الثلاثاء، 2 يوليو 2019

الفنون والاسلام - حكم التصوير في الإسلام - الإســــلام والغنــــــاء؟!


بسم الله الرحمن الرحيم
الفنون والاسلام
ان تاريخ الفن العربي الاسلامي بحر هائل من الابداعات والابتكارات وهو خزين لا ينضب تدفقه ولا سحره ولا تأثيره على أصحابه وأبنائه ... ولكن على الرغم من ادعاء الكثير من المثقفين والفنانين بأهمية فنون الماضي وتوظيف مفرداتها واستخدامها أساسا للنقلات الجديدة نحو فن المستقبل إلا أن بعض الفنانين العرب تهاونوا في استثمارها الإستثمارا الأمثل وأخفقوا على نحو خاص في توظيف عناصرها في أعمالهم الفنية الحديثة بالصورة التي نطمح إليها .....و عندما نعقد مقارنة بين الفن العربي المعاصر و الفن الأوروبي المعاصر نجد أن الفن العربي لم يستثمر الماضي إستثمارا صحيحا كما استثمره الفن الأوروبي بشكل جعل من تاريخ فنه و شخصياته الفنية منهاجا عالميا تتلاقفه الأجيال جيلا بعد جيل .
يعتبر الفن الإسلامي من أغنى ظواهر مسيرة الحضارة الإنسانية و أخصبها ، و مع هذا فإن دراسة مكونات هذا الفن و تطوره و تحليله لم تبدأ بصورة جدية و بطريقة علمية دقيقة و موسعة إلا في الربع الأول من القرن الرابع عشر الهجري ( القرن العشرين الميلادي ) على يد المستشرقين من أساتذة و مؤرخين و معنى فن إسلامي يختلف كليا عن فن مسيحي أو فن بوذي فالفن المسيسحي على سبيل المثال يعني الفن الذي صنع خصيصا للكنيسة من تصوير و موسيقى و نحت و غيره و هو ذو موضوع و معنى ديني بحت ، و كذلك الفن البوذي فهو فن المعابد و العبادة و كل ما يتعلق بالاله بوذا ، بينما الفن الإسلامي يعني كل ما قام بصنعه المسلمون أو ابتكروه من فنون و حرف في بلادهم من أجل استعمالهم و متعتهم .
و لقد قدم الفنان العربي المسلم في العصور الوسطى عطاءه للبشرية بشواهد و شواخص لم تزل باقية تعبر عن معانيها و رمزيتها . فكانت إمكانياته الإبداعية منبثقة من مقومات تلك الفترة الزمنية لتؤرخ مراحل التطور في الفكر و المعرفة و الفن و نواحي الحياة كافة .
و لقد بقي تاريخ الفن العربي الإسلامي لعهود مظلمة طويلة لم يذكر في كتب المؤرخين من المستشرقين ، و إن معظم المستشرقين الذين كتبوا عن الفنون العربية الإسلامية لم يكونوا منصفين في كتاباتهم عنها و لم يقولوا الحق ، و كان المنهج الذي اعتمده هؤلاء المستشرقين في كتابة تاريخ الفن الإسلامي كان منهجا يحاولون فيه النيل من هذا الفن ، و جاءت معظم كتاباتهم مشوهة للحقائق تطعن العرب و فنونهم و قوميتهم فقد أخفت هذه الكتب مبتكرات العرب في الفنون و طمست الكثير من الحقائق عن هذا الفن العظيم ، و بقي الفن الأسلامي مقيما في منفى كتب مصغرة لا يقرأها إلا العدد القليل من الناس .
إلا أن بعض المنصفين من المؤرخين الأجانب الذين اتصفوا بالدقة و الرصانة العلمية في كتاباتهم أقروا بأن الحضارة الإسلامية تعد أول حضارة في تاريخ البشرية إتسمت بالإنسانية إذ جمعت شعوبا مختلفة و جانست فيما بينهم فكان عطاؤها الثري في شتى ميادين العلوم و الفنون و المعرفة ، و اعترفوا أيضا أن العرب تفاعلوا مع المعطيات الحضارية الأخرى فدرسوها دراسة علمية و مع الزمن كان لهم دورهم المبتكر المميز الطابع في الفنون و قدموا إنجازاتهم الرائعة منها إلى أوروبا .
لقد أبدع الفنان المسلم في شتى ميادين الفنون ووصل إلى درجة من الروعة و الإبداع الفني و من الميادين التي برع فيها الفنان المسلم :
- الزخرفة الإسلامية .
- الحفر على الحجر و الجص.
- العمارة الإسلامية .
- الخزف.
- الزجاج و البلور.
- النسيج و الأبسطة.
- المسكوكات الإسلامية.
- الحفر على العاج و العظم.
- فن الكتاب.
- التحف المعدنية.
- الخط العربي .
- التصوير و النحت.
- الموشحات الدينية.

     








حكم التصوير في الإسلام
عندما أشرق الإسلام بنوره على العالم و قضى على عبادة الأصنام و ما يتصل بها من عبادات ، و كانت أبرز وسائل العقيدة الجديدة تحطيم هذه الأصنام إلى جانب العقيدة الوحدانية الربانية ، و من ثم نشأت كراهية طبيعية لكل عمل يذكر بهذا الماضي البغيض .
و على الرغم من أن القران الكريم لم يرد فيه نص صريح يمنع ممارسة تصوير الكائنات الحية ، فإن بعض الأحاديث النبوية جاءت بأن تصوير الكائنات الحية حرام .
و قد سادت فكرة تحريم الصور و كراهيتها بين المسلمين بعد وفاة النبي _ص_ بنحو قرن و نصف أو أكثر و كان أساسها الفزع و الخوف من أن تؤدي أعمالها إلى عودة الناس لعبادة الأصنام ، و يرجع أساس هذا التحريم و كراهيته إلى بعض الأحاديث التي نسبت إلى النبي  ( ص ) منها : " إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون " و " إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة و يقال لهم أحيوا ما خلقتم " .
و قد استقر رأي الكثير من المفسرين و الفقهاء على أن المقصد من هذا التحريم هو إبعاد المسلمين عن عبادة الأصنام التي كانت سائدة في الجاهلية و لا يكون حراما إذا قصد به الزينة المباحة .
أما العلماء و رجال الدين العرب المعاصرون فإنهم يبيحون التصوير ما دام لا يصرف المسلمين عن العقيدة أو العمل .
ويلعب التصوير دورا كبيرا في حياة الناس العملية و العلمية و هو حاجة إجتماعية و مظهر من مظاهر التطور و الرقي عند البشرية .
و إذا ما راجعنا إلى حكم القران و تعاليمه فنراه يدفعنا إلى الإقبال على الاستمتاع بالزينة و الجمال بصورة معتدلة و يقول الله تعالى : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) و ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ) بهذه التوجيهات الإلهية نبه القرآن إلى أهمية الزينة و الجمال في الحياة و هما خير وسيلة لتهذيب الذوق و الظهور بمظهر لائق محترم
فالمنطق السليم يحكم بأن التصوير الذي يهدف فيه تشبيه الخالق بصور الأجسام البشرية هو المحرم .






إن أول مايلفت النظر في شخصية الفن الإسلامي أنه يتمثل في أشكال مجردة نباتية أو هندسية أطلق عليها إسم الرقش العربي .
حيث اتجه الفنان المسلم إلى عوامل جديدة بعيدة عن رسم الأشخاص و بعيدة عن محاكاة الطبيعة ، و هناك ظهرت عبقريته و تجلى ابداعه و عمل خياله فأوجد تلك المجالات الجديدة بعد أن أعمل فيها حسه المرهف و ذوقه الأصيل .
و كان من جملة هذه العطاءات فن الزخرفة و فن الكتابة و أن وظيفة هذا الفن في صنع الجمال و الزخرفة واحدة من الوسائل المهمة التي تصنع الجمال و هذا ما يوضح لنا السر في تبوئها مكان الصدارة بين الفنون الأسلامية الأخرى ، فهي العمل الخالص الذي لا يقصد به إلا صنع الجمال حيث يلتقي شكل العمل الفني بمضمونه ليكون وحدة متماسكة لصنع الجمال ظاهرا و باطنا الأمر الذي لانكاد نجده في أي نوع آخر من الفنون .
  

















أثر الفن الإسلامي في أوروبا
-    نالت الزخرفة الإسلامية اهتمام وعناية الفنانين الأوروبيين في مختلف العصور و انخذوها مصدرا و استلهاما يغني تجاربهم الفنية من رسم و نحت و عمارة و زخرفة كما حدث في بيزنطه و أسبانيا و إيطاليا و فرنسا و إنجلترا و لجأ هؤلاء الفنانون إلى عدة عناصر فنية عربية وإسلامية حيث أصبحت تشكل عندهم معنى عميقا حيث تأثرت أعمال كبار المصورين في أوروبا أمثال بيكاسو و هوليبين و دافنتشي بالفنون الإسلامية حيث قاموا بدراسة و تحليل الزخرفة الإسلامية و قاموا بصياغتها بأسلوب مستحدث .
-        ظهرت أنواع من السجاد في أوروبا تحاكي السجاد العربي الإسلامي .
-    ظهرت النقوش العربية في أعمال الفنان الفرنسي ماتيس و أعمال الفنان هاينرش و جوزيف ألبرس و كانت أشكالها الزخرفية مستندة إلى الأشكال الهندسية الإسلامية الخالصة المقتبسة من السجاد الإسلامي .
-    استطاع الفنان هانز هولباني أن يبتكر أسلوبا زخرفيا مشبعا بالروح العربية الأصيلة فوضع تصميمات نقوش مورقات من أصل عربي إسلامي .
-        لعبت الزخرفة العربية ( الأرابسك ) دورا كبيرا في تزيين العمارات الأوروبية القديمة.
-    لم يقتصر تأثير الفن الإسلامي على تلك الفنون الزخرفية الأوروبية و لكنه أثر كذلك في العمارة الأوروبية حيث تأثرت العمارة الأوروبية بالكثير من العناصر المعمارية و الزخرفية الإسلامية التي تركت طابعها المميز في مبانيها و لعل خير مثال ذلك كنيسة القديس ميخائيل في مدينة لابوي في جنوب فرنسا و ما نشاهده في بعض عمائر مدينة بيزا في جنوب إيطاليا.
-    تعلم الإيطاليون من المسلمين صناعة الزجاج المزخرف بالمينا و اشتهرت البندقية بإنتاج هذا الزجاج الشرقي .
-    الخزف ذو البريق المعدني الذي تعلمه الإيطاليون من الأندلسيين الذين تعلموه بدورهم من المغرب وبغداد وانتشر هذا الخزف في كل أنحاء أوروبا .
-     كما أن التحف المعدنية المطعمة بالذهب أو الفضة قد وجدت طريقها إلى أوروبا مع التجار أو مع حجاج بيت المقدس .
-    المشربيات الخشبية التي حذق صنعها النجارون المسلمون في شرق العالم الإسلامي و غربه و استعملوها في قصر الحمراء في غرناطة كانت في إغلب الظن مبعث الوحي لصناع المعادن في أوروبا عندما كانوا يصنعون شبابيكهم الحديدية .
-    المنسوجات الإسلامية كان لها أثر واضح على المنسوجات الاوروبية في العصور الوسطى إذ أثارت في نفوسهم دهشة عظيمة وأخذ الأوروبيون يتساءلون عن موضع السحر في هذه الأقمشة أهو جمال الزخرفة أم هو التنسيق بين الألوان أم هو في دقة النسيج أم هو في هذه جميعا .
-    الطنافس( الأسبطة ذات الخمل ) . أدرك الأوربيون ما في الطنافس الإسلامية من جمال وفن وقدروا هذا الجمال الفني حق قدره فأقبل الأغنياء منهم على إقتنائها ليزينوا بها قصورهم و كنائسهم.
الخاتمة
إذا كان من حق الأمم والشعوب أن تفخر بحضارتها وما قدمته من إنجازات في مجال العلوم والفنون التي خدمت الإنسانية فحري بنا أن نفخر بحضارتنا العربية الإسلامية التي أسهمت إسهاماً فاعلا ً وأصيلاً في رفد الحضارة الإنسانية بعطاء خصب وغذتها بمعين ثرٍ من نتاج علمائها وفنانيها في شتى ميادين المعرفة والفنون ، فكان لذلك النتاج العلمي والفني آثارا جلية في إغناء الفكر الإنساني والإسهام الذي سلك سبلاً متعددة ليكون عاملاً مهماً من عوامل النهضة الحضارية الأوروبية الحديثة.
إننا ندعو إلى مدرسة عربية إسلامية في الفن ليست هواية أو رغبة عابرة إنما هي هدف وغاية نبيلة.
وأخيراً أوصي بالحفاظ على هذا الفن وعدم الخضوع للفنون المعاصرة الغربية والحفاظ على هذا التراث دون أي شوائب لينتقل إلى أجيالنا ولتبقى هويتنا الإسلامية هي المنبع والفكر لهذه الأمة ومن أجل رفع راية الله أكبر عالية خفاقة لتدل على معاني الإسلام وروحه في الفكر والفن على حد سواء.





بسم الله الرحمن الرحيم

الإســــلام والغنــــــاء

بقلم د. أحمد محمد عبد ربه موسى

          إن الاسلام أباح للمسلم أن يروح عن نفسه بأنواع من اللهو المباح مثل ملاعبة الزوجة والأولاد ومسابقة العدو واللعب بالسهام وغير ذلك عن أنواع اللهو المباح،  وفي المقابل نهى عن اللهو الذي يكون فيه اعتداء على حرمات الاسلام أو فيه ما يثير الغرائز والشهوات ومن هذه الملاهى التي نهى الاسلام عنها الغناء الماجن (زاد المتقين - عودة سليمان ).
          ولقد اختلف الناس في الغناء فأجازه عامة أهل الحجاز  وكرهه عامة أهل العراق والاختلاف هنا في استماع الأشعار بالألحان وقد كثرت الأقوال في ذلك (احياء علوم الدين - للغزالى) فمن حجة من أجازه أن أصله الشعر الذي امر النبي صلى الله عليه وسلم به وحض عليه وندب أصحابه اليه وتَجَّند به على المشركين فقال لحسان : شُن الغارة على بنى عبد مناف، فوالله لشعرك أشد عليهم من وقع السهام في غلس الظلام،  واكثر شعر حسان بن ثابت يغنى به (احياء علوم الدين - للغزالى).
          ولا ريب هناك أنواعاً من الغناء اتفقوا على تحريمها واخرى اتفقوا على اباحتها وثالثة هي موضع الاجتهاد والنظر (الحلال والحرام - للقرضاوي) قال الفقهاء يباح الغناء ان كان لبعث الهمة على العمل الثقيل او  لترويح النفس أثناء السفر كالارتجاز.  فقد ارتجز النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابة في بناء المسجد وحفر الخندق، وكالحداء الذي يحدو به الاعراب ابلهم وكالشعر السالم من الفحش ووصف الخمر وحاناتها والتشبيب بأمرأة حيه معينه،  والخالى أيضاً من هجاء مسلم او ذمي(حكم الاسلام في الغناء - محمد الحامد).
          ونقل الهيثمي عن العز بن عبد السلام قوله:  أما الاشعار والتشبيهات فمأذون فيها وقد انشد كعب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بـانت سعـاد فقلبي  اليوم متبول          متيـم اثـرها لـم يفـد مكبـول
وما سعـاد غداة  البين اذ رحلـوا         إلا أغن غضيض  الطرف مكحول
تجلو عوارض ذي ظلم اذا ابتسمت            كـأنه منـهل بالـراح معـلـول
          كما يجوز الغزل البرىء للنساء في الاعراس اذا لم يسمعهن الرجال،  فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للنساء أن يقلن:-
          اتيناكم اتيناكم              فحيانا وحياكم              (زاد المتقين - عوده سليمان)
          ومن الغناء المباح باتفاق فهو الغناء الفطري الذي يترنم به الانسان لنفسه او المرأة لزوجها او الجارية لسيدها ومنه حداء الابل ومثله غناء النساء المعتاد في الأعراس في مجتمعهن الخاص ونحو ذلك.
          وأما ما اتفقوا على تحريمه فهو ما اشتمل على معصية او دعا اليها وما عدا ذلك فهو مما يختلف فيه الانظار (الحلال والحرام - للقرضاوي)  ويقول د. القرضاوي أن الغناء في ذاته لا حرج فيه وهو داخل في جملة الطيبات او المسندات التى اباحها الاسلام وانما الاثم هو فيما يشتمل عليه أو يقترن به من العوارض التي تنقله من دائرة الحل الى الحرمة او الكراهه التحريميه. وأكثر من ذلك أنه يستحب في المناسبات السارة اشاعة للسرور وترويحاً للنفوس وذلك كأيام العيد والعرس وقدوم الغائب وفي وقت الوليمة والعقيقة عند ولادة المولود.
          وقال الشيخ علي طنطاوي في كتابه (فتاوى - ص 107) هل حرّم الشرع سماع الأصوات المطربة المتناسقة لأنه استقبحها لذاتها ؟  لا ،  ولو أن انساناً جمع في بيته الطيور المغرده والبلابل والشحارير واستمع اليها فطرب لأصواتها لما كان في عمله محظور فليس الغناء والموسيقى مما استقبحه الشرع لذاته ولكن يطرأ عليهما التحريم في حالات وهي:
1.  الكلام الذى يتغنى به، فان كان فيه ما يمس العقيدة أو يضل عن سبيل الله او يدعو الى محرم اوينفر من واجب او كان فيه غزل مكشوف او غزل بإمرأة معينة معروفه لم يجز،  أما الغزل العفيف فلا مانع منه.
2.  حال المغني والسامع،  فإن غنت امرأة للرجال الأجانب لم يجز لأن صوت المرأة بالتطريب يعتبر عورة،  لأنه ينقل الرجل الى الطرب المثير للعاطفة لصوت المرأة.
3.  وقت الغناء، فان كان في وقت اداء واجب دينى أو دنيوي والغناء يشغل السامع عنه لم يجز، وان طال الوقت حتى صار سماع الغناء عادة لا يستطيع تركها كان الأولى عدم سماعه.
4.    مجلس الغناء، فان كان فيه محرم كالخمر او الاختلاط بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه لم يجز.
5.  أثره في نفس سامعه وهذا مقياس شخصي فمن كان يعلم من نفسه أن الغناء والموسيقى يدفعانه الى حرام او يصرفانه عن واجب لم يجز له أن يسمع.
          فإذا تغنى المرء او عزف لنفسه في وقت فراغه او تغنت المرأة لزوجها أو للنساء، أو أن يغنى الرجل للرجال بالشروط التي سبق ذكرها أو يسمع الغناء من الراديو بهذه الشروط فهو على الاباحة الأصلية.
          أما الوضع الحالي للمغنين والمغنيات وما يقترن به من تكشف واختلاط وما ينفق فيه من جليل الأموال وما يكون لهؤلاء من التقدير في المجتمع والتقديم على أهل العلم فلا يجادل مسلم في أنه ممنوع في الاسلام ( فتاوى - الشيخ على الطنطاوى).
          وذكر الشيخ أبو طالب المكى رحمه الله حيث قال في السماع حلال وحرام وشبهه.  فمن سمعه بنفس مشاهدة شهوة  وهوى فهو حرام،  ومن سمعه بمعقوله على صفة مباح من جاريه أو زوجه كان شبهه لدخول اللهو فيه، ومن سمعه بقلبه يشاهد معانى تدله على الدليل ويشده طرفات الجليل فهو مباح (احياء علوم الدين - للغزالى).
          والغناء والموسيقى من القضايا التي تباينت فيها الآراء منذ العصر الأول للاسلام الى يومنا هذا ما  بين مانع له يحظره ويرمى أصحابه بالفسق والمروق عن الدين وبين مبيح له بشروط لا يخرج بها عن حد الترويح عن النفوس المتعبة المكدودة كأي أمر آخر من متع الحياة المباحة.
          ولسنا الآن بصدد عرض آراء الفريقين ومناقشتها (الصحوة الاسلامية - حيدر قفه) لأن هذا مجاله المطولات من الكتب كما ان هذا ليس غرضنا هنا بيد أنني قرأت ما كتب عن الغناء في عدة كتب تمثل آراء الفريقين أذكر منها على سبيل المثال:
          1-       مدارج السالكين                      لابن القيم
          2-       اغاثة اللهفان                         لابن القيم
          3-       تلبيس ابليس                         لابن الجوزى
          4-       احياء علوم الدين                    للامام الغزالي
          5-       فتاوى ابن تيميه
          6-       المنتقى من اخبار المصطفى       لابن بركات عبد السلام بن تميمه الحرانى
          7-       نيل الأوطار                          للشوكاني
          8-       فتاوى محمد رشيد رضا           
          9-       حكم الاسلام في الغناء لمحمد الحامد
          10-     فتاوى شلتوت
          11-     آداب الزفاف للألبانى
          12-     فتاوى على الطنطاوي
          13-     فتاوى معاصرة للدكتور يوسف القرضاوى
          14-     الحلال والحرام للدكتور يوسف القرضاوى
          15-     الحلال والحرام لعساف.
          وغيرها من الكتب التى تناولت الموضوع (الصحوة الاسلامية - حيدر قفه) ويقول خرجت من قراءتي بعدة انطباعات من أهمها أن الفريق الذي يرى المنع والحظر يغلب علية حدة الطبع وسرعة الاتهام للفريق الثاني ورمية بالتهاون في دين الله والفهم العقيم وارادة الافساد مع التجريح الشخصي أحياناً،  وكأن الله أناط بهم وحدهم الدفاع عن دينه ضد هؤلاء المتهاونين في زعمهم كما انهم كثيراً ما يوردون الأدلة دون ذكر آراء المخالفين أو حتى آراء المعتدلين في هذه الأدلة من حيث صحتها أو دلالتها على موضع الاستشهاد وفي هذا تعميه على الناس،  بينما يغلب على الفريق الثاني الذي يبيح الغناء بشروط ايراد الأدلة المانعة والمبيحة ومناقشة كل دليل ووزنه بميزان العلم الدقيق من حيث صحته ودلالته مع ايراد آراء العلماء جمعيها بأنصاف وهدوء  ثم الخلوص من ذلك كله الى الرأي الذي يرون أنه الحق.
          وقد قال الشيخ محمد رشيد رضا في كتابه (فتاوى - ج 2 - ص 492 ) بعد ما ناقش أدلة الفريقين مناقشة مستفيضة وذكر علل النصوص والحكم على رواتها ودرجة صحة الأحاديث قال : " خلاصة القول في السماع": -
1.    لم يرد نص في الكتاب ولا في السنة في تحريم سماع الغناء أو آلات اللهو يحتج به.
2.    ورد في الصحيح ان الشارع وكبار أصحابه سمعوا أصوات الجوارى والدفوف بلا نكير.
3.    لم يرد نص عن الأئمة الأربعة في تحريم سماع الآلآت.
4.    من يعلم أو يظن السماع يغريه بمحرم حرم عليه.
5.    اذا وصل الاسراف في اللهو المباح إلى حد التشبه بالفساق كان مكروها ً أو محرماً.
          وقال الشيخ محمود شلتوت - رحمه الله - ان الفقهاء اتفقوا على اباحة السماع في اثارة الشوق الى الحج وفي تحريض الغزاة على القتال وفي مناسبات السرور المألوفة كالعيد والعرس وقدوم الغائب،   ثم قال في الخلاصة تحت عنوان الأصل في السماع الحل  والحرمة عارضه ما نصه:  ان سماع الآلات ذات النغمات او الأصوات الجميلة لا يمكن ان يحرم باعتباره صوت آلة او صوت انسان او صوت حيوان وانما يحرم اذا استعين به على محرم او اتخذ وسيلة الى محرم او النهى عن واجب.
          ومع تسليمنا للعلماء الأفاضل مما توصلوا اليه إلا أننا نريد الوقوف عند واقعنا المعاصر فالحقيقة الماثلة للعيان أن الغناء والموسيقى في عصرنا ندر أن تكون مجردة عما يحيط بها من أمور تنقلها من الحل الى الحرمة فندر أن نجد من يعزف لنفسه او يغنى لنفسه الا في محيط ضيق جداً.
          ولكن على الأغلب أن المغني او المغنية تنفرد بالملحن وبالفرقة الموسيقية لعمل التدريبات ثم ما تكون عليه من التبرج واثارة الفتنة،  ثم التثنى والاثارة وربما كانت في مرقص في وسط السكارى مع هذا الطوفان الهائل من الأغاني والألحان والأشرطة والكلمات الهابطة ... الخ.  يجعل القلب لا يستريح الى هذه النتيجة ولا يشك أحد أنها بهذا الوضع حرام.
          أما الغناء المباح فيتمثل في الآتي:-
1.  الكلمات: يجب ان تكون عفيفة ونظيفه إن كانت غزلاً ولا تتعارض مع شرع الله وآداب الاسلام من قريب او بعيد فمثلاً أغنية أم كلثوم التي تقول فيها (لا تقل شئنا ولكن الحظ شاء)  لا تجوز لأن الحظ لا مشيئة له بل المشيئة لله وحده،  وأغنية عبد الحليم حافظ التي يقول فيها (قدر أحمق الخطى) فيها كفر وأغنية فايزه أحمد تقول فيها (وعيونك وغلاوتك وأنا باحلف بغلاوتك) فيها شرك وأغنية عبد الحليم حافظ (أبو عيون جريئه) دعوة وتحريض لمعصية الله ... وهكذا كل اغنية تصادم الشرع وآدابه لا تجوز.
2.  اللحــن: والمقصود به الموسيقى فان كانت هادئة متزنة لا تثير ولا تدفع الى الحرام فلا بأس بها وان كانت غير ذلك فلا تجوز.
3.  الأداء :  أن يكون المغني أو المغنية  معتدلاً في غنائه فان كان كذلك فلا بأس أما ان يتقصع او تتغنج وتثير الغرائز الجنسية فلا يجوز  فقد تكون الكلمات لا غبار عليها وكذلك اللحن لكن الأداء خرج بها عن الاعتدال.
4.  الوسـط:  فالمرأة أذا غنت للنساء بلا اختلاط بالرجال والرجل للرجال بلا اختلاط بالنساء جاز بالشروط السابقة اما في الملاهي والمراقص والحفلات المختلطة وحيث الخمر والعرى والفجور فلا يجوز.
5.  الزمــن : ألا يكون زمن فيه مصلحة محققة دينية او دنيويه كأن يسمع وقت الصلاة ويتركها لأجل السماع أو يسمع حتى يعطل عمله الذي يعيش منه او يفضل السماع على قضاء حوائج أهله او مجاملة الناس كعيادة مريض او تقديم عزاء او تهنئة فلا يجوز.
6.  الكمية أو المقدار:  فمن جعل الغناء دينة وحياته وكل وقته فهذا اسراف والاسراف مهلك،  لأن الغلو ممقوت أما من يسمع الغناء من شريط " كاست " أو المذياع بالشروط السابقة في فترات متقطعة تسرية عن نفسه فلا بأس ان شاء الله.

          وبعد ...  هذا رأينا في الموسيقى والغناء فمن وافقنا فبها ونعمت  ومن خالفنا ولم يقتنع برأينا فعليه بقراءة ما ذكرناه من المراجع وغيرها لعله يصل الى الحق باجتهاده وعليه ان يعذرنا بعد ذلك.

" والله يقول الحق وهو يهدى السبيل "









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق