إذا أردتَ: - أنْ تَعْرفَ أهميةَ نقدِ متقدمي المحدثين
للأحاديث ودقتهم وبراعتهم في ذلك. -وأنْ يَعرفَ تلاميذُك فضلَ علمِ السلفِ وما
حَظوا به من تأييدٍ رباني وفضلٍ إلهيّ. - وأنْ تعيشَ مع السلف في عبادتهم، و زهدهم، وتواضعهم، وهمتهم
العالية في طلب العلم.... فاقرأْ كتابَ :
تأليفُ
د.علي بن عبد الله الصّياح
m
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُهُ ونستعينهُ،
ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل
له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله r.
أمَّا بعد:
فإنَّ
القَصَص مِنْ أبلغ الطرقِ في تعليمِ المُخَاطبين والتأثيرِ عليهم لذا:
-أَمَرَ اللهُ نبيهُ بقصّ القَصَص فَقَالَ:
]فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ[
[الأعراف: 176].
- وامتنّ على النبي -e- بأنْ أنزلَ إليه أحسنَ القَصَص فَقَالَ: ]نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ
أَحْسَنَ القَصَصِ[
[يوسف: 3]، وهذا الوصف من الله يدل على أنها أصدقُهَا وأبْلَغُها
وأنفعُها للعباد([1]).
وَقَالَ سبحانه وتعالى: ] نَحْنُ
نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقّ [
[الكهف: 13].
وَقَالَ سبحانه وتعالى:] ذَلِكَ
مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ[
[هود: 100].
وَقَالَ
سبحانه وتعالى:] إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [ [آل عمران: 62].
-وأخبر سبحانه وتعالى أنَّ القَصَص سببٌ لتثبيتِ
فؤاد النبي -e-فَقَالَ:
]وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ
مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [
[هود: 120].
-وأَمَرَ
سبحانه
وتعالى بالاعتبار بما قصَّ اللهُ في كتابهِ فَقَالَ: ]لَقَدْ
كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ[
[يوسف: 111].
ومِنْ هذا المنطلق كَانَ إبراز علمِ
السلف وفضلهم مِنْ خلالِ قَصصهم الصحيحة أصدق في الوصف، وأقرب إلى القلوب، وأوقع
في النّفوس، وأبلغ في التأثير.
وكلمَا
تأملَ طالبُ العلمِ سيرَهُم وقَصَصَهُم وأخبَارَهُم علِمَ مقدار ما حَظُوا بهِ من
تأييدٍ رباني وفضلٍ إلهيّ وتوفيقٍ سماويّ - لمَّا صَدَقوا في الطلب والعلمِ والعملِ والدعوةِ
وصَبَروا على ذلكَ{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(الجمعة: 4)-.
وتُعدّ قصص أئمة الحَدِيث المتقدمين
مِنْ أهمّ مصادرِ معرفةِ أصولِ عِلمِ الحديثِ ومناهج النُّقادِ وأصدقِهَا.
وهذه القصصُ والأخبارُ المنتقاةُ في هذا
الكتابِ ليستْ مجرد قَصَص عادية تُذْكر للسَمَر والتسليةِ والمتعةِ وقضاءِ الوقت،
بل هي متضمنة:
لنكتٍ علميةٍ..وفوائد منهجية..وأخلاقٍ
عَليّة..وعِبرٍ جَلية..ولا تخلو - أحياناً - مِنْ طَرَافةٍ وَلطافةٍ.
وأُحبّ أنْ أُنبه هنا إلى أنَّ:
-
هذهِ القَصَص - وما
فيها مِنْ نُكُتٍ وَفوائد - إنما يستفيدُ منها من استحضر قدرَ هؤلاء الأئمة وتأصلَ
في نفسِهِ عُمق علومهم، ودقة نقدهم، وشدة ورعهم وخوفهم من الله عزّ وجل-وهذا بيّن
من خلال سيرهم وقصص الآتية-، وصَاحَبَ ذلكَ تجردٌ تام، فهو يقرأُ مثل هذه الأخبار
متلمساً مناهجهم، وباحثاً عَنْ طرائقهم في العلم والنقد فهذا هو المستفيد
والمُفِيد-إنْ شاء الله-.
-
وَأنَّهُ رُبمَا
يَحْصلُ -عندَ ذِكْر إحدى القَصَص -نَوعٌ من الاستطراد اليسير لمناسبةٍ تقتضيه.
-
وأنَّ القصصُ
المذكورة نُبَذٌ مختصرةٌ بالنسبة إلى ما تُرِكَ([2])،
"ذكرتها لكَ أيها الناظر في هذا الموضع، لتعرفَ منازلهم، وما كانوا عليه،
وكيف حالهم في اجتهادهم في هذا العلم، والإكباب عليه، فلعل ذلك أن يكون محركاً في
المسارعةِ إلى تتبع أثرهم، والسير إليه، لعلك تصل إلى بعض ما وصلوا إليه أو إلى
كله، ففضل الله وعطاؤه واسع، لا زال مُنْهَلاً لديه"([3]).
وإليه سبحانه وتعالى السؤال أن يجعلَ
ذلكَ خَالصاً لوجههِ الكريمِ، مقتضياً لرضاه، وأنْ لا يجعلَ العلمَ حُجةً على
كاتبهِ في دنياه وأخراه، وعلى الله قصد السبيل،وهو حسبنا ونعم الوكيل.
د.علي الصّياح
E -Mail:
asayah@ksu.edu.sa
-1-
يُبينُ أحاديثَ
الرواةِ وهو في السَّوْق
([4])!
قَالَ
أبو جعفر التُّستريّ:((حَضرنا أبا زُرْعة - يعني الرازيّ - بماشهران، وكان في السَّوْق،
وعنده أبو حَاتِم، ومحمد بن مسلم، والمنذر بن شاذان، وجماعةٌ من العلماء فذكروا
حَدِيثَ التلقين وقوله e:"لقنوا موتاكم لا إله إلا الله"،
قَالَ: فاستحيوا من أبي زُرْعة، وهابوه أنْ يلقنوهُ فقالوا: تعالوا نذكرْ الحديثَ.
فَقَالَ
محمدُ بنُ مسلم: حَدّثنَا الضحاكُ بنُ مخلد عَنْ عبدِ الحميدِ بنِ جَعْفر عَنْ
صالح وجَعَلَ يقولُ: ولم يجاوزْ.
وَقَالَ
أبو حَاتِم: حَدّثنَا بُنْدارُ قَالَ: حَدّثنَا أبو عَاصم عَنْ عبدِ الحميدِ بنِ
جَعْفر عَنْ صالح ولم يجاوزْ.
والباقون سَكَتوا.
فَقَالَ أبو زُرْعةَ - وهو في السَّوْق -:
حَدّثنَا بُنْدار قَالَ:حَدّثنَا أبوعَاصم قَالَ:حَدّثنَا عبدُ الحميد بنُ جَعفر، عَنْ
صالح بنِ أبي عَرِيب، عَنْ كَثير بنِ مُرّة الحضرميّ، عَنْ مُعَاذ بنِ جَبَل
قَالَ: قَالَ رسول الله e:"مَنْ كَانَ آخرُ كَلامهِ لا إله إلا
الله دَخَلَ الجنة"، وتوفي رحمه الله))([5]).
زاد
أبو حَاتِم:((فَصَارَ البيتُ ضجةً ببكاءِ مَنْ حَضَرَ)).
وَقَالَ
أحمدُ بنُ إسماعيل ابن عمّ أبى زُرْعةَ:((سمعتُ أبا زُرْعةَ يقولُ - في مرضهِ الذي
ماتَ فيه -:اللهم إنّي أشتاقُ إلى رؤيتك، فإنْ قَالَ لي: بأيّ عملٍ اشتقت إلىّ؟
قلتُ: برحمتكَ يا ربّ)).
وقدْ
بوبَ ابنُ أبي حَاتم على هذه القصةِ بقولهِ:((بابُ ما ظَهَرَ لأبي زُرْعة مِنْ سيّدِ
عملهِ عِنْد وفاتهِ))([6]).
وَقَالَ
ابنُ أبي حَاتم أيضاً:((بابُ ما ظَهَرَ لأبي مِنْ سيدِ عَملهِ عِنْد وفاتهِ.
حَضرتُ
أبى - رَحِمَهُ اللهُ - وَكَانَ في النزعِ وَأنا لا أعلمُ فسألتُه عَنْ عُقبةَ بنِ
عبدِالغافر يروى عَنْ النبي r:
له صحبةٌ؟ فَقَالَ - برأسهِ -: لا -بلسانٍ مسكين-، فلمْ أقنعْ مِنْهُ، فقلتُ:
فَهمتَ عنى: لهُ صحبةٌ؟ قَالَ: هُوَ تابعيّ.
قلتُ: فَكَانَ سيّدُ عملهِ معرفةَ الحَدِيثِ،
وناقلةَ الآثارِ، فَكَانَ في عُمُرهِ يقتبسُ مِنْهُ ذلكَ، فَأرادَ اللهُ أنْ يظهرَ
عِنْدَ وفاتهِ مَا كَانَ عليه في حياتهِ))([7]).
-2-
رفسةٌ أحبّ مِنْ
سَفرة!
قَالَ
الخطيبُ البغداديُّ:((يحيى بنُ معين..أبو زكريا البغدادي، إمامُ الجرح والتعديل،
وأحدُ من انتهى إليه علم الحَدِيث في عصرهِ، قَالَ: كتبتُ بيدي ألْف ألْف حَدِيث،... وذكر ابنُ عدي أنَّ والد يحيى خلّفَ له ثروةً
ضخمةً ألْف ألْف درهم، وخمسين ألْف درهم، فأنفق ذلكَ كله على الحديثِ لمّا توسع في
طلبهِ ورحلاته من أجله.
ومِنْ
لطائف أخبارِ رَحَلاته هذه الرحلة التي سَافرَ فيها مع صديقهِ الأمام أحمد بن حنبل
من العراق إلى اليمن للسماع من الأمام عبدِ الرزاق بن همّام الصنعاني - حافظ اليمن -، وفي العودةِ أرَادَ أنْ
يدخلَ الكوفةَ ليختبر الحافظ أبا نُعَيم الفضلَ بنَ دُكين ويعرفَ حفظَه وتيقظه
ونباهته، وكان يرافقهما في هذه الرحلة أحمدُ
بنُ منصور الرّمادي الثقة وهذا نصه يروي قصة هذا الاختبار.
قَالَ
أحمدُ بنُ منصور الرّمادي: خرجتُ مَعَ أحمد ويحيى إلى عبدِ الرزاق أخدمهما. فلمّا
عُدنا إلى الكوفة قَالَ يحيى بنُ معين:أريد أختبر أبا نُعَيم.
فَقَالَ له أحمد: لا تُرِدْ، الرجلُ ثقة.
فَقَالَ
يحيى: لابدَّ لي، فأخَذَ ورقةً وَكَتَبَ فيها ثلاثين حديثاً مِنْ حَدِيث أبي
نُعَيم، وجَعَلَ عَلى رأسِ كلّ عشرة منها حديثاً ليسَ مِنْ حديثهِ، ثمّ جاءوا إلى
أبي نُعَيم فَخَرَج وَجَلَسَ عَلى دُكّان.
فأخرجَ يحيى الطَّبَق فَقَرَأ عليه عشرةً، ثم
قرأ الحادي عشر، فَقَالَ أبو نُعَيم: ليسَ مِنْ حديثي اضربْ عليه، ثم قَرَأ العشر
الثاني، وأبو نُعَيم ساكتٌ فَقَرأ الحَدِيث الثاني فَقَالَ: ليسَ مِنْ حديثي،
اضربْ عليه، ثم قَرَأ العشر الثالث و قَرَأ الحديثَ الثالثَ فَتَغَيرَ أبو نُعَيم،
وَانقلبتْ عيناهُ وأقبلَ على يحيى فَقَالَ: أمَّا هذا - وذراعُ أحمد في يدهِ - فأورع
من أنْ يعملَ هذا، وأمّا هذا - يريدني - فأقلّ من أنْ يعملَ هذا، ولكن هذا مِنْ
فعلكَ يا فاعل، ثمّ أخرجَ رجلَه فَرَفَسهُ فَرَمى بهِ، وقَامَ فَدَخَلَ دَارهُ، فَقَالَ
أحمد ليحيى: ألم أقلْ لكَ إنّه ثَبتٌ قَالَ: واللهِ لرفستُهُ أحبُّ إليّ مِنْ
سفرتي)).
وفي
روايةٍ أنَّ يحيى بنَ معين قامَ وقبله وقالَ:((جزاكَ اللهُ خيراً، مِثلُكَ منْ
يُحدث، إنَّمَا أردتُ أنْ أجرّبكَ))([8]).
وأبو نُعَيم هذا هو
الذي قَالَ للوالي في محنة خلق القرآن:((عُنُقي أهونُ عِندي من زِرِّي)) وإليكَ
القصة بتمامِها:
قَالَ أبو بكر بنُ أبي
شيبة: لمَّا أنْ جاءتْ المحنة –محنة خلق القرآن-إلى الكوفة قَالَ لي أحمدُ بنُ يونس: ألق
أبا نعيم فقلْ له، فلقيتُ أبا نُعَيم فقلتُ له، فَقَالَ: إنما هو ضربُ الأسياط،
فلمّا أُدْخل أبو
نُعَيم على الوالي
ليمتحنه وعنده ابنُ أبي حنيفة وأحمدُ بنُ يونس وأبو غسان وعداد فأولُ مَنْ امتحن ابن أبي
حنيفة فأجاب، ثم عَطَفَ على أبي نُعَيم فقيل له، فَقَالَ: أدركتُ الكوفة وبها أكثر
من سبعمائة شيخ الأعمش فما
دونه يقولون: القرآنُ
كلامُ اللهِ، وعنقي أهونُ عِندي مِنْ زِرِّي هذا، ثم أخذ زرهُ فَقَطَعه، فَقَامَ إليهِ أحمدُ بنُ يونس فَقَبّلَ
رأسَهُ، وكَانَ بينهما شحناء، وقَالَ: جزاكَ الله مِنْ شيخ. ([9])
-3-
قَطَعَ نحو ثلاثة أشهر مسافراً لتحقيق رواية
حديثٍ واحد!
قَالَ
المعلميُّ:((و كان نشاط الأئمة في ذلك آية من الآيات؛ فمن أمثلة ذلك:
قَالَ
العراقيّ في شرح مقدمة ابنِ الصلاح: روينا عن مؤمل أنّه قَالَ: حدثني شيخٌ بهذا
الحديث – يعني حديث فضائل القرآن سورة، سورة – فقلتُ للشيخ: مَنْ حَّدثكَ؟
فَقَالَ:حدّثني رجلٌ بالمدائن وهو حيّ.
فصرتُ إليه، فقلتُ: مَنْ حَّدثكَ؟
فَقَالَ:
حَدّثني شيخ بواسط، وهو حي.
فصرتُ إليه، فَقَالَ: حَدّثني شيخ بالبصرة.
فصرتُ إليه، فَقَالَ: حَدّثني شيخ بعبادان.
فصرتُ إليه، فأخذ بيدي، فأدخلني بيتاً، فإذا فيه
قومٌ من المتصوفة و معهم شيخ، فَقَالَ: هذا الشيخُ حَدّثني، فقلتُ: يا شيخ مَنْ حَّدثكَ؟ فَقَالَ:لم يحدثني أحدٌ،
و لكننا رأينا الناس قد رَِغبوا عن القرآن، فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن!.
لعل هذا الرجل قَطعَ نحو ثلاثة أشهر مسافراً
لتحقيق رواية هذا الحَدِيث الواحد))([10]).
-4-
وأيضاً رحلةٌ طويلةٌ عجيبةٌ لتحقيق رواية
حديثٍ واحد
قَالَ
نصْر بن حمَّاد الورَّاق:كنا قعوداً على باب شُعْبة؛ نتذاكر، فقلتُ: حَدّثنَا
إسرائيلُ، عَنْ أبي إسحاق، عَنْ عبدِ الله بن عطاء، عَنْ عقبة بن عامر، قَالَ: كُنا
نتناوبُ رعيَّة الإبل على عهد رسولِ الله r،
فجئتُ ذات يومٍ والنبي r حوله أصحابه؛ فسمعتُه يقول: " من توضأ،
فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين فاستغفر الله؛ إلا غفر له".
فقلتُ:
بخٍ بخٍ!
فجذبني
رجل من خلفي، فالتفتُّ؛ فإذا عمر بن الخطاب، فَقَالَ الذي قبل أحسن! فقلت: وما
قبل؟!قَالَ: قَالَ: "من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؛ قيل
له: ادخل من أي أبواب الجنة شئت".
قَالَ:
فخرج شُعْبة؛ فَلَطمني، ثم رجع فدخل؛ فتنحَّيت من ناحية، قَالَ: ثم خرج؛ فَقَالَ:
ما له يبكي بعد؟! فَقَالَ له عبد الله بن إدريس: إنك أسأت إليه! فَقَالَ شُعْبة:
انظر؛ ماذا تحدث! إنَّ أبا إسحاق حدثني
بهذا الحَدِيث، عَنْ عبدالله بن عطاء، عَنْ عقبة بن عامر، قَالَ: فقلنا لأبي
إسحاق: مَنْ عبد الله بن عطاء؟ قَالَ: فغضب، ومِسعرُ بن كِدَام حاضر، قَالَ: فقلتُ
له: لتصححن لي هذا، أو لأُحَرِّقن ما كتبتُ عنك! فَقَالَ مِسعر: عبد الله بن عطاء
بمكة.
قَالَ شُعْبة:
فرحلتُ إلى مكة، لم أُرد الحج، أردتُ الحَدِيثَ، فلقيت عبدالله بن عطاء، فسألته، فَقَالَ:
سعد بن إبراهيم حدثني، فَقَالَ لي مالكُ بنُ أنس: سعد بالمدينة، لم يحج العام.
قَالَ
شُعْبة: فرحلتُ إلى المدينة، فلقيت سعد بن إبراهيم، فسألته، فَقَالَ: الحَدِيثُ من
عندكم؛ زياد بن مِخراق حدثني.
قَالَ
شُعْبة: فلما ذكر زياداً، قلت: أيُّ شيءٍ هذا الحَدِيث؟! بينما هو كوفي، إذ صار
مدنياً، إذ صار بصرياً!.
قَالَ:
فرحلتُ إلى البصرة، فلقيتُ زياد بن مِخراق، فسألته، فَقَالَ: ليسَ هو مِنْ
بابَتِك!.
قلتُ:
حدثني به، قَالَ: لا ترده! قلتُ: حدثني به.
قَالَ:
حدثني شَهْرُ بنُ حَوشَب، عَنْ أبي ريحانة، عَنْ عقبة بن عامر، عَنْ النبي r.
قَالَ
شُعْبة: فلمّا ذَكَرَ شهر بن حوشب، قلت: دمَّر هذا الحَدِيث، لو صح لي مثل هذا عَنْ
رسول الله r كان أحب إلى من أهلي ومالي والناس أجمعين ([11]).
-5-
يا أبة إنّ هؤلاء أصحاب الحديثِ، ولا
آمن أنْ يُغَلطوكَ!
قَالَ
البَرذعيُّ:
قُلْتُ
لأبي زُرْعةَ: قُرّةُ بنُ حَبِيب تغير؟
فَقَالَ:
نَعم، كُنّا أنكرناهُ بِأَخَرَةٍ، غَيرَ أنّه كَانَ لا يُحَدّثُ إلاّ مِنْ
كِتابهِ، وَلا يُحَدّثُ حَتى يحضرَ ابنُهُ ثُمّ تَبسّمَ.
فَقُلْتُ: لِمَ تَبسمتَ؟
قَالَ: أتيتُهُ ذَاتَ يومٍ، وَأبو حَاتم،
فَقَرعنَا عَليهِ البابَ، واستأذنَا عَليهِ، فَدَنَا مِنْ البابِ ليفتحَ لنَا،
فَإذا ابنتُه قدْ لَحِقت([12])،
وَقَالَتْ لهُ: يا أبة إنّ هؤلاء أصحاب الحديثِ، ولا آمن أنْ يُغَلطوكَ أو
يُدْخِلُوا عَليكَ مَا ليسَ مِنْ حَدِيثكَ فَلا تخرجْ إليهم حَتى يجيء أخي - تعني
عَلي بن قُرّة -.
فَقَالَ:
لها أنا أحفظُ، فَلا أمكنهم ذاكَ.
فَقَالتْ: لستُ أدعكَ تخرج فإني لا آمنهم عليكَ.
فَمَا زَالَ قُرّة يَجتهدُ وَيحتجُ عَليها في
الخروجِ وَهي تمنعُهُ، وَتحتجُ عَليه في تركِ الخروجِ إلى أنْ يجيء عَلي بنُ قُرّة
حَتى غَلَبت عَليهِ وَلمْ تَدعهُ.
قَالَ أبو زُرْعةَ: فَانصرفنَا وَقَعدنَا حَتى
وافى ابنُهُ عَلي.
قَالَ أبو زُرْعةَ: فَجَعَلتُ أعجبُ مِنْ
صَرامتِهَا وَصيانتها أباها))([13]).
-6-
"لا يحل الكفّ
عنه لأنَّ الأمرَ دين"
"وتعالوا حتى
نغتابَ في الله عز وجل"
قَالَ
حمادُ بنُ زيد: كلمنا شُعْبة في أبان بنِ أبي عياش([14])
وسألناه الكف عنه فَقَالَ: إنّه وإنّه، فقلنا: نُحبُ أنْ تُمْسكَ عَنه، فَقَالَ:
نعم، قَالَ حمادُ: فبينا أنا في المنزلِ في يومٍ مطيرٍ إذا شُعْبة يخوضُ الماءَ
أسمعُ خوضَهُ فناداني: يا أبا إسماعيل!، يا أبا إسماعيل!، فأجبتُه فَقَالَ:
هو ذا أمضي استعدى على أبان، فقلتُ له: ألمْ تضمنْ لنا أنكَ تمسكُ فَقَالَ: لا
أصبرُ لا أصبرُ ومَضَى([15]).
قَالَ
حمادُ بنُ زيد: وكانَ شُعْبة يتكلمُ في هذا حُسْبة.
وفي
روايةٍ: قَالَ حمادُ بنُ زيد: كَلمنا شُعْبة في أنْ يكف عَنْ أبان بنِ أبي عياش
لسنِّهِ وأهلِ بيتِهِ، فَضَمِنَ أنْ يَفعلَ ثم اجتمعنَا في جنازةٍ فَنَادى مِنْ
بعيدٍ: يا أبا إسماعيل! إني قد رَجعتُ عَنْ ذاكَ، لا يحلّ الكف عنه
لأنَّ الأمرَ دين([16]).
وقَالَ
غُنْدَرُ:((رَأيتُ شُعْبة رَاكباً عَلى حِمَارٍ، فَقيلَ لهُ: أينَ تُريدُ يا أَبا
بِسْطام؟ قَالَ: أذهبُ فاستعدي على هذا - يعني جعفر بن الزبير - وَضَعَ عَلى رسولِ
الله r
أربعَ مائة حَدِيث كذبٍ))([17]).
وقَالَ
الشافعيُّ:((لولا شُعْبة ما عُرِفَ الحَدِيثُ بالعِراق، وَكَانَ يجيءُ إلى الرجلِ
فيقولُ: لا تحدثْ، و إلاَّ استعديتُ عَليكَ السُّلطان))([18]).
قَالَ
هشيمُ بنُ بَشير: لو كَانَ شُعْبة حيّاً استعدى عليه -أي عَلى إبراهيمِ بنِ هُدْبة
لأنه يروي مناكير ([19]).
قال
وهب بن جرير بن حازم: كان شُعْبة يجيء إلى أبى - وهو عَلى حِمَارٍ - فيقولُ: كيفَ
سمعتَ الأعمش يحدّث بحديثِ كذا وكذا؟، فيقول أبى: كذا وكذا، فيقولُ شُعْبة: هكذا
واللهِ سمعتُ الأعمشَ يحدّث به، فيسألهُ عن أحاديث مِنْ أحاديثِ الأعمش فإذا حدّثه
أبى فيقولُ: هكذا سمعتُ الأعمشَ يحدّث به، ثم يضربُ حِمَاره ويذهبُ([20]).
وَقالَ
أبو زَيد النحويّ الأنصاريّ:((أتيتُ شُعْبة يومَ مَطَر فَقَالَ: ليسَ هذا يوم
حَدِيثٍ، اليوم يومُ غِيبة، تعالوا حتى نغتابْ الكذابين))([21]).
وقَالَ
سفيانُ بنُ عُيينة:((كَانَ شُعْبة يقولُ: تعالوا حتى نغتابَ في الله عز وجل))([22])،
قَالَ ابنُ رَجَب:((يعني نذكر الجرحَ والتعديلَ))([23]).
و رئي شُعْبة - مرّةً - رَاكباً عَلى
حِمَارٍ فقيل له: أينَ يا أبا بسطام؟ قال: أذهبُ إلى أبي الربيع السّمّان أقول لهُ:
لا تكذبْ على رسولِ الله r.
([24])
قَالَ
الذهبيُّ:((شُعْبة بن الحجاج..الإمام الحافظ، أميرُ المؤمنين في الحَدِيث،أبو بِسطام..الواسطيُّ
عالم أهل البصرة وشيخها..رَوَى عنه عَالمٌ عظيمٌ، وانتشر حديثُهُ في الآفاق..ومِنْ
جَلالتِهِ قد رَوَى مالكٌ الإمام، عَنْ رَجلٍ عنه، وَهَذا قلَّ أنْ عَمِلَهُ
مَالكٌ.
وَكَانَ
أبو بِسطام إمَاماً، ثَبْتاً، حُجةً، ناقداً، جِهْبِذاً، صالحاً، زاهداً،
قانعاً بالقوتِ، رأساً في العِلم والعمل، مُنْقطعَ القرين، وهُو أوَّلُ مَنْ
جَرَّحَ وَعَدَّلَ، أَخَذَ عَنْهُ هذا الشَّأن: يحيى..القطان، وابنُ مَهدي وطائفة،
وَكَانَ سفيانُ الثوريُّ يخضعُ له، وَيُجلُّه ويقولُ: شُعْبة أمير المؤمنين في الحَدِيث))([25]).
وَقَالَ
أيضاً:((قَالَ أبو بكر البكراويّ: ما رأيتُ أحداً أعبدَ لله مِنْ شُعْبة، لقد
عَبَدَ الله حتى جفَّ جلده على عظمه واسود، وَقَالَ حمزة بنُ زياد الطوسيّ: سمعتُ
شُعْبة وكان ألثغ قد يبس جلدُهُ من العبادة... وَقَالَ أبو قَطَن: ما رأيتُ شُعْبة
قد ركعَ إلا ظننتُ أنّه نسي، ولا سَجَدَ إلا قلتُ نسي، قال يحيى القطان: كَانَ
شُعْبة رقيقا يعطي السائل ما أمكنه، قال أبو قطن: وكانت ثيابه لونها كالتُّرابِ،
وكان كثيَر الصلاة، قال أحمدُ بنُ حنبل: كان شُعْبة أمة وحده في هذا الشأن - يعني
في الرجالِ وبصرهِ بالحديثِ -، رَوَى عبدانُ بنُ عثمان عن أبيه قال: قَومنا حمارَ
شُعْبة وسرجه ولجامه بضعة عشر درهما))([26]).
قال
وكيعٌ:((إني لأرجو أنْ يرفعَ اللهُ لشعبة درجات في الجنة بِذَبه عَنْ رسول الله r))([27]).
لَطيفةٌ:
قَالَ ابنُ عُيينةَ: سَمعتُ شُعْبة يقولُ:((مَنْ طَلَبَ الحَدِيثَ أفلَسَ!، بعتُ طَسْتَ
أُمّي بسبعةِ دَنانير))([28]).
وَقَالَ
أحمدُ بنُ حنبل:((أقام شُعْبة عَلى الحَكَم بنِ عُتَيْبةَ ثمانية عَشَرَ شَهْراً،
حتى بَاعَ جُذُوعَ بيتهِِ))([29]).
-7-
يردُّ على شيخهِ وهو
ابنُ إحدى عشرة
قَالَ
أبو جَعْفر الوراقُ: قلتُ لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريّ: كيفَ كان بدأ
أمرك في طلبِ الحديثِ؟ قَالَ: ألهمتُ حفظَ الحديثِ وأنا في الكُتَّابِ قَالَ: وكم
أتى عليك إذ ذاك؟ فَقَالَ: عشرُ سنين أو أقل، ثم خرجتُ من الكُتَّابِ بعد العشر
فجعلت أختلف إلى الداخليّ وغيره وَقَالَ يوماً فيما كان يقرأ للناس: سفيان عَنْ
أبي الزبير عَنْ إبراهيم.
فقلت له: يا أبا فلان إنَّ أبا الزبير لم يرو عَنْ
إبراهيم.
فانتهرني فقلتُ له: ارجع إلى الأصلِ إنْ كانَ
عندك، فَدَخَلَ ونظر فيه ثم خَرَجَ فَقَالَ لي: كيفَ هو يا غلام؟ فقلتُ: هُو
الزبير بنُ عدي عَنْ إبراهيم، فأخذ القلم مني وأحكم كتابه، وَقَالَ: صدقتَ، فَقَالَ
له بعض أصحابه: ابنُ كم كنتَ إذ رددتَ عليه؟ فَقَالَ:ابنُ إحدى عشرة([30]).
-8-
رَاوي هَذا كَانَ يَنْبَغي لَكَ أنْ
تُكَبّرَ عَليهِ
قَالَ
البَرذعيُّ:
ذَكرتُ
لأبي زُرْعةَ: عَنْ مُسَدّد عَنْ مُحَمَّد بنِ حُمْرَان عَنْ سَلْم بنِ عَبْدِ
الرحمن عَنْ سَوَادةَ بنِ الرّبيع (الخيلُ معقودٌ في نواصيهَا)؟
فَقَالَ لي: رَاوي هَذا كَانَ يَنْبَغي لَكَ أنْ
تُكَبّر عَليهِ([31])،
ليسَ هَذا مِنْ حَدِيثِ مُسَدّد كَتبتُ عن مُسَدّد أكثر مِنْ سبعةِ آلاف وأكثر
مِنْ ثمانية آلاف، وأكثر مِنْ تسعةِ آلاف ما سمعتُهُ قطّ ذَكَرَ مُحَمَّد بنَ
حُمْرَان.
قُلْتُ
لََهُ: رَوَى هَذا الحَدِيثَ يحيى بنُ عَبْدكَ([32]) عن مُسَدّد.
فَقَالَ: يحيى صَدوقٌ، وَليسَ هَذا مِنْ حَدِيثِ
مُسَدّد!.
فَكَتبتُ إلى يحيى فَكَتَبَ إليّ: لاَ جَزى
اللهُ الورّاقَ عَني خَيراً، أَدْخَلَ لي أحادِيثَ المُعَلّى بنِ أَسَد في
أحَادِيثِ مُسَدّد، وَلم أُميزهَا مُنْذُ عِشْرينَ سَنةً حَتى وَرَدَ كِتَابُكَ
وَأنا أرجعُ عَنْهُ.
فَقَرأتُ كِتَابَهُ عَلى أبي زُرْعةَ فَقَالَ:
هَذَا كِتَابُ أهلِ الصدقِ))([33]).
-9-
هيبةُ يحيى بنِ مَعين في
قلوبِ الرواة!
قَالَ
هارونُ بنُ مَعْروف: قَدِم علينا بعضُ الشيوخِ من الشام فكنتُ أول مَنْ بكّر عليه،
فسألته أنْ يملي عليّ شيئاً فأخذ الكتاب يملي فإذا بإنسان يدق البابَ فَقَالَ
الشيخُ: مَنْ هذا؟ قَالَ: أحمد بن حنبل فأذِنَ لهُ،
والشيخُ على حالتهِ، والكتابُ في يدهِ لا يَتَحَرك.
فإذا بآخر يدقُ البابَ فَقَالَ
الشيخُ: مَنْ هذا؟ قَالَ: أحمد الدورقي، فأذِنَ لهُ،
والشيخُ على حالتهِ، والكتابُ في يدهِ لا يَتَحَرك.
فإذا بآخر يدقُ البابَ فَقَالَ
الشيخُ: مَنْ هذا؟ قَالَ: عبد الله بنُ الرومي، فأذِنَ
لهُ، والشيخُ على حالتهِ، والكتابُ في يدهِ لا يَتَحَرك.
فإذا بآخر يدقُ البابَ فَقَالَ
الشيخُ: مَنْ هذا؟ قَالَ: أبو خيثمة زهير بن حرب، فأذِنَ
لهُ، والشيخُ على حالتهِ، والكتابُ في يدهِ لا يَتَحَرك.
فإذا
بآخر يدقُ البابَ فَقَالَ الشيخُ: مَنْ هذا؟
قَالَ:
يحيى بن معين، فرأيتُ الشيخَ ارتعدتْ يده ثم سَقَطَ الكتابُ من يدِهِ([34]).
وَقَالَ
جَعْفرُ الطيالسي عَنْ يحيى بنِ معين قَالَ: ((لما قَدِمَ
عبدُالوهاب بنُ عطاء أتيته فكتبتُ عنه، فبينا أنا عنده إذ أتاه كتابٌ مِنْ أهلهِ
مِنْ البصرة، فقرأهُ وأجابهم، فرأيته وقد كَتَبَ على ظهرهِ: وقدمتُ بغدادَ
وقَبَلني يحيى بنُ معين، والحمدُ لله ربّ العالمين))([35]).
وَقَالَ
ابنُ مُحرز:((سمعتُ يحيى بنَ معين
يقولُ: قالَ لي إسماعيلُ بنُ عُليةَ يوماً: كيفَ حَدِيثي؟ قالَ: قلتُ: أنتَ
مُستقيمُ الحَدِيث، قَالَ: فَقَالَ لي: وكيفَ علمتمْ ذاكَ؟ قلتُ لهُ: عارضنا بها
أحاديثَ النَّاس، فرأينها مستقيمة، قَالَ: فَقَالَ: الحمدُ لله، فلم يزلْ يقول:
الحمد لله، ويحمد ربَّهُ حتى دَخَلَ دارَ بشر بن معروف، أو قالَ: دَارَ أبي
البَخْتَري، وأنا مَعَهُ))([36]).
وَقَالَ
ابنُ مُحرز:((سمعتُ يحيى بنَ معين
يقولُ: كنتُ عند خَلَف البزّار، فقلتُ لهُ: هاتِ كتبك، فَجَبُنَ، فقلتُ: هاتِ رحمك
الله، فجاءَ بها، فنظرتُ فيها، فرأيتُ أحاديثَ مستقيمةً صحاحاً، قيلَ لهُ: فكتبتُ
عنه منها شيئاً؟ قالَ: نعم كتبتُ عنه أحدَ عَشَرَ حَدِيثاً))([37]).
-10-
يحيى بنُ معين-
بدون تردد - يقولُ:
"باطلٌ.. لو حدّثَ بهذا عبدُ الرزاق كَانَ
حَلالَ الدّم"!
بل عليّ مائةُ بَدَنة
مُقلدة مُجَللة وحجة إنْ كَانَ مَعْمَر حَدّثَ بهذا قط!
قَالَ
عبدُ الله بنُ أحمد بن حنبل:
((سمعتُ
رَجُلاً يقولُ ليحيى: تحفظُ عن عبدِ الرزاق، عن مَعْمَر، عن أبي إسحَاق، عن عَاصِم
بنِ ضَمْرةَ، عن علي عن النبي r:"أنه
مَسَحَ على الجبائر"؟
فَقَالَ:
باطلٌ، ما حدّثَ به مَعْمَر قَط.
سمعتُ يحيى يقول: عَليهِ مائةُ بَدَنة مُقلدة
مُجَللة إنْ كَانَ مَعْمَر حَدّثَ بهذا قَط، هذا باطل، ولو حدّثَ بهذا عبدُ الرزاق
كَانَ حَلالَ الدّم، مَنْ حدّثَ بهذا عن عبد الرزاق؟
قالوا
له: فلانٌ.
فَقَالَ: لا واللهِ ما حدّثَ به مَعْمَر، وعليه
حَجةٌ من هاهنا - يعني المسجد - إلى مكة إن كان مَعْمَر حدّثَ بهذا.
قَالَ
أبو عبدِ الرحمن([38]):
وهذا الحديثُ يروونه عن إسرائيلَ، عن عَمْرو بنِ خَالد، عن زَيد بنِ علي، عن
آبائه، عن علي:"أنّ النبي r
مَسَحَ على الجبائر"، وعَمْرو بنُ خَالد لا يسوي حديثه شيئاً))([39]).
وَقَالَ
المروذّيُّ:سألته - يعني أحمد بن حنبل - عن حَدِيث عبدِ الرزاق، عن مَعْمَر، عن
أبي إسحَاق، عن عَاصِم بنِ ضَمْرةَ عن علي عن النبي r:"أنه
مَسَحَ على الجبائر"؟
فَقَالَ:
مَا يحل، ليسَ مِنْ هذا شيء، مَنْ حَدّثَ بهذا؟ قلتُ: ذَكَروهُ عن صاحبِ الزُّهريّ،
فتكلم فيه بكلامٍ غَليظ([40]).
-11-
تزويرُهُ لا يَنْطلي على أئمة الحديثِ
وإنْ تظاهرَ بالصّلاحِ و سَبّحَ!
سَألَ
البَرذعيُّ أبا زُرْعةَ فَقَالَ:
((حَدِيثٌ
رَواهُ مُحَمَّدُ بنُ أيّوب بنِ سُوَيد الرَّمليُّ عَنْ أبيهِ عَنْ الأوزَاعيّ.
قَالَ: حَدِيثُ "بارك لأمتي في بكورها".
قُلْتُ: نَعم.
قَالَ: مُفْتَعلٌ.
ثم قَالَ: كنتُ بالرّملة فَرأيتُ شيخاً جَالساً
بحذائي؛ إذا نَظَرتُ إليهِ سَبّحَ، وَإذا لَمْ أنظرْ إليه سَكَتَ، فَقُلتُ في
نفسي: هذا شيخٌ هُوَ ذَا يتصنع لي!.
فَسألتُ عَنْهُ فقالوا: هذا مُحَمَّدُ بنُ أيّوب
بن سُوَيد.
فَقُلتُ
لبعضِ أصحابنا: اذهبْ بَنا إليهِ.
فأتيناهُ فَأخرَجَ إلينَا كُتُبَ أبيهِ أبواباً
مُصَنّفةً، بخَطِ أيّوب بن سُوَيد، وَقدْ بَيّضَ أبوهُ كُلَّ بابٍ، وَقدْ زِيدَ في
البَياضِ أحَادِيث بغيرِ الخَط الأوَّلِ.
فَنظرتُ
فِيهَا، فإذا الذي بخَطّ الأوَّلِ أحاديثُ صِحاحٌ، وإذا الزّياداتُ أحاديثُ
مَوضوعةٌ، ليستْ مِنْ حَدِيث أيّوب بن سُوَيد!.
قُلْتُ: هذا الخطُ الأوَّلُ خَطّ مَنْ هُو؟
فَقَالَ: خَطّ أبي.
فَقُلتُ: هذه الزّياداتُ خَطّ مَنْ هُو؟
قَالَ:
خَطّي.
قُلْتُ: فَهذهُ الأحاديثُ مِنْ أينَ جِئتَ بها؟
قَالَ: أخرَجْتُهَا مِنْ كُتُبِ أبي.
قُلْتُ: لا ضَيْرَ، أخرِجْ إليّ كُتُبَ أبيكَ التي أخْرجتَ هذهِ
الأحاديثَ مِنْهَا.
قَالَ
أبوزُرْعةَ: فاصْفارّ لَونُهُ، وَبَقِي([41]).
وقَالَ: الكُتُبُ ببيتِ المقدِسِ.
فَقُلتُ: لا ضَيْرَ، أنا أكتَرِي فيُجَاءُ بِها إليّ، فَأوجه إلى
بيتِ المقدِسِ، واكتبْ إلىّ مِنْ كُتُبكَ مَعَهُ حتى يوجهَهَا.
فَبَقي وَلم يكنْ لهُ جَوابٌ.
فَقُلتُ له:
وَيْحَكَ!
أمَا تتقي الله؟
مَا
وَجَدتَ لأبيكَ ما تَفقهُ بهِ سِوَى هذا؟
أبوكَ عِنْدَ النّاسِ مَستورٌ وتَكْذبُ عليه!
أما
تَتّقي اللهَ؟
فَلمْ أزَل أكلّمهُ بكَلامٍ مِنْ نحو هذا، ولا
يقدرُ لي عَلى جَواب))([42]).
وَقريبٌ مِنْ هذا ما ذكرهُ أبو مُحمّد
ابنُ أبي حَاتم قَالَ:
((سمعتُ
أبا زُرْعةَ يقولُ:
سَمعتُ
مِنْ بعضِ المشايخِ أحَادِيثَ فَسَألني رَجُلٌ مِنْ أصحابِ الحَدِيثِ فَأعطيتُهُ
كِتَابي فردَّ علىّ الكِتابَ بَعدَ ستةِ أشهرٍ فَأنظرُ في الكِتابِ فَإذا إنّهُ
قدْ غَيّرَ سبعةَ مَوَاضع.
قَالَ
أبو زُرْعةَ: فَأخذتُ الكِتابَ وَصرتُ إلى عندهِ، فَقلتُ: ألا تَتَقى اللهَ
تَفْعلُ مِثلَ هذا!.
قَالَ أبو زُرْعةَ: فَأوْقفتُه عَلى مَوْضعٍ
مَوْضعٍ، وَأخبرتُهُ، وَقلتُ لهُ:
أمَّا هَذا الذي غَيّرتَ فإنّهُ هذا الذي
جَعَلتَ عَنْ ابنِ أبى فُدَيك فإنّهُ عَنْ أبى ضَمْرةَ مَشْهور، وَليسَ هَذا مِنْ
حَدِيثِ ابنِ أبى فُدَيك، و أمَّا هَذا فإنّهُ كَذا وكَذا فإنّهُ لا يجيء عَنْ
فُلاَن، وَإنَّمَا هَذا كَذا فَلمْ أزلْ أُخْبرهُ حَتى أوْقفتُهُ عَلى كُلِّهِ.
ثُمّ قُلْتُ لَهُ: فإني حَفظتُ جَميعَ مَا فيهِ
في الوقتِ الذي انتخبتُ عَلى الشيخِ، وَلو لم أحْفظهُ لَكَانَ لاَ يَخْفى عَلىّ
مِثلَ هَذا فاتقِ اللهَ عز وجل يا رجل!.
قَالَ
أبو مُحمّد فَقلتُ لَهُ: مَنْ ذَلكَ الرّجل الذي فَعَلَ هَذا؟
فَأبى
أنْ يُسميَهُ))([43]).
وَقالَ
ابنُ أبي حَاتم:((وَ سَمعتُ أبا زُرْعةَ يَقولُ: دَفعتُ كِتابَ الصّومِ إلى رَجُلٍ
بَغْدَاديّ فَرَدَّ عَلىّ فإذا إنّهُ قَدْ غَيّرَ حَرْفاً مِنْ الإسنادِ عَنْ
جِهَتِهِ.
قَالَ أبو زُرْعةَ: فَتَعجبتُ مِنْهُ فَقُلتُ في
نفسِي: يَا سُبْحَانَ اللهِ مَنْ يُريدُ أنْ يَفْعلَ هَذا بي؟! أيّ شيءٍ يَظُنّ؟ وقلتُ
في نفسِي: إنَّهُ يَظُنّ أنّهُ عَمِلَ شَيئاً))([44]).
-12-
وحفظُ الحديثِ مما
يُذْكَر!
لمّا
وَرَدَ أبو الفضل الهَمَذَانيّ الأديبُ نَيسابور، تعصَّبوا له، ولُقّب بديع
الزَّمان، وأُعجِبَ بنفسهِ، إذْ كَانَ يحفظُ المائة بيتٍ إذا أنشدتْ بين يديهِ
مرَّة، ويُنْشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة فأنكرَ على النَّاسِ قولهَم: فلانُ
الحافظُ في الحديثِ، ثمَّ قَالَ: وحفظُ الحديثِ مما يُذْكَر!.
فسمِعَ بهِ الحاكمُ ابنُ البَيِّع([45])
فوجَّه إليه بجُزءٍ،
وأجلَّه جمعةً في حِفظهِ، فردَّ إليه الجزءَ بعدَ الجمعة، وَقَالَ: مَنْ يحفظُ
هذا؟ محمدُ بنُ فلان، وجعفر بن فلان عَنْ فلان أساميُّ مختلفةٌ وألفاظٌ متباينة.
فَقَالَ له الحاكمُ: فاعرفْ نفسَك، واعلم
أنَّّ حفظَ هذا أضيقُ مما أنتَ فيهِ([46]).
-13-
مِنْ أحفظِ النَّاس
قَالَ
مَسْلمةُ بنُ القَاسم:
كان العُقَيْليُّ([47])
جليلَ القدْر، عظيمَ الخَطَر، ما رأيتُ مثلَه، وكان كثيرَ
التصانيف، فكان من أتاه من المحدِّثين، قَالَ: اقرأْ مِنْ كِتَابكَ، ولا يخْرِجُ
أصلَه، قَالَ: فتكَّلمْنَا في ذلك.
وقُلْنَا: إمَّا أنْ يكونَ من أحفظِ النَّاس،
وإمَّا أنْ يكونَ مِنْ أكذبِ النَّاس، فاجتَمعنا فاتَّفقنَا على أنْ نكتبَ له
أحاديثَ من روايتهِ ونزيدُ فيها وننقصُ، فأتيناهُ لنمتَحِنَه، فَقَالَ لي: اقرأْ
فقرأتُها عليه.
فلما أتيتُ بالزيادةِ والنقصِ فَطِنَ لذلكَ،
فأخذَ مني الكِتَاب، وأَخَذَ القلمَ، فأصلحَها مِنْ حفظه فانصرفنا مِنْ عنده، وقد
طابتْ نفوسُنا، وعَلِمنَا أنَّه من أحفظِ النَّاس([48]).
-14-
لا محاباةَ في الذّبِ
عَنْ سنةِ المصطفى e
قَالَ
عبدُ الرحمن بنُ أبي حَاتِم:
سمعتُ
أبي يقولُ: دخلتُ قَزوين سنةَ ثلاث عشرة ومائتين مع خالي محمد بن يزيد، وداودُ
العقيليّ قاضيها، فدخلنا عليه فدفع إلينا مَشْرَسا([49]) فيه مسندُ أبي بكر فأوّلُ حديثٍ رأيتُه فيه حَدّثنَا
شُعْبة عَنْ أبي التَيّاح عَنْ المغيرة بن سُبَيْع عَنْ أبي بكر الصديق قَالَ: قَالَ
النبيّ e:"يخرج الدجالُ من أرضٍ يقال لها:
خراسان يتبعه أقوامٌ كأنّ وجهوهم المجانُّ المُطرَقَةُ"([50]).
فقلتُ: ليسَ هذا مِنْ حديثِ شُعْبة عَنْ أبي
التَيّاح!، وإنما هو من حَديثِ سعيد بن أبي عَرُوبة وعبد الله بن شَوْذَب عَنْ أبي
التَيّاح، فقلتُ لخالي: لا أكتبُ عنه إلاّ أن يرجع عَنْ هذا.
فَقَالَ خالي: أستحي أنْ أقول، فخرجتُ ولم أسمعْ
منه شيئا))([51]).
وذكرها
ابنُ أبي حَاتِم في الجرح والتعديل([52]) باختصار فَقَالَ ((سمعتُ أبي يقولُ: داودُ بنُ
إبراهيم هذا متروك الحَدِيث، كان يكذب، قدمتُ قزوين مع خالي فحمل إلي خالي مسنده
فنظرتُ في أول مسند أبي بكرٍ t
فإذا حَدِيث كذب عَنْ شُعْبة فتركته، وجهد بي خالي أن أكتبَ منه شيئاً فلم تطاوعني
نفسي ورددتُ الكتب عليه)).
-15-
يردُّ عَلى الأميرِ
الوهمَ في الإسنادِ!
قَالَ
أبوبكر ابنُ خُزيمةَ:
كُنتُ
عِنْدَ الأمير إسماعيل بنِ أحمد فَحَدّثَ عَنْ أبيهِ بِحَدِيثٍ وَهَمَ في
إسنادِهِ، فَرددتُهُ عليهِ، فَلمَّا خَرجتُ مِنْ عِنْدهِ قَالَ أبو ذَرٍ القاضيّ:
قَدْ كُنّا نعرفُ أنَّ هذا الحديثَ خَطأ منذُ عِشرينَ سنة فلم يقدرْ واحدٌ منّا
أنْ يردَّهُ عليهِ.
فَقلتُ لهُ: لا يحلُّ لي أنْ أسمعَ حَدِيثاً
لرسول الله r فيهِ خطأ أو تحريفٌ
فلا أردّ([53]).
-16-
معرفةُ عللِ الحديثِ
ليس ادعاءً للغيب
قَالَ
ابنُ أبي حَاتِم:((سمعتُ أبى رحمه الله يقولُ: جاءني رجلٌ من جِلةِ أصحابِ الرأي مِنْ
أهلِ الفهم منهم، وَمَعَه دفترٌ فعرضه علىَّ، فقلتُ في بعضها: هذا حديثٌ خطأ قد دَخَل
لصاحبه حديثٌ في حَدِيث، وقلتُ في بعضه: هذا حديثٌ باطل، وقلتُ في بعضه: هذا حديثٌ
منكر، وقلتُ في بعضهِ: هذا حديثٌ كذب، وسائرُ ذلك أحاديثُ صحاح.
فَقَالَ: من أين علمتَ أنّ هذا خطأ، وأنَّ هذا
باطل، وأنّ هذا كذب، أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطتُ وأني كذبتُ في حَدِيث كذا؟
فقلتُ:
لا ما أدري هذا الجزء من رواية مَنْ هو، غير أنى أعلم أن هذا خطأ، وأنّ هذا الحَدِيث
باطل، وأن هذا الحَدِيث كذب.
فَقَالَ: تدعى الغيب؟
قَالَ قلت: ما هذا ادعاء الغيب.
قَالَ: فما الدليل على ما تقول؟
قلتُ: سلْ عما قلتُ من يحسن مثل ما أحسن فإن
اتفقنا علمتَ أنَّا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم.
قَالَ: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟
قلتُ: أبو زُرْعة، قَالَ: ويقولُ أبو زُرْعة مثل
ما قلتَ؟ قلت: نعم، قَالَ: هذا عجب.
فأخذ فكتب في كاغذ ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم
رجع إليّ وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبا زُرْعة في تلك الأحاديث فما قلت إنه باطل قَالَ
أبو زُرْعة: هو كذب، قلتُ: الكذب والباطل واحد، وما قلت إنه كذب قَالَ أبو زُرْعة:
هو باطل، وما قلت إنه منكر قَالَ: هو منكر كما قلتُ، وما قلت إنه صحاح قَالَ أبو زُرْعة:
هو صحاح، فَقَالَ: ما أعجب هذا تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما، فقلت: فقد علمت
أنا لم نجازف، وإنما قلناه بعلم ومعرفة قد أوتينا، والدليل على صحة ما نقوله بأن
ديناراً نَبْهَرَجا([54])
يحمل إلى الناقد فيقول هذا دينار نبهرج، ويقول لدينار: هو جيد، فان قيل له: من أين
قلت إن هذا نبهرج هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار؟ قَالَ: لا فإن قيل له فأخبرك
الرجل الذي بهرجه أني بهرجت هذا الدينار؟ قَالَ: لا، قيل: فمن أين قلتَ إن هذا
نبهرج؟ قَالَ: علماً رزقت، وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك، قلتُ له: فتحمل فصّ ياقوت
إلى واحدٍ من البصراء من الجوهريين فيقول: هذا زجاج، ويقول لمثله: هذا ياقوت، فإن
قيل له: من أين علمت أن هذا زجاج وأن هذا ياقوت هل حضرت الموضع الذي صنع فيه هذا
الزجاج؟ قَالَ: لا، قيل له: فهل أعلمك الذي صاغه بأنه صاغ هذا زجاجا، قَالَ: لا، قَالَ:
فمن أين علمت؟ قَالَ: هذا علم رزقت، وكذلك نحن رزقنا علما لا يتهيأ لنا أن نخبرك
كيف علمنا بأنّ هذا الحَدِيث كذب وهذا حَدِيث منكر إلا بما نعرفه))([55]).
-17-
عبدُ الرحمن بنُ مهديّ..
يعرفُ حديثَه وحديثَ غيرهِ!!
-قَالَ
الحسينِ المروزيُّ: سمعتُ عبدالرحمن بن مهديّ يقولُ: كنتُ عند أبي عَوانةَ
فَحدَّثَ بحديثِ الأعمش، فقلتُ: ليس هذا من حديثك، قَالَ: بلى، قلتُ: لا، قَالَ:
بلى، فقلتُ: لا، قَالَ: يا سلامة هاتِ الدَّرْج([56])
فأخرجه فنظر فيه، فإذا ليس الحَدِيث فيه، فَقَالَ: صدقتَ يا أبا سعيد، صدقتَ يا
أبا سعيد، ومَنْ أينَ أُتيتُ بهِ؟ قلتُ: ذُوكِرتَ بهِ وأنت شابٌّ فظننتَ أنك
سمعتَهُ([57]).
-وقَالَ
علي بنُ المدينيّ:((أعلمُ النَّاسِ بالحديث عبد الرحمن بن مهدي..وكانَ يعرفُ حديثَه
وحديثَ غيرهِ، وكان يُذكرُ له الحَدِيث عَنْ الرجل فيقول: خطأ ثم يقول: ينبغي أن
يكون أُتى هذا الشيخ من حديثِ كذا، من وجه كذا، فنجده كما قَالَ))([58]).
-وقالَ
أبو عُمر الباهليِّ: كنَّا عند عبد الرحمن بن مهديّ فقام إليه خُراسانيُّ فَقَالَ:
يا أبا سعيد حديثٌ رواهُ الحسنُ عَنْ النبيّ
r:
من ضَحِكَ في الصلاة فليعد الوضوءَ والصَّلاة، فَقَالَ عبدُ الرحمن: هذا لم يروه
إلا حفصة بنتُ سيرين عَنْ أبي العالية عَنْ النبي r،
فَقَالَ له: من أين قلتَ؟ قَالَ: إذا أتيتَ الصَّرَّافَ بدينار فَقَالَ لك: هو
بَهْرج تقدر أن تقول له: مِنْ أينَ قلت؟! قلتُ: ففسّره لنا. قَالَ: إنَّ هذا الحَدِيث
لم يروه إلا حفصة بنت سيرين عَنْ أبي العالية عَنْ النبي r.
فسمعه هشام بنُ حسَّان من حفصة، وكان في الدار معها، فحدث به هشامٌ الحسن، فحدَّثَ
به الحسنُ فَقَالَ: قَالَ رسول r.
قَالَ: فمن أينَ سمعها الزُّهريُّّ؟ قَالَ: كانَ سليمانُ بنُ أرقم يختلفُ إلى
الحسن، وإلى الزُّهريّّ فسمعه من الحسن، فذاكر به الزُّهريَّّ، فَقَالَ الزُّهريُّّ:
قَالَ رسول الله r مثله([59]).
-وَقَالَ
أحمدُ بنُ حنبل:((قَدِمَ ها هنا رَجلٌ حَدّثَهُم عَنْ سُفْيان بِحَدِيثٍ فَالقوهُ
عَلى عبدِالرحمن، فَقَالَ: هذا كَذِبٌ، ليسَ مِنْ هَذا شيءٌ، فانكروهُ عليه
فاستغاثَ بوكيع فَكَتبوا إليهِ، فإذا الحديثُ باطلٌ))([60]).
-18-
مذاكرةٌ بالألوف الأحاديثِ وَلا
يُغْرِبُ أحدُهُمَا عَلى الآخر إلاّ حَدِيثاً واحداً!
قال أبو بكر بن
زَنجويهُ: قَدِمتُ مِصْرَ، فأتيتُ أحمدَ بنَ صالح، فَسألني: مِنْ أينَ أنتَ؟ قلتُ:
مِنْ بغداد، قال: أينَ منزلُكَ مِنْ منزلِ أحمد بنِ حنبل؟ قلتُ: أنا مِنْ أصحابهِ،
قال: تكتبُ لي موضعَ منزلكَ، فإنّي أريدُ أوافي العراقَ حتى تجمعَ بيني وبينَ أحمد
بنِ حنبل.
فكتبتُ لهُ فوافى أحمدُ بنُ صالح سنةَ اثنتي
عشرة إلى عفَّان، فسأل عنّي فَلَقيني، فَقَالَ: المَوْعدُ الذي بيني وبينك، فذهبتُ
به إلى أحمد بنِ حنبل، واستأذنتُ لهُ، فقلتُ: أحمد بنُ صالح بالباب، فأذنَ لهُ،
فَقَامَ إليه، وَرحَّبَ بهِ، وقَرَّبهُ، وقالَ له: بلغني أنكَ جمعتَ حديثَ
الزُّهريّ فتعال حتى نذكرَ ما رَوَى الزُّهريّ عن أصحابِ رسول الله r
فَجَعَلا يتذاكرانِ ولا يُغْرِبُ أحدُهما على الآخر حتى فَرَغا.
قال: وما رأيتُ أحسنَ مِنْ مُذاكرتهما.
ثمَّ قال أحمدُ بنُ حنبل لأحمد بنِ صالح: تعالَ
حتى نذكرَ ما رَوَى الزُّهريّ عن أولاد أصحابِ رسول الله r
فَجَعَلا يتذاكرانِ ولا يُغْرِبُ أحدُهما على الآخر إلى أنْ قالَ أحمدُ بنُ حنبل
لأحمد بن صالح: عند الزُّهريّ عن محمد بن جُبير بن مطعم، عن أبيه، عن عبدِ الرحمن
بنِ عوف قال النبي r
" ما يسُرُّني أنَّ لي حمرَ النَّعم وأنَّ لي حلفَ المُطَيَّبين" فَقَالَ
أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل: أنتَ الأستاذُ وتذكرُ مثلَ هذا؟ فَجَعَل أحمدُ بنُ
حنبل يتبسم ويقول: رَوَاهُ عن الزُّهريّ رجلٌ مقبولٌ أو صالح: عبدالرحمن بن إسحاق.
فَقَالَ: من رواه عن عبد الرحمن؟
فَقَالَ: حدثناهُ
رجلانِ ثقتان: إسماعيل بنُ عُلية، وبشر بن المفضل.
فَقَالَ أحمدُ بنُ صالح لأحمد بن حنبل: سألتُك
باللهِ إلا أمليتَه عليَّ.
فَقَالَ أحمدُ: مِنْ الكتابِ، فَقَامَ فَدَخَلَ،
وأخرجَ الكتابَ وأملى عليه.
فَقَالَ أحمدُ بنُ صالح لأحمد بن حنبل: لو لم
استفدْ بالعراقِ إلاَّ هذا الحديثَ كان كثيراً! ثم ودَّعهُ وخرج([61]).
قَالَ الذهبيُّ:((أحمد
بن صالح الإمامُ الكبيرُ، حافظُ زمانهِ بالديارِ المصرية، أبو جعفر المصري المعروف
بابن الطَّبَريّ، وكان أبو جعفر رأساً في هذا الشأن قلَّ أنْ ترى العيونُ مثلَه
مَعَ الثقةِ والبراعةِ))([62]).
ومِنْ
أخبارِ هذا الحافظِ الكبير ما قَالَه الحافظُ مُحَمَّدُ بنُ يحيى الذُّهْليّ:
لَمَّا
جَمَعتُ حَدِيثَ الزُّهريّ عَرَضتُ عَلى علي بنِ المدينيّ فَنَظرَ فيهِ، فَقَالَ:
أنتَ وَارثُ الزُّهريّ فَبَلغَ ذَلكَ أحمدَ بنَ صالح المصري فَلمَا دَخَلتُ مِصرَ
قَالَ لي أحمدُ بنُ صالح - وَذاكرتُهُ في أحَادِيثِ الزُّهريّ -: أنتَ الذي
سَمّاكَ علي بنُ المدينيّ وَارث حَدِيث الزُّهريّ؟ قلتُ: نعم، قَالَ: بلْ أنتَ
فَاضحُ الزُّهريّ، قُلتُ: لِمَ؟ قَالَ: لأنكَ أدخلتَ في جَمْعكَ أحَادِيثَ
للضُّعفاءِ عَنْ الزُّهريّ. فَلمّا تبحَّرتُ في العِلمِ ضَربتُ عَلى الأحاديثِ
التي أشارَ إليها وبيّنتُ عِلَلَهَا([63]).
-19-
لم يستطيعوا التفردَ
ولو بحديثٍ واحدٍ!!
قَالَ
ابنُ أبي حَاتم:((سمعتُ أبى - رَحِمَهُ اللهُ - يقولُ: قلتُ عَلى بابِ أبى الوليد
الطّيالسيّ: مَنْ أَغْرَبَ علىّ حَدِيثاً غَريباً مُسْنداً صحيحاً لَمْ أسْمعْ بهِ
فَلَهُ عَلىّ دِرْهمٌ يتصدقُ بهِ، وَقدْ حَضَرَ عَلى بابِ أبى الوليد خَلْقٌ مِنْ
الخلقِ: أبو زُرْعةَ فَمَنْ دُونَهُ، وإنَّما كَانَ مرادي أنْ يُلْقَى علىَّ مَا
لَمْ أسْمعْ بهِ فيقولونَ: هُوَ عِندَ فلان فأذهب فأسمع، وكَانَ مرادي أنْ استخرجَ
مِنْهم مَا ليسَ عندي فما تهيأ لأحدٍ منهم أنْ يغربَ علىَّ حديثاً))([64]).
-20-
كَمْ أقولُ لكَ: لا تمارِ أصحابَ
الحديث!
قَالَ أبو طالبٍ:
كُنتُ يوماً عندَ بشر بن الحارث، وعنده إبراهيم بن هاشمٍ، ومحمد بن أبي عمران،
فتذاكروا: عن ابن عباس، أنه ختن بنيه، فدعا اللَّعَّابين([65]).
فَقَالَ بشر: مَنْ
رَوَى هذا؟!.
فَقَالَ: سفيان.
فَقَالَ بشر: سفيانُ
رَوَى هذا؟!.
فَقَالَ إبراهيم:
إنما روى هذا شريك.
فَقَالَ ابنُ أبي
عِمران: رواه إسحاقُ الأزرقُ عن سفيان، وقد رواه شريكٌ.
فتراجعوا فيه، فَقَالَ
بعضهم: ها هنا رجلانِ أرسلوا سَلوهُمَا.
قال بشر: من؟.
قالوا: أحمد بن حنبل،
وأبو الأحوص.
فَسَكَت.
فبعثوا رَجُلاً أو
رَجُلين، فسأل أحمد؟.
فَقَالَ: رواه شريك،
ورواه إسحاق الأزرق عن سفيان.
وقال أبو الأحوص: هو
صحيح، ولا أدرى كيف هو في الكتاب؟.
فَقَالَ لَهُ الذي
سألهُ مَا قَالهُ أحمدُ، فَقَالَ لَهُ أبو الأحوص: هو كما قال أبو عبدالله.
فَرَجَعَ الرسولُ
إليهم، وهم قعودٌ، فأخبرهم بما قالا.
فَقَالَ بشر لإبراهيم
بن هاشمٍ: كَمْ أقولُ لكَ: لا تمارِ أصحابَ الحديث. أو: كم أنهاك عن أصحاب الحديث-
هذا أو نحوه.
-21-
حُوتُ([66]) ابنِ أبي حَاتم
قَالَ علي بنُ أحمد الخَوَارزميُّ: سمعتُ عبدَ الرحمن بنَ أبي حَاتم يقولُ:
لا يُسْتطاعُ العِلمُ براحةِ الجسَدِ، كنّا بمصر سبعةَ أشهرٍ لم نأكلْ فيها
مَرَقةً.
وَذَلَكَ
أنَّا كُنّا نَغْدو بالغَدَواتِ إلى مجلسِ بَعْضِ الشيوخِ، وَوقتُ الظهرِ إلى
مَجْلِسٍ آخَر، وَوقتُ العصرِ إلى مَجْلِسٍ آخَر، ثُمَّ بالليلِ للنّسخِ
والمُعَارضةِ، فَلمْ نتفرغْ نُصْلح شيئاً.
وَكَانَ
مَعِي رفيقٌ خُرَاسانيّ، أسْمعُ في كتابه، وسَمِعَ في كتابي، فمَا أكتبُ لاَ
يَكْتبُ، وما يَكْتبُ لا أكتب.
فَغَدَونَا
يوماً إلى مَجْلِسِ بعضِ الشيوخِ، فقالوا: هو عليلٌ، فَرَجعنَا فَرأينا في طريقنا
حوتاً يكونُ بمصر يُشقُ جَوْفهُ فَيَخْرُج مِنْهُ أصفر، فَأعجبنا فلمَّا صرنا إلى
المنزلِ حَضَرَ وقتُ مَجْلِسِ بعضِ الشيوخِ فلم يمكننا إصلاحه، وَمَضينا إلى
المجلسِ فلمْ نزلْ، حَتى أتى عليهِ ثلاثةُ أيامٍ كَادَ أنْ يتغيرَ فَأكلناهُ
نيئاً.
فَقيلَ
لهُ: كنتم تعطونه لمن يشويه ويصلحه؟ قالَ: مِنْ أينَ كَانَ لنَا فَراغٌ))([67]).
-22-
بكاءٌ ووَرَعٌ وتقى وصلاحٌ
قَالَ
أبو بكر محمدُ بنُ مَهْرويهُ: سمعتُ علي بنَ الحسين بن الجنيد يقولُ: سمعتُ يحيى
بنَ معين يقولُ: إنَّا لنطعنُ على أقوامٍ لعلهم قد حَطوا رحالهم في الجنة منذ أكثر
من مائتي سنة، قَالَ ابنُ مهرويه: فدخلتُ على عبدِ الرحمن بنِ أبي حَاتِم - وهو
يقرأ على الناس كتاب الجرح والتعديل - فحدثته بهذه الحكاية فبكى، وارتعدت يداه حتى
سقط الكتاب من يده، وجعل يبكي، ويستعيدني الحكاية ولم يقرأ في ذلك المجلس شيئاً([68]).
قَالَ
البَرذعيُّ:
سَمِعتُ أبَا زُرْعةَ الرازيّ يَقولُ: لَمْ
أعرفْ لِنفسي رِبَاطاً خَالصاً في ثَغْرٍ!؛ قَصدتُ قَزْوينَ مُرَابطاً وَمِنْ
هِمّتي أنْ أسْمعَ الحَدِيثَ مِنْ الطَّنَافِسيّ، وَمُحَمّدُ بنِ سَعيد بنِ سَابق،
وَدَخلتُ بَيْروتَ مُرَابطاً وَمِنْ هِمّتي أنْ أسْمعَ مِنْ العباس بنِ الوليد،
َدَخلتُ رُهَا مُرَابطاً وَمِنْ هِمّتي أنْ أسْمعَ من أبي فَرْوةَ الرُّهَاويّ،
فَلا أعرفُ لِنفسي رِبَاطاً خَلَصَتْ نيتي فيهِ.
ثُمَّ بَكَى([69]).
لَطيفةٌ
قَالَ فُضَيلُ بنُ عِياض:((لا يخلصُ لأصحابِ الحَدِيثِ حَجٌ، وَسُفيانُ بنُ عُيينة
حيٌّ))([70]).
-23-
أريدُ زَيْنَك
قَالَ
عباسُ بنُ محمد الدّوريّ:سمعتُ يحيى بنَ معين يقول: حضرنا نُعَيم بنَ حماد بمصر،
فجعلَ يقرأ كتاباً من تصنيفه.
قَالَ: فقرأ ساعة ثم قَالَ: حَدّثنَا ابنُ
المبارك عَنْ ابنِ عون بأحاديث، قَالَ يحيى فقلتُ له: ليسَ هذا عَنْ ابنِ المبارك
فغضب وَقَالَ: تردّ عليّ؟
قَالَ قلتُ: إي والله أردّ عليكَ أريد زَيْنَك،
فأبى أن يرجعَ فلمّا رأيته هكذا لا يرجع قلتُ: لا واللهِ ما سمعتَ أنتَ هذا من ابنِ
المبارك قط، ولا سمعها ابنُ المبارك من ابنِ عون قط، فغضبَ وغضب من كان عنده من
أصحابِ الحَدِيث.
وقام نُعَيم فََدَخَلَ البيتَ فأخرج صحائفَ فَجَعَلَ
يقولُ- وهي بيده -: أينَ الذين يزعمون أنَّ يحيى بنَ معين ليس أمير المؤمنين في
الحديثِ؟، نعم يا أبا زكريا غلطتُ وكانتْ صحائف فغلطت فجعلتُ أكتب من حديثِ ابنِ
المبارك عَنْ ابن عون، وإنما رَوَى هذه الأحاديث عَنْ ابن عون غير ابنِ المبارك، قَالَ:فرجع
عنها([71]).
قَالَ
الحافظ أبو نصر الحسنُ اليونارتي:((ومما يدلُ على ديانةِ نُعَيم وأمانتهِ رجوعه
إلى الحق لما نبه على سهوه، وأوقف على غلطه، فلم يستنكف عَنْ قبول الصواب، إذ
الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والمتمادي في الباطل لم يزدد من الصواب
إلا بعدا))([72]).
-24-
عليَّ بصاحبِ الشّرطة
حتى أُسودّ وجه هذا!
قَالَ
أحمد الشِّيرازيُّ الحافظُ: سألتُ ابنَ عديّ عَنْ إبراهيمَ بنِ محمّد بن مَنْدَه فَقَالَ:
كُنَّا بالبصرةِ عند زكريا بن يحيى السَّاجيّ
فقرأ عليهم إبراهيمُ حديثين، عَنْ أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب عَنْ عمه عَنْ
مالك، فأصغيتُ إليه، فقلتُ: هذانِ الحديثانِ مِنْ حَدِيثِ ابنِ وَهب عَنْ يونس عَنْ
الزُّهريّّ لا عَنْ مالك، فأخذ السَّاجيُّ كتابَه فتأملَ وَقَالَ لي: هذا كما
قلتَ، وَقَالَ لإبراهيم: مِمّنْ أخذتَ هذا؟! فأحالَ على بعضِ أهلِ البصرة، فَقَالَ السَّاجيّ:
عليَّ بصاحبِ الشّرطة حتى أُسودّ وجه هذا!
فكلَّموهُ وتشفعواْ حتى عَفَا عنه، ثم مزَّق الكتابَ([73]).
قَالَ الخليليُّ:((إنَّما أرادَ إبراهيمُ في هذا
الافتعالَ أنْ يُغْرِبَ على غيرهِ، ويحتاجُ في هذا الأمرِ إلى الدّيانة، والإتقان،
والحفظ ومعرفة الرجال، ومعرفة الترتيب، ويكتبُ ما له وما عليه، ثم يتأملُ في
الرجال فيميز بين الصحيح والسقيم، ثم يعرف التواريخ وعُمُر العلماء حتى يعرفَ مَنْ
أدَرَكَ ممن لم يدركْ، ويعرف التدليسَ للشيوخ)).
-25-
النَّطْعَ وَالسَّيفَ زِنْديقٌ يَطْعَنُ
في حَدِيثِ رسول الله r!
قَالَ
يعْقوبُ بنُ سُفْيان الفَسَويُّ:
سَمعتُ عَلي بنَ المدينيّ يقولُ: قَالَ
مُحَمَّدُ بنُ خَازِم: كُنْتُ أقرأُ حَدِيثَ الأعْمش عَنْ أبي صَالح عَلى أميرِ
المؤمنينَ هَارُون فَكُلَمَا قُلْتُ: قَالَ رَسولُ اللهِ قَالَ: صَلى اللهُ عَلى
سَيّدي وَمولاي، حَتى ذَكَرتُ حَدِيثَ "التقى آدَمُ وَمُوسَى ([74])
" فَقَالَ عَمّهُ -وَسَمَّاهُ عَلي، فَذَهَبَ عَليّ- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ
أينَ التقيا؟
قَالَ فَغَضَبَ هَارُونُ وَقَالَ: مَنْ طَرَحَ
إليكَ هذا؟
وَأُمِرَ بهِ قَالَ: فَحُبِسَ، وَوَكّلَ بي مِنْ
حَشَمِهِ مَنْ أدخلني إليهِ في مَحْبسهِ.
فَقَالَ: يَا مُحَمّد وَاللهِ مَا هُوَ إلاّ
شيءٌ خَطَرَ بِبَالي، وَحَلَفَ لي بَالعتقِ وَصدقةِ المالِ وَغيرِ ذلكَ مِنْ
مُغَلظاتِ الأيمان: مَا سمعتُ مِنْ أحدٍ وَلاَ جَرَي بيني وَبين أحدٍ في هذا
كَلامٌ، وَمَا هُوَ إلاّ شيءٌ خَطَرَ بِبَالي، لم يجرْ بيني وبين أحدٍ فيهِ كَلام.
قَالَ فَلَمّا رَجَعتُ إلى أميرِ المؤمنينَ
كَلمتُهُ.
قَالَ:
لِيَدُلني عَلى مَنْ طَرَحَ إليهِ هذا الكلامَ.
فَقُلتُ: يَا أميرَ المؤمنينَ قدْ حَلَفَ
بالعتقِ ومُغَلظاتِ الأيمان أنّه إنمّا هُو شيءٌ خَطَرَ بِبَالي، لم يجرْ بيني
وبين أحدٍ فيهِ كلام.
قَالَ فَأمِرَ بهِ فَأُطلقَ مِنْ الحبسِ،
وَقَالَ لي: يَا مُحَمّد وَيحكَ إنَّمَا تَوهمتُ أنّهُ طَرَحَ إليهِ بَعضُ
المُلْحِدينَ هَذا الكلامَ الذي خَرَجَ مِنْهُ فيدلني عليهمْ فَاستبِيحهم، وَإلاّ
فأنَا عَلى يقينٍ أنَّ القرشيَّ لا يتزندق([75])!
قَالَ هَذا وَنحوهُ مِنْ الكلامِ([76]).
وَقَالَ
خُرَّزَاذ القائدُ([77]):
كُنتُ
عِنْدَ الرّشيد فَدَخَلَ أبو مُعَاوية الضريرُ وَعندهُ رَجُلٌ مِنْ وُجوهِ قُرَيش،
فَجَرَى الحَدِيث إلى أنْ خَرَجَ أبو مُعَاوية إلى حَدَيثِ الأعمش عَنْ أبى صَالح
عَنْ أبى هريرةَ أنّ "مُوَسى لَقي آدم" فَقَالَ: أنتَ آدمُ الذي أخرجتنا
مِنْ الجنّة" وَذَكَرَ الحَدِيثَ.
فَقَالَ القُرَشيُّ: أينَ لَقي آدمُ مُوَسى؟
قَالَ: فَغَضَبَ الرَّشيدُ، وَقَالَ: النَّطْعَ
وَالسّيفَ زِنْديقٌ يَطْعَنُ في حَدِيثِ رسولِ الله r.
فَمَا
زَالَ أبو مُعَاوية يُسكّنهُ وَيقولُ: كَانتْ مِنْهُ بادِرَةٌ وَلم يَفْهَم يَا
أميرَ المؤمنينَ، حَتى سَكّنهُ ([78]).
قلتُ: وهارونُ الرَّشيدُ كوالدهِ
المهديّ في استئصالِ الزّنادقةِ وتتبعهم وَقَتلهم، وقد استعمل هارونُ الرَّشيدُ مُحَمّدَ
بنَ عُروةَ بنِ هشام بن عُروةَ بن الزّبير على وظيفة "متتبع الزّنادقةِ".
وَمِنْ أخبَار هَارون الرَّشيد في ذلكَ:
قالَ
أبو دَاود السجستاني:
لَمَّا
جَاءَ الرَّشيدُ بشاكر رأسِ الزّنادقة ليضربَ عُنُقَهُ قَالَ: أَخبرني لِمَ
تُعَلِمونَ المُتعلِمْ مْنِكُم أوَّل مَا تُعَلمونَهُ الرّفضَ وَالقَدَرَ؟
قالَ: أمّا قُولنُا بالرّفض فإنَّا نريدُ
الطّعنُ عَلى النّاقلةِ([79]) فَإذَا بَطَلَتْ النّاقلةُ أوشكَ أنْ نبطلَ
المنقولَ، وأمَّا قُولنُا بالقَدَرِ فإنَّا نريدُ أنْ نجوّزَ إخراج بعضِ أفعالِ
العبادِ([80])
عَنْ قَدَرِ الله فإذا
جاز أنْ يخرجَ البعض جاز أنْ يخرجَ الكُل([81]).
وكان هارونُ الرَّشيدُ يسأل عن أوصاف
الزّنادقة، قَالَ عبدُالله بنُ مُصعب:
قَالَ
لي أميرُ المؤمنين هارونُ الرَّشيدُ: يَا أبا بكر مَا تقولُ في الذينَ يَشْتمونَ
أصحابَ رسولِ الله r؟
فَقُلتُ: زَنَادقةٌ يَا أميرَ المؤمنينَ.
قَالَ: مَا عَلمتُ أحداً قَالَ هذا غَيرُكَ،
فَكَيفَ ذَلكَ؟
قَالَ: قُلتُ: إنّمَا هُمْ قَومٌ أرَادوا رَسولَ
الله r
فَلم يجدوا أحداً مِنْ الأمةِ يتابعهم عَلى ذَلكَ فيهِ فَشَتَموا أصحابَهُ يا
أميرَ المؤمنين، مَا أقبحَ بالرجلِ أنْ يَصْحبَ صَحابةَ السّوء، فَكأنهمْ قَالُوا:
رسول الله r صَحِبَ صَحَابةَ
السّوء.
فَقَالَ لي: مَا أدري الأمر إلاّ كَمَا قُلتَ([82]).
-26-
إنَّ المُنَاقَشَةَ مَعَنَا مِنْ قِلَّةِ
المُرُوءةِ!
قَالَ أبو حاتم ابنُ
حِبانَ:
دَخَلتُ بَاجَرْوانَ-مَدينةٌ
بين الرَّقةِ وَحرَّان([83])
-فَحَضرتُ مسجدَ الجامع، فلمّا فَرَغنا مِنْ الصلاةِ قِامَ بينَ أيدينا شابٌّ، فَقَالَ:حَدَّثنا
أبو خَليفةَ قَالَ:حَدَّثنا أبو الوليد قَالَ:حَدَّثنا شُعبةُ عَنْ قَتادةَ عَنْ
أنس قَالَ: قَالَ رسول الله r
" مَنْ قَضى لمُسلمٍ حاجةً فَعَلَ اللهُ بهِ كذا وكذا" وذَكَرَ كلاماً
طويلاً.
فلمّا فَرَغَ مِنْ كلامهِ، دَعَوتُهُ، فَقُلتُ: مِنْ
أينَ أنتَ؟
قَالَ: مِنْ أهلِ
برذعة.
قلتُ: دخلتَ البصرةَ؟
قَالَ: لا.
فَقُلتُ: رَأيتَ أبا
خَليفةَ؟
قَالَ: لا.
قُلتُ: فَكَيفَ تروي
عنه، وأنتَ لم تَرَهُ؟!.
فَقَالَ: إنَّ
المُنَاقَشَةَ مَعَنَا مِنْ قِلَّةِ المُرُوءةِ، أنا أحفظُ هذا الإسناد الوَاحِدَ،
فكلّما سَمِعْتُ حديثاً ضممتُه إلى هذا الإسناد فرويتُ.
فقمتُ وتَرْكتهُ([84]).
-27-
رَحلاتٌ طويلة وشاقة
طلباً للعلم!
قَالَ
ابنُ أبي حَاتم:((سمعتُ أبي يقولُ: بَقِيتُ بالبصرةِ في سنةِ أربعَ عشرةَ ومائتين
ثمانيةَ أشهرٍ، وَكَانَ في نفسِي أنْ أُقيمَ سنةً فانقطعَ نَفَقَتي، فَجَعلتُ أبيعُ
ثيابَ بَدَني شيئاً بعدَ شيء حَتى بقيتُ بلا نفقةٍ، ومضيتُ أطوفُ مَعَ صديقٍ لي
إلى المشيخةِ وأسمعُ منهمْ إلى المساءِ فانصرفَ رفيقي ورجعتُ إلى بيت خالٍ،
فَجَعلتُ أشربُ الماءَ من الجوع.
ثمّ أصبحتُ من الغد، وغدا عليّ رفيقي، فجعلتُ
أطوفُ مَعَهُ في سماعِ الحديثِ على جوعٍ شديدٍ، فانصرفَ عني وانصرفت جائعاً، فلمّا
كَانَ مِنْ الغد غَدَا عليّ فَقَالَ: مُرّ بِنَا إلى المشايخِ، قلتُ: أنا ضعيفٌ،
لا يمكنني قَالَ: مَا ضَعْفُكَ؟، قلتُ: لا أكتُمكَ أمري قد مَضَى يومانِ مَا طعمتُ
فيهما شيئاً، فَقَالَ: قدْ بقي معي دينار فأنا أواسِيك بنصفهِ، ونجعلُ النصفَ
الآخرَ في الكِراء، فخرجنا من البصرةِ وقبضتُ منه النصفَ دِينار))([85]).
وَقَالَ
أيضاً:((ما ذُكر من رِحلةِ أبى في طَلَبِ العلم..سمعت أبى يقول: أوَّلُ سنةٍ خرجتُ
في طلب الحَدِيث أقمتُ سبعَ سنين، أحصيتُ ما مشيتُ على قدميَّ زيادةً على ألْف
فرسخ، لم أزل أُحصى حتى لما زاد على ألْف فرسخ تركتُهُ.
أمَّا
مَا كنتُ سِرْتُ أنَا مِنْ الكوفة إلى بغدادَ فَمَا لا أُحصي كَمْ مَرّة، ومن مكة
إلى المدينة مراتٍ كثيرة.
وخرجتُ
من البحرين([86])
مِنْ قُرْبِ مدينةِ صَلا
إلى مصر ماشياً، وَمِنْ مصر إلى الرملة ماشياً، وَمِنْ الرملة إلى بيت المقدس، وَمِنْ
الرملة إلى عسقلان، وَمِنْ الرملة إلى طَبَرِيّة، وَمِنْ طَبَرِيّة إلى دمشق، وَمِنْ
دمشق إلى حمص، وَمِنْ حمص إلى أنطاكِيَة، وَمِنْ أنطاكِيَة إلى طَرَسُوس، ثم رجعت
من طَرَسُوس إلى حمص.
وَكَانَ بَقِى علىَّ شيءٌ مِنْ حَدِيث أبى اليَمَان
فسمعتُ، ثم خرجتُ مِنْ حمص إلى بَيْسَان، وَمِنْ بَيْسَان إلى الرَّقَّة، وَمِنْ الرَّقَّة
ركبت الفُرات إلى بغداد، وخرجتُ قبلَ خروجى إلى الشام مِنْ واسط إلى النيل، وَمِنْ
النيل إلى الكوفة، كلُّ ذلكَ ماشيا.
كلُّ هذا في سفرى الأوَّل، وأنا ابنُ عشرين سنة،
أجول سبعَ سنين، خرجتُ من الرَّيّ سنةَ ثلاث عشرة ومائتين، قدمنا الكوفة في شهر
رمضان سنة ثلاث عشرة، والمقرئ حيٌّ بمكةَ وجاءنا نعيه ونحنُ بالكوفة، ورجعتُ سنة
إحدى وعشرين ومائتين، وخرجتُ المرة الثانية سنة اثنتين وأربعين، ورجعت سنة خمس
وأربعين، أقمت ثلاث سنين، وقدمتُ طَرَسُوس سنةَ سبع عشرة أو ثماني عشرة وكان
واليها الحسن بن مصعب))([87]).
وَقَالَ
ابنُ أبي حَاتِم أيضاً:((سمعت أبا زُرْعة يقول: خرجتُ من الرَّيّ المرَّة الثانية
سنةَ سبعٍ وعشرين ومائتين، ورجعتُ سنة اثنتين وثلاثين في أولها بدأت فحججتُ ثم
خرجتُ إلى مصر فأقمتُ بمصر خمسةَ عَشَرَ شهراً، وكنتُ عزمت في بُدُوّ قُدومِى مصر
أني أقلّ المقام بها، فَلَمَّا رأيتُ كثرةَ العلمِ بها، وكثرةَ الاستفادةِ، عزمتُ
على المُقَام ولم أكنْ عَزَمتُ عَلى سماعِ كُتُبِ الشافعيّ.
فَلَمَّا عَزَمتُ عَلى المُقَام وَجَّهتُ إلى أعْرفِ
رَجُل بمصر بكتُب الشافعيّ فَقَبَّلتُها مِنْهُ بثمانين دِرْهماً أنْ يكتُبَها كلَّها،
وأعطيتُه الكاغِذَ([88])،
وكنتُ حَمَلْت مَعي ثَوْبين دَبيقيين([89])
لأقطعهما لنفسي.
فَلَمَّا عَزَمتُ عَلى كتابتها أمرتُ ببيعها
فبيعا بستين دِرْهماً، واشتريت مائة ورقة كاغِذ بعشرة دَرَاهم، كتبتُ فيها كتبَ
الشافعي.
ثمَّ خرجتُ إلى الشّام فأقمتُ بها ما أقمتُ، ثم خرجتُ
إلى الجزيرة، وأقمتُ ما أقمتُ، ثم رجعتُ إلى بغداد سنة ثلاثين في آخرها، ورجعتُ
إلى الكوفة، وأقمتُ بها ما أقمتُ، وقدمتُ البصرة فكتبتُ بها عَنْ شيبان، وعبدالأعلى.
-قَالَ ابن أبي حَاتِم-سمعتُ محمدَ بنَ عوف يقولُ:
كَانَ أبو زُرْعة عندنا بحمص سنةَ ثلاثين ومائتين، -قَالَ ابنُ أبي حَاتِم-سمعت
أبا زُرْعة يقول: أقمتُ في خرجتي الثالثة بالشام والعراق ومصر أربع سنين وستة أشهر
فما أعلم أني طبختُ فيها قدراً بيدِ نفسِي)) ([90]).
-28-
الحفظُ خوَّان!
قَالَ
جَعْفرُ بنُ دَرَستويه:((أُقعد عليُّ بنُ المدينيّ بسَامرَّاء على منبرٍ فَقَالَ:
يقبُحُ بمن جَلَسَ هذا المجلسَ أنْ يحدّثَ مِنْ كِتابٍ، فأوَّلُ حَدِيثٍ حَدّث
مِنْ حِفظهِ غَلِطَ فيهِ، ثم حَدّث سبعَ سنين من حفظه لم يخطىء في حديثٍ واحدٍ))([91]).
قَالَ مُرَبَّعُ([92]) الحافظُ:
قَدِمَ عَلينا أبو بكر بنُ أبى شيبةَ فانقلبتْ
بهِ بغداد، وَنُصِبَ لهُ المنبر في مسجد الرّصافة، فَجَلَسَ عَليه، فَقَالَ مِنْ
حِفْظهِ: حَدّثنا شَرِيك، ثُمّ قَالَ: هي بَغدادُ!، وَأخَافُ أنْ تَزِلَّ قَدَمٌ
بَعْدَ ثُبُوتِهَا، يَا أباشيبة([93]) هاتِ الكِتاب([94]).
قلتُ:
وَكانَ مِنْ سَنَن أئمةِ الحديثِ ونقادهِ التحديثُ مِنْ كتبهم والحرص على ذلك، ومِنْ
أخبارهم في هذا:
قَالَ عبدُ الله بنُ أحمد بنِ حنبل:((قَالَ يحيى
بنُ معين قَالَ لي عبدُ الرزاق: اكتبْ عني ولو حديثاً واحداً مِنْ غيرِ كِتاب،
فقلتُ: لا ولا حَرْف))([95]).
وَقَالَ
أحمدُ بنُ حنبل:((مَا كَانَ أحدٌ أقلّ سقطاً مِنْ ابنِ المُبارك، كَانَ رَجُلاً
يحدّث مِنْ كتابٍ، ومَنْ حدّث مِنْ كتاب لا يكادُ يكون له سقط كبير شيء، وَكَانَ
وكيعُ يحدّث مِنْ حفظهِ، ولم يكن ينظر في كِتاب، وكان يكون له سقط، كم يكونُ حفظ
الرجُل!))([96]).
وَقَالَ عبدُ الله بنُ أحمد بنِ حنبل:((مَا
رأيتُ أبي - رحمه الله - على حفظهِ حدّث مِنْ غير كتاب إلا أقل من مائة حَدِيث))([97]).
-29-
عجائبُ مِنْ حفظِ
الأئمة للحديثِ ورجالهِ وطرقهِ
قال
أبو داود الخَفَّاف:((سمعتُ إسحاق بنَ راهويه يقولُ: لكأني أنظر إلى مائهِ ألْف
حديثٍ في كُتُبي وثلاثين ألفاً أسردها، قَالَ: وأملي علينا إسحاقُ أحد عشر ألْف حَدِيث
مِنْ حفظهِ ثمّ قرأها علينا فما زاد حرفاً ولا نقص حرفاً))([98]).
وَقَالَ
أبو يزيد المدينيّ:((سمعتُ إسحاقَ بنَ إبراهيم الحنظليّ يقول - في سنة ثمان
وثلاثين ومائتين -: أعرفُ مكانَ مائة ألْف حَدِيث، كأني أنظرُ إليها، وأحفظُ منها
سبعين ألْف حَدِيث من ظهر قلبي صحيحة، وأحفظ أربعة آلاف حَدِيث مزوَّرة([99])،
فقيل: ما معنى حفظ المزوَّرة؟ قال: إذا مرَّ بي منها حديثٌ في الأحاديث الصحيحة
فَلَيتُهُ مِنْها فَلْيَاً))([100]).
وقال
عبد الله بنُ أحمد: قال لي أبو زُرْعة: أبوكَ يحفظُ ألْفَ ألْفَ حديثٍ، فقيل له:
وما يدريكَ؟ قال: ذاكرته فأخذتُ عليه الأبواب([101]).
وقال
البخاريُّ:((أحفظُ مائةَ ألْفِ حديثٍ صحيحٍ، وأعرفُ مائتي ألْف حديثٍ غيرِ
صَحيحٍ))([102]).
وقال
أبوحامد الأعمش:((رأيتُ محمدَ بنَ إسماعيل في جنازة سعيد بنِ مروان، ومحمدُ بنُ
يحيى الذّهلي يسأله عن الأسامي والكنى وعلل الحَدِيث، ومحمدُ بنُ إسماعيل يمر فيه
مثل السهم كأنه يقرأ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }))([103]).
وأخبارُ
الأئمة وقصصهم في سعة محفوظاتهم، وقوة استحضارهم كثيرةٌ جداً، وقد ذُكر كثير منها
في ثنايا هذا الكتاب.
-30-
يحضرُ مجالسَ الحديثِ في ذلكَ الزمان ألوفٌ
مِنْ النَّاس!
أ- أربعونَ ألْف رجلٍ في مجلسِ سُليمانِ
بنِ حَرْب (م224):
قَالَ
أبو حَاتِم:((سليمانُ بنُ حَرْب إمامٌ مِنْ الأئمةِ كَانَ لا يُدلسُ، ويتكلمُ في الرجالِ،
وفى الفقه..ما رأيتُ في يدِهِ كتاباً قط.
ولقد
حَضرتُ مجلسَ سليمانَ بنَ حَرْب ببغداد فَحَزَروا مَنْ حَضَرَ مجلسَهُ أربعين ألْف
رجل.
وكَانَ مجلسه عِندَ قَصْرِ المأمونِ فَبَنى لهُ
شبه منبر، فَصَعَدَ سليمانُ، وحَضَرَ حولَهُ جماعةٌ مِنْ القُوّاد عليهم السواد،
والمأمونُ فوقَ قصرهِ قَدْ فَتَحَ بابَ القصرِ، وقد أَرْسلَ ستر يشف، وهُو خَلْفهُ
يكتبُ مَا يملى.
فَسُئل
أوَّلَ شيءٍ حديثَ حَوْشب بنِ عَقِيل، فلعله قدْ قَالَ حَدَّثَنَا حوشبُ بنُ
عَقِيل أكثرَ مِنْ عشر مرات، وهمْ يقولونَ: لا نسمع.
فَقَالَ: مستملي ومستمليان وثلاثة، كلُّ ذلكَ
يقولون: لا نسمع.
حتى قالوا: ليسَ الرأي إلاَّ أنْ يحضرَ هارونُ
المستملى،ّ فَذَهَبَ جماعةٌ فأحضروهُ، فلمَّا حَضَرَ قالَ: مَنْ ذَكَرتَ؟ فإذا
صوتُهُ خلافَ الرّعد، فسكتوا، وَقَعَدَ المستملون كلهم، فاستملى هارونُ وَكَانَ لا
يسألُ عَنْ حديثٍ إلاَّ حَدَّثَ مِنْ حِفظهِ، وسُئل عَنْ حديثِ فتحِ مكةَ
فَحَدَّثَنا بهِ مِنْ حفظه، فقمنا مِنْ مجلسِهِ فأتينا عَفّانَ فَقَالَ: مَا
حَدثكم أبو أيوب، وإذا هو يعظمُهُ))([104]).
ب- خمسة عشر ألْف محبرة في مَجْلسَ جَعْفر
بن محمد الفِرْيَابيّ (م301):
قَالَ
ابنُ عديّ:((رَأيتُ مَجْلسَ الفِرْيَابيّ يُحْزرُ فيهِ خمسة عشر ألْف محبرة،
وكُنَّا نحتاجُ أنْ نبيتَ في موضعِ المجلسِ لنتخذَ مِنْ الغد موضعَ مجلسٍ))([105]).
ج- أكثرُ مِنْ مائة ألْف رجلٍ في مجلسِ
عاصم بنِ عَلي (م 221):
قَالَ
العِجْليُّ:((عَاصمُ بنُ على بنِ عَاصم الواسطيّ، شَهدتُ مجلسَ عَاصِم فَحَزَروا
مَنْ شَهده ذلكَ اليوم ستين ومائة ألْف، وَكَانَ رجلاً مُسوداً، وكان ثقةً في
الحديثِ))([106]).
وَقَالَ
عُمُرُ بنُ حَفْص:((وَجّه المُعْتصمُ مَنْ يَحْزِر مَجْلِسَ عاصم بنِ عَلي بنِ
عَاصِم في رَحْبةِ النّخْلِ التي في جامعِ الرُّصافة، قَالَ وَكَانَ عاصمُ بنُ علي
يجلسُ عَلى سَطْحِ المُسْقطات([107])،
وينتشرُ النّاسُ في الرَّحبة وما يليها، فيعظم الجمع جدّاً، حتى سمعتُه يوماً
يقولُ:"حَدَّثَنا الليثُ بنُ سَعد"، وَيُسْتعادُ فَأعادَ أربعَ عَشْرةَ
مرّة، والنّاسُ لا يَسْمعونَ،..فَبَلَغَ المُعْتصم كَثْرة الجَمْعِ فَأمَرَ
بَحْزرهم فَوجّه بقُطَّاعي الغنمِ فَحَزَروا المجلسَ عِشْرينَ ألفاً ومائةَ ألْف))([108]).
د- أكثرُ مِنْ عشرينَ ألْف رجلٍ في
مجلسِ مُحمَّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريّ (م 256):
وَقَالَ
صَالحُ بنُ محمّد البغداديُّ:((كَانَ مُحمَّدُ بنُ إسماعيلَ يجلسُ ببغداد، وكنتُ
أستملي لَهُ، ويجتمعُ في مجلسِهِ أكثرُ مِنْ عشرينَ ألفاً))([109]).
هـ- أكثرُ مِنْ أربعين ألْف رجلٍ في
مجلسِ أبي مُسْلمٍ الكَجِّيّ (م 292):
وَقَالَ
أحمدُ بنُ جَعْفر:((لَمّا قَدِمَ علينا أبو مُسْلمٍ الكَجِّيّ أَمَلى الحديثَ في
رَحْبةِ غَسَّانٍ، وَكَانَ في مجلسِهِ سبعةُ مستملين، يُبلّغ كلُّ واحدٍ مِنْهم
صَاحِبَهُ الذي يليهِ، وَكَتَبَ النَّاسُ عنهُ قِيَاماً بأيدِيهم المحابرُ ثمَّ
مُسِحَتْ الرَّحْبَةُ، وَحُسِبَ مَنْ حَضَرَ بمحبرةٍ فَبَلَغَ ذلك نيفاً وأربعينَ ألْف
مَحْبَرةٍ سِوَى النَظَّارةِ))([110])،
قَالَ الذهبيُّ:((إسنادها صحيح))([111]).
قَالَ
ابنُ مفلح :(( فَصْلٌ: فِي مَكَانَةِ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَإِقْبَالِ الْأُلُوفِ
عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَحَسَدِ الْخُلَفَاءِ لَهُمْ.
قَالَ
جَعْفَرُ بْنُ دُرُسْتَوَيْهِ: كُنَّا نَأْخُذُ الْمَجْلِسَ فِي مَجْلِسِ عَلِيِّ
بْنِ الْمَدِينِيِّ وَقْتَ الْعَصْرِ , الْيَوْمَ لِمَجْلِسِ غَدٍ , فَنَقْعُدُ
طُولَ اللَّيْلِ مَخَافَةَ أَنْ لَا نَلْحَقَ مِنْ الْغَدِ مَوْضِعًا نَسْمَعُ
فِيهِ , فَرَأَيْت شَيْخًا فِي الْمَجْلِسِ يَبُولُ فِي طَيْلَسَانِهِ ,
وَيُدْرِجُ الطَّيْلَسَانَ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْخَذَ مَكَانُهُ إنْ قَامَ
لِلْبَوْلِ.
وَذَكَرَ
غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ يَحْزِرُ
بِسَبْعِينَ أَلْفًا.
وَأَمَرَ
الْمُعْتَصِمُ بِحَزْرِ مَجْلِسِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ فَحَزَرُوا الْمَجْلِسَ
عِشْرِينَ أَلْفًا وَمِائَةَ أَلْفٍ.
وَأَمْلَى
الْبُخَارِيُّ بِبَغْدَادَ فَاجْتَمَعَ لَهُ عِشْرُونَ أَلْفًا.
وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ الزُّهْرِيُّ: كَانَ
فِي مَجْلِسِ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مَنْ يَكْتُبُ
حُدُودَ عَشَرَةِ آلافٍ , مَا بَقِيَ مِنْهُمْ غَيْرِي سِوَى مَنْ لا يَكْتُبُ.
وَأَمْلَى
أَبُو مُسْلِمٍ الكجِّيُّ فِي رَحْبَةِ غَسَّانَ , فَكَانَ فِي مَجْلِسِهِ
سَبْعَةُ مُسْتَمْلِينَ يُبَلِّغُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ الَّذِي
يَلِيهِ , وَكَتَبَ النَّاسُ عَنْهُ قِيَامًا بِأَيْدِيهِمْ الْمَحَابِرُ , ثُمَّ
مُسِحَتْ الرَّحْبَةُ وَحُسِبَ مَنْ حَضَرَ بِمِحْبَرَةٍ , فَبَلَغَ ذَلِكَ
نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ مِحْبَرَةٍ سِوَى الْعِطَارَةِ .
قَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ : قَدْ كَانَتْ الْهِمَمُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَمَا قَدْ
ذَكَرْنَا , ثُمَّ مَا زَالَتْ تَقِلُّ الرَّغَبَاتُ حَتَّى اضْمَحَلَّتْ فَحَكَى
شَيْخُنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ طَفْرٍ الْمَغَازِلِيُّ قَالَ : كُنَّا فِي
حَلْقَةِ ابْنِ يُوسُفَ نَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَطَلَبْنَا مِحْبَرَةً نَكْتُبُ
بِهَا السَّمَاعَ, فَمَا وَجَدْنَا، قَالَ : وَقَدْ كَانَ الْخُلَفَاءُ
وَالْكُبَرَاءُ يَغْبِطُونَ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ , ثُمَّ
رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ الْجُمَحِيِّ أَنَّهُ قَالَ :
قِيلَ لِلْمَنْصُورِ : هَلْ مِنْ لَذَّاتِ الدُّنْيَا شَيْءٌ لَمْ تَنَلْهُ ؟
قَالَ : بَقِيَتْ خَصْلَةٌ أَنْ أَقْعُدَ فِي مِصْطَبَةٍ وَحَوْلِي أَصْحَابُ
الْحَدِيثِ فَيَقُولُ الْمُسْتَمْلِي : مَنْ ذَكَرْت رَحِمَك اللَّهُ ؟ قَالَ:
فَغَدَا عَلَيْهِ النُّدَمَاءُ وَأَبْنَاءُ الْوُزَرَاءِ بِالْمَحَابِرِ
وَالدَّفَاتِرِ فَقَالَ : لَسْتُمْ بِهِمْ إنَّمَا هُمْ الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ ,
الْمُتَشَقِّقَةُ أَرْجُلُهُمْ , الطَّوِيلَةُ شُعُورُهُمْ , بَرْدُ الْآفَاقِ
وَنَقَلَةُ الْحَدِيثِ .
وَقَالَ
يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ قَالَ لِي الرَّشِيدُ : مَا أَنْبَلُ الْمَرَاتِبِ؟ قُلْت :
مَا أَنْتَ فِيهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ : فَتَعْرِفُ أَجَلَّ مِنِّي
؟ قُلْت : لا قَالَ : لَكِنِّي أَعْرِفُهُ رَجُلٌ فِي حَلْقَةٍ يَقُولُ :
حَدَّثَنَا فُلانٌ عَنْ فُلانٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r،
قُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا خَيْرٌ مِنْك وَأَنْتَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَلِيُّ عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ؟ , قَالَ: نَعَمْ
وَيْلَك هَذَا خَيْرٌ مِنِّي ; لأنَّ اسْمَهُ مُقْتَرِنٌ بِاسْمِ رَسُولِ اللَّهِ r
لا يَمُوتُ أَبَدًا , وَنَحْنُ نَمُوتُ وَنَفْنَى، وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا
بَقِيَ الدَّهْرُ .
وَقَالَ
الْمَأْمُونُ : مَا طَلَبَتْ مِنِّي نَفْسِي شَيْئًا إلا وَقَدْ نَالَتْهُ مَا
خَلَا هَذَا الْحَدِيثَ , فَإِنِّي كُنْت أُحِبُّ أَنْ أَقْعُدَ عَلَى كُرْسِيٍّ
وَيُقَالُ لِي : مَنْ حَدَّثَك ؟ فَأَقُولُ : حَدَّثَنِي فُلَانٌ قِيلَ لَهُ : يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَلِمَ لا تُحَدِّثُ ؟ قَالَ لَا يَصْلُحُ الْمِلْكُ
وَالْخِلَافَةُ مَعَ الْحَدِيثِ . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ: وَلِيت
الْقَضَاءَ، وَقَضَاءَ الْقَضَاءِ، وَالْوَزَارَةَ، وَكَذَا وَكَذَا , مَا سُرِرْت
لِشَيْءٍ كَسُرُورِي بِقَوْلِ الْمُسْتَمْلِي: مَنْ ذَكَرْت رَضِيَ اللَّهُ عَنْك.
))([112]).
والأخبارُ
في هذا تطولُ، وفيما تقدّم كفاية، والله المستعان.
-خاتمةٌ-
وفيها نُكتٌ وفوائد مما
تقدم:
1- تقدم
أنَّ هذه القصص المذكورة متضمنة: لنكت علمية -وخاصةً في علم الحَدِيث الشريف
ودقائقه-...وفوائد منهجية...وأخلاق عَليّة...تحتاج إلى تأمل وطول نظر، وأنّه إنما
يستفيد منها من استحضر قدر هؤلاء الأئمة وتأصل في نفسه عمق علومهم، وشدة ورعهم
وخوفهم من الله عزّ وجل-وهذا بيّن من خلال سيرهم وقصص المتقدمة-، وصاحب ذلكَ تجردٌ
تام، فهو يقرأ مثل هذه الأخبار متلمساً مناهجهم، وباحثاً عَنْ طرائقهم في العلم
والنقد فهذا هو المستفيد والمُفِيد، وتقدم أيضاً أنَّ قصصَ أئمة الحَدِيث
المتقدمين تُعدّ مِنْ أهم مصادر معرفة أصول علم الحديثِ و مناهج النُّقاد
وأصدقِهَا.
2- أنَّ
نُبوغَ هؤلاء الأئمة لم يأتِ من فراغ؛ إنَّما هو نتاجُ رَحَلات طويلة ومستمرة
للطلب والسماع، والكتابة والتصنيف، مَعَ سعةِ الإطلاع، ويقظةٍ تامة، وفَهْمٍ ثاقب،
صَحِبَ ذلكَ كلَّه صِدقٌ وعملٌ ودعوةٌ وصبرٌ فحظوا بتأييدٍ رباني وفضلٍ إلهيّ.
3- أنَّ
المحدثين بذلوا جهداً علمياً ضخماً ومستمراً على اختلاف الأزمنة والأمكنة لخدمة
سُّنّة رسول r، وهذا الجهد يُعدُّ مفخرة لعلماءِ المسلمين
المعظمين لسنة رسول الله r، وصورة مشرقة في الذب عَنْ سنته صلوتُ ربي
وسلامُهُ عليه.
4- أنّ
هذه القصص التي وقعت لهؤلاء النقاد تبيّن
مدى ما وَصَل إليه القوم من سعة حفظ، وسرعة استحضار، ودقة نقد، وقوة في الحق،
فالحديثُ ورجالهُ وطرقهُ تجري مع أنفاسهم كما يجري الهواء، وعندما يسمعون الخطأ
والوهم لا يقاومون الدافع الشرعي المتأصل في نفوسهم في رد وتصحيح هذا الوهم والخطأ
مهما كانت منزلة الواهم والمخطئ، فلا محاباة في الذّب والدّفاع عَنْ سنة المصطفى e لا لقريبٍ ولا لشريفٍ، وهذا من حفظ الله
لهذا الدين.
5-
قَالَ شيخُ الإسلام ابنُ تيمية: ((ومَنْ آتاه
اللهُ علماً وإيماناً عَلِمَ أنّه لا يكون عند المتأخرين من التحقيق إلا ما هُو دونَ تحقيقِ
السلفِ لا في العلم ولا في العمل)) ([113]) ما أجمل وأبلغ هذه
العبارة من هذا الإمام الخبير!.
6-
قَالَ ابنُ رَجَب:((وقد ابتلينا بجَهَلةٍ من
النّاس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم، فمنهم من
يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله،
ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين...وهذا تنقص عظيم بالسلف
الصالح وإساءة ظن بهم ونسبته لهم إلى الجهل وقصور العلم)) ([114]).
7- وَقَالَ ((فلا يوجد في كلام من
بعدهم من حق إلاّ وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة، ولا يوجد في كلام من
بعدهم من باطل إلاّ وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله، ويوجد في كلامهم
من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة ما لا يهتدي إليه من بعدهم ولا يلم به، فمن لم
يأخذ العلم من كلامهم فاته ذلك الخير كله مع ما يقع في كثير من الباطل متابعةً لمن
تأخر عنهم)) ([115]).
8- قَالَ
ابنُ حجر:((وللحفاظ طريق معروفة في الرجوع
إلى القرائن في مثل هذا وإنما يعول في ذلك منهم على النقاد المطلعين منهم
كما مضى ويأتي ولهذا كان كثير منهم يرجعون عَنْ الغلط إذا نبهوا عليه)) ([116]).
9- قَالَ
العلائيُّ:((الحكمُ على الحديثِ بكونهِ موضوعاً من المتأخرين عَسرٌ جداً...وهذا
بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله التبحر في علم الحَدِيث، والتوسع في
حفظه، كشعبة، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ونحوهم.
ثمّ
أصحابهم مثل: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه،
وطائفة منهم.
ثمّ
أصحابهم مثل: البخاريّ، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائيّ وكذلك إلى زمن
الدارقطنيّ والبيهقي، ممن لم يجيء بعدهم مساوٍ لهم بل ولا مقارب - رحمة الله عليهم
-.
فمتى
وجد في كلام أحد من المتقدمين الحكم على حَدِيث بشيء كان معتمداً لما أعطاهم الله
من الحفظ العظيم، والإطلاع الغزير، وإنْ اختلف النقل عنهم عدل إلى الترجيح))([117]).
10-
قَالَ العلائيُّ أيضاً-معقباً
على قول فخر الدين الرازي: أن الخبر إذا روى في زمن قد استقرت فيه الأخبار فإذا
فتش عنه لم يوجد في بطون الأسفار ولا في صدور الرجال علم بطلانه فأما في عصر
الصحابة حين لم تكن الأخبار قد استقرت فإنه يجوز أنه يروى أحدهم ما لم يوجد عند
غيره-:((وهذا إنما تقوم به الحجة بتفتيش الحافظ الكبير الذي قد أحاط حفظه بجميع الحَدِيث أو بمعظمه كالإمام أحمد علي بن
المديني ويحيى بن معين ومن بعدهم كالبخاري وأبي حَاتِم وأبي زُرْعة، ومن دونهم
كالنسائي ثم الدارقطني لأن المأخذ الذي يحكم به غالبا على الحَدِيث بأنه موضوع إنما
هي الملكة النفسانية الناشئة عَنْ جمع الطرق والإطلاع على غالب المروي في البلدان
المتباينة، بحيث يعرف بذلك ما هو من حَدِيث الرواة مما ليس من حديثهم وأما من لم
يصل إلى هذه المرتبة فكيف يقضي لعدم وجدانه للحديث بأنه موضوع هذا مما يأباه
تصرفهم))([118]).
11-
ومما تقدم يعلمُ مجازفة
بعضِ المعاصرين في اعتراضهم على الأئمة
المتقدمين - والمُعْترِضُ لم يفهمْ مرادهم أصلاً ومصطلحهم ومنهجهم في بعض القضايا
التي انتقدهم عليها -، بل إنّ بعض هذه المقولات توحي بنوع من التهكم والاستغراب -مع
ملاحظة الكرم في وضع علامات التعجب!- ومن هذه المقولات:
-قولُ بعضهم لإمامِ
العللِ في زمانهِ علي بنِ المديني ((ما هكذا تُعَل الأحاديث يابنَ المديني!)).
قلتُ: كان على الباحث -وفقه الله- لكي
يكون كلامه منصفاً أنْ يقف وقفات قبل أن يقول كلمته تلك:
الأولى:
تأمل منزلة علي بن المديني في الحديثِ، والعللِ خاصةً، وسيجد في هذه الوقفة
قول:
-
أحمد بن حنبل:((أعلمنا
بالعلل علي بن المديني))([119]).
-
وقول أبي حاتم:((كان على بن المديني عَلَماً في
الناس في معرفة الحديث والعلل))([120]).
- وقول ابن حبان:((وكان
من أعلم أهل زمانه بعلل حديث رسول الله r))([121]).
-
وقول الخطيب
البغداديّ –بعد ذكر عدد من كتب علي بن المديني في العلل وغيره-:((وجميع هذه الكتب
قد انقرضت ولم نقف على شيء منها إلا على أربعة أو خمسة حسب، ولعمري إنَّ في
انقراضها ذهاب علوم جمة وانقطاع فوائد ضخمة وكان علي بن المديني فيلسوف هذه الصنعة
وطبيبها ولسان طائفة الحديث وخطيبها رحمة الله عليه وأكرم مثواه لديه))([122]).
- وقول الذهبيُّ:((وأما
علي بنُ المديني فإليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبوي،
مع كمال المعرفة بنقد الرجال، وسعة الحفظ، والتبحر في هذا الشأن، بل لعله فرد
زمانه في معناه، وقد أدرك حماد بن زيد وصنف التصانيف وهو تلميذ يحيى بن سعيد
القطان ويقال لابن المديني نحو مائتي مصنف))([123]).
-
وقول ابن حجر:((لا
يختلفون في أنَّ علي بنَ المديني كَانَ أعلم أقرانه بعلل الحديث، وعنه أخذ
البخاريّ ذلك حتى كان يقول: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني))
([124]).
وعن ابن المديني أخذ هذا العلم:
البخاريُّ، ويعقوبُ بنُ شيبة، وأبو زُرْعة، وأبوحاتم وغيرهم من المبرزين في هذا
الفن.
الثانية:
تتبع منهج علي بن المديني في إعلال الأخبار، ولا بدّ من استحضار قول علي بن
المديني نفسه:((ربما أدركتُ علة حديث بعد أربعين سنة))([125])،
وقوله أيضاً:((البابُ إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه))([126])،
ولا يخفى أهمية هذين القولين في باب علل الحديث.
الثالثة:
مقارنة المنهج الذي سلكه علي بن المديني في العلل بمنهج بقية النقاد.
ثمّ إذا تبين له أنّ
علي بن المديني لا يحسن إعلال الأخبار فليقل ((ما هكذا تُعَل الأحاديث يابنَ
المدينيَ!))، وفي ظني أنه لن يقولها أبداً.
نعم
لو خالف ناقدٌ علي بنَ المديني في مسألةٍ ما يكون النظر في الحجج والأدلة والقرائن،
وكذلك يُنظر في منزلة المعارض ومنهجه في الحديث ومن ثمّ الموازنة، والترجيح، وكلّ
مسألةٍ لها نَظَرٌ خَاص.
-
وقول بعضهم يعترض على قول علي بن المديني "جعفر مجهول":(( أنّى
هذا"؟...)) و ينقل عن ابن خزيمة أنه روى عنه ثلاثة.
قلتُ: كان عليه:
أوّلا: أن يتتبع ويستقرأ مراد ابن
المديني بقوله عن راوٍ مجهول([127])
.
ثانياً:
يحاكم ابن المديني بناءً على مصطلحه من خلال مراد ابن المديني نفسِهِ لا من خلال
مراد الذّهلي -وهو أحد تلاميذ ابن المديني-.
ثالثاً:
يتتبع مصطلح "مجهول" عند بقية النقاد ليعرف مناهجهم فيسهل عليه الاعتراض
على ابن المديني -وأرجح أنه لن يعترض!-.
ولو قرأ هذا المعترض
-وفقه الله - شرح علل الترمذي لابن رجب (1/ 376) لوجد أنّ ابن رجب كفاه مؤونة
النظر في هذه المسألة- بالجملة - .
-وقولُ
بعضهم - متعقباً أبا حَاتِم في قوله عَنْ حديثٍ ((والحديثُ عندي ليس بصحيح كأنه
موضوعٌ)) - ((كذا قَالَ أبو حَاتِم-رحمه الله- في العلل، وهل نترك ظاهر إسناد الحَدِيث
لكلام الإمام الحافظ أبي حَاتِم الرازي:(كأنه موضوع) أم نحكم بصحة الحَدِيث بناءً
على ظاهر إسناده؟!! علمها عند ربي، ولكن ما شهدنا إلاّ بما علمنا وما كنا للغيب
حافظين. فحكمنا على الإسناد بظاهر الصحة وتركنا ما وراء ذلك))–راجع القصة رقم (16)
وقارنْ!-.
-وقولُ
بعضهم -متعقباً الحافظ أحمد بن صالح المصريّ في قوله:((نظرتُ في كُتُبِ سليمان بن
بلال فلم أجد لهذين الحديثين([128])
أصلا))([129])-:
((فكان
ماذا؟
فسليمانُ
بنُ بلال ثقة، كبير القدر، كثير الحَدِيث، فأنْ يكون عنده من الحَدِيث ما هو من
محفوظه دون أن يكون مكتوباً؛ فهذا ما لا يمكن ردّه في علم الرواية..)) ولم يكتف
بهذا بل قَالَ:((ومن عَجَبٍ قولُ الإمام أبي حَاتِم الرازي في علل الحَدِيث
(رقم2384) عَنْ هذا الحَدِيث بهذا الإسناد:"هذا حديثٌ منكرٌ بهذا
الإسناد"!!
وكذا
قول الإمام البخاريّ:"لا أعلم أحداً رواه غير يحيى بن حسان"!))([130]).
قلتُ:
ولو نَظَرَ هذا القائل في كلام الحافظ أحمد بن صالح نظرَ المستفيد، المتلمس لمناهج
النّقاد لعرف أنّ مِنْ طُرُقِ نقدِ الأخبار عند كبار النقاد المتقدمين: عدم وجودِ الحَدِيث
في كتب الراوي وأصوله([131])،
وشواهد هذا كثيرة من ذلكَ:
1- قول
أبي حَاتِم:((سألتُ أحمدَ بنَ حنبل عَنْ حَديثِ سليمان بنِ موسى، عَنْ الزّهري، عَنْ
عُروةَ، عَنْ عائشة عَنْ النبي e
قَالَ: لا نكاح إلا بولي، وذكرت له حكاية ابن عُلَيّة، فَقَالَ: كتبُ ابنِ جُريج([132])
مدونة فيها أحاديثه من حَدّث عنهم: ثم لقيتُ عطاء، ثم لقيت فلانا، فلو كان محفوظا
عنه لكان هذا في كتبه ومراجعاته))([133]).
2- وسئل
أحمد عَنْ حَدِيث "الأئمة من قريش" فَقَالَ:((ليسَ هذا في كُتُبِ
إبراهيمَ، لا يَنبغي أنْ يكونَ لهُ أصْلٌ))([134]).
3- وَقَالَ
أبو زُرعة:سألتُ محمدَ بنَ يحيى([135]) عَنْ حَدِيثِ الزّهري عَنْ أبي سَلَمةَ عَنْ
إبراهيم:"الخيل معقود" - كان في كتابي عنه - فلم يقرأه عليّ، وَقَالَ:
لم يكنْ هذا في أصلِ عبدِ الرزاق([136]).قَالَ
ابنُ رجب:((وَمما أُنكرَ عَلى عبدِالرزاق حديثه عَنْ معمر عَنْ الزّهري عَنْ أبي
سَلَمةَ عَنْ أبي هريرة مرفوعاً "الخيل معقود في نواصيها الخير" أنكره
أحمدُ ومحمدُ بن يحيى))([137]).
4- وَقَالَ
ابنُ رَجب:((قَالَ أبو عبد الله -هو أحمدُ بنُ حنبل-: الدراورديّ..كَانَ يُحدّثُ
بأحاديث ليسَ لها أصلٌ في كتابهِ، قَالَ: ويقولونَ: إنَّ حَدِيثَ هشام بنِ عروة، عَنْ
أبيه، عَنْ عائشة:"أنَّ النبي r
كان يُسْتعذبُ لهُ الماء" ليسَ لهُ أصلٌ في كتابهِ انتهى ً))([138]).
5-
وقال الدّقاق:((سَمِعتُ
يحيى يقول: الدّراورديُّ عَنْ العلاءِ بنِ عبدالرحمن عن أبيه أنَّ النبي r
قَالَ لعمار:"تَقْتُلكَ فِئةٌ باغيةٌ"لم يوجدْ في كِتَابِ الدّراورديّ،
وَأَخبرني مَنْ سَمِعَ كِتابَ العلاء - يعني مِنْ الدّراورديِّ - إنّمَا كانت
صحيفة ليسَ هذا فيها))([139])،
قال ابنُ رَجبَ:((وإسناده في الظاهر على شرط مسلم، ولكن قد أعله يحيى بن معين بأنه
لم يكن في كتاب الدَّرَاورديّ))([140]).
6- وَقَالَ
ابن هانىء: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن حَدِيثِ "النّارُ جُبَار" فَقَالَ:
هذا باطلٌ، ليسَ من هذا شيء، ثم قَالَ: وَمَنْ يحدّث بهِ عن عبد الرزاق؟ قلتُ:
حدّثني أحمد بن شبويه. قَالَ: هؤلاءِ سَمِعُوا بَعْدمَا عَمِي، كَانَ يُلَقن
فَلُقنهُ، وَليسَ هُوَ في كتبهِ([141]).وفي
روايةِ حَنْبل عن أحمد:((ليسَ بشيء، لم يكنْ في الكتب، باطلٌ ليس بصحيح))([142]).
7- وَقَالَ
ابنُ أبي حَاتِم:((سألتُ أبي عَنْ حَدِيثٍ رواه ابنُ عيينة، عَنْ سعيد بنِ أبي
عَروبة، عَنْ قتادة، عَنْ حسان بن بلال، عَنْ عمار عَنْ النبي r
"في تخليلِ اللحيةِ"، قالَ أبي: لم يحدثْ بهذا أحدٌ سوى ابن عيينة، عَنْ
ابن أبي عَروبة، قلتُ: صحيحٌ؟ قَالَ: لو كَانَ صحيحاً لكَانَ في مصنفات ابن أبي
عَروبة..))([143]).
8- وَقولُ
حَمْزةَ السّهميّ:وَسَمعتُ أبَا بكر بنَ المُقري يقولُ: سَألتُ أبا عَرُوبةَ،
قُلتُ: رَجُلٌ بِحِمْص يُقَالُ لهُ وجيه القانعة([144]) حَدّثَ بحديثٍ عَنْ ابنِ المُصفّى، عَنْ
بَقيةَ، عَنْ شُعْبة، عَنْ سماك عَنْ عكرمة عَنْ ابنِ عبّاس "أنَّ النبي r
أجَازَ شهادةَ أعرابيّ في رؤيةِ الهلال"، قَالَ أبو عَرُوبةَ:هذا عندي باطلٌ،
كَتبتُ كتابَ شُعْبة عَنْ ابنِ المُصفّى مِنْ أولهِ إلى آخرهِ مِنْ أصلهِ فَمَا
رأيتُ فيهِ مِنْ ذا مرسلاً ولا مسنداً، وإنّما يعرفُ هذا الحَدِيث مرفوعاً مِنْ
حَدِيثِ زَائدةَ عَنْ سِمَاك([145]).
9- وتأملْ
ردّ أبي حَاتِم على قول يحيى بنِ معين:((ليسَ لهُ أصلٌ، أنا نظرتُ في كتاب إسحاق
فليسَ فيهِ هذا)) قالَ:((كيفَ نَظَرَ في كُتبهِ كلّهِ، إنّمَا نَظَرَ في بعضٍ،
وربما كَانَ في موضعٍ آخر))([146])،
فلم يقل أبو حَاتِم-وهو من الأئمة الكبار-:((هو من محفوظه دون أن يكون مكتوباً))-مع
أنَّ هذهِ الجملة:"هو من محفوظه..."من حيثُ الرد أسهل- لأنه كان مستقراً
عندهم أنّ عدمَ وجودِ الحَدِيث في كتابِ الراوي دلالة أو قرينة على أنه لا أصل له
عنده، لذا قَالَ:((وربما كَانَ في موضعٍ آخر))([147]).
وعَجَبي
لا ينقضي مِنْ قولهِ:((فهذا ما لا يمكن ردّه في علم الرواية)) فمن هُمْ روّاد علم
الرواية؟ ومن أينَ أُخذتْ أصول علم الرواية؟ ومَنْ الذي يحتجُ بأقوالهم وتطبيقاتهم
في علم الرواية؟
إذا
لم يكن شُعْبة بن الحجاج، وعبد الرحمن بن مهدي، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين،
أحمد بن حنبل والبخاريّ، وأبو حَاتِم روّاد هذا العلم فمن يكون!.
وقد
أحسنَ الحافظ أحمد بن صالح([148]) في قولهِ:((معرفةُ الحديثِ بمنزلةِ معرفةِ
الذهب -أو قَالَ: الجوهر-، إنما يبصرهُ أهلهُ))([149]).
-راجع القصة رقم (18) وتأمل-.
وَقسْ
على هذهِ المسألة مسائل عديدة في علوم الحَدِيث؛ مسائل في التصحيح والتضعيف،
ومسائل في الجرح والتعديل، ومسائل في علل
الأحاديث وغيرها من المسائل التي لو نَظَرَ فيها طالبُ العلمِ نظرَ المستفيد،
المتلمس للمناهج لعَرَفَ مناهجَ النقاد، وطرائقهم في علوم الحَدِيث([150]).
والمُعلميّ
-رحمه الله- مِنْ خيرِ مَنْ يذكر كمثالٍ لمن اتصف بهذه الصفة من المعاصرين، فكان
-بحقٍ- علاّمة في الحديثِ وعللهِ، ومرجعاً في معرفة مناهج النقاد، ومَنْ تأملْ
كتبه - وخاصةً كتاب "التنكيل" - عَجِبَ مِنْ دقةِ هذا الناقد وبراعته،
وحسن توجيهه لأقوال وتطبيقات الأئمة المتقدمين، وهو في هذا يشبه الحافظ ابن رَجَب([151]).
وما
تقدم يبين لكَ طرفاً من أسباب التفاوت البين في الحكم على الأحاديث بين المعاصرين
وأئمة النقد المتقدمين([152]).
12-
ومما تقدم رأيتَ كيفَ
الأعداد الكبيرة التي كانت تحضر مجالس العلم -أربعون ألْف!، مائة ألْف وغيرها([153])
- وهذه الأعداد في هذا الزمان لا يمكن أنْ تجتمعَ إلاّ في ملاعبِ
الكرة، ونوادي الترفيه -والله المستعان-..، ثمّ نسمع دائماً من يقولُ: لماذا نحن
أذلةٌ ضعفاء، وسلفُنَا أعزةٌ أقوياء!!، "فَرَحِمَ اللهُ السلفَ الماضينَ
كَانَ العلمُ مطلوباً في زمَانهم، والرَغباتُ متوافرُة، وَالجُموعُ متكاثرة،
فالآنَ خَمَدَ نارُهُ، وقلَّ شرارُهُ، وَكَسَدَ سوقُهُ" ([154]).
فهذه نبذةٌ يسيرةٌ مِن أحوالِ وأخبارِ
وقصص هؤلاء الحفاظ الذين قيضهم الله لحفظ السُّنَّةُ والذّب عنها، فتفرغوا لها،
وأفنوا أعمارهم في تحصيلها، فجزاهم اللهُ
عن الإسلامِ والمسلمينَ خيرَ الجزاءِ وأوفرَهَ، فعلى طالب العلم أنْ يعرفَ للقومِ
منزلتهم، وقدم صدقهم فيتأنّى كثيراً عندما يهم بمخالفتهم أو تعقبهم خاصةً في جوانب
الحَدِيث الدقيقة كالعلل.
وكما تقدم أنَّ هذه النبذة
مختصرةٌ بالنسبة إلى ما تُرك، ذكرتها لكَ أيها الناظر في هذا الموضع، لتعرفَ
منازلهم، وما كانوا عليه، وكيفَ حالهم في اجتهادهم في هذا العلم، والإكباب عليه،
فلعل ذلك أن يكون محركاً في المسارعة إلى تتبع أثرهم، والسير إليه، لعلك تصل إلى
بعض ما وصلوا إليه أو إلى كله، ففضل الله وعطاؤه واسع، لا زال منهلاً لديه.
هذا وأسأل الله –U- بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرزقنا العلم النافع والعمل
الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
n
الآياتِ القرآنية
مرتبة حسب السور
الآية |
الصفحة |
] إِنَّ هَذَا لَهُوَ
الْقَصَصُ الْحَقُّ [
[آل
عمران: 62]. |
|
]فَاقْصُصِ
القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[ [الأعراف: 176]. |
|
]
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى
نَقُصُّهُ عَلَيْكَ[
[هود: 100]. |
|
]وَكُلاًّ
نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [ [هود:
120]. |
|
]نَحْنُ
نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ[ [يوسف: 3] |
|
]لَقَدْ
كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ[ [يوسف:
111]. |
|
]
نَحْنُ
نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقّ [ [الكهف: 13]. |
|
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(الجمعة: 4) |
|
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ |
|
n
الآحاديث النبوية
حسب
ورودها في الكتاب
الحديث |
الصفحة |
الأئمة
من قريش |
|
أجَازَ
شهادةَ أعرابيّ في رؤيةِ الهلال |
|
بارك
لأمتي في بكورها |
|
تخليلِ
اللحيةِ |
|
تقتل
عماراً الفئة الباغية |
|
الخيل
معقود في نواصيها الخير |
|
كان
يُسْتعذبُ لهُ الماء |
|
لا
نكاح إلا بولي |
|
لقنوا
موتاكم لا إله إلا الله |
|
ما
يسُرُّني أنَّ لي حمرَ النَّعم وأنَّ لي حلفَ المُطَيَّبين |
|
مَسَحَ
على الجبائر |
|
من
توضأ، فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين فاستغفر الله |
|
من
شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؛ قيل له: ادخل من أي أبواب الجنة
شئت |
|
من
ضَحِكَ في الصلاة فليعد الوضوءَ |
|
من
كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة |
|
النّارُ
جُبَار |
|
يخرج
الدجالُ من أرضٍ يقال لها: خراسان |
|
قائمة المصادر والمراجع
v
الآداب الشرعية والمنح المرعية.ابن مفلح، مكتبة ابن تيمية،
القاهرة. |
v
أدب الإملاء والاستملاء.عبد الكريم بن محمد
السمعاني (ت 562 هـ)، دراسة وتحقيق: أحمد محمود، الطبعة الأولى، 1414 هـ، مطبعة
المحمودية –جدة-. |
v
الإرشاد في معرفة علماء الحديث.الخليل بن
عبد الله القزويني (ت 446 هـ)، تحقيق د. محمد سعيد إدريس، الطبعة الأولى، 1409
هـ، مكتبة الرشد |
v
الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على
السنة من الزلل والتضليل والمجازفة: للمعلمي. 1403.ط عالم الكتب. |
v
البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح
الكبير.ابن الملقن (ت 804 هـ)، تحقيق: جمال السيد، الطبعة الأولى، 1414 هـ، دار
العاصمة-الرياض-. |
v
تاريخ بغداد.الخطيب البغدادي أحمد بن علي(ت
463 هـ)، نشر دار الكتاب العربي -بيروت-. |
v
تاريخ مدينة دمشق: لأبي القاسم علي بن
الحسين ابن عساكر: تحقيق عمر بن غرامة العمروي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى
(1415هـ) (1-47). |
v
التدوين في أخبار قزوين.عبد الكريم بن محمد
القزويني، تحقيق: عزيز الله العطاردي، 1408 هـ، دار الكتب العلمية-بيروت-. |
v
تذكرة الحفاظ. محمد بن أحمد الذهبي(ت 748 هـ)،
دار إحياء التراث العلمي. |
v
التعديل والتجريح لمن أخرج له البخاري في
الجامع الصحيح.سليمان بن خلف الباجي(ت 474 هـ)، تحقيق د. أبو لبابة حسين،، الطبعة الأولى، 1406 هـ، دار اللواء-الرياض-. |
v
تغليق التعليق على صحيح البخاري.أحمد بن علي
بن حجر، تحقيق: سعيد بن عبدالرحمن القزقي، الطبعة الأولى، 1405 هـ، المكتب
الإسلامي-عمان-. |
v
التمهيد لما في الموطأ من المعاني
والأسانيد.يوسف بن عبد البر(ت 463 هـ)، طبع المملكة المغربية،وزارة عموم الأوقاف
والشؤون الإسلامية. |
v
تهذيب التهذيب.لابن حجر(ت 852 هـ)، الطبعة
الأولى،1404، دار الفكر-بيروت-. |
v
تهذيب الكمال في أسماء الرجال. يوسف المزي(ت
742 هـ)، تحقيق د. بشار عواد، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة -بيروت-. |
v
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع.الخطيب
البغدادي أحمد بن علي(ت 463 هـ)، تحقيق: محمود الطحان، الطبعة الأولى، 1403 هـ،
مكتبة المعارف-الرياض-. |
v
جامع التحصيل في أحكام المراسيل: لصلاح
الدين أبي سعيد خليل بن كيكلدي العلائي. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. الطبعة
الثانية (1407هـ). عالم الكتب. مكتبة النهضة الحديثة |
v
الجرح والتعديل.ابن أبي حاتم عبدالرحمن بن
محمد (ت 327 هـ) تحقيق: عبدالرحمن المعلمي، الطبعة الأولى، 1371 هـ، مجلس دائرة
المعارف -الهند-. |
v
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء.أبو نعيم
أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 430 هـ)، دار أم القرى، -القاهرة-. |
v
الرحلة في طلب الحديث: للخطيب البغدادي.
تحقيق: نور الدين العتر. الطبعة الأولى سنة (1395هـ). |
v
أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية،
مع تحقيق كتابه الضعفاء وأجوبته على أسئلة البرذعي.دراسة و تحقيق د. سعدي
الهاشمي، الطبعة الثانية، 1409 هـ، دار الوفاء للطباعة- مصر-. |
v
سؤالات البرذعي = انظر: أبو زرعة
الرازي وجهوده في السنة النبوية. |
v
سؤالات حمزة بن يوسف السهمي للدارقطني وغيره
من المشايخ في الجَرْح والتَّعديل.دراسة وتحقيق: موفق بن عبدالله بن عبد القادر،
الطبعة الأولى، 1404 هـ، مكتبة المعارف-الرياض-. |
v
السنن الكبرى.أحمد بن الحسين البيهقي(ت 458
هـ)، دار المعرفة. |
v
سير أعلام النبلاء.محمد بن أحمد الذهبي(ت
748 هـ)، تحقيق: شعيب الأرناؤط وجماعة، الطبعة الرابعة، مؤسسة الرسالة |
v
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.هبة
الله بن الحسن اللالكائي (ت 418 هـ)، تحقيق د. أحمد بن سعد الحمدان، الطبعة
الأولى، 1409 هـ، دار طيبة-الرياض-. |
v
شرح سنن ابن ماجه. لمغلطاي بن قليج (762)،
تحقيق:كامل عويضة، الطبعة الأولى، 1419 هـ، دار الباز. |
v
شرح علل الترمذي. عبدالرحمن بن رجب(ت 795
هـ)، تحقيق: همام سعيد، الطبعة الأولى، 1407 هـ، مكتبة المنار-الأردن-. |
v
شعب الإيمان.أحمد بن الحسين البيهقي(ت 458
هـ)، تعليق:محمد زغلول، الطبعة الأولى، 1410 هـ،دار الكتب العلمية-بيروت-. |
v
الضعفاء: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله
الأصبهاني. تحقيق: فاروق حمادة. الطبعة الأولى (1405هـ) دار الثقافة ـ الدار البيضاء. |
v
الضعفاء الكبير.محمد بن عمرو العقيلي(ت 323
هـ)، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولى 1404 هـ، دار الكتب العلمية |
v
طبقات الشافعية الكبرى. عبد الوهاب بن علي
السبكي(ت 771 هـ)، تحقيق: عبد الفتاح الحلو ومحمود الطناحي، دار إحياء الكتب
العربية. |
v
علل الأحاديث في كتاب الصحيح لمسلم بن
الحجاج: لأبي الفضل ابن عمار الشهيد (ت317هـ). تحقيق: علي بن حسن بن علي بن عبد
الحميد الحلبي الأثري. الطبعة الأولى 1411هـ، دار الهجرة ـ السعودية |
v
علل الحديث. ابن أبي حاتم، دار المعرفة،
طبعة عام 1405هـ. |
v
العلل الواردة في الأحاديث النبوية.علي بن
عمر الدارقطني(ت 385 هـ)، تحقيق د. محفوظ السلفي، الطبعة الأولى، 1405 هـ، دار
طيبة- الرياض-. |
v
العلل ومعرفة الرجال عن الإمام أحمد بن محمد
بن حنبل- رواية المروذي وغيره-.تحقيق د. وصي الله بن محمد عباس، الطبعة الأولى،
1408 هـ، الدار السلفية-الهند. |
v
علم الرجال وأهميته.للمعلمي، تحقيق:الحلبي،
ط1،1417، دار الراية. |
v
فتح المغيث شرح ألفية الحديث.محمد بن
عبدالرحمن السخاوي(ت 902 هـ)، الطبعة الأولى، 1403 هـ، دار الكتب العلمية
-بيروت-. |
v
فضل علم السلف على علم الخلف. أبو الفرج عبدالرحمن بن شهاب الدين بن أحمد بن رجب الحنبلي
(795هـ)، تحقيق:علي حسن،
الطبعة الأولى، 1406هـ، دار عمار-عمان-. |
v
الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة.محمد
بن علي الشوكاني(ت 1250 هـ)، تحقيق: عبدالرحمن المعلمي، الطبعة الثانية، 1392
هـ، المكتب الإسلامي. |
v
القاموس المحيط.للفيروزآبادي(ت 817 هـ)،
الطبعة الثانية، 1407 هـ، مؤسسة الرسالة-بيروت-. |
v
القراءة خلف الإمام. البيهقي (458) الطبعة
الأولى (1405هـ) تحقيق:محمد زغلول، دار الكتب العلمية ـ بيروت. |
v
قَصص الأنبياء في القرآن الكريم وما فيها من
عبر.عبد الرحمن السعدي، الطبعة الأولى،1415 هـ، دار روضة الناظر. |
v
الكامل في ضعفاء الرجال.عبدالله بن عدي (ت
365 هـ)، تحقيق: يحيى غزاوي، الطبعة الثالثة، سنة 1409 هـ، دار الفكر-بيروت-. |
v
الكفاية في علم الرواية.الخطيب البغدادي
أحمد بن علي(ت 463 هـ)، الطبعة الأولى، 409 هـ، دار الكتب العلمية -بيروت-. |
v
لسان العرب.محمد بن مكرم بن منظور(ت 711
هـ)، الطبعة الأولى، 1410 هـ، دار صادر- بيروت-. |
v
المجروحين من المحدثين والضعفاء
والمتروكين.محمد بن حبان البستي(ت 354 هـ)، تحقيق: محمود زايد، الطبعة الثانية،
1402 هـ، دار الوعي -حلب-. |
v
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.جمع عبدالرحمن بن قاسم و ابنه
محمد، طبع على نفقة خادم الحرمين الشريفين. |
v
المحدث الفاصل بين الراوي والواعي: للقاضي
الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي. تحقيق: د.محمد عجاج الخطيب. الطبعة الثالثة
(1404هـ). دار الفكر -بيروت |
v
مسائل الإمام أحمد-رواية- أبي داود
السجستاني.تحقيق: طارق عوض، الطبعة الأولى، 1420 هـ، مكتبة ابن تيمية. |
v
المستدرك على الصحيحين.أبو عبدالله محمد بن
عبدالله الحاكم(ت 405 هـ)، دار الباز –مكة المكرمة. |
v
مسند ابن الجعد. أبو القاسم البغوي (ت317)،
تحقيق: عامر حيدر، الطبعة الأولى، 1410 هـ، دار الكتب العلمية –بيروت-. |
v
مسند أحمد بن حنبل.دار الفكر العربي. |
v
المصنف.عبدالله بن محمد ابن أبي شيبة (ت 235
هـ)، تحقيق: عامر الأعظمي، الدارالسلفية -الهند-. |
v
معرفة الثقات. أحمد بن عبدالله العجلي(ت 261
هـ)، تحقيق: عبد العظيم البستوي، الطبعة الأولى، 1405 هـ، مكتبة الدار- المدينة
المنورة-. |
v
معرفة الرجال عن يحيى بن معين.رواية: أحمد
بن محمد بن محرز، تحقيق: محمد القصار ومحمد الحافظ وغزوة بدر، الطبعة الأولى،
1405 هـ، مجمع اللغة العربية-دمشق-. |
v
المعرفة والتاريخ.يعقوب بن سفيان الفسوي(ت
277 هـ)، تحقيق د. أكرم العمري، الطبعة الأولى، 1410 هـ، مكتبة الدار، -المدينة
المنورة-. |
v
مقدمة فتح الباري.ابن حجر (ت852هـ)، تعليق:
محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية. |
v
المنتخب من العلل للخلال.ابن قدامة (ت620هـ)
تحقيق: طارق بن عوض، دار الراية-الرياض- |
v
من كلام أبي عبد الله أحمد بن حنبل في علل
الحديث ومعرفة الرجال مما رواه المروذي، والميموني، صالح بن احمد بن حنبل، تحقيق
صبحي السامرائي،الطبعة الأولى، 1409 هـ، دار المعرفة-الرياض-. |
v
موضح أوهام الجمع والتفريق.الخطيب البغدادي
أحمد بن علي(ت 463 هـ)، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولى، 1407 هـ، دار
المعرفة-بيروت-. |
v
الموضوعات. عبدالرحمن بن علي بن الجوزي(ت
597 هـ)، تحقيق: د.نور الدين شكري، الطبعة الأولى، 1419 هـ، مكتبة أضواء السلف
–الرياض-. |
v
الموقظة في علم مصطلح الحديث.محمد بن أحمد
الذهبي(ت 748 هـ)، تحقيق: أبو غدة، الطبعة الأولى، 1405 هـ، دار البشائر
الإسلامية-بيروت-. |
v
ميزان الاعتدال في نقد الرجال. للذهبيّ، تحقيق:
علي معوض، وعادل أحمد، دار الكتب لعلمية،بيروت. |
v
نزهة الألباب في الألقاب.ابن حجر (ت 852 هـ)، تحقيق:عبد
العزيز السديري، الطبعة1، 1989، الرشد –الرياض-. |
v
النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث
المصابيح. العلائي (761هـ)، تحقيق: القشقري، الطبعة الأولى، 1405هـ. |
v
النكت على كتاب ابن الصلاح.ابن حجر،(ت 852
هـ)، تحقيق د. ربيع مدخلي، الطبعة الثانية، 1408 هـ، دار الراية -الرياض-. |
N n
الموضوع |
الصفحة |
m |
|
-1- يبين أحاديثَ الرواةِ وهو في السَّوْق
!.......... حسن
خاتمة أبي زرعة وأبي حاتم..... مِنْ
رَوائعِ كلامِ أبي زُرْعةَ...-هامش-. |
|
-2- رفسةٌ أحبّ مِنْ سَفرة!......... وفي
هذه القصة فوائد حديثية وتربوية.......-هامش-. |
|
-3- قَطَعَ نحو
ثلاثة أشهر مسافراً لتحقيق رواية حديثٍ واحد! قصة الذي يكذب على الرسول r
ليرغب الناس في القرآن... |
|
-4- وأيضاً رحلةٌ
طويلةٌ عجيبةٌ لتحقيق رواية حديثٍ واحد ! قصة شعبة بن الحجاج في تتبع
حديث"من توضأ..." |
|
-5- يا أبة إنّ هؤلاء أصحاب الحديثِ، ولا آمن أنْ
يُغَلطوكَ! التأكيد على الرجوع إلى المصادر الأصلية المتقدمة عند دراسة راوٍ
مختلف فيه.....-هامش-. |
|
-6- "لا يحل الكفّ عنه لأنَّ الأمرَ
دين" "وتعالوا حتى نغتابَ في الله عز
وجل" من
أخبار شعبة بن الحجاج في الذب عن سنة أبي القاسم r... |
|
-7- يردُّ على شيخهِ وهو ابنُ إحدى عشرة |
|
-8- رَاوي هَذا كَانَ يَنْبَغي لَكَ أنْ
تُكَبّرَ عَليهِ وفي
هذه القصة فوائد حديثية.......-هامش-. |
|
-9- هيبةُ يحيى بنِ مَعين في قلوبِ الرواة وفي هذه القصة فوائد حديثية.......-هامش-. |
|
-10- يحيى بنُ معين-
بدون تردد - يقولُ: "باطلٌ.. لو حدّثَ بهذا عبدُ الرزاق كَانَ حَلالَ
الدّم"! بل عليهِ مائةُ بَدَنة مُقلدة مُجَللة
إنْ كَانَ مَعْمَر حَدّثَ بهذا قط! وفي هذه القصة فوائد.......-هامش-. |
|
-11- تزويرُهُ لا يَنْطلي على أئمة الحديثِ وإنْ
تظاهرَ بالصلاح! وفي
هذه القصة فوائد.......-هامش-. |
|
-12- وحفظُ الحديثِ مما يُذْكَر! كلمةٌ
عن الحاكم ومستدركِهِ.......-هامش-. |
|
-13- مِنْ أحفظِ النَّاس! كلمةٌ
عن العقيلي وكتابه الضعفاء.......-هامش-. |
|
-14- لا محاباةَ في الذّبِ عَنْ سنةِ
المصطفى e! حديث
"يخرج الدجالُ من أرضٍ يقال لها: خراسان يتبعه أقوامٌ كأنّ وجهوهم المجانُّ
المُطرَقَةُ" حسنُ الإسناد......-هامش-. |
|
-15- يردُّ عَلى الأميرِ الوهمَ في
الإسنادِ! |
|
-16- معرفةُ عللِ الحديثِ ليس ادعاءً للغيب |
|
-17- عبدُ الرحمن بنُ مهديّ.. يعرفُ حديثَه
وحديثَ غيرهِ!! |
|
-18- مذاكرةٌ بمئاتِ الألوف مِنْ الأحاديثِ
وَلا يُغْرِبُ أحدُهُمَا عَلى الآخر إلاّ حديثا واحدا! فائدةٌ
في تفرد الرواة.......-هامش-. |
|
-19- لم يستطيعوا التفردَ ولو بحديثٍ
واحدٍ!! |
|
-20- كَمْ أقولُ لكَ: لا تمارِ أصحابَ
الحديث! |
|
-21- حُوتُ ابنِ أبي حَاتِم!
ليس
عندهم وقتٌ أو فراغ لإصلاح السمك........- هامش-. |
|
-22- ورعٌ وتقى وعلمٌ شدّة
ورع المحدثين وتدقيقهم في بابِ النيات......-هامش-. |
|
-23- أريدُ زَيْنَك ! |
|
-24- عليَّ بصاحبِ الشّرطة حتى أُسودّ وجه
هذا! |
|
-25- النَّطْعَ وَالسَّيفَ زِنْديقٌ
يَطْعَنُ في حَدِيثِ رسول الله r! علاج
المعترضين على سنة رسول الله r
على طريقة هارون الرشيد!.... |
|
-26- إنَّ المُنَاقَشَةَ
مَعَنَا مِنْ قِلَّةِ المُرُوءةِ! |
|
-27- رَحلاتٌ طويلة وشاقة طلباً للعلم! |
|
-28- الحفظُ خوَّان! |
|
-29- عجائب من حفظ الأئمة للحديث ورجاله
وطرقه |
|
-30- يحضرُ مجالسَ الحديثِ في ذلكَ الزمان ألوفٌ مِنْ النَّاس! - مجلسَ
سليمانَ بنَ حَرْب فيه أربعون ألْف رجل.... - مَجْلسَ
الفِرْيَابيّ يُحْزرُ فيهِ خمسة عشر ألْف محبرة... قال ابنُ عديّ في
كتابه الكامل"..وكُنَّا نحتاجُ أنْ نبيتَ في موضعِ المجلسِ لنتخذَ مِنْ
الغد موضعَ مجلسٍ" - مجلسَ
عَاصِم بن علي فيه ستون ومائة ألْف..... - مجلسَ
البخاريّ أكثرَ مِنْ عشرينَ ألفاً...... -
مجلسِ أبي مُسْلمٍ
الكَجِّيّ ..نيفاً وأربعينَ ألْف مَحْبَرةٍ.. -
فصلٌ جميل لابن
مفلح حول هذه المجالس... |
|
-خاتمةٌ-وفيها نُكتٌ وفوائد مما
تقدم...... -
تلمس مناهج النقاد مع التجرد التام.... -
نُبوغ هؤلاء الأئمة لم يأتِ من فراغ..... -
المحدثون بذلوا جهداً علمياً ضخماً
ومستمراً على اختلاف الأزمنة والأمكنة لخدمة سُّنّة رسول r.... -
الحديثُ ورجالهُ وطرقهُ تجري مع
أنفاسهم كما يجري الهواء... -
كلمةٌ جميلة لشيخ الإسلام ابن تيمية..... -
كلمةٌ جميلة لابن رجب عن علم السلف وعلم الخلف.. -
كلمةٌ جميلة لابن حجر........ - كلمةٌ جميلة للعلائيّ........ - وقفات مع بعض
المقولات ....... -
وقفةٌ مع مقولة "((ما هكذا تُعَل الأحاديث يابنَ
المديني!))........ -
وقول بعضهم يعترض على قول علي بن
المديني "جعفر مجهول":(( أنّى هذا"؟...))...... -
وقول بعضهم - متعقباً أبي حَاتِم في
قوله عَنْ حديثٍ ((والحديثُ عندي ليس بصحيح كأنه موضوعٌ)) - ((كذا قَالَ أبو
حَاتِم-رحمه الله- في العلل.... -
وقول بعضهم -متعقباً الحافظ أحمد بن
صالح المصريّ في قوله:((نظرتُ في كُتُبِ سليمان بن بلال فلم أجد لهذين الحديثين
أصلا)) -:((فكان ماذا؟.......... -
مِنْ طُرُقِ نقدِ الأخبار عند كبار
النقاد المتقدمين: عدم وجودِ الحَدِيث في كتب الراوي وأصوله.. وشواهد ذلك..... -
روح ولُبّ مسألة
"منهج المتقدمين في الحديث"...- هامش - . -
المُعلميّ -بحقٍ- علاّمة في الحديثِ وعللهِ......... -
من أسباب التفاوت بين المعاصرين وأئمة
النقد المتقدمين في الحكم على
الأحاديث..... -
لماذا نحن أذلةٌ ضعفاء، وسلفُنَا
أعزةٌ أقوياء....... |
|
n
الآياتِ القرآنية |
|
n
الآحاديث النبوية |
|
n
الأعلام |
|
n
المصادر والمراجع |
|
N n |
|
([2])فكتب
السير والتراجم والتواريخ والعلل تحفلُ بمئات القصص وتحتاج إلى إبراز وإظهار،
لأنَّ الهممَ قدْ ضَعفتْ عَنْ قراءة المطولات، والبحث في بطونِ الأمهات، فلعل الله
أنْ ييسر تتبعها وإخراج بعضها.
([5])انظر
القصة في: تقدمة الجرح والتعديل ( ص:345)، معرفة علوم الحديث (ص76)، الإرشاد
للخليلي (2/677)، شعب الإيمان (6/546)،تاريخ بغداد (10/335)، تاريخ مدينة دمشق
(38/35).
([6])
مِنْ رَوائعِ كلامِ أبي زُرْعةَ مَا نقلهُ البَرذعيُّ قَالَ :شَهدتُ أبَا زُرْعةَ -
وَسُئلَ عَنْ الحارثِ المُحَاسِبيّ وَكُتُبِهِ - فَقَالَ لِلسائلِ: إيّاكَ وَهذهِ
الكُتُب!، هذِهِ كُتُبُ بِدعٍ وَضَلالات، عَليكَ بالأثرِ فَإنّكَ تجدُ فيهِ مَا
يُغْنيكَ عَنْ هذِهِ الكُتُب.
قيلَ لَهُ: في هذِهِ الكُتُب عِبْرةٌ ؟
قَالَ:
مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ في كتابِ اللهِ عِبْرة فَليسَ لَهُ في هذِهِ الكُتُب
عِبْرةٌ ، بَلَغَكُمْ أنَّ مَالكَ بنَ أنس، وَسُفيانَ الثّوريّ، وَالأوزاعيّ،
وَالأئمةَ المُتقدّمينَ صَنّفوا هذهِ الكُتُب في الخَطَراتِ وَالوَسَاوس، وَهذهِ
الأشياء، هؤلاء قومٌ خَالفوا أهلَ العلمِ، يأتونا مَرةً بالحارثِ المُحَاسِبيّ ،
ومَرةً بعبدالرّحيم الدَّيبلي، ومَرةً بحَاتم الأصمّ، وَمَرةً بشقيق ثم قَالَ: مَا
أَسْرعَ النَّاسَ إلى البِدّعِ!.
سؤالات
البرذعي (2/575)، تاريخ بغداد (8/215)، ميزان الاعتدال (2/165).
قلتُ:
فإذا كَانَ أبو زُرْعةَ يقولُ هذا وهو مِنْ أهلِ القرنِ الثالثِ، فماذا تُرانا
نقول ونحن نعيش في القرن الخامس عشر!، رُحماكَ ربِّ.
قالَ
الذّهبيّ :(( هَكَذا كَانَ أئمة السّلف لا يرونَ الدّخولَ في الكَلامِ ولا
الجِدَال، بلْ يستفرغون وُسعهم في الكتاب والسنة، والتفقه فيهما، ويتبعون ولا
يتنطعون )). سير أعلام النبلاء (12/119).
([8])الرحلة
في طلب الحَدِيث ( ص: 207)، المجروحين (1/33)، تاريخ بغداد (12/353)، الجامع
لأخلاق الراوي (1/136).
وفي
هذه القصة فوائد حديثية وتربوية فمن ذلك:
-بيان
إحدى طرق النقاد لمعرفة ضبط الرواة وهي:إدخال الحديث على الراوي.
-وتشدد
ابن معين في معرفة الرواة وضبطهم فهو يريد أن يصل إلى الطمأنينة التامة.
-
وتحمل المحدثين لما يحصل لهم من رفسٍ وغيره في سبيل خدمة حديث رسول الله r،
فالرفسة تكون محببة إليهم- أحياناً ! رحمهم
الله -.
وأنبه أنّ مثل هذه الفوائد ليست مستنبطة من هذه
القصة فقط بل لها نظائر كثيرة فلا يظن ظان أنه بمجرد أن تستنبط فائدة من "سير
المتقدمين وقصصهم" تجعل هذه الفائدة قاعدةً مطردةًَ للمحدثين كلّهم، هذا لا
يقوله أحدٌ بل مثل هذه الفوائد لجعلها قاعدة أو قرينة أو منهجاً لا بدّ من
الاستقراء والتتبع ثم النظر والتحليل والموازنة.
([9])انظر:شرح أصول عتقاد أهل السنة (2 / 245)، تاريخ بغداد (12/ 349) ،
تهذيب الكمال (23 /
214)
، سير أعلام النبلاء (10 / 149).
([10])علم
الرجال وأهميته (ص 21).
وانظر
القصة بتمامها في : الكفاية (ص 401) ، الموضوعات لابن الجوزي (1/393)، وانظر
الكلام حولها في: "تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف
للزمخشريّ" للزيلعي (4/345)، النكت لابن حجر (2/862)، تدريب الراوي (1/288).
([11])
الضعفاء الكبير (2/191)، تقدمة الجرح والتعديل (ص167) ، المجروحين (1/28-29) ،
الكامل (4/37، 168)، العلل للدارقطني (2/114)، الحلية (7/148)، التمهيد(1/48ـ 49)
الرحلة في طلب الحَدِيث (59) الكفاية (ص. 566 ـ 567) القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص
207 ـ 208)، تاريخ دمشق (19/217) جامع التحصيل (ص77) وتختلفُ هذه المراجع في ذكر
القصة اختصاراً وتطويلاً.
([12])
في المطبوع (خفت) وقد راجعت كتب اللغة لأجد معنى من معاني (خفت) يناسب السياق فلم
أجد إلاّ أن يكون بمعنى خفضت صوتها، ثمّ وجدت النّصَ نقَلَه همامُ سعيد في مقدمتهِ
"لشرح علل الترمذي"(1/104) معزواً إلى النسخة الخطية (لوحة 154/ب) وفيه
(لحقت) وهذا أقرب للسياق.
([13])سؤالات
البرذعي (2/575)، هذا النّص النفيس الذي يفيد في دراسة حال قرة بن حبيب لم يذكره
المزيّ ولا مغلطاي ولا ابنُ حجر ولا الذهبيّ في رجال الكتب الستة.
وهذا
مما يؤكد أنّ على الباحثِ عند دراسة راوٍ مختلف فيه- وربما كان تحرير الكلام على
هذا الراوي يترتب عليه أحكاما عملية هامة كقوة روايةٍ أوضعفها ونحو ذلك - أن لا
يكتفي بالرجوع إلى المختصرات و الكتب المتأخرة–كما هو الجاري في كثير من الأحيان
في هذا الوقت طالباً للراحة وسهولة المعلومة !-، بل لا بدَّ من الرجوع إلى المصادر
الأصلية المتقدمة من تواريخ وسؤالات وعلل وغيرها-وكلما كان البحث أخطر كان الرجوع
إلى هذه المصادر ألزم وأوجب.
ومن
هنا ينبغي التنبه إلى أنَّ دراسة حال الراوي-المختلف فيه- ليست بالأمر الهيّن –كما
يظن البعض- بل ربما راجع الباحث عشرات الكتب، ودرس عشرات الأسانيد للبحث عَنْ
فائدة معينة، أو التحقق منها، وربما بدأ بدراسة حال الراوي من مولده ونشأته إلى
وفاته لاستخلاص حكم دقيق لحاله، وتأمل حال النقاد في هذا الباب: قال أبو زرعة
:((نظرتُ في نحو ثمانين ألْف حديث من حديث ابن وهب بمصر فلا أعلمُ أنى رأيتُ
حديثاً له لا أصل له وهو ثقة)) الجرح (5/189).
وقال
محمدُ بنُ إبراهيم بن أبي شيخ:((جاء يحيى بنُ معين إلى عفّان ليسمع منه كتب حماد
بن سلمة، فقال له: أما سمعتها من أحد؟ قال: نعم، حدثني سبعة عشر نفسا عَنْ حماد،
فقال: والله لا حدثتك، فقال: إنما هو درهم، وأنحدرُ إلى البصرة فأسمع من التبوذكيّ
فقال: شأنك، فانحدر إلى البصرة وجاء إلى التبوذكي فقال له: أما سمعتها من أحد؟
قال: سمعتها على الوجه من سبعة عشر وأنت الثامن عشر، قال: وما تصنع بهذا؟ قال: إنّ
حماد بن سلمة كان يخطئ فأردت أن أميّزَ خطأه من خطأ غيره فإذا رأيتُ أصحابه
اجتمعوا على شيء علمتُ أنّ الخطأ من حماد نفسه، وإذا اجتمعوا على شيء عنه، وقال
واحد منهم بخلافه، علمتُ أنّ الخطأ منه لا من حماد، فأميز بين ما أخطأ هو بنفسه،
وبين ما أخطىء عليه)) المجروحين (1/32).
قال
ابن حبان :(( ولقد دخلتُ حمص وأكثر همي شأن بقية فتتبعت حديثه وكتبت النسخ على الوجه وتتبعت ما لم أجد بعلو
من رواية القدماء عنه فرأيته ثقة مأمونا ولكنه كان مدلسا..)) المجروحين(1/200).
فالمطلوب
من الباحث بذل الوسع والجهد عند دراسة حال راوٍ، والله الموفق.
وفي قصة هذه البنت من الفوائد:
فقه هذه البنت، وَحُسْنُ معرفتها بخطرِ
المُحَدّثين. فياليت شباب وفتيات المسلمين يلتفتون إلى مثل هذه السير الرائعة، وما
فيها من فوائد تربوية فيعملوا بها.
وفي هذه القصة نكت علمية تتعلق بأحكام
المختلطين، وكيفية معرفة النقاد لضبط الرواة واختبارهم، وجلالة أصحاب الحديث
وهيبتهم في القلوب، وأنّ لهم حركة وأثراً في المجتمع.
([15])
تقدمة الجرح والتعديل (ص171)، الكامل في ضعفاء الرجال (1/382)، الضعفاء لأبي
نُعَيم (ص53)، الكفاية في علم الرواية ( ص: 44).
([21])موضح
أوهام الجمع والتفريق (2/494)، الكفاية في علم الرواية (ص45)، وانظر: الضعفاء للعقيلي
(1/11،15)، حلية الأولياء (7/152).
([30])تاريخ
بغداد (2/6)، تاريخ دمشق (52/57)، تهذيب
الكمال (24/439)، السير (12/393)، تغليق التعليق (5/386)، مقدمة فتح الباري
(ص478).وَقَالَ ابن حجر في النكت (2/876)
:(( روينا في ترجمة البخاري تصنيف وراقة محمد بن أبي حَاتِم أنه سمعه
يقول..)).
([31]) بمعنى أنه هالك بسبب
روايته هذا الحديث، ثمّ بين أبو زرعة علته، وهذا التعبير من أبي زرعة من الأساليب
اللطيفة التي استعملها النقاد في الحكم على الرواة ولهذا نظائر كثيرة وجميلة وفيها
بلاغة ودقة، يراجع في هذا : شرح ألفاظ التوثيق والتعديل النادرة أو قليلة
الإستعمال للدكتور سعدي الهاشمي.
([32])ترجم
الذهبي ليحيى فَقَالَ :((الإمام الحافظ الثقة محدث قزوين أبو زكريا يحيى بن عبد
الأعظم القزويني، عالم مصنف، كبير القدر ، من نظراء ابن ماجة لكنه أسند وأسن )).
سير أعلام النبلاء (12/509)
([33])سؤالات
البرذعي (2/579). وفيها من الفوائد:
-معرفة
طريقة من طرق النقاد في معرفة أخطاء الرواة.
-من
علامة الثقة رجوعه عن الخطأ وعدم الإصرار.
-أثر
الوراقين على المحدثين.
-بيان
سبب من أسباب دخول الحديث في الحديث على المُحدّث.
-دقة
نقد الأئمة المتقدمين للأحاديث والرواة، وجزمهم بما يقولون لأنه صادر عن علم وفهم.
([36])
معرفة الرجال (2/39رقم60). وفيها من
الفوائد: أنّ من طرق معرفة النقاد بضبط الرواة معارضة أحاديث الراوي بأحاديث
الثقات المتقنين فإذا وافقهم دلّ ذلك على ضبطه، وعند المخالفة ينظر في قلتها
وكثرتها، خفتها وشدتها، ونحو ذلك من القرائن.
([37])معرفة
الرجال (2/161رقم507)، وفيها من الفوائد:
-دقة
النقاد في النظر عند الكلام على الرواة حتى إنهم ينظرون في أصول الرواة وكتبهم.
-
أنّ من طرق معرفة النقاد بضبط الرواة النظر في أصول الرواة وكتبهم.
-تدقيق
ابن معين في هذا الباب وتقدم لهذا نظائر.
-أثر
الكتاب على الراوي.
([39])العلل
ومعرفة الرجال (3/15رقم3944)، شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (3/929)، شرح علل الترمذي
(2/753)، البدر المنير (3ورقة154).
وفيها
: قوة عبارات ابن معين في الرواة وشدتها، دقة نقد الأئمة، وجزمهم بالصواب الصادر عن علم وفهم، توافق
النقاد على نكارة الحديث.
قلتُ: تأملْ كيفَ عَرَفَ أبوزُرْعةَ
الحديثَ مباشرةً بعدَما ذُكِرَ لهُ طرفٌ منْ الإسناد، ثم ذَكَرَ حُكمه، ثم دلل
عَلى ذلكَ من خلالِ مباشرتهِ العلةَ نفسها بقصةٍ عجيبة يتجلى فيها دقة النقد،
والجرأة في ذلك، وعدم الاغترار بالمظاهر- فَرَحمَ اللهُ أبازُرْعةَ رحمةً واسعةً -.
([45])هو:
محمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوريّ (312-405).
ولا
يخفى على المتخصصين في الحديث أنّ الحاكم من كبار أئمة الحديث في زمانه وكانت
الرحلة إليه، ولكن مما يعجب منه الباحث كثرة الأوهام في مستدرك الحاكم، ويقوى
العجب عند الموازنة بين المستدرك من جهة وبين بقية كتبه-كمعرفة علوم الحديث،
والمدخل إلى معرفة الصحيح، والمدخل إلى معرفة الإكليل، وتاريخ نيسابور، وسؤالات
السجزي له، وسؤالاته للدارقطني-، فهذه الكتب فيها من الدقة والتحرير ما يشهد
بإمامة الحاكم وعلو كعبه، وعند النظر في المستدرك يجد الباحث أوهاماً شنيعة كتصحيح
أسانيد على شرط الشيخين وفيها كذبة -وبعضهم وصفه الحاكم نفسه في كتبه الأخرى
بالكذب-، واستدراك أحاديث على الشيخين أو أحدهما وهو مخرج بنفس الإسناد
عندهما-أوصلها بعض الباحثين إلى مائتين- مما جعل ابن حجر يقول في تعقبها
أحياناً:((وَقَالَ-أي الحاكم-: صحيح على شرطهما، قلتُ: هذه مجازفةٌ قبيحةٌ، فإنَّ
عمرو بن الحصين كذبوه)) اتحاف المهرة (7/189).
ويقول في موضع آخر:((وَقَالَ: صحيح الإسناد، كذا
قَالَ! فزل زلة عظيمة، فإنّ خالد بن عمرو كذبوه)) اتحاف المهرة (6/117).
ويقول:((حديث:
من أصبح وهمه غير الله فليس من الله في شيء..الحديث، الحاكم في الرقاق قَالَ:
حَدّثنا عبد الباقي بن قانع الحافظ ببغداد قَالَ: حَدّثنا عبد الله بن أحمد بن
الحسن المروزي قَالَ: حَدّثنا إسحاق بن بشر قَالَ: حَدّثنا مقاتل بن سليمان عن
حماد عن إبراهيم عنه به، قلتُ: لم يتكلم عليه، وإسحاق ومقاتل متروكان، وما كنتُ
أظن أن تبلغ به المجازفة فيه في الاستدراك على الصحيحين حتى يخرج عن مثل مقاتل))
اتحاف المهرة (10/338).
ولولا
خشية الإطالة لذكرت عشرات بل مئات الأمثلة على ذلك- ومجرد جرد كتاب "اتحاف
المهرة " لابن حجر كاف في بيان ذلك-.
وأحسن الأجوبة وأرجحها أنَّ الحاكم ألْف
المستدرك في آخر عمره، وكان يتكل على حفظه،وقد حصل عنده نوعٌ من التغير، قَالَ ابن
حجر:((أظنه في حال تصنيف المستدرك كان يتكل على حفظه، فلأجل هذا كثرت أوهامه))
اتحاف المهرة (1/510).
فيحصر تساهل الحاكم في المستدرك فقط- على أنّ في
المستدرك من الجرح والتعديل، وعلوم الحديث، والنقول عن أئمة الحديث، والفوائد
الفقهية والعقدية ما يستحق أن يفرد في مجلد ضخم-، قَالَ المعلمي:((هذا وذكرهم
للحاكم بالتساهل إنما يخصونه بالمستدرك فكتبه في الجرح والتعديل لم يغمزه أحد بشيء
مما فيها فيما أعلم)) التنكيل (1/561).
و
قَالَ ابن حجر:((والحاكم أجل قدراً وأعظم خطراً وأكبر ذكرا من أن يذكر في الضعفاء،
لكن قيل في الأعتذار عنه أنه عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره، وذكر بعضهم
أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره ، ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء
له وقطع بترك الرواية عنهم ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه
وصححها من ذلك أنه أخرج حديثا لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وكان قد ذكره في الضعفاء
فَقَالَ: إنه روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أنَّ
الحملَ فيها عليه، وَقَالَ في آخر الكتاب: فهؤلاء الذين ذكرتهم في هذا الكتاب ثبت
عندي صدقهم لأنني لا استحل الجرح إلا مبينا ولا أجيزه تقليدا والذي اختار لطالب
العلم أن لا يكتب حديث هؤلاء أصلا)) لسان الميزان (5/232).
و
لابن حجر كلامٌ حسنٌ عن المستدرك وتقسيم دقيق لأحاديث المستدرك قاله تعليقاً على
قول ابن الصلاح:((وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل
في القضاء به فالأولى أن نتوسط في أمره...)) يراجع: النكت على كتاب ابن
الصلاح (1/312-319).
وانظر
لمزيد الفائدة: مجموع الفتاوى (1/ 253-255)، التنكيل (1/561) -وفيه كلام مطول عن
الحاكم ومستدركه-.
وإنما
أطلتُ الكلام على الحاكم لأني رأيت عدداً من طلبة العلم لا يعرف عن الحاكم إلاّ
أنه متساهل، من دون تحقيق في نوع التساهل، وهل هو عام في جميع كتبه أو في كتاب
واحد فقط، وهل التساهل في الكتاب كله أو في بعضه...الخ، وعدمُ معرفة هذه الأمور
ربما يفوت على طالب العلم القيمة العلمية لكتب الحاكم الأخرى، والله أعلم.
([47])العُقَيْليُّ
هو: مُحمَّد بن عَمْرو أبو جعفر الحجازيُّ (؟-322) ، وهو من مدرسة الإمام البخاريّ
منهجاً وطريقة -وإنْ كان من تلاميذ تلاميذ البخاريّ-.
وقد
ذُكر أنَّ له مصنفاً في "العلل"، وله كتاب الضعفاء قال عنه الذهبيُّ
:((والعقيلي وله مصنف مفيد في معرفة الضعفاء )). الميزان (1/112)، وكتابه هذا طُبع
باسم"الضعفاء الكبير"- واسمه الصحيح هو" كتاب الضعفاء، ومن نُسبَ
إلى الكذب ووضع الحديث، ومن غَلَبَ على حديثه الوهم، ومن يُتهم في بعض حديثهِ،
ومجهول روى ما لا يتابع عليه، وصاحب بدعة يغلو فيها ويدعو إليها، وإن كانت حاله في
الحديث مستقيمة مؤلف على حروف المعجم" وقد نصَّ المحقق-وفقه الله- على هذا
فقال :((واسم الكتاب حسب تسمية المصنف... )).ثم ذكره ، ولا أدري لِمَ لَمْ يثبته
على غلاف الكتاب!-.
وصناعة
العلل واضحة في كتابه هذا، وتأثره بالإمام البخاريّ بيّن، وقد نقل عن البخاريّ في
هذا الكتاب أكثر من ستمائة نصّ، وهناك رسالة علمية بعنوان "الأحاديثُ التي
أعلها العُقيليّ في كتابهِ الضعفاء" لأحد الباحثين في جامعة الإمام محمد بن
سعود.
وأنصحُ
طالبَ الحديثِ أنْ يقرأ الكتابَ كاملاً، ويستخرج فوائده الكثيرة، فإنْ ضَعُفَ فلا
يُغلب على قراءة مقدمة الكتاب.
([48])سير
أعلام النبلاء (15/237)، فتح المغيث (1/274) وَقَالَ :((وفي ترجمة العقيلي من الصلة
لمسلمة بن قاسم..))، وحكى ابن عديّ عن عددٍ من مشايخه-ولم يسمهم- أنّ البخاري وقعت
له قصة نحو هذه القصة انظرها في :أسامي من روى عنهم البخاري من مشايخه في الصحيح
لابن عديّ (ص62)، وتاريخ بغداد (2/20).
([50])أخرجه
: الترمذي في سننه، كتاب الفتن، باب ما جاء من أين يخرج الدجال (4/441 رقم2237)،
وابن ماجه في سننه كتاب الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى بن مريم وخروج يأجوج
ومأجوج (2/1353-1354رقم4072)، وابن أبي شيبة في المصنف ( 7/494)، وأحمد بن حنبل في
مسنده (1/190رقم12) وغيرهم وَقَالَ الترمذي:"حسن غريب"، وإسناده قويّ لا
ينزل عَنْ درجة الحسن.
([51]) الإرشاد
(2/696-697)، وذكر هذه القصة: القزويني في التدوين في أخبار قزوين (3/2)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (17/62).
([57]) المجروحين (1/54)،
تاريخ بغداد (10/245)، الجامع لأخلاق الراوي (2/39)، التعديل والتجريح (3/1201)،
تهذيب الكمال (17/440)،شرح علل الترمذي (1/535).
([62])سير
أعلام النبلاء (12/160).
وهذه
المذاكرة -وغيرها- تؤيد قول الذهبيُّ:((ويَنْدُرُ
تفرُّدهم، فتجدُ الإمامَ منهم عندهَ مائتا ألْف حَدِيث، لا يكادُ، ينفرد
بحديثينِ ثلاثة،ومن كان بعدَهم فأين ما يَنفرِدُ به، ما علمتهُ، وقد يوُجَد)) ،
الموقظة (ص76). فتفطن لمناهج النّقاد تستفد!.
([65])أخرجه:
ابنُ أبي شيبة (3/496) كتاب النكاح، ما قالوا في اللهو وفي ضرب الدف في العرس،
وابن أبي الدنيا في كتاب العيال (2/788رقم587)، وانظر: فيض القدير (2/10).
([67])تاريخ دمشق (35/ 361)، سير أعلام
النبلاء (13/266).
قلتُ:
انظرْ إلى هذهِ الهمّة العالية، والجدّ والاجتهاد في طلب العلم، فليس عندهم وقتٌ
أو فراغ لإصلاح السمك!، وكذلك تلاحظ أنهم لم يعطوا العلم ما فَضَل مِنْ وقتهم بل
كل وقتهم للعلم، فالعلم لا يُسْتطاعُ براحةِ الجسَدِ.
وأكثرُ
شبابِ اليوم - إلاّ مِنْ رَحِمَ الله - يشكون من الفراغ!، فهم لا يدرون كيف يقضون
فراغهم، والله المستعان.
قَالَ
الذهبيُّ:((قلتُ: أصابه على طريق الوجل وخوف العاقبة، وإلاَّ فكلامُ الناقدِ الورعِ
في الضعفاء من النصح لدين الله والذب عَنْ السنة)) السير (13/ 268).
([69])الإرشاد
(2/469)، والخبر في سؤالات البرذعي (2/770) وفيه نقص.
قلتُ:
وهذا مِنْ شدّة ورعهم ومِنْ تدقيقهم في بابِ النيات وَإلاّ فطلب العلم عبادةٌ ولا
مانع من تداخل العبادات -طلب العلم والمُرابطة-، علماً أنّ من تأمل سيرة هذا
الجهبذ عَرَفَ أّنه في رباطٍ وَجِهادٍ مُنذُ نشأتهِ -رحمه الله رحمة واسعةً-، قال
تعالى { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ
كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا
قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } (التوبة:122)
([71])
الكفاية (146)، تاريخ دمشق (62/166)، تهذيب الكمال (29/471)، السير (10/598،
11/89)، النكت على كتاب ابن الصلاح (2/876) وَقَالَ :((روينا في تاريخ العباس بن
محمد الدوري)).
([74])الحديث
أخرجه: البخاري في صحيحه (رقم3228، 4459، 6240، 7077)، ومسلم في صحيحه (رقم2652)
عن أبي هريرة قال: قال رسُولُ الله r
:((احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فقال لَهُ مُوسَى: أنْتَ آدَمُ الَّذِي أخْرَجَتْكَ
خَطِيئَتُكَ مِنَ الجَنَّةِ فقال لَهُ آدَمُ: أنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ
الله بِرِسَالَتِهِ وبِكَلاَمِهِ ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أمْرٍ قُدَّرَ علَيَّ
قَبْلَ أنْ أُخْلَقَ، فقال رسُولُ الله r:
فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى مَرَّتَيْنِ)).
والطريق
الذي ذكره أبومعاوية أخرجه: الترمذي في جامعه (رقم2134)، وأحمد بن حنبل في المسند
(2/398)، وابن حبان في صحيحه-كما في الإحسان رقم6179- وغيرهم.
([75])
قوله (القرشيَّ لا يتزندق) يحتاجُ إلى دليلٍ منْ الكتابِ أو السنة، ولا دليلَ على
ذلك، والله أعلم.
([76])المعرفة
والتاريخ للفسوي (2/107)، تاريخ بغداد (5/243).
قلتُ:
وما أكثر المعترضين على سنة نبينا وسيدنا - صلوات ربي وسلامه عليه - في هذه الأيام
ممن يسمون(عقلانيين)، وهم أبعد ما يكونون عن العقل السليم، والفكر القويم ، وعلاج
هؤلاء-بعد المحاورة، وإقامة الحجة، وبيان المحجة- يكمن في طريقة هارون الرشيد،
وبعضهم لا ينفع معه إلاّ هذا لأنّ الشر قد تأصل في نفسه وقلبه.
قَالَ
عُثمانُ بنُ حكيم :إنّي لأرجو لأبي يُوسف في هَذِهِ المسألةِ، رُفِعَ إلى هَارون
زِنْديقٌ فَدَعَا أبا يُوسف يُكلمُهُ، فَقَالَ لهُ هارونُ: كَلّمهُ وَنَاظرهُ.
فَقَالَ لَهُ: يَا أميرَ المؤمنينَ اُدْعُ
بالسّيفِ وَالنَّطْع، وَاعرضْ عَليهِ الإسلامَ، فإنْ أَسَلمَ و إلاّ فاضربْ
عُنُقَهُ هَذا لاَ يُناظر، وقدْ ألحدَ في الإسلامِ. تاريخ بغداد (14/253).
([84])المجروحين
(1/85)، الموضوعات لابن الجوزي (1/34)، ورواه الخطيب البغداديّ في الجامع لأخلاق
الراوي وآداب السامع (2/166) إلاّ أنّ الخطيب جعلها من رواية ابن حبان عن محمد بن
يوسف النسوي، ولربما تكررت القصة لأنّ من عادة الشَّحَّاذين التكرار كما قال هذا
الشاب في هذه القصة.
قلتُ:
ما أقبح أن يتمسح الشَّحَّاذُون بالدين فترى الواحدَ منهم يخطب خطبة فيها آيات
وأحاديث ثم يسأل الناس كما هو الحال في هذا الزمان فعلى أئمة المساجد - خاصةً - واجب
النصيحة والتنبيه.
([98])
الكامل لابن عدي (1/127)، تاريخ بغداد (6/354)، تاريخ مدينة دمشق (8/135)، سير
أعلام النبلاء (11/373).
([101])
تاريخ بغداد (4/419)، سير أعلام النبلاء (11/187).
قال
الذهبيّ :((فهذه حكايةٌ صحيحةٌ في سعةِ علمِ أبي عبد الله، وكانوا يعُدُّون في
ذلكَ المكرر والأثر وفتوى التابعي وما فسر ونحو ذلك، وإلاّ فالمتونُ المرفوعةُ
القويةُ لا تبلغُ عشرَ مِعشار ذلك))
([102])الكامل
لابن عدي (1/131)، تاريخ بغداد (2/25)، تاريخ مدينة دمشق (52/64)، سير أعلام
النبلاء (12/415).
([103])تاريخ
بغداد (2/31)، تاريخ مدينة دمشق (52/95)، سير أعلام النبلاء (12/432)، شرح علل
الترمذي (1/495 ).
([127])لا أن يحفظ كتاباً
مختصراً -والحفظُ مطلوبٌ لطالب العلم، ويُشجع عليه، ولكنّ مرادي بيّن- ويجعله
حكماً على كبار النقاد ورواد هذا الفن، ولا شك أنّ دراسة مصطلح إمام معين تحتاج
إلى وقت، وجهد، ودقة فهم، بينما تطبيق ما في المختصرات أسهل وأيسر!.
([128])
يعني حَدِيث:((لا يجوع أهل بيت عندهم التمر))، وحديث(( نعم الإدام الخل ))، وكلام
النقاد منصبٌ على رواية يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال هذه، وأمّا متن الحديثين
فقد وَرَدَ من طرق أخرى صحيحة.
([131])تنبيهٌ:
كتب الرواة وأصولهم -وما يتفرع عنهما من مباحث-من المسائل الهامة في علم الحَدِيث،
ولها تعلق خاص ودقيق بمبحث الجرح والتعديل، ومبحث علل الحَدِيث، ولم أر إلى الآن
دراسة شاملة ودقيقة عن هذا الموضوع تقوم على الاستقراء التام: لكتب الجرح
والتعديل، وكتب العلل -التطبيقية والنظرية-، وكتب علوم الحَدِيث، ومِنْ ثمَّ تحليل
النصوص ودراستها في ضوء تطبيقات النقاد ، مع الاستفادة من كلام ابن رجب في شرح علل
الترمذي، وكلام المعلمي في التنكيل، وفي ظني أنّ هذا الموضوع صالح لأنْ يكون دراسة
علمية أكاديمية.
([132])ذكرُ
ابنِ جُريج هنا متعلق بحكاية ابن عُلَيّة المشار إليها، والنص أخرجه الحاكمُ في
المستدرك (2/169)-ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (7/105)- قَالَ :((أخبرنا
الحسين بن الحسن بن أيوب حدثنا أبو حَاتِم محمد بن إدريس الرازي قَالَ: سمعتُ أحمدَ
بنَ حنبل يقولُ وذكر عنده أنّ ابنَ عُلَيّة يذكر حَدِيث ابن جُرَيج في "لا
نكاح إلا بولي" قَالَ ابن جُرَيج: فلقيتُ الزُّهريَّّ فسألته عنه فلم يعرفه،
وأثنى على سليمان بن موسى قَالَ أحمد بن حنبل : إنَّ ابن جُرَيج له كتب مدونة وليس
هذا في كتبه يعني حكاية ابن عُلَيّة عَنْ ابن جُرَيج)).
([134])
مسائل الإمام أحمد -ر داود-(ص386رقم1860)-تحقيق:طارق بن عوض الله-، الكامل
(1/246)، المنتخب من العلل للخلال (ص159رقم80)، شرح علل الترمذي (2/596).
([147])وعند
اختلاف النّقاد في مسألةٍ ما يكون النظر في الحجج والأدلة ومن ثمّ الموازنة بينها،
وكلّ مسألةٍ لها نَظَرٌ خَاص.
([150])والأمثلة
كثيرة ..وكثيرة..ولكن مما يسر أنّ هناك عودة قوية لدراسة مناهج النقاد من خلال
أقوالهم وتطبيقاتهم ، وفهم مصطلحاتهم من خلال السبر والتتبع الطويل مع التحليل
والنظر ، وفي ظني أنّ هذه الدراسات ستقلص من الاعتراضات على النقاد، وتقلل من
الاختلاف بين أحكام المعاصرين على الأحاديث وأحكام المتقدمين، وكذلك المعاصرين
بعضهم مع بعض.
وهذه
العودة لدراسة مناهج النقاد..الخ= هي روح ولُبّ مسألة "منهج المتقدمين في
الحديث" والتي -في رأيي- حُمّلتْ ما لا تحتمل، وصُورت على غير حقيقتها التي
يدعو إليها الفضلاء، فليس هناك تقليلٌ من قدر المحدثين المتأخرين، وليس هناك
تفريقٌ للأمّة، وليس هناك بدعة، بل إنَّ الكلام في هذه المسألة هو بحثٌ في مسائل
علمية حديثية دقيقة تتعلق بمصطلحات وقواعد ومناهج سار عليها أئمة الحديث المتقدمين
وروّاد هذا الفن ومن يرجع إليه في هذا العلم، وغالب الخلاف الواقع بين
الفضلاء في هذه المسألة من نوع الخلاف اللفظيّ،
وطلبةُ العلم فيها بين أجر وأجرين -إنْ شاء الله تعالى-، والمسألة من مطارح
الاجتهاد، ومسارح النظر.
ومما
ينبغي التفطن له أنّ هذه الدعوة ليست من
التقليد في شيء، بل هي دعوةٌ لأخذ العلم من مصدره، إذ من المعلوم أنّ قوانين
وقواعد معرفة حال الراوي والمروي إنّما أُخذت عن هؤلاء الأئمة فهم الحكم في هذه
المسائل، وإليهم الرجوع عند التنازع كما تقدم في كلام العلائي وغيره.
ورَحِمَ
اللهُ علماءَ المسلمين-المتقدمين منهم والمتأخرين- فقد ورثوا للأمة علماً زاخراً
يخدم كتاب الله وسنة رسوله r
، وإنَّ
من حقهم على الأمّة الدعاء لهم، والترحم عليهم، والاستفادة من علومهم، وهذا هو
منهج مَنْ تَبِعَهُم بإحسان قال تعالى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ
يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا
بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا
إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } (الحشر: 10).
([151])وقد
لقي كلام المعلمي ومصنفاته قبولاً عجيباً في هذه السنوات الأخيرة بين طلاب العلم،
وهذا من علامات إخلاص الرجل وصدقه-نحسبه كذلك، ولا نزكي على الله أحداً-، وقد قالَ
تلميذُهُ محمدُ بنُ أحمد المعلميّ :((وكان لهذا الشيخ الجليل رسائل مخطوطة قيمة في
فنون مختلفة وضعها في مكتبة الحرم، وقد أشار على الشيخ بعض من كان يطلع على هذه
الرسائل بطبعها، فأجاب: إنْ كانَ الله يعلم أن فيها خيراً فسيأتي الله بمن يطبعها،
أمّا أنا فلا)). (ص23) رسالة"هل يدرك المأموم الركعة بإدراكه الركوع مع
الإمام" للمعلمي، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد القادر المعلمي، ط1، 1414، مكتبة
الإرشاد، صنعاء.
وقد
سمعتُ أنّ هناك لجنة بإشراف الشيخ بكر أبوزيد
بصدد جمع مؤلفات المعلمي والعمل على إخراجها وفقهم الله وأعانهم.
([152])و
أسبابُ هذا التفاوت - في الغالب - ترجع
إلى أمور ثلاثة-مرتبة حسب الأهمية- :
1-
القصور في "علم
علل الحديث" وعدم التفطن لدقائقه، ولذا تجد بعض الباحثين - وفقهم الله - ينقل
شواهد للحديث ومتابعات من كتب العلل مما استنكره الأئمة على الرواة، ولم يقف وقفةَ
نَظَرٍ لماذا ذُكِرَ هذا الحديث أو الطريق في كتب العلل؟، ولربما كان هذا الحديث
المذكور في كتب العلل يُعل حديثه كأن يكون
موقوفاً وحديثه مرفوعاً ونحو ذلك.
وعلاجه
في أمرين:
أ-
كثرة القراءة في كتب
العلل النظرية والتطبيقية، فإنْ غلبت عن قراءتها فلا تغلب على كتابين: الأوَّل:
التمييز للإمام مسلم بن الحجاج، والثاني: كتاب"شرح علل الترمذي"لابن
رجب، وأرى أنَّ الكتابين –من أولهما إلى آخرهما- من أحسن ما يقرر على طلاب الحديث
لفهم العلل ومعرفة طريقة النقاد فيها.
ب-
تتبع أقوال كبار نقاد
الحديث على الحديث المراد بحثه، والاستفادة من كل كلمة يقولونها عن الحديث- لأنَّ
تعاليل الأئمة للأخبار مبنيةٌ في الغالب على الاختصار ، والإجمال، والإشارة
فيقولون مثلاً " الصواب رواية فلان"، أو "وَهِمَ فلان" أو
"حديث فلان يشبه حديث فلان" أو "دَخَلَ حديثٌ في حديث" ولا
يذكرون الأدلة والأسباب التي دعتهم إلى ذلك القول لأنّ كلامهم في الغالب موجه إلى
أناسٍ يفهمون الصناعة الحديثية والعلل والإشارة فيدركون المراد بمجرد إشارة الإمام
للعلة وذكرها- ومِنْ ثمّ دراسة أسباب هذا الحكم من الناقد، ومدى موافقة بقية
النقاد له، ومع كثرة الممارسة لكلام النقاد تكون عند الباحث ملكة تؤدي -بتوفيق من
الله وإعانة- إلى موافقتهم قبل أنْ يطلعَ على كلامهم المعين في الحديث المراد
بحثه.
2-
عدم تحقيق الكلام على
الرجال الذين تدور عليهم علة الحديث والاكتفاء بالمختصرات كتقريب التهذيب خصوصاً،
وتقدم التنبيه على هذا وكيفية علاجه، وأضيف هنا أهمية أن يقرأ طالب الحديث كتاب
"الميزان" للذهبيّ كاملاً من أوله إلى آخره، متلمساً المناهج، مقيداً
الفوائد.
3-
التوسع في قبول
الشواهد والمتابعات، وهذا الأمر ناتجٌ عن الخطأ في الأمرين السابقين فعدم التفطن
لعلل الأخبار وعدم تحقيق مرتبة الراوي بدقة يترتب عليه قبول " الشواهد
والمتابعات"، أو عدم قبولها ، وفرقٌ بين أن نحكم على راوٍ ما بأنه ضعيف لسوء
الحفظ، وبين الحكم عليه بالترك فالأول يقبل
" الشواهد والمتابعات" -إنْ سلم من العلل الأخرى كالتفرد،
والشذوذ- والثاني لا يقبل، وقد وُفق الشيخ طارق عوض الله فكتب في هذا الأمر
كتابة رائعة في كتابه " الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد
والمتابعات" عالج فيها جانباً من القصور في هذا المسألة.
ولقد
كان المعلميّ دقيقاً عندما قال :(( وتحسين المتأخرين فيه نظر)) الأنوار الكاشفة
(ص30).
وكذلك
في قوله :((عندما أقرن نظري بنظر المتأخرين:أجدني أرى كثيراً منهم متساهلين))
الفوائد المجموعة (ص2).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق