا الكتاب بالمدينة. وكان كاتباً محسناً(1).
وكذلك نافع بن
ظريف بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي. وكان كاتباً، وقد أسلم
يوم الفتح(2). وحاطب بن أبي بلتعة، وكان يحسن الكتابة(3).
وحنظلة الكاتب،
وهو ابن ربيعة بن صيفي، وهو ابن أخي أكثم بن صيفي، حكيم العرب من بني تميم(4).
والأرقم بن
الأرقم المخزومي الذي اتخذ الرسول صلى
الله عليه وسلم بيته مقرّاً للدعوة
السرية، كان ممن يكتب ويقرأ، وهو من الذين أسلموا قديماً. وقيل أسلم بعد عشرة. وفي
طبقات ابن سعد : >أنه كتب له صلى الله
عليه وسلم كتابه إلى عاصم بن الحارث
الحارثي<(5). ومصعب بن عمير، أسلم ورسول اللّه
صلى الله عليه وسلم في دار
الأرقم، وقد بعثه الرسول صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة لتعليم المسلمين
القرآن(6). وأبو بكر الصديق ومولاه عامر بن فهيرة، وهو ممن أسلم قديماً وعذب، وهو
الذي كتب كتاب الأمان لسراقة بن مالك بن جعشم، أثناء الهجرة النبوية إلى
المدينة(7).
ومعيقيب بن أبي
فاطمة الدوسي، مولى سعيد بن العاص، أسلم قديماً بمكة، وهاجر إلى الحبشة الهجرة
الثانية، ثم هاجر إلى المدينة، وكان على خاتم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم واستعمله عمر بن الخطاب خازناً على بيت
المال(8). والخباب بن الأرت وسعيد بن عمرو بن نفيل وفاطمة بنت الخطاب(9).
إضافةً إلى
السبعة عشر الذين ذكرهم البلاذري بقوله : >دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلاً
يكتب : عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح،
وطلحة، ويزيد بن أبي سفيان، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وحاطب بن عمرو، أخو سهيل
بن عمرو العامري عن قريش، وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وأبان بن سعيد بن
العاصي بن أمية، وخالد بن سعيد أخوه، وعبد اللّه بن سعد بن أبي سرح العامري،
وحويطب بن عبد العزى العامري، وأبو سفيان بن حرب بن أمية، ومعاوية بن أبي سفيان،
وجهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، ومن حلفاء قريش العلاء بن
الحضرمي<(1). ومعلوم أنه لم يذكر كثيراً ممن كانوا يعرفون الكتابة والقراءة في
مكة، واشتهروا بذلك ومنهم أبو بكر رضي اللّه عنه وغيره(2). وقد تبين أن الكتابة في
مكة كانت منتشرةً لمركزها التجاري وكانت فيها الحضارة أوسع مما حولها، وكان فيها
رجال ونساء يكتبون(3).
وخير دليل على
كثرة الكتابة في مكة وانتشارها، ما ثبت في السيرة من أن الفقراء من أسرى قريش في
معركة بدر والذين لم يتمكنوا من دفع الفدية النقدية، كُلِّفوا بتعليم صبيان
المسلمين في المدينة الكتابة والقراءة. وفي ذلك دلالة واضحة على انتشار الكتابة
والقراءة بين الفقراء. وكذلك الموالي كما سبقت الإشارة إلى بعضهم. فإذا كان فقراء
أهل مكة يقرؤون ويكتبون، فأولى أن يكون أغنياؤها وتجارها، وقد تبين مما سبق معرفة
الكثيرين من أغنياء مكة للقراءة والكتابة.
ومن خلال ما
سبق يتبين وبوضوح أن المناخ الثقافي كان على قدر لا بأس به. وأن الجو كان مناسباً
تماماً لكتابة القرآن الكريم في مكة، ولم يكن هناك من مانع يمنع ذلك. هذا إذا ما
علمنا أن عدداً لا بأس به من أوائل الذين أسلموا كانوا قـد تعـلموا الكـتابة قـبل
الإسـلام، واشتـهروا فـيما بعد ككـتبة للنـبي
صلى الله عليه وسلم . نشـير على
سبـيل الـمثال، إلى بعض ممن كانوا مع الرسول
صلى الله عليه وسلم من الكتبة قبل
الهجرة النبوية(1) :
1. أبو بكر
الصديق.
2. علي بن
أبي طالب.
3. عثمان بن
عفان.
4. عمر بن
الخطاب.
5. الأرقم بن
الأرقم.
6. عامر بن
فهيرة.
7. خالد بن
سعيد بن العاص.
8. حمزة بن
عبد المطلب.
9. سعيد بن
زيد.
10. شرحبيل
بن حسنة.
11. معيقيب
بن أبي فاطمة الدوسي.
12. مصعب بن
عمير.
13. عبد
اللّه بن مسعود.
14. الزبير
بن العوام.
15. عبد
اللّه بن سعد بن أبي سرح.
16. خباب بن
الأرت.
17. حاطب بن
أبي بلتعة.
18. طلحة بن
عبيد اللّه.
19. سعد بن
أبي وقاص.
20. جعفر بن
أبي طالب.
21. أبو سلمة
عبد اللّه بن عبد الأسد.
22. حاطب بن
عمرو.
23. عبد
اللّه بن حذافة السهمي.
24. أبو
عبيدة الجراح.
25. عبد
اللّه بن أبي بكر الصديق.
26. عبد
الرحمن بن عوف ... وغيرهم.
أما بخصوص تخلف
وضعف أدوات الكتابة حينذاك، فهو ما سيتم الحديث حوله في الفصل الأخير.
ومعلوم أن هذه
الأسماء التي ذكرتها المصادر التاريخية لم تذكرها ضمن الحديث عن حالة الكتابة في
مكة وما حولها. وإنما جاءت في معرض الكلام عن مواضيع متفرقة لا تمت بصلة إلى ذلك
إلا نادراً. وعليه فإنه لو تم إجراء دراسات واسعة ومن قبل متخصصين، فإنه لا شك
سيتم الحصول على أسماء أخرى. والأسماء التي ذكرت في هذه الدراسة لا يقصد بها
الحصر، وقد أهملت الدراسة أسماء أخرى لئلا يطول الكلام في ذلك، فقد كان القصد من
ذلك مجرد التمثيل، وبيان خطأ من ذهب أو ادعى أن العرب أو الصحابة لم يكن منهم من
يعرف الكتابة إلا الواحد أو الاثنان.
يقول محمد عجاج
الخطيب في كتابه "السنة قبل التدوين" : >وبعد هذا نستبعد أن يكون قول
المؤرخين : >دخل الإسلام وفي مكة بضعة عشر رجلاً يكتب<، صورة دقيقة لحقيقة
معرفة العرب بالكتابة قبيل الإسلام. ونستبعد أن يكون هذا على وجه الإحصاء والضبط
...<(1).
ويقول الدكتور
صبحي الصالح : >وإنا لنستبعد ألا يكون في ذلك الحين بمكة كما جاء في بعض
الأخبار ـ إلا بضعة عشر رجلاً يقرؤون ويكتبون ـ لأن هذه الأخبار إذا صحت أسانيدها
لا تبلغ أن تكون إحصاءً دقيقاً أو استقراءً شاملاً، فما فيها إلا دلالة ظنية غامضة
لا يحسن مع مثلها القطع في هذا الموضوع الخطير"(1).
يود الباحث أن
يختم هذا المبحث بما قاله الدكتور امتياز أحمد بعد أن سرد في ذكر المعلمين
والمتعلمين والأدلة التي لا غبار عليها حول انتشار الكتابة في مكة وما حولها حيث
يقول : >ففي ضوء هذه المعلومات يبدو لنا بما لا يدع مجالاً للشك أنه كان يوجد
حوالي سبعون متعلماً في مكة عند ظهور الإسلام، وفي الواقع أن هذا ضئيل لا يتناسب
مع الإنجاز الأدبي للناس قبيل الإسلام، ولم يكن المناخ الأدبي ضئيلاً إلى هذا الحد
الذي صوره أوائل المؤرخين والاكتشافات المستمرة لأوراق البردي والنقوش<(2).
المطلب الثاني
: حالة الكتابة في المدينة
يود الباحث هنا
أن يذكر عدداً من الذين اشتهروا بمعرفة الكتابة والقراءة في المدينة، وذلك لكي
تكتمل الصورة في أذهاننا عن وضع الكتابة في المنطقة العربية ذات الصلة القوية
بالإسلام، حيث نبت فيها ونما الدين الجديد، وتم حفظه بدماء الصحابة الكرام
وأقلامهم التي دونت للإسلام معجزته الخالدة، النص القرآني الكريم.
لا شك أن عدد
الكتبة في المدينة كان أقل مما كان عليه الحال في مكة، يقول القلقشندي : >أما
الأوس والخزرج فقد كانت الكتابة قليلة فيهم، وكان يهودي من يهود ماسكة قد
عَلِمَهَا فكان يعلِّمها الصبيان، فجاء الإسلام وفيهم بضعة عشر يكتبون<(1)،
وذكر منهم : سعيد بن زرارة، والمنذر بن عمرو، وأبي بن كعب، وزيد بن زيد، ورافع بن
مالك، وأسيد بن الحضير، ومعن بن عدي، وأبو عبس بن كثير، وأوس بن خولي، وبشير بن
سعد.
ويذكر البلاذري
عبارةً قريبةً من ذلك هي أن الكتابة كانت قليلةً، ويذكر إضافةً إلى الأسماء
المذكورة : سعد بن عبادة بن دليم، وسعد بن الربيع، وعبد اللّه بن أبي المنافق(2).
وهؤلاء لم يتعلموا الكتابة بعد الهجرة بالتأكيد، وإنما اشتهروا بذلك في الجاهلية،
مع الذين لقبوا بالكملة قبل الإسلام : المنذر بن عمرو، ففي الإصابة : >وكان
منذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان، الخزرجي من الكتبة، وكان أحد السبعين
الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه
وسلم ، وأحد النقباء الاثني عشر، وكان
يكتب في الجاهلية بالعربية<(3).
ومنهم أسيد بن
الحضير وأبوه حضير الكتائب، ففي الطبقات الكبرى : >وكان أسيد بعد أبيه شريفاً
في الجاهلية، وكان يكتب بالعربية في الجاهلية، وكانت الكتابة في العرب قليلةً،
وكان يحسن العوم والرمي، ... وكان أبوه حضير الكتائب يعرف بذلك أيضاً ويسمى
به<(1). وكان ممن يكتب في الجاهلية بالعربية : رافع بن مالك(2)، وسعد بن
عبادة(3)، وكلاهما كانا من الكملة. وأبي بن كعب كان ممن يكتب في الجاهلية قبل
الإسلام(4)، وكان يكتب الوحي لرسول اللّه
صلى الله عليه وسلم . وعبد اللّه
بن رواحة كان ممن يكتب في الجاهلية(5). وكان عبد الرحمان بن جبر، أبو عبس
الأنصاري، يكتب بالعربية قبل الإسلام(6). وكان أبو جبرة الضحاك الأنصاري ممن
يكتب(7).
وكان كعب بن
مالك الأنصاري، شاعر الرسول صلى الله عليه
وسلم يعرف الكتابة، وهو أحد الثلاثة
الذين أنزل فيهم : { وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض ... }(8). وكتب حنظلة بن الربيع بن رباح الأسيدي من بني
تميم بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه
وسلم مرةً فسمي حنظلة الكاتب(9). وكان
أنس بن مالك لبيباً كاتباً(10).
وكان عدد من
النسوة يكتبن، ولكن لا يعرف هل تعلمن الكتابة بعد الهجرة أم قبلها، ما عدا الشفاء
بنت العدوية، فقد كانت كاتبةً في الجاهلية، وهي التي علمت حفصة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم الكتابة. أما أم كلثوم بنت عقبة، وكريمة بنت
المقداد، فلا يعرف وقت تعليمها الكتابة(11).
ومعلوم أن
الكتابة انتشرت وكثر الذين يكتبون ويقرؤون بعد هجرة الرسول صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة، ولا سيما بعد غزوة
بدر، ولكن بالتأكيد لم يكن الأمر كما وصفه الإمام السهيلي عند حديثه عن مسألة أسرى
غزوة بدر حيث قال : >ولم يكن من الأنصار يومئذ أحد يحسن الكتابة فكان منهم ـ
الأسرى ـ من لا مال له فيقبل منه أن يعلم عشرة من الغلمان ويخلى سبيله<(1). حيث
تبين مما سبق أنه كان من الأنصار مَنْ أتقن الكتابة قبل ذلك بكثير، والأمثلة التي
ذكرت تبين ذلك بوضوح فلا يلتفت إلى ما قاله الإمام السهيلي رحمه اللّه لأنه يخالف
ما ثبت وعرف من واقع المدينة ومن معرفة وإتقان عدد من رجالها للكتابة في الجاهلية
وإن كانوا قلةً فكيف في هذه الفترة المتأخرة !
وأخيراً يقول
الدكتور يوسف خليف : >القضية التي يبدو أنها أصبحت لا تقبل جدلاً حولها، ولا
شكّاً فيها، هي أن العرب في العصر الجاهلي كانوا يعرفون الكتابة. وهي قضية ثابتة
بشهادة الواقع التاريخي من ناحية. وشهادة النصوص الأدبية من ناحية أخرى، فلم تكن
الجزيرة العربية في هذا العصر متخلفةً حضاريّاً بالصورة التي كان الباحثون القدماء
يتصورونها، ولم تكن بمعزل عن الحضارات الأجنبية التي كانت تحيط بها من كل جانب،
وإنما كانت على صلة بها عن طريق الجوار والاحتكاك المباشر. وأيضاً عن طريق تسرب
عناصر منها مع القوافل التجارية النشطة التي كانت تجوب أرجاءها شرقاً وغرباً
وشمالاً وجنوباً، ثم عن طريق محاولات التغلغل السياسي والديني والتي كانت تأتي من
ناحية الفرس في الشرق، والروم في الشمال، والأحباش في الجنوب<(2).
المبحث الثالث
: مجالات استخدام الكتابة عند العرب
لا يخفى على أي
دارس لتاريخ مكة باعتبارها مركزاً دينيّاً وتجاريّاً مزدهراً، أن الكتابة كانت
لازمةً وضروريةً ولا سيما لأمور التجارة، التي كانت تعتبر قوام الحياة في مكة وفي
بلاد الشام. فكان أهل مكة والعرب بصورة عامة يستخدمون الكتابة لأغراض عدة منها :
1. كتابة
الأحلاف والمواثيق :
كان من عادة
العرب في الجاهلية كتابة الأحلاف والمواثيق والعهود وتعليقها في الكعبة. يقول
الجاحظ : >لولا الخطوط لبطلت العهود والشروط والصكاك، وكل أمان، وكل عهد وعقد،
وكل جوار وحلف، ولتعظيم ذلك، والثقة به والاستناد إليه، كانوا يدعون من يكتب لهم
ذكر الحلف والهدنة، تعظيماً للأمر، وتبعيداً من النسيان، ولذلك قال الحارث بن
حلزة، في شأن بكر وتغلب :
واذكروا حلف ذي
المجـاز وما قـــ
ـــــــــدَّم فيه العهود والكفلاء
حذر الجور
والتعدي، وهل ينــــــــــ
قص ما في المهارق الأهواء
والمهارق(1)،
ليس يراد بها الصحف والكتب، ولا يقال للكتب مهارق حتى تكون كتب دين، أو كتب عهود،
وميثاق، وأمان<(2).
ومن الأحلاف
التي كتبت وعلقت في الكعبة : >حلف خزاعة بين عبد المطلب بن هشام جد النبي صلى الله عليه وسلم ورجال من خزاعة، وكتب لهم الحلف، أبو قيس بن
عبد مناف بن زهرة، وعلقوا الكتاب في الكعبة<(1). وقد جاء خزاعة رسولَ
اللّه صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، بكتاب جده فقرأه عليه أبيُّ بن
كعب. وهو : >باسمك اللّهم، هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة، إذ قدم عليه
سرواتهم وأهل الرأي منهم، غائبهم يقر بما قضى عليه شاهدهم. إن بيننا وبينكم عهود
اللّه وعقوده وما لا ينسى أبداً. اليد واحدة والنصر واحد، ما أشرق ثبير، وثبت
حراء، وما بلَّ بحر صوفة. ولا يزاد فيما بيننا وبينكم إلا تجدداً أبداً الدهر
سرمداً<(2).
وقد أشار إليها
وافد بني كعب على رسول اللّه صلى الله
عليه وسلم حيث قدم ليخبره بما صنعت قريش
وبمعونتها لبني بكر، ودعاه للنصرة، وأنشد أبياتاً بدأها بقوله :
لا هُمَّ إني
ناشدٌ محمداً حِلْفَ أبينا وأبيه
الأتلدا..(3)
وهذه العادة
بقيت عند العرب حتى بعد مجيء الإسلام، وخير دليل على ذلك صحيفة قريش. حيث كتبت
صحيفة قريش المشهورة في مقاطعة بني هاشم وعلقت في الكعبة ـ سيتم التطرق إليها
لاحقاً ـ مشياً على عادتهم. وكذلك كُتب نص صلح الحديبية(4).
وقد أشار
الشعراء في أشعارهم إلى هذه العادة، ومن ذلك قول درهم بن زيد الأوسي يُذَكِّر
الخزرج ما بينهم من عهود مكتوبة على الصحف :
>وإن ما
بيننا وبينَكُمُ حين يُقال
: الأرحامُ والصحف<(5)
وكانت كُتب
الأمان أيضاً تُكْتَبُ، ومن ذلك كتاب الأمان المشهورة في السيرة، والتي كتبها عامر
بن فهيرة لسراقة بن مالك، بأمر من النبي
صلى الله عليه وسلم ، أثناء الهجرة
إلى المدينة ـ وهو ما سيأتي الكلام عليه لاحقاً ـ. وكان من عادة العرب في كتابة
العهود والمواثيق والأحلاف البدء بـ (باسمك اللّهم)(1).
وكما كانوا
يكتبون العهود والأحلاف بين الجماعات، كانوا كذلك يكتبون العهود والمواثيق بين
الأفراد.
ومن ذلك حديث
عبد الرحمن بن عوف : >كاتبت أمية بن خلف كتاباً في أن يحفظني في صاغِيتي(2) بمكة
وأحفظه في صاغيته بالمدينة<(3).
ويبدو أنهم
كانوا يسجلون كل أمر عام ذي بال يتصل بمجموع الناس، أو بجماعات منهم، وهذا بخلاف
ما يذهب إليه البعض من أن العرب كانوا يعتمدون فقط على الذاكرة ولا يسجلون إلا
نادراً، ويدل لذلك : رؤية عاتكة بنت عبد المطلب في مكة، حيث قال أبو جهل للعباس بن
عبد المطلب : >أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ! قد زعمت عاتكة في
رؤياها أنها قالت : انفروا في ثلاث، فسنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يكن ما قالت
حقّاً فسيكون، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب كتاباً عليكم أنكم أكذب أهل
بيت في العرب<(4).
2. حفظ
الحقوق :
وكان من عادة
العرب كتابة ما يقع بينهم ويجري من عقود وديون ونحوه. وهذا ما كانت تتطلبه طبيعة
التعامل التجاري الجاري ولا سيما في مكة، وما كان يقوم به أهل مكة من الرحلات
التجارية مع جيرانها. وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم في سورة قريش.
ومما يدل على
ذلك قصة حق عبد المطلب على الرجل الحميري ففي الفهرست : >وكان في خزانة المأمون
كتاب بخط عبد المطلب بن هشام، في جلد أدم فيه ذكر حق عبد المطلب بن هشام من أهل
مكة، على فلان بن فلان الحميري، من أهل وزل صنعاء، عليه ألف درهم فضة كيلاً بالحديدة،
ومتى دعاه بها أجابه، شهد اللّه والملكان<(1).
وقد استمرت هذه
العادة بعد مجيء الإسلام، فقد نزلت أطول آية في القرآن الكريم للأمر بكتابة الحقوق
ولا سيما الديون في المعاملات التجارية الجارية بين الناس(2).
3. الكتب
الدينية :
وكانت الكتب
الدينية موجودة بالعربية، وإن كانت ترجمة كتب الديانات السابقة قد تأخرت إلا أنه
لا شك أن المنطقة العربية قد عرفت نوعاً من تلك الكتب، وذلك لأن قبائل عربيةً كانت
قد تهودت أو تنصرت. وعليه كانوا يقرؤون كتبهم الدينية بالعربية، وإلا فلا يعقل
أنهم كانوا نصارى ولا يقرؤون كتبهم الدينية أو أنهم تعلموا العبرية أو الآرامية.
ولا شك أن
الصحف الدينية كانت معروفة عند العرب، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى
: { إِنَّ هَذاَ لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، صُحُفِ إِبْرِاهِيمَ وَمُوسَى }(3).
مما يدل على أن الكتب الدينية قبل الإسلام كانت مكتوبةً على الصحف.
والدليل على
وجود تلك الكتب قصة سويد بن الصامت : >قدم سويد بن الصامت مكة فتصدى له رسول
اللّه صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال له سويد : لعل الذي معك مثل الذي
معي ! قال صلى الله عليه وسلم : وما الذي معك ؟ قال : مجلة لقمان<(4).
وفي قصة الكتاب
الذي وجده الرسول صلى الله عليه وسلم مع عمر بن الخطاب، وغضب عليه بسببه دلالة
واضحة على أنها كانت من شيء رقيق، وقد ورد أنها كانت من جلد أحمر(5).
4. المراسلات
العامة والشخصية :
ومن أكثر
الوسائل التي استخدمها العرب للكتابة قبل وبعد الإسلام الرسائل وعلى اختلاف
أنواعها. فكانوا يكتبون كتباً إلى من يريدون مراسلته. والكتاب هو صحيفة قد تكون من
جلد، أو من غيره. ويختلف نوع المراسلة فقد تكون على مستوى الملوك ورؤساء القبائل.
أو قد تكون بين الشعراء أنفسهم، أو بين أفراد العائلة الواحدة كالأب وابنه. وقد
تكون الرسالة إخبارية أمنية.
وهناك أمثلة
كثيرة لذلك في المصادر التي لا تبخل في هذا المجال بذكر عدد كبير من المراسلات
التي وقعت بين العرب، سواء قبل الإسلام أو في صدر الإسلام، وعليه ستتم الإشارة إلى
نماذج منها وبإيجاز شديد.
فعلى المستوى
الرسمي : مثل رسائل النبي صلى الله عليه
وسلم إلى الملوك ورؤساء القبائل العربية،
وقد بلغت عدداً كثيراً(1). ومنها المكاتبات التي كانت بين مشركي قريش وفارس(2).
ومثال الرسائل
الإخبارية والأمنية : ما مر من نص كتاب الشاعر لقيط بن يعمر الإيادي إلى قومه
يحذرهم فيه من انتقام كسرى منهم. ورسالة حاطب بن أبي بلتعة ـ سيأتي لاحقاً ـ إلى
قريش يخبرهم بمسير رسول اللّه صلى الله
عليه وسلم لفتح مكة.
وقصة الشاعرين
طرفة بن العبد وخاله المتلمس معروفة، عندما كتب لهما عمرو بن هند إلى الربيع بن
حوثرة عامله على البحرين كتاباً أوهمهما أنه أَمَرَ لهما بجائزة، فقتل الربيع طرفة
في حين نجا المتلمس بحياته(3).
ومثال الرسائل
بين الشعراء : كما في قصة أمر لبيد بن ربيعة لابنته بأن ترد على من كتب إليه
رسالةً شعراً. حيث إنه وكما ينقل عنه ابن قتيبة قال : >فلما أتاه الشعر قال :
لابنته أجيبيه فقد رأيتني وما أعيا بجواب شاعر<(4).
وبين أفراد
العائلة الواحدة : كما في قصة رسالة حنظلة إلى والده والتي ذكرت فيما مضى. وما
ذكرت من قصة رسالة بجير بن كعب إلى أخيه كعب. وقد سبق ذكر قصة كتاب الوليد بن
الوليد إلى أخيه خالد بن الوليد.
وكان المسلمون
في مكة والمدينة يتبادلون الرسائل فيما بينهم. وسيأتي ذكر رسالة الأنصار إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ليبعث إليهم معلماً للقرآن الكريم. ورسالة
مصعب إليه صلى الله عليه وسلم وجوابه
صلى الله عليه وسلم على مصعب.
وينقل الواحدي في سبب نزول الآية : { الم أَحَسِبَ النَّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُون ... }(1). قال : قال الشعبي : نزلت في أناس كانوا
بمكة قد أقروا بالإسلام. فكتب إليهم أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم من المدينة
أنه لا يقبل منكم إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا. فخرجوا عامدين إلى المدينة فاتبعهم
المشركون، فآذوهم فنزلت فيهم هذه الآية، وكتبوا إليهم أن قد نزلت فيكم آية كذا
وكذا، فقالوا : نخرج فإن اتبعنا أحد قاتلناه فخرجوا ...(2).
5. كتابة
الشعر :
هناك خلاف طويل
في مسألة كتابة الشعر وتدوينه في العصر الجاهلي، وفي قصة المعلقات السبع(3). ولكن
مع ذلك لا ينكر أحد أنه كان من الشعراء الجاهلين من كان يحسن الكتابة، وأنهم كانوا
يكتبون أشعارهم في مناسبات عديدة.
ومن دون الدخول
في خضم الآراء، التي بذكرها سوف تبتعد الدراسة عن حدودها المرسومة، فإن الباحث يرى
أن الراجح في أمر المعلقات أنها كانت معلقة في الكعبة وأن خبر تعليقها قد تواتر من
جيل إلى آخر. وأقدم شهادة على أمر المعلقات ما ينقل عن معاوية رضي اللّه عنه من
قوله : >قصيدة عمرو بن كلثوم وقصيدة الحارث بن حلزة من مفاخر العرب كانتا
معلقيتن في الكعبة دهراً<(4).
وبالنسبة للشعر
بصورة عامة فقد جاء في طبقات الشعراء لابن سلام : >وقد كان عند النعمان بن
المنذر منه ـ من الشعر ـ ديوان فيه أشعار الفحول، وما مدح به هو وأهل بيته، فصار
ذلك إلى بني مروان<(1). وكان من عادة بعض القبائل تقييد أشعار شعرائها(2). لكن
لا شك أن عملية كتابة الشعر كانت في مجال ضيق، ولم يكن كغيره من المجالات، نظراً
لما كان يتميز به الشعراء الرواة من قوة الحافظة، ولكن هذا لا ينفي أن بعضاً منهم
كانوا يكتبون أشعارهم، بل في المراسلات كان الشعراء يردون على بعضهم بعضاً شعراَ.
نكتفي بهذا
القدر من الحديث عن حالة الكتابة عند العرب في مكة وغيرها والأغراض التي كان العرب
يستخدمون الكتابة لتثبيتها، وذلك لأن قصد الباحث هنا هو فقط الإشارة إلى أن
الكتابة كانت موجودة ومنتشرة في الجزيرة العربية ولا سيما في مكة، وعليه فادعاء
بعضهم قديماً وحديثاً أن الأمية كانت مطبقة على الجزيرة العربية وأنهم كانوا
يعتمدون على السماع فقط ادعاء يفتقر إلى الدليل.
(1) ابن
قتيبة، عبد اللّه بن مسلم : كتاب تأويل مختلف الحديث، (بيروت : دار الكتاب العربي،
د. ط. ت) ص 287.
(2) سورة آل
عمران 20/.
(3) سورة آل
عمران 75/.
(4) سورة
الجمعة 2/.
(5) سورة آل
عمران 20/.
(6) الطبري،
محمد ابن جرير : جامع البيان عن تأويل آي القرآن، (بيروت : دار الفكر، د. ط،
1984م) مجلد 143/3.
(7) علي :
المفصل، ج 95/8.
(8) سورة
العنكبوت 3-1/.
(9) الطبري :
جامع البيان، مجلد 18-17/21.
(10)
الواحدي، علي بن أحمد : أسباب النزول، (بيروت : دار المعرفة، د، ط، ت) ص 259-258.
(11) سورة
الجمعة 2/.
(12) االقرطبي،
محمد بن أحمد : الجامع لأحكام القرآن، تحقيق : أحمد عبد العليم البردوني، (بيروت :
دار إحياء التراث العربي، د. ط. ت) ج 91/18.
(13) الـراغب
الأصـفهاني، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن، تحقيق : محمد سيد
الكيلاني، (بيروت : دار المعرفة، د. ط. ت) ص 23.
(14)
الآلوسي، شهاب الدين محمود : روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني،
(بيروت : دار إحياء التراث العربي، ط 4، 1985م) ج 17/21.
(15) علي :
المفصل، ج 106/8.
(16) سورة
البقرة 78/.
(17) الطبري
: جامع البيان، ج 94/28.
(18)
الشوكاني، محمد بن علي بن محمد : فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من
علم التفسير، (بيروت : دار الفكر، د. ط. ت) ج 224/5.
(19) سورة
الأعراف، 157-156/.
(20) أحمد
محمد شاكر : دائرة المعارف الإسلامية، ترجمة : أحمد الشنتناوي، إبراهيم زكي خورشيد
وعبد الحميد يونس، (بيروت : دار المعرفة، د. ط. ت) مج 646/2، مقال : الأمي.
(21) شاهين،
عبد الصبور : تاريخ القرآن، (د. م : دار القلم، د. ط، 1966م) ص 53، وعليه يكون
معنى (النبي الأمي) : نبي الوثنيين، أي : الذي بعث إلى الوثنيين غير أهل الكتاب،
مع الإقرار بأن النبي كان أميّاً أيضاً بمعنى الجهل بالقراءة والكتابة.
(22)
القسطلاني، أحمد بن محمد : إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، (مصر : دار الفكر،
المطبعة الأميرية، 1304 هـ) ج 359/3.
(23) المرجع
السابق، ج 359/3.
(24) ابن
كثير، إسماعيل بن عمر : تفسير القرآن العظيم، (بيروت : دار الفكر، د. ط، 1401 هـ)
ج 117/1.
(25) الأسد،
ناصر الدين : مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، (بيروت : دار الجيل، ط 7،
1988م) ص 46-45.
(26) ابن
قتيبة : كتاب تأويل مختلف الحديث، ص 287.
(27) شاهين :
تاريخ القرآن، ص 67.
(28) الخطيب
البغدادي، أبو بكر : تقييد العلم، تحقيق وتعليق يوسف العش، (د. م : دار إحياء
السنة النبوية، ط 2، 1974م) ص 70. وقال الحافظ البغدادي : قد تفرد برواية هذا
الحديث عبد الحميد سليمان الخزاعي المدني أخو فليح عبد اللّه بن المثنى مرفوعاً،
وغيره يرويه موقوفاً على أنس. وانظر : ابن الدّيبع، ابن عمر الشيباني : تمييز
الطيب من الخبيث، تحقيق : محمد عثمان الخشت، (مصر : مكتبة ابن سينا، د. ط، 1989م)
ص 190.
(29)
الدارمي، عبد اللّه بن عبد الرحمن : سنن الدارمي، تحقيق : فواز أحمد زمرلي وخالد
السّبع العلمي، (بيروت : دار الكتاب العربي، ط 1، 1987م) ج 136/1.
(30) خليف،
يوسف : دراسات في الشعر الجاهلي، (القاهرة : وكالة الأهرام، د. ط، 1981م) ص 10.
(31) الكامل
: هو الذي يحسن الكتابة والعوم والرمي، انظر : ابن سعد، محمد منيع : الطبقات
الكبرى، بيروت : دار بيروت، ودار صادر، د. ط، 1957م) مج 3/622.
(32) ابن
فارس : الصاحبي، ص 12.
(33) ابن سعد
: الطبقات الكبرى، مج 68/1. وانظر : الطبري : تاريخ الطبري، ج 256/2. وابن هشام :
محمد عبد الملك، السيرة النبوية، تحقيق : مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري وعبد
الحفيظ شلبي، (مصر : مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط 2، 1955م) مج 118/1.
(34) ابن
النديم : الفهرست، ص 7.
(35) الطبري
: تاريخ الطبري، مج 249-248/2.
(36) ابن
هشام : السيرة النبوية، مج 152-151/1.
(37) ابن سعد
: الطبقات الكبرى، ج 53/1.
(38) ابن
النديم : الفهرست، ص 7.
(39) ابن
قتيبة، عبد اللّه بن مسلم : الشعر والشعراء، مراجعة : الشيخ محمد عبد المنعم
العريان، (بيروت : دار إحياء العلوم، ط 3، 1987م) ص 117.
(40)
الأصبهاني، علي بن الحسين : كتاب الأغاني، (د. م : مؤسسة جمال، مصورة عن طبعة دار
الكتب، د. ت) مج 118/5.
(41)
الأصبهاني : الأغاني، مج 102-100/2.
(42) المرجع
السابق، مج 120-119/2.
(43)
الزمخشري، محمود بن عمر : الفائق في غريب الحديث، تحقيق : محمد أبو الفضل وعلي
محمد البجاوي، (بيروت : دار المعرفة، ط 2، د. ت) ج 225/1.
(44) ابن عبد
ربه : العقد الفريد، ج 19/6.
(45)
الأصبهاني : الأغاني، مج 180/2.
(46) ابن
حبيب، أبو جعفر محمد : كتاب المحبر، تصحيح : إيلزة ليختن شتيتر، (بيروت : دار
الآفاق الجديد، نسخة المتحف البريطاني نمرة 2807)، ص 475. وانظر السيوطي : المزهر
في اللغة، مج 351/2. والبلاذري : فتوح البلدان، ص 456.
(47) ابن
خلدون : المقدمة، مج 963/2.
(48) ابن
النديم : الفهرست، ص 7.
(49)
البلاذري : فتوح البلدان، ص 457.
(50) ابن
كثير، إسماعيل بن عمر : البداية والنهاية، (بيروت : مكتبة المعارف، د. ط. ت) ج
318/2.
(51) ابن
الأثير، عز الدين : أُسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق : محمد إبراهيم البنا،
محمد أحمد عاشور، (د. م : دار الشعب، ب. ط. ت) ج 501/2. وابن قتيبة : الشعر
والشعراء، ص 76. وانظر : ابن سعد : الطبقات، مج 1314/3.
(52)
البغدادي، عبد القادر بن عمر : خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، (القاهرة :
المطبعة السلفية، د. ط، 1347 هـ) ج 216/2. وابن قتيبة : الشعر والشعراء، ص
173-172.
(53)
البخاري، محمد بن إسماعيل : الجامع الصحيح المختصر، تحقيق : مصطفى ديب البغا،
(بيروت : دار ابن كثير، ط 3، 1987م) ج 1894/3. وانظر : ابن حنبل، أحمد : مرويات
الإمام أحمد حنبل في التفسير، جمع وتخريج : أحمد أحمد البزرة ومحمد بن رزق بن
الطرهوني وحكمت بشير ياسين، (السعودية : مكتبة المؤيد، ط 1، 1994م)، ص 371. وابن هشام
: السيرة النبوية، مج 238/1. وابن العربي، أبو بكر بن عبد اللّه : أحكام القرآن،
تحقيق : علي محمد البجاوي، (بيروت : دار المعرفة، د. ط. ت) مج 1955/4.
(54) علي،
جواد : تاريخ العرب في الإسلام، (بغداد : مطبعة الزعيم، د. ط، 1961م)، ص 149.
نقلاً عن البلاذري من غير أن يبين من أي كتاب له، ولم يجده الباحث بعد البحث.
(55) ابن
قتيبة : المعارف، ص 60. وابن قتيبة : الشعر والشعراء، ص 305.
(56) ابن
قتيبة : المعارف، ص 62-58.
(57) عفيفي،
فوزي سالم : نشأة وتطور الكتابة الخطية المصرية ودورها الثقافي والاجتماعي،
(الكويت : وكالة المطبوعات، ط 1، 1980م) ص 82.
(58) ابن
الأثير: أُسد الغابة، مج 163/7. والبلاذري : فتوح البلدان، ص 458.
(59) ابن
هشام : السيرة النبوية، مج 250/1، 377.
(60) ابن عبد
البر، يوسف بن عبد اللّه : الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق : علي محمد البجاوي،
(القاهرة : مكتبة نهضة مصر، د، ط، ت) مج 669/2.
(61) ابن عبد
البر : الاستيعاب، مج 1558/4.
(62) المرجع
السابق، مج 920/3.
(63) المرجع
السابق، مج 1490/4.
(64) المرجع
السابق، مج 312/1.
(65) ابن
قتيبة : المعارف، ص 300-299.
(66) ابن سعد
: الطبقات الكبرى، مج 269/1.
(67) ابن الأثير
: أسد الغابة، مج 181/5.
(68) ابن
هشام : السيرة النبوية، ج 490/1.
(69) ابن
الأثير : أسد الغابة، مج 241-240/5. وابن سعد : الطبقات الكبرى، مج 1478/4.
(70) انظر :
قصة إسلام عمر بن الخطاب.
(71)
البلاذري : فتوح البلدان، ص 457. وانظر : ابن عبد ربه : العقد الفريد، ج
243-242/4.
(72)
الأعظمي، محمد مصطفى : دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، (الرياض : شركة
الطباعة العربية المحدودة، ط 3، 1981م) ص 47.
(73) أبو
الفتوح، محمد حسين : ابن خلدون ورسم المصحف العثماني، (بيروت : مكتبة لبنان، ط 1،
1992م) ص 31.
(74) انظر :
الكتاني، عبد الحي : التراتيب الإدارية - نظام الحكومة النبوية -، (بيروت : دار
الكتاب العربي، د. ط. ت) ج 117-116/1. وابن القيم، محمد بن أبي بكر : زاد المعاد
في هدي خير العباد، تحقيق : شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، (د. م : مؤسسة
الرسالة، ط 14، 1986م) مج 117/1. وابن منظور، محمد بن مكرم : مختصر تاريخ دمشق
لابن عساكر، تحقيق : روحية النحاس، رياض عبد الحميد، محمد مطيع الحافظ، (دمشق :
دار الفكر، ط 1، 1984م) ج 347-331/2. وابن عبد ربه : العقد الفريد، ج 8/1.
والحلبي، علي بن برهان الدين : السيرة الحلبية، (مصر : مطبعة البابي الحلبي، ط 1،
1964م) ج 423-422/3. والنـسائي، أحـمد بن شعيب : فضائل القرآن، تحقيق : فاروق
حمادة، (بيـروت : دار إحـياء العـلوم، والدار البيـضاء : دار الثقافة، ط 2، 1992م)
ص 75-74. وعيسى، أحمد عبد الرحمن : كتاب الوحي، (الرياض : دار اللواء، ط 1، 1980م)
ص 71-61. والأعظمي، محمد مصطفى : كتاب النبي، (بيروت : المكتب الإسلامي، ط 2،
1987م) ص 115-25.
(75) الخطيب،
محمد عجاج : السنة قبل التدوين، (د. م : مكتبة وهبة، ط 1، 1963م) ص 296. وانظر :
الأعظمي، محمد مصطفى : دراسات في الحديث النبوي، ص 47. حيث يقول : >لا يمكن
الاعتماد على هذه الإحصائية، خاصةً إذا نظرنا إلى موقع مكة الجغرافي والتجاري
ومركزها الديني<.
(76) الصالح،
صبحي : علوم الحديث ومصطلحه، (بيروت : دار العلم للملايين، ط 14، 1982م) ص 15-14.
(77) أحمد،
امتياز : دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث، ترجمة : عبد المعطي أمين قلعجي،
(القاهرة : دار الوفاء، ط 1، 1990م) ص 176.
(78)
القلقشندي : صبح الأعشى، ج 11/3.
(79)
البلاذري : فتوح البلدان، ص 459.
(80)
العسقلاني، أحمد ابن حجر : الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق : علي محمد البجاوي،
(القاهرة : دار نهضة مصر، د. ط. ت) مج 220-219/6، رقم : 8226. وانظر : ابن سعد :
الطبقات الكبرى، ج 555/3.
(81) ابن سعد
: الطبقات الكبرى، ج 604/3. والبلاذري : فتوح البلدان، ص 460 :
(82) ابن سعد
: الطبقات الكبرى، ج 622/3.
(83) ابن
قتيبة : المعارف، ص 259.
(84) ابن سعد
: الطبقات الكبرى، ج 498/3.
(85) المرجع
السابق : ج 526/3.
(86) ابن
قتيبة : المعارف، ص 326.
(87)
الجهشياري : كتاب الوزراء والكتاب، ص 16.
(88) سورة
التوبة /118.
(89)
البلاذري : فتوح البلدان، ص 459.
(90)
العسقلاني : الإصابة، ج 129/1.
(91) هذه
الأسماء ذكرها البلاذري في : فتوح البلدان، إضافةً إلى عائشة وأم سلمة وكانتا
تقرآن وتكتبان.
(92)
السهيلي، عبد الرحمن : الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق : عبد
الرحمن الوكيل، (د. م. ن. ط. ت) ج 245/5.
(93) خليف،
يوسف : دراسات في الشعر الجاهلي، ص 9.
(94)
والمهارق : صحف بيضاء من القماش مفردها مهرق، والكلمة في الأصل فارسية، وهو ثوب
حريري أبيض يسقى بالصمغ ويصقل ثم يكتب عليه. انظر : قبيسي، محمد، القرآن الكريم
الوثيقة الأولى في الإسلام، (بيروت : دار الآفاق الجديدة، ط 1، 1988م) ص 113.
(95) الجاحظ،
عمرو بن بحر : الحيوان، تحقيق عبد السلام محمد هارون، (مصر : مكتبة مصطفى البابي
الحلبي، ط 2، د. ت) مج 70/1.
(96) الأسد :
مصادر الشعر الجاهلي، ص 66، نقلاً عن : ديوان حسان مخطوط، (استانبول : مكتبة أحمد
الثالث) رقم : 2543، ورقة : 20. والجبوري : الخط والكتابة في الحضارة الإسلامية، ص
263، نقلاً عن نفس المخطوط.
(97) حميد
اللّه، محمد : مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ص 274، رقم
: 171.
(98) القاضي
أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم : كتاب الخراج، تحقيق : إحسان عباس، (د. م : دار
الشروق، ط 1، 1985م) ص 411.
(99) انظر :
النووي، محي الدين يحيى بن شرف : صحيح مسلم بشرح النووي، (بيروت : دار إحياء
التراث العربي، ط 3، 1984م) ج 143-135/12. والبخاري : صحيح البخاري، ج 64/16. وما
بعدها.
(100) الأسد
: مصادر الشعر الجاهلي، ص 66. نقلاً عن : ديوان حسان المذكور.
(101) الصولي
: أدب الكاتب، ص 31.
(102) قال
الإمام الزمخشري : وهم الذين يصغون إليه، أي : ويميلون. يقال : أكرم فلاناً في
صاغيته. وعن الأصمعي : صَغَتْ إلينا صاغية بني فلان.
(103)
الزمخشري : الفائق في غريب الحديث، ج 302/2.
(104) ابن
سعد : الطبقات الكبرى، ج 44/8. وانظر : ابن هشام : السيرة النبوية، ج 260/2،
والأصبهاني : الأغاني، ج 173-172/4.
(105) ابن
النديم : الفهرست، ص 8.
(106) سورة
البقرة 282/، آية الدَّيْن.
(107) سورة
الأعلى 19-18/.
(108)
الزمخشري : الفائق في غريب الحديث، ج 225/1. وابن قتيبة : المعارف، ص 27.
(109)
الدارمي : سنن الدارمي، ج 126/1، وقد رواه أحمد وابن حبان والنسائي وسنده صحيح.
(110) انظر :
حميد اللّه : مجموعة الوثائق السياسية.
(111) الطبري
: جامع البيان، ج 16/8.
(112)
البغدادي : خزانة الأدب، ج 369-366/2. وابن قتيبة : الشعر والشعراء، ص 111-110.
(113) ابن
قتيبة : الشعر والشعراء، ص 173-172.
(114) سورة
العنكبوت 2-1/.
(115)
الواحدي : أسباب النزول، ص 256.
(116) انظر :
الأسد : مصادر الشعر الجاهلي. فقد فصل القول في ذلك، وناقش كل الآراء الواردة حول
الشعر الجاهلي ومسألة كتابتها وضرب أمثلة لذلك.
(117)
البهبيتي، نجيب محمد : المعلقات سيرةً وتاريخاً، (المغرب : دار الثقافة، ط 1،
1982م) ص 56.
(118) المرجع
السابق، ص 61، نقلاً عن : ابن سلام : طبقات الشعراء، (طبعة بريل)، ص 10.
(119) الأسد
: مصادر الشعر الجاهلي، ص 133-107. والأعظمي : دراسات في الحديث النبوي، ص 44.
الفصل الرابع :
الأدلة على كتابة القرآن الكريم في العهد المكي
..................................................................................................................................
المبحث الأول :
الجمع النبوي للقرآن
المبحث الثاني
: الأدلة من القرآن المكي
المبحث الثالث
: الأدلة من الحديث والسيرة النبوية
..................................................................................................................................
المبحث الأول :
الجمع النبوي للقرآن
حقيقة الجمع
النبوي للقرآن
نزل القرآن
الكريم على الرسول صلى الله عليه
وسلم منجماً طيلة ثلاثة وعشرين عاماً،
وفي تنجيمه حِكَمٌ كثيرة هي ليست محل البحث هنا.
وخلال فترة
النزول القرآني كانت عملية جمعه تتم بموازاة نزوله، لا تتأخر عنه في شيء، حتى إذا
انتهى النزول كان القرآن مجموعاً مكتمل الجمع بمعان عدة لهذا الجمع، تشمل الجمع في
الصدور والكتابة في الصحف والترتيب في الآيات والسور(1).
وعليه، فإن
عملية جمع القرآن الكريم أو حفظه سواء كان في مكة أو المدينة كانت تتم بطريقتين كل
واحدة منهما كفيلة بحفظ القرآن لو انفردت فكيف بهما وقد اجتمعتا، وهو ما لم يتوفر
لكتاب من الكتب وعلى مر التاريخ البشري، يقول الإمام الرازي في هذا الصدد :
>واعلم أنه لم يتفق لشيء من الكتب مثل هذا الحفظ، فإنه لا كتاب إلا وقد دخله
التصحيف والتحريف والتغيير، إما في الكثير منه أو القليل، وبقاء هذا الكتاب مصوناً
عن جميع جهات التحريف مع أن دواعي الملاحدة واليهود والنصارى متوفرة على إبطاله
وإفساده من أعظم المعجزات<(2).
ويظهر هذا في
أشهر اسمين للقرآن الكريم وهما : القرآن والكتاب. ويتبين من الاسمين ـ القرآن
والكتاب ـ أن كلاً منها يقصد به الجمع، أي جمع بعض الأشياء إلى بعض.
فالقراءة :
عبارة عن جمع الحروف في الفم ثم النطق بها، وهو ما يسمى بالجمع الصوتي للقرآن
الكريم. والكتاب كما سيظهر عن قريب عبارة عن جمع الحروف والكلمات في السطور. يقول
الإمام ابن قتيبة : >وأصل القراءة : جمع بعض الحروف إلى بعض. وإنما سمي القرآن
قرآناً لاجتماع بعض سوره إلى بعض. قال تعالى : { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ
قُرْآنَهُ }(1). أي : إذا جمعناه، فاتبع جمعه. ويقال : إذا ألَّفناه(2).
يقول دراز :
>روعي في تسمية ـ القرآن ـ قرآناً كونه متلواً بالألسن، كما روعي في تسميته
كتاباً كونه مدوناً بالأقلام... وفي تسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أن من حقه
العناية بحفظه في موضعين لا في موضع واحد، أعني أنه يجب حفظه في الصدور والسطور
جميعاً، أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى. فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق
الرسم المجمع عليه من الأصحاب، والمنقول إلينا جيلاً بعد جيل على هيئته التي وضع
عليها أول مرة. ولا ثقة بكتابة كاتب حتى يوافق ما هو عند الحفاظ بالإسناد الصحيح
المتواتر<(3).
وفي تسميته
بالكتاب إشارة إلى جمعه في السطور، لأن الكتابة جمع للحروف ورسم للألفاظ ... وسمي
هذا الوحي بالكتاب وبالقرآن لامتياز الوحي المحمدي في مراحله كلها بهذه العناية
المزدوجة في صيانة نصوصه وحفظ تعاليمه منقوشة في السطور، مجموعة من الصدور(4).
ومعلوم أن
الجمع في لغة العرب يطلق ويراد من بين دلالته الحفظ والاستظهار في الصدور. وقد
يطلق ويراد منه الكتابة والتسجيل في الكتب. فكلمة جمع القرآن تطلق تارةً ويراد
منها حفظه واستظهاره في الصدور. وتطلق تارةً أخرى ويراد منها كتابته كله حروفاً
وكلمات وآيات وسوراً. هذا جمع في الصحائف والسطور وذاك جمع في القلوب والصدور(5).
وقال الزركشي :
>فإن معاني جمع القرآن تتلخص في أربعة : الحفظ في الصدور ـ الكتابة في الصحف
المتفرقة ـ الترتيب للآيات والسور ـ الجمع في مصحف واحد(6).
وكتابة القرآن
في الصحف والسطور مرت بثلاثة أطوار وهي :
كتابته في عصر
النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو ما سيدور البحث حوله ـ. وكتابته في عصر
أبي بكر رضي اللّه عنه. وكتابته في عصر عثمان رضي اللّه عنه(1).
لذا يود الباحث
أن يشير إلى الوسيلة الثانية التي تم بها حفظ القرآن الكريم من التحريف أو التبديل
أو الضياع أو الفقدان وهي الجمع الكتابي. والدراسة هذه مخصصة في أخذ مرحلة زمنية
محدودة، وهي كتابة النص القرآني في العهد المكي فقط، لأن كتابة القرآن في المدينة
أصبحت من الأمور الواضحة التي لا تحتاج إلى الدراسة والبحث، نظراً للأدلة الصريحة
التي وردت في ذلك، ولكثرة ما كتب فيه. ويحبذ الباحث قبل الدخول في الموضوع أن يشير
وبإيجاز شديد إلى الوسيلة الأولى لحفظ القرآن ألا وهي الجمع الحفظي، التي اعتاد
الباحثون المسلمون على تسميتها بالوسيلة الأولى والأساسية في حفظ القرآن الكريم من
التحريف. ويناقض أكثر الذين يذهبون هذا المذهب أنفسهم عند الحديث عن جمع أبي بكر
للقرآن الكريم بأنه لم يقبل إلا ما توافر فيه الحفظ والكتابة معاً فلو كانت
الكتابة وسيلة ثانوية لما اشترط لقبول قرآنية القرآن توفر الحفظ والكتابة، أو
الشاهدين يشهدان على أن المكتوب كتب بين يدي النبي !، وعليه فالأولى أن يقال إن
الحفظ والكتابة كانتا وسيلتين أساسيتين في حفظ القرآن الكريم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد توفي والقرآن كله مجموع في الصدوروالسطور.
الجمع الحفظي
وهو عبارة عن
حفظ النص عن ظهر قلب، وهو من خصائص هذه الأمة، وظاهرة مستمرة إلى يوم القيامة،
وفيها تحقيق لوعد اللّه عز وجل : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإَنَّا
لَهُ لَحَافِظُونَ }(2).
وسَيد مَنْ حفظ
القرآن الكريم الرسول الأمين صلى الله
عليه وسلم فقد كان مولعاً بالحفظ
والتلاوة لما يسمع من جبريل وما يوحي إليه حتى طمأنه الباري بقوله : {
سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى }(3). وقد حفظ القرآن من الصحابة عدد كثير، ويظهر ذلك
جلياً مما تواتر نقله أنه قد استشهد أكثر من سبعين منهم في بئر معونة فقط، وكذا في
معركة اليمامة. والحديث عن الجمع الحفظي قد أُشبع بحثاً، فعليه لا يحتاج إلى تكرار
ما قد قاله الآخرون في هذا المجال.
الجمع الكتابي
الكتابة في
اللغة : مصدر كتب، يقال : كَتب يكتُب كَتْبا وكتاباً وكِتابةً ومَكتَبة وكِتْبة
فهو كاتب ومعناها الجمع، يقال : تكتَّبت القوم إذا اجتمعوا، ومنه قيل لجماعة الخيل
كَتِيبة، ومن ثَمَّ الخط كتابة لجمع الحروف بعضها إلى بعض كما سمِّي خَرْز القربة
كتابةً لضم بعض الخُرَز إلى بعض(1).
وقد اتخذ
النبي صلى الله عليه وسلم كُتَّاباً
للقرآن الكريم كان يأمرهم بكتابة ما ينزل من القرآن الكريم حال نزوله لا
يتأخرون عنه، وليس في ثبوت هذه الحقيقة من اتخاذه كتاباً يكتبون القرآن أدنى شك
ولا خلاف، والروايات التي سبقت في إثباتها بلغت مبلغ التواتر المفيد للقطع. قال
الزركشي : >كان النبي صلى الله عليه
وسلم كلما أنزل عليه شيء من القرآن أمر
بكتابته ويقول في مفترقات الآيات : ضعوا هذه في موضع كذا<(2) وقد كان من بين
الكُتّاب الذين يستكتبهم النبي صلى الله
عليه وسلم كثيراً، الخلفاء الأربعة،
وعامر بن فهيرة وخالد بن سعيد وعبد اللّه بن أبي سرح وزيد بن ثابت وأبي بن كعب
وخالد بن الوليد ومعاوية وثابت بن قيس(3) ... إلخ.
وكان أكثرهم من
المكيين(4). ولا شك أن أغلبهم كان من السابقين إلى الإسلام. وغالب الظن أن هذا
الإحصاء لم يشمل كل من انتدب لكتابة الوحي فيكون العدد أكثر من ذلك. وعلى أية حال
فإن هذا العدد نفسه يدل على أن كتابة القرآن الكريم باستكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن أمراً عارضاً، وإنما هي عمل أساسي من
أعمال الدعوة قد خصصت له مؤسسة تقوم عليه هي مؤسسة كتاب الوحي(1).
وإذا رجعنا إلى
الكتب التي تتحدث عن كتابة القرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم نجد أنهم يطلقون القول أو العبارة (كتابة
الوحي في العهد النبوي) ولا يقسمون ذلك إلى العهد المكي والعهد المدني سواء كُتُب
المتقدمين أم المتأخرين، مما يدل على أن كتابة القرآن كانت قد غطت مراحل النزول
كلها مكيها ومدنيها، خلافاً لما انتهى إليه بلاشير ودائرة المعارف الإسلامية وبعض
الباحثين المسلمين، من أن المرحلة المكية لم يكن القرآن يكتب فيها، وإنما بدأت
كتابته في السنوات الأولى من العهد المدني.ولإثبات ما ذكر سابقاً من أن القرآن كان
يكتب في جميع مراحل النزول وبالتحديد في العهد المكي، سيقوم الباحث بذكر أدلة من
القرآن المكي نفسه تضمنت ألفاظ ملهمة ومثبتة للكتابة، ومن الحديث ومن السيرة
النبوية.
المبحث الثاني
: الأدلة من القرآن المكي
إضافةً إلى
ماسبق ذكره في الفصل الأول عن حالة الكتابة في مكة، التي أظهرت أن المناخ الثقافي
كان مناسباً ومهيئاً لكتابة القرآن الكريم، فإنه وبتصفح بسيط للآيات القرآنية
المكية، يجد الباحث أن فيها إشارات كثيرة إلى أدوات الكتابة وما يتعلق بها في
مخاطبتها للعرب الذين أُلصقت بهم صفة الجهل بالقراءة والكتابة، مما يدل على أن
العرب في ذاك الزمان لم يكونوا على جهل بالكتابة وما يتعلق بها. وعليه ستكون
للدراسة وقفة مع الآيات القرآنية المكية ـ المثبتة لألفاظ الكتابة والتدوين ـ وما
قيل في تفسيرها من قبل المفسرين واللغويين.
لا يخفى على
الناظر في القرآن الكريم ذاك الزخم الهائل من الآيات التي تتضمن متعلقات الكتاب.
فقد ورد في القرآن الكريم حوالي ثلاثمائة مرة مادة الكتاب وما اشتق منه(1). من ذلك
وردت (145) مرة في القرآن المكي(2). مما يدل على أن العرب ولا سيما أهل مكة كانوا
على دراية تامة بالكتابة والقراءة، لأنه لا يعقل أن يخاطب القرآن الكريم العرب
بألفاظ لا علم ولا معرفة سابقة لهم بها. وعليه فلم يكن هناك مانع يمنع كتابة
القرآن المكي النازل، كقلة من يعرف الكتابة وندرة وسائلها وغير ذلك مما قاله بعضهم
في معرض كلامهم عن الجمع الحفظي للقرآن الكريم من أن معرفتهم بالكتابة كانت قليلة.
فمن تلك الألفاظ بجانب الكتاب ومشتقاته : القراءة، الصحف، الرق، السجل، القرطاس،
الزبور(3)، القلم، المداد والخط ... وعليه سيتم اختيار عدد من هذه الألفاظ للبحث
والدراسة من خلال تفسير الآيات المتضمنة لها ومنها :
1. القراءة :
وردت لفظة القراءة وما اشتق منها حوالي تسعين مرة في القرآن الكريم(1). وقد قال
سبحانه وتعالى في أول ما نزل من الدستور الإسلامي(2)، مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم : { اقْرَأ باسْم رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ،
خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ
بالقَلَمِ، عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم }(3). ولم تأت هذه اللفتة بدون
قصد أو اعتباطاً، وإنما جاءت لتنبيه وحث النبي
صلى الله عليه وسلم على القراءة
والكتابة، ويتضح هذا أكثر إذا ما عُرف أن الآيات التي تلت هذه أيضاً كانت متعلقةً
بأدوات الكتابة، وأن أول قَسَمٍ أقسم به اللّه سبحانه كان بالقلم : { ن والقَلَمِ
وَمَا يَسْطُرُون }(4).
أول ما نزل من
القرآن هو مطلع سورة العلق، وفيه إشارة إلى القراءة، أو الجمع الصوتي للقرآن، بجمع
الحروف في الفم ثم النطق بها. ثم نزل بعد ذلك مطلع سورة القلم، وفيه إشارة إلى
كتابة القرآن، وهي جمع حروف وكلمات القرآن، بكتابتها على السطر(5).
يقول القلقشندي
: >أعظم شاهد لجليل قدرها ـ الكتابة ـ، وأقوى دليل على رفعة شأنها، أن اللّه
نسب تعليمها إلى نفسه، واعتده من وافر كرمه، وإفضاله فقال عزَّ اسمه : { اقْرَأْ
وَرَبُّكَ الأكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بالقَلَمِ، عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ
يَعْلَم }، مع ما يروى أن هذه الآية والتي قبلها مفتتح الوحي، وأول التنزيل على
أشرف نبي، وأكرم مرسل صلى الله عليه وسلم وفي ذلك من الاهتمام بشأنها ورفعة محلها ما لا
خفاء فيه<(6).
فهناك مناسبة
وثيقة بين أول كلمة نزلت من القرآن الكريم وبين القلم والكتابة : >فإن أول كلمة
نزلت هي (اقرأ) ومعنى ذلك أن هناك مكتوباً ـ فلم تنزل كلمة (قل) بمعنى أن يردد
النبي صلى الله عليه وسلم ما يقال له ولكن نزل ـ اقرأ ـ بمعنى أن يقرأ
شيئاً مكتوباً. إذن فالكتابة سبقت القراءة. والكتابة بمعناها التدارس والتعلم، لأن
القلم لا يقول ولكن يكتب. (فاقرأ)، إذن تتناسب مع القلم، وهما وسيلتا العلم
والتعليم. وكان من الآيات الأولى التي نزلت من القرآن الكريم : { اقْرَأْ
وَرَبُّكَ الأكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بالقَلَمِ }. فجعل سبحانه مفتاح العلم
القلم<(1).
يقول الإمام
الزمخشري في تفسير الآية : >فدلَّ على كمال كرمه بأنه علَّم عباده ما لم
يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من
المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو، وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا
ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب اللّه المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي لما
استقامت أمور الدين والدنيا، ولو لم يكن على دقيق حكمة اللّه العظيمة ولطيف تدبيره
دليل إلا القلم والخط، لكفى به<(2). فقوم يُبتدأ الوحي عندهم بهذا الابتداء؛ لا
يعقل أبداً أن يتركوا القلم ويناموا؛ ثم لا ينشط واحد من بينهم فيكتب أو يدون
شيئاً(3).
2. الصحف :
وقد وردت لفظة الصحف في سبعة مواضع من القرآن المكي. منها : في قوله تعالى : {
كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ }(4).
ففي هذه الآيات
إشارة واضحة إلى كون القرآن الكريم في صحف. يقول ابن سِيدَه : >والصحيفة : التي
يكتب فيها، والجمع صحائف وصُحُف وصُحْفٌ. وفي التنزيل : { إِنَّ هَذَا لَفِي
الصُّحُفِ الأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى }، يعني الكتب المنزَّلة عليهما،
عليهما السلام<(5).
والفرق بين
الصحف والمصحف كما يقول الحافظ العسقلاني : >أن الصحف الأوراق المجردة التي جمع
فيها القرآن في عهد أبي بكر. وكانت سوراً مفرقةً كل سورة مرتبة بآياتها على حدة
لكن لم يرتب بعضها إلى بعض، فلما نسخت ورتب بعضها إلى أثر بعض صارت مصحفاً<(1).
وكلمة (صحيفة) لا تدل على الورق الذي نعرفه اليوم، ولكنها على كل حال شيء مبسوط
خفيف الحمل يكتب عليه في سهولة(2). وقيل المقصود به هنا القراطيس التي تُكْتَبُ
فيها(3).
يقول الإمام
الآلوسي : >(في صحف)، قيل : صحف المسلمين على أنه إخبار بالغيب، فإن القرآن
بمكة لم يكن في صحف، وإنما كان متفرقاً في الرقاع والجريد ونحوهما ...
وأخرج عبد بن
حميد وابن المنذر عن وهب ابن منبه : أنهم ـ السفرة ـ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . قيل : لأنهم سفراء ووسائط بينه وبين سائر
الأمة وقيل : لأن بعضهم يسفر إلى بعض في الخير والتعلم والتعليم<(4).
يقول الإمام
أبو الفرج البغدادي : >وقوله (بأيدي سفرة) فيه قولان، أحدهما أنـهم المـلائكة،
قاله الجـمهور. والثاني : أنهم أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم قاله وهب بن
منبه ...<(5).
ويقول الإمام
الرازي : >القول الثاني في تفسير الصحف أنها هي صحف الأنبياء لقوله تعالى : {
إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى }، يعني أن هذه التذكرة مثبتة في صحف
الأنبياء المتقدمين، والسفرة الكرام البررة هم أصحاب رسول اللّه، وقيل هم
القراء<(6).
فـقد أعـلم
اللّـه تعـالى فـي القـرآن بأنه مـجموع في الصحف في قوله تعالى : { رَسُولٌ مِنَ
اللّه يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرةً }(7)، وكان القرآن مكتوباً في الصحف، لكن كانت
مفرقةً فجمعها أبو بكر في مكان واحد(8).
3.
النبي صلى الله عليه وسلم والاستكتاب : ومن الآيات التي تدل وبوضوح على
أن القرآن الكريم في مكة كان يكتب في الصحف، وأن المشركين كانوا على علم بتلك
الصحف قوله تعالى على لسان المشركين : { وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِيْن
اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيْلاً }(1).
يقول
الفيروزآبادي : >ويقال : اكتتب فلان فلاناً : إذا سأله أن يكتب له كتاباً في
حاجة، وعليه فسر بعضهم : { أَسَاطِيرُ الأوَّلِيْن اكْتَتَبَهَا } أي
استكتبها<(2). وقيل : اكتتبها : أي بمعنى جمعها وسجلها(3). أو بمعنى انتسخها من
غيره(4).
قال الزمخشري :
>والمعنى : اكتتبها كاتب له، لأنه كان أمياً لا يكتب بيده، وذلك من تمام إعجازه
... فإن قلت : كيف قيل : { اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْه }، وإنما يقال
أمليت عليه فهو يكتتبها ؟ قلت : فيه وجهان : أحدهما : أراد اكتتابها أو طلبه فهي
تملى عليه، أو كتبت له وهو أمي فهي تملى عليه : أي تُلقى عليه من كتابه يتحفظها
لأن صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب<(5).
يقول أبو
السعود العمادي : >والأساطير جمع أساطر أو أسطورة كأحدوثة، وهي ما سطره
المتقدمون من الخرافات، اكتتبها، أي : كتبها لنفسه على الإسناد المجازي أو
استكتبها، وقرئ على البناء للمفعول، لأنه صلى اللّه عليه وسلم أمي. وأصله :
اكتتبها له كاتب فحذف اللام وأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه كاتب ثم حذف
الفاعل لعدم تعلق الغرض العلمي بخصوصه، وبُنِيَ الفعل للضمير المنفصل فاستتر فيه،
فهي تملى عليه، أي تلقى عليه تلك الأساطير بعد اكتتابها ليحفظها من أفواه من
يمليها عليه من ذلك المكتتب لكونه أمياً لا يقدر على أن يتلقاها منه بالقراءة أو
تملى على الكاتب على أن معنى اكتتبها أراد اكتتابها أو استكتابها ورجع الضمير
المجرور إليه صلى الله عليه وسلم لإسناده الكتابة في ضمن الاكتتاب إليه صلى الله عليه وسلم <(6).
والاتهام جاء
من قبل المشركين بهذه الصيغة الصريحة من أن هناك ما هو مكتوب يتداوله محمد صلى الله عليه وسلم وقد كتب له بناءً على طلبه، فلا بد أن يكون
هناك شيء مكتوب حتى يأتي الاتهام بهذا الشكل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يكتفي بقراءة القرآن وتلاوته على الناس في مكة فقط من غير أن يكون هناك شيء
مكتوب لما جاء بهذه الصيغة، فالاتهام إنما هو مستند إلى مشاهدة.
وربما تتضح
الصورة أكثر إذا ما عرفنا سبب النزول كما نقلته كتب التفسير والسيرة النبوية. فقد
ذهب المفسرون والمؤرخون إلى أن هذه الآية نزلت في بعض مَنْ كان يقول ذلك، مثل :
النضر بن الحارث(1)، الذي >كان إذا جلس رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مجلساً فدعا فيه إلى اللّه، وتلا فيه القرآن،
وحذر فيه قريشاً ما أصاب الأمم الخالية ـ خلفه في مجلسه إذا قام، فحدثهم عن رستم
السنديد، وعن اسفنديار، وملوك فارس، ثم يقول : واللّه ما محمد بأحسن حديثاً مني،
وما حديثه إلا أساطير الأولين، اكتتبها كما اكتتبتها<. فأنزل اللّه فيه : {
وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً
وَأَصِيلاً }(2).
4. طَلَبُ
المشركين مكتوباً من السماء : من خلال الآيات القرآنية المكية يتبين أن معرفة أهل
مكة بالكتابة والقراءة كانت عميقةً بدليل أنهم طالبوا الرسول صلى الله عليه وسلم بآيات ومعجزات تقنعهم بنبوته، ومن هذه الآيات
والمعجزات، أن ينزل عليهم كتاباً من السماء يقرؤونه. قال تعالى : { وَقَالُوا لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً. أوْ تَكُوْنَ لَكَ
جَنّةٌ مِنْ نَخِيْلٍ وعِنَبٍ فَتُفَجِّر الأَنهَارَ خِلالَها تَفْجِيْراً. أوْ
تُسْقِطَ عَلينا كسَفاً أو تَأتِيَ باللّه وَالمَلائِكَةِ قَبِِْيلاً. أَوْ يَكُونَ
لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ
لِرُقِيِّكَ حَتَّى ُتُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ
رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً }(3).
حيث إن
المشركين طلبوا من الرسول صلى الله عليه
وسلم أن يرقى في السماء ويأتيهم بكتاب
معه أربعة من الملائكة يشهدون للرسول صلى
الله عليه وسلم أنه صادق فيما يدعيه(4).
فكيف يعقل أن يطالبوا الرسول صلى الله
عليه وسلم بإنزال الكتاب ليقرؤوا ما فيه
ويتأكدوا من صحة ذلك، إذا لم يكونوا على علم ودراية تامة بالكتاب والكتابة
والقراءة. وكأنهم لم يقتنعوا بالصحف التي اتهموا الرسول باستكتابها فطلبوا كتاباً
كاملاً.
5. الرَقّ :
وقد جاء الرَقّ في قوله تعالى : { وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ، فِي رَقٍّ مَنْشُور }(1).
يقول الزمخشري
: والرَقّ : جلد رقيق يكتب عليه، والصحيفة البيضاء(2). وكتاب مسطور : أي مكتتب قد
سطر(3).
6. طي السجل
: قال تعالى : { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ }(4).
مما يدل على معرفة العرب لأدوات الكتابة اللينة بحيث تطوى وتلف، لأنه لو كان أمراً
غريباً لأنكروا على الرسول صلى الله عليه
وسلم ذلك.
أي كطيه لما
كتب فيه حفظاً له(5). والسجل للكتب : الصحيفة وفيها الكتاب. والمعنى : كطي السجل
على مافيه مكتوب(6)، أي يوم نطوي السماء كما يطوى السجل على ما فيه من الكتاب.
واللام في قوله (للكتب) بمعنى (على)(7). وقد قال الزمخشري : >السجل : وهو
الصحيفة، أي : كما يطوى الطومار (الصحيفة، جمعه طوامير، والتطمير : الطَّيّ)،
للكتابة، أي : ليكتب فيه، للمكتوبات، أي : لما يكتب فيه من المعاني
الكثيرة<(8).
يقول الإمام
الشوكاني : >أي : كطي السجل كائناً للكتب أو صفة له، أي : الكائن للكتب فإن
الكتب عبارة عن الصحائف وما كتب فيها فسجلها بعض أجزائها وبه يتعلق الطي حقيقة ...
أو : كما يطوى الطومار للكتابة أي : ليكتب فيه أو لما يكتب فيه من المعاني
الكثيرة<(9).
7. القرطاس :
وقد وردت لفظة القرطاس في قوله تعالى : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي
قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا
إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ }(1).
فهذا النص يلهم
أن الكتابة على القرطاس وكون الكتب مؤلفة من قراطيس هو الشيء المألوف الذي لم يكن
ليتصور غيره(2).
تقول العرب :
قِرطاس وقُرطاس وقَرطاس، ثلاث لغات. وقِرْطَس وقَراطِس، مثل : دِرْهَم
ودَرَاهِم(3).
يقول محمد رشيد
رضا : >الكتاب في الأصل مصدر كالكتابة ويستعمل غالباً بمعنى المكتوب فيطلق على
الصحيفة المكتوبة، وعلى مجموعة الصحف في مقصد واحد، والقرطاس بكسر القاف (وتفتح
وتضم) الورق الذي يكتب فيه. وقيل هو مخصوص بالمكتوب منه<(4).
والقرطاس : الصحيفة
يُكتب فيها تكون من ورق وكاغد وغيرهما، وهي بكسر القاف وضمها والفصيح الكسر ...
ولا يقال : قرطاس إلا إذا كان مكتوباً، وإلا فهو طرس ـ الصحيفة التي محيت ثم كتبت
ـ وكاغد(5).
8. الكتاب :
ويقال إن : أول تسمية للقرآن على أنه كتاب، وردت في السورة الثامنة والثلاثين من
النزول وهي (الأعراف 1 و51) ـ وهي من السور المكية ـ ... فلم يُسم ـ القرآن ـ في
أول أمره كتاباً، بل قرآناً، أي كلاماً يتلى بعد التلقين، ثم وصف هذا المتلو بأنه
ذكر وتنزيل و ... إلخ. ولما أصبح النازل منه كثرة يصح أن يكون كتاباً سمِّي
كتاباً، ثم اندمجت المعاني ببعضها فاكتسبت الصفات والمصادر معنًى مفهوماً واحداً،
وأصبحت تعني شيئاً واحداً، فالقرآن هو الكتاب، وهو الذكر وهو التنزيل، وهو
الفرقان، والعكس بالعكس(6). فمن الآيات التي أطلقت فيها الكتاب على القرآن قوله
تعالى : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لاَ يَمَسُّهُ
إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ }(1). والآية مكية، ومعلوم أن المس يكون لشيء مادي محسوس
مكتوب، ـ وقد سبق بيان ما المقصود من الكتاب في الأصل عند العرب ـ، وإلا فلو كان
عبارةً عن تلاوة فقط، لما تطلب الأمر هذا النهي.
يقول دروزة :
>فهذه الآيات وتلك وإن كانت تشير إلى صلة القرآن بالملائكة وطهارة أصله ومصدره
وكرامته، فإن روح عبارتها تلهم أيضا بقوة أن القرآن صار مكتوباَ في صحف وصار لهذه
الصحف واجب التكريم فلا يمسها إلا المطهرون. وهذا ما كان يجري فعلاً كما جاء في
الروايات الوثيقة، وخاصةً في رواية إسلام عمر ـ ستأتي لاحقاً ـ وصحيفة القرآن التي
كانت في يد أخته، ورَفْضِها تسليمها إليه إلا بعد أن يتطهر(2). وأصل التقليد
الإسلامي الفقهي بعدم جواز مس المصحف إلا على طهارة هو من هذا الباب<(3).
يقول الإمام
الزمخشري : >مكنون، مصون من غير المقربين من الملائكة، لا يطلع عليه من سواهم،
وهو المطهرون من جميع الأدناس أدناس الذنوب وما سواها : إن جعلت الجملة صفة لكتاب
مكنون وهو اللوح. وإن جعلتها صفة للقرآن، فالمعنى : لا ينبغي أن يمسه إلا من هو
على الطهارة من الناس، يعني من مس المكتوب منه، ومن الناس من حمله على القراءة
أيضاً، وعن ابن عمر : أحب إليّ أن لا يقرأ إلا وهو طاهر<(4).
وللفقهاء في
هذه الآية كلام طويل، يكتفي الباحث فقط بالإشارة إلي ما نقله الجصاص، بقوله :
>رُوي عن سلمان أنه قال : لا يمس القرآن إلا المطهرون فقرأ القرآن ولم يمس
المصحف حين لم يكن على وضوء. وعن أنس بن مالك في حديث إسلام عمر قال : فقال :
لأخته أعطوني الكتاب الذي كنتم تقرؤون. فقالت : إنك رجس، وإنه لا يمسه إلا
المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ، فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأه وذكر الحديث. وعن سعد
إنه أمر ابنه بالوضوء لمس المصحف. وعن ابن عمر مثله وكره الحسن والنخعي مس المصحف
من غير وضوء. وروي عن حماد أن المراد القرآن الذي في اللوح المحفوظ لا يمسه إلا
المطهرون يعني الملائكة، وقال أبو العالية في قوله لا يمسه إلا المطهرون قال : هو
في كتاب مكنون ليس أنتم من أصحاب الذنوب، وقال سعيد بن جبير وابن عباس : المطهرون
الملائكة، وقال قتادة : لا يمسه عند اللّه إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه
المجوسي والنجس والمنافق، قال أبو بكر : إن حمل اللفظ على حقيقة الخبر فالأولى أن
يكون المراد القرآن الذي عند اللّه، والمطهرون الملائكة، وإن حمل على النهي وإن
كان في صورة الخبر كان عموماً فينا وهذا أولى لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أخبار متظاهرة : أنه كتب في كتابه لعمرو بن
حزم ولا يمس القرآن إلا طاهر، فوجب أن يكون نهيه ذلك بالآية إذ فيها احتمال له آخر
سورة الواقعة<(1).
إضافةً إلى
آيات أخرى كثيرة فيها إشارات واضحة إلى أدوات الكتابة، وعليه لم يكن الحديث عن مثل
هذه الأدوات أمراً غريباً عند أهل مكة والذين خاطبهم القرآن، لأنهم كانوا على
دراية تامة وعلم مسبق بها. وكان القرآن النازل يكتب في صحف تتداولها القلة المسلمة
في مكة.
المبحث الثالث
: الأدلة من الحديث والسيرة النبوية
1. كُتَّاب
القرآن المكي
يدل على كتابة
القرآن الكريم في العهد المكي ورود عدد من أسماء كُتّاب القرآن الكريم في العهد
المكي في كتب الحديث والسيرة النبوية والتراجم. منهم :
عبد اللّه بن
أبي سرح : كان من كُتّاب النبي صلى الله
عليه وسلم الذين كتبوا له في مكة قبل
الهجرة إلى المدينة المنورة، ثم ارتد عن الإسلام فأهدر الرسول دمه ثم رجع إلى
الإسلام بعد فتح مكة بعد أن شفع له عثمان بن عفان رضي اللّّه عنه(1).
والأخبار
والروايات التي وردت فيه كثيرة ومخلتفة في فترة ارتداده فيذهب البعض إلى أنه قد
ارتد قبل الهجرة ومنهم الإمام الطبري. حيث يذكر في تفسيره : >أنه ـ عبد اللّه
بن أبي سرح ـ قد وشى بعمار وجبير عند ابن الحضرمي أو لبني عبد الدار، فأخذوهم
فعُذِّبوا حتى كفروا، وجذع أذن عمار يومئذ، فانطلق عمار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بما لقي، والذي أعطاهم من الكفر فأبى
النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولاه، فأنزل اللّه في شأن ابن أبي سرح
وعمار وأصحابه : (من كفر باللّه من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان،
ولكن من شرح بالكفر صدراً)، فالذي أكره عمار وأصحابه، والذي شرح بالكفر صدراً، فهو
ابن أبي سرح<(2). ويذهب أغلبية العلماء إلى أنه قد ارتد بعد الهجرة، ولكن هذا
ليس بالأمر المهم، ولكن المؤكد أن فترة كتابته للقرآن هي الفترة المكية وهو ما
يهمنا هنا.
ويذكر الحافظ
العسقلاني في معرض حديثه عن اكتفاء الإمام البخاري بذكر كُتَّاب النبي صلى الله عليه وسلم بزيد بن ثابت وأن البخاري قد أفرده بالحديث
لكونه من أشهر الكُتَّاب، وإلا فقد كتب للرسول
صلى الله عليه وسلم غيره فيقول :
>قد كتب الوحي لرسول اللّه صلى الله
عليه وسلم جماعة غير زيد بن ثابت. أما
بمكة فلجميع ما نزل بها، لأن زيد بن ثابت إنما أسلم بعد الهجرة ...(1) وقد كتب له
قبل زيد بن ثابت أبي بن كعب وهو أول من كتب له بالمدينة. وأول من كتب له بمكة من
قريش عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام يوم الفتح(2)، وممن
كتب له بالجملة : الخلفاء الأربعة والزبير بن العوام وخالد وأبان وابنا سعيد بن
العاص بن أمية وحنظلة بن الربيع الأسدي ومعيقيب بن أبي فاطمة وعبد اللّه بن الأرقم
الزهري وشرحبيل بن حسن وعبد اللّه بن رواحة ...<(3).
وقول ابن حجر :
<وهو أول من كتب له صلى الله عليه
وسلم بمكة<، فيه دلالة واضحة على أن
هناك غيره ممن كتب له صلى الله عليه وسلم في مكة، وهو ما يدل عليه واقع المسلمين الذين
التفوا حول الدعوة الجديدة، حيث إن كثيراً من الذين آمنوا ودخلوا الإسلام أول
الأمر كانوا من الذين يعرفون الكتابة والقراءة، ولا شك أن بعضاً منهم كانوا من
كتاب القرآن المكي وقد ذكر ابن حجر بعضاً منهم.
وبناءً على ما
قاله ابن حجر من أن بعضاً من الصحابة كتبوا له بالجملة بصورة عامة، وذكر بعض
الأسماء كما سبق وأغلبهم من المكيين الذين دخلوا الإسلام مبكراً، ذكر بعض
المعاصرين عدداً من أسماء كتبة القرآن المكي.
فذكر محمود
راميار من كُتَّاب الوحي في مكة عدداً كثيراً بقوله : >ومن كتاب الوحي في مكة :
الخلفاء الأربعة، وشرحبيل بن حسنة ـ 18هـ ـ، وعبد اللّه بن سعد بن أبي سرح القرشي
ـ 37 هـ(4) وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية وطلحة والزبير (الزبير بن العوام) ـ 36
هـ وسعد بن أبي وقاص ـ 55 هـ وعامر بن فهيرة ـ 4 هـ وعلاء بن حضرمي ـ 21 هـ
ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي ـ 40 هـ والأرقم بن أبي الأرقم حضرمي ـ 11 هـ وحاطب
بن عمرو ـ أسلم قبل دخول الرسول صلى الله
عليه وسلم دار الأرقم وحاطب بن أبي بلتعة
ـ 30 هـ ومصعب بن عمير وعبد اللّه بن جحش ـ 3 هـ وجهم بن قيس وسالم مولى أبي حذيفة
ـ 12 هـ، ...<(1). وإضافةً إلى مَنْ ذكرهم فقد كتب في مكة : حنظلة بن ربيع
الأسدي بن صيفي بن رباح التميمي الكاتب، وعبد اللّه بن الأرقم الزهري(2).
ومن الأسـماء
اللامـعة في هـذا البـاب : خـالد بـن سـعيد وهـو مـن الذين أسـلموا قـديماً فـي
مـكة، وهـو مـن الذين كتبوا للنبي صلى
الله عليه وسلم في مكة، يذكر ابن عبد
البر وابن حجر : >روى إبراهيم بن عقبة عن أم خالد بنت خالد قالت : أَبي أول من
كتب بسم اللّـه الرحـمن الرحيم<(3). وقـال عـنه الأنصـاري : >وكـان أول مـمن
كتـب لـرسـول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وقيـل : أول من كتـب بـسم اللّـه الرحـمن
الرحيـم، وكان ثالث الإسـلام، وقيـل : رابعاً، وقيل : خامساً<(4). وهذا القول
لا يصدق إلا إذا أخذناه بالفترة المكية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة كان يكتب له أبي بن
كعب وزيد بن ثابت، وعلي بن طالب وغيرهم. وخالد بن سعيد لم يهاجر إلى المدينة إلا
بعد غزوة خيبر. إذن جائز جداً أن خالداً وهو قديم الإسلام، كان أول من كتب لرسول
اللّه صلى الله عليه وسلم بمكة. وعندما عاد إلى المدينة، بدأ يكتب رسائل
النبي صلى الله عليه وسلم مرةً أخرى(5). وقد قيل إن أول من كتب لرسول
اللّه صلى الله عليه وسلم في مكة هو شرحبيل بن حسنة(6). وعليه يمكن
الجمع بين هذه الأخبار بأن كلاً من خالد بن سعيد وشرحبيل بن حسنة قد كتبا له قبل
الهجرة إلى الحبشة، وبعدها كتب له ابن أبي سرح أو معاً ثم استمر الأخير على
الكتابة إلى أن ارتد.
فالاختلاف في
تحديد أول من كتب في مكة يعتبر أكبر دليل على أن القرآن المكي كان يكتب. وأن
النبي صلى الله عليه وسلم كان له كُتّاب عديدون وليس كاتب واحد، بدليل
هذا الاختلاف فيمن كتب له أولاً في مكة قبل الهجرة. ومع أن كتبة القرآن في مكة
كانوا أقل عدداً عما كان عليه الحال في المدينة بعد الهجرة(1). إلا أنه لا شك وكما
يقول الفيومي : >أنه كان يوجد في مكة من الكتبة من يسد هذه الحاجة، ويقوم بتلك
المهمة<(2)، ومن أول نزول القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث أن أوائل المسلمين كانوا من الكتبة.
إلا أنه لا بد
من الإشارة إلى ظاهرة غريبة في الكتب التي تتحدث عن كُتّاب النبي صلى الله عليه وسلم بصورة عامة وكُتّاب القرآن الكريم بصورة خاصة
ولا سيما الكتب المعاصرة، وهي عدم الموضوعية في مراعاة تاريخ إسلام هؤلاء
الكُتّاب، فأول من تذكرهم من كُتّاب النبي
صلى الله عليه وسلم تذكر الذين
تأخر إسلامهم إلى ما بعد الهجرة، وكان الأولى أن يتم ذكر الذين أسلموا قديماً حتى
يشمل بذلك العهدين المكي والمدني(3). والأسوأ من هذا أن من الباحثين من يأتي ليرد
على بلاشير في نفيه لكتابة القرآن في مكة فيذكر في معرض رده عدداً من كتاب
النبي صلى الله عليه وسلم المكيين الذين تأخر إسلامهم إلى ما بعد الهجرة
إلى المدينة، أو أسلموا في فتح مكة أو قريباً منه، أمثال خالد بن الوليد ومعاوية
بن أبي سفيان وغيرهم(4).
2. قصة إسلام
عمر بن الخطاب
تدل على أن
القرآن الكريم كان يكتب في العهد المكي رواياتُ قصةِ إسلام عمر بن الخطاب، وقد
نقلت بروايات كثيرة جداً يقوى بعضها بعضاً.
نقل ابن إسحاق
ذلك فقال : >وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب وكانت عند
سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت قد أسلمت وأسلم بعلها سعيد بن زيد وهما
مستخفيان إسلامهما من عمر، وكان نعيم بن عبد اللّّه النحام ـ رجل من قومه من بني
عدي بن كعب ـ قد أسلم وكان أيضاً يستخفي إسلامه خوفاً من قومه وكان خباب بن الأرت
يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن، فخرج عمر يوماً متوشحاً بسيفه يريد
رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في
بيت عند الصفا، وهم قريب من أربعين من بين رجال ونساء، ومع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب وأبو بكر بن أبي قحافة
الصديق وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين رضي اللّه عنهم، ممن كان أقام مع
رسول اللّه بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة، فلقيه نعيم بن عبد اللّّه فقال
له : أين تريد يا عمر ؟ فقال : أريد هذا الصابئ الذي فرَّق أمر قريش وسفَّه
أحلامها (...) فرجع عمر عامداً إلى أخته وختنه ـ زوج أخته ـ، وعندهما خباب بن
الأرت معه صحيفة فيها طه يقرئهما إياها (...) وقال لأخته أعطيني هذه الصحيفة التي
سمعتكم تقرؤون آنفاً، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد (...) فأعطته الصحيفة وفيه طه
فقرأها فلما قرأ منها سطراً قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه (...)<.
الرواية(1).
ويبدو من ظاهر
الرواية أنه كان من عادة خباب بن الأرت الذهاب إليهما لتدارس القرآن معاً كحلقة
دعوية تنظيمية صغيرة، وهذه لا شك نموذج لكيفية تعلم وتعليم القرآن في العهد المكي،
حيث غالباً ما يتم الاعتماد في الدعوات السرية على الوثائق المكتوبة لخفتها وسهولة
تبادلها بين أفراد الجماعة الواحدة، ولا سيما في الظروف الأمنية الحرجة التي عادةً
ما يكون فيها أفراد المجموعة مراقبين من قبل الطرف المقابل.
ولم يكن القصد
من ذهاب خباب إليهما لتعليمهما القراءة، فقد ثبت أن سعيداً كان من الذين يعرفون
الكتابة والقراءة هو ووالده الذي كان واحداً من مشاهير الحنفاء ـ سبق ذكره ـ الذين
قرؤوا الكتب الدينية قبل البعثة النبوية. وعليه فإن عملية تعليم القرآن الكريم
وتدارسه كما هو معروف يحتاج إلى أدوات التعليم من صحف ونحوها وهو ما يظهر هنا بشكل
واضح.
يقول محمد حسين
هيكل : >ولم تكن هذه الصحيفة التي سجلت سورة طه إلا واحدة من صحف كثيرة كانت
متداولةً بين أيدي الذين أسلموا من أهل مكة، سجلت سوراً أخرى من القرآن
الكريم<(1).
والذي يبدو من
الأحداث أن هذه الوثائق والصحف التي كانت متداولةً بين القلة المسلمة في مكة كانت
تكتب على أغلب الظن في مقر الرسول صلى
الله عليه وسلم ـ دار الأرقم بن الأرقم ـ
بناءً على كون الأرقم بن الأرقم من الذين كانوا يعرفون الكتابة والقراءة، ومن ثم
كان من كتاب النبي صلى الله عليه
وسلم ، وعليه فلا يستبعد أن يكون أحد
أسباب اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لداره إضافةً إلى مايذكره المؤرخون من
الأسباب، كونه من الكتبة حتى يتيسر للرسول
صلى الله عليه وسلم كتابة ما ينزل
عليه فور نزوله ولا سيما أثناء وجوده في داره.
وفــي روايـة :
أن الصـحيفة كـان فيـها مـع سـورة طه سورة : { إذا الشمس كُوِّرَتْ }(2). وهي
السورة الخامسة من حيث ترتيب النزول.
ومما سبق بيانه
عن حالة الكتابة ومعرفة العرب والمسلمين للكتابة ولا سيما في مكة تفنيد وجواب لما
قاله كونستانس جيورجيو عند حديثه عن إسلام عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، وهل قرأ
سعيد القرآن على عمر بن الخطاب يقول : >فهي رواية لا تتناسب مع الوقائع
التاريخية، لأن القرآن في السنة الثامنة قبل الهجرة لم يكن بالشكل الذي نعرفه
اليوم، بل إنه لم يكن كذلك طيلة حياة النبي
صلى الله عليه وسلم . ولم يجمع
القرآن إلا في عهد خلافة عثمان. كان القرآن متداولاً ومعروفاً بشكل آيات متفرقة ـ
في العهد المكي ـ، وأكثر المسلمين يحفظونه، ولم يكتب منه إلا بعض الآيات، لأن أكثر
المسلمين أميون، ولا يعرفون القراءة ولا الكتابة. لم يكن القرآن في ذلك الزمان
بالشكل الذي نراه الآن، لأن آياته لم تكن قد جمعت ولا اكتملت، لأن بعضها نزلت
بالمدينة بعد الهجرة<(1). إضافةً إلى ذلك فلم يقل أحد أن القرآن الكريم كان كله
مكتوباً عندما اطلع عليه عمر بن الخطاب في بيت أخته، وإنما كل ما في الأمر أنه
اطلع على صحيفة من الصحف التي كانت متداولةً بين المسلمين آنذاك.
وبعد هذا لا
يلتفت إلى ما قاله MONTOGOMERY WATT من قوله : >من المعروف أن أجزاءً من القرآن قد كتبت، ففي قصة
إسلام عمر بن الخطاب، يقال : أنه وجد مع أخته وزوجها اللذين أسلما سورة طه مكتوبة
في صحيفة، فقرأها عمر بنفسه بعد أن طلب منهم أن ينظر فيها. فإذا ما وثقت هذه القصة
ـ وهو أمر غير مؤكد ـ فإنها تبين أن أجزاء من الوحي قد كتبت في منتصف الفترة
المكية<(2).
3. قصة إسلام
لبيد بن ربيعة
الشاعر المعروف
المخضرم، كان من الذين اشتهروا في الجاهلية بمعرفة الكتابة والقراءة ـ وقد تمَّ
التطرق إلى معرفته وابنته للكتابة والقراءة ـ. وقصة إسلامه شبيهة بقصة إسلام عمر
بن الخطاب في تأثره بأسلوب القرآن الكريم. حيث يقال إن سبب إسلامه أنه : >كانت
هناك قصيدة شعرية له، واعتبرت هذه من أعظم ما قيل من الروائع في بلاد العرب على
عهد محمد صلى الله عليه وسلم ، لم يجرؤ أحد من الشعراء الآخرين على تقديم أي
شيء منافس لها، إلى أن علقت بعض آيات القرآن من سورة قرآنية بجانبها، ولم يكد لبيد
ـ وهو الوثني ـ يقرأ أولى تلك الآيات حتى بهره الإعجاب بما قرأ، وأعلن اعتناقه
الإسلام في الحال، وقال : إن كلاماً كهذا ليس من قول البشر، وإنه ولا شك وحي
إلاهي<(3).
4. خبر رافع
بن مالك
سيأتي في الفصل
الخامس أن بعض الصحابة ولا سيما من الأنصار قاموا بنقل القرآن المكي من مكة إلى
المدينة قبل الهجرة، من ذلك ما جاء من أن رافع بن مالك هو الذي حمل القرآن المكي
المكتوب إلى المدينة المنورة.
5. قصة سراقة
بن مالك
نجد النبي صلى الله عليه وسلم في أحلك الظروف وأخطر اللحظات من حياته التي
تمثل نقطة الانعطاف في مسيرة الدعوة الإسلامية، ألا وهي لحظة الخروج من بيته
مهاجراً إلي المدينة. وقد أحاط المشركون
ببيته لينالوا منه، واستمرت مطاردتهم له، وأعلنوا عن مكافأة كبيرة لكل من يأتي
به صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً، مع كل هذه المخاطر نجده صلى الله عليه وسلم يحمل معه ضمن الأشياء القليلة التي حملها معه
إلى المدينة كامل أدوات الكتابة، ونجد أن بعض كتاب الوحي بقوا ملازمين له وملتفين
حوله لتسجيل كل آية توحى إليه، فنجد أن كلا صاحبيه صلى الله عليه وسلم في الهجرة أبو بكر الصديق وعامر بن فهيرة كانا
من الكتبة المعروفين. ويدل على ذلك قصة كتاب الأمان لسراقة بن مالك بن جعشم. فقد
روى البخاري في كتاب بدء الوحي، باب هجرة النبي
صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
على لسان سراقة : >... فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم. ووقع
في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن اللّه سيظهر أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : إن قومك قد جعلوا فيك الديَّة.
وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يَرزَآني، ولم
يسألاني إلا أن قال : اخف عنّا. فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة
فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى رسول اللّه
صلى الله عليه وسلم <(1).
وللأستاذ محمد
صبيح كلام مضطرب في موضوع كتابة القرآن المكي، ولأهميته ينقله الباحث بطوله حيث
يقول : >ولكننا نقلب ما بين أيدينا من مراجع لكي نظفر بصورة دقيقة واضحة عن
طريقة كتابة الوحي في الفترة المكية التي استمرت نحو ثلاثة عشر عاماً فلا نكاد
نظفر بشيء يستحق الذكر ... حقيقة كان هؤلاء الصحابة الذين ذكرنا ـ أبو بكر وعمر وعثمان
وعلي والزبير ـ بجوار النبي، بعضهم منذ الدقيقة الأولى والبعض أسلم بعد سنين، ولكن
وجودهم لا يدل على أنهم كانوا يقومون بمهمة تدوين القرآن في الفترة المكية ...
وذلك أن هذه الفترة كانت فترة اضطراب عنيف في حياة الإسلام، فقد كان معتنقوه قلة
قليلة جداً تعد بالعشرات وكانت قريش تلاحقهم بأذاها المتصل وتضيق عليهم الخناق،
فهل يمكن أن نفرض وجود نظام ثابت لتدوين الوحي في هذه الفترة.
وإذن فنحن لا
نستطيع أن نجزم بأن القرآن لم يدون في الفترة المكية، ولكنا على ثقة من أن وسيلة
العلم المؤكد لدينا بنبأ هذا الموضوع ليست ميسورةً ولا هي ممكنةً ... وعلى هذا
فإنا نلجأ إلى بعض الفروض، ونستند إلى إشارات خفيفة مفرقة في بعض المراجع<(1).
ثم يضيف في
موضع آخر : >أن النصوص التي بين أيدينا لا تقطع بأن القرآن كان يدون في العهد
المكي ... فقد استمر الوحي ينزل على رسول اللّه عشر سنين في هذه الفترة، ولم تكن
ظروف النبي في مكة لتسمح له بحالة من الاستقرار تساعد على التنظيم المنتظم، وكل ما
رجحناه هو أن صحفاً معينةً كانت تكتب من القرآن ويتداولها المسلمون سراً،
ليتدارسوها في بيوتهم، بعيداً عن أعين قريش وعن أذاها المتصل<(2).
ففي قصة سراقة
هذه تفنيد ودحض لما ذهب إليه الكاتب من أن الظروف الصعبة في مكة والملاحقة
المستمرة لم تكن لتسمحا للمسلمين بكتابة القرآن ! فمما لا ريب فيه أن ظروف
النبي صلى الله عليه وسلم في مكة كانت أحسن مما كانت عليه لحظة الخروج
من بيته متوجهاً صوب المدينة، والملاحقة كانت في أوجها وبشكل أعنف مما كانت عليه
خلال السنوات الثلاث عشر التي قضاها النبي
صلى الله عليه وسلم وصحبه في مكة،
لأن العصبة الماسكة بزمام الأمور كانت تعتبر خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة تهديداً صارخاً لمصالحها ولأمنها، لذا
أعلنت الجوائز والمكافآت للإتيان بالنبي
صلى الله عليه وسلم حيّاً كان أو
ميتاً، ولكن رغم ذلك وكما يتبين من الرواية الصحيحة الصريحة لم يهمل النبي صلى
الله عليه وسلم أدوات الكتابة تحسباً
لنزول القرآن عليه في أثناء الهجرة. فهل يصح بعد هذا كله أن يدَّعي أحد أن الظروف
الصعبة والملاحقة المستمرة وقفتا مانعتين من كتابة القرآن في مكة لذا كان الاعتماد
على الحفظ فقط ؟!
6. وضع
الآيات في أماكنها
قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن الثلاثة
وصححه ابن حبان والحاكم من حديث عبد اللّه بن عباس عن عثمان بن عفان قال : >كان
رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه من السور ذوات
العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء يدعو من يكتب عنده فيقول : ضعوا هذا في السورة
التي يذكر فيها كذا وكذا ...< الحديث(1).
يمكن الاستدلال
بالحديث على أن القرآن المنزل كان كله مكتوباً ـ مكيه ومدينه ـ وإلا فكيف يقول
الرسول صلى الله عليه وسلم ضعوا هذا في الموضع الفلاني، ولا يعقل أن يدعي
أحد أن هذا كان المقصود به القرآن المدني دون المكي. ويتضح هذا أكثر إذا ما علمنا
أن هناك سوراً عديدةً نزلت في مكة، وبعد عشر سنوات أو أكثر نزلت آيات منها في
المدينة كسورة الأعراف وسورة الأنعام(2) وغيرها كثير. ففي المدينة عندما كان
الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرهم بقوله : >ضعوا هذا في السورة التي
يذكر فيها كذا وكذا ...< معناه : أن السور المكية كلها وليس بعضها كانت مكتوبة
ومعلومة أماكنها للكتبة من الصحابة وغيرهم.
فإن قيل إن
القرآن المكي قد تمت كتابته في المدينة بعدما استقر المقام برسول اللّه صلى الله عليه وسلم هناك، وبعدما كثرت الكتابة وكثر عدد الكتاب من
المسلمين واستقر شأنهم. فالجواب أن هذا لم يثبت ولم ينقله أحد ولو بطريق ضعيف، بل
لم يقل به أحد. مع العلم أن سيرة النبي
صلى الله عليه وسلم في المدينة قد
نقلها الصحابة كاملةً واضحةً تمام الوضوح حتى أبسط دقائق وجزئيات حياته صلى الله عليه وسلم ، فقد كان الصحابة حريصين كل الحرص على نقل كل
شيء من سيرته صلى الله عليه وسلم . إذن فكيف يعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بكتابة ذلك الزخم الكبير من الآيات
والسور التي تعادل ثلثي القرآن ولا ينقلها أحد من الصحابة ! فلو حدث ذلك لكان من
الأمور التي يذكرها مؤرخو السيرة النبوية ضمن أعماله صلى الله عليه وسلم التي قام بها في المدينة، ولكن لم يحدث ذلك
مما يدل على أن القرآن المكي كان كله مكتوباً، فيأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الآيات المدنية في السور المكية التي
كتبت في مكة.
7. جمع أبي
بكر للقرآن
ومما يدل
دلالةً واضحةً على أن القرآن المكي كله كان قد كتب في مكة، أنه لم يذكر أحد لا من
المتقدمين ولا من المتأخرين أن الجمع في عهد أبي بكر رضي اللّه عنه إنما كان نسخاً
ونقلاً لما في صدور وصحف الصحابة التي كتبت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للقرآن المدني، أما المكي فقد تم الاعتماد
في نسخه ونقله على ما في صدور الحفاظ فقط، لأنه لم يكن مكتوباً. بل المعروف
والثابت أن النسخ والنقل كان لما في الصدور والسطور بالنسبة لكل القرآن الكريم
مكيه ومدنيه وبدون استثناء، ففي البخاري عن زيد بن ثابت : >لما نسخنا الصحف في
المصاحف ...<(1). ومعلوم أن زيد بن ثابت ومن معه لم يكونوا يقبلون من أحد شيئاً
إلا إذا شهد اثنان من المسلمين على أن المكتوب الذي معه قد كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بموجب الدستور الذي وضعه أبو بكر الصديق
رضي اللّه عنه في جمع القرآن، فقد جاء في الحديث أن أبا بكر قال لعمر وزيد اقعدا
على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب اللّه فاكتباه. يقول الحافظ
العسقلاني : >وقد كان النبي صلى الله
عليه وسلم أذن في كتابة القرآن ونهى أن
يكتب معه غيره، فلم يأمر أبو بكر إلا بكتابة ما كان مكتوباً، ولذلك توقف ـ زيد ـ
عن كتابة الآية من آخر سورة براءة حتى وجدها مكتوبةً، مع أنه كان يستحضرها هو ومن
ذكر معه<(2). ويضيف في موضع آخر : >وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب
بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لا من مجرد الحفظ<(3). فذلك يدل على أن
القرآن المكي كان كله مكتوباً. وقد سبق أن احتمال كتابة القرآن المكي في المدينة
بعد الهجرة النبوية أمر مرفوض وغير صحيح ولم يثبت ولو بطريق ضعيف.
8. زخم
القرآن المكي
ينضاف إلى كل
ما سبق أنه لا يعقل أن يتم إهمال القرآن المكي من دون كتابة، هذا إذا ما علم أنه
يمثل ثلثي القرآن الكريم، وهو ما يعادل أكثر من ثمانين سورة ـ ثلاث وثمانين وقيل :
خمس وثمانين،(4) أو ست وثمانين سورة ولا يظن ظان أن أغلب سور القرآن المكي من
السور القصار وعليه لا يشكل زخما كبيراً، لأنه وكما سبق أنه يمثل ثلثي القرآن
الكريم، وهناك الكثير من السور الطوال ضمن القرآن المكي أمثال : (سورة الأعراف وهي
أطول السور المكية وثالثة السور القرآنية طولاً)(1)، إضافةً إلى ذلك فإن ثلاثة من
السور الطوال السبع مكيات(2).
ومعلوم أن هناك
إجماعاً على أن النبي صلى الله عليه
وسلم ما لحق بالرفيق الأعلى إلا والقرآن
الكريم كله مكتوب في الصحف والرقاع من دون فرق بين المكي منه والمدني ولكنه لم يكن
مجموعاً في مصحف واحد، وهو ما قام به زيد بن ثابت بأمر من خليفة المسلمين أبي بكر
رضي اللّه عنه. وبمراجعة أي كتاب أو أي نص يجد الباحث التأكيد على أن جمع القرآن
في عهد أبي بكر رضي اللّه عنه إنما كان بمثابة نسخ ونقل لما كتب بين يدي
النبي صلى الله عليه وسلم بيد أنه لم يكن مجموعاً في مكان واحد وإنما
كان مفرقاً في الصحف.
ومع كل ما سبق
فقد ساهمت ظروف الدعوة في مكة، وكذا تركيز مؤرخي السيرة على جوانب فقط من العهد
المكي، مثل ما كان يتعرض له الرسول الأكرم
صلى الله عليه وسلم وصحابته من
سخرية واستهزاء ومضايقة، ومن ثم ثباتهم على إيمانهم ونحو ذلك من القضايا، أقول
ساهم كل ذلك في إخفاء وحجب جوانب أو جزئيات كثيرة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ذلك مسألة كتابة القرآن المكي. وعليه فإن
اهتمام المؤرخين لم يتجه صوب هذه المسألة الحساسة، إما لأن الموضوع كان من البديهي
عندهم بحيث لم يكن هناك من داع للخوض فيه إلى أن جاء المستشرقون وطرحوا بعض
الشبهات والشكوك في هذا المجال، مما حدا ببعض الباحثين المعاصرين للرد على ما صدر
منهم. أو أنه كان هناك غموض في جوانب من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، فقفز عليه المؤرخون وكثير ممن كتبوا
في الموضوع، ولا سيما في العصر الحالي وهو أمر محتمل، فاكتفوا بترديد ما قاله
العلماء القدامى في مجال جمع القرآن الكريم ولا سيما في العهد المدني، وهو ما
يعنونون له في الكتب بجمع القرآن في العهد المدني.
(1) القرآن
الكريم دراسة لتصحيح الأخطاء الواردة في الموسوعة الإسلامية، ص 60.
(2) الرازي :
ضياء الدين عمر : مفاتيح الغيب، (د. م : دار الفكر، ط 3، 1985م) مج 10، ج 165/19.
(3) سورة
القيامة 18/.
(4) ابن
قتيبة، عبد اللّه بن مسلم : رسالة الخط والقلم، تحقيق : حاتم صالح الضامن، (بيروت
: مؤسسة الرسالة، ط 2، 1989م) ص 29.
(5) دراز،
محمد عبد اللّه : النبأ العظيم : نظرات جديدة في القرآن، تخريج وتعليق : عبد
الحميد أحمد الدخاخني، (مصر : دار المرابطين، ط 1، 1997م) ص 6.
(6) الصالح،
صبحي : مباحث في علوم القرآن، (بيروت : دار العلم للملايين، ط 18، 1990م) ص 17.
(7)
الزرقاني، محمد عبد العظيم : مناهل العرفان في علوم القرآن، تصحيح : أمين سليم
الكردي، (بيروت : دار إحياء التراث العربي، ط 2، 1998م) ج 173/1.
(8) الزركشي،
محمد بن عبد اللّه : البرهان في علوم القرآن، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم،
(بيروت : دار المعرفة، د. ط، 1391هـ) ج 239/1.
(9) عبيدات،
محمود سالم : دراسات في علوم القرآن، (د. م : دار عمار، ط 1، 1990م) ص 117.
(10) سورة
الحجر 9/.
(11) سورة
الأعلى 6/.
(12)
القلقشندي : صبح الأعشى، ج 51/1. وانظر : ابن قتيبة : رسالة الخط والقلم، ص 23-22.
وابن سيده، علي بن إسماعيل : المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، تحقيق : مراد كامل،
(د. م : جامعة الدول العربية، معهد المخطوطات، ط 1، 1972م) ج 482/6.
(13) الزركشي
: البرهان، ج 232/1.
(14) فقد
أوصلهم العراقي إلى اثنين وأربعين كاتباً. أنظر : الكتاني : التراتيب الإدارية، ج
117-116/1. وابن القيم : زاد المعاد في هدي خير العباد، مج 117/1. وابن منظور :
مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ج 347-331/2. وابن عبد ربه : العقد الفريد، ج 8/1.
والحلبي : السيرة الحلبية، ج 423-422/3. والنسائي : فضائل القرآن، ص 75-74. وعيسى
: كتاب الوحي، ص 71-61. والأعظمي : كتاب النبي، ص 115-25.
(15) القطان
: مناع : تاريخ التشريع الإسلامي، (القاهرة : مكتبة وهبة، ط 4، 1989م) ص 105.
(16) القرآن
الكريم دراسة، ص 60.
(17) شاهين :
تاريخ القرآن، ص 67.
(18) عبد
الباقي، محمد فؤاد : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، (بيروت : دار الفكر، ط
4، 1997م) ص 756-751.
(19) والزبور
: (الكتب، واحدها زبور، وقد كانت العرب على معرفة بها حيث يقول امرؤ القيس :
أتَت حِجَجْ
بعدي عليها فأصبَحَتْ كخَطّ
زَبُورٍ في صحائفِ رهبانِ). ابن قتيبة : رسالة الخط والقلم، ص 24-23.
(20) شاهين :
تاريخ القرآن، ص 67.
(21) الآيات
الأولى من سورة العلق هي أول ما نزلت من القرآن الكريم على أرجح الأقوال. انظر :
البخاري : الجامع الصحيح، ج 1894/3. والحاكم النيسابوري، محمد بن عبد اللّه :
المستدرك على الصحيحين، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا، (بيروت : دار الكتب
العلمية، ط 1، 1990م) ج 576/2، وابن حنبل، أحمد : مرويات الإمام أحمد في التفسير،
مج 370/4. والسيوطي، جلال الدين : الدر المنثور في التفسير بالمأثور، (بيروت : دار
الفكر، ط 3، 1990م) مج 561/8. والشافعي، محمد بن إدريس : أحكام القرآن، تحقيق :
عبد الغني عبد الخالق، (بيروت : دار الكتب العلمية، د. ط، 1400 هـ) ج 7/2.
(22) سورة
العلق 5-1/.
(23) سورة
القلم 2-1/.
(24)
الخالدي، صلاح عبد الفتاح : هذا القرآن، (عمان : دار المنار، ط 1، 1993م) ص 26.
(25)
القلقشندي : صبح الأعشى، ج 35/1.
(26) عفيفي،
فوزي سالم : نشأة وتطور الكتابة الخطية المصرية، ص 205.
(27)
الزمخشري، محمود بن عمر : الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه
التأويل، تحقيق : عبد الرزاق المهدي، (بيروت : دار إحياء التراث العربي، ط 1،
1997م)، ج 782-781/4. وانظر : القرطبي الجامع لأحكام القرآن، ج 120/20. والشوكاني
: فتح القدير، ج 468/5.
(28) علي،
جواد : تاريخ العرب في الإسلام، ص 15.
(29) سورة
عبس 13-11/.
(30) ابن
سيده : المحكم والمحيط في اللغة، ج 115/3.
(31)
العسقلاني، أحمد ابن حجر : فتح الباري في شرح صحيح البخاري، تحقيق : محي الدين
الخطيب، (بيروت : دار المعرفة، د. ط. 1981م) ج 18/9.
(32) صبيح :
بحث جديد عن القرآن الكريم، ص 71.
(33)
الزمخشري : الكشاف، ج 788/4.
(34) الآلوسي
: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، (د. م : دار إحياء التراث
العربي، د. ط. ت) ج 42/30.
(35) ابن
الجوزي، عبد الرحمن بن علي : زاد المسير في علم التفسير، (د. م : المكتب الإسلامي،
ط 3، 1984م)، ص 29.
(36) الرازي
: مفاتيح الغيب، مج 59/16.
(37) سورة
البينة 2/.
(38)
العسقلاني : فتح الباري، مج 13/9.
(39) سورة
الفرقان 5/.
(40)
الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب : بصائر ذوي التمييز، تحقيق : محمد علي النجار،
(بيروت : المكتبة العلمية، د. ط. ت) ج 330/4.
(41) معجم
ألفاظ القرآن الكريم : مراجعة : محمد عبد العزيز القلماوي ومحمد أحمد سعد الألفي،
(د. م : مجمع اللغة العربية - الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث العربي، د.
ط، 1990م) ج 949/2.
(42) الرازي
: مفاتيح الغيب، مج 12، ج 51/24.
(43)
الزمخشري : الكشاف، ج 269/3.
(44)
العمادي، أبو السعود : إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، (بيروت : دار
إحياء التراث العربي، د. ت. ط) ج 203/6.
(45) وكان من
الكتبة في قريش، ويقال أنه هو الذي كتب صحيفة قريش في مقاطعة قريش لبني هاشم. سبقت
الإشارة إليه.
(46) ابن
هشام : السيرة النبوية، ج 358/1، سورة الفرقان 6-5.
(47) سورة
الإسراء، 93-90.
(48) انظر
سبب نزول الآية : الزمخشري : الكشاف، ج 649/2. والرازي : مفاتيح الغيب، مج 11، ج
21، ص 59.
(49) سورة
الطور 3-2/.
(50) معجم
ألفاظ القرآن الكريم، ج 511/1.
(51) الصولي
: أدب الكتاب، ص 120.
(52) سورة
الأنبياء 104/.
(53)
الفيروزآبادي : بصائر ذوي التمييز، ج 192/3. وانظر : الرازي : مفاتيح الغيب، مج
11، ج 228/22.
(54)
الواحدي، علي بن أحمد : الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق : صفوان عدنان
داوودي، (بيروت : دار القلم، ودمشق : الدار الشامية، ط 1، 1415 هـ) ج 725/2.
(55)
السجستاني، محمد بن عزيز : كتاب غريب القرآن، تحقيق : محمد أديب عبد الواحد جمران،
(د. م : دار قتيبة، ط 1، 1995م) ص 282-281. وانظر : الطبري : تفسير الطبري، ج
100/17.
(56)
الزمخشري : الكشاف، ج 138/3.
(57)
الشوكاني : فتح القدير، ج 429/3.
(58) سورة
الأنعام 7/.
(59) دروزة :
القرآن المجيد، ص 77.
(60) ابن
قتيبة : رسالة الخط والقلم، ص 25.
(61) رضا،
محمد رشيد : تفسير المنار، (بيروت : دار الفكر، ط 2، 1973م) ج 311/7.
(62) السمين
الحلبي، أبو العباس بن يوسف محمد : الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، تحقيق :
علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود وجاد مخلوف وزكريا عبد المجيد النوتي،
ـبيروت : دار الكتاب العلمية، ط 1، 1994م) ج 13/3.
(63) المصري،
عبد الرؤوف : معجم القرآن، (بيروت : دار السرور، ط 2، 1948م) ص 117.
(64) سورة
الواقعة 79/77.
(65) انظر :
ابن هشام : السيرة النبوية، ج 367-365/1.
(66) دروزة :
القرآن المجيد، ص 98-97.
(67)
الزمخشري : الكشاف، ج 467/4.
(68) الجصاص،
أحمد بن علي : أحكام القرآن، تحقيق محمد الصادق قمحاوي، بيروت، دار إحياء التراث
العربي، د. ط، 1405م، ج 5/300.
(69) انظر
تفاصيل القصة في : ابن الأثير : الكامل في التاريخ، مج 313/2. والأنصاري، أبو عبد
اللّه محمد بن علي : كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عرب وعجمي، (حيدر
آباد : دائرة المعارف العثمانية، ط 1، 1976م) ج 189/1. والتلمساني، أبو الحسن علي
بن محمد : كتاب تخريج الدلالات السمعية، تحقيق : أحمد محمد أبو سلامة، (القاهرة :
لجنة إحياء التراث العربي، د. ط، 1985م) ص 167. والبلاذري، أحمد بن يحيى : أنساب
الأشراف، تحقيق : محمد حميد اللّه، (القاهرة : دار المعارف، ط 3، 1987م) ج
532-531/1. والفراء، أبي زكريا يحيى بن زياد : معاني القرآن، تحقيق : أحمد يوسف
نجاتي ومحمد علي النجار، (د. م : الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط 2، 1980م) ج
344/1. والسيوطي : الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج 55/3.
(70) الطبري
: جامع البيان، ج 273/7.
(71) وانظر :
ابن كثير، إسماعيل بن عمر : فضائل القرآن، تحقيق : سعيد عبد المجيد محمود، (د. م :
دار الحديث، د. ط. ت) ص 54. والعسقلاني، ابن حجر : فضائل الـقرآن، مـراجعة وشـرح :
السيد الجميلي، (د. م : دار الهلال، ط 1، 1986م) ص 48-47.
(72)
العسقلاني : فتح الباري، مج 22/9. وانظر : البلاذري : فتوح البلدان، ص 458.
(73)
العسقلاني : فتح الباري، مج 22/9.
(74) انظـر :
الحـلبي : السيرة الحلبية، ج 422/3. وأبو شهبة، محمد : المدخل لدراسة القرآن
الكريم، (الرياض : دار اللواء، ط 3، 1987م) ص 338. وأبو الفضل، مير محمدي : بحوث
في تاريخ القرآن وعلومه، (بيروت : دار التعارف، د. ط، 1980م) ص 120-118. والحمد :
رسم المصحف، ص 97-96. وقاموس القرآن الكريم : إعداد نخبة من العلماء، (الكويت :
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ط 1، 1992م) ص 46.
(75) راميار
: تاريخ قرآن، ص 65. وانظر : العك، خالد بن عبد الرحمن : تاريخ توثيق نص القرآن
الكريم، (دمشق : دار الفكر، ط 2، 1986م) ص 30-29.
(76) طاحون،
أحمد بن محمد : مع القرآن الكريم، (د. م : مطابع أهرام الجيزة الكبرى، د. ط. ت) ص
28.
(77) ابن عبد
البر : الاستيعاب، ج 421-420/2. والعسقلاني : الإصابة، ج 237/2.
(78)
الأنصاري : كتاب النبي، ج 107/1.
(79) الأعظمي
: كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ص 53-52.
(80)
الأنصاري : كتاب النبي، ج 129/1. والكتاني : التراتيب الإدارية، ج 118/1.
(81) دراز،
محمد عبد اللّه، مدخل إلى القرآن الكريم، ترجمة : محمد عبد العظيم علي، (الكويت :
دار القلم، د. ط، 1984م) ص 35-34. والصباغ، محمد لطفي : لمحات في علوم القرآن واتجاهات
التفسير، (الكويت : المكتب الإسلامي، ط 3، 1990م) ص 102. وأبو سليمان، صابر حسن
محمد : روائع البيان في علوم القرآن، (بيروت : المكتب الإسلامي، ط 1، 1988م) ص 23.
وطعيمة، صابر : هذا القرآن قصة الذكر الحكيم، (بيروت : دار الجيل، ط 1، 1979م) ص
53.
(82) الفيومي،
محمد شكري أحمد : قواعد الكتابة الإملائية نشأتها وتطورها، (دبي : دار القلم، ط 2،
1988م) ص 14.
(83) انظر
مثلا : داود، أحمد محمد علي : علوم القرآن والحديث، (د. م. ن. ط. ت)، ص 47.
والحسن، محمد علي : المنار في علوم القرآن، (عمان : مطبعة الشرق، ط 1، 1983م) ص 88.
والإبراهيم، موسى إبراهيم : بحوث منهجية في علوم القرآن الكريم، (الأردن : دار
عمار، ط 2، 1996م) 48-47. والقطان : مناع : مباحث في علوم القرآن، (القاهرة : دار
غريب، ط 5، 1981م) ص 106.
(84) انظر :
عبد العال : المستشرقون والقرآن، ص 24.
(85) ابن
هشام : السيرة النبوية، ج 1/367-365. وانظر : ابن الأثير، عز الدين أبي الحسن :
الكامل في التاريخ، (بيروت : دار صادر، د. ط، 1979م) مج 86-84/2. والذهبي، محمد بن
أحمد : تاريخ الإسلام وطبـقات المـشاهير والأعلام، تحقيق : محمد محمود حمدان،
(القاهرة : دار الكتاب المصري، وبيروت : دار الكتاب اللبناني، ط 1، 1991م) مج
30-28/1. البلاذري، أحمد بن يحيى : الشيخان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب
وولدهما، تحقيق : إحسان صدقي العمد، (الكويت : مؤسسة الشراع الغربي، ط 1، 1989م) ص
143-135. وابن شبّه، أبو زيد عمر : تاريخ المدينة المنورة، تحقيق : فهيم محمد
شلتوت، (د. م : دار التراث، الدار الإسلامية، ط 1، 1990م) ج 660-656/2. وابن حنبل،
أحمد : فضائل الصحابة، تحقيق : وصي اللّه محمد عباس، (بيروت : مؤسسة الرسالة، ط 1،
1983م) ج 280/1. والسيوطي، جلال الدين : الخصائص الكبرى، (بيروت : دار الكتب
العلمية، ط 1، 1985م) ج 223-219/1. والبيهقي، أحمد بن الحسين : دلائل النبوة
ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تخريج : عبد المعطي قلعجي، (بيروت : دار الكتب
العلمية، ط 1، 1985م) ص 221-215. وابن حبان : أبي حاتم البستي : السيرة النبوية
وأخبار الخلفاء، تحقيق : عزيز بك، (د. م : مؤسسة الكتب الثقافية، ط 1، 1991م) ص
89-86. والسهيلي : الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، ج 277-264/3.
وابن كثير : البداية والنهاية، ج 81-79/3. والغزالي، محمد : فقه السيرة، تحقيق :
محمد ناصر الدين الألباني، (القاهرة : دار الكتب الحديثة، ط 4، 1964م) ص 123-122.
(86) هيكل :
الصديق أبو بكر، ص 309-308. وانظر : هيكل : حياة محمد، ص 33-32.
(87)السهيلي
: الروض الأنف، مج 277/3.
(88)
جيورجيو، كونستانس : نظرة جديدة في سيرة رسول اللّه، تعريب : محمد التونجي، (د. م
: الدار العربية للموسوعات، ط 1، 1983م) ص 108.
(89) Montogomery Watt : Bellصs Introduction to the Qurصan, Edingburgh At the University Press, 1994, p. 37.
(90) خليفة،
محمد : الاستشراق والقرآن العظيم، ترجمة : مروان عبد الصبور شاهين، مراجعة : عبد
الصبور شاهين، (القاهرة : دار الاعتصام، ط 1، 1994م) ص 52، نقلاً عن ص 88، من : L ANE, E. W
Selections form the Qurصan with an interwoven Commentary, James Madison,
London, 1840.
إلا أن الباحث
لم يجد القصة في المصادر الإسلامية القديمة التي تتحدث عن إسلام لبيد، لذا تم
العزو فقط إلى المرجع الذي نقل منه الأستاذ محمد خليفة القصة. وأغلب المصادر التي
اطلع عليها الباحث لا تذكر شيئاً عن إسلامه، ولكن هناك شواهد تؤيد هذه القصة منها
ما عرف عن لبيد من معرفته للكتابة والقراءة وإجادته للشعر فقد كان من كبار
الشعراء، وكما تمت الإشارة إلى أنه كان من عادته أن يكتب أشعاره ولا سيما أثناء
المراسلات مع الشعراء الآخرين، وربما كانت القصيدة التي تمت الإشارة إليها من
المعلقات السبع المشهورة في التاريخ الجاهلي.
(91)
الكرماني : صحيح البخاري بشرح الكرماني، (بيروت : دار إحياء التراث العربي، ط 2،
1981م) ج 109/15 وما بعدها. والعسقلاني : فتح الباري، الحديث رقم : 3906، ج
239-238/7. وابن كثير، إسماعيل بن عمر : السيرة النبوية، تصحيح : أحمد عبد الشافي،
(بيروت : دار الكتب العلمية، د. ط. ت) ج 370/1. وحميد اللّه، محمد : مجموعة
الوثائق السياسية، ص 54. وابن هشام : السيرة النبوية، ج 490/1. والسهيلي : الروض
الأنف، ج 187/4. وابن فهد، نجم عمر : إتحاف الورى بأخبار أم القرى، تحقيق : فهيم
شلتوت، (القاهرة : مكتبة الخانجي، د. ط، 1983م) ج 370/1.
(92) صبيح :
بحث جديد عن القرآن الكريم، ص 68.
(93) صبيح :
بحث جديد عن القرآن الكريم، ص 167.
(94)
العسقلاني : فتح الباري، مج 22/9. والزركشي : البرهان في علوم القرآن، ج 241/1.
(95) سورة
الأعراف مكية إلا الآيات : 170-163. وسورة الأنعام مكية والآيات المدنية فيها :
20، 22، 91، 93، 114، 141، 151، 152. انظر : دروزة، محمد عزة : التفسير الحديث،
(د. م : دار إحياء الكتب العربية، د. ط، 1962م) ج 113/2، وج 145/4.
(96)
العسقلاني : فتح الباري، مج 518/8.
(97)
العسقلاني : فتح الباري، مج 13/9، وص 15.
(98) المرجع
السابق، مج 15/9. وانظر : أبو زهرة، محمد : المعجزة الكبرى، (د. م : دار الفكر
العربي، د. ط. ت) ص 28. والغزالي، محمد : نظرات في القرآن، (القاهرة : دار الكتب
الحديثة، ط 5، د. ت) ص 42.
(99) ابن
الجوزي، عبد الرحمن بن علي : فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن، تحقيق : رشيد عبد
الرحمن العبيدي، (بغداد : المجمع العلمي العراقي، د. ط، 1988م) ص 185-184.
(100) دروزة
: التفسير الحديث، ج 112/2.
(101) قال
الزركشي : "وقد حكى عن سعيد بن جبير أنه عد السبع الطوال : البقرة، وآل
عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، ويونس ـ مختلف فيها ـ". انظر : الزركشي
: البرهان، ج 244/1.
الفصل الخامس :
أدوات الكتابة ومصير القرآن المكي المكتوب
..................................................................................................................................
المبحث الأول :
مصير القرآن المكي المكتوب
المبحث الثاني
: أدوات الكتابة في العهد المكي
..................................................................................................................................
المبحث الأول :
مصير القرآن المكي المكتوب
أما وقد ثبت أن
كتابة القرآن المكي تمت في العهد المكي، فهنا يطرح سؤال نفسه وهو : ما مصير القرآن
المكي بعد هجرة النبي صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة ؟ أو بعبارة أخرى كيف تم نقل القرآن المكتوب من
مكة إلى المدينة رغم الظروف الأمنية الصعبة التي تمت فيها الهجرة النبوية ؟
وتصعب الإجابة
عن هذا السؤال إذا ما أخذنا بالفكرة الشائعة التي سيطرت على دراسات القدماء
والمحدثين في علوم القرآن، ولا سيما في موضوع جمع القرآن الكريم في العهد النبوي،
من أن القرآن الكريم وبدون تفرقة بين المكي منه والمدني قد كتب على وسائل بدائية
جداً من قطع الأحجار والعظام والأخشاب وجريد النخل ...الخ. وعليه سيكون للباحث مع
هذه الفكرة وقفة طويلة ـ في المبحث الثاني ـ محاولة منه لبيان نسبة الحقيقة فيها، مع بيان مصير القرآن المكي المكتوب، الذي يتوقف
إلى حد كبير على فهم هذه المقولة سلبا وإيجابا، والتي بسببها وقع بعض الباحثين في
حيرة من أمر القرآن المكي. فعلى سبيل المثال، الدكتور عبد المنعم النمر بعد ما
يؤكد أن كتابة القرآن بدأت منذ نزوله على الرسول
صلى الله عليه وسلم وبعد أن
يستشهد بقصة عبد الله بن أبي سرح في إثبات كتابة القرآن المكي في مكة يقول :
>ولم أجد فيما اطلعت عليه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم عني في هجرته
بحمل القرآن المكتوب معه. إذ كان أمراً في غاية الصعوبة لا سيما في الظروف الصعبة
التي تمت فيها الهجرة، حيث كان ذلك يستدعي
عدداً من الإبل لحمله، وما كان ذلك أمراً سهلا ولا متيسراً في هجرة كانت تعتمد
اعتماداً كلياً على السرية. وجمع الحجارة والعظام والجريد والجلود التي كتب عليها
القرآن وتحميلها على الإبل، كل ذلك يستدعي جواً من الأمان ومن الوقت حتى يتم. وما
كان هذا أو ذاك أمراً متوفراً. ولهذا نكاد نقطع بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحمل معه شيئاً مما كتب من القرآن، وكان
اعتماده الكلي على حفظه و حفظ صحابته المهاجرين معه لما نزل، وفي المدينة تولى
وتولوا تحفيظه لمن أسلم فيها. بجوار ما كان ينزل فيها...<(1).
فهناك تناقض
واضح في كلام الدكتور حيث يثبت في أول الأمر أن القرآن كان يكتب في مكة، ثم يدعي
أن المكتوب لم ينقل من مكة إلى المدينة من غير أن يبين مصير المكتوب، ثم يقول كان
اعتماد النبي صلى الله عليه وسلم الكلي على حفظه وحفظ من معه من المهاجرين، وفي
المدينة تولوا تحفيظه لمن أسلم فيها. فإنه لم يثبت على وجه القطع في السيرة أن
النبي قد قام هو ومن معه بتحفيظ ما نزل في مكة للأنصار في المدينة، وكذا لم يثبت
أن القرآن المكي المكتوب قد وقع في أيدي المشركين في مكة، ولو كان صحيفة واحدة مما
يدل على أنه قد أرسل إلى المدينة قبل ذلك بطريقة ما. هذا من جهة ومن جهة أخرى إذا ما سلِّمَ للدكتور ماذكره فهناك
سؤال يطرح نفسه وهو:متى تمت كتابة القرآن المكي في المدينة ؟ فهـل جـمع
النبـي صلى الله عليه وسلم الكـتبة فـي المدينـة وأمـرهم بكـتابة القـرآن
المكـي ؟ هـذا ما لم يقل به ولم ينقله أحد من مؤرخي السيرة ولم يأت خبر واحد ولو
كان ضعيفاً يدل على ذلك. فالمعروف أن النبي
صلى الله عليه وسلم لما توفي كان
القرآن كله ـ مكيه ومدنيه ـ مكتوباً، بَيدَ أنه كان في صحف مفرقة إلى أن جمعه أبو
بكر الصديق رضي الله عنه.
ويتضح مصير القرآن
المكي المكتوب فيما ذكره ابن قدامة المقدسي والحافظ ابن حجر العسقلاني وغيرهما من
حمل بعض الصحابة لأجزاء من القرآن المكي المكتوب إلى المدينة، قبل الهجرة النبوية.
يقول ابن قدامة
المقدسي في كتابه "الاستبصار" : >قال الأموي : إن رافع بن مالك(1) هو
الذي حمل المصحف من مكة المدينة(2). وهو لاشك كلام مجمل يحتمل معنى نقل القرآن
مكتوباً، ويحتمل معنى نقله محفوظاً(*).
وينقل لنا
تفضيل هذا الخبر ابن حجر العسقلاني في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة"
بقوله : روى الزبير بن بكار في أخبار المدينة(1) عن عمر بن حنظلة أن مسجد بني زريق
أول مسجد قرئ فيه القرآن، وأن رافع بن مالك لما لقي رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالعقبة أعطاه ما أنزل عليه في
العشر سنين التي خلت فقدم به رافع المدينة، ثم جمع قومه فقرأ عليهم في موضعه قال :
وعجب النبي صلى الله عليه وسلم من اعتدال قبلته ـ ربما الصحيح قلبه ـ(2).
ولا يمكن حمل هذا الكلام إلا على نقل المكتوب منه
لأنه معروف أن وقت بيعة العقبة كان قصيراً جداً، بحيث لا يتمكن فيه إنسان من حفظ
كل ما نزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في عشر سنوات مهما أوتي من قوة الذاكرة. والذي
ساعد رافع بن مالك رضي الله عنه من أن يجيد ويتقن قراءة كل ما أخذه من الرسول صلى الله عليه وسلم كونه من الذين اشتهروا بمعرفة القراءة
والكتابة منذ الجاهلية، وقد سبق أنه كان يعد من الكملة. وليس في كلام الحافظ هذا
ما يدل على أن رافع بن مالك كان قد ذهب إلى مكة وتعلَّم فيها ما نزل من القرآن في
السنوات العشر التي مضت من بعثة النبي صلى
الله عليه وسلم ، كما ذهب إليه الدكتور
أكرم ضياء العمري(3) مؤولاً كلام الحافظ العسقلاني في الإصابة.
ويتبين من
متابعة سيرة رافع بن مالك، أنه كان يتنقل بين مكة والمدينة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بين الحين والآخر، بل كان يجلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة أحياناً. فإضافة إلى ماسبق ذكره، يقال
: إنه أول من نقل عدة سور من القرآن المكي إلى المدينة، من ذلك ما حكاه ابن إسحاق
: >أن رافع بن مالك أول من قدم المدينة بسورة يوسف<(1). وما ذكره ابن الأثير
من : >أن رافع بن مالك كتب سورة طه وقدم بها المدينة قبل الهجرة<(2). وعليه
يحمل ما جاء تحت باب حمل الآيات من مكة إلى المدينة على نقل المكتوب، ففي أغلب
الأحيان يكون المقصود من حمل الآيات من مكان إلى آخر، سواء من مكة إلى المدينة أو
بالعكس، أو من المدينة إلى الحبشة هو نقل المكتوب منه وليس المحفوظ. مثل الآيات
الست من سورة آل عمران التي حملت من المدينة إلى الحبشة، والتي بعثها الرسول صلى الله عليه وسلم لجعفر ليقرأها على أهل الكتاب(3). وكذا سورة
مريم، وما حمل من مكة إلى المدينة مثل سورة الإخلاص، ومن المدينة إلى مكة مثل صدر
سورة براءة وآية الربا، وغيرها(4).
ولم يكن رافع
هو الوحيد الذي كان يتنقل بين مكة والمدينة، بل إن المراسلات بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المسلمين في المدينة كانت مستمرة، ولم
يكونوا يعتمدون في نقل الأخبار فيما بينهم على السماع والمشافهة ـ كما هو مشهور
بين الناس من أنهم كانوا يعتمدون في أغلب الأمور على السماع والمشافهة ـ فمع تلك
الظروف المعقدة كانت المراسلات بينهم تعتمد على الكتابة، فمثلا تذكر كتب السيرة أن
الأنصار لما أرادوا معلماً يفقهم في أمور الدين أرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا ولكنهم لم يكتفوا بذلك وإنما أرسلوا معه
كتاباً، ففي الطبقات الكبرى. "لما فشا الإسلام في دور الأنصار أرسلت الأنصار
رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكتبت إليه كتاباً. أن ابعث إلينا رجلا
يفقهنا في الدين ويقرئنا القرآن...<(5).
وكذلك كتاب
مصعب المشهور إلى النبي في الاستئذان لإقامة صلاة الجمعة: >... فكتب ـ مصعب ـ
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يستأذنه أن يجمع بهم، فأذن له وكتب إليه :
انظر من اليوم الذي يجهر فيه اليهود لسبتهم فإذا زالت الشمس فازدلف إلى الله
بركعتين واخطب فيهم،...<(6) وعليه فإن
المراسلات بين النبي صلى الله عليه
وسلم ، وبين المسلمين في المدينة كانت
مستمرة وذلك لما تتطلبه ظروف الدعوة الإسلامية في تلك الفترة الزمنية، حيث أصبح
للمسلمين شبه قاعدة وكوَّنوا مجتمعاً صغيراً فكانوا بحاجة إلى معـرفة مـا يسـتجد
من أمـور حـسب الـوحي النازل، فلا شك أن القيادة المتمثلة بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكة كانت تمد قاعدتها في المدينة بكل ما كان يستجد، وقد تبين
مما مضى أنهم كانوا يتوسلون بالكتابة في مراسلاتهم تلك. فكيف يتم الاهتمام بهذه
المسائل وتتم فيها الكتابة مع وجود صحابي يحمل تلك الرسائل التي إذا قارناها مع
القرآن الكريم فإنها لا تساوي شيئاً، وعليه فما نقل إلينا من أن فلاناً من الصحابة هو الذي حمل السورة الفلانية
إلى المدينة ونحوها من الأخبار، فإنما يحمل ذلك على نقل المكتوب لا المحفوظ. وقد ضربت
لذلك أمثلة كرافع بن مالك في حمله سورة يوسف، وسورة طه، بل والقرآن المكي كله، كما
نقله ابن حجر وابن قدامة المقدسي. ولا شك أنه مع هذه المراسلات كان يتم نقل ما
يستجد من أمور الـدين مـن خـلال القرآن النازل، وذلك بإرسال ما ينزل إليهم. ويجدر
بالذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أرسل مصعب بن عمير إلى المدينة لتعليم
أمور دينهم، وعملية التعليم تتطلب الأدوات والوسائل مثل الصحف ونحوه فلابد أنه كان
قد أخذ معه شيئاً من القرآن المكي المكتوب حتى يتمكن من القيام بمهمته كمقرئ أو
معلم. لأنه معلوم في كل زمان ومكان أن التعليم يحتاج إلى أدوات من صحف وأوراق
وأقلام وغير ذلك. وعليه يرى الباحث أن النبي
صلى الله عليه وسلم قد أرسل جزءاً
كبيراً من القرآن الكريم مع مصعب بن عمير وغيره من الذين بعثوا لتعليم الناس
القرآن وأمور الدين.
ولا يستبعد
والحالة هذه أن النبي صلى الله عليه
وسلم في هجرته قد حمل ما بقي من المكتوب
حيث كان معه ثلاثة من الجمال، والذي يقوي هذا ما سبق ذكره من قصة كتاب الأمان
لسراقة، حيث ثبت وبالخبر الصحيح أن النبي
صلى الله عليه وسلم قد حمل معه كل
أدوات الكتابة اللازمة لكتابة ما يحتمل نزوله من القرآن في أثناء الهجرة، فالذي
يحمل معه أدوات الكتابة في تلك اللحظة الحرجة الحساسة، لا يعقل بعد ذلك أن يترك أو
يهمل حمل المكتوب، أو يهمل الكتابة في مكة.
المبحث الثاني
: أدوات الكتابة في العهد المكي
المشهور عند
الناس أن القرآن إنما كتب على وسائل تعتبر بدائية إلى أقصى الحدود، وتكاد تتفق على
ذلك كلمة المؤرخين والباحثين، وبمجرد فتح أي كتاب نجد الباحث يبدأ حديثه بما اشتهر
وتناقله المؤرخون من أن القرآن كان قد كتب في العهد النبوي على العسب والأكتاف
واللخاف. فلا تكاد ترى واحداً منهم قد خرج أو حاول أن يبدأ كلامه بشيء آخر غير ذلك
إلا قلة نادرة من الباحثين، الذين حاولوا بيان مدى الصحة في إطلاق هذه المقولة
التي هي في نظر الباحث ليست وصفاً دقيقاً ولا علمياً عما كانت عليه أدوات كتابة
القرآن الكريم في العهد النبوي، ولا يعبر
عن كل الحقيقة. وقد أطلق الباحث عبارة المقولة الشائعة أو المشهورة وليس الحديث
الشائع أو المشهور، لأن هناك فرقاً واضحاً بين الحديث المشهور الصحيح وبين المقولة
التي اشتهرت عند من كتب في موضوع جمع القرآن الكريم. حيث اقتطعت من حديث زيد بن
ثابت الموجود في البخاري اقتطاعاً، وتم التركيز عليها من قبل المؤرخين والعلماء، وقد تم إهمال الجزء
الآخر من الحديث في أكثر الأحيان والذي يعتبر من الأهمية بمكان، ألا وهو كلمة
الرقاع والتي فسرها الحافظ ابن حجر بقوله قد تكون من جلد أو ورق أو كاغد، وكذا
لفظة الصحف التي وردت في الروايات الصحيحة للحديث. فكان الأولى وحسب تلك الرواية
الصحيحة والتي قدم فيها لفظة الصحف أن يقول الباحثون إن القرآن الكريم كان يكتب
على الصحف والرقاع ومن ثم يتم ذكر الأدوات الأخرى من أعساب ولخاف، الخ.
ومما يجعل
الباحث يعتقد، بل يجزم أن هذه الأدوات لا تمثل إلا جزءاً يسيراً من الأدوات التي
كتب عليها القرآن ما أخرجه الحاكم عن زيد بن ثابت نفسه ووصفه بأنه بسند صحيح على
شرط الشيخين وهو في مجال كتابة وتأليف القرآن الكريم في العهد النبوي جاء فيه :
>كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع<(1) وقد علق البيهقي على ذلك كما
جاء في الإتقان بقوله : >يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات
المفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي<(2)، أو جمع آيات السورة الواحدة،
أو جمع السور مرتبة في المصحف(1). ويصح أن يستفاد من الحديث أنه كان يكتب ماينزل
به الوحي في رقاع منفردة ثم تنقل هذه الرقاع إلى صحف معدة كالسجل فتلحق فصولها
ببعضها وفق ما كان يشير به النبي(2). وهذا هو القول الفصل والفيصل في محل النزاع،
حيث ورد هذا الحديث في مجال تأليف القرآن وكتابته. في حين أن قول زيد بن ثابت
:>فتتبعت القرآن أجمعه من الأعساب...الخ<. ورد في مجال تتبع القرآن وجمعه
وليس في مجال التأليف والترتيب والكتابة.
والذي يبدو من
سياق الأحداث أن هذه المقولة صدرت من زيد بن ثابت ليست على سبيل الحصر، وإنما ـ
والله أعلم ـ أنه ماأراد إلا بيان مدى صعوبة المهمة التي تم تكليفه بها من قبل
خليفة المسلمين أبي بكر رضي الله عنه، ودقة المنهج الذي تم اتباعه من قِبَلِهِم
بحيث إنهم لم يهملوا ولا قطعة حجر أو عظم
أو جريد نخل، وإنما تتبعوا كل شيء كتب عليه القرآن. أو أن ذلك جاء لوصف الحالة
وطبيعة العمل من أنهم تتبعوا حتى قطع الأحجار والعظام والأعساب التي تمت الكتابة
عليها من قبل بعض الصحابة بعمل فردي ليس له علاقة بمؤسسة كتاب الوحي التي كان يشرف
عليها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه. أو أن الآيات المنزلة كانت تكتب على
الصحف مباشرة إلا في الحالات القليلة التي لم تتيسر فيها الصحف فتكتب على الأكتاف
والعظام، أي في الحالات الضرورية. وعليه أريد بهذه المقولة بيان ووصف دقة المنهج
المتبع من قِبَلِ زيد واللجنة المكلفة بذلك من قِبَلِ الخليفة، وأنه كان من الدقة
بحيث لم يهملوا ولا قطعة حجر أو عظم كتب عليه القرآن لطارئ طرأ أو كتبه أحد
الصحابة لنفسه، أو كتب عليه القرآن فور نزوله. بدليل أنهم طلبوا من كل من عنده شيء
مكتوب أن يأتي به، وقد (قعد عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت على باب المسجد)(3) لتسلمه
من الناس بعد التثبت من صحة الكتابة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم والاستشهاد عليها من قِبَلِ شخصين. يقول دراز
: >ولهذه كان الرسول كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين أملاه من فوره على
كتبة الوحي ليدونوه على أي شيء في متناول أيديهم، مثل الورق أو الخشب أو قطع الجلد
أو صفائح الحجارة وكِسَرِ الأكتاف... الخ<(4).
أو كما يقول
دروزة في كلام طويل : >من المحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إذ يستدعي أحد كُتابِه لإملاء ما يكون نزل
عليه من وحي فوراً، أن لا يكون متيسراً
إلا شيء من هذه الوسائل البدائية، فيكتب الكاتب عليها ما يمليه النبي مؤقتاً ريثما
ينقله إلى مكانه من سجلات القرآن، مما عبر عنه زيد بن ثابت في الحديث : كنا نؤلف
القرآن في عهد رسول اللّه من الرقاع. ومن المحتمل كذلك أن أصحاب رسول الله من أهل
المدن أو البادية قد كانوا يكتبون بعض الفصول القرآنية التي يتلقونها عن النبي على
قطعة من تلك القطع للتبرك والحفظ والنقل، على اعتبار أنها أبقى على الزمن وأقل
تعرضاً للفناء والتمزيق على نحو ما اعتاد المسلمون أن يفعلوا من قديم الأجيال من
كتابة الألواح مع بعض التعديل. فلما دُعي
المسلمون إلى الإتيان بما عندهم من قرآن بقصد الاستيثاق والضبط والتحرير أتوا بهذه
القطع<(1). ويبدو أن المتعلمين كانوا يستعينون بهذه الألواح، لأغراض الكتابة
العاجلة بصورة عامة، ثم ينقلون ما فيها إلى الدفاتر(2). وكل ذلك لم يكن إلا من باب
الاحتياط، وإلا فقد كانوا يحفظونه حفظاً، وكان زيد بن ثابت نفسه من الحفظة،
والكتبة المعروفين. ومن الذين حضروا العرضة الأخيرة وكان ذلك من أحد وأقوى أسباب
اختياره للقيام بجمع القرآن الكريم في عهد الخليفة الأول(3). وكان يقرئ الناس بها
حتى توفي(4). وحتى قبل ذلك كان كل ما يكتب يوضع في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينسخ الكُتَّاب لأنفسهم نسخة منه(5).
أما لماذا طلب
من الآخرين تسليم كل ما عندهم من الصحف والأكتاف والأعساب إذا كان القرآن كله
مكتوباً وموجوداً بين أيديهم، فهو ما يجيب عنه الإمام الزركشي بكلام قيم يوضح
القصد من جمع مثل هذه الأدوات حيث يقول : >وإنما طلب القرآن متفرقاً ليعارض
بالمجتمع عند من بقي ممن جمع القرآن ليشترك الجميع في علم ما جمع فلا يغيب عن جمع
القرآن أحد عنده منه شيء، فلا يرتاب أحد فيما يودع المصحف، ولا يَشُكُّو في أنه
جُمِعَ عن ملأ منهم<(1). حتى الآية التي افتقدها زيد ولم يجدها إلا عند أبي
خزيمة، فالراجح في ذلك أنها كانت مكتوبة كما يقول الحافظ العسقلاني : >أن الذي
أَشَار إليه أن فقده، فَقْدَ وجودها مكتوبة، لا فَقْدَ وجودها محفوظة، بل كانت
محفوظة عنده وعند غيره<(2).
ولو لم تكن هذه
المقولة عامة شاملة لجميع مراحل كتابة القرآن لهان الأمر ولكن الذي يجعل الباحث
يتيقن ـ والله أعلم ـ من أن هذه العبارة إنما صدرت على سبيل المبالغة في وصف وبيان
مدى اهتمامهم بالقرآن الكريم ليس إلا، مجيئها بلفظ الإطلاق الذي يفيد أن القرآن
الكريم ـ وكما أصبح من الشائع ـ إنما كُتِبَ على الوسائل المذكورة تلك في جميع
المراحل مكيه ومدنيه.
فلا يعقل أن
النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة كانو لا مبالين إلى هذا الحد في
اهتمامهم بالقرآن الكريم بحيث يكتبون رسائلهم العادية في مناسبات كثيرة على الجلد
وربما الجلد الجيد، أو الرقاع(3)، ثم يأتون فيستخدمون الأحجار والعظام لكتابة أقدس
شيء في حياتهم وهو النص القرآني الكريم. ولا يعقل أنهم كانوا فقراء أو بدائيين إلى هذا الحد في معرفتهم.
وامتلاكهم لأدوات الكتابة، وقد تبين فيما سبق أن ما اشتهر على الألسنة من أمية أهل
مكة والمسلمين بصورة عامة لم يكن صحيحا، أو أن أدوات الكتابة كانت غير متوفرة إلا
تلك، فإنه قد ثبت وفي عصور متأخرة استخدام بعض الناس لتلك الوسائل البدائية نفسها،
كما ورد من >أن الشافعي ـ 204 هـ ـ كان يسجل الأحاديث النبوية على أكتاف الجمال
لما كان طالباً للحديث في صغره<(4).
حيث نقل الشافعي : >كنت أتَلَقَّطُ الخَزَفَ والدُّفُوفَ(5) وكَربَ النخل
وأكتاف الجمال، فأكتب فيها الحديث<(6). فهل يحق لأحد أن يقول أنه لم يوجد في
عصر الشافعي إلا هذه الأدوات البدائية والمتخلفة لذلك كتب الحديث عليها بناءً على
هذه الحادثة التي لا تمثل إلا حالة فردية ؟!. فالأولى حمل مثل هذه الأخبار على
حالات فردية وعلى الضرورة.
فمن الأدلة
التي تثبت أن الصحابة كانوا يمتلكون أدوات ووسائل أحسن مما اشتهر، وأنهم لم يكونوا
يكتفون في كتابة القرآن على تلك الوسائل التي حملها الباحث على حالات الضرورة، أو
الحالات الشخصية أو المبالغة في الدقة والتثبت، ما جاء من استخدامهم لأدوات أكثر
تطوراً ومتميزة بالرقة وقابلية الطي والنشر ونحو ذلك منها :
إن وجود
القراطيس والصحف ليس أمراً مستبعداً في العهد المكي، بعد أن جاء ذكرها مراراً في
القرآن الكريم في مخاطبته لمشركي قريش، فهناك آيات كثيرة من القرآن المكي تشير إلى
وسائل وأدوات الكتابة المتطورة من القلم والقراطيس والسجل والصحف والرق والكتاب...
الخ ومعلوم أن القرآن الكريم عندما كان يخاطب هؤلاء يخاطبهم بأسلوب يفهمونه ويضرب
لهم أمثلة من واقعهم ويحدثهم عن أشياء كانوا على علم ومعرفة بها. فمن تلك الآيات
قوله تعالى : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي ٍِقِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ
بِأَيْدِيهِمْ لَقَال الَّذِين كَفَرُوا إِنْ هَذاَ إلاَّ سِحْرٌٌ مُبِينٌ }(1)،
وقوله تعالى : { قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُـوسَى نُوراً
وَهُـدًى للِنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدوُنَهاَ وَتُخْفُونَ كَثيراً }(2).
وقوله : { فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ }(3)، وقوله : { إِنَّ
هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى }(4). وقوله : {
وَالطُّورِ وَ كِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقِّ مَنْشُور }(5).
يقول دروزة :
>ولعل في آية القيامة(6) قرينة على أن الصحف كانت تنشر وتطوى، وهو لا يمكن أن
يتصف به إلا وسائل الكتابة اللينة كالقماش وورق الحرير والرقوق الناعمة
المسواة...الخ. ولعل في آية سورة الأنبياء هذه { يَوْمَ نَطْوِي السَّماَءَ
كَطَيِّ السِّجِلِّ(1) لِلْكُتُبِ }(2) قرينة أو بالأحرى دليلاً على أن طي الورق
أو ما كان يقوم مقامه من وسائل الكتابة اللينة ليكون سجلاً للكتابة والتدوين كان
مألوفاً شائعاً. وهذا لا يكون إلا حيث تكون الكتب والقراطيس والوسائل اللينة
الأخرى<(3). وكان المجاورون للعرب على معرفة وعلم بأدوات الكتابة الجيدة، مثل
الروم وفارس ومصر وغيرهم ولا شك أن التجارة بين العرب وهؤلاء كانت جارية على قدم
وساق.
ومنها :
الرسائل التي كان يرسلها الرسول صلى الله
عليه وسلم إلى الملوك وغيرهم كانت تكتب
على الجلود أو ما رق من الوسائل. كما في قصة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى والتي ذكرها الإمام البخاري فقال :
>أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة
السهمي فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه
مزَّقَه، فحسبت أن ابن المسيب قال : فدعا عليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يُمَزَّقُوا كل ممزق<(4). فلم تكن تكتب
على الأحجار، وإنما كانت على أدوات قابلة للتمزيق وسهلة للحمل والنقل. وكذا كتابه
إلى بني حارثة بن عمرو بن قريظ، حيث رقع به دلوه(5).
ومن الأدلة
التي تثبت وبوضوح أن هذه المقولة لم يقصد بها الحصر، وأن الوسائل المذكورة لا تمثل
إلا جزءاً يسيراً من أدوات الكتابة، رسالة الصحابي حاطب بن أبي بلتعة إلى مشركي
قريش في مسألة مسير النبي صلى الله عليه
وسلم لفتح مكة(6). ففي صحيح البخاري :
>أن علياً قال : بعثني رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنا والزبير
والمقداد، فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة
خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها، قال : فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى
أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها : أخرجي الكتاب، قالت : ما معي كتاب.
فقلنا : لَتُخْرِجِنَّ الكتاب أو لَنلقينَّ الثياب. قال : فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من
المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول اللّه صلى
الله عليه وسلم ...<(1).
فلم يقل أحد
أنها كانت على قطعة عظم أو حجر أو جريد من نخل، بل بالعكس كانت من الدقة والإتقان
بحيث أخفتها المرأة بين شعرها بعد أن فتلت عليها قرونها. فلو أن صحابياً مثل حاطب
ابن أبي بلتعة، وقد عرف عنه أنه لم يكن من الطبقة الغنية يمتلك مثل هذه الوسائل
الدقيقة والجيدة، بحيث يكتب على شيء رقيق جداً سواء كان من جلد أو رق، بحيث تستطيع
المرأة إخفاءه بين شعرها، فهل يعقل أن النبي
صلى الله عليه وسلم وعنده أموال
كثيرة، وحوله صحابة أغنياء عرفوا بالإنفاق على أمور الدعوة، ولا سيما في المدينة
يستخدم لكتابة النص القرآني مثل تلك الوسائل البدائية ؟!.
ومنها الرسالة
المشهورة في السيرة التي سلمها الرسول صلى
الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش عندما
أرسله في مهمة خاصة. وملخص القصة : >أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي وثمانية
من المهاجرين، وكتب له كتاباً، وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه،
ولا يكره أحداً من أصحابه، ففعل، ولما فتح الكتاب وجد فيه...<(2). وكانت
الصحيفة من أديم خولاني نسبة إلى خولان من مخاليف اليمن أو إلى خولان بدمشق، وقد
كتبه أبي بن كعب(3).
ثم إنه كانت من
عادة العرب كتابة الأمور والأحداث المهمة على قطع من الجلود الفاخرة والرقاع ونوع
خاص من القماش، فقد كتبت صحيفة قريش وعلقت في الكعبة وغيرها، وقد قال زهير بن أبي
أمية المخزومي بعد أن طاف بالبيت وأقبل على الناس . >والله لا أقعد حتى تُشَقَّ
هذه الصحيفة القاطعة الظالمة... فقام المطعم بن عدي بن نوفل إلى الصحيفة ليشقها،
فوجد الأرضة قد أكلتها إلا ما كان باسمك اللهم، كانت تفتتح بها كتبها<(1). فهل
قال أحد إنها كانت مكتوبة على قطعة حجر أو عظم، لماذا مثل هذه الأمور تكتب على
الجلد أو ما رق من الأدوات بحيث يمكن شقها وتمزيقها بسهولة، وبحيث تأكلها الأرضة،
>والأرضة لا تحب أكل الأحجار والعظام كما يؤكده علماء الحيوان، وإن كانت تستطيب
صحف النبات والنسيج وغيرها<(2)، وتحصر النص القرآني على مثل هذه الوسائل.
ويضاف إلى كل
ما ذكر من أن القرآن الكريم كان يكتب على أدوات رقيقة من جلود وورق البردي وغير
ذلك، ما تذكره كتب الحديث النبوي من وجود عدة صحف للحديث النبوي الشريف كُتِبْنَ
بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مثل الصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن
العاص، و قد نقل الإمام أحمد محتواها في مسنده(3)، و صحيفة جابر بن عبد الله
الأنصاري، وغيرهما مما ذكر في كتب الحديث(4). فكيف تتم كتابة الحديث النبوي على
صحف ويكتب القرآن على أدوات أقل قيمة وأكثر خشونة من تلك!:
وفي حديث :
>لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، فمن كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه<
وإسناده صحيح(5). دلالة على أن عمليات الكتابة كانت جارية في مجلسه صلى الله عليه وسلم علي شكل واسع مما حدا به صلى الله عليه وسلم إلى نهيهم عن كتابة شيء غير القرآن. وهذا
يخالف ما يتشبث به بعضهم من أن عدد الذين كانوا يعرفون الكتابة من الصحابة كانوا
قلة قليلة، وأن حالة الكتابة كان ضعيفاً، وأن الأدوات لم تكن لتتوفر إلا بشق
الأنفس، لذا كتب على ما ذكر من الأدوات البدائية. فيدل الحديث أنهم كانوا يكتبون
بشكل ملفت للنظر، الأمر الذي انتبه له رسول الله
صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن
كتابة غير القرآن، وذلك محمول في الظاهر على الجمع بين القرآن وغيره في صحيفة
واحدة. وفي الحديث أيضاً إشارة إلى أن بعض الصحابة كان يكتب من تلقاء نفسه عملاً
فردياً. وإضافة لما ذكر كان النبي صلى
الله عليه وسلم يكتب للمسلمين الساكنين
خارج المدينة أمور الدين كأحكام الزكاة والديَّات والكبائر والطلاق وأحكام الصلاة
وغير ذلك، كما هو واضح من كتابه لعمرو بن حزم ـ ويقال إنه أطول وأجمع كتاب له ـ،
الذي استعمله على نجران في اليمن(1).
وينسب إلى
المحاسبي أنه قال في كتابه "فهم السنن"
: >كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه صلى
الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه
كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى آخر
مجتمعاً وكان بمثابة أوراق وجدت في بيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيها القرآن
منتشراً فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء. قال : فإن قيل : كيف وقعت
الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال ؟ قيل : لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز، ونظم
معروف، قد شاهدوا تلاوته من النبي صلى
الله عليه وسلم عشرين سنة، فكان تزوير ما
ليس منه مأموناً، وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه<(2).
فكيف يشد مثل
ذاك الزخم الهائل من تلك الوسائل المتباينة الأشكال والأجناس بعضها ببعض بخيط واحد
؟. يقول الأشقر : >لا يمكن أن نعقل قيام أبي بكر الصديق بشد الصحاف ببعضها بخيط
واحد بعد ثقبها أو بدونه، لا يمكن أن نعقل هذا إلا أن الأمر والفعل كان قد تم على
القراطيس والصحف والرقوق الناعمة المسواة التي يمكن جمعها إلى بعض وشدها بخيط بعد
ثقبها أو بدونه(1) . ويدل على ذلك ما يذكره ابن حجر : >وفي رواية عمار بن غزية
(قطع الأديم) وفي رواية أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد : والصحف<(2).
إضافة إلى كل
ما مضى، فإن القرآن المكي يمثل ثلثي القرآن الكريم، أو مايعادل 85 سورة، وعليه فلو
فرضنا أن القرآن المكي قد كتب كله أو أغلبه على تلك الوسائل البدائية من الأحجار
والخشب والعظام ـ وإن كانت رقيقة ـ فعليه يحتاج النبي صلى الله عليه وسلم في نقله للقرآن المكتوب من مكة إلى المدينة
لقافلة من الجمال لحملها، ولم يقل أحد أنه قد رافق النبي صلى الله عليه وسلم قافلة من الجمال تحمل القرآن المكتوب في
هجرته، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه
وسلم قد أرسل قافلة مثل تلك قبل الهجرة
ولا بعدها، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، لم يثبت في السيرة أن المشركين قد أخذوا
وصادروا ما تركه النبي صلى الله عليه
وسلم من القرآن المكي المكتوب بعد هجرته،
وقد سبق أن احتمال كتابة المكي في المدينة أمر مرفوض. فلابد والحالة هذه أن
الكتابة كانت تتم على قطع من القماش والجلود الرقيقة السهلة الحمل والقراطيس ـ
الورق البردي ـ، والرقاع ـ وفسره ابن حجر : بأنه قد يكون من جلد أو ورق أو كاغد ـ.
وعليه فإن
الباحث يرجح كون القرآن في عهد النبي صلى
الله عليه وسلم قد كتب على ما رق من
الأدوات نظراً لأهميته ومكانته عند المسلمين أو على الجلد الرقيق وذلك لشيوعه في
الجزيرة العربية، وكذلك على الورق الرقيق من البردي المصري لا سيما وقد عرفه العرب
منذ فترة مبكرة من تاريخهم نظراً للعلاقات التجارية التي كانت تربط مكة بما حولها
من البلاد، يقول زيد عمر مصطفى : >والعرب قد عرفوا البردي المصري منذ أيام الجاهلية(3)، وليس هناك من شك
أن عمرو بن العاص رآه فيما رأى من منتجات مصر، عندما كان يتاجر فيها قبل ظهور
الإسلام، كذلك كانت القراطيس المصنوعة من البردي معروفة للمسلمين قبل فتحهم لمصر.
فما المانع من أن يكون المسلمون قد حصلوا على الورق بطريقة أو أخرى لكتابة القرآن
الكريم، الذي هو أغلى وأعظم نص عرفوه، وأُمروا بالمحافظة عليه بخاصة أنهم
كانوا يهدفون من كتابته إلى جمعه بين
دفتين ؟! ونحن لا ننكر أن المسلمين لم يعرفوا صناعة الورق إلا في سنة 134هـ عندما انتقلت صناعته من الصين إلى سمرقند عن
طريق بعض الأسرى الصينيين، ولكن ليس في هذا دليل على نفي كتابته على ورق، لأننا لم
نقل إن الأوراق التي كتب عليها القرآن هي من جنس الأوراق التي أدخل الصينيون
صناعتها إلى بلاد المسلمين<(1).
يقول الجبوري :
>وقد عرف العرب منذ الجاهلية البردي باسم (القرطاس) وهي كلمة يونانية (CHARTES) ومعناها ما
يكتب فيه، ويقابلها في العربية ورقة وصحيفة، وجاءت كلمة القرطاس في شعر طرفة بن
العبد في معلقته يصف ناقته ويشبه خدها بالقرطاس الشامي :
وخَدٍّ كقرطاس
الشـآم ومشفرٍ كـسيـف اليـماني
حـدُّه لـم يـجـرد
ونسب القرطاس
إلى الشام لأنه كان منتشراً هناك، ويأخذه الروم من مصر<(2).
وقد ثبت فعلا
في بعض الأخبار وجود الورق واستخدامه في العهد النبوي وعهد أبي بكر وما بعده، أي
قبل التاريخ المعروف من ظهور الورق الصيني. يقول ابن حجر : >كذا وقع في رواية
شعيب (من الرقاع)، وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد<(3)، وقد جاء في الحديث بطوله
في رواية بتقديم الرقاع على بقية الأدوات وبإسناد صحيح(4)، ويقال إن رسالة
النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كانت في قرطاس(5). ويدل على أن
القراطيس كانت معروفة في عهد النبي صلى
الله عليه وسلم وكانت تستخدم في الكتابة
وكان الناس على معرفة بها، ماذكره ابن سعد من قول أم هلال : >مارأيت بطن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قط إلا وقد ذكرت القراطيس المثنية بعضها على
بعض<(6).
وكذا إن أبا
بكر لما أراد جمع القرآن كان بعضه مكتوباً في قراطيس(7) وقد جُمع القرآن في عهده
في القراطيس والورق كما ينقل ذلك الإمام السيوطي في الإتقان : >وفي موطأ ابن
وهب عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : جمع أبو بكر القرآن
في قراطيس... وفي مغازي موسى بن عقبة، عن ابن شهاب : فزع أبو بكر، وخاف أن يذهب من
القرآن طائفة، فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم، حتى جُمِعَ على عهد أبي بكر في
الورق<(1). ويدل لهذا أن مروان قد بعث إلى عبد الله بن عمر بإرسالها إليه بعدما
رجعوا من جنازة حفصة فمزقها(2). وفي السنن الكبرى : >عن ابن عباس قال : كانت
المصاحف لا تباع، كان الرجل يأتي بورقة عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقوم الرجل فيحتسب، فيكتب، ثم يقوم آخر،
فيكتب حتى يفرغ من المصحف<(3).
ويدل على وجود
نوع من الورق قبل ظهور الورق الصيني ما ينقله المؤرخون من كثرة المصاحف بين
المسلمين أثناء اندلاع القتال في صفين بين أصحاب علي ومعاوية، حيث يقال أن أصحاب
معاوية رفعوا خمسمائة مصحف(4). وقد رفعوها على رؤوس الرماح مما يدل على خفتها
وأنها كانت من ورق. وكان لمعاوية رضي الله عنه دفاتر فيها سير الملوك وأخبارهم
والحروب والمكايد، وكان له غلمان مرتبون قد وكلوا بحفظها وقراءتها، واعتاد أن يقعد
في مجلسه بعد أن ينام ثلث الليل فيقرؤون عليه ما فيها(5). وهناك من الأمثلة الكثير
الكثير. إلا أن في هذا كفاية وبيان، وأن ما يقوله البعض من أن المسلمين لم يعرفوا
الورق إلا في القرن الثاني غير صحيح(6)، ومحمول على الورق الصيني.
فالمسلمون قد
عرفوا الورق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه، وإن كان ذلك الورق يختلف عن الورق الحالي أو
الورق الصيني الذي دخل إلى العالم الإسلامي في وقت متأخر.
ناهيك عن
الجلود التي كانت من أدوات الكتابة منذ الجاهلية، وذلك أن صناعة الجلود التي تصلح
للكتابة كانت متوفرة في شبه الجزيرة العربية، إذ يروي أن صعدة، وصنعاء ونجران في
اليمن كانت من مراكز إنتاج الجلود المدبوغة المسماة بالأدم. واشتهر عمرو بن العاص
في الجاهلية بهذه التجارة ـ الأدم ـ(1) فقد تمت الإشارة إلى أمثلة كثيرة من ذلك،
تدل على كثرة الجلود وتوفرها في الجزيرة وكثرة استخدامها من قبل العرب والمسلمين.
وعليه فإن
القرآن الكريم كان يكتب في العهد النبوي مكِّيه ومدنيِّه على أدوات رقيقة سهلة
للحمل وقابلة للطي والتمزيق، سواء كانت من جلد رقيق فاخر أو قرطاس ـ الورق البردي
ـ وما نحوه. وأن ما جاء من قول زيد
بن ثابت
في ذلك، إنما هو في مجال التتبع والجمع ومن باب الاحتياط وليس في مجال الكتابة
والتأليف.
(1) النمر،
عبد المنعم : علوم القرآن الكريم، بيروت، دار الكتاب اللبناني، ط 2، 1983م، ص
155-154.
(2) رافع بن
مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الأنصاري الزرقي شهد العقبة، وكان أحد
النقباء قال سعد بن عبد الحميد بن جعفر : كان أول من أسلم من الخزرج، وكان من
الكملة، والكامل هو الذي يحسن الكتابة والعوم والرمي، انظر : ابن سعد : الطبقات
الكبرى، ج 3/622-621.
(3) المقدسي،
ابن قدامة عبد الله : الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار، تحقيق : علي نويهض، د.
م : دار الفكر، د. ط. ت.، ص 174.
(4) لا معنى
لهذا الاحتمال لأن نقل المصحف محفوظاً لم يقتصر على رافع بن مالك (المراجع).
(5) وهو
الإمام الحافظ النسابة قاضي مكة أبو عبد الله بن أبي بكر القرشي الأسدي المكي، حدث
عن سفيان بن عيينة وأبي ضمرة أنس بن عياض والنضر بن شميل وعبد الله بن نافع الصائغ
وخلق كثير. قال الدارقطني : ثقة وقال الخطيب : كان ثقة ثبتاً عالماً بالنسب وأخبار
المتقدمين. وقال البغوي : كان عالماً، ثبتاً، ثقة. مات الزبير في ذي القعدة سنة ست
وخمسين ومائتين رحمه الله تعالى). انظر : الذهبي، محمد بن أحمد : تذكرة الحفاظ، د.
م. دار الفكر العربي، د. ط. ت، ج 1/528. والذهبي، محمد بن أحمد : سير أعلام
النبلاء، تخريج الأحداديث : شعيب الأرنؤوط، تحقيق : صالح السمر، بيروت، مؤسسة
الرسالة، ط 2، 1984م، ج 12/315-311. والسخاوي، شمس الدين : التحفة اللطيفة في
تاريخ المدينة الشريفة، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1993م، ج 1/353-352. ومما
يؤسف له أن كتاب أخبار المدينة من الكتب المفقودة في الوقت الحاضر.
(6)
العسقلاني : الإصابة، ج 2/444.
(7) العمري،
أكرم ضياء : عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق مناهج
المحدثين، الرياض، مكتبة العبيكان، ط 1، 1996م، ص 290.
(8)
العسقلاني : الإصابة، ج 2/444.
(9) ابن
الأثير : أسد الغابة، ج 2/198.
(10)
الفيروزآبادي : بصائر ذوي التمييز، ج 1/105.
(11) السيوطي
: الإتقان، ج 1/18.
(12) ابن سعد
: الطبقات الكبرى، ج 3/118.
(13) المرجع
السابق، ج 3/118.
(14) الحاكم،
أبو عبد الله محمد النيسابوري : المستدرك على الصحيحين في الحديث، بيروت، دار
الفكر، د. ط، 1978م، ج 2/229.
(15) السيوطي
: الإتقان في علوم القرآن، ص 164.
(16)
العسقلاني : فتح الباري، مج 9/39.
(17) دروزة :
القرآن المجيد، ص 64.
(18)
السجـستاني : كـتاب المصـاحف، مـج 1/169. وأورده ابن حـجر وقـال : رجـاله ثقـات مع
انقطاعه. انظر :العسقلاني : فتح الباري، ج 9/14.
(19) دراز :
مدخل إلى القرآن الكريم، ص 34.
(20) دروزة :
القرآن المجيد، ص 80-79.
(21) أبو
جبلة، عامر جاد الله موسى : تاريخ التربية والتعليم في صدر الإسلام، الجامعة الأردنية،
كلية الآداب، رسالة أعدت لنيل درجة الماجستير في التاريخ، 1987م، ص 216.
(22) ربيع،
يحيى محمد علي : الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف، المنصورة، دار الوفاء، ط 1،
1994م، ص 206.
(23) السيوطي
: الإتقان في علوم القرآن، ج 1/142.
(24) الصالح
: مباحث في علوم القرآن، ص 74-73. وطعيمة : هذا القرآن، ص 53. والخضري بك، محمد :
تاريخ التشريع الإسلامي، بيروت، دار الفكر العربي، ط 1، 1992م، ص 17. وخليف، يوسف
: دراسات في القرآن والحديث، القاهرة : مكتبة غريب، د. ط. ت، ص 44. وسرحان، عبد
الحميد إبراهيم : الوحي والقرآن، د. م. الهيئة المصرية العامة للكتاب، د. ط.،
1993م، ص 151. وعبيدات : دراسات في علوم القرآن، ص 124. والسعيد، لبيب : الجمع
الصوتي الأول للقرآن، القاهرة، دار المعارف، ط 2، د. ت.، ص 33.
(25) الزركشي
: البرهان في علوم القرآن، ج 1/239-238.
(26)
العسقلاني : فتح الباري، ج 8/518.
(27) مثل
رسالته صلى الله عليه وسلم للملوك والصحابة ومنهم إليه.
(28) أبو
جبلة : تاريخ التربية والتعليم في صدر الإسلام، ص 219. والكتاني : التراتيب
الإدارية، ج 1/243.
(29) الخزف :
الآجر وكل ما عمل من طين وشوى حتى يكون فخاراً. والدفوف : الجلود التي يعمل منها
الطبل.
(30) الحموي،
ياقوت : معجم الأدباء، بيروت، دار الفكر، ط 3، 1980م، ج 17/284.
(31) سورة
الأنعام، الآية 7.
(32) سورة
الأنعام، الآية 91.
(33) سورة
عبس، الآيتان 14-13.
(34) سورة
الأعلى، الآيتان 19-18.
(35) سورة
الطور، الآيات 3-1.
(36) وهي
قوله تعالى : { بل يريد كل امرئٍ منهم أن يؤتى صحفاً منشرة } سورة المدثر، الآية
52.
(37) والسجل
: ما يكتب فيه من قرطاس وغيره، والأصل فيه الحجر الذي يكتب فيه، انظر : الأبياري،
إبراهيم : الموسوعة القرآنية الميسرة، المعجم القرآني، القاهرة، مؤسسة سجل العرب،
د. ط.، 1974م، ج 3/157.
(38) سورة
الأنبياء، الآية 104.
(39) دروزة :
القرآن المجيد، ص 78-77.
(40)
الكرماني : صحيح البخاري بشرح الكرماني، ج 16/232-231. وانظر : ابن سعد : الطبقات
الكبرى، ج 1/260. والسيوطي : الخصائص الكبرى، ج 2/18-14. والفاكهي، محمد بن إسحاق
: أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، تحقيق عبد الملك عبد الله دهيش، بيروت، دار
خضر، ط 2، 1414هـ، ج 5/224.
(41)
المقريزي، أحمد بن علي : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأنباء والأموال والحفدة
والمتاع، تحقيق محمد عبد الحميد النميسي، القاهرة، دار الأنصار، ط 1، 1981م، ج
1/441. وانظر ابن سعد : الطبقات الكبرى، ج 1/280.
(42) انظر
تفاصيل القصة في الطبري : تاريخ الطبري، ج 2/155. والطبري : جامع البيان في تأويل
آي القرآن، ج 28/59. وابن كثير : البداية والنهاية، ج 4/283. وابن كثير : تفسير
القرآن العظيم، ج 4/347. والقرطبي : الجامع لأحكام القرآن، ج 18/51. والعسقلاني :
الإصابة، ج 2/4، ج 8/21. وابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي : زاد المسير في علم
التفسير، بيروت، المكتب الإسلامي، ط 3، 1404هـ، ج 8/231. وابن هشام : السيرة
النبوية، ج 2/398.
(43)
الكرماني : صحيح البخاري بشرح الكرماني، ج 16/127-126.
(44) ابن
كثير : الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
، تحقيق محمد العيد الخطراوي ومحيي الدين مستو، بيروت، دمشق، دار ابن كثير،
ط 4، 1985، ص 125. وانظر : ابن الأثير : الكامل في التاريخ، مج 2/114-113. وابن
حزم، علي بن محمد : جوامع السيرة النبوية، مصر، دار الجيل، د. ط.، 1982م، ص 79.
والذهبي : تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام، مج 1/30-29. وابن هشام :
السيرة النبوية، ج 1/602-601.
(45)
الـواقدي، محـمد بـن عمـر : كتـاب المغازي، تحقيق مارسدن جونس، بيروت، عالم الكتب،
ط 3، 1984م، ج 1/14-13.
(46) ابن
الأثير : الكامل في التاريخ، مج 2/89. وانظر المقريزي : إمتاع الأسماع بما للنبي
من الأنباء والأموال والحفدة والمتاع، ج 1/48. وابن هشام : السيرة النبوية، ج
1/374. ومحمد حميد الله : مجموعة الوثائق السياسية، ص 45-44.
(47) صبيح :
-بحث جديد عن القرآن الكريم، ص 73.
(48) ابن
حنبل، أحمد : مسند الإمام أحمد بن حنبل، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ط. ت.، مج
2/226-158.
(49) انظر :
الخطيب، محمد عجاج : السنة قبل التدوين، ص 351-344. والعمري، أكرم ضياء : بحوث في
تاريخ السنة النبوية المشرفة، المدينة المنورة، مكتبة العلوم والحكم، ط 4، 1984م،
ص 229-228. والأعظمي : دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، الباب الرابع.
والقطان : تاريخ التشريع الإسلامي، ص 107. وأبو جبلة : تاريخ التربية والتعليم في
صدر الإسلام، ص 231. وعبد الخالق، عبد الغني : حجية السنة، د. م. الدار العالمية
للكتاب الإسلامي، ط 1، 1986، ص 430، وما بعدها. والصويان، أحمد عبد الرحمن : صحائف
الصحابة وتدوين السنة النبوية المشرفة، د. م : د. ن.، ط 1، 1990م، ص 91-57.
(50)
السجستاني : كتاب المصاحف، مج 1/161-160.
(51) الكتاني
: التراتيب الإدارية، ج 1/168.
(52) الزركشي
: البرهان في علوم القرآن الكريم، ج 1/238. والسيوطي، جلال الدين : الإتقان في
علوم القرآن، ج 1/168. إلا أن هذا الكلام لم يوثق وكل من يستدل به إنما ينقله عن
الزركشي، ولم يقم أحد بتوثيقه حتى محقق كتاب البرهان قام بترجمة المحاسبي فحسب،
ولم يجد الباحث هذا الكتاب بعد البحث. انظر مثلاً : الزرقاني : مناهل العرفان، ج
1/180. والصالح : مباحث في علوم القرآن، ص 74. والنبهان، محمد فاروق : مقدمة في
الدراسات القرآنية، المملكة المغربية، وزارة الأوقاف، د. ط.، 1995م، ص 152.
والزنجاني، أبو عبد الله : تاريخ القرآن، ص 51. وعمر، إبراهيم علي : القرآن الكريم
تاريخه وآدابه، الكويت، مكتبة الفلاح، ط 1، 1984م، ص 43.
(53) الأشيقر
: لمحات من تاريخ القرآن، ص 127.
(54)
العسقلاني : الإصابة، ج 9/14.
(55) وانظر :
العمري : عصر الخلافة الراشدة، ص 103.
(56) مصطفى،
زيد عمر : أضواء على سلامة المصحف الشريف من النقص والتحريف، الرياض، مركز البحوث
التربوية بكلية الآداب، جامعة الملك سعود، د. ط، 1994م، ص 52-51. نقلاً عن : أنور
عبد الواحد : قصة الورق، ص 32. وانظر : أبو جبلة : تاريخ التربية والتعليم في صدر
الإسلام، ص 226.
(57) الجبوري
: الخط والكتابة في الحضارة العربية، ص 266.
(58)
العسقلاني : الإصابة، ج 9/14. السيوطي : الإتقان، ج 1/168.
(59)
السجستاني : كتاب المصاحف، مج 1/174.
(60) الكتاني
: التراتيب الإدارية، ج 1/158.
(61) ابن سعد
: الطبقات الكبرى، ج 1/419.
(62) العمري
: عصر الخلافة الراشدة، ص 301.
(63)
السجستاني : كتاب المصاحف، مج 1/178. والعسقلاني : فتح الباري، مج 9/16. والسيوطي
: الإتقان، ج 1/169.
(64) أبو
شامة، عبد الرحمن المقدسي : كتاب المرشد الوجيز، تحقيق طيار آلتي قولاج، بيروت،
دار صادر، د. ط، 1975م، ص 52.
(65)
البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي : السنن الكبرى، د. م، دار الفكر، د. ط.
ت.، ج 6/16.
(66) الطبري
: تاريخ الطبري، ج 3/110-101.
(67)
المسعودي، علي بن الحسين : مروج الذهب ومعادن الجوهر، بيروت، دارالكتاب اللبناني،
ط 1، 1982م، مج 2، ج 3/28.
(68) انظر
مثلاً : الزفزاف، محمد : التعريف بالقرآن والسنة، الكويت، مكتبة الفلاح، ط 4،
1984م، ص 94-93. وأبو العينين، بدران : دراسات حول القرآن، الإسكندرية، مؤسسة شباب
الجامعة، د. ط. ت، ص 65.
(69) انظر :
أبو جبلة : تاريخ التربية والتعليم في صدر الإسلام، ص 220. وما بعدها لمزيد من
التفاصيل. وانظر : علي : المفصل، ج 7/293.
الخاتمة
يختم الباحث
دراسته بتسجيل النتائج الآتية التي توصل إليها وبتقديم توصياته ومقترحاته المتعلقة
بالموضوع :
النتائج
1. ما ذهب
إليه الإخباريون العرب من أن الخط العربي توقيفي محاولة منهم إضفاء نوع من القدسية
على الخط العربي أو حروفه لم يستند إلى أسس علمية أو أخبار صحيحة، و ما ورد في ذلك
من أخبار جلها إن لم نقل كلها موضوع أو ضعيف. والكتابة العربية المعروفة اليوم
إنما اشتقت من الكتابة النبطية والتي انحدرت بدورها من الكتابة الآرامية المتطورة
عن الكتابة الفينيقية، ومع ذلك فهذا لا ينفي احتمال استخدام العرب قبله لأقلام
أخرى كالقلم الحميري أو المسند.
2. استناد
كثير من المؤرخين والباحثين ولا سيما المعاصرين في إلصاق صفة الجهل بالقراءة
والكتابة بالعرب في ردودهم على المستشرقين القائلين بمعرفة العرب لهما على لفظ
(الأمي) و(الأميين) في القرآن الكريم ولفظة (أمية) في الحديث النبوي المشهور،
استناد يرده السياق الواضح لتلك الآيات القرآنية. والحديث محمول على نفي نوع خاص
من الكتابة والحساب وهو نفي افتقار العرب في معرفة عباداتهم إلى كتابة وحساب، وليس
النفي العام للكتابة. وحمل الحديث على النفي العام يعارض أحاديث أخرى صحيحة
وصريحة.
3. ماذكره
المؤرخون كالبلاذري والقلقشندي وغيرهم من أن الإسلام دخل مكة وفيها بضعة عشر رجلا
يكتبون لم يكن وصفاً دقيقاً ولا علمياً لما كانت عليه حالة الكتابة في مكة، ولم
يكن مبنياً على الجرد والاستقصاء، ولا سيما أنها كانت ذات مركز تجاري مزدهر وديني
مرموق.
4. ما
ادَّعاه بعض المؤرخين أمثال ابن قتيبة
الدينوري وبعض المعاصرين من أن الصحابة عليهم الرضوان لم يكن يعرف منهم الكتابة
والقراءة إلا الواحد أو الاثنان ولا سيما في المدينة، كلام غير صحيح ومناقض تماماً
لما كان عليه حال الصحابة من معرفة العديد منهم للكتابة ولا سيما بعد غزوة بدر،
ولما ثبت من أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان له من الكتبة قرابة الأربعين.
5. أن العرب
قد استخدموا الكتابة لأغراض عدة وإن كانت النسبة في ذلك متفاوتة بحيث يقف في القمة
المراسلات بأنواعها المختلفة، ومن ثم كتابة العهود والمواثيق والحقوق ويقف في
الأخير كتابة الشعر.
6. أن القرآن
قد جمع في عهد النبي صلى الله عليه
وسلم كتابة كما جمع حفظاً، وأن الاعتماد في حفظ القرآن الكريم
كان على الوسيلتين معاً على السواء من قِبَلِ النبي صلى الله عليه وسلم . وما تواتر في الكتب من أن الكتابة كانت شيئاً
ثانوياً، أمر يفتقر إلى برهان، فقد ثبت أن زيد بن ثابت ومن كُلِّفَ معه للقيام
بجمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق لم يقبلوا من أحد شيئاً إلا جاء به مكتوباً،
حتى الآية التي فقدها زيد ثم وجدها مع أبي خزيمة لم يكن المقصود بفقدها حفظاً بل
فقدها كتابةً.
7. أن ما
اشتهر من أن القرآن الكريم كان يكتب على أدوات خشنة مثل الأحجار والأكتاف وجريد
النخل لا يمثل كل الحقيقة. وإنما يمثل جزءاً من حقيقة الأدوات التي كتب عليها
القرآن الكريم. وما جاء في البخاري على لسان زيد بن ثابت (فتتبعت القرآن أجمعه من
الأعساب...الخ) إنما جاء في مجال تتبع
القرآن وجمعه في عهد الصديق. وذلك لإشهاد وإشراك كل من عنده شيء ولو كان مكتوباً على قطعة عظم أو حجر أو نحوه، ويحمل على
صعوبة ودقة المنهج المتبع من قبل اللجنة بريادة زيد وحرصهم على ألا يتركوا شيئاً
كتب عليه القرآن ولو قطعة حجر أو عظم كتب عليه القرآن لطارئ طرأ أو كتبه صحابي
لنفسه بحالة فردية بعيداً عن مؤسسة كُتَّاب الوحي التي كان يشرف عليها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، ولم يصدر ذلك منه في مجال التأليف
والجمع في العهد النبوي، حيث ثبت عنه في مجال التأليف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قوله : >كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع< والرقاع كما فسرها
العلماء جمع رقعة وهي إما من جلد أو ورق أو كاغد.
8. إن
المسلمين قد استخدموا نوعاً من الورق ولاسيما الورق البردي المصري وقد جاء ذكره في
الشعر الجاهلي، وأن ما يذكر من عدم معرفة المسلمين للورق إلا في القرن الثاني
الهجري محمول على الورق الذي أدخله الصينيون إلى العالم الإسلامي.
9. لم يكن
المسلمون ليفرطوا في أمر القرآن المكي بحيث يأتي في عصر من العصور من يدعي أن
مفهوم القرآن كان حاضراً في أذهان المسلمين المكيين ليس إلا، وعليه فقد توصلت
الدراسة إلى أن القرآن المكي مثله مثل القرآن الذي نزل في المدينة قد كتب كله، وأن
النبي صلى الله عليه وسلم كان له
في مكة عدد من الكتبة إلى درجة أن الباحثين اختلفوا في تحديد أسبقهم كتابة
للنبي صلى الله عليه وسلم . والأدلة متضافرة على أن المكي كله قد كتب من
خلال الآيات المكية التي تلمح أحياناً وتصرح أحيانا أخرى بذلك، إضافة إلى أدلة
أخرى كثيرة حوتها بطون كتب التراث تدل بوضوح
على أن كتابة القرآن الكريم كانت تسير متوازية مع الحفظ بعد نزول الآية أو الآيات
غير متخلفة، تنضاف إليها أدلة عقلية عدة.
فما ذهب إليه بعض الباحثين من أن الظروف الأمنية الحرجة بسبب الملاحقة المستمرة
حالت دون إمكان كتابة القرآن الكريم في مكة، لم يكن مستندا إلى أدلة بل هو مجرد
تكهنات غير مؤسسة على قواعد علمية. والأدلة قائمة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصطحب معه أدوات الكتابة ولم يهمل الكتابة
في فترة من الفترات، بل وفي ظروف أشد حرجاً، كما كان الحال في هجرته حيث جلب معه
ما يحتاج إليه من أدوات الكتابة إضافة إلى أن مُرافِقَيْه كانا من الكتبة.
01. القرآن
المكي المكتوب كان يتم ابتعاثه من القيادة المتمثلة في النبي صلى الله عليه وسلم في مكة عن طريق الصحابة الذين كانوا ينتقلون
بين مكة والمدينة من الأنصار، أمثال : رافع بن مالك ومصعب معلم القرآن وغيرهما،
إلى المسلمين في المدينة الذين كانوا يسيرون على خطى النبي صلى الله عليه وسلم و ما كان يرسمه القرآن النازل. وعليه فإن الرسول
صلى الله عليه وسلم كان يبلغهم
الآيات النازلة التي تحمل أموراً جديدة متعلقة بالدين باستمرار.
11. إن بعض
المؤرخين المسلمين كثيراً ما يطلقون الأحكام العامة بناء على وقائع جزئية، وكثيراً
ما أدى عدم دقتهم في ذلك وفي نقل الروايات إلى خلق فجوات وترك ثغرات استغلها
المستشرقون ومن لف لفهم بإثارة الشبهات، بحيث تمس صلب عقيدة الإسلام والقرآن
الكريم وشخص النبي الكريم صلى الله عليه
وسلم . ويظهر التناقض واضحاً في أقوال
كثير منهم حيث يدعي أحدهم في موضع قولاً ثم يناقض نفسه في مواضع أخرى بما يخالفه
تمام المخالفة. يضاف إلى ذلك عدم موضوعية المستشرقين ودقتهم وفرضيتهم فيما يتعلق
بالإسلاميات.
التوصيات
والمقترحات
لقد ظهر للباحث
في أثناء الدراسة والبحث أن هناك جزئيات ذات صلة قوية بموضوع إثبات سلامة النص
القرآني من التحريف والتبديل تحتاج إلى دراسة جادة، وبما أن البحث قد التزم بحدود
البحث المرسومة له، وهي مسألة كتابة القرآن في العهد المكي، فإن الباحث يرى ضرورة
دراسة هذه الجزئيات منها :
موضوع تحت
عنوان : "عبد الله بن أبي السرح ودعوى تحريف النص القرآني" حيث يحاول
بعض المستشرقين أمثال بلاشير وكولد زيهر استغلال ما نقله بعض المفسرين من تلاعبه
بالنص القرآني، وتغييره الكلمات القرآنية حينما كان يكتب الوحي في مكة حسب مزاجه
ويعلم من النبي صلى الله عليه وسلم دون التبيين لمدى صحة ذلك. تأتي أهمية هذه
الدراسة من كون المُوْمَأ إليه من أوائل الذين كتبوا القرآن في مكة.
ومنها : أن تتم
كتابة بحث تحت عنوان "دواعي اختيار زيد بن ثابت لجمع القرآن" في عهد أبي
بكر وعثمان، وذلك لوجود من هو أقدم منه كتابة وصحبة للنبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما. والتطرق
إلى أهم الشبهات المثارة في هذا الجانب من
قبل المستشرقين في الأسباب التي أدت إلى اختياره، حيث إن الدراسات التي
أجريت في هذا المجال لم تكن شاملة.
المصادر
والمراجع
- الإبراهيم،
موسى إبراهيم : بحوث منهجية في علوم القرآن الكريم، الأردن : دار عمار، ط 2، 1996م.
- أبو
العينين، بدران : دراسات حول القرآن، الإسكندرية : مؤسسة شباب الجامعة، (د.ط.ت).
- أبو
الفتوح، محمد حسين : ابن خلدون ورسم المصحف العثماني، بيروت : مكتبة لبنان، ط1 ،
1992م.
- أبو الفضل،
مير محمدي : بحوث في تاريخ القرآن وعلومه، بيروت : دار التعارف، (د. ط)، 1980م.
- أبو جبلة،
عامر جاد الله موسى: تاريخ التربية والتعليم في صدر الإسلام، الجامعة الأردنية،
كلية الآداب، رسالة أعدت ليل درجة الماجستير في التاريخ، 1987م.
- أبو زهرة،
محمد : المعجزة الكبرى القرآن، (د، م)، دار الفكر العربي، (د، ط، ت).
- أبو
سليمان، صابر محمد : روائع البيان في علوم القرآن، (د، م)، المكتب الإسلامي، ط. 1،
1988م.
- أبو شهبة،
محمد : المدخل لدراسة القرآن الكريم، الرياض، دار اللواء، ط. 3، 1987م.
- أحمد،
امتياز : دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث، ترجمة : عبد المعطي أمين قلعجي،
القاهرة : دار الوفاء، ط 1، 1990م.
- الأسد،
ناصر الدين : مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، بيروت : دار الجيل، ط 7،
1988م.
- الأشيقر،
محمد علي : لمحات من تاريخ القران، بيروت:
مؤسسة الأعلمي، ط 2، 1988م.
- الأصبهاني،
الحسين بن علي: كتاب الأغاني، (د.م) : مؤسسة جمال، مصورة عن طبعة دار الكتب،
(د.ت).
- الأعظمي،
محمد مصطفى : دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، الرياض: شركة الطباعة
العربية المحدودة، ط 3، 1981م.
- : كتاب
النبي، بيروت : المكتب الإسلامي، ط 2، 1987م.
- الآلوسي،
شهاب الدين محمود : روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، بيروت :
دار إحياء التراث العربي، ط 4، 1985م.
- الأنصاري،
محمد بن علي : كُتَّاب النبي الأمي ورُسُلُه إلى ملوك الأرض من عرب وعجمي، حيدر
آباد : دائرة المعارف العثمانية، ط1 ،1976 م.
- ابن
الأثير، عز الدين أبي الحسن : أُسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق : محمد إبراهيم
البنا ومحمد أحمد عاشور، (د.م) : دار الشعب، (د. ط. ت).
- : الكامل
في التاريخ، بيروت : دار صادر، (د، ط)، 1979م.
- ابن
الجوزي، عبد الرحمن بن علي : زاد المسير في علم التفسير، بيروت: المكتب الإسلامي،
ط 3، 1984م.
- : فنون
الأفنان في عجائب علوم القرآن، تحقيق : رشيد عبد الرحمن العبيدي، بغداد: المجمع
العلمي العراقي، (د.ط)، 1988م.
- ابن
الدّيبع، ابن عمر: تمييز الطيب من الخبيث، تحقيق : محمد عثمان الخشت، مصر : مكتبة
ابن سينا، (د.ط)، 1989م.
- ابن
العربي، محمد بن عبد اللّه : أحكام القرآن، تحقيق : على محمد البجاوي، بيروت : دار
المعرفة، (د. ط. ت).
- ابن القيم،
محمد بن أبي بكر : زاد المعاد في هدي خير العباد، تحقيق : شعيب الأرنؤوط وعبد
القادر الأرنؤوط، (د.م) : مؤسسة الرسالة، ط14 ، 1986م.
- ابن
النـديم، محـمد بن إسـحاق : الفهـرست، تحقـيق : رضـا، (د.م) : دار المـسيرة، ط 3،
1988م.
- ابن حبان،
أبو حاتم : السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، تحقيق : عزيز بك، (د. م) : مؤسسة الكتب
الثقافية، ط 1،1991م.
- ابن حبيب،
أبو جعفر محمد : كتاب المحبر، تصحيح : إيلزة ليختن شتيتر، بيروت : دار الآفاق الجديدة،
نسخة المتحف البريطاني نمرة 2807، (د. ت).
- ابن حزم،
علي بن أحمد : جوامع السيرة النبوية، مصر : دار الجيل، (د.ط)، 1982م.
- ابن حنبل،
أحمد : فضائل الصحابة، تحقيق : وصي اللّه محمد عباس، بيروت : مؤسسة الرسالة، ط 1،
1983م.
-: مرويات
الإمام أحمد بن حنبل في التفسير، جمع وتخريج : أحمد أحمد البزرة ومحمد بن رزق بن
الطرهوني وحكمت بشير ياسين، السعودية : مكتبة المؤيد، ط 1، 1994م.
- مسند
الإمام أحمد بن حنبل، بيروت : دار الكتب العلمية، (د.ط.ت).
- ابن خلدون،
عبد الرحمن : مقدمة ابن خلدون، تحقيق : علي عبد الواحد وافي، القاهرة : دار نهضة
مصر، (د.ط.ت).
- ابن سعد،
محمد منيع : الطبقات الكبرى، بيروت : دار بيروت، و دار صادر، (د.ط)، 1957م.
- ابن سيده،
علي بن إسماعيل : المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، تحقيق : مراد كامل، جامعة الدول
العربية : معهد المخطوطات، ط 1، 1972م.
- ابن شـبّه
أبـو زيـد عـمر : تاريخ المدينة المنورة، تحقيق : فهيم محمد شلتوت، (د.م) : دار
التراث، الدار الإسلامية، ط 1، 1990م.
- ابن عبد
البر، يوسف بن عبد الله : الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق : علي محمد البجاوي،
القاهرة : مكتبة نهضة مصر، (د.ط.ت).
- ابن عبد
ربه، أحمد : العقد الفريد، تحقيق : عبد المجيد الترحيني، بيروت : دار الكتب
العلمية، ط 3،1987 م.
- ابن عراق،
علي من محمد : تنزيه الشريعة المرفوعة عن أخبار الشنيعة الموضوعة، تحقيق : عبد
الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق، بيروت : دار الكتب العلمية، ط 2، 1981م.
- ابن فارس،
أحمد بن زكريا : الصاحبي في فقه اللغة، تحقيق : أحمد صقر، القاهرة : مطبعة عيسى
البابي الحلبي، (د. ط)، 1977م.
- ابن فهد،
نجم عمر : إتحاف الورى بأخبار أم القرى، تحقيق : فهيم محمد شلتوت، القاهرة : مكتبة
الخانجي، (د. ط.) 1983م.
- ابن قتيبة،
عبد الله بن مسلم : الشعر والشعراء، مراجعة : الشيخ محمد عبد المنعم العريان،
بيروت، دار إحياء العلوم، ط 3، 1987م.
- : المعارف،
تحقيق : ثروت عكاشة، (د. م) : دار المعارف، ط 4، (د. ت).
-: رسالة
الخط والقلم، تحقيق : حاتم صالح الضامن،
بيروت : مؤسسة الرسالة، ط 2، 1989م.
-: كتاب
تأويل مختلف الحديث، بيروت : دار الكتاب العربي، (د. ت).
- ابن كثير،
إسماعيل بن عمر : البداية والنهاية، بيروت : مكتبة المعارف، (د. ط. ت).
- : السيرة
النبوية، تصحيح : أحمد عبد الشافي، بيروت : دار الكتب العلمية، (د. ط. ت).
- : الفصول في
سيرة الرسول، تحقيق : محمد العيد الخطراوي ومحيي الدين مستو، بيروت ـ دمشق : دار
ابن كثير، ط 4، 1985م.
- : تفسير
القرآن العظيم، بيروت : دار الفكر، (د. ط)، 1401هـ.
- : فضائل
القرآن، تحقيق : سعيد عبد المجيد محمود، (د.م) : دار الحديث، (د. ط. ت).
- ابن منظور،
محمد بن مكرم : مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، تحقيق : روحية النحاس، رياض عبد
الحميد ومحمد مطيع الحافظ، دمشق : دار الفكر، ط 1، 1984م.
- ابن هشام،
محمد عبد الملك : السيرة النبوية، تحقيق : مصطقى السقا، إبراهيم الأبياري وعبد
الحفيظ شلبي، مصر : مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط 2، 1955م.
- الأبياري،
إبراهيم : الموسوعة القرآنية الميسرة، القاهرة : مؤسسة سجل العرب، (د.ط)، 1974م.
- البخاري،
محمد بن إسماعيل : الجامع الصحيح المختصر، تحقيق : مصطفى ديب البغا، بيروت : دار
ابن كثير، ط 3، 1987م.
- البغدادي،
عبد القادر بن عمر : خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، القاهرة : المطبعة السلفية،
(د. ط)، 1347هـ.
- البلاذري،
أحمد بن يحيى : أنساب الأشراف، تحقيق : محمد حميد الله، القاهرة : دار المعارف، ط
3، 1987م.
-: الشيخان
أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وولدهما، تحقيق : إحسان صدقي العمد، الكويت : مؤسسة
الشراع الغربي، ط 1، 1989م.
- : فتوح
البلدان، مراجعة وتعليق : رضوان محمد رضوان، بيروت : دار الكتب العلمية، (د. ط)
1983م.
- بلاشير،
ريجيس : القرآن نزوله وتدوينه وترجمته وتأثيره، ترجمة : رضا سعادة، بيروت : دار
الكتاب، ط 1، 1974م.
- البهبيتي،
نجيب محمد : المعلقات سيرة وتاريخا، المغرب : دار الثقافة، ط 1، 1982م.
- البيهقي،
أحمد بن الحسين بن علي : السنن الكبرى (د.م) : دار الفكر، (د.ط.ت).
- : دلائل
النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تخريج : عبد المعطي قلعجي، بيروت : دار الكتب
العلمية، ط 1، 1985 م.
- التلمساني،
علي بن محمد : كتاب تخريج الدلالات السمعية، تحقيق : أحمد محمد أبو سلامة، القاهرة
: لجنة إحياء التراث العربي، (د. ط)، 1985م.
- الجاحظ،
عمرو بن بحر : الحيوان، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مصر : مكتبة مصطفى البابي
الحلبي، ط 2، (د.ت).
- الجبوري،
يحي وهيب : الخط والكتابة في الحضارة العربية، بيروت : دار الغرب الإسلامي، ط 1،
1994م.
- الجصاص،
أحمد بن علي : أحكام القرآن، تحقيق : محمد الصادق قمحاوي، بيروت : دار إحياء
التراث العربي، (د.ط)، 1405م.
- جمعة،
إبراهيم : دراسة في تطور الكتابات الكوفية، (د.م) : دار الفكر العربي، (د. ت.ط).
- الجهشياري،
أبو عبد الله محمد : كتاب الوزراء والكتاب، تحقيق : مصطفى السقا، وإبراهيم
الأبياري وعبد الحفيظ شلبي، مصر : مطبعة البابي الحلبي، ط 2، 1980م.
- جيورجيو،
كونستانس : نظرة جديدة في سيرة رسول اللّه، تعريب : محمد التونجي، (د. م) : الدار
العربية للموسوعات، ط 1،1983 م.
- الحـاكم،
محمـد بـن عـبد اللـه : المسـتدرك علـى الصـحيحـين، تحـقيـق : مصطفى عبد القادر
عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1،1990 م.
- الحسن،
محمد علي : المنار في علوم القرآن، عمان : مطبعة الشرق، ط 1، 1993م.
- حمادة،
فاروق : مدخل إلى علوم القرآن والتفسير، (د.م) : مكتبة المعارف، ط 1، 1979م.
- الحمد،
غانم قدوري : رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية، العراق : اللجنة الوطنية، ط 1،
1982م.
- حمودة،
محمود عباس : تاريخ الكتاب الإسلامي المخطوط، الرياض : دار ثقيف، ط 2، 1991م.
- الحموي،
ياقوت : معجم الأدباء، بيروت : دار الفكر، ط 3، 1980م.
- حميد الله،
محمد : مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، بيروت : دار
النفائس، ط 6، 1987م.
- الخالدي،
صلاح عبد الفتاح : هذا القرآن، عمان : دار المنار، ط 1، 1993م.
- الخضري بك،
محمد : تاريخ التشريع الإسلامي، بيروت : دار الفكر العربي، ط 1، 1992م.
- الخطاط،
يحيى سلوم العباس : الخط العربي تاريخه وأنواعه،
بغداد : مكتبة النهضة، ط 1، 1984م.
- الخطيب
البغدادي، أبو بكر أحمد : تقييد العلم، تحقيق وتعليق : يوسف العش، (د، م) : دار
إحياء السنة النبوية، ط 2، 1974م.
- الخطيب،
محمد عجاج : السنة قبل التدوين، (د.م) : مكتبة وهبة، ط 1، 1963م.
- خليف، يوسف
: دراسات في الشعر الجاهلي، القاهرة : وكالة الأهرام، (د.ط)، 1981م.
- : دراسات
في القرآن والحديث، القاهرة : مكتبة غريب، (د.ط.ت).
- خليفة محمد
: الاستشراق والقرآن العظيم، ترجمة : مروان عبد الصبور شاهين، القاهرة : دار
الاعتصام، ط 1، 1994م.
- دائرة
المعارف الإسلامية، ترجمة : أحمد الشنتناوي، إبراهيم زكي خورشيد وعبد الحميد يونس،
بيروت : دار المعرفة، (د.ط.ت).
- الدارمي،
عبد الله بن عبد الرحمن : سنن الدرامي، تحقيق : فواز أحمد زمرلي وخالد السبع
العلمي، بيروت : دار الكتاب العربي، ط 1، 1987م.
- داود، أحمد
محمد علي : علوم القرآن والحديث، (د.م.ن.ط.ت).
- دراز، محمد
عبد الله: النبأ العظيم : نظرات جديدة في القرآن، تخريج وتعليق : عبد الحميد أحمد
الدخاخني، مصر : دار المرابطين، ط 1، 1997م.
- : مدخل إلى
القرآن الكريم، ترجمة: محمد عبد العظيم علي، الكويت: دار القلم، (د.ط)، 1984م.
- دروزة،
محمد عزة : التفسير الحديث، (د.م) : دار إحياء الكتب العربية، (د.ط)، 1962م.
-: القرآن
المجيد، بيروت : المكتبة العصرية، (د.ط.ت).
- الذهبي،
محمد بن أحمد : تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام، تحقيق : محمد محمود
حمدان، القاهرة : دار الكتاب المصري، وبيروت : دار الكتاب اللبناني، ط 1، 1991م.
- : تذكرة
الحُفَّاظ، (د.م) : دار الفكر العربي، (د.ط.ت).
- : سير
أعلام النبلاء، تحقيق : صالح السمر، بيروت : مؤسسة الرسالة، ط 2، 1984م.
- الرازي،
ضياء الدين عمر : مفاتيح الغيب، (د.م) : دار الفكر، ط 3، 1985م.
- الراغب
الأصفهاني، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن، تحقيق : محمد سيد الكيلاني،
بيروت : دار المعرفة، (د.ط.ت).
- ربيع، يحيى
محمد علي : الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف، (د.م) : دار الوفاء، المنصورة، ط 1،
1994م.
- رضا، محمد
رشيد : تفسير المنار، بيروت : دار الفكر، ط 2، 1973م.
- الزرقاني،
محمد عبد العظيم : مناهل العرفان في علوم القرآن، تصحيح : أمين سليم الكردي، بيروت
: دار إحياء التراث العربي، ط 2، 1998م.
- الزركشي،
محمد بن عبد الله : البرهان في علوم القرآن، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم،
بيروت : دار المعرفة، (د.ط)،1391 هـ.
- الزفزاف،
محمد: التعريف بالقرآن والسنة، الكويت : مكتبة الفلاح، ط 4، 1984م.
- الزمخشري،
محمود بن عمر : الفائق في غريب الحديث،
تحقيق : محمد أبو الفضل وعلي محمد البجاوي، بيروت : دار المعرفة، ط 2، (د.ت).
- : الكـشاف
عـن حـقائق التـنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق : عبد الرزاق المهدي،
بيروت : دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1997م.
- السجسـتاني،
عـبد اللـه بـن أبـي داود : كـتاب المصـاحـف، تحـقيق : محـب الدين عبد السبحان
واعظ، قطر : وزارة الأوقاف، ط 1، 1995م.
-
السجسـتاني، محمـد ب-ن عزي-ز : كت-اب غري-ب الق-رآن، تحـقيـق : محـمـد أديـب عبد
الواحد جمران، (د، م) : دار قتيبة، ط 1، 1995م.
- السخاوي،
شمس الدين : التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، بيروت : دار الكتب العلمية،
ط 1، 1993م.
- سرحان، عبد
الحميد إبراهيم : الوحي والقرآن، (د.م) الهيئة المصرية العامة للكتاب، (د. ط)،
1993 م.
- السعيد،
لبيب : الجمع الصوتي الأول للقرآن، القاهرة : دار المعارف، ط 2، (د.ت).
- السـمين
الحـلبي، يوسف بن محمد : الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، تحقيق : علي محمد
معوض، عادل أحمد عبد الموجود، جاد مخلوف جاد وزكريا عبد المجيد النوتي، بيروت :
دار الكتاب العلمية، ط 1، 1994م.
- السـهيلي،
عبـد الرحمن : الـروض الأنف في شرح السيرة النيوية لابن هشام، تحقيق : عبد الحمن
الوكيل، (د. م. ن. ط. ت).
- السيوطي،
جلال الدين : الإتقان في علوم القرآن، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت :
(د. ن. ط)، 1988م.
- : الخصائص
الكبرى، بيروت : دار الكتب العلمية، ط 1، 1985م.
- : الدر المنثور
في التفسير بالمأثور، بيروت : دار الكتب العلمية، ط 3، 1990م.
- : المزهر في اللغة، شرح وتعليق : محمد أحمد جاد
المولى بك وعلي محمد إبراهيم، بيروت : المكتبة العصرية، (د.ط)، 1986م.
- الشافعي،
محمد بن إدريس : أحكام القرآن، تحقيق : عبد الغني عبد الخالق، بيروت : دار الكتب
العلمية، (د.ط)، 1400هـ.
- شاهين، عبد
الصبور : تاريخ القرآن، (د.م) : دار القلم، (د، م)، 1966م.
- الشوكاني،
محمد بن علي بن محمد: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير،
بيروت : دار الفكر، (د.ط.ت).
- الصالح،
صبحي : علوم الحديث ومصطلحه، بيروت : دار العلم للملايين، ط 14، 1982م.
- : مباحث في
علوم القرآن، بيروت : دار العلم للملايين، ط 18، 1990م.
- الصباغ،
محمد لطفي : لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير، بيروت : المكتب الإسلامي، ط
3، 1990م.
- صبيح، محمد
: بحث جديد عن القرآن الكريم، القاهرة : دار الشروق، ط 8، 1983م.
- الصولي،
محمد بن يحيى: أدب الكتاب، تعليق : محمد بهجة الأثري، القاهرة : المطبعة السلفية،
(د.ط)،1341 هـ.
- الصويان،
أحمد عبد الرحمن : صحائف الصحابة وتدوين السنة النبوية المشرفة، (د.م) : (د.ن) ط
1، 1990م.
- طاحون،
أحمد بن محمد : مع القرآن الكريم، (د.م) : مطابع أهرام الجيزة الكبرى، (د.ط.ت).
- الطبري،
محمد ابن جرير : تاريخ الطبري (تاريخ الرسل والملوك)، بيروت : دار الكتب العلمية،
ط 1، 1407هـ.
-: جامع
البيان عن تأويل آي القرآن، بيروت : دار الفكر، (د.ط)، 1984م.
- طعيمة،
صابر : هذا القرآن قصة الذكر الحكيم، بيروت : دار الجيل، ط 1، 1979م.
- عبد
الباقي، محمد فؤاد : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، بيروت : دار الفكر، ط
4، 1997م.
- عـبد
الخالق، عـبد الغـني : حجـية السـنة، (د.م) : الـدار العـالمية للكتاب الإسلامي، ط
1، 1986م.
- عبد العال،
إسماعيل سالم : المستشرقون والقرآن، رابطة العالم الإسلامي، العدد 120، 1991م.
- عبيدات،
محمود سالم : دراسات في علوم القرآن، (د.م) : دار عمار، ط 1، 1990م.
- العسقلاني،
أحمد ابن حجر : الإصابة في تميز الصحابة، تحقيق : علي محمد البجاوي، القاهرة : دار
نهضة مصر، (د. ط. ت).
- : فتح
الباري في شرح صحيح البخاري، تحقيق : محي الدين الخطيب، بيروت : دار المعرفة،
(د.ط)، 1981م.
- : فضـائل
القـرآن، مراجـعة وشـرح : السيد الجميليّ، (د.م) : دار الهلال، ط 1، 1989م.
- عفيفي،
فوزي سالم : نشأة وتطور الكتابة الخطية المصرية ودورها الثقافي والاجتماعي، الكويت
: وكالة المطبوعات، ط 1، 1980م.
- العـك،
خـالد عبد الرحـمن : تاريخ تـوثيق نـص القرآن الكريم، دمشق : دار الفكر، ط 2،
1986م.
- علـي، جواد
: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، بيروت : دار العلم للملايين، ط 2، 1978م.
- : تاريخ
العرب في الإسلام، بغداد : مطبعة الزعيم، (د.ط)، 1961م.
- العمادي،
أبو السعود : إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، بيروت : دار إحياء
التراث العربي، (د. ت. ط).
- عمر،
إبراهيم علي : القرآن الكريم تاريخه وآدابه، الكويت : مكتبة الفلاح، ط 1، 1984م.
- العمري،
أكرم ضياء : بحوث في تاريخ السنة النبوية المشرفة، المدينة المنورة : مكتبة العلوم
والحكم، ط 4، 1984م.
- : عصر
الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق مناهج المحدثين، الرياض :
مكتبة العبيكان، ط 1، 1996 م.
- عيسى : أحمد
عبد الرحمن : كتاب الوحي، الرياض: دار اللواء، ط 1، 1980م.
- الغزالي،
محمد : فقه السيرة، تحقيق : محمد ناصر الدين الألباني، القاهرة : دار الكتب
الحديثة، ط 4، 1964م.
- : نظرات في
القرآن، القاهرة : دار الكتب الحديثة، ط 5، (د.ت).
- الفاكهي،
محمد بن إسحاق : أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، تحقيق : عبد الملك عبد الله
دهيش، بيروت : دار خضر، ط.2 ، 1414هـ.
- الفراء،
أبو زكريا يحيى بن زياد : معاني القرآن، تحقيق : أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي
النجار، (د.م) : الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط 2،1980 م.
- فريحة،
أنيس : نظريات في اللغة، بيروت : دار الكتاب اللبناني، ط 1، 1981م.
- الفيروز
آبادي، محمد بن يعقوب : القاموس المحيط، بيروت : دار الفكر، (د.ط)، 1983م.
- : بصائر
ذوي التمييز، تحقيق: محمد علي النجار، بيروت : المكتبة العلمية، (د. ط. ت).
- الفيومي،
محمد شكري أحمد : قواعد الكتابة الإملائية نشأتها وتطورها، دبي : دار القلم، ط 2،
1988م.
- القاضي أبو
يوسف، يعقوب بن إبراهيم : كتاب الخراج، تحقيق : إحسان عباس، (د.م) : دار الشروق، ط
1، 1985م.
- قاموس
القرآن الكريم، الكويت : مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ط 1، 1992م.
- قبيسي، محمد
: القرآن الكريم الوثيقة الأولى في الإسلام، بيروت : دار الآفاق الحديدة، ط 1،
1988م.
- القرآن
الكريم دراسة لتصحيح الأخطاء الواردة في الموسوعة الإسلامية عن دار ليدن، رقم 2،
المظمة الإسلامية للتربية والعلوم و الثقافة ـ إيسيسكو، مطبعة الرياض، (د.ط)،
1996م.
- القرطبي،
محمد بن أحمد : الجامع لأحكام القرآن، تحقيق : أحمد عبد العليم البردوني، بيروت :
دار إحياء التراث العربي، (د.ط.ت).
- القسطلاني،
أحمد بن محمد : إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، مصر : دار الفكر، 1304هـ.
- القطان،
مناع : تاريخ التشريع الإسلامي، القاهرة : مكتبة وهبة، ط 4، 1989م.
: مباحث في
علوم القرآن، القاهرة : دار غريب، ط 5، 1981م.
- القلقشندي،
أبو العباس أحمد : صبح الأعشى في صناعة الإنشا، (د.م) : الهيئة المصرية العامة
للكتاب، مطابع كوستاتسوماس، (د.ط.ت).
- الكتاني،
عبد الحي : التراتيب الإدارية، بيروت : دار الكتاب العربي، (د.ط.ت).
- الكرماني :
صحيح البخاري بشرح الكرماني، بيروت : دار إحياء التراث العربي، ط 3، 1985م.
- محمد، عبد
العزيز عبد الله : سلامة اللغة العربية، (د.م) : (د.ن). ط 1، 1985م.
- المسعودي،
علي بن الحسين : مروج الذهب ومعادن الجوهر، بيروت : دار الكتاب اللبناني، ط 1،
1982م.
- المصري،
عبد الرؤوف : معجم القرآن، بيروت : دار السرور، ط 2، 1948م.
- مصطفى، زيد
عمر : أضواء على سلامة المصحف الشريف من النقض والتحريف، مركز البحوث التربوية
بكلية الآداب، السعودية : جامعة الملك سعود، (د.ط)، 1994م.
- معجم ألفاظ
القرآن الكريم : مراجعة : محمد عبد العزيز القلماوي ومحمد أحمد سعد الألفي، مجمع
اللغة العربية : الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث العربي، (د. ط)، 1990م.
- المقدسي،
أبو شامة عبد الرحمن : كتاب المرشد الوجيز، تحقيق : طيار آلتي قولاج، بيروت : دار
صادر، (د.ط)، 1975م.
- المقدسي،
محمد بن قدامة : الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار، تحقيق : علي نويهض، (د.م) :
دار الفكر، (د.ط.ت).
- المقريزي،
أحمد بن علي : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأنباء والأموال والحفدة والمتاع،
تحقيق : محمد عبد الحميد النميسي، القاهرة : دار الأنصار، ط 1، 1981م.
- الموسوعة
العربية العالمية، الرياض : مؤسسة أعمال الموسوعة، ط 1، 1996م.
- النبهان،
محمد فاروق : مقدمة في الدراسات القرآنية، المملكة المغربية : وزارة الأوقاف،
(د.ط)، 1995م.
- النسائي،
أحمد بن شعيب : فضائل القرآن، تحقيق : فاروق حمادة، بيروت : دار إحياء العلوم،
والدار البيضاء : دار الثقافة، ط 2، 1992م.
- النمر، عبد
المنعم : علوم القرآن الكريم، بيروت : دار
الكتاب اللبناني، ط 2، 1983م.
- النووي،
محي الدين يحيى بن شرف : صحيح مسلم بشرح النووي، بيروت : دار إحياء التراث العربي،
ط 3، 1984م.
- هيكل، محمد
حسين : الصديق أبو بكر، (د.م): مطبعة مصر، (د.ط)، 1942م.
- : حياة
محمد، القاهرة : مكتبة النهضة المصرية، ط 13، 1968م.
- الواحدي،
علي بن أحمد : أسباب النزول، بيروت : دار المعرفة، (د.ط.ت).
- : الوجيز
في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق : صفوان عدنان داوودي، بيروت : دار القلم، ودمشق :
الدار الشامية، ط 1، 1415هـ.
- الواقدي،
محمد بن عمر : كتاب المغازي، تحقيق : مارسدن جونس، بيروت : عالم الكتب، ط 3،
1984م.
- يعقوب،
أميل : الخط العربي، طرابلس : (د.ن)، ط 1،1986 م.
البحوث
والمقالات
- الحمد،
غانم قدوري : الخط العربي تطوره وأنواعه، مجلة الحكمة، ليدز، العدد : 12، 1418هـ.
- عبد
الباسط، حسين : نشأة اللغة العربية والخط العربي قبل الإسلام، مجلة كلية الآداب،
مطبعة جامعة الإسكندرية، مجلد 33، 1984م.
- نامي، خليل
يحيى : أصل الخط العربي وتاريخ تطوره إلى ما قبل الإسلام، مجلة كلية الآداب، جامعة
القاهرة، مجلد 3، مايو 1935م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق