(( التوسل الى الله بأحد من خلقه .. خلاف فرعي في كيفية الدعاء .. وليس من مسائل عقيدة ))
معنى التوسل
1- الوسيلة
لغة : ما يتقرب به إلى الغير والجمع ( الوسيل ) و ( التوسيل ) و ( التوسل ) واحد
يقال : ( وسل ) فلان إلى ربه وسيلة و ( توسل ) إليه بوسيلة إذا تقرب إليه بعمل
. مختار الصحاح ص 721 .
2- الوسيلة
شرعا : هي ما يتقرب به المرء إلى ربه سبحانه وتعالى بطاعته وطاعة رسوله ( صلى الله
عليه وسلم ) ويفعل الأعمال الصالحة .
أخي المسلم ........
اتفق العلماء دون أدنى خلاف على أن التوسل
المشروع هو :
أولا : التوسل باسم من أسماء الله تعالى
الحسنى أو بصفة من صفاته العليا تعالى : (( ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها وذروا
الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون )) (1 ) فالآية صريحة في أمر العباد بأن يدعوه تعالى
بأسمائه الحسنى لأن الدعاء بأسمائه وصفاته أقرب إلى الإجابة وقد ورد عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) (( إن لله تسع وتسعين
اسما مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر )) (2 ).
ثانيا : التوسل بالعمل الصالح كأن يكون قد
قدم عملا صالحا موافقا للكتاب والسنة فإذا دعا يقول بدعائه : اللهم إني أسألك بحبي لنبيك أو بإيماني أو
بتوحيدي ونحو ذلك .
فالمؤمنون قالوا (( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا
بربكم فآمنا )) (3 )
فقدموا التوسل بالعمل الصالح وهو الإيمان
على الدعاء رجاء الإجابة وكذلك قول ربنا (( إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا
فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين )) (4 )
فقدموا التوسل بالإيمان على طلب المغفرة والرحمة .
وكذلك توسل أصحاب الغار بأعمالهم الصالحة ،
فتوسل أحدهم بعفته من الزنا ، وتوسل الثاني ببره لوالديه ، وتوسل الثالث بتنمية
أجر أجيره وإعطائه الأجرة كاملة بعد مضي فترة طويلة من الشهور والسنين .
وعلى هذا يستجيب للإنسان أن يدعوا في حال
كربه وفي دعاء الاستسقاء وغيره بصالح عمله ويتوسل إلى الله تعالى به ، لأن هؤلاء
الثلاثة فعلوه فاستجيب لهم وفرج الله كربهم ورفع الصخرة التي أطيقت عليهم ، وذكره
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في معرض الثناء عليهم بجميل فضائلهم ( 5 ) .
ثالثا : التوسل بدعاء الرجل الصالح ، فإذا
نابت المسلم نابتة أو وقع في قحط وجدب ، من المندوب أن يذهب إلى رجل صالح يدعوا له
لكي يفرج الله الشدة ويقول له : أدع لي ، وهذا لون من ألوان (( وتعاونوا على البر
والتقوى )) والرسول ( صلى الله عليه وسلم
) يقول: ((الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ))
(1 ) الأعراف 18 .
2 ) أخر جاء في الصحيحين . 3 ) آل عمران 193 .
4) المؤمنون 109. 5) الحديث رواه البخاري ومسلم .
وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله
عنه أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان
وجاه المنبر ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قائم يخطب ، فاستقبل رسول الله (
صلى الله عليه وسلم ) قائما فقال : يا رسول
الله هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا قال : فرفع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
يديه فقال : (( اللهم اسقنا ، قال أنس : ولا والله ما نرى في السماء من سحابة ولا
قزعة (1 ) ولا شيئا وما بيننا وبين سلع
(2 ) من بيت ولا دار قال : والله ما رأينا الشمس ستا (3 ) ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة
ورسول قائم يخطب فاستقبله قائما فقال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل
فادع الله يمسكها . فقال : فرفع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يديه ثم قال :
اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكـــام (4) والجبال والآجام (5 ) والظراب
(6 ) والأودية ومنابت الشجر قال : فانقطعت
وخرجنا نمشي في الشمس (7 ) فقد أقر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الأعرابي على
التوسل به وسعى في تحقيق من توسل إليه – ولم يصدر عنه ما يشير – مجرد إشارة – إلى
أن الدعاء الصادر من الشخص لنفسه أولى من دعاء غيره له بناء على طلبه بل لقد دل
بإقراره ( صلى الله عليه وسلم ) واستجابته على أن طلب الدعاء من الغير أرجى
للإجابة إذا كان المطلوب منه الدعاء من أهل التقوى والصلاح .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا كان هذا عن التوسل بدعاء النبي ( صلى
الله عليه وسلم ) فإن التوسل بدعاء غيره (
صلى الله عليه وسلم ) قد سنه لنا حينما قال لعمر ، وقد استأذنه في العمرة فأذن له : لا تنسنا يا أخي من دعائك (1
) وسنه لعمر بن الخطاب ولغيره تبعا له فيما روته مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه قال : إني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : إن خير
التابعين رجل يقال له أويس ، وله والدة ، وكان به بياض ، فمروه فليستغفر لكم (2
) . وفي رواية ، وله والدة ، هو بها بر لو أقسم على الله لأبره ، فإن
استطعت أن يستغفر لك فافعل (3 ) .
وقد طلب عمر منه أن يستغفر له ، فدل ذلك على
جواز التوسل بدعاء المسلمين ولو كان الداعي أقل درجة من المدعو له .
ومما يدل على ذلك أيضا حثه ( صلى الله عليه
وسلم ) لنا على سؤال الله له الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود ، وسؤالنا الله أن
يصلي عليه وما إلى ذلك .
وقول الله تعالى (( لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم
جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما )) (4 ) يدل
على مشروعية التوسل لما فيه من حث الأمة على المجيء إليه ( صلى الله عليه وسلم
) ، والاستغفار عنده واستغفاره لهم وليس
ذلك خاصا به ( صلى الله عليه وسلم ) لعدم دليل الخصوص .
وقد ورد الحث على دعاء المرء لأخيه عن ظهر
غيب طلب منه أو لم يطلب ولا يتوقف على
أفضلية من الطالب بل قد يطلب الفاضل من المفضول .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) الترمذي
ج5 ص320 وقال حسن صحصح ، وأبو داود وأحمد .
2) (3 )
مسلم ج16 ص95 .
3) النساء
: 64 .
التوسل المختلف
فيه بين العلماء :
- وأما التوسل بالذات والقسم على الله تعالى
بأحد من خلقه ، فقد اختلف فيه ، فمنهم من أجاز ذلك في حق النبي ( صلى الله عليه
وسلم ) كالعز بن عبد السلام والتاج السبكي ، ومنهم من منع ذلك ، ولك أدلة من السنة
النبوية .
1- التوسل إلى الله تعالى بأحد من خلقه في
مطلب يطلبه العبد من ربه ، أجازه بعضهم إذا كان بمعنى الشفاعة كما في صحيح البخاري
: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى
العباس وقال : اللهم إنا كنا إذا أجدينا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل
إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون (1) .
فلا يخفى أن توسلهم به هو استسقاؤهم بحيث
يدعو ويدعون معه فهو شفيع لهم وسائل لا مسئول .. وهذا رأي من لم يجز التوسل بذات
المتوسل به وقال يتوسل بدعائه لا بذاته ، والذي ينادي بهذا الرأي هو الإمام ابن
تيمية الذي يقول : (( ودعاء عمر في الاستسقاء المشهور بين المهاجرين والأنصار
وقوله كنا نتوسل بنبينا وإنا نتوسل إليك
بعم نبينا ، يدل على أن التوسل المشروع عندهم هو التوسل بدعائه وشفا عته لا
السؤال بذاته ، إذ لو كان هذا مشروعا لم يعدل عمر والمهاجرون والأنصار عن السؤال
بالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) إلى
السؤال بالعباس (2)
2-وأجازه بعض العلماء وإن لم يكن بمعنى
الشفاعة بل بمعنى التوسل بجاه الوسيلة نحو القسم على الله بنبيه ( صلى الله عليه
وسلم ) .
إلا أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام خصه به
( صلى الله عليه وسلم ) للحديث (( أن أعرابيا أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم )
فقال : يا رسول الله إني أصبت في بصري فادع الله لي فقال النبي ( صلى الله عليه
وسلم ) توضأ وصل ركعتين ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد ( صلى
الله عليه وسلم ) إني استشفع به في رد بصري اللهم شفعه في وقال فإن كان لك حاجة
فمثل ذلك فرد الله بصره (3 ) فعلم أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) شفع له فسأل الله أن يشفعه فيه ، من أجل هذا
الحديث استثنى الشيخ عز الدين بن عبد السلام التوسل بذاته ( صلى الله عليه وسلم ) من
المنع الذي أفنى به حيث قال هذا ينبغي إن يكون مقصورا على النبي ( صلى الله عليه
وسلم ) لأنه سيد ولد آدم ، وأن لا يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة
والأولياء لأنهم ليسوا من درجته ، وأن يكون هذا مما خص به لعلو درجته ومرتبته (
صلى الله عليه وسلم ) (4).
3- أجاز بعض العلماء على إطلاقه كالإمام
السبكي وغيره وقالوا إن ما قاله الشيخ عز الدين بن عبد السلام بأنه خاص برسول الله
( صلى الله عليه وسلم ) فيه نظر لأن
الخصائص لا تثبت إلا بدليل ولا يكفي فيها الاحتمال لأنها خلاف الأصل ويتضح لك بعد
ذلك أن المستغيث بإنسان طالب منه سائل له بخلاف المتوسل به فليس مطلوبا منه ولا
مسئولا وإنما يطلب به ، وكل واحد بفرق بين المدعو والمدعو به (5) .
والذين أجازوا هذا النوع من التوسل ردوا على
الإمام ابن تيمية قالوا : إن المتأمل في قول ابن تيمية يجده بنفي وقوع التوسل أو
سؤال الله تعالى بمخلوق مطلقا ولكنه لا يقدم لنا دليلا على ذلك ، بل إن الأدلة قد
قامت على خلافه ، فقد روي ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان على
مالك الدار وكان خازن عمر قال : أصاب الناس قحط في زمان عمر فجاء رجل إلى قبر
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا
رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا ، فأتى الرجل في المنام فقال له : ائت عمر
فقل له : إنكم مستسقون فعليك الكفين ، قال : فبكي عمر وقال : يا رب ما ألو إلا ما عجزت عنه (6) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) البخاري ج2 ص25 . 2) قاعدة
جليلة في التوسل لإبن تيمية ص58 .
3) رواه النسائي
والترمذي وصححه ابن ماجة - الإبداع في
حضار الإبداع ص208 . 4) الإبداع في
حضار الابتداع ص210 .
5) المرجع السابق ص
210 . 6) فتح الباري ج2
ص148 والإصابة ج3 ص4 .
وروي الدارمي أن أهل المدينة لما قحطوا أشارت عليهم عائشة بأن يحملوا
من قبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كوا
إلى السماء حتى لا يكون بينه وبينها سقف ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب وسقت الإبل
حتى تفتقت فسمي عام الفتق .
ويرى الشيخ زاهد الكوثري أن هذا الحديث – حديث عمر – نص على عمل
صحابة في الاستسقاء به ( صلى الله عليه وسلم ) بعد وفاته حيث لم ينكر عليه أحد عليه أحد مع
بلوغ الخبر بهم وما يرفع إلى أمير المؤمنين يذيع ويشيع (1) .
ثم إنه لا يلزم عن عدم شيوع هذا الحديث وانتشاره عدم الاستدلال به
لأن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ما كان يقر على باطل أو يسكت على ضلال
......... يقول ابن حجر يحتمل أن يكونوا طلبوا السقيا من الله مستسقين به ( صلى
الله عليه وسلم ) (2) . ولم لا يكون
التوسل بعم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) العباس أراد به عمر رضي الله عنه أن بيين جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل .
ولما كان هذا الحديث – حديث الاستسقاء – لم يكن نصا صريحا في جواز
التوسل به ( صلى الله عليه وسلم ) حيا
وميتا وجواز التوسل بغيره من الصالحين ، فإن الأرجح في فهمه وما يوافق ظاهر لفظه
هو دلالته على الجواز ، ذلك لأن بعضهم قال لكي يؤيد رأي عدم الجواز أن هناك مضافا
محذوفا في قول عمر (( وإنا نتوسل إليك بعم نبينا )) أي بدعاء عم بعم نبينا فلا
ندري لم لا يجري على ظاهره (3) .
حديث الأعمى : ولقد روي الطبراني بسنده عن عثمان بن حنيف أن رجلا كان
يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له مكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته
فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان : ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت
المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل : (( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد ( صلى
الله عليه وسلم ) نبي الرحمة ، يا محمد
إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي ، وتذكر حاجتك ، فانطلق الرجل فصنع ما قال له
ثم أتى باب عثمان ، فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان ، فأجلسه
معه على الطنفسة وقال : ما حاجتك ؟ فذكر حاجته فقضاها له ثم قال له : ما ذكرت
حاجتك حتى كانت هذه الساعة ، وقال : ما كانت لك من حاجة فأتنا ، ثم إن الرجل خرج
من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له : جزاك الله خيرا ما كان ينظر في حاجتي ولا
يلتفت إلى حتى كلمته في ، فقال عثمان بن حنيف والله ما كلمته ، ولكن شهدت رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأتاه رجل
ضرير فشكا له ذهاب بصره ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : أو تصبر ؟ فقال : يا رسول الله ليس لي قائد
وقد شق علي ، فقال له النبي ائت الميضأة فتوضأ ثم صلي ركعتين ثم ادع بهذه الكلمات
. قال عثمان بن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل عليه الرجل كأنه
لم يكن به ضر قط والنص واضح بالتوسل بالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بعد وفاته ولذلك صرفه بعضهم ومنهم الشيخ الكوثري
والشيخ حسين مخلوف على الحوار بالتوسل بغيره إذ أن دلالة الحديث على التوسل صراحة
بذات الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وليس
بغيره فالتوسل بغيره لاختلاف فيه مجال والذي نرجحه هو الجواز حيث لم يردها ما يدل
على المنع والله اعلم (4) .
يقول الشيخ محمد حسنين مخلوف (5) : التوسل بذوات الأنبياء والصالحين
بمعنى الاستشفاع بذواتهم وسيلة عند الله تعالى لبلوغ مآرب المتوسلين لما لهم عند
الله تعالى من الزلفى والكرامة كأنه يقول : (( اللهم إني أتوسل إليك بنبيك ( صلى
الله عليه وسلم ) أو بفلان الصالح أن –
تقضي حاجتي أو ترزقني أو تشفى مريضي فهذا ونحوه لا شيء فيه ولا وجه لمنعه .
ولقد قال معاوية : إنا نستسقى بخيرنا وأفضلنا اللهم إنا نستسقى بزيد
بن الأسود فاستسقى معاوية بهذا الرجل الصالح ، ومن أنواع التوسل الخلافية التوسل
بجاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحقه
وحرمته فقد وافق العلامة الألو سي على جواز التوسل بجاهه ( صلى الله عليه وسلم ) وحرمته حيا أو ميتا وصرف الجاه والحرمة إلى صفة
من صفات الله تعالى أي اجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتي ، وقال : نعم لم يعهد
التوسل بالجاه والحرمة عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولعل ذلك كان تحاشيا منهم
عما يخشى أن يعلق منه في أذهان الناس إذ ذاك وهم قريبو عهد بالتوسل بالأصنام ثم
اقتدى بهم من خلفهم من الأئمة الطاهرين وقد ترك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هدم الكعبة وتأسيسها على قواعد إبراهيم لكون القوم حديثي عهد بكفر كما ثبت ذلك في
الصحيح (6) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) محص البقول ص10 2) فتح الباري ج2 ص147 . 3) هذا رأي د/ عزت عطية في كتابه ( البدعة )
ص451 وما بعدها .
4) هذا رأي د/ عزت عطية في كتابه ( البدعة ) ص458 .
5) في كتاب حكم الإسلام في التوسل ص45 .
6) حكم الإسلام في التوسل للشيخ محمد حسنين مخلوف ص26 .
-
الألوسي لا يرى بأسا في التوسل إلى الله تعالى
بجاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حيا أو
ميتا . ويراه من الجاه معنى يرجع إلى صفة من صفاته تعالى ، مثل أن يراد به المحبة
التامة المستدعية عدم رده وقبول شفا عته ، فيكون معنى قول القائل ، إلهي أتوسل
بجاه نبيك ( صلى الله عليه وسلم ) أن تقضي
لي حاجتي , أي إلهي اجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتي .
-
يقر الألو سي أنه لم يرد شيء من الصحابة
الكرام في موضوع التوسل بجاه وحرمة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويقول : لعل ذلك كان تماشيا منهم غما يخشى أن
يعلق في أذهان الناس , إن ذاك وهم قريبوا
عهد بالتوسل بالأصنام .
-
ويقر الألوسي أن التوسل بالجاه والحرمة ليس
بأفضل من الأدعية المأثورة التي جاء بها الكتاب ، وصرحت به السنة ، لأنه لا يستريب
منصف في أن ما علمه الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ودرج عليه الصحابة الكرام ، رضي الله عنهم
وتلقاه من بعدهم بالقبول أفضل وأجمع وأنفع وأسلم .
-
ويذهب الألوسي إلى أن التوسل بجاه غير النبي
( صلى الله عليه وسلم ) لا بأس به أيضا في
إطار المعنى الذي قرره ، إن كان التوسل بجاهه مما علم أن له جاها عند الله تعالى , كالمقطوع بصلاحه
وولايته .. روح المعاني 6/125-129 .
يقول الإمام ابن تيمية : (( نقل عن احمد بن حنبل في مسند المرودي التوسل بالنبي ونهي عنه
آخرون , فإن كان مقصودهم التوسل بذاته فهو محل النزاع , وما تنازعوا فيه يرد إلى
الله والرسول)) (1) ويقول أيضا(( بل غايته
أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد ، ومما تنازعت فيه الأمة فيجب رده إلى الله
تعالى والرسول )) (2)
ويقول (( وإن كان في العلماء من سوغه ، فقد ثبت عن غير واحد من
العلماء أنه نهى عنه – فتكون مسألة نزاعية – وليس هذا من مسائل العقوبات بإجماع
المسلمين بل المعاقب على ذلك معتد جاهل ظالم ، فإن القائل بهذا قد قال ما قالت
العلماء والمنكر عليه ليس معه نقل يجب إتباعه لا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولا عن الصحابة (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) الفتاوي لابن تيمية ج1 ص264 . 2) الفتاوي ج1 ص179 . 3) الفتاوي ج1 ص285 .
ويقول الإمام ابن تيمية :
( لم يقل أحد إن التوسل بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) استغاثة به ، بل العامة الذين يتوسلون في
ادعيتهم بأمور يعلمون أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور ، فإن المستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم ) طالب منه ، وسائل له ،
والمتوسل به لا يدعوا ولا يطلب منه ، ولا يسأل ، وإنما يطلب به ، وكل أحد يفرق بين
المدعو والمدعو به ) (1) .
كما نص على ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب حيث قال في المسألة العاشرة
: ( قولهم في الاستسقاء لا بأس بالتوسل بالصالحين ، وقول أحمد بتوسل بالنبي ( صلى
الله عليه وسلم ) خاصة مع قولهم إنه لا
يستغاث بمخلوق فالفرق ظاهر جدا ، وليس الكلام ما نحن فيه ، فكون بعض يرخص بالتوسل
بالصالحين ، وبعضهم يخصه بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه ، فهذه
المسألة من مسائل الفقه ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور أنه مكروه فلا ننكر على فعله )(2). فقد تضمن كلام الشيخ أن
التوسل بالصالحين ، أو بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) هو مع خلاف بين العلماء ، وأن هذه المسألة من
مسائل الفقه.
لهذه الوجوه والملابسات
اعتبرت هذه المسألة من مسائل الفروع لا من مسائل الأصول والعقائد .
الأول : إن الطلب من الدعاء متوجه مباشرة إلى الله عز وجل وليس إلى
المتوسل به ولذلك فالدعاء حقيقة هو الله عز وجل وليس للمخلوق .
الثاني : إن المتوسل لا يعتقد أن المتوسل به ممن يملك نفعا أو ضرا أو
ممن يعطي ويمنع فإن اعتقد ذلك فقد أشرك بالاتفاق وإنما يعتقد أن للمتوسل جاها
ومقاما عند الله عز وجل بسبب عمله الصالح ولذلك يرجو استجابة دعائه عند الله عز
وجل فهو في الحقيقة متوسل بعمله الصالح أو
دعائه المستجاب .
الثالث : إن نصوصا وردت يظهر منها مشروعية مثل هذا الفرع من الدعاء
وإن كان الخلاف دائرا بين أهل العلم حول صحتها والمراد من معاني الصحيح منها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) باختيار الفتاوى 35/102 . 2) مجموعة فتوى الشيخ محمد
عبد الوهاب ص68-69 .
أخي المسلم .
أرأيت كيف أن المسألة نزاعية خلافية كما قال العلماء وليست من أمور
العقيدة في شيء .
وكل ما اختلف له علماء الأمة ، لا يكون عقيدة لأن العقيدة هي مواضيع
الشدة في أصول الدين ، وتلك لا تثبت إلا بالنصوص القاطعة كما ذهب إلى ذلك الجمهور
الأعظم من الأصوليين في الإسلام .
ها نحن قد رأينا أن التوسل بذات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبغيره مسألة خلافية فإن الإمام احمد بن حنبل
وابن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري في صحيح البخاري ويجوز بالنسبة للنبي ( صلى
الله عليه وسلم ) وبغيره ، وكذلك العلامة
الألوسي كما أجازه الشيخ زاهد الكوثري كما رأيت بالنسبة للأحياء والأموات بينما
منع ذلك الإمام ابن تيمية وغيرهم .
فالمسألة كما رأيت فيها خلاف فقهي والخلاف في كيفية الدعاء ولذلك فهي
ليست من أمور العقيدة فلا تتصل بكفر وإيمان إنما متصل بصواب وخطأ مما يسوغ فيه
الاجتهاد – أي مسألة فرعية – لا يجوز الخصام بسببها أو الهجر أو التدابر والتقاطع
فضلا عن العقوبة كما ذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله .
ومع ذلك فالاحتياط أن تقف عندما وقف الصحابة الكرام ولا نزيد على ذلك
. لأنه اتفاق على موضع الاتفاق بينهم ، لا سيما في المسائل التي نخص التوجه إلى
الله تعالى وحده بالعبادة .
والذي يترجح من هذه المسألة أن القائلين بالمنع أقوى حجة وأقوى مستند
والالتزام به التزام بما اتفق عليه . والأحوط للمسلم تجنب المختلف فيه ما لم تكن
ضرورة قدر المستطاع ولا ضرورة هنا بل إنه الأسلم للدين والأحوط من الوقوع فيما
يخالف الشرع من حيث لا شعر المسلم وهو الاستغاثة وما شابهها من أنواع الأدعية غير
المشروعة .
وخلاصة ما نريد أن نقوله إن الشريعة الغراء جاءت فاصلة بين حدود
الإيمان والشرك مبينة ما يجب إتباعه من آداب الألسن والجوارح والقلوب .
وغاية ما يؤخذ على بعض العوام من الناس الذين تعذرهم بجهلهم صدور بعض
الألفاظ الموهمة التي يقولونها والحقيقة أنهم لم يريدوا منها إن النبي ( صلى الله
عليه وسلم ) أو الولي ينفع ويضر بمعنى يخلق الضر والنفع فدعوه بها إذ هم يعتقدون
أنه لا خالق إلا الله { لا إله إلا هو خالق كل شيء } ولا يستحق للعبادة إلا هو { ألا له الدين الخالص
} فيجب أن نعلمهم أن يجتنبوا كل ما فيه إيهام مشابهة للمشركين ، ويجب أن نسد هذا
الباب سدا منيعا – إن هم أتوا بأمور تنافي الشرع – وننهى كل من يدعوا بمثل هذا
الذي يوقع في الشرك والضلال – مما نراه في الأضرحة والقبور – علما بأن الشرك
الأكبر قلما يقع من مسلم خالط قلبه شعب الإيمان ، والشرك الخفي أنواعه كثيرة وكلها
وإن كانت لا تخرج المؤمن عن ملة الإسلام فقد تجر إليه كما قيل أن المعاصي بريد
الكفر ، وقول بعض الناس إن هذا كفر صراح وشرك جلي – دون تبيان ذلك للجاهل وتعريفه
بالإسلام – من الغلو في الدين – والله يقول : { يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم
ولا تقولوا على الله غير الحق } .
أخــــــــي المسلم
ثبت في الصحاح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الرجل الذي قال : إذا أنا مت فاحرقوني ثم
اسحقوني ثم ذروني في اليم . فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا
من العالمين . فقال الله له : ما حملك على ما فعلت ؟ قال : خشيتك . فغفر له (1) .
فهذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك ، أو شك ،
وأنه لا يبعثه . وكل واحد من هذين الاعتقادين كفر يكفر من قامت عليه الحجة . لكنه
كان يجهل ذلك ، ولم يبلغه العلم بما يرده على جهله ، وكان عنده إيمان بالله وبأمره
ونهيه ووعده ووعيده ، فخاف من عقابه ، فغفر الله له خشيته .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أخرجه : البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء ، باب رقم (54) ( 6/514)
.
وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله : { ربنا لا تواخذنا إن
نسينا أو أخطأنا } (1) وفي الصحيح قال :
قد فعلت (2) .
أقوال السلف الصالح في مسائل
الخلاف
قال يحيى بن سعيد الأنصاري – رحمه الله تعالى – وهو من أجلاء
التابعين : ( ما برح أولو الفتوى يختلفون ، فيحل هذا ويحرم هذا ، فلا يرى المحرم
أن المحل هلك لتحليله ، ولا يرى المحلى أن المحرم هلك لتحريمه ، وقال سفيان الثوري
- رحمه الله تعالى- :
( ما اختلف فيه الفقهاء فلا أنهى أحدا من أخواني أن يأخذ به ) .
وقال الثوري أيضا : ( إذا رأيت الرجل يعمل
العمل الذي قد اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه ) (3) .
وقال يونس الصدقي - رحمه الله تعالى- (( ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوما في
مسألة ، ثم افترقنا ، ولقيني ، فأخذ بيدي ، ثم قال : يا أبا موسى ، ألا يستقيم أن
نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة )) .
قال الذهبي تعليقا على كلام الإمام الشافعي
: ( هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام ، وفقه نفسه ، فما زال النظراء يختلفون ) .
وقال الإمام احمد بن حنبل - رحمه الله تعالى – (( من
افتى الناس ليس ينبغي أن يحمل لناس على مذهبه ويشدد عليهم )) (4) .
أخي المسلم
لقد اخطأ من اتخذ رأي بعض أئمة الإسلام أصلا
في مسائل التوسل ويدع الآخرين من خلال منهجه المغلق المتعصب الذي لم يتفقه في أصول
الدين وفروعه ، كي يميز بين الأصول والفروع .
إن تحويل مذهب من مذاهب علماء الإسلام أو
رأي من آرائهم إلى دين مقدس يحاسب الناس عليه ، لمن الخطأ الكبير لا يقدم عليه
عالم مؤمن يعرف فيصل التفرقة بين ما هو دين معصوم وبين ما هو رأي يحتمل الخطأ
والصواب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة البقرة . الآية 286 . 2)أخرجه مسلم في كتاب الإيمان –(1/116)
.
3) الفقه والمتفقه (2/69 ) . 4) آداب الشافعي ومناقبه للرازي ( ص44)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق